الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 251 ـ 260
(251)
وأخرجه أحمد وابن عساكر وأبو يعلى والطبراني والدار قطني من طريق أبي سعيد و أبي ذر وابن عباس ومعاوية وأبي هريرة كما في كنز العمال 6 : 39 ، 90.
    م وذكر ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق 147 بسند حسنه : إن مروان دخل على معاوية في حاجة وقال : إن مؤنتي عظيمة أصبحت أبا عشرة ، وأخا عشرة ، و عم عشرة ثم ذهب فقال معاوية لابن عباس وكان جالسا معه على سريره : أنشدك بالله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا بلغ بنو أبي الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا آيات الله بينهم دولا ، وعباد الله خولا ، وكتابه دخلا ، فإذا بلغوا سبعة وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من كذا ؟ قال : اللهم نعم.
    وقوله صلى الله عليه وآله بإسناد حسنه ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق 143 : شر العرب بنو أمية.
    وبنو حنيفة. وثقيف.
    وقال : صح قال الحاكم : على شرط الشيخين عن أبي برزة رضي الله عنه قال : كان أبغض الأحياء أو الناس إلى رسول الله بنو أمية ] وقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : لكل أمة آفة وآفة هذه الأمة بنو أمية. كنز العمال 6 : 91 ).
    فالحكم في هذه العمومات ولا سيما بعد ملاحظة ما أثبتته السير ومدونات التاريخ وغيرها ، وبعد الإحاطة بأحوال الرجال وما ارتكبوه وما ارتكبوا فيه ، أنت و وجدانك أيها القارئ الكريم !.
    2 قال ابن حجر في الصواعق ص 108 : قال ابن ظفر : وكان الحكم هذا يرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل كذا ذكره الدميري في حياة الحيوان.
    ولعنته صلى الله عليه وسلم للحكم وابنه لا تضرهما لأنه صلى الله عليه وسلم تدارك ذلك بقوله مما بينه في الحديث الآخر : إنه بشر يغضب كما يغضب البشر ، وإنه سأل ربه إن من سبه أو لعنه أو دعا عليه أن يكون رحمة وزكاة وكفارة وطهارة.
    وما نقله ( الدميري ) عن ابن ظفر في أبي جهل لا تأويل عليه فيه بخلافه في الحكم فإنه صحابي وقبيح أي قبيح أن يرمى صحابي بذلك فليحمل على أنه إن صح ذلك كان يرمى به قبل الاسلام.
    أنا لا أدري أيعلم ابن حجر ماذا يلوك بين أشداقه ؟ أهو مجد فيما يقول أم هازىء ؟ أما ما اعتذر به عن إن لعنته صلى الله عليه وآله لا تضر الحكم وابنه .. الخ. فقد أخذه مما أخرجه


(252)
الشيخان في الصحيحين (1) من طريق أبي هريرة غير إنه حرف منه كلما وزاد فيه أخرى وإليك لفظه قال : اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لم تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك.
    هذا حط من مقام الرسالة لأجل أموي ساقط ، وحسبان إن صاحبها كإنسان عادي يثيره ما يثير غيره فيغضب لما لا ينبغي أن يغضب له ، ومخالف للكتاب العزيز من قوله سبحانه : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
    نعم : هو صلى الله عليه وآله بشر غير إنه كما قال في الذكر الحكيم : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي.
    فإن كان في الوحي أن يلعن الطريد وما ولد فماذا ينجيه من اللعن ؟ إلا أن يحسب ابن حجر إن الوحي أيضا يتبع الشهوات ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
    وكيف يكون اللعن رحمة وزكاة وطهارة وكفارة وقد أصاب موضعه بأمر من الله سبحانه ؟ وما يصنع ابن حجر بالصحيح المتضافر من إن سباب المسلم فسوق (2) ؟ وكيف يسوغ له إيمانه أن يكون رسول الله سبابا أو لعانا أو مؤذيا لأحد أو جالدا لمسلم على غير حق ؟ وكل ذلك من منافيات العصمة والله سبحانه يقول : الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا.
    وجاء في الصحيح : إنه صلى الله عليه وآله لم يكن سبابا ولا فحاشا ولا لعانا ، وقد أبى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدعاء على المشركين ، وقال صلى الله عليه وآله إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة (3) فهو صلى الله عليه وآله كان يأمل في أولئك المشركين الهداية فلم يلعنهم ولا دعا عليهم ، ولما كان لم يرج في الحكم وولده أي خير لعنهم لعنا يبقي عليهم خزي الأبد.
    نعم رواية الصحيحين المنافي لعصمة الرسول صلى الله عليه وآله اختلقتها يد الهوى على عهد
1 ـ صحيح البخاري 4 : 71 كتاب الدعوة. صحيح مسلم 2 : 391 كتاب البر والصلة.
2 ـ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من طريق ابن مسعود. وابن ماجة من طريق جابر وسعد. والطبراني عن عبد الله بن المغفل وعمرو بن النعمان. وصححه غير واحد من الحفاظ كالهيثمي والسيوطي والمناوي.
3 ـ أخرجه البخاري 9 : 22 ، ومسلم في صحيحه 2 : 393.


(253)
معاوية تزلفا إليه ، وطمعا في رضيخته ، وتحببا إلى آل أبي العاص المقربين عنده.
    ومن أراد الوقوف على أبسط مما ذكرناه في المقام فليراجع كتاب ( أبو هريرة ) لسيدنا الآية السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ص 118 129.
    هبنا ( العياذ بالله ) ماشينا ابن حجر في أساطيره في نبي العصمة والقداسة فما حيلة المغفل فيما نزل من الذكر الحكيم في الحكم وبنيه ؟ هل فيه ضير ؟ أم يراه أيضا رحمة وزكاة وكفارة وطهارة.
    وشتان بين رأي ابن حجر في الحكم وبين ما يأتي من قول أبي بكر لعثمان فيه : عمك إلى النار وقول عمر لعثمان : ويحك يا عثمان ! تتكلم في لعين رسول الله و طريده وعدو الله وعدو رسوله ؟.
    وأما ما عالج به داء الحكم فهو يعلم أنه موصوم بما هو أفظع من ذلك من لعن رسول الله وطرده إياه ، وكان الخبيث يهزأ برسول الله صلى الله عليه وآله في مشيته حتى أخذته دعوته صلى الله عليه وآله ، وهل تجديه الصحبة وحاله هذه ؟ وهل تشمل الصحبة التي هي من أربى الفضائل اللص الذي ساكن الصحابة لاستراق أموالهم والقاح الفتن فيهم ؟ وهل تشمل المنافقين الذين كانوا في المدينة يومئذ ؟ ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ) فإن طهرت الصحبة أمثال الحكم فهي مطهرة أولئك بطريق أولى لأنه لم يكشف عنهم الغطاء كما كشف عن الحكم على العهد النبوي وفي دور الشيخين حتى أراد ابن أخيه ينقذه من الفضيحة فزيد ضغث على أبالة ، ونبشت الدفائن ، وذكر ما كاد أن ينسى.
    ثم هب أن الصحبة مزيحة لعلل النفس والأمراض القلبية فهل هي مزيلة للأدواء الجسمانية ؟ لم نجد في كتب الطب من وصفها بذلك ، ولا تعدادها في الصف الأدوية المفيدة لداء من الأدواء ، ولا لذلك الداء العضال الذي زعم ابن حجر إنه منفي عن الحكم لمحض الاسلام والصحبة ، وجوز أن يكون قبل اتصاله بالمسلمين ، حيا الله هذا الطب الجديد.
    إن من الممكن جدا أن يكون هذا الداء العضال من علل طرد الرجل من المدينة فلم يرد صلى الله عليه وآله أن يكون بين صحابته في عاصمة نبوءته مخزي مثله.
    إذا أنهاك البحث إلى هاهنا وعرفت الحكم ومقداره في أدوار حياته جاهلية


(254)
    وإسلاما فاقرأ ما جاء به سالم بن وابصة تزلفا إلى معاوية بن مروان بن الحكم من قوله :
إذا افتخرت يـوما أمية أطرقت فإن قيـل : هاتوا خيركم أطبقوا معا ألستم بني مـروان غـيث بلادنـا قريش وقالوا : معدن الفضل والكرم عـلى إن خير الناس كلهم الحكم إذ السنة الشهباء سدت على الكظم؟
    سبحانك اللهم ما قيمة بشر خيره الحكم ؟ وما شأن جدوب غيثها بنو مروان ؟ إن هي إلا أساطير الأولين نسجتها يد الغلو في الفضائل.
     ( المسائلة ) :
    هلم معي نسائل الخليفة في إيواء لعين رسول الله وطريده ( الحكم ) وبمسمع منه ومرأى نزول القرآن فيه واللعن المتواصل من مصدر النبوة عليه وعلى من تناصل منه عدا المؤمنين ، وقليل ماهم ، ما هو المبرر لعمله هذا ورده إلى مدينة الرسول ؟ وقد طرده صلى الله عليه وآله وأبناءه منها تنزيها لها من تلكم الأرجاس والأدناس الأموية وقد سأل أبا بكر وبعده عمر أن يرداه فقال كل منهما : لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله (1) وقال الحلبي في السيرة 2 : 85 : كان يقال له : طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه وقد كان صلى الله عليه وسلم طرده إلى الطائف ومكث به مدة رسول الله ومدة أبي بكر بعد أن سأله عثمان في إدخاله المدينة فأبى فقال له عثمان : عمي ، فقال : عمك إلى النار ، هيهات هيهات أن أغير شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا رددته أبدا ، فلما توفي أبو بكر وولي عمر كلمه عثمان في ذلك فقال له : ويحك يا عثمان ! تتكلم في لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريده وعدو الله وعدو رسوله ؟ فلما ولي عثمان رده إلى المدينة فاشتد ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة ، فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه.
    ه‍ ألم تكن للخليفة أسوة في رسول الله ؟ والله يقول : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (2). أو كان قومه وحامته أحب إليه من الله ورسوله ؟ وبين يديه الذكر الحكيم : قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم
1 ـ الأنساب للبلاذري 5 : 27 ، الرياض النضرة 2 : 143 ، أسد الغابة 2 : 35 ، السيرة الحلبية 1 : 337 ، الإصابة 1 : 345 ، (2) سورة الأحزاب : 21.

(255)
وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين. التوبة. 24.
    ثم ما هو المبرر لتخصيص الرجل بتلك المنحة الجزيلة من حقوق المسلمين و إعطياتهم ؟ بعد تأمينه على أخذ الصدقات المشترط فيه الثقة والأمانة واللعين لا يكون ثقة ولا أمينا.
    ثم نسائل الحكم والخليفة على تقريره لما ارتكبه من حمل صدقات قضاعة إلى دار الخلافة وقد ثبت في السند كما مر ص 245 إنها تقسط على فقراء المحل و عليها أتت الأقوال قال أبو عبيد في الأمول ص 596 : والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلها : أن أهل كل بلد من البلدان ، أو ماء من المياه أحق بصدقتهم ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك وإن أتى ذلك على جميع صدقتها حتى يرجع الساعي ولا شيء معه منها ، بذلك جاءت الأحاديث مفسرة.
    ثم ذكر أحاديثا فقال ص 597 : قال أبو عبيد : فكل هذه الأحاديث تثبت إن كل قوم أولى بصدقتهم حتى يستغنوا عنها ، ونرى استحقاقهم ذلك دون غيرهم إنما جاءت به السنة لحرمة الجوار وقرب دراهم من دار الأغنياء.
    ألم يكن في قضاعة ذو حاجة فيعطى ؟ أو لم يكن في المدينة الطيبة من فقراء المسلمين أحد فيقسم ذلك المال الطائل بينهم بالسوية ؟ إنما الصدقات للفقراء و المساكين والعاملين عليها. الآية.
    فتخصيصها للحكم لماذا ؟.
    وهلم معي إلى المسكين صاحب المال تؤخذ منه الصدقات شاء أو أبى وهو يعلم مصب تلكم الأموال ومدرها من أيدي أولئك الجبابرة أو الجباة الجباه السود ( نظراء الحكم ومروان والوليد وسعيد ) وما يرتكبونه من فجور ومجون ، وبعد لم ينقطع من أذنه صدى ما ارتكبه خالد بن وليد سيف ..
    مع مالك بن نويرة وحليلته وذويه وما يملكه ، وكان يسمع من وحي الكتاب قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم ( سورة التوبة 140 ) فهل يرى المسكين أن هذا الأخذ يطهره ويزكيه ؟ لا حكم إلا لله.


(256)
    نعم يقول المغيرة بن شعبة زاني ثقيف : إن النبي صلى الله عليه وآله أمرنا أن ندفعها إليهم و عليهم حسابهم (1) ويقول ابن عمر : إدفعوها إليهم وإن شربوا بها الخمر.
    ويقول : إدفعها إلى الأمراء وإن تمزعوا بها لحوم الكلاب على موائدهم (2).
    نحن لا نقيم لأمثال هذه الآراء وزنا ، ولا أحسب إن الباحث يقدر لها قيمة فإنها ولائد ظنون مجردة.
    وقد جاء في أولئك الأمراء بإسناد صححه الحاكم والذهبي من طريق جابر بن عبد الله قال قال صلى الله عليه وآله لكعب بن عجرة : أعاذك الله يا كعب ! من إمارة السفهاء.
    قال : وما إمارة السفهاء يا رسول الله ؟ قال : أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني و لست منهم ، ولا يردون علي حوضي (3).
    فإعطاء الصدقات لأولئك الأمراء من أظهر مصاديق الاعانة على الإثم والعدوان والله تعالى يقول : تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ( سورة المائدة 2 ).
    ثم إن الصدقات كضرائب مالية في أموال الأغنياء لإعاشة الضعفاء من الأمة قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله عزوجل فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي الفقراء فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء ، وحق على الله تبارك وتعالى أن يحاسبهم ويعذبهم.
     ( الأموال لأبي عبيد ص 595 ، المحلى لابن حزم 6 : 158 ، و أخرجه الخطيب في تاريخه 5 : 208 من طريق علي مرفوعا ) وفي لفظ : إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء ، فما جاع فقير إلا بما متع به غني ، والله سائلهم عن ذلك ( نهج البلاغة 2 : 214 ) هذا هو مجرى الصدقات في الشريعة المطهرة ، وهو الذي يطهر صاحب المال و يزكيه ، ويكتسح عن المجتمع معرة الآراء الفاسدة من الفقراء ، المقلقة للسلام و المعكرة لصفو الحياة.
1 ـ سنن البيهقي 4 : 115.
2 ـ سنن البيهقي 4 : 115 ، الأموال لأبي عبيد ص57.
3 ـ مستدرك الحاكم 4 : 422.


(257)
    ثم : الخليفة يدعي (1) إن رسول الله صلى الله عليه وآله وعده رد الحكم بعد أن فاوضه في ذلك ، إن كان هذا الوعد صحيحا فلم لم يعلم به أحد غيره ؟ ولا عرفه الشيخان قبله.
    وهلا رواه لهما حين كلمهما في رده فجبهاه بما عرفت ؟ أو أنهما لم يثقا بتلك الرواية ؟ فهذه مشكلة أخرى.
    أو إنهما صدقاه ؟ غير إنهما رأيا أن صلى الله عليه وآله وعده أن يرده هو صلى الله عليه وآله ولم يرده ، ولعل المصلحة الواقعية أو الظروف لم تساعده على إنجاز الوعد حتى قضى نحبه ، فمن أين عرف الترخيص له في رده ؟ ولو كانت هناك شبهة رخصة ؟ لعمل بها الشيخان حين فاوضهما هو في ذلك ، لكنهما ما عرفا الشبهة ولا علما تلميحا للرخصة بل رأياه عقدة لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تنحل ، وفي الملل والنحل للشهرستاني 1 : 25 : فما أجابا إلى ذلك ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا.
    ومن هنا رأى ابن عبد ربه في العقد ، وأبو الفدا في تاريخه 1 : 168 : أن الحكم طريد رسول الله وطريد أبي بكر وعمر أيضا ، وكذلك الصحابة كلهم ما عرفوا مساغا لرد الرجل وأبناؤه وإلا لما نقموا به عليه ولعذروه على ما ارتكبه وفيهم من لا تخفى عليه مواعيد النبي صلى الله عليه وآله.
    وللخليفة معذرة أخرى قال ابن عبد ربه في العقد الفريد 2 : 272 : لما رد عثمان الحكم طريد النبي صلى الله عليه وسلم وطريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلم الناس في ذلك فقال عثمان : ما ينقم الناس مني ؟ أني وصلت رحما وقريت عينا.
    ونحن لا نخدش العواطف بتحليل كلمة الخليفة هذه ، ولا نفصل القول في مغزاها وإنما نمر به كراما ، وأنت إذا عرفت الحكم وما ولد فعلمت أن ردهم إلى المدينة المشرفة وتوليهم على الأمور ، وتسليطهم على ناموس الاسلام ، واتخاذ الحمى لهم كما مر ص 242 جناية كبيرة على الأمة لا تغتفر ، ولا تقر بها قط عين.

ـ 32 ـ
أيادي الخليفة عند مروان
    أعطى مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن عمه وصهره من ابنته أم أبان خمس غنائم أفريقية وهو خمسمائة ألف دينار ، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن حنبل الجمحي الكندي مخاطبا الخليفة :
1 ـ الأنساب للبلاذري 5 : 27 ، الرياض النضرة 2 : 143 ، مرآة الجنان لليافعي 1 : 85 الصواعق ص 68 ، السيرة الحلبية 2 : 86.

(258)
سأحلف بالله جهد اليميـ ولكن خلفت لنا فتنة فإن الأمينين قد بينا فما أخذا درهما غيلة دعوت اللعين فأدنيته وأعطيت مروان خمس العبا ن ما ترك الله أمرا سدى لكي نبتلى لك أو تبتلى منار الطريق عليه الهدى وما جـعلا درهما في الهوى خلافا لسنة من قد مضى د ظلما لهم وحميت الحمى
    هكذا رواه ابن قتيبة في المعارف ص 84 ، وأبو الفدا في تاريخه 1 : 168 ، و ذكر البلاذري الأبيات في الأنساب 5 : 38 ونسبها إلى أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي الخزرجي الذي منع أن يدفن عثمان بالبقيع وإليك لفظها :
أقسم بالله رب العبا دعوت اللعين فأدنيته د ما تـرك الله خلقا سدى خلافا لسنة من قد مضى
    قال : يعني الحكم والد مروان :
وأعطيت مروان خمس العبا ومال أتاك به الأشعري فأما الأمينان إذ بينا فلم يأخذا درهما غيلة د ظلما لهم وحميت الحمى من الفيء أنهيته من ترى منار الطريق عليه الصوى ولم يصرفا درهما في هوى
    وذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد 2 : 261 ونسبها إلى عبد الرحمن ، وروى البلاذري من طريق عبد الله بن الزبير أنه قال : أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين أفريقية فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم.
    وفي رواية أبي مخنف : فابتاع الخمس بمائتي ألف دينار فكلم عثمان فوهبها له فأنكر الناس ذلك على عثمان (1).
    وفي رواية الواقدي كما ذكره ابن كثير : صالحه بطريقها على ألفي ألف دينار وعشرين ألف دينار فأطلقها كلها عثمان في يوم واحد لآل الحكم ويقال : لآل مروان (2)
1 ـ الأنساب 5 : 27 ، 28.
2 ـ تاريخ ابن كثير 7 : 152. لا يخفى على القاري تحريف ابن كثير رواية الواقدي والصحيح ما ذكره الطبري عنه.


(259)
    وفي رواية الطبري عن الواقدي عن أسامة بن زيد عن كعب قال : لما وجه عثمان عبد الله بن سعد إلى أفريقية كان الذي صالحهم عليه بطريق أفريقية ( جرجير ) ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ، فبعث ملك الروم رسولا وأمره أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار كما أخذ منهم عبد الله بن سعد.
    إلى أن قال : كان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلثمائة قنطار ذهب ، فأمر بها عثمان لآل الحكم.
    قلت : أو لمروان ؟ قال لا أدري. ( تاريخ الطبري 5 : 50 ).
    وقال ابن الأثير في الكامل 3 : 38 : وحمل خمس أفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان ، وكان هذا مما أخذ عليه ، وهذا أحسن ما قيل في خمس أفريقية ، فإن بعض الناس يقول : أعطى عثمان خمس أفريقية عبد الله بن سعد.
    وبعضهم يقول : أعطاه مروان الحكم ، وظهر بهذا إنه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى ، وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع أفريقية. والله أعلم.
    وروى البلاذري وابن سعد : إن عثمان كتب لمروان بخمس مصر وأعطى أقرباءه المال ، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها ، واتخذ الأموال واستسلف من بيت المال وقال : إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما ، وإني أخذته فقسمته في أقربائي. فأنكر الناس عليه ذلك (1).
    وأخرج البلاذري في الأنساب 5 : 28 من طريق الواقدي عن أم بكر بنت المسور قالت : لما بني مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه وكان المسور فيمن دعا ، فقال مروان وهو يحدثهم : والله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه.
    فقال المسور : لو أكلت طعامك وسكت لكان خيرا لك ، لقد غزوت معنا افريقية وإنك لأقلنا مالا ورقيقا وأعوانا وأخفنا ثقلا ، فأعطاك ابن عفان خمس افريقية وعملت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين.
    فشكاه مروان إلى عروة وقال : يغلظ لي وأنا له مكرم متق.
    قال ابن أبي الحديد في الشرح 1 : 67 : أمر ( عثمان ) لمروان بمائة ألف من بيت المال وقد زوجه ابنته أم أبان فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها
1 ـ طبقات ابن سعد 3 : 44 ط ليدن ، الأنساب للبلاذري 5 : 25.

(260)
بين يدي عثمان وبكى فقال عثمان : أتبكي إن وصلت رحمي ؟ قال : لا.
    ولكن أبكي لأني أظنك إنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقت في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا.
    فقال : ألق المفاتيح يا ابن أرقم ! فإنا سنجد غيرك ، وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني أمية.
    وقال الحلبي في السيرة 2 : 87 : وكان من جملة ما انتقم به على عثمان رضي الله تعالى عنه أنه أعطى ابن عمه مروان بن الحكم مائة ألف وخمسين أوقية.

مروان وما مروان ؟
    مر في صفحة 246 ما صح من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله على أبيه وعلى من يخرج من صلبه.
    وأسلفنا ما صح من قول عائشة لمروان : لعن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أباك فأنت فضض من لعنة الله.
    وأخرج الحاكم في المستدرك 4 : 479 من طريق عبد الرحمن بن عوف وصححه أنه قال : كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلا أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال : هو الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون.
    وذكر الدميري في حيوة الحيوان 2 : 399 ، وابن حجر في الصواعق ص 108 ، والحلبي في السيرة 1 6 337 ولعل معاوية أشار إليه بقوله لمروان : يا ابن الوزغ لست هناك.
    فيما ذكره ابن أبي الحديد 2 : 56.
    وأخرج ابن النجيب من طريق جبير بن مطعم قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وآله : ويل لأمتي مما في صلب هذا (1).
    وفي شرح ابن أبي الحديد 2 : 55 نقلا عن الاستيعاب : نظر علي عليه السلام يوما إلى مروان فقال له : ويل لك وويل لأمة محمد منك ومن بيتك إذا شاب صدغاك.
    وفي لفظ ابن الأثير : ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك.
    ( أسد الغابة 4 : 348 ) ورواه ابن عساكر بلفظ آخر كما في كنز العمال 6 : 91.
    وقال مولانا أمير المؤمنين يوم قال له الحسنان السبطان : يبايعك مروان يا أمير
1 ـ أسد الغابة 2 : 34 ، الإصابة 1 : 346 ، السيرة الحلبية 1 : 337 ، كنز العمال 6 : 40.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس