الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 81 ـ 90
(81)
أضرب الناس ليس فوقي أحد إلا رب العالمين (1) فقيل بعده : لدرة عمر أهيب من سيف الحجاج كما في محاضرة السكتواري ص 169.
    فما وجه الشبه بين عصا نبي معصوم وبين درة إنسان لم يسلم منها إلا القلائل من كبار الصحابة ؟ أهي تشبهها حين ضرب صاحبها النساء الباكيات على بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ صلى الله عليه وآله بيده وقال : مه يا عمر ؟ غ 6 : 159 (2) ط 2.
    أم حين ضرب أم فروة بنت أبي قحافة حين بكت على أبيها ؟ غ 6 : 161.
    أم حين ضرب تميم الداري لإتيانه الصلاة بعد العصر وهي سنة ؟. غ 6 : 183.
    أم حين ضرب المنكدر وزيد الجهني وآخرين للصلاة بعد العصر ؟ غ 6 : 183.
    أم حين ضرب في المجزرة كل من اشترى اللحم لأهله يومين متتابعين 2 غ 6 : 7 26.
    أم حين ضرب رجلا أتى بيت المقدس وإتيانه سنة ؟ غ 6 : 278.
    أم حين ضرب الصائمين في رجب وصومه سنة مؤكدة ؟ غ 6 : 282.
    أم حين ضرب سائلا عن آية من القرآن لا يعرف مغزاها ؟ غ 6 : 290.
    أم حين ضرب مسلما أصاب كتابا فيه العلم ؟ غ 6 : 298.
    أم حين ضرب مسلما اقتنى كتابا لدانيال ؟ غ 6 : 298.
    أم حين ضرب من كني بأبي عيسى ؟ غ 6 : 308.
    أم حين ضرب سيد ربيعة من غير ذنب أتى به ؟. غ 6 : 157.
    أم حين ضرب معاوية من دون أن يقترف إثما ؟ كما في تاريخ ابن كثير 8 : 125.
    أم حين ضرب أبا هريرة لابتياعه أفراسا من ماله ؟ غ 6 : 271.
    أم حين ضرب من صام دهرا ؟ غ 6 : 322.
    إلى مواقف لا تحصى. فانظر إلى من تتوجه قارصة الرجل في قوله : فكم أخافت غوي النفس عاتيها.
    ومن الناس من يعجب قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام البقرة : 204
1 ـ محاضرات الخضري 2 : 15 ، الخلفاء للنجار ص 113 ، 239.
2 ـ غ : رمز كتابنا هذا ( الغدير ) في جميع الأجزاء.


(82)
ـ 4 ـ
كرامات عمر الأربع
    1 ـ لما فتح عمر مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤنة من أشهر العجم فقالوا له : أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها.
    فقال لهم : وما ذاك ؟ فقالوا له : إنا إذا كانت ثلاث عشرة ليلة نحوا من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أباها وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل فقال لهم عمرو : إن هذا شيء لا يكون في الاسلام وإن الاسلام يهدم ما كان قبله ، فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى ، لا يجري قليلا ولا كثير فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلت إن الاسلام يهدم ما قبله ، وكتب إلى عمرو إني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي هذا إليك فألقها في النيل إذا وصل كتابي إليك فلما قدم كتاب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص فإذا فيها مكتوب : من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر : أما بعد : فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر ، وإن كان الله الواحد القهار هو مجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك وفي لفظ الواقدي : فإن كنت مخلوقا لا تملك ضرا ولا نفعا وأنت تجري من قبل نفسك وبأمرك فانقطع ولا حاجة لنا بك ، وإن كنت تجري بحول الله وقوته فاجر كما كنت ، والسلام.
    فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بشهر فقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج فإنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم.
    2 ـ قال الرازي في تفسيره : وقعت الزلزلة في المدينة فضرب عمر الدرة على الأرض وقال : اسكني بإذن الله.
    فسكنت وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك.
    3 ـ في تفسير الرازي : وقعت النار في بعض دور المدينة فكتب عمر على خرقة : يا نار اسكني بإذن الله.
    فألقوها في النار فانطفأت في الحال.
    4 ـ محاضرة الأوائل للسكتواري : أول زلزلة كانت في الاسلام سنة عشرين


(83)
من الهجرة في خلافة عمر رضي الله عنه فضرب أمير المؤمنين رضي الله عنه برمحه قائلا يا أرض اسكني ، ألم أعدل عليك ؟ فسكنت.
    فكان من جملة كرامته ، فظهرت له كرامات أربعة في العناصر الأربعة : تصرف في عنصر التراب والماء في قصة رسالته إلى نيل مصر.
    وفي الهواء في قصة سارية الجبل.
    وفي النار في قصة احتراق قرية رجل حين كلفه أن يغير اسمه فأبى وكان اسمه يتعلق بالنار كالشهاب والقبس والثاقب كما ذكر في تبصرة الأدلة ودلائل النبوة.
    راجع فتوح الشام للواقدي 2 : 44 ، تفسير الرازي 5 : 478 ، سيرة عمر لابن الجوزي ص 150 ، الرياض النضرة 2 : 12 ، تاريخ ابن كثير 7 : 100 : تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 86 ، محاضرة الأوائل للسكتواري ص 168 ، خزانة الأسرار ص 132 تاريخ القرماني هامش الكامل 1 : 203 ، الروض الفائق ص 246 ، الفتوحات الإسلامية 2 : 437 ، نور الأبصار ص 62 ، جوهرة الكلام للقراغولي الحنفي ص 44.
    قال الأميني : أما رواية النيل فراويها الوحيد هو عبد الله بن صالح المصري أحد الكذابين الوضاعين كما مر في الجزء الخامس ص 239 ط 2 قال أحمد بن حنبل : كان أول أمره متماسكا ثم فسد بآخره ، وقال أحمد بن صالح : متهم ليس بشيء ، وقال صالح جزرة : كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث ، وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال ابن المديني : لا أروي عنه شيئا ، وقال ابن حبان : كان في نفسه صدوقا إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له فسمعت ابن خزيمة يقول : كان له جار بينه وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله و ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به ، وقال ابن عدي : يقع في أسانيده ومتونه غلط ولا يتعمد.
    قامت القيامة على عبد الله بهذا الخبر الذي قال عن جابر مرفوعا : إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين ، واختار من أصحابي أربعة : أبا بكر وعمر و عثمان وعليا فجعلهم خير أصحابي وأصحابي كلهم خير.
    ثم ذكر أقوال الحفاظ في بطلان هذا الحديث وإنه موضوع.
    راجع ميزان الاعتدال 2 : 46.
    فالرواية مكذوبة اختلقتها يد الغلو في الفضائل ، وإن كنا لا نناقش في إمكان


(84)
خضوع النيل لتلكم الكتابة ، فيكون معجزة للاسلام لمسيس حاجة القوم إلى مثلها لحداثة عهدهم بالاسلام.
    وأما ما جاء به الرازي من حديث الزلزلة فلم يوجد في حوادث عهد عمر لا مسندا ولا مرسلا ، ولم يذكره قط مؤرخ ضليع ، ولم يخرجه الحفاظ حتى ينظر في إسناده.
    وقوله : وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك ، فكر أمة مكذوبة يكذبها التاريخ ، وقد وقعت الزلزلة بعد ذلك غير مرة فقد وقعت زلزلة عظيمة بالحجاز سنة 515 فتضعضع بسببها الركن اليماني وتهدم بعضه وتهدم بها شيء من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كما ذكره ابن كثير في تاريخه 12 : 188.
    وحدثت بالمدينة زلزلة عظيمة ليلا واستمرت أياما وكانت تزلزل كل يوم و ليلة قدر عشر نوبات وذلك سنة 654 وقصتها طويلة توجد في تاريخ ابن كثير 13 : 188 ، 190 ، 191 ، 192.
    واعطف على ما قاله الرازي قول السكتواري من إنها أول زلزلة كانت في الاسلام سنة عشرين من الهجرة.
    فقد وقعت سنة ست من الهجرة الشريفة كما في تاريخ الخميس 1 : 565 فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن الله عزوجل يستعتبكم فاعتبوه.
    وأما حديث قول عمر : يا سارية الجبل الجبل.
    فقال السيد محمد بن درويش الحوت في أسنى المطالب ص 265 : هو من كلام عمر قاله على المنبر حين كشف له عن سارية وهو بنهاوند من أرض فارس ، روى قصته الواحدي والبيهقي بسند ضعيف وهم في المناقب يتوسعون.
    كنا نرى السيد ابن الحوت غير منصف في حكمه على الحديث بالضعف وإنه كان حقا عليه الحكم بالوضع إلى أن أوقفنا السير على تصحيح ابن بدران ( المتوفى 1346 ) إياه فيما علق عليه في تاريخ ابن عساكر 6 ص 46 بعد ذكر الحديث من طريق سيف بن عمر ، فوجدنا ابن الحوت عندئذ إنه جاء بإحدى بنات طبق في حكمه ذلك ، ما أجرأ ابن بدران على هذا التمويه والدجل ؟ أليست بين يديه أقوال أعلام قومه حول سيف بن عمر ؟ أم ليسوا أولئك الحفاظ رجال الجرح والتعديل في كل إسناد ؟ قال ابن حبان : كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الاثبات.
    وقال : قالوا : إنه كان يضع الحديث واتهم


(85)
بالزندقة. وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط ، وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها. وقال ابن عدي : عامتها منكر. قال البرقاني عن الدارقطني : متروك. وقال ابن معين : ضعيف الحديث فليس خير منه. وقال أبو حاتم : متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي. وقال أبو داود : ليس بشيء وقال النسائي : ضعيف. وقال السيوطي : وضاع : وذكر حديثا من طريق السري بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف فقال : موضوع ، فيه ضعفاء أشدهم سيف. راجع ميزان الاعتدال 1 : 438 ، تهذيب التهذيب 4 : 295 ، اللئالي المصنوعة 1 : 157 ، 199 ، 429.
    وأما احتراق القرية بإباء الرجل عن تغيير اسمه فخرافة يأباها الشرع والعقل والمنطق ، إن ما تقدم في الجزء السادس ص 308 ـ 315 ط 2 من آراء الخليفة الخاصة به ـ في الأسماء والكنى ـ ومن جرائها غير كنى رجال كناهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأسماء آخرين سماهم بها هو صلى الله عليه وآله بحجة داحضة من أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وغفر له ونحن لا ندري ما يفعل بنا ـ يستدعي ألا يمتثل في أمثال ذلك لا أن يعذب الله قرية آمنة مطمأنة لعدم إمتثال صاحبها بما يقوله الخليفة دون أمر مباح ، وهو من الظلم الفاحش لما احترق فيها من أبرياء وتلفت من أموال ، ولو وقفت بمطلع الأكمة من تلك القرية المضطرمة لبكيت على الرضع والبهائم بكاء الثكلى ، نحاشي ربنا الحكيم العدل عن مثل ذلك ، ونحاشي أعلام الأمة عن قبول هذه المخاريق المخزية.
    قاتل الله الحب ، ماذا يفعل ويفتعل ويختلق ؟.

ـ 5 ـ
تسمية عمر بأمير المؤمنين
    قال الواقدي : حدثنا أبو حمزة (1) يعقوب بن مجاهد عن محمد بن إبراهيم عن أبي عمر وقال : قلت لعائشة : من سمى عمر الفاروق أمير المؤمنين ؟ قالت : النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمير المؤمنين هو.
    ذكره ابن كثير في تاريخه 7 : 137.
    قال الأميني : كان أبو حزرة قاصا يقص فراقه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله
1 ـ كذا في تاريخ ابن كثير والصحيح : حزرة. بفتح المهملتين بينهما معجمة ساكنة.

(86)
وعلى حليلته أم المؤمنين لإرضاء مستمعيه بافتعال منقبة لعمر ذاهلا عن أن التاريخ يكذبه ويكشف عن سوءته ولو بعد حين.
    أخرج الحاكم من طريق ابن شهاب قال : إن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر ابن سليمان بن أبي خيثمة لأي شيء كان يكتب من خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في عهد أبي بكر رضي الله عنه ؟ ثم كان عمر يكتب أولا من خليفة أبي بكر ، فمن أول من كتب من أمير المؤمنين ؟ فقال : حدثني الشفاء وكانت من المهاجرات الأول : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل العراق بأن يبعث إليه رجلين جلدين يسألهما عن العراق و أهله فبعث عامل العراق بلبيد بن ربيعة وعدي ابن حاتم فلما قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد فإذا هما بعمر وبن العاص فقالا : استأذن لنا يا عمرو ! على أمير المؤمنين ، فقال عمرو : أنتما والله أصبتما اسمه ، هو الأمير ونحن المؤمنون ، فوثب عمرو فدخل على أمير المؤمنين.
    فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين !.
    فقال عمر : ما بدا لك في هذا الاسم يا بن العاص ، ربي يعلم لتخرجن مما قلت.
    قال : إن لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا علي فقالا لي : استأذن لنا يا عمرو ! على أمير المؤمنين فهما والله أصابا اسمك ، نحن المؤمنون وأنت أميرنا ، قال : فمضى به الكتاب من يومئذ.
    أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه.
    وقال الذهبي في تلخيص المستدرك : صحيح.
    وقال السيوطي في شرح شواهد المغني ص 57 : روينا بسند صحيح إن لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم هما اللذان سميا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين حين قدما عليه من العراق.
    وذكر القصة في تاريخ الخلفاء ص 94.
    وأخرج الطبري في تاريخه 5 : 22 بالإسناد عن حسان الكوفي قال : لما ولى عمر قيل : يا خليفة خليفة رسول الله ، فقال عمر رضي الله عنه : هذا أمر يطول كل ما جاء خليفة قالوا : يا خليفة خليفة خليفة رسول الله ، بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم فسمي أمير المؤمنين.
    وقال ابن خلدون في مقدمة تاريخه ص 227 : اتفق أن دعا بعض الصحابة عمر رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين ! فاستحسنه الناس واستصوبوه ودعوه به ، يقال : إن أول


(87)
من دعا بذلك عبد الله بن جحش ، وقيل : عمرو بن العاصي ، والمغيرة بن شعبة وقيل : بريد جاء بالفتح من بعض البعوث ودخل المدينة وهو يسأل عن عمر ويقول : أين أمير المؤمنين ؟ وسمعها أصحابه فاستحسنوه وقالوا : أصبت والله اسمه إنه والله أمير المؤمنين حقا ، فدعوه بذلك وذهب لقبا له في الناس ، وتوارثه الخلفاء من بعده سمة لا يشاركهم فيها أحد سواهم إلا سائر دولة بني أمية. ا هـ.
    فصريح هذه النقول أن عمر نفسه ما كانت له سابقة علم بهذا اللقب لا عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولا عن غيره ، ولذلك استغربه وقال : ربي يعلم لتخرجن مما قلت.
    ولا كان عمر بن العاصي يعلم ذلك ولذلك نسب الإصابة بالتسمية إلى الرجلين ونحت لها من عنده ما يبررها.
    ولا كانت عند الرجلين ـ اللذين صح كما مر أنهما هما اللذان سمياه ـ أثارة من علم بما جاء به ابن كثير وإنما هو شيء جرى على لسانهما ، ثم اعطف نظرة ثانية على كلمة ابن خلدون المقررة للخلاف في أول من سماه بأمير المؤمنين ولم يذكر فيه قولا بأن الرسول صلى الله عليه وآله هو الذي سماه ، وصريح رواية الطبري إن عمر هو الذي رأى هذه التسمية.
    نعم : إن الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين هو مولانا علي عليه السلام ، أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1 : 63 بإسناده عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أنس ! اسكب لي وضوءا.
    ثم قام فصلى ركعتين.
    ثم قال : يا أنس ! أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين ، قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته إذ جاء علي فقال : من هذا يا أنس ؟ فقلت : علي ، فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق علي بوجهه.
    قال علي : يا رسول الله ! لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل ؟ قال : وما يمنعني وأنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي وأخرج ابن مردويه من طريق ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فغدا عليه علي بن أبي طا لب كرم الله وجهه بالغداة أن لا يسبقه إليه أحد فدخل فإذا النبي صلى الله عليه وسلم في صحن البيت فإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي فقال : السلام عليك ، كيف أصبح رسول الله ؟ قال : بخير يا أخا رسول الله ! فقال علي : جزاك الله عنا خيرا أهل البيت


(88)
فقال له دحية : إني لأحبك وإن لك عندي مدحة أزفها لك ، أنت أمير المؤمنين ، و قائد الغر المحجلين. الخ.
    وفيه : فأخذ رأس النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذه الهمهمة ؟ فقال علي بما جرى ، فقال : يا علي لم يكن دحية ولكن كان جبرائيل سماك باسم سماك الله به.
    وأخرج الحافظ أبو العلا الحسن بن أحمد العطار من طريق ابن عباس في حديث : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أم سلمة ! اشهدي واسمعي هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين.
    الحديث مر بتمامه في الجزء السادس ص 80 ط 2.
    وأخرج الطبراني في معجمه من طريق عبد الله بن عليم الجهني مرفوعا : إن الله عزو جل أوحى إلي في علي ثلاثة أشياء ليلة أسرى بي إنه سيد المؤمنين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين.
    وتعضد هذه الأحاديث وتؤكدها عدة أحاديث منها ما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء من طريق ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله آية فيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها.
    وفي لفظ الطبراني وابن أبي حاتم : إلا وعلي أميرها وشريفها ، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان وما ذكر عليا إلا بخير (1).
    ومنها ما أخرجه الخطيب والحاكم وصححه من طريق جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وهو آخذ بيد علي يقول : هذا أمير البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله (2).
    وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن عباس كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 115 ، ونور الأبصار ص 80 ، وأخرجه شيخ الاسلام الحموي من طريق عبد الرحمن بن سهمان في فرائد السمطين ، وذكره ابن حجر في الصواعق نقلا عن الحاكم وحرفه
1 ـ راجع حلية الأولياء 1 : 64 ، الرياض النضرة 2 : 206 ، كفاية الكنجي ص 54 ، تذكرة السبط ص 8 ، درر السمطين لجمال الدين الزرندي ، الصواعق لابن حجر ص 76 ، كنز العمال 6 : 291 ، تاريخ الخلفاء ص 115.
2 ـ تاريخ الخطيب البغدادي 2 : 377 ، ج : 219 ، مستدرك الحاكم 3 : 129.


(89)
وجعل مكان أمير البررة : إمام البررة. حيا الله الأمانة.
    ومنها ما أخرجه ابن عدي في كامله من طريق علي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : علي يعسوب (1) المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين ، وفي رواية : يعسوب الظلمة ، وفي رواية يعسوب الكفار.
    ذكره الدميري في حياة الحيوان 2 : 412 ، وابن حجر في الصواعق ص 75 ، وقال الدميري : ومن هنا قيل لأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه : أمير النحل.
    ومنها قول علي : أنا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكفار ، وفي لفظ : المنافقين ، وفي لفظ : الفجار.
    نهج البلاغة 2 ، 211 ، تاج العروس 1 : 381.
    هذه هي الحقيقة الراهنة لكن القوم نحتوا تجاهها بقضاء من الغلو في الفضائل ما عرفته من رواية القصاص أبي حزرة.

ـ 6 ـ
عمر لا يحب الباطل
    أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 2 : 46 من طريق الأسود بن سريع قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : قد حمدت ربي بمحامد ومدح وإياك. فقال : إن ربك عزوجل يحب الحمد.
    فجعلت أنشده ، فاستأذن رجل طويل أصلع فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسكت فدخل فتكلم ساعة ثم خرج فأنشدته ثم جاء فسكتني النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم ثم خرج ، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فقلت : يا رسول الله ! من هذا الذي أسكتني له ؟ فقال : هذا عمر ، رجل لا يحب الباطل.
    ومن طريق آخر عن الأسود التميمي قال : قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أنشده فدخل رجل أقنى (2) فقال لي : أمسك. فلما خرج قال : هات. فجعلت أنشده فلم ألبث أن عاد فقال لي : أمسك. فلما خرج قال : هات.
    فقلت : من هذا يا نبي الله الذي إذا دخل قلت : أمسك ، وإذا خرج قلت : هات ؟ قال : هذا عمر بن الخطاب وليس من الباطل في شيء.
    ومن طريق آخر عن الأسود قال : كنت أنشده صلى الله عليه وسلم ولا أعرف أصحابه حتى
1 ـ يعسوب : الأمير. الرئيس.
2 ـ قنى الانف وأقنى : ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه.


(90)
جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع ؟ فقيل : اسكت اسكت.
    قلت : واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل : عمر بن الخطاب ، فعرفت والله بعد إنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع.
    قال الأميني : هل علمت رواة السوء بالذي تلوكه بين أشداقها ؟ أم درت فتعمدت ؟ أم أن حب عمر والمغالاة في فضائله أعمياهم عن تبعات هذا القول الشائن ؟ إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
    يقول القائل : إن ما أراد إنشاده محامد ومدح لله ولرسوله فيجيزه رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول : إن ربك عزوجل يحب الحمد.
    فأي باطل في هذا حتى يبغضه عمر ؟ ولو كان باطلا ؟ لمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله قبل عمر ، وأي نبي هذا يتقي رجلا من أمته ولا يتقي الله ؟ وكيف خشي الرجل أن يسحبه عمر برجله إلى البقيع ولم يخش رسول الله صلى الله عليه وآله أن يفعل به ذلك أو يأمر فيفعل به ؟ أو أن عمر ما كان يميز بين الحق و الباطل فيحسب أن كل ما ينشد من الباطل ، فيجاريه النبي صلى الله عليه وآله على مزعمة ؟ فهل علم الراوي أو المؤلف بهذه المفاسد ، أو لا ؟.
فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم

ـ 7 ـ
الملائكة تكلم عمر بن الخطاب
    أخرج البخاري في كتاب المناقب باب مناقب عمر عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر.
    وأخرج في الصحيح بعد حديث غار عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب أسلفنا ألفاظ هذه الرواية في الجزء الخامس 42 ـ 46 ط 2 ، ومر هناك عن القسطلاني قوله : ليس قوله ( فإن يكن ) للترديد للتأكيد بل كقولك : إن يكن لي صديق ففلان إذ المراد إختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء. الخ.
    قال الأميني : أنا لست أدري ما الغاية في حديث الملائكة مع عمر ؟ أهي محض
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس