الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 271 ـ 280
(271)
صوحان. صعصعة بن صوحان. الحارث الأعور. جندب بن زهير. أبو زينب الأزدي أصغر بن قيس الحارثي.
    وهم يسألون الخليفة عزل سعيد ، فأبى وأمره أن يرجع إلى عمله ، وقفل القوم قبله إلى الكوفة واحتلوها ودخلها من ورائهم ، وركب الأشتر مالك بن الحارث في جيش يمنعه من الدخول فمنعوه حتى ردوه إلى عثمان ، فجرى هناك ما جرى ، ويأتي نبأه بعد حين إنشاء الله تعالى.
    لقد أراد الخليفة أن يصل رحمه من هذا الشباب المجرم بإعطاء تلك الكمية الزائدة على حده وحقه من بيت المال ، إن كان له ثمة نصيب ، ولو كان هذا العطاء حقا لما نقده عليه أعاظم الصحابة وفي طليعتهم مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.
    وأما ما تترس به من المعذرة من الاحتساب بصلة الرحم كما احتسب من قبله بمنع رحمهم عن الزيادة في إعطياتهم من بيت المال فتافه ، لأن الصلة إنما تستحسن من الانسان إن كان الانفاق من خالص ماله لا المال المشترك بين آحاد المسلمين ، ومن وهب مالا يملكه لا يعد أمينا على أرباب المال ، فهو إلى الوزر أقرب منه إلى الأجر.

ـ 35 ـ
هبة الخليفة للوليد من مال المسلمين
    أعطى الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية أخا الخليفة من أمه ما استقرض عبد الله بن مسعود من بيت مال المسلمين ووهبه له.
    قال البلاذري في الأنساب 5 : 30 : لما قدم الوليد الكوفة ألفى ابن مسعود على بيت المال فاستقرضه مالا وقد كانت الولاة تفعل ذلك ثم ترد ما تأخذ ، فأقرضه عبد الله ما سأله ، ثم إنه اقتضاه إياه فكتب الوليد في ذلك إلى عثمان فكتب عثمان إلى عبد الله بن مسعود : إنما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال.
    فطرح ابن مسعود المفاتيح وقال : كنت أظن أني خازن للمسلمين فأما إذ كنت خازنا لكم فلا حاجة لي في ذلك ، وأقام بالكوفة بعد إلقائه مفاتيح بيت المال.
    وعن عبد الله بن سنان قال : خرج علينا ابن مسعود ونحن في المسجد وكان على بيت مال الكوفة وفي الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط فقال : يا أهل الكوفة ! فقدت


(272)
من بيت مالكم الليلة مائة ألف لم يأتني بها كتاب أمير المؤمنين ولم يكتب لي بها برائة.
    قال فكتب الوليد بن عقبة إلى عثمان في ذلك فنزعه عن بيت المال.
    العقد الفريد 2 : 272.

الوليد ومن ولده
    أما أبوه عقبة بن أبي معيط. فكان أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله في إيذائه من جيرانه ، أخرج ابن سعد بالإسناد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كنت بين شر جارين بين أبي لهب وعقبة بن معيط ، إن كانا ليأتيان ؟ فيطرحانها على بابي ، حتى أنهم ليأتون ببعض ما يطرحون من الأذى فيطرحونه على بابي (1).
    وقال ابن سعد في طبقات 1 : 185 : كان أهل العداوة والمناواة لرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين يطلبون الخصومة والجدل أبو جهل ، أبو لهب ( إلى أن عد ) عقبة بن أبي معيط ، والحكم بن أبي العاص فقال : وذلك إنهم كانوا جيرانه ، والذي كان تنتهي عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم : أبو جهل ، أبو لهب ، وعقبة بن أبي معيط.
    وقال ابن هشام في سيرته 2 : 25 : كان النفر الذي يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته : أبو لهب ، والحكم بن أبي العاص بن أمية ، وعقبة بن أبي معيط.
    وقال في ج 1 : 358 : كان أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط متصافيين حسنا ما بينهما ، فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه فبلغ ذلك أبيا فأتى عقبة فقال له : ألم يبلغني إنك جالست محمدا وسمعت منه ؟ ثم قال : وجهي من وجهك حرام أن أكلمك ، واستغلظ له من اليمين إن أنت جلست إليه أو سمعت منه أو لم تأته فتتفل في وجهه.
    ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله ، فأنزل الله تعالى فيهما : ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا.
    يويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ، وكان الشيطان للانسان خذولا
(2).
    وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بإسناد صححه السيوطي من طريق
1 ـ طبقات ابن سعد 1 : 186 ط مصر.
2 ـ سورة الفرقان 28 29.


(273)
سعيد بن جبير عن ابن عباس : إن عقبة (1) بن أبي معيط كان يجلس مع النبي بمكة لا يؤذيه وكان له خليل (2) غائب عنه بالشام فقالت قريش : صبا عقبة.
    وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته : ما فعل محمد مما كان عليه ؟ فقالت : أشد ما كان أمرا.
    فقال : ما فعل خليلي عقبة ؟ فقالت : صبا.
    فبات بليلة سوء فلما أصبح أتاه عقبة فحياه فلم يرد عليه التحية فقال : مالك لا ترد علي تحيتي ؟ فقال : كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت ، قال : أو قد فعلتها قريش ؟ قال : نعم ، قال : فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلته ؟ قال : تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم ، ففعل ، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن مسح وجهه من البزاق ثم التفت إليه فقال : إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا.
    فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج فقال له أصحابه : أخرج معنا قال : وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا ، فقالوا : لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه.
    فخرج معهم فلما هزم الله المشركين وحمل به جمله في جدود من الأرض فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيرا في سبعين من قريش وقدم إليه عقبة فقال : أتقتلني من بين هؤلاء ؟ قال : نعم ، بما بزقت في وجهي.
    وفي لفظ الطبري : بكفرك وفجورك وعتوك على الله ورسوله.
    فأمر عليا فضرب عنقه فأنزل الله فيه : ويوم يعض الظالم على يديه.
    إلى قوله تعالى : وكان الشيطان للانسان خذولا.
    وقال الضحاك : لما بزق عقبة رسول الله صلى الله عليه وآله رجع بزاقه على وجهه لعنه الله تعالى ولم يصل حيث أراد فأحرق خديه وبقي أثر ذلك فيهما حتى ذهب إلى النار.
    وفي لفظ : كان عقبة يكثر مجالسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وآله فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل ، وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال : صبأت يا عقبة ؟ قال : لا ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له والشهادة ليست في نفسي فقال : وجهي من وجهك
1 ـ وقع في الدر المنثور الاشتباه في اسم الرجل فجعله أبا معيط وتبعه على علاته من حكاه عنه كالشوكاني وغيره.
2 ـ هو أبي بن خلف كما سمعت وفي غير واحد من المصادر : أمية بن خلف


(274)
حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق وجهه وتلطم عينه. فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف الحديث.
    وقال الطبري في تفسيره : قال بعضهم عني بالظالم عقبة بن أبي معيط لأنه ارتد بعد إسلامه طلبا منه لرضا أبي بن خلف وقالوا : فلان هو أبي.
    وروي عن ابن عباس أنه قال : كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وآله فزجره عقبة بن ابن معيط فنزل : ويوم يعض الظالم على يديه .. الخ.
    قال : الظالم : عقبة. وفلان : أبي.
    وروي مثله عن الشعبي وقتادة وعثمان ومجاهد.
    أخرج نزول الآيات الكريمة يوم يعض الظالم إلى قوله : خذولا.
    في عقبه و إن الظالم هو.
    ابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، وابن المنذر ، وعبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير.
    راجع تفسير الطبري 19 : 6 ، تفسير البيضاوي 2 : 161 ، تفسير القرطبي 13 : 25 ، تفسر الزمخشري 2 : 326 ، تفسير ابن كثير 3 : 317 ، تفسير النسابوري هامش الطبري 19 ، 10 ، تفسير الرازي 6 : 369 ، تفسير ابن جزي الكلبي 3 : 77 ، إمتاع المقريزي ص 61 ، 90 ، الدر المنثور للسيوطي 5 : 68 ، تفسير الخازن 3 : 365 ، تفسير النسفي هامش الخازن 3 : 365 ، تفسير الشوكاني 4 : 72 ، تفسير الآلوسي 19 : 11.
هذا الوالد ، وما أدراك ما ولد ؟
    أما الوليد الفاسق بلسان الوحي المبين ، الزاني ، الفاجر ، السكير ، المدمن للخمر المتهتك في أحكام الدين وتعاليمه ، المهتوك بالجلد على رؤس الاشهاد ، فسل عنه قوله تعالى : إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (1) فإن من المجمع عليه بين أهل العلم بتأويل القرآن نزوله فيه كما مر في ص 124.
    وسل عنه قوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون.
    وهذه الآية كسابقتها تومي بالفاسق إليه كما أسلفناه في الجزء الثاني 42 ، 43 ط 1 ، و 46 ، 47 ط 2.
    وسل عنه محراب جامع الكوفة يوم قاء فيه من السكر وصلى الصبح أربعا وأنشد فيها رافعا صوته :
1 ـ سورة الحجرات 6.

(275)
عـلق القلب الربابا بعد ما شابت وشابا
    وقال : هل أزيدكم ؟ فضربه ابن مسعود بفردة خفه ، وأخذه الحصباء من المصلين ففر عنهم حتى دخل داره والحصباء من وراءه ، كما فصلناه في هذا الجزء ص 124120 وسل عنه سوط عبد الله بن جعفر لما جلده حد الشارب بأمر مولانا أمير المؤمنين وهو يسبه بمشهد عثمان بعد ضوضاء من المسلمين على تأخير الحد كما مر ص 124.
    وسل عنه ابن عمه سعيد بن العاص لما غسل منبر جامع الكوفة ومحرابه تطهيرا من أقذار الفاسق حين ولاه عثمان على الكوفة بعد الوليد.
    وسل عنه الإمام السبط الحسن المجتبى يوم تكلم عليه في مجلس معاوية فقال عليه السلام : وأما أنت يا وليد ! فوالله ما ألومك على بغض علي وقد جلدك ثمانين في الخمر وقتل أباك بين يدي رسول الله صبرا ، وأنت الذي سماه الله الفاسق ، وسمى عليا المؤمن حيث تفاخرتما فقلت له : اسكت يا علي ! فأنا أشجع منك جنانا ، وأطول منك لسانا ، فقال لك علي : اسكت يا وليد ! فأنا مؤمن ، وأنت فاسق.
    فأنزل الله تعالى في موافقته قوله : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون.
    ثم أنزل فيك على موافقة قوله أيضا : إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.
    ويحك يا وليد ! مهما نسيت فلا تنس قول الشاعر (1) فيك وفيه :
أنزل الله والكتاب عزيز فتبوأ الوليد إذ ذاك فسقـا ليس من كان مؤمنا عمرك الله سوف يـدعى الوليد بعد قليل فعلي يجزى بذاك جنانا رب جد لعقبة بن أبان في علي وفـي الوليد قرآنا وعلي مبوء إيمانا كمن كان فاسقا خوانا وعلي إلى الحساب عيانا ووليد يجزى بذاك هوانا لابس في بلادنا تبّانا
    وما أنت وقريش ؟ إنما أنت علج من أهل صفورية ، وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد وأسن ممن تدعى إليه.
     ( شرح ابن أبي الحديد 2 : 103 ).
1 ـ هو حسان بن ثابت. راجع الجزء الثاني ص 42 ط 1 ، و 46 ط 2.
2 ـ أبان اسم أبي معيط جد الوليد.


(276)
    وإن شئت فسل الخليفة عثمان عن تأهيله إياه للولاية على صدقات بني تغلب ثم للإمارة على الكوفة ، وائتمانه على أحكام الدين وأعراض المسلمين ، وتهذيب الناس ودعوتهم إلى الدين الحنيف ، وإسقاط ما عليه من الدين لبيت مال المسلمين وإبراء ذمته عما عليه من مال الفقراء ، هل في الشريعة الطاهرة تسليط مثل الرجل على ذلك كله ؟ أنا لا أعرف لذلك جوابا ، ولعلك تجد عند الخليفة ما يبرر عمله ، أو تجد عند ابن حجر بعد اعترافه بصحة ما قلناه وإنه جاء من طريق الثقات جوابا منحوتا لا نعرف المحصل منه قال في تهذيب التهذيب 11 : 144 : قد ثبتت صحبته وله ذنوب أمرها إلى الله تعالى والصواب السكوت.
    أما نحن فلا نرى السكوت صوابا بعد أن لم يسكت عنه الذكر الحكيم وسماه فاسقا في موضعين ، أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ، ومهما سكتنا عن أمر بينه وبين الله سبحانه فليس من السائغ أن نسكت عن ترتيب آثار العدالة عليه والرواية عنه وهو فاسق في القرآن ، متهتك بالجرائم على رؤس الاشهاد ، متعد حدود الله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.

ـ 36 ـ
هبة الخليفة لعبد الله من مال المسلمين
    أعطى لعبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ثلاثمائة ألف درهم و لكل رجل من قومه ألف درهم.
    وفي العقد الفريد 2 : 261 ، والمعارف لابن قتيبة ص 84 ، وفي شرح ابن أبي الحديد 1 : 66 : إنه أعطى عبد الله أربعمائة ألف درهم.
    قال أبو مخنف : كان على بيت مال عثمان عبد الله بن الأرقم فاستسلف عثمان من بيت المال مائة ألف درهم وكتب عليه بها عبد الله بن الأرقم ذكر حق للمسلمين وأشهد عليه عليا وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ، فلما حل الأجل رده عثمان ثم قدم عليه عبد الله بن خالد بن أسيد من مكة وناس معه غزاة فأمر لعبد الله بثلاثمائة ألف درهم ولكل رجل من القوم بمائة ألف درهم ، وصك بذلك إلى ابن أرقم فاستكثره ورد الصك له.
    ويقال : إنه سأل عثمان أن يكتب عليه به ذكر حق فأبى ذلك فامتنع ابن الأرقم من أن يدفع المال إلى الأرقم ، فقال له عثمان : إنما أنت خازن لنا فما


(277)
حملك على ما فعلت ؟ فقال ابن الأرقم : كنت أراني خازنا للمسلمين وإنما خازنك غلامك والله لا ألي لك بيت المال أبدا.
    وجاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر ، ويقال : بل ألقاها إلى عثمان فدفعها عثمان إلى ناتل مولاه ، ثم ولى زيد بن ثابت الأنصاري بيت المال وأعطاه المفاتيح.
    ويقال : إنه ولي ببيت المال معيقيب بن أبي فاطمة ، وبعث إلى عبد الله بن الأرقم ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبلها ( أنساب البلاذري 5 : 58 ).
    وذكر أبو عمر في ( الاستيعاب ) وابن حجر في ( الإصابة ) حديث عبد الله بن أرقم في ترجمته ورده ما بعث إليه عثمان من ثلاثمائة ألف.
    وفي رواية الواقدي : قال عبد الله : مالي إليه حاجة وما عملت لأن يثيبني عثمان والله لئن كان هذا من مال المسلمين ما بلغ قدر عملي أن أعطى ثلاثمائة ألف درهم ، ولئن كان من مال عثمان ما أحب أن آخذ من ماله شيئا.
    وقال اليعقوبي في تاريخه 2 : 145 : زوج عثمان ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد و أمر له بستمائة ألف درهم ، وكتب إلى عبد الله بن عامر أن يدفعها إليه من بيت مال البضرة.
    قال الأميني : أنا لا أدري هل قررت الشريعة لبيت مال المسلمين حسابا وعددا ؟ أو أنها أمرت أن يكال ويوزن لأي أحد بغير حساب ؟ إذن فمن ذا الذي أمرته بالقسمة على السوية ، والعدل في الرعية ؟ لقد بلغ الفوضى في الأموال على عهد هذا الخليفة حدا لم يسطع معه أمناءه على بيت المال أن تستمروا على عملهم ، فكانوا يلقون مفاتيحه إليه لما كانوا يجدونه من عدم تمكنهم من الجري على النواميس المطردة في الأموال الثابتة في السنة الشريفة ، ولا على ما مضى الأولان عليه من الحصول على مرضاة العامة في تقسيمها ، فرأوا التنصل من هذه الوظيفة أهون عليهم من تحمل تبعاتها الوبيلة وقد ناقشوا الحساب فلم يجدوا لعبد الله بن خالد أي جدارة للتخصص بهذه الكميات فهو لو عد في عداد غيرهم لم يحظ بغير عطاءه زنة أعطيات المسلمين ، لكن صهر الخلافة والاتصال بالنسب الأموي لعلهما يبرران ما هو فوق الناموس المالي المطرد في الشريعة.

