الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: 381 ـ 390
(381)
    طريق الحسين بن أحمد المالكي وزاد فيه : وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة ،
( كلمة الإمام الرضا )
    كتب أبان بن محمود بن إلى علي بن موسى الرضا عليه السلام : جعلت فداك إني قد شككت في إسلام أبي طالب.
    فكتب إليه : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين.
    الآية : وبعدها إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار.

قصارى القول
في سيد الأبطح عند القوم
    إن كلا من هذه العقود الذهبية بمفرده كاف في إثبات الغرض فكيف بمجموعها ومن المقطوع به أن الأئمة من ولد أبي طالب عليه السلام أبصر الناس بحال أبيهم ، وأنهم لم ينوهوا إلا بمحض الحقيقة ، فإن العصمة فيهم رادعة عن غير ذلك ، ولقد أجاد مفتي الشافعية بمكة المكرمة في ( أسنى المطالب ) حيث قال في ص 33 : هذا المسلك الذي سلكه العلامة السيد محمد بن رسول البرزنجي في نجاة أبي طالب لم يسبقه إليه أحد فجزاه الله أفضل الجزاء ، وسلكه هذا الذي سلكه يرتضيه كل من كان متصفا بالإنصاف من أهل الإيمان ، لأنه ليس فيه إبطال شيء من النصوص ولا تضعيف لها ، وغاية ما فيه أنه حملها على معان مستحسنة يزول بها الاشكال ويرتفع الجدال ، ويحصل بذلك قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم ، والسلامة من الوقوع في تنقيص أبي طالب أو بغضه ، فإن ذلك يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا. وقال تعالى : والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم..
    وقد ذكر الإمام أحمد بن الحسين الموصلي الحنفي المشهور بابن وحشي في شرحه على الكتاب المسمى بشهاب الأخبار للعلامة محمد بن سلامة القضاعي المتوفى 454 : إن بغض أبي طالب كفر.
    ونص على ذلك أيضا من أئمة المالكية العلامة علي الأجهوري في فتاويه ، والتلمساني في حاشيته على الشفاء فقال عند ذكر أبي طالب : لا


(382)
ينبغي أن يذكر إلا بحماية النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حماه ونصره بقوله وفعله ، وفي ذكره بمكروه أذية للنبي صلى الله عليه وسلم ومؤذي النبي صلى الله عليه وسلم كافر ، والكافر يقتل ، وقال أبو طاهر : من أبغض أبا طالب فهو كافر.
    ومما يؤيد هذا التحقيق الذي حققه العلامة البرزنجي في نجاة أبي طالب إن كثيرا من العلماء المحققين وكثيرا من الأولياء العارفين أرباب الكشف قالوا بنجاة أبي طالب منهم : القرطبي والسبكي والشعراني وخلائق كثيرون وقالوا : هذا الذي نعتقده وندين الله به ، وإن كان ثبوت ذلك عندهم بطريق غير الطريق الذي سلكه البرزنجي ، فقد إتفق معهم على القول بنجاته ، فقول هؤلاء الأئمة بنجاته أسلم للعبد عند الله تعالى لا سيما مع قيام هذه الدلائل والبراهين التي أثبتها العلامة البرزنجي.
    وذكر السيد زيني دحلان في أسنى المطالب ص 43 قال : ولله در القائل :
قفا بمطلع سعد عز ناديه واستقبلا مطلع الأنوار في افق مغنى به وابل الرضوان منهمر قفا فذا بلبل الأفراح من طرب واستمليا لأحاديث العجائب عن حامي الذمار مجير الجار من كرمت عم النبي الذي لم يثنه حسد هو الذي لم يزل حصنا لحضرته وكل خير ترجاه النبي له فيا من أم العلا في الخالدات غدا قد خصك الله بالمختار تكلؤه عنيت بالحب في طه ففزت به كم شمت آيات صدق يستضاء بها من الذي فاز في الماضين أجمعهم كفلت خير الوري في يتمه شغفا وأمليا شرح شوقي في مغانيه الحجون واحترسا أن تبهرا فيه ونائرات الهدى دلت مناديه يروي بديع المعـاني في أماليه بحر هناك بديع في معانيه منه السجايا فلم يفخر مباريه عن نصره فتغالى في مراضيه موفقا لرسول الله يحميه وهو الذي قط ما خابت أمانيه أغث للهفافه واسعـف مناديه وتستعز به فخرا وتطريه ومن ينل حب طه فهو يكفيه وتملأ القلب إيمانا وترويه ؟ بمثل ما فزت من طه وباريه ؟ وبت بالروح والأبناء تفديه


(383)
عضدته حين عادته عـشيرته نصرت من لم يشم الكون رائحة إن الذي قمت في تأييد شوكته إن الذي أنت قد أحببت طلعته لله درك من قناص فرصته يهنيك فوزك أن قدمت منكم يدا من يسد أحسن معروف لأحسن من ومن سعى لسعيد في مطالبه فيا سعيد المساعي في متاجره مستمطرا منك مزن الخير معترفا وكنت حائطه من بغي شانيه الوجود لو لم يقدر كونه فيه هو الذي لم يكن شئ يساويه حبيب من كل شيء في أياديه مذ شمت برق الأماني من نواحيه إلى ملي وفي في جوازيه جازى ينل فوق ما نالت أمانيه فهو الحري بأن تحظى أماليه قد جئت ربعك أستهمي غواديه بأن غرس المنى يعنى بصافيه الخ
    ثم قال : في ص 44 وقيل أيضا :
إن القلوب لتبكي حين تسمع ما فإن يكن أجمع الأعلام إن له أما إذا اختلفوا فالرأي أن تردا تتابع المثبتي الإيمان من زمر وهم عدول خيار في مقاصدهم لا تزدريهم أتدري من همو فهمو هم السيوطي والسبكي مع نفر (3) وأهل كشف وشعرانيهم وكـذا أبدى أبو طالب في حق من عظما نارا فلله كل الكون يفعل ما (1) مواردا يرتضيها عقل من سلما في معظم الدين تابعناهم فكما (2) فلا نقل : إنهم لن يبلغوا عظما همو عرى الدين قد أضحوا به زعما كعدة النقبا حفاظ أهل حما القرطبي والسحيمي الجميع كما (4)

1 ـ أي يفعل ما يشاء.
2 ـ أي كما تابعناهم في معظم الدين نتابعهم في هذا.
3 ـ للسيوطي كتاب ( بغية الطالب لإيمان أبي طالب وحسن خاتمته ) توجد نسخته في مكتبة ( قوله ) بمصر ضمن مجموعة رقم 16 ، وهي بخط السيد محمود فرغ من الكتابة سنة 1105. راجع الذريعة لشيخنا الطهراني 2 : 511.
4 ـ أي كما ترى في الوثاقة.


(384)
ـ 3 ـ
ما أسنده إليه من لاث به وبخع له
    هؤلاء شيعة أهل البيت عليهم السلام لا يشك أحد منهم في إيمان أبي طالب عليه السلام ويرونه في أسمى مراقيه وعلى صهوته العليا آخذين ذلك يدا عن يد حتى ينتهي الدور إلى الصحابة منهم والتابعين لهم بإحسان ، ومذعنين في ذلك بنصوص أئمتهم عليهم السلام بعد ما ثبت عن جدهم الأقدس رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال المعلم الأكبر شيخنا المفيد في ( أوائل المقالات ) ص 45 : إتفقت الإمامية على أن آباء رسول الله صلى الله عليه وآله من لدن آدم إلى عبد الله مؤمنون بالله عز وجل موحدون ( إلى أن قال ) : واجمعوا على أن أبا طالب مات مؤمنا ، وأن آمنة بنت وهب كانت على التوحيد.. الخ.
    وقال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في التبيان 2 : 398 : عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام أن أبا طالب كان مسلما ، وعليه إجماع الإمامية لا يختلفون فيه ، ولها على ذلك أدلة قاطعة موجبة للعلم.
    وقال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان 2 : 287 : قد ثبت إجماع أهل البيت على إيمان أبي طالب وإجماعهم حجة لأنهم أحد الثقلين الدين النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بهما بقوله : إن تمسكتم بهما لن تضلوا.
    وقال سيدنا ابن معد الفخار : لقد يكفينا من الاستدلال على إيمان أبي طالب عليه السلام إجماع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين وعلماء شيعتهم على إسلامه و اتفاقهم على إيمانه ، ولو لم يرد عنه من الأفعال التي لا يفعلها إلا المؤمنون ، والأقوال التي لا يقولها إلا المسلمون ، ما يشهد له بصحة الاسلام وتحقيق الإيمان ، إذ كان إجماعهم حجة يعتمد عليها ودلالة يصمد إليها. كتاب الحجة ص 13.
    وقال شيخنا الفتال في روضة الواعظين ص 120 : إعلم أن الطائفة المحقة قد أجمعت على أن أبا طالب ، و عبد الله بن المطلب ، وآمنة بنت وهب ، كانوا مؤمنين و إجماعهم حجة.
    وقال سيدنا الحجة ابن طاوس في الطرائف ص 84 : إنني وجدت علماء العترة


(385)
مجمعين على إيمان أبي طالب. وقال في ص 87 : لا ريب أن العترة أعرف بباطن أبي طالب من الأجانب ، وشيعة أهل البيت مجمعون على ذلك ، ولهم فيه مصنفات وما رأينا وما سمعنا أن مسلما أحوجه ما أحوجهم في إيمان أبي طالب ، والذي نعرفه منهم أنهم يثبتون إيمان الكافر بأدنى خبر واحد وبالتلويح ، وقد بلغت عداوتهم لبني هاشم إلى إنكار إيمان أبي طالب مع ثبوت ذلك بالحجج الثواقب إن هذا من جملة العجائب.
    وقال ابن أبي الحديد في شرحه 3 : 311 : إختلف الناس في أبي طالب فقالت الإمامية وأكثر الزيدية : ما مات إلا مسلما ، وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك منهم الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الاسكافي وغيرهما.
    وقال العلامة المجلسي في البحار 9 : 29 : قد أجمعت الشيعة على إسلامه وإنه قد آمن بالنبي صلى الله عليه وآله في أول الأمر ولم يعبد صنما قد بل كان من أوصياء إبراهيم عليه السلام واشتهر إسلامه من مذهب الشيعة حتى أن المخالفين كلهم نسبوا ذلك إليهم و تواترت الأخبار من طرق الخاصة والعامة في ذلك ، وصنف كثير من علمائنا ومحدثينا كتابا مفردا (1) في ذلك كما لا يخفى على من تتبع كتب الرجال.
    ومستند هذا الإجماعات إنما هو ما جاء به رجالات بيت الوحي في سيد الأبطح وإليك أربعون حديثا : 1 أخرج شيخنا أبو علي الفتال وغيره عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد ! إن ربك يقرئك السلام ويقول : إني قد حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك. فالصلب صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب. والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب. وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب. وزاد في رواية : وفاطمة بنت أسد (2). روضة الواعظين ص 121.
    راجع الكافي لثقة الاسلام الكليني ص 242 معاني الأخبار للصدوق ، كتاب الحجة السيد فخار بن معد ص 8 ، ورواه شيخنا المفسر الكبير أبو الفتوح الرازي في تفسيره 4 : 210 ولفظه : إن الله عز وجل حرم على النار صلبا حملك ، وبطنا حملك ،
1 ـ ستوافيك عدة ممن أفرد التأليف في إيمان أبي طالب عليه السلام
2 ـ راجع ما أسلفناه ص 379.


(386)
وثديا أرضعك ، وحجرا كفلك.
    2 ـ عن أمير المؤمنين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : هبط علي جبرئيل فقال : لي يا محمد إن الله عز وجل مشفعك في ستة : بطن حملتك آمنة بنت وهب. وصلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب. وحجر كفلك أبو طالب. وبيت آواك عبد المطلب وأخ كان لك في الجاهلية. وثدي أرضعك حليمة بنت أبي ذويب.
    رواه السيد فخار بن معد في كتاب الحجة ص 8.
    3 ـ روى شيخنا المعلم الأكبر الشيخ المفيد بإسناد يرفعه قال : لما مات أبو طالب أتى أمير المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وآله فآذنه بموته فتوجع توجعا عظيما وحزن حزنا شديدا ثم قال لأمير المؤمنين عليه السلام : إمض يا علي فتول أمره ، وتول غسله و تحنيطه وتكفينه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فلما رفعه على السرير اعترضه النبي صلى الله عليه وآله فرق وتحزن وقال : وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم ! فلقد ربيت وكفلت صغيرا ، ونصرت وآزرت كبيرا ، ثم أقبل على الناس وقال : أم والله لاشفعن لعمي شفاعة يعجب بها أهل الثقلين.
    وفي لفظ شيخنا الصدوق : يا عم كفلت يتيما ، وربيت صغيرا ، ونصرت كبيرا فجزاك الله عني خيرا (1) راجع تفسير علي بن إبراهيم ص 355 ، أمالي ابن بابويه الصدوق ، الفصول المختارة لسيدنا الشريف المرتضى 80 ، الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص 67 ، بحار الأنوار 9 ص 15 ، الدرجات الرفيعة لسيدنا الشيرازي ، ضياء العالمين.
    4 ـ عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما ترجو لأبي طالب ؟ فقال : كل الخير أرجو من ربي عز وجل.
    كتاب الحجة ص 15 ، الدرجات الرفيعة رجع ما أسلفناه ص 373.
    5 ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال لعقيل بن أبي طالب : أنا أحبك يا عقيل ! حبين : حبا لك وحبا لأبي طالب لأنه كان يحبك (2).
1 ـ راجع ما مر في صفحة 374.
2 ـ راجع ما أسلفناه ص 377.


(387)
    علل الشرايع لشيخنا الصدوق. الحجة ص 34 ، بحار الأنوار 9 : 16.
    6 ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لو قمت المقام المحمود لشفعت في أبي وأمي و عمي وأخ لي مواخيا في الجاهلية. تفسير علي بن إبراهيم ص 355 ، 490 ، تفسير البرهان 3 : 794. راجع ما أسلفناه في صفحة 378.
    7 ـ عن الإمام السبط الحسين بن علي عن والده أمير المؤمنين إنه كان جالسا في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين ! إنك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك معذب في النار فقال.
    له : مه فض الله فاك ، والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله ، أأبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار ؟ والذي بعث محمدا بالحق إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار : نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ونور ولده من الأئمة ، ألا إن نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام.
    المناقب المائة للشيخ أبي الحسن ابن شاذان (1) كنز الفوائد للكراجكي ص 80 ، أمالي ابن الشيخ ص 192 ، احتجاج الطبرسي كما في البحار ، تفسير أبي الفتوح 4 : 211 ، الحجة ص 15 ، الدرجات الرفيعة ، بحار الأنوار 9 : 15 ، ضياء العالمين ، تفسير البرهان 3 : 794.
    8 ـ عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال : والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط.
    قيل له : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسكين به ، رواه شيخنا الصدوق بإسناده في كمال الدين ص 104 ، والشيخ أبو الفتوح في تفسيره 4 : 210 ، والسيد في البرهان 3 : 795.
    9 ـ عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : قال علي عليه السلام إن أبي حين حضره الموت شهده رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرني عنه بشيء خير لي من الدنيا وما فيها. رواه بإسناده السيد فخار بن معد في كتاب الحجة ص 23 ، وذكره
1 ـ محمد بن أحمد القمي الفامي أحد مشايخ شيخ الطائفة الطوسي والكراجكي والكتاب مخطوط موجود عندنا.

(388)
الفتوني في ضياء بالعالمين.
    10 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله من نفسه الرضا. تفسير علي بن إبراهيم ص 355 ، كتاب الحجة ص 23 ، الدرجات الرفيعة ، ضياء العالمين.
    11 ـ عن الشعبي يرفعه عن أمير المؤمنين أنه قال : كان والله أبو طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب مؤمنا مسلما يكتم إيمانه مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش قال أبو علي الموضح : ولأمير المؤمنين في أبيه يرثيه :
أبا طالب عصمة المستجير لقد هد فقدك أهل الحفاظ ولقاك ربك رضوانه وغيث المحول ونور الظلم فصلى عليك ولي النعم فقد كنت للمصطفى خير عم (1)
كتاب الحجة ص 24.
    12 ـ عن الأصبغ بن نباتة قال ، سمعت أمير المؤمنين عليا عليه السلام يقول : مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفر من قريش وقد نحروا جزورا وكانوا يسمونها الفهيرة ويذبحونها على النصب فلم يسلم عليهم فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا : يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه ؟ فقال عبد الله بن الزبعرى السهمي : أنا أفعل ، فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظاهره فانصرف النبي صلى الله عليه وآله حتى أتى عمه أبا طالب فقال : يا عم من أنا ؟ فقال : ولم يا ابن أخي ؟ فقص عليه القصة فقال : وأين تركتهم ؟ فقال : بالأبطح فنادى في قومه : يا آل عبد المطلب ! يا آل هاشم ! يا آل عبد مناف ! فاقبلوا إليه من كل مكان ملبين فقال : كم أنتم ؟ قالوا : نحن أربعون قال : خذوا سلاحكم.
    فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتى إنتهى إلى أولئك النفر فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا فقال لهم : ورب هذه البنية لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف.
    ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلثة أفهار (2) ثم قال : يا محمد ! سألتني من أنت ؟ ثم أنشأ يقول
1 ـ راجع ما أسلفناه ص 378.
2 ـ ثلثة أفهار : ثلاث قطع كل منها تملأ الكف.


(389)
ويومي بيده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
أنت النبي محمد قـرم أعز مسود
    إلى آخر ما مر في ص 336 ثم قال : يا محمد ! أيهم الفاعل بك ؟ فأشار النبي صلى الله عليه وآله إلى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماها ثم أمر بالفرث والدم فأمر على رؤس الملأ كلهم ثم قال : يا ابن أخ أرضيت ؟ ثم قال : سألتني من أنت ؟ أنت محمد بن عبد الله ثم نسبه إلى آدم عليه السلام ثم قال : أنت والله أشرفهم حسبا ، وأرفعهم منصبا ، يا معشر قريش ! من شاء منكم يتحرك فليفعل أنا الذي تعرفوني (1) رواه السيد ابن معد في الحجة ص 106 وذكر لدة هذه القضية الصفوري في نزهة المجالس 2 : 122 وفي طبع ص 91 ، وابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق بهامش المستطرف 2 : 3 نقلا عن كتاب الأعلام للقرطبي.
    13 ـ ذكر ابن فياض في كتابه شرح الأخبار : إن عليا عليه السلام قال في حديث له : أن أبا طالب هجم علي وعلى النبي صلى الله عليه وآله ونحن ساجدان فقال : أفعلتماها ؟ ثم أخذ بيدي فقال : انظر كيف تنصره ، وجعل يرغبني في ذلك ويحضني عليه.
    الحديث راجع ضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف الفتوني :
    14 ـ روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قيل له : من كان آخر الأوصياء قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فقال : أبي. ( ضياء العالمين للفتوني ).
    15 ـ عن الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين بن علي عليهم السلام إنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمنا ؟ فقال عليه السلام : نعم فقيل له : إن هاهنا قوما يزعمون أنه كافر.
    فقال عليه السلام : واعجبا كل العجب أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ و قد نهاه الله تعالى أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات ، فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضي الله عنه.
    راجع ما مر ص 380 ، وكتاب الحجة ص 24 ، والدرجات الرفيعة ، ضياء العالمين فقال : قيل إنها متواترة عندنا.
1 ـ راجع ما أسلفناه ص 359 ويأتي في الجزء الثامن في الآيات ما يأيد هذه القصة.

(390)
    16 ـ عن أبي بصير ليث المرادي قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : سيدي إن الناس يقولون : إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه.
    فقال عليه السلام : كذبوا والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة الميزان وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم.
    إلى آخر ما مر ص 380 ، رواه السيد في كتاب الحجة ص 18 من طريق شيخ الطائفة عن الصدوق ، والسيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة ، والفتوني في ضياء العالمين.
    وروى السيد ابن معد في كتاب الحجة ص 27 من طريق آخر عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلما مؤمنا. الخ.
    17 ـ عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين.
    راجع الكافي لثقة الاسلام الكليني ص 244 ، أمالي الصدوق ص 366 ، روضة الواعظين ص 121 ، كتاب الحجة ص 115 ، وفي ص 17 ولفظه من طريق الحسين بن أحمد المالكي : قال عبد الرحمن بن كثير : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يزعمون أن أبا طالب في ضحضاح من نار فقال : كذبوا ، ما بهذا نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وآله قلت : وبما نزل ؟ قال : أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين ، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة ، ثم قال : كيف يصفونه بهذا ؟ وقد نزل جبرائيل ليلة مات أبو طالب فقال : يا محمد اخرج من مكة فمالك بها ناصر بعد أبي طالب.
    وذكره العلامة المجلسي في البحار 9 : 24 ، والسيد في الدرجات الرفيعة ، والفتوني في ضياء العالمين ، وروى شيخنا أبو الفتوح الرازي هذا الحديث في تفسيره 4 ص 212.
    18 ـ أخرج ثقة الاسلام الكليني في الكافي ص 244 بالإسناد عن إسحاق ابن جعفر عن أبيه عليه السلام قال : قيل له : إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافرا ، فقال :
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: فهرس