الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 201 ـ 210
(201)
    ومن طريق ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه في امرأة المفقود قال : إن جاء زوجها وقد تزوجت خير بين امرأته وبين صداقها ، فإن اختار الصداق كان على زوجها الآخر ، وإن اختار امرأته اعتدت حتى تحل ، ثم ترجع إلى زوجها الأول وكان لها من زوجها الآخر مهرها بما استحل من فرجها.
    قال ابن شهاب : وقضى بذلك عثمان بعد عمر رضي الله عنهما.
    وفي لفظ الشافعي : إذا تزوجت فقدم زوجها قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها فإن دخل بها زوجها الآخر فالأول المفقود بالخيار بين امرأته والمهر (1) قال الأميني : من لي بمتفقه في المسألة ؟ يخبرني عن علة تريث المفقود عنها زوجها أربع سنين ، أهو مأخوذ من كتاب الله ؟ فأين هو ؟ أم أخذ من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فمن ذا الذي رواها ونقلها ؟ والصحاح والمسانيد للقوم خالية عنها ، نعم ربما يتشبث للتقدير بأنها نهاية مدة الحمل قال البقاعي في فيض الإله المالك 2 : 263 : وسبب التقدير بأربع سنين إنها نهاية مدة الحمل وقد أخبر بوقوعه لنفسه الإمام الشافعي وكذا الإمام مالك وحكي عنه أيضا أنه قال : جارتنا امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة ، تحمل كل بطن أربع سنين ، وورد هذا عن غير تلك المرأة أيضا. ا هـ.
    وهذا التعليل حكاه ابن رشد في مقدمات المدونة الكبرى 2 : 101 عن أبي بكر الأبهري ثم عقبه بقوله : وهو تعليل ضعيف لأن العلة لو كانت في ذلك هذا لوجب أن يستوي فيه الحر والعبد (2) لاستوائهما في مدة لحوق النسب.
    ولوجب أن يسقط جملة في الصغيرة التي لا يوطأ مثلها إذا فقد عنها زوجها فقام عنها أبوها في ذلك فقد قال : إنها لو أقامت عشرين سنة ثم رفعت أمرها لضرب لها أجل أربعة أعوام وهذا يبطل تعليله إبطالا ظاهرا.
    وليت هذا المتشبث أدلى في حجته بذكر أناس تريثوا في الأرحام النزيهة
1 ـ موطأ مالك 2 : 28 ، كتاب الأم للشافعي 7 : 219 ، سنن البيهقي 7 : 445 ، 446
2 ـ التفصيل بين الحر والعبد بأن امرأة الحر يضرب لها الأجل أربعة أعوام ولامرأة العبد تربص عامين كما نص عليه ابن رشد رأي مجرد لا دليل عليه.


(202)
عن الخنا أربعا قبل فتيا الخليفتين وإلا فما غناء قصة وقعت بعدهما بردح طويل من الزمن ولا يدرى أصحيحة هي أم مكذوبة ؟ وعلى فرض الصحة فهل كان الخليفتان يعلمان الغيب ؟ وإنه سينتج المستقبل الكشاف رجلا يكون حجة لما قدراه من مدة التربص ؟ أو كان ما قدراه فتوى مجردة ؟ فنحتت لها الأيام علة بعد الوقوع.
    على أن أقصى مدة الحمل محل خلاف بين الفقهاء ، ذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أنه عامان ، ومذهب الشافعي أنه أربعة أعوام ، وأختار ابن القاسم أن أكثره خمسة أعوام (1) وروى أشهب عن مالك سبعة أعوام على ما روى : إن امرأة ابن عجلان ولدت ولدا مرة لسبعة أعوام (2) ولعل أبناء عجلان آخرين في أرجاء العالم لا يرفع أمر حلائلهم إلى مالك والشافعي وقد ولدن أولادا لثمانية أو تسعة أو عشرة أعوام ، دع العقل والطبيعة والبرهنة تستحيل ذلك كله ، ما هي وما قيمتها تجاه ما جاءت به امرأة عجلان وحكم به مالك ؟ أو وجاه ما أتت به أم الإمام الشافعي فأفتى به.
    نقل ابن رشد في سبب التقدير بأربعة أعوام عللا غير هذا وإن رد ها وفندها ، منها إنها المدة التي تبلغها المكاتبة في بلد الاسلام مسيرا ورجوعا ، ومنها : إنه جهل إلى أي جهة سار من الأربع جهات ، فلكل جهة تربص سنة فهي أربع سنين.
    هذا مبلغ علمهم بفلسفة آراء جاء بها عمر وعثمان فأين يقع هو من حكم ما صدع به النبي الأقدس ؟.
    ثم يخبرني هذا المتفقه عن هذه العدة التي أثبتها الخليفتان لماذا هي ؟ فإن كانت عدة الوفاة ؟ فإنها غير جازمة بها ، ولا تثبت بمجرد مرور أربع سنين أو أكثر وفي رواية عن عمر كما سمعت إنه قضى في المفقود تربص امرأته أربع سنين ثم يطلقها ولي روجها ثم تربص بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا ثم تزوج (3).
    فعلى هذا إنها عدة الطلاق فيجب أن تكون ثلاثة قروء ، فما هذا أربعة أشهر وعشرا ؟ وعلى فرض ثبوت هذه العدة ولو بعد الطلاق من باب الأخذ بالحائطة فما علاقة الزوج بها ؟ حتى إنه إذا جاء
1 ـ في الفقه على المذاهب الأربعة 4 : 535 : إنه خمس سنين على الراجح.
2 ـ راجع مقدمات المدونة الكبرى للقاضي ابن رشد 2 : 102.
3 ـ سنن البيهقي 7 : 445.


(203)
بعد النكاح خير بين امرأته وبين صداقها ، وقد قطع الشرع أي صلة بينهما ورخص في تزويجها ، فنكحت على الوجه المشروع ، قال ابن رشد (1) : ألا ترى إنها لو ماتت بعد العدة لم يوقف له ميراث منها ، وإن كان لو أتى في هذه الحالة كان أحق بها ، ولو بلغ هو من الأجل ما لا يجئ إلى مثله من السنين وهي حية لم تورث منه ، وإنما يكون لها الرضا بالمقام على العصمة ما لم ينقض الأجل المفروض ، وأما إذا انقضى واعتدت فليس ذلك لها وكذلك إن مضت بعد العدة.
    ثم ما وجه أخذ الصداق من الزوج الثاني عند اختيار الأول الصداق ولم يأت بمأثم وإنما تزوج بامرأة أباحها له الشريعة.
    وأعجب من كل هذه أن هذه الروايات بمشهد من الفقهاء كلهم ولم يفت بمقتضاها أئمة المذاهب في باب الخيار ، قال مالك في الموطأ 2 : 28 : إن تزوجت بعد انقضاء عدتها فدخل بها زوجها أو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الأول إليها.
    و قال : وذلك الأمر عندنا ، وإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها.
    وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري : لا تحل امرأة المفقود حتى يصح موته.
    قاله القاضي ابن رشد في بداية المجتهد 2 : 52 فقال : وقولهم مروي عن علي وابن مسعود.
    وقال الحنفية : يشترط لوجوب النفقة على الزوج شروط : أحدها أن يكون العقد صحيحا فلو عقد عليها عقدا فاسدا أو باطلا وأنفق عليها ثم ظهر فساد العقد أو بطلانه فإن له الحق في الرجوع عليها بما أنفقه.
    ومن ذلك ما إذا غاب عنها زوجها فتزوجت بزوج آخر ودخل بها ثم حضر زوجها الغائب فإن نكاحها الثاني يكون فاسدا ، ويفرق القاضي بينهما ، وتجب عليها العدة بالوطئ الفاسد ، ولا نفقة لها على الزوج الأول ولا على الزوج الثاني (2).
    قال الشافعي في كتاب ( الأم ) 5 : 221 : لم أعلم مخالفا في أن الرجل أو المرأة لو غابا أو أحدهما برا أو بحرا علم مغيبهما أو لم يعلم فماتا أو أحدهما فلم يسمع لهما بخبر
1 ـ مقدمات المدونة الكبرى 2 : 104.
2 ـ الفقه على المذاهب الأربعة 3 : 565.


(204)
أو أسرهما العدو فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما لم نورث وحدا منهما من صاحبه إلا بيقين وفاته قبل صاحبه ، فكذلك عندي امرأة الغائب أي غيبة كانت مما وصفت أو لم أصف بأسار عدو أو بخروج الزوج ثم خفي مسلكه أو بهيام من ذهاب عقل أو خروج فلم يسمع له ذكر أو بمركب في بحر فلم يأتي له خبر أو جاء خبر أن غرق كان يرون إنه قد كان فيه ولا يستيقنون إنه فيه ، لا تعتد امرأته ولا تنكح أبدا حتى يأتيها بيقين وفاته ، ثم تعتد من يوم استيقنت وفاته وترثه ، ولا تعتد امرأة من وفاة ومثلها يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته ، ولو طلقها وهو خفي الغيبة بعد أي هذه الأحوال كانت ، أو آلى منها ، أو تظاهر ، أو قذفها ، لزم ما يلزم الزوج الحاضر في ذلك كله ، وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن تكون امرأة رجل يقع عليها ما يقع على الزوجة تعتد لا من طلاق ولا وفاة ، كما لو ظننت أنه طلقها أو مات عنها لم تعتد من طلاق إلا بيقين ، وهكذا لو تربصت سنين كثيرة بأمر حاكم واعتدت وتزوجت فطلقها الزوج الأول المفقود لزمها الطلاق ، وكذا إن آلى منها ، أو تظاهر ، أو قذفها ، لزمه ما يلزم الزوج ، وهكذا لو تربصت بأمر حاكم أربع سنين ثم اعتدت فأكملت أربعة أشهر و عشرا ونكحت ودخل بها أو نكحت ولم يدخل بها أو لم تنكح وطلقها الزوج الأول المفقود في هذه الحالات لزمها الطلاق لأنه زوج ، وهكذا لو تظاهر منها أو قذفها أو آلى منها لزمه ما يلزم المولى غير إنه ممنوع من فرجها بشبهة بنكاح غيره فلا يقال له فئ حتى تعتد من الآخر إذا كانت دخلت عليه ، فإذا أكملت عدتها أجل من يوم تكمل عدتها أربعة أشهر ، وذلك حين حل له فرجها وإن أصابها فقد خرج من طلاق الايلاء وكفر وإن لم يصبها قيل له : أصبها أو طلق.
    قال : وينفق عليها من مال زوجها المفقود من حين يفقد حتى يعلم يقين موته ، وإن أجلها حاكم أربع سنين أنفق عليها فيها وكذلك في الأربعة الأشهر والعشر من مال زوجها ، فإذا نكحت لم ينفق عليها من مال الزوج المفقود لأنها مانعة له نفسها ، وكذلك لا ينفق عليها وهي في عدة منه لو طلقها أو مات عنها ولو بعد ذلك ، ولم أمنعها النفقة من قبل إنها زوجة الآخر ، ولا إن عليها منه عدة ، ولا إن بينهما ميراثا ، ولا إنه يلزمها طلاقه ، ولا شيء من الأحكام بين الزوجين إلا لحوق الولد به إن أصابها وإنما


(205)
منعتها النفقة من الأول لأنها مخرجة نفسها من يديه ومن الوقوف عليه ، كما تقف المرأة على زوجها الغائب بشبهة ، فمنعتها نفقتها في الحال التي كانت فيها مانعة له نفسها بالنكاح والعدة ، وهي لو كانت في المصر مع زوج فمنعته نفسها منعتها نفقتها بعصيانها ، ومنعتها نفقتها بعد عدتها من زوجها الآخر بتركها حقها من الأول وإباحتها نفسها لغيره ، على معنى إنها خارجة من الأول ، ولو أنفق عليها في غيبته ثم ثبتت البينة على موته في وقت ردت كل ما أخذت من النفقة من حين مات فكان لها الميراث.
    ولو حكم لها حاكم بأن تزوج فتزوجت فسخ نكاحها وإن لم يدخل بها فلا مهر لها ، وإن دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها لا ما سمي لها وفسخ النكاح وإن لم يفسخ حتى مات أو ماتت فلا ميراث لها منه ولا له منها.
    قال : ومتى طلقها الأول وقع عليها طلاقه ، ولو طلقها زوجها الأول أو مات عنها وهي عند الزوج الآخر كانت عند غير زوج فكانت عليها عدة الوفاة والطلاق ولها الميراث في الوفاة والسكنى في العدة في الطلاق وفيمن رآه لها بالوفاة ، ولو مات الزوج الآخر لم ترثه وكذلك لا يرثها لو ماتت .. الخ.
    فأنت بعد هذه كلها جد عليم بأنه لو كان على ما أفتى به الخليفتان مسحة من أصول الحكم والفتيا لما عدل عنه هؤلاء الأئمة ، ولما خالفهما قبلهم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، ولما قال عليه السلام في امرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت امرأته : هي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولا تخير.
    ولما قال عليه السلام : إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتى تعلم أمره.
    ولما قال عليه السلام : إنها لا تتزوج.
    ولما قال عليه السلام : ليس الذي قال عمر رضي الله عنه بشيء ، هي امرأة الغائب حتى يأتيها يقين موته أو طلاقها ، ولها الصداق من هذا بما استحل من فرجها ونكاحه باطل ولما قال عليه السلام : هي امرأة الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل بها.
    ولما قال عليه السلام : امرأة ابتليت فلتصبر لا تنكح حتى يأتيها يقين موته (1). قال
1 ـ كتاب الأم للشافعي 5 : 223 ، البيهقي 7 : 4 44 ، 446 ، مقدمات المدونة الكبرى 2 : 103.

(206)
الشافعي بعد ذكر الحديث : وبهذا نقول.
    وأمير المؤمنين كما تعلم أفقه الصحابة على الإطلاق ، وأعلم الأمة بأسرها ، وباب مدينة العلم النبوي ، ووارث علم النبي الأقدس على ما جاء عنه صلى الله عليه وآله ، فليتهما رجعا إليه صلوات الله عليه في حكم المسألة ولم يستبدا بالرأي المجرد كما استعلماه في كثير مما أربكهما من المشكلات ، وأنى لهما باقتحام المعضلات وهما هما ؟ وأي رأي هذا ضربت عنه الأمة صفحا ؟ وكم له من نظير ؟ وكيف أوصى النبي الأعظم باتباع أناس هذه مقاييس آرائهم في دين الله ، وهذا مبلغهم من العلم ، بقوله فيهم : عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها ؟ (1) خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ( سورة ص : 22 ).

ـ 19 ـ
الخليفة يأخذ حكم الله من أبي
    أخرج البيهقي في السنن الكبرى ، : 417 بالإسناد عن أبي عبيد قال : أرسل عثمان رضي الله عنه إلى أبي يسأل عن رجل طلق امرأته ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة.
    قال أبي : إني أرى إنه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، وتحل لها الصلاة.
    قال : لا أعلم عثمان رضي الله عنه إلا أخذ بذلك.
    قال الأميني : صريح الرواية إن الخليفة كان جاهلا بهذا الحكم حتى تعلمه من أبي ؟ وأخذ بفتياه ، ولا شك إن الذي علمه هو خير منه ، فهلا ترك المقام له أو لمن هو فوقه ؟ وفوق كل ذي علم عليم ، ولو ترك الأمر لمن لا يسأل غيره في أي من مسائل الشريعة لدخل مدينة العلم من بابها.
    وحسبك في مبلغ علم الخليفة قول العيني في عمدة القاري 2 : 733 : إن عمر كان أعلم وأفقه من عثمان.
    وقد أوقفناك على علم عمر في الجزء السادس وذكرنا نوادر الأثر في علمه ، فانظر ماذا ترى ؟.

ـ 20 ـ
الخليفة يأخذ السنة من امرأة
    أخرج الإمامان : الشافعي ومالك وغيرهما بالإسناد عن فريعة بنت مالك بن سنان
1 ـ أسلفنا الحديث في الجزء السادس ص 330 ط 2 وبينا المعنى الصحيح المراد منه.

(207)
أخبرت : إنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم.
    فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له قال : فكيف قلت : فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله.
    قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به.
    قال الشافعي في ( الرسالة ) : وعثمان في إمامته وفضله وعلمه يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والأنصار.
    قال في اختلاف الحديث : أخبرت الفريعة بنت مالك عثمان بن عفان إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تمكث بيتها وهي متوفى عنها حتى يبلغ الكتاب أجله فأتبعه وقضى به.
    قال ابن القيم في زاد المعاد : حديث صحيح مشهور في الحجاز والعراق وأدخله مالك في موطأه ، واحتج به وبنى عليه مذهبه ، ثم ذكر تضعيف ابن حزم إياه وفنده وقال : ما قاله أبو محمد فغير صحيح.
    وذكر قول ابن عبد البر في شهرته ، وإنه معروف عند علماء الحجاز والعراق.
    راجع الرسالة للشافعي ص 116 ، كتاب الأم له 5 : 208 ، اختلاف الحديث له : هامش كتابه الأم 7 : 22 ، موطأ مالك 2 : 36 ، سنن أبي داود 1 : 362 ، سنن البيهقي 7 : 434 ، أحكام القرآن للجصاص 1 : 496 ، زاد المعاد 2 : 404 ، الإصابة 4 : 386 ، نيل الأوطار 7 : 100 فقال : رواه الخمسة وصححه الترمذي ولم يذكر النسائي و ابن ماجة إرسال عثمان.
    قال الأميني : هذه كسابقتها تكشف عن قصور علم الخليفة عما توصلت إليه المرأة المذكورة ، وهاهنا نعيد ما قلناه هنالك ، فارجع البصر كرتين ، وأعجب من خليفة يأخذ معالم دينه من نساء أمته وهو المرجع الوحيد للأمة جمعا ، يومئذ في كل ما جاء به الاسلام المقدس كتابا وسنة ، وبه سد فراغ النبي الأعظم ، وعليه يعول في مشكلات الأحكام وعويصات المسائل فضلا عن مثل هذه المسألة البسيطة.


(208)
    ثم اعجب من ابن عمر أنه يرى من هذا مبلغ علمه أعلم الصحابة في يومه ، ما عشت أراك الدهر عجبا.

ـ 21 ـ
رأي الخليفة في الاحرام قبل الميقات
    أخرج البيهقي في السنن الكبرى 5 : 31 بالإسناد عن داود بن أبي هند إن عبد الله (1) بن عامر بن كريز حين فتح خراسان قال : لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي محرما فأحرم من نيسابور فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع قال : ليتك تضبط من الوقت الذي يحرم منه الناس.
    لفظ آخر من طريق محمد بن إسحاق قال : خرج عبد الله بن عامر من نيسابور معتمرا قد أحرم منها ، وخلف على خراسان الأحنف بن قيس ، فلما قضى عمرته أتى عثمان ابن عفان رضي الله عنه وذلك في السنة التي قتل فيها عثمان رضي الله عنه فقال له عثمان رضي الله عنه : لقد غررت بعمرتك حين أحرمت من نيسابور.
    وقال ابن حزم في المحلى 7 : 7 7 : روينا من طريق عبد الرزاق نا ؟ معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال : أحرم عبد الله بن عامر من حيرب (2) فقدم عثمان بن عفان فلامه فقال له : غررت وهان عليك نسكك.
    وفي لفظ ابن حجر : غررت بنفسك.
    فقال ابن حزم : قال أبو محمد ( يعني نفسه ) : وعثمان لا يعيب عملا صالحا عنده ولا مباحا وإنما يعيب ما لا يجوز عنده لا سيما وقد بين إنه هوان بالنسك والهوان بالنسك لا يحل وقد أمر الله تعالى بتعظيم شعائر الحج.
    وذكره ابن حجر في الإصابة 3 : 61 وقال : أحرم ابن عامر من نيسابور شكرا لله تعالى وقدم على عثمان فلامه على تغريره بالنسك.
    فقال : كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان ، ثم ذكر الحديث من طريق سعيد بن منصور وأبي بكر ابن أبي شيبة وفيه : أن ابن عامر أحرم من خراسان.
    فذكره من طريق محمد بن سيرين والبيهقي فقال : قال البيهقي : هو عن عثمان مشهور (3)
1 ـ هو ابن خال عثمان بن عفان. كما في الإصابة راجع ج 3 : 61.
2 ـ وفي نسخة : جيرب. ولم أجدهما في المعاجم.
3 ـ توجد كلمة البيهقي هذه في سننه الكبرى 5 : 31.


(209)
    وذكر هذه كلها في تهذيب التهذيب 5 : 273 غير كلمة البيهقي في شهرة الحديث وفي تيسير الوصول 1 : 265 : عن عثمان رضي الله عنه : إنه كره أن يحرم الرجل من خراسان وكرمان.
    أخرجه البخاري في ترجمته.
    قال الأميني : إن الذي ثبت في الاحرام بالحج أو العمرة إن هذه المواقيت حد للأقل من مدى الاحرام بمعنى إنه لا يعدوها الحاج وهو غير محرم ، وأما الاحرام قبلها من أي البلاد شيء أو من دويرة أهل المحرم ، فإن عقده باتخاذ ذلك المحل ميقاتا فلا شك إنه بدعة محرمة كتأخيره عن المواقيت ، وأما إذا جئ به للاستزادة من العبادة عملا بإطلاقات الخير والبر ، أو شكرا على نعمة ، أو لنذر عقده المحرم فهو كالصلاة والصوم وبقية القرب للشكر أو بالنذر أو لمطلق البر ، تشمله كل من أدلة هذه العناوين ولم يرد عنه نهي من الشارع الأقدس ، وإنما المأثور عنه وعن أصحابه ما يلي :
    1 ـ أخرج أئمة الحديث بإسناد صحيح من طريق الأخنسي عن أم حكيم عن أم سلمة مرفوعا : من أهل من المسجد الأقصى لعمرة أو بحجة غفر الله ما تقدم من ذنبه.
    قال الأخنسي : فركبت أم حكيم عند ذلك الحديث إلى بيت المقدس حتى أهلت منه بعمرة.
    وفي لفظ أبي داود والبيهقي والبغوي : من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
    أو : وجبت له الجنة.
    وفي لفظ : ووجبت له الجنة.
    وفي لفظ ابن ماجة : من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له.
    وفي لفظ له أيضا : من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب.
    قالت : فخرجت أمي من بيت المقدس بعمرة.
    وقال أبو داود بعد الحديث : يرحم الله وكيعا أحرم من بيت المقدس يعني إلى مكة.
    راجع مسند أحمد 6 : 299 ، سنن أبي داود 1 : 275 ، سنن ابن ماجة 2 : 235 سنن البيهقي 5 : 30 ، مصابيح السنة للبغوي 1 : 170 ، والترغيب والترهيب للمنذري 2 : 61 ذكره بالألفاظ المذكورة وصححه من طريق ابن ماجة وقال : ورواه ابن حبان في صحيحه.


(210)
    2 ـ أخرج ابن عدي والبيهقي من طريق أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله (1) ) : إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك.
    سنن البيهقي 5 : 30 ، الدر المنثور 1 : 208 ، نيل الأوطار 5 : 26 قال : ثبت ذلك مرفوعا من حديث أبي هريرة.
    3 ـ أخرج الحفاظ من طريق علي أمير المؤمنين أنه قال في قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله : إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك.
    أخرجه وكيع ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس في ناسخه ص 34 ، وابن جرير في تفسيره 2 : 120 ، والحاكم في المستدرك 2 : 276 ، وصححه وأقره الذهبي ، والبيهقي في السنن الكبرى 6 : 30 ، والجصاص في أحكام القرآن 1 : 337 ، 354 ، تفسير ابن جزي 1 : 74 ، تفسير الرازي 2 : 162 تفسير القرطبي 2 : 343 ، تفسير ابن كثير 1 : 230 ، الدر المنثور 1 : 208 ، نيل الأوطار 5 : 26.
    4 ـ قال الجصاص في أحكام القرآن 1 : 310 : روي عن علي وعمر وسعيد بن جبير وطاوس قالوا : إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك.
    وقال في ص 337 : أما الاحرام بالعمرة قبل الميقات فلا خلاف بين الفقهاء فيه.
    وروي عن الأسود بن يزيد قال : خرجنا عمارا ، فلما انصرفنا مررنا بأبي ذر فقال : أحلقتم الشعث وقضيتم التفث ؟ أما إن العمرة من مدركم.
    وإنما أراد أبو ذر : أن الأفضل إنشاء العمرة من أهلك ، كما روي عن علي : تمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك.
    وقال الرازي في تفسيره 2 : 162 : روي عن علي وابن مسعود : إن إتمامهما أن يحرم من دويرة أهله.
    وقال في ص 172 : اشتهر عن أكابر الصحابة إنهم قالوا : من إتمام الحج أن يحرم المرء من دويرة أهله.
    وقال القرطبي في تفسيره 2 : 343 بعد ذكره حديث علي عليه السلام : وروي ذلك عن عمر وسعد بن أبي وقاص وفعله عمران بن حصين.
    ثم قال : أما ما روي عن علي وما فعله عمران بن حصين في الاحرام قبل المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال به عبد الله
1 ـ سورة البقرة : 195.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس