الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 211 ـ 220
(211)
ابن مسعود وجماعة من السلف ، وثبت أن عمر أهل من إيلياء (1) وكان الأسود وعلقمة وعبد الرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم ، ورخص فيه الشافعي. ثم ذكر حديث أم سلمة المذكورة.
    وقال ابن كثير في تفسيره 1 : 230 بعد حديث علي عليه السلام : وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وسفيان الثوري.
    5 ـ أخرج البيهقي في السنن الكبرى 5 : 30 من طريق نافع عن ابن عمر : إنه أحرم من إيلياء عام حكم الحكمين.
    وأخرج مالك في الموطأ 1 : 242 : إن ابن عمر أهل بحجة من إيلياء.
    وذكره ابن الديبع في تيسير الوصول 1 : 264 ، وسيوافيك عن ابن المنذر في كلام أبي زرعة : إنه ثابت.
    قال الشافعي في كتاب ( الأم ) 2 : 118 : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن ديناد عن طاوس قال : ( ولم يسم عمرو القائل إلا إنا نراه ابن عباس ) الرجل يهل من أهله ومن بعد ما يجاوز أين شاء ولا يجاوز الميقات إلا محرما.
    إلى أن قال : قلت : إنه لا يضيق عليه أن يبتدئ الاحرام قبل الميقات كمالا يضيق عليه لو أحرم من أهله ، فلم يأت الميقات إلا وقد تقدم بإحرامه لأنه قد أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات.
    قال ملك العلماء في بدايع الصنايع 2 : 164 : كلما قدم الاحرام على المواقيت هو أفضل وروي عن أبي حنيفة : إن ذلك أفضل إذا كان يملك نفسه أن يمنعها ما يمنع منه الاحرام ، وقال الشافعي : الاحرام من الميقات أفضل بناء على أصله أن الاحرام ركن فيكون من أفعال الحج ، ولو كان كما زعم لما جاز تقديمه على الميقات لأن أفعال الحج لا يجوز تقديمها على أوقاتها (2) وتقديم الاحرام على الميقات جايز بالاجماع إذا كان في أشهر الحج ، والخلاف في الأفضلية دون الجواز ، ولنا قوله تعالى : وأتموا
1 ـ إيلياء بالمد وتقصر : اسم مدينة بيت المقدس.
2 ـ لا صلة بين ركنية الاحرام وكونه من افعال الحج وبين عدم جواز تقديمه على المواقيت كما زعمه ملك العلماء ، بل هو ركن يجوز تقديمه عليها لما مر من الأدلة.


(212)
الحج والعمرة لله ، وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما إنهما قالا : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك. وروي عن أم سلمة .. الخ.
    وقال القرطبي في تفسيره 2 : 345 : أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات أنه محرم ، وإنما منع من ذلك من رأى الاحرام عند الميقات أفضل كراهية أن يضيق المرأ على نفسه ما وسع الله عليه ، وأن يتعرض بما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه ، وكلهم ألزمه الاحرام إذا فعل ذلك ، لأنه زاد ولم ينقص.
    وقال الحافظ أبو زرعة في طرح التثريب 5 : 5 قد بينا إن معنى التوقيت بهذه المواقيت منع مجاوزتها بلا إحرام إذا كان مريدا للنسك ، أما الاحرام قبل الوصول إليها فلا مانع منه عند الجمهور ، ونقل غير واحد الإجماع عليه ، بل ذهب طائفة من العلماء إلى ترجيح الاحرام من دويرة أهله على التأخير إلى الميقات وهو أحد قولي الشافعي ، ورجحه من أصحابه القاضي أبو الطيب والروياني والغزالي والرافعي وهو مذهب أبي حنيفة ، وروي عن عمر وعلي إنهما قالا في قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ، وقال ابن المنذر : ثبت إن ابن عمر أهل من إيلياء يعني بيت المقدس ، وكان الأسود وعلقمة وعبد الرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم. إنتهى.
    لكن الأصح عند النووي من قولي الشافعي : إن الاحرام من الميقات أفضل ، ونقل تصحيحه عن الأكثرين والمحققين ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وحكى ابن المنذر فعله عن عوام أهل العلم بل زاد مالك عن ذلك فكره تقدم الاحرام على الميقات ، وقال ابن المنذر : وروينا عن عمر إنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة ، وكره الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ومالك الاحرام من المكان البعيد. إنتهى.
    وعن أبي حنيفة رواية أنه إن كان يملك نفسه عن الوقوع في محظور فالاحرام من دويرة أهله أفضل ، وإلا فمن الميقات ، وبه قال بعض الشافعية.
    وشذ ابن حزم الظاهري فقال : إن أحرم قبل هذه المواقيت وهو يمر عليها فلا إحرام له أن ينوي إذا صار الميقات تجديد إحرام ، وحكاه عن داود وأصحابه وهو قول مردود بالاجماع قبله على خلافه قاله النووي ، وقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات فهو محرم ، وكذا نقل الإجماع في ذلك الخطابي وغيره.


(213)
    وذكر الشوكاني في نيل الأوطار 5 : 26 جواز تقديم الاحرام على الميقات مستدلا عليه بما مر في قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله.
    ثم قال : وأما قول صاحب المنار : إنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة.
    فكلام على غير قانون الاستدلال ، وقد حكى في التلخيص إنه فسره ابن عيينة فيما حكاه عنه أحمد بأن ينشئ لهما سفرا من أهله.
    لكن لا يناسب لفظ الاهلال الواقع في حديث الباب ولفظ الاحرام الواقع في حديث أبي هريرة.
    والامعان في هذه المأثورات من الأحاديث والكلم يعطي حصول الإجماع على جواز تقديم الاحرام على الميقات ، وإن الخلاف في الأفضل من التقديم والاحرام من الميقات ، لكن الخليفة لم يعطي النظر حقه ، ولم يوف للاجتهاد نصيبه ، أو أنه عزبت عنه السنة المأثورة ، فطفق يلوم عبد الله بن عامر ، أو أنه أحب أن يكون له في المسألة رأي خاص ، وقد قال شمس الدين أبو عبد الله الذهبي :
العلم قال الله قال رسوله وحذار من نصب الخلاف جهالة إن صح والاجماع فاجهد فيه بين الـرسول وبين رأي فقيه
    وهلم معي واعطف النظرة فيما ذكرناه عن ابن حزم من أن عثمان لا يعيب عملا صالحا .. الخ.
    فإنه غير مدعوم بالحجة غير حسن الظن بعثمان ، وهذا يجري في أعمال المسلمين كافة ما لم يزع عنه وازع ، وسيرة الرجل تأبي عن الظن الحسن به ، وأما مسألتنا هذه فقد عرفنا فيها السنة الثابتة وإن نهي عثمان مخالف لها ، وليس من الهين الفت في عضد السنة لتعظيم إنسان وتبرير عمله ، فإن المتبع في كافة القرب ما ثبت من الشرع ، ومن خالفه عيب عليه كائنا من كان.
    وأما تشبثه بالهوان بالنسك فتافه جدا ، وأي هوان بها في التأهب لها قبل ميقاتها بقربة مطلقة إن لم يكن تعظيما لشعائر الله ، وإنما الهوان المحرم بالنسك إدخال الآراء فيها على الميول والشهوات ، ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال و هذا حرام لتفتروا على الله الكذب ، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. ( النمل 116 ).


(214)
ـ 22 ـ
لولا علي لهلك عثمان
    أخرج الحافظ العاصمي في كتابه ( زين الفتى في شرح سورة هل أتى ) من طريق شيخه أبي بكر محمد بن إسحاق بن محمشاد يرفعه : أن رجلا أتى عثمان بن عفان وهو أمير المؤمنين وبيده جمجمة إنسان ميت فقال : إنكم تزعمون النار يعرض على هذا و إنه يعذب في القبر وأنا قد وضعت عليها يدي فلا أحس منها حرارة النار.
    فسكت عنه عثمان وأرسل إلى علي بن أبي طالب المرتضى يستحضره ، فلما أتاه وهو في ملأ من أصحابه قال للرجل : أعد المسألة.
    فأعادها ، ثم قال عثمان بن عفان : أجب الرجل عنها يا أبا الحسن ! فقال علي : ايتوني بزند وحجر.
    والرجل السائل والناس ينظرون إليه فأتي بهما فأخذهما وقدح منهما النار ، ثم قال للرجل : ضع يدك على الحجر.
    فوضعها عليه ثم قال : ضع يدك على الزند.
    فوضعها عليه فقال : هل أحسست منهما حرارة النار فبهت الرجل فقال عثمان : لولا علي لهلك عثمان.
    قال الأميني : نحن لا نرقب من عثمان وليد بيت أمية الحيطة بأمثال هذه العلوم التي هي من أسرار الكون ، وقد تقاعست عنها معرفة من هو أرقي منه في العلم ، فكيف به ؟ وإنما تقلها عيبة العلوم الإلهية المتلقاة من المبدأ الأعلى منشئ الكون وملقي أسراره فيه ، وهو الذي أفحم السائل هاهنا وفي كل معضلة أعوز القوم عرفانها.
    وإنما كان المترقب من عثمان بعد ما تسنم عرش الخلافة الحيطة بما كان يسمعه ويراه ويفهم ويعقل من السنة المفاضة على أفراد الصحابة ، لئلا يرتبك في موارد السؤال ، فيرتكب العظائم ويفتي بخلاف الوارد ، أو يرتأي رأيا عدت عنه المراشد لكن ويا للأسف ..

ـ 23 ـ
رأي الخليفة في الجمع بين الأختين بالملك
    أخرج مالك في الموطأ 2 : 10 عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما ؟ فقال عثمان : أحلتهما


(215)
آية وحرمتهما آية ، فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك. قال : فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال : لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا.
    قال ابن شهاب : أراه علي بن أبي طالب.
     ( لفظ آخر للبيهقي ) عن ابن شهاب قال أخبرني قبيصة بن ذؤيب : إن نيارا الأسلمي سأل رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأختين فيما ملكت اليمين فقال له : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، ولم أكن لأفعل ذلك.
    قال : فخرج نيار من عند ذلك الرجل فلقيه رجل آخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما أفتاك به صاحبك الذي استفيته فأخبره فقال : إني أنهاك عنهما ولو جمعت بينهما ولي عليك سلطان عاقبتك عقوبة منكلة.
    قال ملك العلماء في البدايع : وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : كل شيء حرمه الله تعالى من الحرائر حرمه الله تعالى من الإماء إلا الجمع في الوطئ بملك اليمين وقال الجصاص في أحكام القرآن : وروي عن عثمان وابن عباس إنهما أباحا ذلك وقالا : أحلتهما آية وحرمتهما آية.
    وقال : روي عن عثمان الإباحة ، وروي عنه أنه ذكر التحريم والتحليل وقال : لا آمر به ولا أنهى عنه.
    وهذا القول منه يدل على أنه كان ناظرا فيه غير قاطع بالتحليل والتحريم فيه فجائز أن يكون قال فيه بالإباحة ثم وقف فيه ، وقطع علي فيه بالتحريم.
    وقال الزمخشري : أما الجمع بينهما في ملك اليمين فعن عثمان وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا : أحلتهما آية وحرمتهما آية.
    فرجح علي التحريم وعثمان التحليل.
    قال الرازي : عن عثمان أنه قال : أحلتهما آية وحرمتهما آية والتحليل أولى قال ابن عبد البر في كتاب الاستذكار (1) : إنما كنى قبيصة بن ذؤيب عن علي بن أبي طالب لصحبته عبد الملك بن مروان ، وكانوا يستثقلون ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    راجع السنن الكبرى للبيهقي 7 : 164 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 158 ، المحلى لابن حزم 9 : 522 ، تفسير الزمخشري 1 : 359 ، تفسير القرطبي 5 : 117 ، بدايع الصنايع
1 ـ في بيان حديث الموطأ المذكور في أول العنوان في قول قبيصة : فلقي رجلا.

(216)
للملك العلماء 2 : 264 ، تفسير الخازن 1 : 356 ، الدر المنثور 2 : 136 نقلا عن مالك والشافعي وعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والبيهقي ، تفسير الشوكاني 1 : 418 نقلا عن الحفاظ المذكورين.
    قال الأميني : يقع البحث عن هذه المسألة في موردين الأول : في حكم الجمع بين الأختين بملك اليمين ووطأهما جميعا فهو محرم على المشهور بين الفقهاء كما قاله الرازي في تفسيره 3 : 193.
    وهو المشهور عن الجمهور والأئمة الأربعة وغيرهم وإن كان بعض السلف قد توقف في ذلك كما قاله ابن كثير في تفسيره 1 : 472.
    ولا يجوز الجمع عند عامة الصحابة كما في بدايع 2 : 264.
    كان فيه خلاف بين السلف ثم زال وحصل الإجماع على تحريم الجمع بينهما بملك اليمين.
    واتفق فقهاء الأمصار عليه كما قاله الجصاص في أحكام القرآن 2 : 158 وذهب كافة العلماء إلى عدم جوازه ولم يلتفت أحد من أئمة الفتوى إلى خلافه ( قول عثمان ) لأنهم فهموا من تأويل كتاب الله خلافه ولا يجوز عليهم تحريف التأويل وممن قال ذلك من الصحابة عمر وعلي وابن عباس وعمار وابن عمر وعائشة وابن الزبير وهؤلاء أهل العلم بكتاب الله فمن خالفهم فهو متعسف في التأويل.
    كذا قاله القرطبي في تفسيره 5 : 116 ، 117.
    وقال أبو عمر في الاستذكار : روي مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس ولكن اختلف عليهم ولم يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار والحجاز والعراق ولا ما وراءهما من المشرق ولا بالشام والمغرب إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفي القياس ، وقد ترك من يعمل ذلك ظاهرا ما اجتمعنا عليه ، وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطئ كما لا يحل ذلك في النكاح.
     (1) وحكيت الحرمة المتسالم عليها بين الأمة جمعاء عن علي وعمر والزبير وابن عباس وابن مسعود وعائشة وعمار وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وابن منبة وإسحاق
1 ـ تفسير ابن كثير 1 : 473 ، تفسير الشوكاني 1 : 411.

(217)
ابن راهويه وإبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان والشعبي والحسن البصري وأشهب والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي حنيفة ومالك (1).
    ومع المجمعين الكتاب والسنة فمن الكتاب إطلاق الذكر الحكيم في عد المحرمات في قوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين ( سورة النساء 23 ) فقد حرمت الجمع بينهما بأي صورة من نكاح أو ملك يمين قال ابن كثير في تفسيره 1 : 473 : وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم.
    إلى آخر الآية (2) : أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء وكذلك يجب أن يكون نظرا و قياسا الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب ، وكذلك هو عند جمهورهم وهم الحجة المحجوج بها ( على ) من خالفها وشذ عنها. ه‍.
    وقد تمسك بهذا الإطلاق الصحابة والتابعون والعلماء وأئمة الفتوى والمفسرون وكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يشدد النكير على من يفعل ذلك ويقول : لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا.
    أو يقول للسائل : إني أنهاك عنهما ولو جمعت بينهما ولي عليك سلطان عاقبتك عقوبة منكلة.
    وروي عن أياس بن عامر أنه قال : سألت علي بن أبي طالب فقلت : إن لي أختين مما ملكت يميني إتخذت إحداهما سرية وولدت لي أولادا ثم رغبت في الأخرى فما أصنع ؟ قال : تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الأخرى ثم قال : إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر إلا العدد.
    أو قال : إلا الأربع ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب (3).
    ولو لم يكن في هذا المورد غير كلام الإمام عليه السلام لنهض حجة للفتوى فإنه أعرف الأمة بمغازي الكتاب وموارد السنة ، وهو باب علم النبي صلى الله عليهما وآلهما
1 ـ راجع أحكام القرآن للجصاص 2 : 158 ، المحلى لابن حزم 9 : 522 ، 523 ، تفسير القرطبي 5 : 117 ، 118 ، تفسير أبي حيان 3 : 213 ، تفسير الرازي 3 : 193 ، الدر المنثور 2 ، 137.
2 ـ هي آية : وأن تجمعوا بين الأختين.
3 ـ أخرجه الجصاص في أحكام القرآن 2 : 158 ، وأبو عمر في الاستذكار ، وذكره ابن كثير في تفسيره 1 : 472 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 : 137.


(218)
وهو الذي خلفه صلى الله عليه وآله عدلا للكتاب ليتمسكوا بهما فلا يضلوا.
    وقد أصفق على ذلك أئمة أهل البيت عليهم السلام من ولده وهم عترته صلى الله عليه وآله أعدال الكتاب وأبوهم سيدهم وقولهم حجة في كل باب.
    وبهذه تعرف مقدار ما قد يعزى إلى أمير المؤمنين عليه السلام من موافقته لعثمان في رأيه الشاذ عن الكتاب والسنة وقوله : أحلتهما آية وحرمتهما آية.
    وحاشاه عليه السلام من أن يختلف رأيه في حكم من أحكام الله ، غير إن رماة القول على عواهنه راقهم أن يهون على الأمة خطب عثمان فكذبوا عليه صلوات الله عليه واختلقوا عليه ، قال الجصاص في أحكام القرآن 2 : 158 : قد روى أياس بن عامر أنه قال لعلي : إنهم يقولون : إنك تقول : أحلتهما آية وحرمتهما آية. فقال : كذبوا.
    ومن السنة للمجمعين ما استدل به على الحرمة ابن نجيم في البحر الرائق 3 : 95 ، وملك العلماء في بدايع الصنايع 2 : 264 وغيرهما من قوله صلى الله عليه وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين.
     ( المورد الثاني ) : وهل هناك ما يخصص الحرمة المستفادة من القرآن بالسنة إلى ملك اليمين ؟ يدعي عثمان ذلك فقال : أحلتهما آية وحرمتهما آية.
    ولم يعين الآية المحللة كما يعينها غيره من السلف ، نعم : أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن حاتم والطبراني من طريق ابن مسعود إنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين الأمتين فكرهه ، فقيل : يقول الله تعالى : إلا ما ملكت أيمانكم. فقال وبعيرك أيضا مما ملكت يمينك.
    وفي لفظ ابن حزم : إن حملك مما ملكت يمينك (1) وقال الجصاص في أحكام القرآن 2 : 158 : يعنون بالمحلل قوله تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم.
    والقول بهذا بعيد عن نطاق فهم القرآن وعرفان أسباب نزول الآيات ، ولا تساعده الأحاديث الواردة في الآية الكريمة ، وأنى للقائل من ثبوت التعارض بين الآيتين بعد ورودهما في موضوعين مختلفين ؟ ولأعلام القوم في المقام بيانات ضافية قيمة نقتصر منها بكلام الجصاص قال في ( أحكام القرآن ) 2 : 199 : إن
1 ـ المحلى لابن حزم 9 : 524 ، تفسير ابن كثير 1 : 472 ، الدر المنثور 2 : 137 نقلا عن الحفاظ المذكورين.

(219)
الآيتين غير متساويتين في إيجاب التحريم والتحليل وغير جائز الاعتراض بأحدهما على الأخرى إذ كل واحدة منهما ورود ها في سبب غير سبب الأخرى وذلك : لأن قوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين.
    وارد في حكم التحريم كقوله تعالى : وحلائل أبنائكم. وأمهات نسائكم. وسائر من ذكر في الآية تحريمها.
    وقوله تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم.
    في إباحة المسبية التي لها زوج في دار الحرب ، وأفاد وقوع الفرقة وقطع العصمة فيما بينهما ، فهو مستعمل فيهما ورد فيه من إيقاع الفرقة بين المسبية وبين زوجها وإباحتها لمالكها ، فلا يجوز الاعتراض به على تحريم الجمع بين الأختين ، إذ كل واحدة من الآيتين واردة في سبب غير سبب الأخرى ، فيستعمل حكم كل واحدة منهما في السبب الذي وردت فيه.
    قال : ويدل على ذلك إنه لا خلاف بين المسلمين في أنها لم تعترض على حلائل الأبناء وأمهات النساء وسائر من ذكر تحريمهن في الآية ، وإنه لا يجوز وطئ حليلة الابن ولا أم المرأة بملك اليمين ولم يكن قوله تعالى : ( إلاما ملكت أيمانكم ) موجبا لتخصيصهن لوروده في سبب غير سبب الآية الأخرى ، كذلك ينبغي أن يكون حكمه في اعتراضه على تحريم الجمع وامتناع علي رضي الله عنه ومن تابعه في ذلك من الصحابة من الاعتراض بقوله تعالى : ( إلا ما ملكت أيمانكم ).
    على تحريم الجمع بين الأختين يدل على أن حكم الآيتين إذا وردتا في سببين إحداهما في التحليل و الأخرى في التحريم إن كل واحدة منهما تجري على حكمهما في ذلك السبب ولا يعترض بها على الأخرى ، وكذلك ينبغي أن يكون حكم الخبرين إذا وردا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك .. الخ.
    ونحن نردف كلام الجصاص بما ورد في سبب نزول قوله تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم.
    وإنه كما سمعت من الجصاص غير السبب الوارد فيه قوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين.
    أخرج مسلم في صحيحه وغيره بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا نساء من سبي أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم.
    فاستحللنا بها فروجهن


(220)
    وفي لفظ أحمد : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أطاس لهن أزواج من أهل الشرك فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من من غشيانهن قال : فنزلت هذه الآية في ذلك : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ).
    وفي لفظ النسائي : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم وظهروا عليهم فأصابوا لهم سبايا لهن أزواج في المشركين فكان المسلمون تحرجوا من غشيانهن فأنزل الله عزوجل : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم.
    راجع صحيح مسلم 1 : 416 ، 417 ، صحيح الترمذي 1 : 135 ، سنن أبي داود 1 : 336 ، سنن النسائي 6 : 110 ، مسند أحمد 3 : 72 ، 84 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 165 ، سنن البيهقي 7 : 167 ، المحلى لابن حزم 9 : 447 ، مصابيح السنة 2 : 29 ، تفسير القرطبي 5 : 121 ، تفسير البيضاوي 1 : 269 ، تفسير ابن كثير 1 : 372 ، تفسير الخازن 1 : 375 ، تفسير الشوكاني 1 : 418.
    وعلى ذلك تأوله علي وابن عباس وعمر وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر وابن مسعود وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وقالوا : إن الآية وردت في ذوات الأزواج من السبايا أبيح وطؤهن بملك اليمين ووجب بحدوث السبي عليها دون زوجها وقوع الفرقة بينهما (1).
    وقال القرطبي في تفسيره 5 : 121 : قد اختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقال ابن عباس وأبو قلابة وابن زيد ومكحول والزهري وأبو سعيد الخدري : المراد بالمحصنات هنا المسبيات ذوات الأزواج خاصة ، أي هن محرمات إلا ما مملكت اليمين بالسبي من أرض الحرب ، فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه وإن كان لها زوج.
    وهو قول الشافعي في أن السباء يقطع العصمة ، وقاله ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك ، و وقال به أشهب ، يدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري ( وذكر الحديث فقال ) : وهذا نص صريح في أن الآية نزلت بسبب تحرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن وطئ المسبيات ذوات الأزواج ، فأنزل الله تعالى في جوابهم : إلا ما ملكت
1 ـ أحكام القرآن للجصاص 2 : 165 ، سنن البيهقي 7 : 167 ، تفسير الشوكاني 1 : 418.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس