الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 191 ـ 200
(191)
ليس بنا رد عليك ولكننا حرم. وفي لفظ : إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلحم حمار وحش فرده وقال : إنا حرم لا نأكل الصيد.
    راجع صحيح مسلم 1 : 449 ، مسند أحمد 4 : 37 ، سنن الدارمي 2 : 39 ، سنن ابن ماجة 2 : 262 ، سنن النسائي 5 : 18 ؟ ، سنن البيهقي 5 : 192 بعدة طرق ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 586 ، تفسير الطبري 7 : 48 ، تيسير الوصول 1 : 272.
    3 ـ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم شق حمار وحش وهو محرم فرده.
    وفي لفظ أحمد : إن الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم عجز حمار فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقطر دما.
    وفي لفظ طاووس في حديثه : عضدا من لحم صيد.
    وفي لفظ مقسم : لحم حمار وحش.
    وفي لفظ عطاء في حديثه : أهدي له صيد فلم يقبله وقال : إنا حرم.
    وفي لفظ النسائي : أهدى الصعب بن جثامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش تقطر دما وهو محرم وهو بقديد فردها عليه.
    وفي لفظ ابن حزم : إنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش فرده عليه وقال : إنا حرم لا نأكل الصيد.
    وفي لفظ : لولا إنا محرمون لقبلناه منك.
    راجع صحيح مسلم 1 : 449 ، مسند أحمد 1 : 290 ، 338 ، 341 ، مسند الطيالسي ص 171 ، سنن النسائي 5 : 185 ، سنن البيهقي 5 : 193 ، المحلى لابن حزم ، : 249 وقال : رويناه من طرق كلها صحاح ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 586 ، تفسير القرطبي 6 : 322.
     ( لفت نظر ) أخرج البيهقي في تجاه هذا الصحيح المتسالم عليه في السنن الكبرى 5 : 193 من طريق عمرو بن أمية الضميري إن الصعب بن جثامة أهدى للنبي عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم.
    ثم قال : وهذا إسناد صحيح ، فإن كان محفوظا فكأنه رد الحي وقبل اللحم والله أعلم.
    لا أحسب هذا مبلغ علم البيهقي وإنما أعماه حبه لتبرير الخليفة في رأيه الشاذ عن الكتاب والسنة ، فرأى الضعيف صحيحا ، وأتى في الجمع بينه وبين الصحيح المذكور بما


(192)
يأباه صريح لفظه ، ولهذه الغاية أخرج البخاري ذلك الصحيح المتسالم عليه في صحيحه 3 : 165 وحذف منه كلمة : الشق. والعجز. والرجل. والعضد. واللحم.
    وتبعه في ذلك الجصاص في أحكام القرآن 2 : 586 حيا الله الأمانة وعقب ابن التركماني رأي البيهقي فيما أخرجه فقال في سنن الكبرى : قلت : هذا في سنده يحيى بن سليمان الجعفي عن ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب هو الغافقي المصري ، ويحيى بن سليمان ذكره الذهبي في الميزان والكاشف عن النسائي إنه ليس بثقة وقال ابن حبان : ربما أغرب.
    والغافقي قال النسائي ليس بذلك القوي.
    وقال أبو حاتم : لا يحتج به.
    وقال أحمد : كان سيئ الحفظ يخطئ خطئا كثيرا ، و كذبه مالك في حديثين ، فعلى هذا لا يشغل بتأويل هذا الحديث لأجل سنده ولمخالفته للحديث الصحيح ، وقول البيهقي : رد الحي وقبل اللحم يرده ما في الصحيح إنه عليه السلام رده.
    4 ـ عن عبد الله بن الحرث عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم صيد وهو محرم فلم يأكله. مسند أحمد 1 : 105 ، سنن ابن ماجة 2 : 263.
    5 ـ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين إنها قالت له : يا ابن أختي إنما هي عشر ليال فإن يختلج في نفسك شيء فدعه. يعني أكل لحم الصيد.
    موطأ مالك 1 : 257 ، سنن البيهقي 5 : 194 ، تيسير الوصول 1 : 273.
    6 ـ عن نافع قال : أهدي إلى ابن عمر ظبيا مذبوحة بمكة فلم يقبلها ، وكان ابن عمر يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال. رواه ابن حزم في المحلى 7 : 250 من طريق رجاله كلهم ثقات.
    ولو كان عند الخليفة علم بسنة نبيه لعله لم يك يخالفها ، ولو كان عنده ما يجديه في الحجاج تجاه هذه السنة الثابتة لأفاضه وما ترك النوبة لأتباعه ليحتجوا له بعد لاي من عمر الدهر بما لا يغني من الحق شيئا ، قال البيهقي في سننه 5 : 194 : أما علي وابن عباس رضي الله عنهما فإنهما ذهبا إلى تحريم أكله على المحرم مطلقا ، وقد خالفهما عمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم ومعهم حديث أبي قتادة وجابر والله أعلم.


(193)
    أما حديث أبي قتادة قال : انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم وكنت مع أصحابي فجعل بعضهم يضحك إلى بعض فنظرت فإذا حمار وحش فحملت عليه فطعنته فأثبته فاستعنت بهم فأبوا أن يعينوني فأكلنا منه ، فلحقت برسول الله وقلت : يا رسول الله ! إني أصبت حمار وحش ومعي منه فاضلة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للقوم : كلوا. وهم محرمون (1).
    فهو غير واف بالمقصود لأن قصته كانت عام الحديبية السادس من الهجرة كما هو صريح لفظه وكثير من أحكام الحج شرعت في عام حجة الوداع السنة العاشرة ومنها تعيين المواقيت ولذلك ما كان أبو قتادة محرما عند ذا ، مع إحرام رسول الله وإحرام أصحابه.
    قال ابن حجر في فتح الباري 4 : 19 : قيل كانت : هذه القصة قبل أن يوقت النبي المواقيت.
    وقال السندي في شرح سنن النسائي 5 : 185 عند ذكر حديث أبي قتادة : قوله ( عام الحديبية ) بهذا تبين أن تركه الاحرام ومجاوزته الميقات بلا إحرام كان قبل أن تقرر المواقيت ، فإن تقرير المواقيت كان سنة حج الوداع كما روي عن أحمد.
    ومنها أحكام الصيد النازلة في سورة المائدة التي هي آخر ما نزل من القرآن ، و روي عن النبي صلى الله عليه وآله : إنه قرأها في حجة الوداع وقال : يا أيها الناس إن سورة المائدة آخر ما نزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها.
    وروي نحوه عن عائشة موقوفا وصححه الحاكم وأقره ابن كثير ، وأخرجه أبو عبيد من طريق ضمرة بن حبيب ، وعطية بن قيس مرفوعا (2).
    فليس من البدع أن يكون غير واحد من مواضيع الحج لم يشرع لها حكم في عام الحديبية ثم شرع بعده ومنها هذه المسألة ، وكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا في عام الحديبية وقد شاهد قصة أبي قتادة كما شاهد ها غيره ( على فرض صحتها ) ومع ذلك أنكر على عثمان وكذلك الشهود الذين استنشدهم صلوات الله عليه فشهدوا له
1 ـ صحيح البخاري 3 : 163 ، صحيح مسلم 1 : 450 ، سنن النسائي 5 : 185 ، سنن ابن ماجة 2 : 363 ، سنن البيهقي 5 : 188.
2 ـ مستدرك الحاكم 2 : 311 ، تفسير القرطبي 6 : 31 ، تفسير الزمخشري 1 : 403 ، تفسير ابن كثير 2 : 2 ، تفسير الخازن 2 : 448 ، تفسير الشوكاني 2 : 1.


(194)
لم يعزب عنهم ما وقع في ذلك العام ، لكنهم شهدوا على التشريع الأخير الثابت.
    ولو كان لقصة أبي قتادة مقيل من الصحة أو وزن يقام لما ترك عثمان الاحتجاج به لكنه كان يعلم أن الشأن فيها كما ذكرناه ، وإن العمل قبل التشريع لا حجية له ، وأفحمه الإمام عليه السلام بحجته الداحضة ، فتوارى عن الحجاج في فسطاطه وترك الطعام على أهل الماء.
    وأما حديث جابر فقد أخرجه غير واحد من أئمة الفقه والحديث ناصين على ضعفه من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيد البر لكم حلال وأنتم حرم إلا ما اصطدتم وصيد لكم (1) قال النسائي في سننه : أبو عبد الرحمن عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث وإن كان قد روى عنه مالك.
    وقال ابن حزم في المحلى : أما خبر جابر فساقط لأنه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف.
    وقال ابن التركماني في شرح سنن البيهقي عند قول الشافعي : إن ابن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي (2) : قلت : الدراوردي احتج به الشيخان وبقية الجماعة ، وقال ابن معين : ثقة حجة ، ووثقه القطان وأبو حاتم وغيرهما ، وأما ابن أبي يحيى فلم يخرج له في شيء من الكتب الخمسة ، ونسبه إلى الكذب جماعة من الحفاظ كابن حنبل وابن معين وغيرهما ، وقال بشر بن المفضل : سألت فقهاء المدينة عنه فكلهم يقولون : كذاب أو نحو هذا ، وسئل مالك : أكان ثقة ؟ فقال : لا ولا في دينه ، وقال ابن حنبل : كان قدريا معتزليا جهميا كل بلاء فيه ، وقال البيهقي في التيمم والنكاح : مختلف في عدالته.
    ومع هذا كله كيف يرجح على الدراوردي ؟.
    قال : ثم لو رجع عليه هو ومن معه فالحديث في نفسه معلول عمرو بن أبي عمرو
1 ـ كتاب الأم 2 : 176 ، سنن أبي داود 1 : 291 ، سنن النسائي 5 : 187 ، سنن البيهقي 5 : 190 ، المحلى لابن حزم 7 : 253.
2 ـ الرجلان وردا في طريقي الشافعي للحديث.


(195)
مع اضطرابه في هذا الحديث متكلم فيه. قال ابن معين وأبو داود : ليس بالقوي زاد يحيى : وكان مالك يستضعفه.
    وقال السعدي : مضطرب الحديث.
    قال : والمطلب قال فيه ابن سعد : ليس يحتج بحديثه لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ، وعامة أصحابه يدلسون ، ثم الحديث مرسل ، قال الترمذي : المطلب لا يعرف له سماع من جابر.
    فظهر بهذا أن الحديث فيه أربع علل : إحداها : الكلام في المطلب.
    ثانيها : إنه ولو كان ثقة فلا سماع له من جابر فالحديث مرسل.
    ثالثها : الكلام في عمرو. رابعها : إنه ولو كان ثقة فقد اختلف عليه فيه كما مر.
    ثم ذكر ما استشكل به الطحاوي في الحديث من وجهة النظر من قوله : إن الشيء لا يحرم على إنسان بنية غيره أن يصيد له.
    هذا مجمل القول في حديث أبي قتادة وجابر ، فلا يصلحان للاعتماد ورفع اليد عن تلكم الصحاح المذكورة الثابتة ، ولا يخصص بمثلهما عموم ، ولا يتم بهما تقييد مطلقات الكتاب ، والمعول عليه في المسألة هو كتاب الله العزيز والسنة الشريفة الثابتة ، وما شذ عنهما من رأي أي بشر يضرب به عرض الجدار ، فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون.

ـ 16 ـ
خصومة يرفعها الخليفة إلى علي
    أخرج أحمد والدورقي من طريق الحسن بن سعد عن أبيه إن يحيس (1) وصفية كانا من سبي الخمس فزنت صفية برجل من الخمس وولدت غلاما فادعى الزاني ويحيس فاختصما إلى عثمان فرفعهما عثمان إلى علي بن أبي طالب ، فقال علي : أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وجلدهما خمسين خمسين (2).
    قال الأميني هل علمت أنه لماذا رد الخليفة الحكم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟ لقد رفعه إليه إن كنت لا تدري لأنه لم يكن عنده ما يفصل به الخصومة ، ولعله كان ملأ سمعه قوله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (3) ويعلم في الجملة أن هناك فرقا في كثير من الأحكام بين الأحرار والمملوكين ، لكن عزب عنه
1 ـ في مسند أحمد : يحنس.
2 ـ مسند أحمد 1 : 104 ، تفسير ابن كثير 1 : 478 ، كنز العمال 3 : 227.
3 ـ سورة النور آية : 2.


(196)
إن مسألة الحد أيضا من تلكم الفروع ، فكأنه لم يلتفت إلى قوله تعالى : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ، فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب. الآية (1).
    أو أن الآية الكريمة كانت نصب عينيه لكن لم يسعه فهم حقيقتها لأن قيد ذاكرته إن حد المحصنات هو الرجم ، غير إنه لم يتسن له تعرف أن الرجم لا يتبعض ، فالذي يمكن تنصيفه من العذاب هو الجلد ، فالآية الشريفة دالة بذلك على سقوط الرجم عن المحصنات من الإماء وإنما عليهن نصف الجلد الثابت عليها في السنة الشريفة (2).
    وأخرج أحمد في مسنده 1 : 136 من طريق أبي جميلة عن علي عليه السلام قال : أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمة له سوداء زنت لأجلدها الحد قال : فوجدتها في دمائها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال لي : إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين.
    وذكره ابن كثير في تفسيره 1 : 476 وفيه : إذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين.
    و ذكره الشوكاني في نيل الأوطار 7 : 292 باللفظ المذكور.
    وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وصححه وليس في لفظهم ( خمسين ).
    هب أن الخليفة نسيها لبعد العهد لكنه هل نسي ما وقع بمطلع الأكمة منه على العهد العمري ؟ من جلده المحصنات من الإماء خمسين جلدة كما أخرجه الحافظ (3) أو أن الخليفة وقف على مغازي الآيات الكريمة ، ولم تذهب عليه السنة النبوية ، وكان على ذكر مما صدر على عهد عمر لكن أربكه حكم العبد لأنه رأى الآية الكريمة نصا في الإماء ، وكذلك نصوص الأحاديث ، ولم يهتد إلى اتحاد الملاك بين العبيد والإماء
1 ـ سورة النساء آية : 25.
2 ـ صحيح البخاري 10 : 48 ، صحيح مسلم 2 : 37 ، سنن أبي داود 2 : 239 ، سنن ابن ماجة 2 : 119 ، سنن البيهقي 8 : 342 ، موطأ مالك 2 : 170 ، كتاب الأم للشافعي 6 : 121 ، تفسير القرطبي 12 : 159.
3 ـ موطأ مالك 2 : 170 ، سنن البيهقي 8 : 242 ، تفسير ابن كثير 1 : 6 47 ، كنز العمال 3 : 86.


(197)
من المملوكية ، وهو الذي أصفق عليه أئمة الحديث والتفسير كما في كتاب الأم للشافعي 6 : 144 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 206 ، سنن البيهقي 8 : 243 ، تفسير القرطبي 5 : 146 ، ج 12 : 159 ، تفسير البيضاوي 1 : 270 ، تيسير الوصول 2 : 4 ، فيض الإله المالك للبقاعي 2 : 311 ، فتح الباري 12 : 137 ، فتح القدير 1 : 416 ، تفسير الخازن 1 : 360 ، وقال الشوكاني في نيل الأوطار 7 : 292 : لا قائل بالفرق بين الأمة والعبد كما حكى ذلك صاحب البحر.
    أو أن الخليفة حسب أن ولد الزانية لا بد وأن يكون للزاني ، ولم يشعر بمقاربة زوجها إياها أو إمكان مقاربته منذ مدة يمكن أن ينعقد الحمل فيها ، وبذلك يتحقق الفراش الذي يلحق الولد بصاحبه ، كما حكم به مولانا أمير المؤمنين عليه السلام والأصل فيه قوله صلى الله عليه وآله : الولد للفراش وللعاهر الحجر.
    لقد أنصف الخليفة في رفع حكم هذه المسألة إلى من عنده علم الكتاب والسنة فإنه كان يعلم علم اليقين إن ذلك عند العترة الطاهرة لا البيت الأموي ، وليته أنصف هذا الانصاف في كل ما يرد عليه من المسائل ، وليته علم إن حاجة الأمة إنما هي إلى إمام لا يعدوه علم الكتاب والسنة فأنصفها ، غير أن .....
إذا لم تستطع شيئا فدعه وجـاوزه إلى ما تستطيع

ـ 17 ـ
رأي الخليفة في عدة المختلعة (1)
    عن نافع أنه سمع ربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر إنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان فجاء معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال : إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أتنتقل ؟ فقال له عثمان : تنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى حيضة ، خشية أن يكون بها حبل.
    فقال عبد الله عند ذلك : عثمان خيرنا وأعلمنا.
    وفي لفظ آخر : قال عبد الله : أكبرنا وأعلمنا.
1 ـ سنن البيهقي 7 : 450 ، 451 ، سنن ابن ماجة 1 : 634 ، تفسير ابن كثير 1 : 276 نقلا عن ابن أبي شيبة ، زاد المعاد لابن القيم 2 : 403 ، كنز العمال 3 : 223 ، نيل الأوطار 7 : 35.

(198)
    وفي لفظ عبد الرزاق عن نافع عن الربيع ابنة معوذ إنها قالت : كان لي زوج يقل الخير علي إذا حضر ويحزنني إذا غاب فكانت مني زلة يوما فقلت له : اختلعت منك بكل شيء أملكه.
    فقال : نعم.
    ففعلت فخاصم إبني معاذ بن عفراء إلى عثمان فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه ، أو قالت : دون عقاص رأس.
    وفي لفظ عن نافع : إنه زوج ابنة أخيه رجلا فخلعها فرفع ذلك إلى عثمان فأجاذه فأمرها أن تعتد حيضة.
    وفي لفظ ابن ماجة من طريق عبادة الصامت : قالت : الربيع : اختلعت من زوجي ثم جئت عثمان فسألت ماذا علي من العدة ؟ فقال : لا عدة عليك إلا أن يكون حديث عهد بك فتمكثين عنده حتى تحيضين حيضة .. الخ.
    قال الأميني : المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، نصا من الله العزيز الحكيم (1) من غير فرق بين أقسام الطلاق المنتزعة من شقاق الزوج والزوجة ، فإن كان الكره من قبل الزوج فحسب فالطلاق رجعي.
    أو من قبل الزوجة فقط فهو خلعي. أو منهما معا فمباراة.
    فليس لكل من هذه الأقسام حكم خاص في العدة غير ما ثبت لجميعها بعموم الآية الكريمة المنتزع من الجمع المحلى باللام المطلقات وعلى هذا تطابقت فتاوى الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم وفي مقدمهم أئمة المذاهب الأربعة قال ابن كثير في تفسيره 1 : 276 : مسألة وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه في رواية عنهما وهي المشورة إلى أن المختلعة عدتها عدة المطلقة بثلاثة قروء إن كانت ممن تحيض ، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر ، وبه يقول سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وعروة ، وسالم ، وأبو سلمة ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن شهاب ، والحسن ، والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، وأبو عياض ، وخلاس بن عمر ، و قتادة ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأبو عبيد ، وقال الترمذي (2) : وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم ، ومأخذهم في هذا أن الخلع طلاق فتعتد كسائر المطلقات.
    هذه آراء أئمة المسلمين عند القوم وليس فيها شيء يوافق ما ارتآه عثمان وهي
1 ـ راجع سورة البقرة : 228.
2 ـ قاله في صحيحه 1 : 142.


(199)
مصافقة مع القرآن الكريم كما ذكرناه.
    وقد احتج لعثمان بما رواه الترمذي في صحيحه 1 : 142 من طريق عكرمة عن ابن عباس : إن امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة وهذه الرواية باطلة إذ المحفوظ عند البخاري والنسائي من طريق ابن عباس في قصة امرأة ثابت ما لفظه : قال ابن عباس : جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ! إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الاسلام.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟ ( وكانت صداقها ) قالت : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إقبل الحديقة وطلقها تطليقة.
    فامرأة ثابت نظرا إلى هذه اللفظة مطلقة تطليقة والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء.
    على أن الاضطراب الهائل في قصة امرأة ثابت يوهن الأخذ بما فيها ، ففي لفظ : إنها جميلة بنت سلول.
    كما في سنن ابن ماجة.
    وفي لفظ أبي الزبير : إنها زينب.
    وفي لفظ : إنها بنت عبد الله.
    وفي لفظ لابن ماجة والنسائي : إنها مريم العالية.
    وفي موطأ مالك : إنها حبيبة بنت سهل.
    وذكر البصريون : إنها جميلة بنت أبي (1) وجل هذه الألفاظ كلفظ البخاري والنسائي يخلو عن ذكر العدة بحيضة ، فلا يخصص حكم القرآن الكريم بمثل هذا.
    على إنه لو كان لها مقيل في مستوى الصدق والصحة لما أصفقت الأئمة على خلافها كما سمعت من كلمة ابن كثير.
    وقد يعاضد رأي الخليفة بما أخرجه الترمذي في صحيحه 1 : 142 عن الربيع بنت معوذ ( صاحبة عثمان ) أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة.
    قال الترمذي : حديث الربيع الصحيح إنها أمرت أن تعتد بحيضة.
    وبهذا اللفظ جاء في حديث سليمان بن يسار عن الربيع قالت : إنها اختلعت من زوجها فأمرت أن تعتد بحيضة.
    وقال البيهقي بعد رواية هذا الحديث : هذا أصح وليس فيه من أمرها ولا على
1 ـ راجع نيل الأوطار 7 : 34 37.

(200)
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد روينا في كتاب الخلع أنها اختلعت من زوجها زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
    ثم أخرج حديث نافع المذكور في صدر العنوان فقال : هذه الرواية تصرح بأن عثمان رضي الله عنه هو الذي أمرها بذلك ، وظاهر الكتاب في عدة المطلقات يتناول المختلعة وغيرها ، فهو أولى وبالله التوفيق. هـ (1).
    فليس للنبي صلى الله عليه وآله في قصة بنت معوذ حكم وما رفعت إليه صلى الله عليه وآله ، وإنما وقعت في عصر عثمان وهو الحاكم فيها ، وقد حرفتها عن موضعها يد الأمانة على ودايع العلم والدين لتبرير ساحة عثمان عن لوث الجهل ، ولو كان لتعدد القصة وزن يقام عند الفقهاء وروايتها بمشهد منهم ومرأى لما عدلوا عنها على بكرة أبيهم إلى عموم الكتاب ولما تركوها متدهورة في هوة الإهمال.
    وعلى الباحث أن ينظر نظرة عميقة إلى قول ابن عمر وقد كان في المسألة أولا مصافقا في رأيه الكتاب ومن عمل به من الصحابة وعد في عدادهم ، ثم لمحض أن بلغه رأي الخليفة المجرد عن الحجة عدل عن فتواه فقال : عثمان خيرنا وأعلمنا. أو قال : أكبرنا وأعلمنا.
    هكذا فليكن المجتهدون ، وهكذا فلتصدر الفتاوى.

ـ 18 ـ
رأي الخليفة في امرأة المفقود
    أخرج مالك من طريق سعيد بن المسيب إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ، ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا ، ثم تحل.
    وقضى بذلك عثمان بن عفان بعد عمر.
    وأخرج أبو عبيد بلفظ : إن عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا : امرأة المفقود تربص أربع سنين ، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ، ثم تنكح.
    وفي لفظ الشيباني : إن عمر رضي الله عنه أجل امرأة المفقود أربع سنين.
    وفي لفظ شعبة من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلي قال : قضى عمر رضي الله عنه في المفقود تربص امرأته أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ، ثم تربص بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا ثم تزوج.
1 ـ سنن البيهقي 7 : 451.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس