الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: 341 ـ 350
(341)
    وذكر منها في المواهب اللدنية 1 : 48 ، أبياتا فقال : هي أكثر من ثمانين بيتا قال ابن التين : إن في شعر أبي طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به ( بحيرا ) وغيره من شأنه.
    وقال العيني في عمدة القاري 3 : 434 : قصيدة طنانة وهي مائة بيت وعشرة أبيات أولها :
خليلي ما أذني لأول عاذل بصغواء في حق ولا عند باطل
    ذكر منها البغدادي في خزانة الأدب 1 : 252 ـ 261 اثنين وأربعين بيتا مع شرحها وقال أولها :
خليلي ما أذني لأول عاذل خليلي إن الـرأي ليس بشركة ولما رأيت القوم لا ود عندهم بصغواء في حل ولا عند باطل ولا نهنه عند الأمور البلابل وقد قطعوا كل العرا والوسائل
    وذكر الآلوسي عدة منها في بلوغ الإرب 1 ص 237 وذكر كلمة ابن كثير المذكورة وقال : هي مذكورة مع شرحها في كتاب لب لباب لسان العرب.
    وذكر منها السيد زيني دحلان أبياتا في السيرة النبوية هامش الحلبية 1 ص 88 فقال : قال الإمام عبد الواحد (1) السفاقسي في شرح البخاري : إن في شعر أبي طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به ( بحيرا ) الراهب وغيره من شأنه مع ما شاهده من أحواله ومنها الاستسقاء به في صغره ومعرفة أبي طالب بنبوته صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار زيادة على أخذها من شعره.
    قال الأميني : أنا لا أدري كيف تكون الشهادة والاعتراف بالنبوة إن لم يكن منها هذا الأساليب المتنوعة المذكورة في هذه الأشعار ؟ ولو وجد واحد منها في شعر أي أحد أو نثره لأصفق الكل على إسلامه ، لكن جميعها لا يدل على إسلام أبي طالب. فاعجب واعتبر.
    هذه جملة من شعر أبي طالب عليه السلام الطافح من كل شطره الإيمان الخالص ، والاسلام الصحيح قال العلامة الأوحد ابن شهر آشوب المازندراني في كتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالى ( ولينصرن الله من ينصره ) في سورة الحج : إن أشعار أبي طالب
1 ـ هو ابن التين المذكور في كلام القسطلاني.

(342)
الدالة على إيمانه تزيد على ثلاثة آلاف بيت يكاشف فيها من يكاشف النبي صلى الله عليه وآله و يصحح نبوته ثم ذكر جملة ضافية ومما ذكر له قوله في وصيته :
أوصي بنصر نبي الخير أربعة وحمزة الأسد الحامي حقيقته كونوا فداء لكم أمي وما ولدت إبني عليا وشيخ القوم عباسا وجعفرا أن تذودا دونه الناسا في نصر أحمد دون الناس أتراسا (1)

ـ 2 ـ
ما ناء به من عمل بار وقول مشكور
    أما ما ناء به سيد الأباطح أبو طالب سلام الله عليه من عمل بار وسعي مشكور في نصرة النبي صلى الله عليه وآله وكلائته والذب عنه والدعوة إليه وإلى دينه الحنيف منذ بدء البعثة إلى أن لفظ أبو طالب نفسه الأخير وقد تخلل ذلك جمل من القول كلها نصوص على إسلامه الصحيح ، وإيمانه الخالص ، وخضوعه للرسالة الإلهية ، فإلى الملتقى. روى القوم :

ـ 1 ـ
    قال ابن إسحاق : إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرا فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير هب له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال : يا عم إلى من تكلني لا أب لي ولا أم لي ؟ فرق له أبو طالب وقال : والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا.
    قال : فخرج به معه فلما نزل الركب ( بصرى ) من أرض الشام وتهيأ راهب يقال له : بحيرا.
    في صومعة له وكان أعلم أهل النصرانية ولم يزل في تلك الصومعة راهب إليه يصير علمهم من كتاب فيهم كما يزعمون يتوارثونه كائنا عن كائن ، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون عليه قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يتعرض لهم حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريبا من صومعته فصنع لهم طعاما كثير وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله صلى الله عليه وآله من بين القوم.
    ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حتى أظلت
1 ـ في النسخة المطبوعة من متشابهات القرآن تصحيف وتحريف في الأبيات راجع ج 2 ص 65.

(343)
الشجرة وتهصرت يعني تدلت أغصانها على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها فلما رأي ( بحيرا ) ذلك نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ! وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم فقال له رجل منهم : يا بحيرا ! إن لذلك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم ؟ فقال له بحيرا : صدقت قد كان ما تقولون ولكنكم ضيوف فأحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم ، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة فلما نظر ( بحيرا ) في القوم لم ير الصفة التي يعرفها وهي موجودة عنده فقال : يا معشر قريش ! لا يتخلف أحد عنكم عن طعامي هذا فقالوا : يا بحيرا ! ما تخلف عنك أحد ينبغي أن يأتيك إلا غلام هو حدث القوم سنا تخلف في رحالهم قال : فلا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم ، فقال رجل من قريش : واللات والعزى إن لهذا اليوم نبأ.
    أيليق أن يتخلف ابن عبد الله عن الطعام من بيننا ؟ ثم قام إليه فاحتضنه ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم فلما رئاه ( بحيرا ) جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام ( بحيرا ) فقال له : يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسألني باللات والعزى شيئا قط ، فقال بحيرا : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه.
    فقال : سلني عما بدا لك.
    فجعل يسأله عن أشياء من نومه وهيئته وأموره ورسول الله يخبره فيوافق ذلك ما عند ( بحيرا ) من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده. الحديث فقال أبو طالب في ذلك.
إن ابن آمنة النبي محمدا لما تعلق بالزمام رحمته فارفض من عيني دمع ذارف عندي يفوق منازل الأولاد والعيس قد قلصن (1) بالأزواد مثل الجمان مفرق الأفراد

1 ـ قلص القوم : اجتمعوا فساروا. قلصت الناقة : استمرت في مضيها. تقلص : انضم وانزوى. تدانى.

(344)
راعيت فيه قرابة موصولة وأمرته بالسير بين عمومة ساروا لأبعد طية معلومة حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا حبرا فأخبرهم حديثا صادقا قوم يهود قد رأوا لما رأى ثاروا لقتل محمد فنهاهم فثنى زبيرا من بحيرا فانثنى ونهى دريسا فانتهى عن قوله وحفظت فيه وصية الأجداد بيض الوجوه مصالت أنجاد (1) فلقد تباعد طية (2) المرتاد لاقوا على شرك من المرصاد عنه ورد معاشر الحساد ظل الغمام وعن ذي الأكباد (3) عنه وجاهد أحسن التجهاد في القوم بعـد تجاول وبعاد حبر يوافق أمره برشاد
    وقال أيضا :
ألم ترني من بعدهم هممته بأحمد لما أن شددت مطيتي بكى حزنا والعيس قد فصلت بنا ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة فقلت : ترحل راشدا في عمومة فجاء مع العير التي راح ركبها فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا فجاء بحيرا عند ذلك حاشدا فقال : اجمعوا أصحابكم لطعامنا يتيم فقال : ادعوه إن طعامنا فلولا الذي خبرتم عن محمد بفرقة حر الوالدين حرام برحلي وقد ودعته بسلام وأخذت بالكفين فضل زمام تجود من العينين ذات سجام مواسير في البأساء غير لئام شـآمي الهوى والأصل غير شآم لنا فوق دور ينظرون جسام لنا بشراب طيب وطعام فقلنا : جمعنا القوم غير غلام كثير عليه اليوم غير حرام لكنتم لدينا اليوم غير كرام

1 ـ مصالت : الماضي في الحوائج ، الصلت الجبين : الواضح. أنجاد ج النجد : الضابط للأمور يذلل المصائب. الشجاع الماضي فيما يعجز غيره. سريع الاجابة إلى ما دعي إليه.
2 ـ في الموضعين في رواية : طبة. بالموحدة مؤنث الطب بفتح الطاء : الناحية.
3 ـ وفي رواية :
قوم يهود قد رأوا ما قد رأوا ظل الغمامة ناغري الأكباد

(345)
فلما رآه مقبلا نحو داره حنا رأسه شبه السجود وضمه وأقبل ركب يطلبون الذي رأى فثار إليهم خشية لعرامهم (1) دريس وتمام وقد كان فيهم (2) فجاؤا وقد هموا بقتل محمد بتأويله التوراة حتى تيقنوا أتبغون قتلا للنبي محمد ؟ وإن الذي نختاره منه مانع فذلك من أعلامه وبيانه يوقيه حر الشمس ظل غمام إلى نحره والصدر أي ضمام بحيرا من الأعلام وسط خيام وكانوا ذوي بغي لنا وعرام زبير وكل القـوم غير نيام فردهم عنه بحسن خصام وقال لهم : رمتم أشد مرام خصصتم على شؤم بطول أنام سيكفيه منكم كيد كل طغام وليس نهار واضـح كظلام
    ديوان أبي طالب ص 33 ـ 35 ، تاريخ ابن عساكر 1 : 269 ـ 272 ، الروض الأنف 1 : 120.
    وذكر السيوطي الحديث من طريق البيهقي في الخصايص الكبرى 1 : 84 فقال في ص 85 : وقال أبو طالب في ذلك أبياتا منها :
فما رجعوا حتى رأوا من محمد وحتى رأوا أحبار كل مدينة زبيرا وتماما وقد كان شاهدا فقال لهم قولا بحيرا وأيقنوا كما قال للرهط الذين تهودوا فقال ولم يترك له النصح : رده فإني أخاف الحاسدين وإنه أحاديث تجلو غم كل فؤاد سجودا له من عصبة وفراد دريسا وهموا كلهم بفساد له بعد تكذيب وطول بعاد وجاهدهم في الله كل جهاد فإن له إرصاد كل مصـاد لفي الكتب مكتوب بكل مداد

ـ 2 ـ
استسقاء أبي طالب بالنبي صلى الله عليه وآله
    أخرج ابن عساكر في تاريخه عن جلهمة بن عرفطة قال : قدمت مكة وهم في قحط
1 ـ العرام : الشراسة والأذى.
2 ـ دريس ، وتمام ، وزبير ـ في بعض النسخ : زدير أحبارمن اليهود.


(346)
فقالت قريش : يا أبا طالب ! أقحط الوادي ، وأجدب العيال ، فهلم واستسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ، ولاذ باصبعه الغلام ، وما في السماء قزعة (1) فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا : وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب البادي والنادي ففي ذلك يقول أبو طالب :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه يلوذ به الهلاك من آل هاشم وميزان عدل لا يخيس شعيرة ثمال اليتامى عصمة للأرامل فهم عنده في نعمة وفواضل ووزان صدق وزنه غير هائل
    شرح البخاري للقسطلاني 2 : 227 ، المواهب اللدنية 1 : 48 ، الخصايص الكبرى 1 : 86 ، 124 ، شرح بهجة المحافل 1 : 119 ، السيرة الحلبية 1 : 125 ، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية 1 : 87 ، طلبة الطالب ص 42.
    ذكر الشهرستاني في الملل والنحل بهامش الفصل 3 : 225 سيدنا عبد المطلب وقال : ومما يدل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو رضيع في قماط فوضعه على يديه واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء وقال : يا رب بحق هذا الغلام.
    ورماه ثانيا وثالثا وكان يقول : بحق هذا الغلام إسقنا غيثا مغيثا دائما هاطلا.
    فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد وأنشد أبو طالب ذلك الشعر اللامي الذي منه :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمان اليتامى عصمة للأرامل
    ثم ذكر أبياتا من القصيدة ، ولا يخفى على الباحث أن القصيدة نظمها أبو طالب عليه السلام أيام كونه في الشعب كما مر.
    فاستسقاء عبد المطلب وابنه سيد الأبطح بالنبي الأعظم يوم كان صلى الله عليه وآله رضيعا و يافعا يعرب عن توحيدهما الخالص ، وإيمانهما بالله ، وعرفانهما بالرسالة الخاتمة ، وقداسة صاحبها من أول يومه ، ولو لم يكن لهما إلا هذين الموقفين لكفياهما كما يكفيان
1 ـ القزعة : القطعة من السحاب.

(347)
الباحث عن دليل آخر على اعتناقهما الإيمان.

ـ 3 ـ
أبو طالب في مولد أمير المؤمنين عليه السلام
    عن جابر بن عبد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب فقال : لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبيه المسيح عليه السلام إن الله تبارك وتعالى خلق عليا من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد ، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة.
    واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.
    وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة فبعث الله إليه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال له : من أنت ؟ فقال : رجل من تهامة.
    فقال : من أي تهامة ؟ فقال : من بني هاشم.
    فوثب العابد فقبل رأسه ثم قال : يا هذا إن العلي الأعلى ألهمني إلهماما.
    قال أبو طالب : وما هو ؟ قال : ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل ، فلما كان الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول : أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول :
يا رب هذا الغسق الدجي بين لنا من أمرك الخفي والقمر المنبلج المضي ماذا ترى في اسم ذا الصبي ؟
    قال : فسمع صوت هاتف يقول :
يا أهل بيت المصطفى النبي إن اسمه من شامخ العلي خصصتم بالولد الزكي علي اشتق من العلي
    أخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص 260 وقال : تفرد به مسلم بن خالد الزنجي وهو شيخ الشافعي ، وتفرد به عن الزنجي عبد العزيز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا.


(348)
ـ 4 ـ
بدء أمر النبي وأبو طالب
    أخرج فقيه الحنابلة إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه ـ نهاية الطلب وغاية السؤل في مناقب آل الرسول ـ (1) بإسناده عن طاوس عن ابن عباس في حديث طويل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس رضي الله عنه : إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك ؟ فقال له العباس رضي الله عنه : يا بن أخي تعلم أن قريشا أشد الناس حسدا لولد أبيك ، وإن كانت هذه الخصلة كانت الطامة الطماء والداهية العظيمة ورمينا عن قوس واحد وانتسفونا نسفا ، صلنا ولكن قرب إلى عمك أبي طالب فإنه كان أكبر أعمامك إن لا ينصرك لا يخذلك ولا يسلمك ، فأتياه فلما رآهما أبو طالب قال : إن لكما لظنه وخبرا ما جاء بكما في هذا الوقت ؟ فعرفه العباس ما قال له النبي صلى الله عليه وسلم وما أجابه به العباس فنظر إليه أبو طالب وقال له : أخرج ابن أبي فإنك الرفيع كعبا ، والمنيع حزبا ، والأعلى أبا ، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد ، واجتذبته سيوف حداد ، والله لتذلن لك العرب ذل البهم لحاضنها ، ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعا ولقد قال : إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به فمن أدركه من ولدي فليؤمن به.
    قال الأميني : أترى أن أبا طالب يروي ذلك عن أبيه مطمأنا به ؟ فلينشط رسول الله صلى الله عليه وآله هذا التنشيط لأول يومه ، ويأمره بإشهار أمره والاشادة بذكر الله وهو مخبت بأنه هو ذلك النبي الموعود بلسان أبيه والكتب السالفة ، ويتكهن بخضوع العرب له ، أتراه سلام الله عليه يأتي بهذه كلها ثم لا يؤمن به ؟ إن هذا إلا اختلاق.

ـ 5 ـ
أبو طالب وفقده النبي صلى الله عليه وآله
    ذكر ابن سعد الواقدي في الطبقات الكبرى ص 186 ج 1 ط مصر وص 135 ط ليدن حديث ممشى قريش إلى أبي طالب في أمره صلى الله عليه وسلم إلى أن قال : فاشمأزوا ونفروا منها ( يعني من مقالة محمد ) وغضبوا وقاموا وهم يقولون : اصبروا على آلهتكم ، إن
1 ـ راجع الطرائف لسيدنا ابن طاوس ص 85 ، وضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف.

(349)
هذا لشيء يراد ، ويقال : المتكلم بهذا : عقبة بن أبي معيط.
    وقالوا : لا نعود إليه أبدا ، وما خير من أن نغتال محمدا ، فلما كان مساء تلك الليلة فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء أبو طالب وعمومته إلى منزله فلم يجدوه ، فجمع فتيانا من بني هاشم وبني المطلب ثم قال ، ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة ، ثم ليتبعني إذا دخلت المسجد ، فلينظر كل فتى منكم فليجلس إلى عظيم من عظمائهم فيهم : ابن الحنظلية ـ يعني أبا جهل ـ فإنه لم يغب عن شر إن كان محمد قد قتل ، فقال الفتيان : نفعل ، فجاء زيد بن حارثة فوجد أبا طالب على تلك الحال ، فقال : يا زيد ! أحسست ابن أخي ؟ قال : نعم كنت معه آنفا فقال أبو طالب : لا أدخل بيتي أبدا حتى أراه ، فخرج زيد سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عله وسلم وهو في بيت عند الصفا ومعه أصحابه يتحدثون ، فأخبره الخبر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ، فقال : يا ابن أخي ! أين كنت ؟ أكنت في خير ؟ قال : نعم.
    قال : أدخل بيتك ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح أبو طالب غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده فوقف به على أندية قريش ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون فقال : يا معشر قريش ! هل تدرون ما هممت به ! قالوا : لا : فأخبرهم الخبر ، وقال للفتيان : اكشفوا عما في أيديكم.
    فكشفوا ، فإذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة.
    فقال : والله لو قتلتموه ما بقيت منكم أحدا.
    حتى نتفانى نحن وأنتم ، فانكسر القوم وكان أشدهم انكسارا أبو جهل.
    ( لفظ آخر )
    وأخرج الفقيه الحنبلي إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه ـ نهاية الطلب (1) بإسناده عن عبد الله بن المغيرة بن معقب قال : فقد أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظن أن بعض قريش اغتاله فقتله فبعث إلى بني هاشم فقال : با بني هاشم أظن أن بعض قريش اغتال محمدا فقتله فليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة وليجلس إلى جنب عظيم من عظماء قريش فإذا قلت : أبغي محمدا.
    قتل كل منكم الرجل الذي إلى جانبه ، وبلغ رسول الله جمع أبي طالب وهو في بيت عند الصفا فأتى أبا طالب وهو في المسجد فلما رآه أبو طالب أخذ بيده ثم قال : يا معشر قريش ! فقدت محمدا فظننت أن بعضكم اغتاله
1 ـ راجع الطرائف لسيدنا ابن طاووس ص 85.

(350)
فأمرت كل فتى شهد من بني هاشم أن يأخذ حديدة ويجلس كل واحد منهم إلى عظيم منكم فإذا قلت : أبغي محمدا : قتل كل واحد منهم الرجل الذي إلى جنبه ، فاكشفوا عما في أيديكم يا بني هاشم ! فكشف بنو هاشم عما في أيديهم فنظرت قريش إلى ذلك فعندها هابت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنشأ أبو طالب :
ألا أبلغ قريشا حيث حلت فإني والضوابح عاديات (1) لآل محمد راع حفيظ فلست بقاطع رحمي وولدي أيأمر جمعهم أبناء فهر فلا وأبيك لا ظفرت قريش بني أخي ونوط القلب مني ويشرب بعده الولدان ريا أيا ابن الأنف أنف بني قصي (3) وكل سرائر منها غرور وما تتلو السفاسرة الشهور (2) وود الصدر مني والضـمير ولو جرت مظالمها الجزور بقتل مـحمد والأمر زور ولا أمت رشادا إذ تشير وأبيض ماءه غدق كثير وأحمد قد تضمنه القبور كأن جبيـنك القمر المنير
    ( لفت نظر ) قال شيخنا لعلامة المجلسي في البحار 9 : 31 روى جامع الديوان ـ يعني ديوان أبي طالب ـ نحو هذا الخبر مرسلا ثم ذكر الأشعار هكذا فذكر الأشعار وفيها زيادة عشرين بيتا على ما ذكر وهي لا توجد في الديوان المطبوع لسيدنا أبي طالب.
    ( لفظ ثالث ) وقال السيد فخار بن معد في كتابه ( الحجة ) ص 61 : وأخبرني الشيخ الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي المحدث البغدادي ( وكان ممن يرى كفر
1 ـ في تاج العروس 3 ، 272 ( فإني والسوابح كل يوم ) وفي ص 320 ( فإني والضوابح كل يوم ).
2 ـ السفاسرة : أصحاب الأسفار وهو الكتب. الشهور : العلماء ج الشهر. كذا فسر البيت كما في تاج العروس 3 : 272 ، 320.
3 ـ الأنف : السيد.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: فهرس