ـ 37 ـ
عطية الخليفة أبا سفيان
    7 ـ أعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ! قاله ابن أبي الحديد في الشرح 1 : 67 ،


(278)
    قال الأميني : لا أرى لأبي سفيان المستحق للمنع عن كل خير أي موجب لذلك العطاء الجزل من بيت مال المسلمين وهو كما في ( الاستيعاب ) لأبي عمر عن طائفة : كان كهفا للمنافقين منذ أسلم وكان في الجاهلية ينسب إلى الزندقة.
    قال الزبير يوم اليرموك لما حدثه ابنه أن أبا سفيان كان يقول : إيه بني الأصفر : قاتله الله يأبى إلا نفاقا أو لسنا خيرا له من بني الأصفر ؟.
    وقال له علي عليه السلام : ما زلت عدوا للاسلام وأهله.
    ومن طريق ابن المبارك عن الحسن : إن أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال : صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني أمية فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة ولا نار.
    فصاح به عثمان : قم عني فعل الله بك وفعل ( الاستيعاب ) 2 : 690.
    وفي تاريخ الطبري 11 ص 357 : يا بني عبد مناف ! تلقفوها تلقف الكرة ، فما هناك جنة ولا نار.
    وفي لفظ المسعودي : يا بني أمية ! تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة. ( مروج الذهب 1 : 440 ).
    [ وأخرج ابن عساكر في تاريخه 6 : 407 عن أنس : إن أبا سفيان دخل على عثمان بعد ما عمي فقال : هل هنا أحد ؟ فقالوا : لا.
    فقال : اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية ، والملك ملك غاصبية ، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية ].
    وقال ابن حجر : كان رأس المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب ، وقال ابن سعد في إسلامه : لما رأى الناس يطؤن عقب رسول الله حسده فقال في نفسه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل.
    فضرب رسول الله في صدره ثم قال : إذا يخزيك الله : وفي رواية : قال في نفسه : ما أدري لم يغلبنا محمد ؟ فضرب في ظهره وقال : بالله يغلبك. الإصابة 2 : 179.
    وإن سألت مولانا أمير المؤمنين عن الرجل فعلى الخبير سقطت قال في حديث له : معاوية طليق ابن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل لله عزوجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الاسلام كارهين (1).
    وحسبك ما في كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان من قوله : يا ابن صخر يا ابن
1 ـ تاريخ الطبري 6 : 4.

(279)
اللعين (1) ولعله عليه السلام يوعز بقوله هذا إلى ما رويناه من إن رسول الله صلى الله عليه وآله لعنه وابنيه معاوية ويزيد لما رآه راكبا وأحد الولدين يقود والآخر يسوق فقال : اللهم اللعن الراكب والقائد والسائق (2).
    وذكر ابن أبي الحديد في الشرح 4 : 220 من كتاب للإمام عليه السلام كتبه إلى معاوية قوله : فلقد سلكت طرائق أبي سفيان أبيك وعتبة جدك وأمثالهما من أهلك ذوي الكفر والشقاق والأباطيل.
    ويعرفك أبا سفيان قول أبي ذر لمعاوية لما قال له ( يا عدو الله وعدو رسوله ) : ما أنا بعدو لله ولا لرسوله بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله ، أظهرتما الاسلام و أبطنتما الكفر.
    إلى آخر ما يأتي في البحث عن مواقف أبي ذر مع عثمان.
    هذا حال الرجل يوم كفره وإسلامه ولم يغير ما هو عليه حتى لفظ نفسه الأخير فهل له في أموال المسلمين قطمير أو نقير فضلا عن الآلاف ؟ لولا أن النسب الأموي برر الخليفة أن يخصه بمنائحه الجمة من مال الناس ، وافق السنة أم خالفها.

ـ 38 ـ
عطاء الخليفة من غنائم افريقية
    أعطى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاعة الخمس من غنائم افريقية في غزوها الأول كما مر في صفحة 259 وقال ابن كثير : أعطاه خمس الخمس.
    وكان مائة ألف دينار على ما ذكره أبو الفدا من تقدير ذلك الخمس بخمسمائة ألف دينار.
    و كان حظ الفارس من تلك الغنيمة العظيمة ثلاثة آلاف ، ونصيب الراجل ألف كما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 3 : 173 ، وابن كثير في تاريخه 7 ، 152.
    وقال ابن أبي الحديد في شرحه 1 : 67 : أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح افريقية بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة ، من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين.
    وقال البلاذري في الأنساب 5 ، 26 : كان ( عثمان ) كثيرا ما يولي من بني أمية
1 ـ شرح ابن أبي الحديد 3 : 411 ، و ج 4 : 51.
2 ـ راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث صفحة 222 ط 1 ، و 252 ط 2.


(280)
من لم يكن له مع النبي صلى الله عليه وآله صحبة فكان يجئ من امرأته ما ينكره أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم ، فلما كان في الست الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وولى عبد الله بن أبي سرح مصر ، فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه و يتظلمون منه ( إلى أن قال : ) فلما جاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح كتب إليه كتابا يتهدده فيه فأبى أن ينزع عما نهاه عثمان عنه ، وضرب بعض من كان شكاه إلى عثمان من أهل مصر حتى قتله ، فخرج من أهل مصر سبع مائة إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع بهم ابن أبي سرح في مواقيت الصلاة إلى أصحاب محمد ، فقام طلحة إلى عثمان فكلمه بكلام شديد ، وأرسلت إليه عائشة رضي الله عنها تسأله أن ينصفهم من عامله ، ودخل عليه علي بن أبي طالب وكان متكلم القوم فقال له : إنما يسئلك القوم رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله دما فاعزله عنهم واقض بينهم ، فإن وجب عليه حق فأنصفهم منه.
    فقال لهم : اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه.
    فأشار الناس عليهم بمحمد بن أبي بكر الصديق فقالوا : استعمل علينا محمد بن أبي بكر فكتب عهده على مصر ووجه معهم عدة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح.
    وسيأتي تمام الخبر وكتاب عثمان إلى ابن أبي سرح يأمره بالتنكيل بالقوم.
    قال الأميني : ابن أبي سرح هذا هو الذي أسلم قبل الفتح وهاجر ثم ارتد مشركا وصار إلى قريش بمكة فقال لهم : إني أضرب محمدا حيث أريد.
    فلما كان يوم الفتح أمر صلى الله عليه وآله بقتله وأباح دمه ولو وجد تحت أستار الكعبة ، ففر إلى عثمان فغيبه حتى أتى به رسول الله بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وآله طويلا ثم قال : نعم فلما انصرف عثمان قال صلى الله عليه وآله لمن حوله : ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه وقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ فقال : إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين (1).
    ونزل القرآن بكفره في قوله تعالى : ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال
1 ـ سنن أبي داود 2 : 220 ، أنساب البلاذري 5. 49 ، مستدرك الحاكم 3 : 100 ، الاستيعاب 1 : 381 ، تفسير القرطبي 7 : 40 ، أسد الغابة 3 : 173 ، الإصابة 2 : 317 ، تفسير الشوكاني 2 : 134.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس