الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 71 ـ 80
(71)
المنثور 2 : 323 ، نيل الأوطار 8 : 262.
    9 ـ عن علي مرفوعا : تمسخ طائفة من أمتي قردة ، وطائفة خنازير ، ويخسف بطائفة ، ويرسل على طائفة الريح العقيم بأنهم شربوا الخمر ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القيان ، وضربوا بالدفوف.
    الدر المنثور 2 : 324.
    10 ـ عن أبي هريرة مرفوعا : يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير قالوا يا رسول الله ! أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ قال : بلى ويصومون ويصلون ويحجون ، قالوا : فما بالهم ؟ قال : إتخذوا المعازف والدفوف والقينات ، وباتوا على شربهم ولهوهم ، فأصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير. وقريب من هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن سابط. والغازي بن ربيعة. وصالح بن خالد. وأنس بن مالك. وأبو أمامة. وعمران بن حصين. أخرجها ابن أبي الدنيا. ابن أبي شيبة. ابن عدي. الحاكم. البيهقي. أبو داود. ابن ماجة. راجع الدر المنثور : 324.
    11 ـ عن أنس بن مالك مرفوعا : من جلس إلى قينة يسمع منها صب في أذنه الآنك (1) يوم القيامة.
    تفسير القرطبي 14 : 53 ، نيل الأوطار 8 : 264.
    12 ـ عن عائشة مرفوعا : من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه. تفسير القرطبي 14 : 53.
    13 ـ أخرج الترمذي من حديث علي مرفوعا : إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء ـ فذكرها منها ـ : إذا اتخذت القينات والمعازف.
    وفي لفظ أبي هريرة : ظهرت القيان والمعازف.
    نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 249 ، تفسير القرطبي 14 : 53 ، نيل الأوطار 8 : 263 14 ـ عن ابن المنكدر : بلغنا إن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان ؟ أحلوهم رياض المسك و أخبروهم أني قد أحللت عليهم رضواني.
    تفسير القرطبي 14 : 53.
    15 ـ عن ابن مسعود : إن النبي صلى الله عليه وآله سمع رجلا يتغنى من الليل فقال : لا
1 ـ الآنك : الرصاص.

(72)
صلاة له ، لا صلاة له ، لا صلاة له. نيل الأوطار 8 : 264.
    16 ـ قال رسول الله عليه السلام يوم فتح مكة : إنما بعثت بكسر الدف والمزمار ، فخرج الصحابة رضوان الله عليهم يأخذونها من أيدي الولدان ويكسرونها.
    بهجة النفوس شرح مختصر صحيح البخاري لأبي محمد ابن أبي جمرة الأزدي 2 : 74.
    م 17 ـ في حديث من طريق معاوية : يا أيها الناس إن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن تسع وأنا أنهى عنهن.
    وعد منها : الغناء. تاريخ البخاري 4 قسم 1 : 234 ].

( الغناء في المذاهب الأربعة )
    1 ـ حرمه إمام الحنفية وعده وسماعه من الذنوب ، وهذا مذهب مشايخ أهل الكوفة : سفيان. وحماد. وإبراهيم. والشعبي. وعكرمة.
    2 ـ عن مالك إمام المالكية إنه نهى عن الغناء وعن استماعه وقال : إذا اشترى أحد جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بالعيب.
    وهو مذهب ساير أهل المدينة إلا إبراهيم بن سعد وحده.
    وسئل مالك : ما ترخص فيه أهل المدينة من الغناء ؟ فقال : إنما يفعله عندنا الفساق.
    وسئل مالك عن الغناء ؟ فقال : قال الله تعالى : فماذا بعد الحق إلا الضلال.
    أفحق هو ؟
    3 ـ ونقل التحريم عن جمع من الحنابلة على ما حكاه شارح المقنع ، وعن عبد الله بن الإمام أحمد إنه قال : سألت أبي عن الغناء.
    فقال : ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ثم ذكر قول مالك : إنما يفعله عندنا الفساق.
    4 ـ وصرح أصحاب الشافعي العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب وله في ذم الغناء والمنع عنه كتاب مصنف ، والطبري والشيخ أبي إسحاق في التنبيه.
    وقال أبو الطيب الطبري : أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي لا يجوزوه سواء كانت حرة أو مملوكة.
    قال : وقال الشافعي : وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ، ثم غلظ القول فيه فقال : فهي دياثة. و إنما جعل صاحبها سفيها لأنه دعا الناس إلى الباطل ومن دعا الناس كان سفيها.


(73)
    وقال ابن الصلاح : هذا السماع حرام بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين.
    وقال الطبري : أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه ، وإنما فارق الجماعة إبراهيم ابن السعد ، وعبيد الله العنبري.
    وسئل القاسم ابن محمد عن الغناء فقال : أنهاك عنه وأكرهه لك.
    فقال السائل.
    أحرام هو ؟ قال : انظر يا بن أخي إذا ميز الله تعالى الحق من الباطل في أيهما يجعل سبحانه الغناء ؟ وقال : لعن الله المغني والمغنى له.
    وقال المحاسبي في رسالة الانشاء : الغناء حرام كالميتة.
    وفي كتاب التقريب : إن الغناء حرام فعله وسماعه.
    وقال النحاس : ممنوع بالكتاب والسنة.
    وقال القفال لا تقبل شهادة المغني والرقاص.
    راجع سنن البيهقي 10 : 224 ، نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 242 246 ، تفسير القرطبي 14 : 51 ، 52 ، 55 ، 56 ، الدر المنثور 5. 59 ، عمدة القاري للعيني 5 : 160 ، تفسير الآلوسي 21 : 68 ، 69. وفي مفتاح السعادة 1 : 334 : وقد قيل : التلذذ بالغناء وضرب المناهي كفر.
    قال الأميني : لعل القائل أخذ بما أخرجه أبو يعقوب النيسابوري من حديث أبي هريرة مرفوعا : استماع الملاهي معصية ، والجلوس عليها فسق ، والتلذذ بها كفر. نيل الأوطار 8 : 264.
    وعن إبراهيم بن مسعود : الغناء باطل والباطل في النار.
    وعنه : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.
    وعنه : إذا ركب الرجل الدابة ولم يسم ردفه شيطان فقال : تغنه.
    فإن كان لا يحسن قال : تمنه.
    ومر ابن عمر رضي الله عنه بقوم محرمين وفيهم رجل يغني قال : ألا ! لا سمع الله لكم.
    ومر بجارية صغيرة تغني فقال : لو ترك الشيطان أحدا لترك هذه.
    وقال الضحاك : الغناء منفدة للمال ، مسخطة للرب ، مفسدة للقلب.
    وقال يزيد بن الوليد الناقص : يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ، و يزيد في الشهوة ، ويهدم المروءة ، وأنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السكر ، فإن كنتم


(74)
لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا.
    وفيما كتب عمر بن عبد العزيز إلى سهل مولاه : بلغني عن الثقات من حملة العلم إن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بهما ، ينبت النفاق في القلب ، كما ينبت الماء العشب.
    وقيل : الغناء جاسوس القلب ، وسارق المروءة والعقل ، يتغلغل في سويداء القلوب ، ويطلع على سرائر الأفئدة ، ويدب إلى بيت التخييل ، فينشر ما غرز فيها من الهوى والشهوة والسخافة والرعونة ، فبينما ترى الرجل وعليه سمت الوقار ، وبهاء العقل ، وبهجة الإيمان ، ووقار العلم ، وكلامه حكمة ، وسكوته عبرة ، فإذا سمع الغناء نقص عقله وحياؤه ، وذهب مروءته وبهاؤه ، فيستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه ، ويبدي من أسراره ما كان يكتمه ، وينتقل من بهاء السكوت والسكون إلى كثرة الكلام والهذيان والاهتزار كأنه جان وربما صفق بيديه ، ودق الأرض برجليه ، وهكذا تفعل الخمر إلى غير ذلك.
    راجع سنن البيهقي 1 : 223 ، نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 250 ، تفسير الزمخشري 2 : 411 ، تفسير القرطبي 14 : 52 ، إرشاد الساري 9.
    164 ، الدر المنثور 5 : 159 ، 160 ، كنز العمال 7 : 333 ، تفسير الخازن 3 : 46 ، تفسير الشوكاني 4 : 228 ، نيل الأوطار 8 : 264 ، تفسير الآلوسي 21 : 67 ، 68.
     ( نظرة في الأحاديث المعنونة ) هذا شأن الغناء والملاهي ، وتلك ما يؤثر عن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله أفمن المعقول إذن أن تعزى إليه تلك المسامحة المزرية بعصمته ، المسقطة لمحله ، المسفة به إلى هوة الجهل ؟ ثم يحسب أن الذي تذمر عنهما وتجهم أمام الباطل ودحضه هو عمر فحسب دون رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وما هذا الشيطان الذي كان يفرق من عمر وما كان يخاف رسل الله صلى الله عليه وآله ؟ أي نبي هذا ؟ وهو يسمع الملاهي ، وترقص بين يديه الرقاصة الأجنبية ، وتضرب بالدف وتغني ، أو يوقف هو حليلة على تلك المواقف المخزية ، ثم يقول : لست من دد ولا الدد مني.
    أو يقول : لست من دد ولا دد مني أو يقول : لست من الباطل ولا الباطل مني (1).
1 ـ أخرجه البخاري في الأدب ، والبيهقي والخطيب ، وابن عساكر. راجع كنز العمال 7 : 333 ، الفيض القدير 5 265.

(75)
    أي عظيم هذا ؟ يرى في بيته غناء الجواري وضربهن بالدف ولا ينبس ببنت شفة غير أن عمر يغضبه ذلك ويقول : أمزمار الشيطان في بيت رسول الله ؟ أليس هذا النبي هو الذي كان سمع مزمارا يضع إصبعيه على أذنيه ونأى على الطريق ؟ قال نافع : سمع عبد الله بن عمر مزمارا فوضع إصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي : يا نافع هل تسمع شيئا ؟ فقلت : لا.
    فرفع إصبعيه من أذنيه وقال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا (1) أليس ابن عباس قال أخذا بالسنة الشريفة : الدف حرام ، والمعازف حرام ، والكوبة حرام ، والمزمار حرام ؟.
    ألا تعجب من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ والحبشة تلعب في مسجده الشريف أشرف بقاع الدنيا وتزفن وتغني وهو صلى الله عليه وآله وحليلته ينظر إليها ، وعمر ينهاهن ، ويقول النبي صلى الله عليه وآله : دعهن يا عمر !.
    أصحيح ما جاء عن النبي الأقدس صلى الله عليه وآله من قوله بعدة طرق : جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراء كم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم ؟ وقوله صلى الله عليه وآله : من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا ؟.
    أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة والترمذي وما أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة عن بريدة : إن رجلا نشد في المسجد الجمل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا وجدت ، إنما بنيت المساجد لما بنيت ؟.
    وقوله صلى الله عليه وآله : سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة ؟.
    أخرجه ابن حبان في صحيحه.
    وقوله صلى الله عليه وآله : لا تتخذوا المساجد طرقا إلا لذكر أو صلاة ؟ (1).
    وما ظنك بنبي العصمة يحول المولى سبحانه بينه وبين ما يهمه من سماع المعازف والمزامير قبل بعثته تشريفا له وتعظيما لمكانته من القداسة ، ويخليه واسع السرب رخي البال بعد مبعثه الشريف يسمع غناء الأجنبيات وهي تزفن ؟ أخرج الحفاظ بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما هممت بشيء مما كان في
1 ـ سنن أبي داود 2 : 304 ، سنن البيهقي 10 : 222 ، تاريخ ابن عساكر 7 : 206 ، 284.
2 ـ جمع هذه الأحاديث وأمثالها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 1 : 89 ـ 92.


(76)
الجاهلية يعملون به غير مرتين كل ذلك يحول الله تعالى بيني وبين ما أريد فإني قلت ليلة غلام من قريش كان يرعى معي بأعلى مكة : لو أبصرت إلى غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها ما يسمر الشباب ؟ فقال : ادخل.
    فخرجت أريد ذلك حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالدفوف والمزامير ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : فلان بن فلان تزوج فلانة ابنة فلان ، فجلست أنظر إليهم فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس ، قال : فجئت صاحبي فقال : ما فعلت ؟ فقلت : ما صنعت شيئا ، وأخبرته الخبر قال ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك فقال : أفعل فخرجت فسمعت حين جئت مكة مثل ما سمعت ودخلت مكة تلك الليلة فجلست أنظر فضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر ، ثم ما همت بعدهما بسوء حتى أكرمني الله برسالته (1) قال الماوردي في أعلام النبوة 140 : هذه أحوال عصمته قبل الرسالة ، وصده عن دنس الجهالة ، فاقتضى أن يكون بعد الرسالة أعظم ، ومن الأدناس أسلم ، وكفى بهذه الحال أن يكون من الأصفياء الخيرة إن أمهل ، ومن الأتقياء البررة إن أغفل ، ومن أكبر الأنبياء عند الله تعالى من أرسل مستخلص الفطرة ، علي النظرة ، وقد أرسله الله تعالى بعد الاستخلاص ، وطهره من الأدناس ، فانتفت عنه تهم الظنون ، وسلم من ازدراء العيون ليكون الناس إلى إجابته أسرع ، وإلى الانقياد له أطوع.
    وإلي نسائل ذلك الحكيم المتأول الذي مر كلامه ص 65 عن أنه كيف خص محمد صلى الله عليه وآله بالنبوة ، وأبا بكر بالرحمة ، وعمر بالحق ، وحسب إنه فتح بابا مرتجا من المعضلات ، أو أتي بقرني حمار ، أي نبوة تفارق الحق ؟ وأي نبي هو أوضع من صاحب الحق ؟ وأي حق اقتناه عمر لنفسه وعزب عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عرفانه ؟.
    وهلم معي إلى طامة أخرى من الزركشي في الاجابة ص 67 ، الذي عد فيها من خصائص عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتبع رضاها كلعبها باللعب ، ووقوفه في
1 ـ دلائل النبوة لأبي نعيم 1 : 58. أعلام النبوة للماوردي ص 140. تاريخ الطبري 2 : 196. الكامل لابن الأثير 2 : 14. عيون الأثر لابن سيد الناس 1 : 44. تاريخ ابن كثير 2 : 287. الخصائص الكبرى 1 : 88 ، السيرة الحلبية 1 : 132.

(77)
وجهها لتنظر إلى الحبشة يلعبون. فقال : واستنبط العلماء من ذلك أحكاما كثيرة فما أعظم بركتها.
    أو هل يريد هذا الرجل إثبات مأثرة لعائشة ؟ أو ذكر مزلة لبعلها ؟ وهل كان صلى الله عليه وآله يتبع رضاها في المشروع ؟ أو كان إتباعه أعم من ذلك ؟ ( معاذ الله ) وهل من الممكن أن يتبع رضاها حتى في نقض ما جاء به هو من الشريعة الإلهية ؟ وأي حكم يستنبط من مثل هذا المدرك الساقط ؟ فمرحبا بالكاتب ، وزه بالعلماء المستنبطين ، و وكثر الله أمثال هذه البركات ( لأكثرها ).
    ثم هل النذر يبيح المحظور ؟ وفي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وآله : لا نذر في معصية ولا نذر فيما لا يملك ابن آدم (1).
    وقوله صلى الله عليه وآله : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (2).
    وقال عقبة بن عامر : إن أخته نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة وإنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مرها فلتركب ولتختمر (3).
    وعن ابن عباس قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل بمكة وهو قائم في الشمس فقال : ما هذا ؟ قالوا : نذر أن يصوم ولا يستظل إلى الليل ولا يتكلم ولا يزال قائما.
    قال : ليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صومه (4).
    وقال صلى الله عليه وآله : لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله تعالى (5).
1 ـ صحيح مسلم 2 : 17 ، سنن أبي داود 2 : 81 ، سنن ابن ماجة 1 : 652 ، سنن النسائي 7 : 19 ، 29 ، (2) صحيح البخاري 9 : 245 246 ، صحيح الترمذي 1 : 288 ، سنن ابن ماجة 1 : 653 سنن أبي داود 2 : 78 ، سنن النسائي 7 : 17 ، سنن البيهقي 10 : 75.
3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 654 ، سنن النسائي 7 : 20 ، صحيح الترمذي كما في تيسير الوصول 4 : 279 ، سنن البيهقي 10 : 80.
4 ـ سنن ابن ماجة 1 : 655 ، صحيح البخاري 9 : 247 ، سنن ابن داود 2 : 79 ، سنن البيهقي 10 : 75.
5 ـ أخرجه ابن داود كما في تيسير الوصول 4 : 281 ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10 : 75.


(78)
    وقال صلى الله عليه وآله : النذر نذران ، فمن كان نذره في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء ، و من كان نذره في معصية الله فذلك للشيطان ولا وفاء فيه (1).
    أو ليس من شرط انعقاد النذر على هذا الرجحان في متعلقه وكونه مما يبتغى به وجه الله ليكون مقربا إليه سبحانه زلفى ، فيصح للناذر أن يقول : لله علي كذا ؟ فأي رجحان في ضرب المرأة الأجنبية الدف بين يدي الرجل الأجنبي وفي غنائها ورقصها أمامه ؟ إلا أن يقول القائل : إن تلك الجارية أو مسجد النبي الأعظم أباحا تلكم المحضورات أو الغلو في الفضائل فضائل الخليفة أباح أن تستساغ.

( رأي عمر في الغناء )
    إن تعجب فعجب أن هذه المهازئ تشعر بكراهة عمر للغناء وقد عده العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري 5 : 160 نقلا عن كتاب التمهيد لأبي عمر صاحب الاستيعاب ممن ذهب إلى إباحته في عداد عثمان.
    وعبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبي وقاص. وعبد الله بن عمر. ومعاوية. وعمرو بن العاص. والنعمان بن بشير. و حسان بن ثابت.
    وقال الشوكاني في نيل الأوطار 8 : 266 : قد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين ، فمن الصحابة : عمر.
    كما رواه ابن عبد البر وغيره ، ثم عد جمعا منهم : عثمان. عبد الرحمن بن عوف. أبو عبيدة الجراح. سعد بن أبي وقاص. عبد الله ابن عمر.
    وروى المبرد والبيهقي في المعرفة كما في نيل الأوطار 8 : 272 عن عمر : إنه إذا كان داخلا في بيته ترنم بالبيت والبيتين.
    واستدلال الشوكاني بهذا على إباحة الغناء في بعض المواقف يومي إلى أن المراد من الترنم : التغني.
    وقال ابن منظور في لسان العرب 19 : 374 : قد رخص عمر رضي الله عنه في غناء الأعراب.
    ويعرب عن جلية الحال حديث خوات بن جبير الصحابي قال : خرجنا حجاجا مع عمر فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف فقال القوم :
1 ـ أخرجه النسائي كما في التيسير 4 : 281.

(79)
غننا من شعر ضرار ، فقال عمر : دعوا أبا عبد الله فليغن من بنيات فؤاده.
    فما زلت أغنيهم حتى كان السحر ، فقال عمر : إرفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا (1).
    [ وزاد ابن عساكر في تاريخه 7 : 163 : فقال أبو عبيدة : هلم إلى رجل أرجو أن لا يكون شرا من عمر.
    قال : فتنحيت أنا وأبو عبيدة فما زلنا كذلك حتى صلينا الفجر ].
    وفي كنز العمال 7 : 336 : كلم أصحاب النبي خوات بن جبير أن يغنيهم فقال : حتى أستأذن عمر.
    فاستأذنه فأذن له فغنى خوات فقال عمر : أحسن خوات ، أحسن خوات.
    وفي حديث رباح بن المعترف قال : إنه كان مع عبد الرحمن بن عوف يوما في سفر فرفع صوته رباح يغني غناء الركبان فقال له عبد الرحمن : ما هذا ؟ قال : غير ما بأس نلهو ونقصر عنا السفر.
    فقال عبد الرحمن : إن كنتم لا بد فاعلين فعليكم بشعر ضرار بن الخطاب ، ويقال : إنه كان معهم في ذلك السفر عمر بن الخطاب وكان يغنيهم غناء النصب (2).
    في تاج العروس : النصب ضرب من أغاني الأعراب.
    وعن عثمان بن نائل عن أبيه قال : قلنا لرباح بن المعترف : غننا بغناء أهل بلدنا فقال : مع عمر ؟ قلنا : نعم ، فإن نهاك فانته.
    وذكر الزبير بن بكار : إن عمر مر به ورباح يغنيهم غناء الركبان (3) فقال : ما هذا ؟ قال عبد الرحمن : غير ما بأس يقصر عنا السفر ، فقال : إذا كنتم فاعلين فعليكم بشعر ضرار بن الخطاب ( الإصابة 1 : 502 ).
    وعن السائب بن يزيد قال : بينا نحن مع عبد الرحمن بن عوف في طريق مكة إذ قال عبد الرحمن لرباح : غننا.
    فقال له عمر : إن كنت آخذا فعليك بشعر ضرار بن الخطاب ( الإصابة 2 : 209 )
1 ـ سنن البيهقي 10 : 224 ، الاستيعاب 1 : 170 ، الإصابة 1 : 457 ، كنز العمال 7 : 335.
2 ـ سنن البيهقي 10 : 224 ، الاستيعاب 1 : 186.
3 ـ قال ابن الأعرابي : كانت العرب تتغنى بالركباني إذا ركبت وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيراهم بالقرآن مكان التغني بالركبان. لسان العرب 19 : 337 ، تاج العروس 10 : 273.


(80)
    [ وفي لفظ ابن عساكر في تاريخه 7 : 35 : فقال عمر : ما هذا ؟ فقال عبد الرحمن : ما بأس بهذا اللهو ونقصر عنا سفرنا. فقال عمر : إن كنت. إلخ ].
    وعن العلاء بن زياد : إن عمر كان في مسير فتغنى فقال : هلا زجرتموني إذا لغوت ( كنز العمال 7 : 335 ).
    وعن الحارث بن عبد الله بن عباس : إنه بينا هو يسير مع عمر في طريق مكة في خلافته ومعه المهاجرون والأنصار فترنم عمر ببيت ، فقال له رجل من أهل العراق ليس معه عراقي غيره : غيرك فليقلها يا أمير المؤمنين ! فاستحى عمر وضرب راحلته حتى انقطعت من الركب أخرجه الشافعي والبيهقي كما في الكنز 7 : 336.
    هذا عمر وهذا رأيه وهذه سيرته في الغناء ، فهل من المعقول أن يهابه المغنون فيجفلون عما كانوا يقترفونه ، ويسمعه النبي صلى الله عليه وآله ولا يتحرج ؟ ويرى أن الشيطان يفرق من عمر ، ولا يفرق منه ؟ المستعاذ بك يا الله.
    [ قد تروى هذه المنقبة الموهومة لعثمان فيما أخرجه أحمد في مسنده 4 : 353 من طريق ابن أبي أوفى قال : استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وجارية تضرب بالدف فدخل ، ثم استأذن عمر رضي الله عنه فدخل ، ثم استأذن عثمان رضي الله عنه فأمسكت قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عثمان رجل حيي.
    وأخرجه في ص 354 بإسناد آخر بلفظ : كانت جارية تضرب بالدف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر ثم جاء عمر ثم جاء عثمان رضي الله عنهم فأمسكت فقال. الخ.
    و سنوقفك على حياء عثمان حتى تعرف صحة هذا الحديث أيضا ].
    ثم لنتوجه إلى شاعر النيل المشبه درة عمر بعصا موسى التي كانت معجزة قاهرة لنبي معصوم أبطل بها الباطل ، وأقام الحق فقال كما مر في ص 66 :
أغنت عن الصارم المصقول درته كانت له كعصا موسى لصاحبها فكم أخافت غوي النفس عاتيها لا ينزل البطل مجتازا بواديها
    فنسأل الرجل عن وجه الشبه بين تلك العصا وبين هذه الدرة التي قيل فيها : لعل درته لم يسلم من خفقتها إلا القلائل من كبار الصحابة ، وكانت الدرة في يده على الدوام أنى سار ، وكان الناس يهابونها أكثر مما تخيفهم السيوف ، وكان يقول : أصبحت
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس