الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 341 ـ 350
(341)
    وقوله تعالى : قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقون مما رزقناهم سرا وعلانية. ( إبراهيم 31 ).
    وقوله تعالى : الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. ( البقرة 3 ).
    وقوله تعالى : الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. ( الأنفال 3 ).
    وقوله تعالى : والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. ( الحج 35 ).
    وقوله تعالى : ويدرأون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ( السجدة 16 ).
    وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناهم ( البقرة 254 ).
    وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ( البقرة 267 ).
    وقوله تعالى : وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت ( المنافقون 10 ).
    على إن غير واحد من تلكم الآيات تومي إلى الانفاق المندوب كما نص عليه علماء التفسير وحفاظ الحديث ، ومع ذلك لم يدعها سبحانه على ما يتوهم منها من جمعها المضاف حتى جعل لها حدا بقوله عزوجل : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. ( الاسراء 29 ).
    وقوله تعالى : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. ( الفرقان 67 ).
    أترى أن أبا ذر سلام الله عليه عزب عنه كل هذه الآيات الكريمة والأصول المسلمة ، أو كان له رأي خاص في تأويلها تجاه الحقائق الراهنة ؟ حتى جاء بعد لأي من عمر الدنيا رعرعة تجشأهم الدهر فقائهم وقفوا على تلكم الكنوز المخبأة.
    ولو كان لأبي ذر أدنى شذوذ عن الطريقة المثلى في حكم إلهي ، شذوذا يخل بنظام المجتمع ويقلق السلام والوئام ، وتكثر حوله القلاقل ، وفيه إنارة العواطف و الاخلال بالأمن أو التزحزح عن مبادئ الاسلام ؟ لكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أول من يردعه ويحبسه عن قصده السيئ وأبو ذر أطوع له من الظل لديه ؟ لكنه عليه السلام بدلا عن ذلك يقول : غضبت لله فارج من غضبت له.
    ويقول : والله ما أردت تشييع أبي ذر إلا لله.
    ويقول لعثمان : إتق الله فإنك سيرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك.
    وأمير المؤمنين من تعرفه بتنمره في ذات الله لا تأخذه في الله لومة لائم ، وهو مع الحق


(342)
والحق معه في كل ما يقول ويفعل.
    وهل ترى ؟ أن رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه كان يعلم أن أبا ذر سوف ينوء في أخرياته بدعوة باطلة كهذه طفق ينوه به ، ويعرفه بني الملأ بصفات فاضلة تكبر مقامه ، وتعظم مكانته عند الجامعة ، وتمكنه من القلوب الصالحة ويول عمر له صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسول الله ! فتعرف ذلك له ؟ فيقول صلى الله عليه وآله : نعم فاعرفوه له ؟ فيكون صلى الله عليه وآله مؤيدا له على عيثه ، ومؤسسا لباطله ، ومعرفا لضلاله ؟ حاشا رسول العظمة من مثل ذلك.
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم
قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ، إذ تلقونه بألسنتكم
وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ، ما لهم به من
علم ولا لآبائهم ، إن يتبعون إلا الظن
وإن هم إلا يخرصون


(343)
أبو ذر والاشتراكية
    لقد عرفت كل ما في كنانة الأولين من نبال مرشوقة إلى العبد الصالح شبيه عيسى في أمة محمد صلى الله عليه وآله فهلم هاهنا إلى رجرجة الآخرين من مقلدة الدور الأخير الخابطين خبط عشواء ، الذين رموا أبا ذر وأجله بالاشتراكية تارة وبالشيوعية أخرى.
    هل أحاط علما هؤلاء الأغرار بمبادئ الشيوعية التعيشة ، ومواد الاشتراك الذي هو بمقربة من رديفته المبغوضة ؟ وهل أتيح لهم عرفان مغازي أبي ذر المصلح العظيم فيما قال ودعا إليه ؟ حتى طفقوا يوفقوا بين المبدأين.
    لا أحسب إنهم عرفوا شيئا من تلكم المغازي وإنهم في ظني الغالب بهم شيوعية خونة يديفون السم في الدسم ، ويسرون حسوا في ارتغاء ، إتخذوا ما قالوه بل تقولوه أكبر دعاية إلى تلكم المبادئ الهدامة لأسس المدنية والحضارة ، المضادة لناموس الطبيعة ، فضلا عن حدود الاسلام ، بجعل مثل أبي ذر العظيم شيوعيا أو اشتراكيا ، وقد صافقه على ما هتف به ونقم على من ناوءه وآذاه من القوم جل الصحابة إن لم نقل كلهم ممن يعبأ به وبرأيه ، واستاءوا لما نكب به من جراء ذلك الهتاف وفي مقدمهم مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وإبناه الإمامان إن قاما وإن قعدا ، وعمار الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله : إن عمارا مع الحق والحق معه يدور عمار مع الحق أينما دار (1) إلى كثيرين وافقوا هؤلاء على النقمة والاستياء ، فلم يكن أبو ذر شاذا في رأيه ، ولا أنهي إلينا إنه خالفه أحد من الصحابة فدونك صحايف التاريخ وزبر الحديث.
    نعم : خالفه الذين يريدون أن يخضموا مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، وكانوا يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون منها ما يجب عليهم إنفاقه ، ويحرمون الأمة عن إعطياتهم وما ينمو منها ، ويريدون للضعفاء أن يرزحوا تحت نير الاضهاد ، ويرسفوا
1 ـ سيوافيك في محله في الجزء التاسع بإذن الله تعالى.

(344)
في قيود الفاقة والضعة ، خاضعين لهم مستعبدين ، وللقوم من أموالهم قصور مشيدة ونمارق مصفوفة ، وزرابي مبثوثة ، يأكلون فيها مال الله أكلا لما ، ويحبون احتكاره حبا جما.
    نعم : خالفه أولئك الذين عرفهم يزيد بن قيس الأرحبي يوم صفين بقوله من خطبة له : يحدث أحدهم في مجلسه بذيت وذيت ، ويأخذ مال الله ، ويقول : لا إثم علي فيه ، كأنما أعطي تراثه من أبيه ، كيف ؟ إنما هو مال الله أفاءه علينا بأسيافنا ورماحنا قاتلوا.
    عباد الله ! القوم الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل الله ولا تأخذكم فيهم لومة لائم ، إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم ، وهم من قد عرفتم وجربتم (1) فأي إنسان يبلغه إن العظماء الذين نوهنا بذكرهم وهم أهل الفضائل والعلوم اعتنقوا مبدءا لا يروقه أن يقتص أثرهم ؟ وهو لا يعلم أن ذلك العزو المختلق تقولوه دعاية إلى ضلالهم وترويجا لباطلهم وسترا على عوارهم.
    دع ذلك كله وهلم معي إلى النظر في مبادئ الشيوعية والفرق الاشتراكيين ، إن القوم على تعدد فرقهم إلى الاشتراكية ( الديمقراطية ) والاشتراكية ( الوطنية النازية ) والشيوعية ، والماركسية ( اشتراكية رأس المال ) وبالرغم من تباينهم الكثير في شتى النواحي لا يختلفون في مواد ثلاثة تجمع شملهم المبدد ( بدد الله شملهم ).
    1 ـ تقويض النظام الحالي ، وتشييد نظام جديد على أنقاضه يضمن توزيع الثروة توزيعا عادلا بين الأفراد.
    2 ـ إلغاء الملكية الخاصة ( ثروات الانتاج ) كراس المال ، والأرض ، والمصانع على أن تستولي الدولة على هذه الملكيات جميعها ، وتجعلها ملكية عامة تديرها للمصلحة العامة.
    3 ـ يشتغل الأفراد لحساب الدولة بأجور تعطى لهم بالتساوي ، على أساس قيمة العمل الذي ينتجه كل منهم ، وتبعا لذلك لا يكون هناك دخل للأفراد سوى الأجور.
    وتنفرد الشيوعية عن بقية الاشتراكيين بأمرين : أحدهما إلغاء الملكية الخاصة إلغاء نهائيا من غير فرق بين ( ثروات الانتاج وثروات الاستهلاك ).
1 ـ تاريخ الطبري 6 : 10 ، كامل ابن الأثير 3 : 128 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 485.

(345)
    وثانيهما : توزيعها المال بين الأفراد لكل على حسب حاجته ، ويستخدم من كل على حسب قدرته ، فيكلف العامل بالعمل على قدر استطاعته ، ويدر عليه المعاش بما يسد حاجته.
    فعلينا هاهنا أن نعيد ذكر ما هتف به أبو ذر في شتى مواقفه ، وما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في باب الأموال ، وما قال في حقه عظماء الصحابة في الاطراء له والدفاع عنه بعد هتافه بما هتف ، وما يؤثر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من الثناء الجميل وعهده إليه بما ينتابه من النكبات فنظر إليها نظرة مستشف للحقيقة فنرى هل ينطبق شيء منها على مواد ( الشيوعية والاشتراكية ) ؟ أو ينحسر عنه ذلك الإفك المفترى داحرا إلى حضيض البهت والافتراء ؟.
    إن من قول أبي ذر لعثمان : ويحك يا عثمان ! أما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت أبا بكر وعمر ؟ هل رأيت هذا هديهم ؟ إنك لتبطش بي بطش الجبار.
    ومن قوله له أيضا : إتبع سنة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام.
    قال عثمان : مالك وذلك ؟ لا أم لك.
    قال أبو ذر : والله ما وجدت لي عذرا إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    تجد أبا ذر هاهنا يلفت نظر عثمان إلى عهد الرسالة ثم إلى عهد الشيخين ويدعوه إلى اتباع تلكم السير ، ومن جلية الحال عند هاتيك الأدوار الثلاثة إطراد الملكية الخاصة ، ووجود أهل اليسار من الملاكين ، والتجار ، وحريتهم في ثروتي الانتاج والاستهلاك ، واختصاص كل مالية من نقود أو عقار أو ضياع أو مصانع أو أطعمة بأربابها ومن النواميس المسلمة عند نبي الاسلام صلى الله عليه وآله إنه لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه (1) وفي الذكر الحكيم : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض ، فتجده يعزو الأموال إلى أربابها ويحرم أكلها بالباطل إلا أن تستباح بتجارة شرعية تستتبع رضا المالك الخاص ، وهناك آيات كريمة كثيرة تربو على خمسين آية لم يعدها عزو الأموال إلى مالكيها تقدم شطر منها في صفحة 340.
    فأبو ذر في هذا الموقف يدعو إلى ضد الدعوة الاشتراكية الملغية للملكية
1 ـ مر الحديث ص 129.

(346)
الخاصة ، ويرى مخالفة ذلك من المنكر الذي يجب النهي عنه ، فلم يردعه عما مضى فيه قول عثمان : مالك وذلك ؟ لا أم لك.
    ومن قوله لمعاوية لما بنى الخضراء ، إن كانت هذه الدار من مال الله ؟ فهي الخيانة وإن كانت من مالك ؟ فهذا الإسراف فأبو ذر هاهنا يجوز أن يكون المال مقسوما إلى مال الله وإلى ما يخص للانسان نفسه ، فيرتب على الأول الخيانة ، وعلى الثاني السرف ، ولم ينقم على معاوية نفس تصرفه في المال وإنما نقم عليه أحد الأمرين الخيانة أو الإسراف ، ولو كان ملغيا للملكية لكان الواجب عليه أن ينتقد منه أصل تصرفه في تلكم الأموال.
    وتراه يسمي مال المسلمين من الفئ والصدقات والغنائم مال الله ، وقد روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا لعثمان حيث قال له : أشهد إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إذا بلغ بنوا أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباده خولا ، ودينه دخلا وصدقه في حديثه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
    وهذه التسمية لم تكن قصرا على عهد أبي ذر ومعاوية وإنما كانت دارة قبله وبعده ، هذا عمر بن الخطاب وقوله لأبي هريرة لما قدم من البحرين : يا عدو الله وعدو كتابه ! أسرقت مال الله ؟ قال : لست بعدو الله ولا بعدو كتابه ، ولكني عدو من عاداهما ولم أسرق مال الله (1).
    وقال الأحنف بن قيس : كنا جلوسا بباب عمر فخرجت جارية فقلنا : هذه سرية عمر فقالت : إنها ليست بسرية عمر إنها لا تحل لعمر ، إنها من مال الله.
    قال : فتذاكرنا بيننا ما يحل له من مال الله قال : فرقي ذلك إليه فأرسل إلينا فقال : ما كنتم تذاكرون ؟ فقلنا : خرجت علينا جارية فقلنا : هذه سرية عمر.
    فقالت : إنها ليست بسرية عمر إنها لا تحل لعمر ، إنها من مال الله ؟ فتذاكرنا بيننا ما يحل لك من مال الله.
    فقال : ألا أخبركم بما استحل من مال الله ؟ حلتين حلة الشتاء والقيظ (2).
    وقال عمر : لا يترخصن أحدكم في البرذعة أو الحبل أو القتب فإن ذلك للمسلمين
1 ـ الأموال لأبي عبيد ص 269 ، راجع ما أسلفناه في ج 6 ص 254 ط 1 و 271 ط 2.
2 ـ الأموال لأبي عبيد ص 268.


(347)
ليس أحد منهم إلا وله فيه نصيب ، فإن كان لانسان واحد ؟ رآه عظيما ، وإن كان لجماعة المسلمين ؟ إرتخص فيه وقال : مال الله (1).
    ومن قوله في حديث : البلاد بلاد الله ، وتحمى لنعم مال الله ، يحمل عليها في سبيل الله (2).
    وفي حديث من قوله : المال مال الله ، والعباد عباد الله ، والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرا في شبر (3).
    وكان عمر كلما مر بخالد قال : يا خالد ! أخرج مال الله من تحت إستك (4).
    وهذا مولانا أمير المؤمنين يقول في خطبته الشقشقية (5) : إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع.
    وفي خطبة له عليه السلام : لو كان المال لي لسويت بينهم ، فكيف ؟ والمال مال الله ، ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف (6).
    ومن كتاب له إلى عامله بآذربيجان : ليس لك أن تقتات في رعية ، ولا تخاطر إلا بوثيقة ، وفي يديك مال من مال الله عزوجل وأنت من خزانه (7).
    ومن كتاب له إلى أهل مصر : ولكنني آسي أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا ، والصالحين حربا ، والفاسقين حزبا (8) ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس : وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة (9).
    وروي أنه عليه السلام رفع إليه رجلان سرقا من مال الله أحدهما عبد من مال الله والآخر
1 ـ الأموال لأبي عبيد س 268.
2 و 3 ـ الأموال لأبي عبيد ص 299.
4 ـ راجع ما أسلفناه في الجزء السادس ص 257 ط 1 و 274 ط 2.
5 ـ أسلفنا مصادرها في الجزء السابع ص 8782.
6 ـ نهج البلاغة 1 : 242.
7 ـ نهج البلاغة 2 : 6 ، العقد الفريد : 2 : 283.
8 ـ نهج البلاغة 2 : 120.
9 ـ نهج البلاغة 2 : 128.


(348)
من عروض الناس. فقال عليه السلام : أما هذا فهو من مال الله ولا حد عليه ، مال الله أكل بعضه بعضا.
    الحديث ( نهج البلاغة 2 : 202 ).
    كما أن التسمية بمال المسلمين أيضا كان مطردا قبل هذا العهد وبعده ، قال عمر ابن الخطاب لعبد الله بن الأرقم : أقسم بيت مال المسلمين في كل شهر مرة ، أقسم مال المسلمين في كل جمعة مرة.
    ثم قال : أقسم بيت المال في كل يوم مرة.
    قال : فقال رجل من القوم : يا أمير المؤمنين ! لو أبقيت في مال المسلمين بقية تعدها لنائبة. سنن البيهقي 6 : 357.
    وقال عمر في خالد لما أعطى الأشعث بن قيس عشرة آلاف : إن كان دفعها من ماله ؟ فهو سرف ، وإن كان من مال المسلمين ؟ فهي خيانة. الغدير 6 : 274 ط 2.
    وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له في ذكر أصحاب الجمل : فقدموا على عاملي بها وخزان بيت المسلمين وغيرهم من أهلها. ونهج البلاغة 1 : 320.
    وقال لعبد الله بن زمعة : إن هذا المال ليس لي ولا لك وإنما هو فئ للمسلمين نهج البلاغة 1 : 461.
    ومن كتاب له إلى زياد بن أبيه : وإني أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني إنك خنت من فئ المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة. نهج البلاغة 2 : 19.
    وفي كتاب لعبد الحميد بن عبد الرحمن إلى عمر بن عبد العزيز : إني قد أخرجت للناس أعطياتهم وقد بقي في بيت المال مال.
    فكتب إليه : انظر كل من أدان في غير سفه ولا سرف فاقض عنه.
    فكتب إليه : إني قد قضيت عنهم وبقي في بيت مال المسلمين مال فكتب إليه : أن انظر كل بكر ليس له مال فشاء أن تزوجه وأصدق عنه.
    فكتب إليه : إني قد زوجت كل من وجدت وقد بقي في بيت مال المسلمين مال. ( الأموال لأبي عبيد ص 251 ).
    ولكل من التسميتين وجه معقول ، أما التسمية بمال الله فلأنه لله سبحانه و هو الآمر بإخراجه ومعين النصب ، ومبين الكميات المخرجة ، ومشخص المصارف و المستحقين ، وأما التسمية بمال المسلمين فلأنهم المصرف والمدر له ، فلا غضاضه على أبي ذر لو سماه بأي من الاسمين ، ولا يعرب أي منهما عن مبدء سوء.


(349)
    وما رواه الطبري في تاريخه 5 : 66 من طريق عرفناك رجاله في ص 337333 وإنه باطل لا يعول عليه من إنه لما ورد ابن السوداء (1) الشام لقي أبا ذر فقال : يا أبا ذر ! ألا تعجب إلى معاوية يقول : المال مال الله ، ألا إن كل شئ لله ؟ كأنه يريد أن يحتجنه دون المسلمين ويمحو اسم المسلمين.
    فأتاه أبو ذر فقال : ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله : قال : يرحمك الله يا أبا ذر ! ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره ؟ قال : فلا تقله.
    قال : فإني لا أقول : إنه ليس لله ولكن سأقول : مال المسلمين.
    فهذا بعد الغض عن إسناده الباطل ومتنه الركيك وبعد الاغضاء عن أن مثل أبي ذر الذي هو من أوعية العلم وعلب الفضائل وحملة الرأي السديد ليس بالذي يحركه ابن السوداء اليهودي فيعيره أذنا واعية ثم يمضي لما ألقاه عليه من التلبيس فيخبط الجو ويعكر الصفو.
    فقصارى ما فيه إن أبا ذر وجد معاوية متدرعا بهذه التسمية إلى الحيف في أموال المسلمين والتقلب فيها على حسب الميول والشهوات بإيهام إن المال مال الله فهو مباح لعبيده يتصرف كل منهم فيه كيف شاء ويتملك منه ما شاء كالمباحات الأصلية ، فأراد أبو ذر أن يدحر حجته الداحضة ورأيه الضئيل بأن المال للمسلمين كافة بأمر من مالكه الأصلي جلت آلائه فليس لأحد أن يستبد بشيء منه دونهم ، ويستغله بحرمانهم واكتناز الذهب والفضة ، وفيهم أمس الحاجة إلى مقدراتهم.
    ويعرب عن رأي معاوية ما جرى بينه وبين صعصعة بن صوحان ، رواه المسعودي في مروج الذهب 2 : 79 من طريق إبراهيم بن عقيل البصري قال : قال معاوية يوما وعنده صعصعة وكان قدم عليه بكتاب علي وعنده وجوه الناس : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركت منه كان جائزا لي ، فقال صعصعة :
تمنيك نفسك ما لا يكو ن جهلا معاوي ! لا تأثم
    فهذا الحوار بين أبي ذر ومعاوية في منتأى عن إثبات المالكية ونفيها ، وليس فيه إلى المبدأ الاشتراكي أي طرف رامق ، وتعرف عن رأي معاوية خطبة الأرحبي المذكورة ص 344.
1 ـ يعني عبد الله بن سبأ اليهودي الممقوت لكافة فرق المسلمين خصوصا الشيعة منهم فإنه محكوم عليه عندهم بالكفر وقد نقم عليه وعلى أصحابه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لإلحادهم.

(350)
    ومن كلمات أبي ذر قوله لمعاوية لما بعث إليه بثلاثمائة دينار : إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها ، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها.
    فإنك تشهد هاهنا أبا ذر يقسم المال إلى العطاء المفترض الذي منع منه عامه ذلك ( لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ) وإلى المال المملوك الذي يخرج منه الصلة بطوع من صاحبه ورغبة ، فإن الصلة من المروءات وهي لا تكون إلا من خالص مال الرجل ، ومن غير الحقوق الإلهية ، ومن غير الأموال المسروقة ، فأين هو عن إلغاء الملكية الذي هو الحجر الأساسي للاشتراكيين ؟ على أنه ليس عندهم صلة ولا غيرها من حقوق الانسانية وإنما هي عندهم أجور على قيم أعمال الرعية.

رواياته في الأموال
    وأما ما رواه أبو ذر في باب الأموال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينادي بما لا يلائم الاشتراكية قط وإليك جملة منه :
    1 ـ ما من مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله عزوجل إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده. قلت : وكيف ذلك ؟ قال صلى الله عليه وآله : إن كانت رجالا فرجلين ، وإن كانت إبلا فبعيرين ، وإن كانت بقرا فبقرتين. وفي لفظ : من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة (1).
    ففيه إثبات المال لكل إنسان بالرغم من المبدأ الاشتراكي ، والترغيب بالتطوع بالانفاق في سبيل الله من كل نوع زوجين.
    2 ـ في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البر صدقته.
    3 ـ ما من رجل يموت فيترك غنما أو إبلا أو بقرا لم يؤد زكاته إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمن حتى تطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها.
    وفي لفظ : ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة الحديث (2).
1 ـ أخرجه أحمد في مسنده 5 : 151 ، 153 ، 159 ، 164.
2 ـ مسند أحمد 5 : 152 ، 158 ، 169 ، 179 ، الأموال لأبي عبيد ص 355 ، سنن ابن ماجة 1 : 544.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس