الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 91 ـ 100
(91)
إيناسه باختلاف الملك إليه وتكليمه إياه ؟ أم هي إقالة عثراته ، وتسديد خطاه ، ورد أخطاءه ، وتعليمه ما لم يعلم ؟ حتى لا يكون خليفة المسلمين خلوا عن جواب مسألة ، صفرا عن حل معضلة ، ولا يفتي بخلاف الشريعة المطهرة ، ولا يرمي القول على عواهنه ، إن كانت للمحادثة المزعومة غاية معقولة فهي هذه لا غيرها ، إذن فراجع الجزء السادس وتتبع الخطى ، وترو في الأخطاء ، واسمع ما لا يعني ، وانظر إلى التافهات ، و عندنا أضعاف ما هنالك لعل بعض الأجزاء الآتية يتكفل بعضها إن شاء الله تعالى ، فهل هذا الملك طيلة صدور ما في نوادر الأثر في الجزء السادس منه كان في سنة عن أداء وظيفته ؟ أو كان ما يصدر خافيا عليه ؟ أو أن الاستبداد في الرأي كان يحول بينهما ؟ أو أن الملك في حله وترحاله قد يتأخر عن الأوبة إليه ؟ فيقع ما يقع في غيبته ، أو أن القصة مفتعلة لا مقيل لها في مستوى الصحة ؟ وهذه أقوى الوجوه ولعله غير خاف على البخاري نفسه لكنه ...

ـ 8 ـ
قرطاس في كفن عمر
    إن الحسن والحسين دخلا على عمر بن الخطاب وهو مشغول ثم انتبه لهما فقام فقبلهما و وهب لكل واحد منهما ألفا فرجعا فأخبرا أباهما فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عمر نور الاسلام في الدنيا وسراج أهل الجنة في الجنة.
    فرجعا إلى عمر فحدثاه فاستدعي دواة وقرطاسا وكتب : حدثني سيدا شباب أهل الجنة عن أبيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال كذا وكذا ، فأوصى أن يجعل في كفنه ففعل ذلك فأصبحوا وإذا القرطاس على القبر وفيه : صدق الحسن والحسين وصدق رسول الله.
    قال الأميني : بلغ هذه القصة الخيالية من الخرافة حدا ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات كما في تحذير الخواص للسيوطي صفحة 53 فقال : والعجب من هذا الذي بلغت به الوقاحة إلى أن يصنف مثل هذا وما كفاه حتى عرضه على أكابر الفقهاء فكتبوا عليه تصويب هذا التصنيف.
    قاتل الله الغلو في الفضائل فإنه شوه سمعة أكابر الفقهاء ، كما سود صحيفة التاريخ ، وقبح وجه التأليف.


(92)
ـ 9 ـ
لسان عمر وقلبه
    أخرج إمام الحنابلة أحمد في المسند 2 : 401 عن نوح بن ميمون عن عبد الله بن عمر العمري عن جهم بن أبي الجهم عن مسور بن المخرمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه.
    قال الأميني : أما قلب الرجل فلا صلة لنا به لأن ما فيه من السرائر لا يعلمه إلا الله ، نعم ربما ينم عنه ما جرى على لسانه ، وإن شيءت فسائل الإمام أحمد أكان الحق على لسان عمر لما جابه رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله الفظ حين أراد الكتف والدواة ليكتب للمسلمين كتابا لا يضلون بعده ؟ فحال بينه وبين ما أراده من هداية الأمة ، و مهما كانت الكلمة القارصة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منزه عنها في كل حين فلا يغلبه الوجع ، ولا يهجر من شدة ما به ، ولا سيما وهو في صدد تبليغ ما به من الهداية والصون عن الضلال ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
    وانتظر لهذه الجملة بحثا ضافيا إنشاء الله تعالى.
    أم كان الحق على لسانه في المائة موردا التي أخطأ فيها جمعاء ؟ وقد فصلناها تفصيلا في نوادر الأثر من الجزء السادس ، وقد اتخذناها مقياسا لمعرفة حال هذه الرواية وأمثالها مما نسجته يد الغلو في الفضائل.
    أضف إلى هذا ما في سنده من الضعف فإن فيه : نوح بن ميمون.
    قال ابن حبان : ربما أخطأ (1) وفيه : عبد الله بن عمر العمري.
    قال أبو زرعة عن أحمد إمام الحنابلة : إنه كان يزيد في الأسانيد ويخالف.
    وقال علي بن المديني : ضعيف.
    وقال يحيى بن سعيد : لا يحدث عنه.
    وقال يعقوب بن شيبة : في حديثه اضطراب.
    وقال صالح جزرة : لين مختلط الحديث وقال النسائي : ضعيف الحديث.
    وقال ابن سعد : كثير الحديث يستضعف.
    وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به.
    وقال ابن حبان : كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق الترك.
    وقال البخاري في التاريخ : كان يحيى بن سعيد
1 ـ تهذيب التهذيب 10 : 489.

(93)
يضعفه. وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقوي عندهم. وقال المروزي : ذكره أحمد فلم يرضه (1) وفيه جهم بن أبي الجهم. قال الذهبي في ميزان الاعتدال : لا يعرف.

ـ 10 ـ
رؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله في علم عمر
    أخرج البخاري في صحيحه 5 : 255 في مناقب عمر عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر.
    فقالوا : فما أولته ؟ قال العلم.
    وأخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 119 ، والبغوي في المصابيح 2 : 270 ، وابن عبد البر في الاستيعاب 2 : 429 ، والمحب الطبري في الرياض 2 : 8.
    وفي لفظهم : بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر.
    قال الحافظ ابن أبي الجمرة الأزدي الأندلسي في بهجة النفوس 4 : 244 عند شرحه الحديث : فانظر بنظرك إلى الذي شرب فضله عليه السلام كيف كان قوة علمه ؟ الذي لم يقدر أحد من الخلفاء يماثله ، فكيف ؟ بغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وكيف ؟ ممن بعد الصحابة.
    إلى آخر ما جاء به من التافهات.
    قال الأميني : إن طبع الحال يستدعي أن تكون هذه الرؤيا بعد إسلام عمر وبعد مضي سنين من البعثة ، وهل كان صلى الله عليه وآله طيلة هذه المدة خلوا من العلم ؟ وهو في دور الرسالة ، أو كان في علمه إعواز أكمله هذا اللبن الساري ريه في ظفره أو أظفاره ؟ أو كان فيها إعلام بمبلغ علم عمر فحسب ، وكناية عن إنه من مستقي الوحي ؟ فهل تخفى على من هو هذا شأنه جلية المسائل فضلا عن معضلاتها ؟ وهل يسعه أن يعتذر في الجهل بكتاب الله بقوله : ألهاني عنه الصفق بالاسواق ؟.
    وهلا تأثرت نفس الرجل بالعلم لما شرب من منهل علم النبي العظيم ؟ فما معنى قوله : كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ؟ وأمثاله (2) وما الوجه في أخطاءه
1 ـ تهذيب التهذيب 5 : 7 32.
2 ـ راجع ما مر في الجزء السادس ص 338 ط 2.


(94)
التي لا تحصى في الفتيا وغيرها ؟ مما سبق ويأتي إن شاء الله تعالى.
    ولقد تلطف المولى سبحانه على الأمة المرحومة إنه ولي أمرها بعد شرب تلك الكاس.
    وأنا لا أدري لو كان وليه قبل ذلك ماذا كان يصدر من ولائد الجهل ؟ وأي حد كانت تبلغ نوادر الأثر في علمه ؟ وليت مصطنع هذه المهزأة اصطنعها على وجه ينطبق حكمها على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى الخليفة ، لكنه لا ينطبق على أي منهما كما بيناه ، غير أن وظيفة الماين أن يأتي بأساطيره على كل حال ، وإنما العتب على البخاري الذي يعتبرها ويدرجها في الصحيح غلوا منه في الفضائل ، وأشد منه وأعظم على أمثال ابن أبي جمرة الأزدي من الذين يموهون الحقايق بزخرف القول على أغرار الأمة ، ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.

ـ 11 ـ
عمر وفرق الشيطان منه
    أخرج البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ج 5 : 89 ، وفي كتاب المناقب باب مناقب عمر 5 : 256 عن سعد بن أبي وقاص قال : استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ، فقال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله ! قال : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب.
    قال عمر : فأنت يا رسول الله ! كنت أحق أن يهبن ، ثم قال ( عمر ) أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلن : نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ما لقيك الشطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك.
    قال الأميني : ما أوقح هذا الراوي الذي ساق هذا الحديث في عداد الفضائل وهو بعده عند سياق السفاسف أولى ، حسب أولا أن النساء كن لم يهبن رسول الله صلى الله عليه وآله وهبن عمر ، فعلى هذا نسائله : أكن هذه النسوة نساؤه صلى الله عليه وآله ؟ كما ذكره شراح الحديث (1) ستر العوار الرواية ، أم كن أجنبيات عنه صلى الله عليه وآله ؟ وعلى الأول فلا وجه
1 ـ راجع إرشاد الساري 5 : 290.

(95)
لهيبتهن إياه على الأسفار أو الاكثار أمامه ، فإن للحلائل مع زوجاتهن شؤونا خاصة فتسترهن عن عمر فلكونه أجنبيا عنهن لا هيبة له.
    وعلى الثاني وهو الذي يعطيه سياق الحديث كقوله : وعنده نساء من قريش.
    و قوله صلى الله عليه وآله : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي. الخ.
    وقول عمر : فأنت يا رسول الله كنت. الخ.
    وقوله : يا عدوات أنفسهن. الخ.
    فكل هذه لا يلتئم مع كونهن نساؤه لتنكير النساء في الأول ، وظهور قوله : كن عندي في أن حضورهن لديه من ولائد الاتفاق لا أنهن نساؤه الكائنات معه أطراف الليل وآناء النهار ، وقلنا أيضا : إنه لا وجه للهيبة مع كونهن أزواجه ، ولا هن على ذلك عدوات أنفسهن ، فإن إبداء الزينة والجمال للزوجة عبادة لا معصية ، فجلوسهن وهن أجنبيات عند رسول الله صلى الله عليه وآله سافرات على هذا الوجه إما لأنه صلى الله عليه وآله لم يحرم السفور ، وإما لأنه حرمه ونسيه ، أو أنه صلى الله عليه وآله تسامح في النهي عنه ، أو أنه هابهن وإن لم يهبن ، وكان مع ذلك يروقه أن ينتهين عما هن عليه ، ولذلك استبشر لما بادرن الحجاب وأثنى على عمر ، ولازم هذا أن يكون عمر أفقه من رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو أثبت منه على المبدأ ، أو أخشن منه في ذات الله ، أو أقوى منه نفسا.
    أعوذ بالله من التقول بلا تعقل.
    وأما ما عزي إليه صلى الله عليه وآله ثانيا من قوله : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا غير فجك ، فما بالشيطان يهاب الخليفة فيسلك فجا غير فجه ولا تروعه عظمة النبي صلى الله عليه وآله ولا قوة إيمانه ؟ فيسلك في فجه فلا يدعه أن ينهى عن المنكر ، و يحدو بصواحب المنكر إلى أن يتظاهرون به أمامه.
    بل الشيطان لعنه الله يعرض له صلى الله عليه وآله ليقطع عليه صلاته وإن رجع عنه خائبا كما أخرجه البخاري في صحيحه ج 1 ص 143 في كتاب الصلاة باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة.
    ومسلم في صحيحه ج 1 ص 204 باب جواز لعن الشيطان في الصلاة ، أخرجا بالإسناد عن أبي هريرة قال : صلى رسول الله صلاة فقال : إن الشيطان عرض لي فشد علي بقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته (1) الحديث.
    هب إن اللعين في هذه المرة لم يصب من رسول الله صلى الله عليه وآله لكنه تجرأ على مقامه
1 ـ فذعته : فخنقته والذعت والدعت بالمهملة والمعجمة : الدفع العنيف.

(96)
الأسمى وقد جاء في الصحيحين (1) عن أبي هريرة إن الشيطان إذا سمع الأذان للصلاة من أي مسلم كان أدبر هاربا وولى فرقا ، وله ضراط هلع جزع.
    كيف يجرأ اللعين على رسول الله حتى في حال صلاته ؟ ولم يتجرأ قط على عمر لأن يسلك فجا غير فجه.
    وجاء فيما أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان عن بريدة إن الشيطان ليفرق منك يا عمر ! (2) وفيما أخرجه الطبراني وابن مندة وأبو نعيم عن سديسة مولاة حفصة عن حفصة بنت عمر مرفوعا : إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه (3).
    إني وإن لا يروقني خدش العواطف بذكر مواقف الرجل التي لم يكن العامل الوحيد فيها إلا الشيطان ، غير إني لست أدري هل الشيطان كان يفرق ويفر منه ، و يخر على وجهه ، ويسلك فجا غير فجه أيضا منذ أسلم إلى سنة الفتح الثامن من الهجرة النبوية ؟ إلى نزول آية ( فهل أنتم منتهون ) إلى يوم قول الرجل : انتهينا انتهينا ؟ إلى يوم النادي في دار أبي طلحة الأنصاري ؟ فعلى الباحث الوقوف على ما أسلفناه في الجزء السادس ص 251 ـ 261 ، وفي الجزء السابع ص 95 ـ 102 ط 2.
    ثم أين كانت تلك البسالة من رسول الله ـ الحاجزة بين الشيطان الرجيم وبين صلاته صلى الله عليه وآله لما عرض له وشد عليه ـ يوم كانت عنده نساء قريش فتخنقه وتردع النسوة ؟ فبهذه كلها تعلم مقدار هده الرواية ومقيلها من الصدق ، ومبلغ صحيح البخاري من الاعتبار ، وتعرف ما يفعله الغلو في الفضائل والحب المعمي والمصم.
    أضف إلى هذه المخاريق ما أسلفناه في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات مما وضعته يد الغلو في فضائل عمر.
كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق ، وقد آتيناك من لدنا ذكرا ،
من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا

( طه 99 ، 100 )

1 ـ صحيح البخاري 1 : 78 كتاب الأذان. صحيح مسلم ج 1 : 153 باب فضل الأذان.
2 ـ فيض القدير 2 : 359.
3 ـ الإصابة 4 : 226 ، فيض القدير 2 : 352


(97)
الغلو في فضايل عثمان
ابن عفان بن أبي العاص بن أمية الخليفة الأموي
    قبل الشروع في سرد الفضائل نوقفك على مواد تعرفك مبلغ الخليفة من العلم ، و مقداره من النفسيات الفاضلة ، وموقفه من التقوى ، ومبوأه من الإيمان ، حتى يكون نظرك في فضائله عارف به وبها.

ـ 1 ـ
قضاءه في امرأة ولدت لستة أشهر
    أخرج الحفاظ عن بعجة بن عبد الله الجهني قال : تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له تماما لستة أشهر ، فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر بها أن ترجم فبلغ عليا رضي الله عنه فأتاه فقال : ما تصنع ؟ ليس ذلك عليها قال الله تبارك وتعالى : وحمله و وفصاله ثلاثون شهرا (1).
    وقال : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين (2) فالرضاعة أربعة وعشرون شهرا.
    والحمل ستة أشهر.
    فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا.
    فأمر بها عثمان أن ترد فوجدت قد رجمت ، وكان من قولها لأختها : يا أخية لا تحزني فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره ، قال : فشب الغلام بعد فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به ، وقال : فرأيت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا على فراشه.
    أخرجه مالك ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، وأبو عمر ، وابن كثير ، وابن الديبع ، والعيني ، والسيوطي كما مر في الجزء السادس صفحة 94 ط 2.
    قال الأميني : إن تعجب فعجب إن إمام المسلمين لا يفطن لما في كتاب الله العزيز مما تكثر حاجته إليه في شتى الأحوال ، ثم يكون من جراء هذا الجهل أن تودي بريئة مؤمنة ، وتتهم بالفاحشة ، ويهتك ناموسها بين الملأ الديني وعلى رؤس الاشهاد.
1 ـ سورة الأحقاف آية 15.
2 ـ سورة البقرة آية 233.


(98)
    وهلا كان حين عزب عنه فقه المسألة قد استشار أحدا من الصحابة يعلم ما جهله فلا يبوء بإثم القتل والفضيحة ؟ وهلا تذكر لدة هذه القضية وقد وقعت غير مرة على عهد عمر ؟ حين أراد أن يرجم نساء ولدن ستة أشهر فحال دونها أمير المؤمنين وابن عباس كما مرت في الجزء السادس ص 93 ـ 95 ط 2.
    ثم هب إنه ذهل عن الآيتين الكريمتين ، ونسي ما سبق في العهد العمري ، فماذا كان مدرك حكمه برجم تلك المسكينة ؟ أهو الكتاب ؟ فأنى هو ؟ أو السنة ؟ فمن ذا الذي رواها ؟ أو الرأي والقياس ؟ فأين مدرك الرأي ؟ وما ترتيب القياس ؟ وإن كانت فتوى مجردة ؟ فحيا الله المفتي ، وزه بالفتيا ، ومرحبا بالخلافة والخليفة ، نعم : لا يربي بيت أمية أربى من هذا البشر ، ولا يجتنى من تلك الشجرة أشهى من هذا الثمر.

ـ 2 ـ
إتمام عثمان الصلاة في السفر
    أخرج الشيخان وغيرهما بالإسناد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته رضي الله عنهم ، ثم إن عثمان صلى بعد أربعا ، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا ، وإذا صلى وحده صلى ركعتين (1) وفي لفظ ابن حزم في المحلى 4 : 270 : إن ابن عمر كان إذا صلى مع الإمام بمنى أربع ركعات انصرف إلى منزله فصلى فيه ركعتين أعادها.
    وأخرج مالك في الموطأ 1 : 282 عن عروة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الرباعية بمنى ركعتين ، وإن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين ، وإن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين ، وإن عثمان صلاها بمنى ركعتين شطر إمارته ثم أتمها بعد وأخرج النسائي في سننه 3 : 120 عن أنس بن مالك أنه قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان ركعتين صدرا من إمارته.
    وبإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد قال : صلى عثمان بمنى أربعا حتى بلغ ذلك
1 ـ صحيح البخاري 2 : 154 ، صحيح مسلم 2 : 260 ، مسند أحمد 2 : 148 ، سنن البيهقي 3 : 126.

(99)
عبد الله فقال : لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين. الحديث. ورواه إمام الحنابلة أحمد في المسند 1 : 378.
    وأخرج حديث أنس المذكور في مسنده 1 ص 145 ولفظه : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة بمنى ركعتين وصلاها أبو بكر بمنى ركعتين ، وصلاها عمر بمنى ركعتين ، وصلاها عثمان بن عفان بمنى ركعتين أربع سنين ثم أتمها بعد.
    وأخرج الشيخان وغيرهما بالإسناد عن عبد الرحمن بن يزيد قال : صلى عثمان ابن عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثم قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ، وصليت مع أبي بكر رضي الله عنه بمنى ركعتين ، وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمنى ركعتين ، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان (1).
    وأخرج أبو داود وغيره عن عبد الرحمن بن يزيد قال : صلى عثمان رضي الله عنه بمنى أربعا فقال عبد الله : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ، ومع أبي بكر ركعتين ، ومع عمر ركعتين ، ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها ، ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت إن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين.
    قال الأعمش : فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه : إن عبد الله صلى أربعا فقيل له : عبت على عثمان ثم صليت أربعا ؟ قال الخلاف شر (2) وأخرج البيهقي في السنن الكبرى 3 : 144 عن عبد الرحمن ابن يزيد قال : كنا مع عبد الله بن مسعود بجمع ، فلما دخل مسجد منى فقال : كم صلى أمير المؤمنين ؟ قالوا : أربعا.
    فصلى أربعا.
    قال : فقلنا : ألم تحدثنا إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ، وأبا بكر صلى ركعتين ؟ فقال : بلى وأنا أحدثكموه الآن ، ولكن عثمان كان إماما فما أخالفه والخلاف شر.
    وأخرج البيهقي في السنن 3 : 144 عن حميد عن عثمان بن عفان إنه أتم الصلاة
1 ـ صحيح البخاري 2 : 154 ، صحيح المسلم 1 : 261 ، مسند أحمد 1.
2 ـ سنن أبي داود 1 : 308 ، الآثار للقاضي أبي يوسف ص 30 ، كتاب الأم للشافعي 1 : 159 ، ج 7 : 175.


(100)
بمنى ، ثم خطب الناس فقال : يا أيها الناس إن السنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة صاحبيه ولكنه حدث العام من الناس فخفت أن يستنوا.
    وأخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 4 : 239.
    وأخرج أبو داود وغيره عن الزهري : إن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب لأنهم كثروا عامئذ فصلى بالناس أربعا ليعلمهم إن الصلاة أربعاً (1).
    وروى ابن حزم في المحلى 4 : 270 من طريق سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : اعتل عثمان وهو بمنى فأتى علي فقيل له : صلى بالناس فقال : إنشئتم صليت لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ يعني ركعتين قالوا : لا ، إلا صلاة أمير المؤمنين ـ يعنون عثمان ـ أربعا فأبى. وذكره ابن التركماني في ذيل سنن البيهقي 3 : 144.
    وأخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده 2 : 44 عن عبد الله بن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يصلي صلاة السفر ـ يعني ركعتين ـ ومع أبي بكر وعمر وعثمان ست سنين من إمرته ثم صلى أربعا.
    وأخرج البيهقي في السنن الكبرى 3 : 153 بالإسناد عن أبي نضرة : إن رجلا سأل عمران بن حصين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فقال : أيت مجلسنا.
    فقال : إن هذا قد سألني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فاحفظوها عني : ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا إلا صلى ركعتين حتى يرجع ويقول : يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين فإنا سفر ، وغزا الطائف وحنين فصلى ركعتين ، وأتى الجعرانة فاعتمر منها ، وحججت مع أبي بكر رضي الله عنه واعتمرت فكان يصلي ركعتين ، ومع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان يصلي ركعتين ومع عثمان فصلى ركعتين صدرا من إمارته ، ثم صلى عثمان بمنى أربعا.
    وفي لفظ الترمذي في الصحيح 1 : 71 : ومع عثمان ست سنين من خلافته أو ثمان سنين فصلى ركعتين.
    فقال : حسن صحيح.
1 ـ سنن أبي داود 1 : 308 ، سنن البيهقي 3 : 144 ، تيسير الوصول 2 : 286 ، نيل الأوطار 2 : 260.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس