الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 151 ـ 160
(151)
ـ 9 ـ
كتمان الخليفة حديث النبي صلى الله عليه وآله
    أخرج أحمد في مسنده 1 : 65 عن أبي صالح قال : سمعت عثمان رضي الله عنه يقول على المنبر : أيها الناس إني كتمتكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية تفرقكم عني ، ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : رباط يوم في سبيل الله تعالى خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل.
    وأخرج في المسند 1 : 601 ؟ ، 65 عن مصعب قال : قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب على منبره : إني محدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يمنعني أن أحدثكم إلا الضن بكم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حرس ليلة في سبيل الله تعالى أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها.
    وأخرج في المسند 1 : 57 عن حمران قال : توضأ عثمان رضي الله عنه على البلاط ثم قال : لأحدثنكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل فصلى غفر له ما بينه و بين الصلاة الأخرى حتى يصليها.
    وذكرها غير واحد من الحفاظ أخذا من مسند أحمد.
    قال الأميني : ليت مخبرا يخبرني عن مبرر هذا الشح عن تعليم أمة محمد صلى الله عليه وآله بتلكم الأحاديث ، والناس في حاجة أكيدة إلى الحديثين في فضل الجهاد والمرابطة الذين بهما قام عمود الدين ، ومطط أديمه ، ودخلت هيبته القلوب ، وكانوا يومئذ يتسابقون على الجهاد لكثرة ما انتهى إليهم من فضله ، ولتعاقب الفتوح التي مرنتهم على الغزو وشوقتهم إلى توسيع دائرة المملكة ، وحيازة الغنائم ، فلو كان الخليفة يروي لهم شيئا مما لم يزل له نقر في آذانهم ، ونكت في قلوبهم لازدادوا إليه شوقا ، وازدلفوا إليه رغبة ، وكان يعلم العالم منهم من لم يعلم ، لا أنهم كانوا يتفرقون عنه كما حسبه الخليفة ، ولو كان يريد تفرقهم عنه إلى الجهاد فهو حاجة الخليفة إلى مجتمعه وحاجة المجتمع إلى الخليفة الذي يكتنفون به ، فهي مقصورة من الجانبين على التسرب إلى الجهاد والدفاع والدعوة إلى الله تعالى ، وإلى دينه الحق وصراطه المستقيم ، لا أن يجتمعوا حوله فيأنسونه


(152)
بالمعاشرة والمكاشرة ، إذن فلا وجه للضنة بهم عن نقل تلكم الروايات.
    وأما ثالث الأحاديث فهو من حاجة الناس إلى أميرهم في ساعة السلم ، وأي نجعة في الأمير هي خير من بعث الأمة على إحسان الوضوء ، والصلاة بعده التي هي خير موضوع وهي عماد الدين ، ووسيلة إلى المغفرة ، ونجح الطلباب ، وأحد أصول الاسلام ، فلماذا يشح به الخليفة ؟ فيحرم أمته عن تلكم المثوبات والأجور.
    وأما الآية التي بعثته على التنويه بالحديث ، فليته كان يدلنا عليها ويعرب عنها ، وقد كانت موجودة منذ نزولها ، وفي أبان شح الخليفة على رواية الحديث ، فما الذي جعجع به إلى هذا التاريخ ؟ وأرجأ روايته إلى الغاية المذكورة ؟ ولعله أراد ما نص عليه أبو هريرة فيما أخرجه الجصاص في آيات الأحكام 1 : 116 عن أبي هريرة أنه قال : لولا آية في كتاب الله عزوجل ما حدثتكم ، ثم تلا : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ) قال الجصاص : فأخبر أن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى الذي أنزله الله تعالى.
    وهب أن الآية لم تنزل ، فهل الحكم الذي هتف به رسول الله صلى الله عليه وآله يسدل عليه ستار الاخفاء إلى أن يرتئي الخليفة أن يبوح به ؟.
    أنا لا أدري السر في هذه كلها ، و لعل عند الخليفة ما لا أعلمه.
    م وهل كان مبلغ جهل الصحابة الأولين بالسنة هذا الحد بحيث كان يخفي عليهم مثل الحديثين ؟ وكان علمهما يخص بالخليفة فحسب والخليفة مع هذا كان يعلم جهل جميعهم بذلك وإنه لو كتمه لما بان.
    على إن كاتم العلم وتعاليم النبوة بين اثنين رحمة يزوى عنه ، وذموم تتوجه إليه ، وإليك في المقامين أحاديث جمة فمن الفريق الثاني ما ورد : 1 عن ابن عمر مرفوعا : علم لا يقال به ، ككنز لا ينفق منه.
    أخرجه ابن عساكر.
    2 ـ عن ابن مسعود مرفوعا : علم لا ينفع ، ككنز لا ينفق منه.
    أخرجه القضاعي.
    3 عن أبي هريرة مرفوعا : مثل الذي يتعلم العلم ، ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه.
    أخرجه الطياسي والطبراني والمنذري.


(153)
    4 ـ عن أبي سعيد مرفوعا : كاتم العلم يلعنه كل شيء حتى الحوت في البحر و الطير في السماء. أخرجه ابن الجوزي في العلل.
    5 ـ عن ابن مسعود مرفوعا : أيما رجل آتاه الله علما فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني.
    6 ـ عن أبي هريرة مرفوعا : ما آتي الله تعالى عالما علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه. أخرجه ابن النظيف وابن الجوزي.
    7 ـ عن ابن مسعود مرفوعا : من كتم علما عن أهله ألجم يوم القيامة لجاما من نار. أخرجه ابن عدي.
    8 ـ عن أبي هريرة مرفوعا : ما من رجل يحفظ علما فيكتمه إلا أتى يوم القيامة ملجما بلجام من نار. أخرجه ابن ماجة.
    9 ـ عن أبي سعيد مرفوعا : من كتم علما مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه ابن ماجة والمنذري.
    10 ـ عن أبي هريرة مرفوعا : مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل رجل رزقه الله مالا فكنزه فلم ينفق منه. أخرجه أبو خيثمة في العلم وأبو نصر في الابانة
    11 ـ عن ابن عمر مرفوعا : من بخل بعلم أوتيه أتي به يوم القيامة مغلولا ملجوما بلجام من نار. أخرجه ابن الجوزي في العلل.
    12 ـ وفي لفظ ابن النجار عن ابن عمرو : من علم علما ثم كتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. وفي لفظ الخطيب : من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه ابن حبان والحاكم والمنذري.
    13 ـ عن ابن مسعود مرفوعا : من كتم علما ينتفع به ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل والسجزي والخطيب.
    14 ـ عن ابن عباس مرفوعا : من كتم علما يعلمه الجم يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني في الكبير.
    15 ـ عن قتادة : ميثاق أخذه الله على أهل العلم فمن علم علما فليعلمه الناس ، و


(154)
إياكم وكتمان العلم ، فإن كتمان العلم هلكة. أخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم كما في تفسير الشوكاني 1 : 375.
    16 ـ عن الحسن قال : لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه. أخرجه ابن سعد.
    وحسبك من الفريق الأول قوله صلى الله عليه وآله : 1 ـ رحم الله امرءا سمع مني حديثا فحفظ حتى يبلغه غيره.
    أخرجه ابن حبان.
    2 ـ رحم الله امرءا سمع منا حديثا فوعاه ثم بلغه من هو أوعى منه. أخرجه ابن عساكر.
    3 ـ اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي ، يروون أحاديثي وسنتي و يعلمونها الناس. أخرجه الطياسي والرامهرمزي والخطيب بن النجار.
    4 ـ رحمة الله على خلفائي ، قيل : من خلفاؤك يا رسول الله ؟ قال : الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس.
    أخرجه أبو نصر في الابانة وابن عساكر والمنذري في الترغيب.
    5 ـ نظر الله امرءا سمع منا حديثا فبلغه غيره. أخرجه المنذري.
    راجع مسند أحمد مسانيد الصحابة المذكورين ، مسند الطيالسي ، الترغيب والترهيب للمنذري ، كتاب العلم لأبي عمر ، إحياء العلوم للغزالي ، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ج 1 ، كنز العمال كتاب العلم.
    نعم : لعل الخليفة اتبع في كتمانه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله رأي الشيخين قبله في نهيهما عن إكثار الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله كما فصلنا القول فيه في ج 6 ص 294 ط 2 ، و لست أدري إن قلة رواية الخليفة وقد بلغت عدتها كما ذكرها السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 100 ، وابن العماد الحنبلي في الشذرات 1 : 136 مائة وستة وأربعين حديثا أهي لقلة منته في السنة ، وصفر يده من العلم بها ؟ أو لشحه على بثها وضنه بالأمة ؟ والله يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون.

ـ 10 ـ
رأي الخليفة في زكاة الخيل
    أخرج البلاذري في الأنساب 5 : 26 بالإسناد من طريق الزهري : إن عثمان كان


(155)
يأخذ من الخيل الزكاة فأنكر ذلك من فعله وقالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق.
    وقال ابن حزم في المحلى 5 : 227 : قال ابن شهاب : كان عثمان بن عفان يصدق الخيل.
    وأخرجه عبد الرزاق عن الزهري كما في تعاليق الآثار للقاضي أبي يوسف ص 87.
    قال الأميني : ليت هذه الفتوى المجردة من الخليفة كانت مدعومة بشئ من كتاب أو سنة ، لكن من المأسوف عليه إن الكتاب الكريم خال عن ذكر زكاة الخيل ، والسنة الشريفة على طرف النقيض مما أفتى به ، وقد ورد فيما كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله في الفرائض قوله : ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شئ.
    وجاء عنه صلى الله عليه وآله قوله : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق.
    وفي لفظ ابن ماجة : قد تجوزت لكم عن صدقة الخيل والرقيق.
    وقوله : ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه.
    وفي لفظ البخاري : ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة.
    وفي لفظ له : ليس على المسلم صدقة في عبده وفرسه.
    وفي لفظ مسلم : ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة.
    وفي لفظ له : ليس على المرء المسلم في فرسه ولا مملوكه صدقة.
    وفي لفظ أبي داود : ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق.
    وفي لفظ الترمذي : ليس على المسلم في فرسه ولا في عبده صدقة.
    وفي لفظ النسائي : كلفظ مسلم الأول.
    وفي لفظ له : لا زكاة على الرجل المسلم في عبده ولا في فرسه.
    وفي لفظ له : ليس على المرء في فرسه ولا في مملوكه صدقة.
    وفي لفظ : ليس على المسلم صدقة في غلامه ولا في فرسه.
    ولفظ ابن ماجة كلفظ مسلم الأول.
    وفي لفظ أحمد : ليس في عبد الرجل ولا في فرسه صدقة.
    وفي لفظ البيهقي : لا صدقة على المسلم في عبده ولا في فرسه.


(156)
    وفي لفظ عبد الله بن وهب في مسنده : لا صدقة على الرجل في خيله ولا في رقيقه.
    وفي لفظ ابن أبي شيبة : ولا في وليدته.
    وفي رواية للطبراني في الكبير والبيهقي في السنن 4 : 118 من طريق عبد الرحمن ابن سمرة : لا صدقة في الكسعة والجبهة والنخة (1).
    ومن طريق أبي هريرة : عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة والنخة.
    راجع صحيح البخاري 3 : 30 ، 31 ، صحيح مسلم 1 : 361 ، صحيح الترمذي 1 : 80 ، سنن أبي داود 1 : 253 ، سنن ابن ماجة 1 : 555 ، 556 ، سنن النسائي 5 : 35 ، 36 ، 37 ، سنن البيهقي 4 ، 117 ، مسند أحمد 1 : 62 ، 121 ، 132 ، 145 ، 146 ، 148 ، ج 2 : 243 ، 249 ، 279 ، 407 ، 432 ، كتاب الأم للشافعي 2 : 22 ، موطأ مالك 1 : 206 ، أحكام القرآن للجصاص 3 : 189 ، المحلى لابن حزم 5 : 229 ، عمدة القاري للعيني 4 : 383.
    ولو كان في الخيل شيء من الزكاة لوجب أن يذكر في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذي فصل فيه الفرايض تفصيلا (2) وقد أعطاه كبرنامج يعمل به في الفرايض وعليه كان عمل الصحابة ، ومنه أخذ أبو بكر ما كتبه دستورا يعول عليه في الصدقات (3) ، وكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يهتف بتلك السنة الثابتة ، وعليها كان عمله عليه السلام ، وعليها أضفقت الصحابة وجرت الفتيا من التابعين ، وبها قال عمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن المسيب ، و عطاء ، ومكحول ، والشعبي ، والحسن ، والحكم بن عتيبة ، وابن سيرين ، والثوري ، والزهري ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأهل الظاهر ، وأبو يوسف ، ومحمد ابن الحنفية (4).
    وقال ابن حزم : وذهب جمهور الناس إلى أن لا زكاة في الخيل أصلا. وقال مالك والشافعي ، وأحمد ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وجمهور العلماء : لا زكاة في الخيل بحال.
1 ـ الجبهة الخيل. الكسعة : البغال والحمير. النخة. المربيات في البيوت.
2 ـ راجع سنن البيهقي 4 : 85 90 ، مستدرك الحاكم 1 : 390 398.
3 ـ راجع مصابيح السنة للبغوي 1 : 119.
4 ـ راجع المحلى لابن حزم 5 : 229 ، عمدة القاري 4 : 383.


(157)
    نعم : للحنفية هاهنا تفصيل مجرد عن أي برهنة ضربت عنه الأمة صفحا قالوا : لا زكاة في الخيل الذكور ، ولو كثرت وبلغت ألف فرس ، وإن كانت إناثا ، أو إناثا و ذكورا سائمة غير معلوفة فحينئذ تجب فيها الزكاة.
    وصاحب الخيل مخير إن شاء أعطى عن كل فرس منها دينارا أو عشرة دراهم ، وإن شاء قومها فأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم.
    كذا حكاه ابن حزم في المحلى 5 : 288 ، وأبو زرعة في طرح التثريب 4 : 14 ، وملك العلماء في بدايع الصنايع 1 : 34 ، والنووي في شرح مسلم.
    وهذا التفصيل ما كان قط يعرفه الصحابة والتابعون لأنهم لم يجدوا له أثرا في كتاب أو سنة ، وكان من الحقيق إن كان للحكم مدرك يعول عليه أن يعرفوه ، وأن يثبته رسول الله صلى الله عليه وآله في كتابه ، وكذلك أبو بكر من بعده ، وهذا كاف في سقوطه ، و لذلك خالف أبا حنيفة فيه أبو يوسف ومحمد وقالا بعدم الزكاة في الخيل كما ذكره الجصاص في أحكام القرآن 3 : 188 ، وملك العلماء في البدايع 2 : 34 ، والعيني في العمدة 4 : 383.
    وغاية جهد أصحاب أبي حنيفة في تدعيم قوله بالحجة أحاديث لم يوجد في شيء منها ما جاء به من الرأي المجرد ، ألا وهي :
    1 ـ أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من طريق أبي هريرة مرفوعا : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها.
    فذكر الوعيد الذي في منع حقها وحق الإبل والبقر والغنم ، وذكر في الإبل : ومن حقها حلبها يوم وردها ، ثم قال : قيل : يا رسول الله ! فالخيل ؟ قال : الخيل لثلاثة : هي لرجل وزر. وهي لرجل أجر. وهي لرجل ستر.
    فأما الذي هي له وزر : فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الاسلام فهي له وزر ، وأما الذي هي له ستر : فرجل ربطها في سبيل الله. ثم لم ينس حق الله في ظهورها ، ولا رقابها فهي له ستر. وأما الذي هي له أجر : فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الاسلام. الحديث. وفي لفظ مسلم بدل قوله : ثم لم ينس حق الله..الخ : و لم ينس حق الله في ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها.
    استدل به ابن التركماني المارديني في الجوهر النقي ط ذيل سنن البيهقي 4 :


(158)
120 وقال : يدل عليه ظاهر قوله : ثم لم ينس حق الله .. إلخ. مع قرينة قوله في أول الحديث : ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته ، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها ، وما من صاحب عنم لا يؤدي زكاته.
    ونحن لا نعرف وجه الدلالة في ظاهر قوله : ثم لم ينس.
    مع ضم القرينة إليه على ما أفتى به أبو حنيفة ، وغيرنا أيضا لا يرى فيه دلالة على الزكاة في الخيل كما قاله البيهقي في السنن 4 : 119.
    2 ـ أخرج البيهقي في سننه الكبرى 4 : 119 عن أبي الحسن علي بن أحمد بن عبدان عن أبيه ، عن أبي عبد الله محمد بن موسى الاصطخري ، عن إسماعيل بن يحيى بن بحر الأزدي ، عن الليث بن حماد الاصطخري ، عن أبي يوسف القاضي ، عن غورك بن الحصرم أبي عبد الله ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيل السائمة في كل فرس دينار.
    قال البيهقي : تفرد به غورك ، وأخبرنا أبو بكر بن الحارث قال : قال عمر بن علي الحافظ يعني الدارقطني : تفرد به غورك عن جعفر ، وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء.
    قال الأميني : في رجال الاسناد : أحمد بن عبدان مجهول.
    قاله مسلمة بن قاسم وفيه :
    2 ـ محمد بن موسى الاصطخري : شيخ مجهول ، روى عن شعيب خبرا موضوعا قاله ابن حجر.
    3 ـ إسماعيل بن يحيى الأزدي : ضعفه الدارقطني ، وحكاه عنه ابن حجر. و
    4 ـ وليث بن حماد الاصطخري : ضعفه الدارقطني ، ونقله عنه الذهبي وابن حجر. و
    5 ـ أبو يوسف القاضي : قال البخاري : تركوه ، وعن المبارك : إنه وهاه. وعن يزيد بن هارون : لا تحل الرواية عنه. وقال الفلاس : صدوق كثير الخطأ ، إلى آخر ما مر من ترجمته في هذا الجزء ص 30 ، 31.
    6 ـ غورك السعدي : قال الدارقطني : ضعيف جدا ، وذكره الذهبي في الميزان (1).
1 ـ راجع ميزان الاعتدال 2 : 323 ، 360 ، لسان الميزان 1 : 192 ، 441 ، ج 4 : 421 ، 493 ، ج 5 : 401 ، ج 6 : 300.

(159)
    ومما يوهن هذه الرواية عدم إخراج ابن أبي يوسف القاضي فيما جمعه من الأحاديث عن والده وأسماه بالآثار.
    وذكرها الذهبي في لميزان 2 : 223 فقال : ضعف الدارقطني الليث وغيره في إسناده.
    على أن الرواية خالية عن تفصيل الذي جاء به أبو حنيفة من نفي الزكاة في ذكور الخيل ولو كثرت ووجوبها إن كانت إناثا ، أو إناثا وذكورا.
    إلى آخر ما تقول به.
    3 ـ أخرج ابن أبي شيبة في مسنده من طريق عمر مرفوعا في حديث طويل قال : فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي : يا محمد ! يا محمد ! فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت.
    ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي يا محمد ! يا محمد ! فأقول : لا أملك لك من الله شيئا. الحديث.
    استدل به على وجوب الزكاة في الخيل ابن التركماني المارديني في الجوهر النقي يل سنن البيهقي 4 : 120.
    وقال : فدل على وجوب الزكاة في هذه الأنواع.
    أمعن النظر في الحديث لعلك تعرف وجه الدلالة على ما ارتآه الرجل ، وما أحسبك أن تعرفه ، غير أن حب المارديني إمامه أبا حنيفة أعماه وأصمه ، فحسب إنه أقام البرهنة على ما خرق به الرجل إجماعة ، وتقول تجاه النص الأغر ، و السنة الثابتة ، وكل هذه من جراء رأي من صدق الخيل بعد عفو الله ورسوله عنها.
    4 ـ فعل عمر بن الخطاب وأخذه الزكاة من الخيل ، وليس في فعله أي حجة للحنفية ولا لغيرهم ، لأنه لم يكن فيما عمله التفصيل الذي ذكره القوم ، على إنه كان يأخذ ما أخذه من الخيل تطوعا لا فريضة باستدعاء من أرباب الخيل كما مر في الجزء السادس ص 155 ط 2 ، وما كان يخافه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، ويحذر به عمر في أخذه الزكاة من الخيل من أن يعود جزية يوجبها أناس في المستقبل ، فكان كما توسم سلام الله عليه على عهد عثمان ، فالتفصيل المذكور أحدوثة في الدين خارجة عن السنة الثابتة ، وهو كما قال ابن حزم في المحلى 5 : 228 : وأتوا بقول في صفة زكاتها لا نعلم أحدا قاله قبلهم.
    وقولهم هذا يخالف القياس الذي هو أساس مذهبهم.
    قال ابن رشد في ممهدات المدونة الكبرى 1 : 263 : والقياس إنه لما اجتمع أهل العلم في البغال والحمير على


(160)
إنه لا زكاة فيها وإن كانت سائمة ، واجتمعوا في الإبل ، والبقر ، والغنم على الزكاة فيها إذا كانت سائمة : واختلفوا في الخيل سائمة وجب ردها إلى البغال والحمير لا إلى الإبل والبقر والغنم ، لأنها بها أشبه لأنها ذات حافر كما إنها ذوات حوافر ، وذو الحافر بذي الحافر أشبه منه بذي الخف أو الظلف ، ولأن الله تبارك وتعالى قد جمع بينها فجعل الخيل والبغال والحمير صنفا واحدا لقوله : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة وجمع بين الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم فجعلها صنفا واحدا لقوله : والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ولقوله عزوجل : الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون.

ـ 11 ـ
تقديم عثمان الخطبة على الصلاة
    قال ابن حجر في فتح الباري 2 : 361 : روى ابن المنذر عن عثمان بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال : أول من خطب قبل الصلاة عثمان ، صلى بالناس ثم خطبهم (1) فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ، ففعل ذلك ، أي صار يخطب قبل الناس ، وهذه العلة غير التي إعتل بها مروان ، لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ، و وأما مروان فراعى مصلحتهم في استماعهم الخطبة ، لكن قيل : إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب ما لا يستحق السب ، والافراط في مدح بعض الناس ، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه ، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا بخلاف مروان فواظب عليه.
    وذكره الشوكاني في نيل الأوطار 3 : 362.
    وأخرج ابن شبه عن أبي غسان قال : أول من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان.
    وقال ابن حجر : يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان.
    فتح الباري 2 : 359 ، نيل الأوطار 3 : 374.
    وذكره السيوطي في الأوائل ، وتاريخ الخلفاء ص 111 ، والسكتواري في محاضرة الأوائل ص 145 : إن أول من خطب في العيدين قبل الصلاة عثمان رضي الله عنه.
1 ـ على الباحث مناقشة الحساب حول هذه الكلمة.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس