الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 351 ـ 360
(351)
    فهي تثبت المالية وإنه لا فريضة على الانسان في ماله غير الزكاة ، وهي من بعضها وإن الباقي لصاحبه ، رضي الاشتراكي أو غضب.
    وأما ما وقع له مع كعب الأحبار في مشهد عثمان وهو من عمدة ما تشبث به المتحاملون على أبي ذر وقاذفوه مما أخرجه الطبري بإسناده الواهي عن السري الكذاب الوضاع ، عن شعيب المجهول الذي لا بعرف ، عن سيف بن عمر الوضاع المتهم بالزندقة الذين عرفت حالهم في صفحة 327326 من طريق ابن عباس قال : كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الإعرابية وكان يحب الوحدة والخلوة فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار فقال لعثمان : لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف ، وقد ينبغي لمؤدي الزكاة أن لا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان ويصل القرابات فقال كعب : من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه.
    فرفع أبو ذر محجنه فضربه فشجه فاستوهبه عثمان فوهبه له وقال : يا أبا ذر ! إتق الله واكفف يدك ولسانك.
    وقد كان قال له : يا ابن اليهودية ما أنت وما هاهنا ؟ والله لتسمعن مني أو لأدخل عليك (1).
    ومر ص 295 في لفظ المسعودي : إن أبا ذر حضر مجلس عثمان ذات يوم فقال عثمان : أرأيتم من زكى ماله هل فيه حق لغيره ؟ فقال كعب : لا يا أمير المؤمنين ! فدفع أبو ذر في صدر كعب وقال له : كذبت يا ابن اليهودي ثم تلا : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا. الآية (2) فقال عثمان : أترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا ونعطيكموه ؟ فقال كعب : لا باس بذل.
    فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال : يا ابن اليهودي ! ما أجرأك على القول في ديننا ؟ فقال له عثمان : ما أكثر أذاك لي ؟ غيب وجهك عني فقد آذيتني فخرج أبو ذر إلى الشام (3)
1 ـ تاريخ الطبري 5 : 67.
2 ـ سورة البقرة : 177.
3 ـ هذه القضية كما ترى وقعت قبل إخراج أبي ذر إلى الشام وهي السبب الوحيد في نفيه إليها فهذا اللفظ يكذب ما في رواية الطبري من أن أبا ذر كان يختلف من الربذة إلى المدينة .. الخ.
ولم يختلف اثنان في أن أبا ذر في مدة نفيه إلى الربذة لم يأت قط إلى المدينة كما مر في ص 333.


(352)
    فإنما دعا أبو ذر في هذه الواقعة إلى العطاء المندوب المدلول عليه بقوله : ( ينبغي ) الوارد في رواية الطبري ، وبالآية الكريمة الواردة في حديث المسعودي ، وهو من واجبات البشرية وفروض الانسانية التي ضيعتها الشيوعية الممقوتة ، و الأحاديث المرغبة لكل مما ذكر أبو ذر أكثر من أن تحصى.
    جاء من طريق فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال : إن في المال حقا سوى الزكاة ثم قرأ : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر.
    الآية المذكورة.
    وروى بيان وإسماعيل هذا الحديث عن الشعبي.
    أخرجه ابن أبي حاتم والترمذي وابن ماجة وابن عدي وابن مردويه والدار قطني وابن جرير وابن المنذر.
    راجع سنن البيهقي 4 : 84 ، أحكام القرآن للجصاص 1 : 153 ، تفسير القرطبي 2 : 223 ، تفسير أين كثير 1 : 208 ، شرح سنن ابن ماجة 1 : 546 تفسير الشوكاني 1 : 151 ، تفسير الآلوسي 472.
    وأخرج البخاري في الصحيح في كتاب الزكاة 3 : 29 من طريق أنس قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء (1) وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس : فلما أنزلت هذه الآية : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ! إن الله تبارك وتعالى يقول : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.
    وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله ! حيث أراك الله قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : بخ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ! فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
    وأخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي مختصرا.
    وأخرج أبو عبيد في الأموال ص 358 من طريق ابن جريج قال : سال المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وآله : ماذا ينفقون ؟ فنزلت : يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين
1 ـ بيرحاء. بفتح الموحدة والراء المهملة : موضع بقرب المسجد بالمدينة يعرف بقصر بنى جديلة.

(353)
والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل. قال : فتلك التطوع والزكاة سوى ذلك.
    وقال أبو عبيد في الأموال ص 358 : إن هذا مذهب ابن عمر وأبي هريرة ، وأصحاب رسول الله أعلم بتأويل القرآن وأولى بالاتباع ، ومذهب طاوس والشعبي إن في المال حقوقا سوى الزكاة مثل بر الوالدين ، وصلة الرحم ، وقرى الضيف ، مع ما جاء في المواشي من الحقوق.
    وفي الأموال ص 358 من طريق أبي حمزة قال : قلت للشعبي : إذا أديت زكاة مالي ؟ قال : فقرأ علي هذه الآية : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر.
    إلى آخر الآية المذكورة.
    فنداء أبي ذر في موقفه هذا نداء القرآن الكريم ونداء المشرع الأعظم ونداء تابعيهما من الصحابة والتابعين ، ولا يرد ذلك إلا مثل كعب الأحبار الذي هو حديث عهد باليهودية ، وقد اعتنق الاسلام أمس ، على حين إنه لم يسلم طيلة عهد النبوة وإنما سالم على عهد عمر ، ولا أدري هل حدته إلى ذلك الحقيقة ؟ أو الفرق من بطش المسلمين وشوكتهم ؟ أو الطمع في العطاء الجاري ؟ ولا أدري أيضا إنه في مدة إسلامه القصيرة هل أحاط خبرا بنواميس الاسلام وفروضه وسننه أو لا ؟ ولا أحسب.
    كما أوعز إليه أبو ذر الناظر إليه من كثب حيث قال له : يا ابن اليهودية ما أنت وما هاهنا ؟ وكان من حقه أن يؤدب بالمحجن كما فعله سيد غفار ساء الخليفة أم سره لأنه لم يكن أهلا للفتيا فأفتى تجاه عالم من علماء الصحابة الذي ملأ إهابه العلم بالكتاب والسنة ، و حشو ردائه الفروض والسنن ، ولا يفرغ إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق وأوفى من أبي ذر.
    الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون بينهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. ( التوبة 79).
    وإثبات العطاء مندوبا ومفترضا فرع إثبات المالية للأشخاص ، ولا تتفق معه الشيوعية بحال ، وأين يقع أبو ذر منها ؟.
    4 ـ ثلاثة يبغضهم الله : الشيخ الزاني ، والفقير المختال ، والغني الظلوم.
    وفي لفظ : إن الله يبغض الشيخ الزاني ، والفقير المختال ، والمكثر البخيل.


(354)
    وفي لفظ : إن الله لا يحب كل مختال فخور ، والبخيل المنان ، والتاجر الحلاف (1).
    في هذه الروايات ذكر لاختلاف طبقات الناس وحدودهم بما يملكون ، فقير وغني ومكثر وتاجر الذي تقوم تجارته برأس ماله ، والاشتراكي يرى إن الناس شرع سواء بالنسبة إلى الأموال.
    5 ـ قلت : يا رسول الله ! ذهب الأغنياء بالار يصلون ويصومون ويحجون قال : وأنتم تصلون وتصومون وتحجون. قلت : يتصدقون ولا نتصدق.
    قال : وأنت فيك صدقة : رفعك العظم عن الطريق صدقة ، وهدايتك الطريق صدقه ، وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة ، وبيانك عن الارتم صدقة ، ومباضعتك امرأتك صدقة.
    قال : قلت : يا رسول الله ! نأتي شهوتنا ونؤجر ؟ قال : أرأيت لو جعلته في حرام أكان تأثم ؟ قال : قلت : نعم.
    قال : فتحتسبون بالشر ، ولا تحتسبون بالخير ؟ وفي لفظ : قالوا : يا رسول الله ! ذهب أهل الدثور بالأجور يضلون كما نصلي و يصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال : فقال رسول الله : أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تحميدة صدقة.الحديث.
    وفي لفظ : قيل للنبي صلى الله عليه وآله : ذهب أهل الأموال بالأجر.
    فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن فيك صدقة كثيرة فذكر فضل سمعك فضل بصرك.الحديث.
    وفي لفظ : على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة عنه على نفسه.
    قلت : يا رسول الله : من أين تصدق وليس لنا أموال ؟ قال : لأن من أبواب الصدقة : التكبير ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، واستغفر الله ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظم والحجر ، وتهدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه ، وتدل المستدل على حاجة له وقد علمت مكانها ، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث ، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف.
    كل ذلك
1 ـ مسند أحمد 5 : 153 ، 176 ، وأخرجه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والنسائي والترمذي في باب كلام الحور العين وصححه ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم وصححه ، راجع الترغيب والترهيب للمنذري 1 : 247 ، و ج 2 ، 230 ، 238.

(355)
من أبواب الصدقة منك على نفسك (1).
    وفي هذه الأحاديث تقرير الأغنياء وأهل الدثور والأموال على أحوالهم المنوطة بالوفر المخصوص بهم واليسار الممنوح لهم وإنه ليس منهم ، وذكر الصدقة من فضول أموال المثرين ، والتأسف على ما يفوت الفقراء من صدقاتهم بالأموال فرضا وتطوعا ، وأين يثبت الاشتراكي مالا لأحد فيثبت له فضولا ؟ ومتى يرى في العالم غنيا غير غاصب ؟ وأنى يبقى موضوعا للصلات والصدقات وفروض الانسانية ؟ لكن روايات أبي ذر تثبت كل ذلك.
    6 ـ أمرني خليلي صلى الله عليه وآله بسبع أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي.
    وفي لفظ : أوصاني حبي بخمس : أرحم المساكين وأجالسهم وأنظر إلى من هو تحتي ولا أنظر إلى من هو فوقي (2).
    ومما لا غبار عليه إن المراد من الدون والتحت في الحديثين : من هو دونه في المال ليشكر الله سبحانه على تفضيله عليهم ، ولا ينظر إلى من فوقه لئلا يشغله الاستياء أو الحسد على تفضيل غيره عليه عن الذكر والشكر والنشاط في العبادة ، وأما الأعمال والطاعات والملكات الفاضلة ، فينبغي للانسان أن ينظر إلى من هو فوقه فيها ليتنشط على مثل عمله فيتحرى شأوه ، ولا ينظر إلى من هو دونه فيفتر عن العمل ويقعد عن اكتساب الفضائل والفواضل ، وربما داخله العجب.
    ففي الحديثين إثبات المالية والتفاضل فيها بالرغم من المبدأ الشيوعي.
    7 ـ ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين يقول : اللهم خولتني من خولتني من بني آدم فاجعلني من أحب أهله وماله إليه. أو : أحب أهله وماله إليه (3).
    نحن لا نحتج هنا بدعوة الفرس ورأيه لكن بما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله من إلهام
1 ـ مسند أحمد 5 : 154 ، 167 ، 178 ، صحيح مسلم 3 : 82 ، سنن البيهقي 4 : 188.
2 ـ مسند أحمد 5 : 159 ، 173 ، حلية أبي نعيم 1 : 160.
3 ـ مسند أحمد 5 : 170.


(356)
الله سبحانه إياه أنه يدعو بتلك الدعوة وفيها إثبات التخويل والمالية وإن ازور عنهما الشيوعي.
    هذه جملة من روايات أبي ذر الصدوق المصدق تضاد بنصها ما اتهم به من المبدأ الممقوت ، وإن هي إلا نداء القرآن الكريم وما صدع به الرسول الأمين.
الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله
وأولئك هم أولوا الألباب ، فأما الذين في قلوبهم زيغ
فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة
وابتغاء تأويله

سورة الزمر 18 ، سورة التوبة 89


(357)
نظرة في الكلمات
الواردة في إطراء أبي ذر هل تلائم ما اتهم به ؟
    أما ثناء الصحابة عليه بعد نفيه ودؤبه على ما هتف به فحسبك من ذلك قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : إنك غضبت لله فارج من غضبت له ، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك. إلى آخر ما مر في صفحة 300.
    صدرت هذه الكلمة الذهبية من الإمام عليه السلام في منصرم ما صعد به أبو ذر وصوب فليس له بعد هذا إلا طفائف سمعها منه من زاره بالمنفى الربذة فلم يكن لها شأن كبير ، وفي الكلمة صراحة بأن غضب أبي ذر كان لله فعليه أن يرجو من عضب له ، وهو فرع رضا الله سبحانه على ما ناء به ودعا إليه ، وإن ما لهج به مما أغضب القوم كانت كلمة دينية محضة تجاه الدنيوية المحضة التي خافها أبو ذر على دينه وخافها القوم على دنياهم ، فامتحنوه بالقلى ونفوه إلى الفلا ، وإن هو الرابح غدا ، وإنما القوم حاسدوه ، وأي من هذه تلتئم مع الشيوعية التي هي مادية محضة ليس بينهما وبين مرضاة الله تعالى أي صلة ؟.
    أتحسب إن مولانا امير المؤمنين عليه السلام أطرى أبا ذر بهذا الإطراء البالغ ويقول في كلمته الأخرى لعثمان : إتق الله سيرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك فيراه صالحا ويرى هلاكه في ذلك التسيير حوبا لا يصدر من المتقي ، إنه أطراه وهو غير مستشف لنظريته ؟ ولا عارف بنفسيته ؟ وهو كروحه التي بين جنبيه ، أو أنه يوافقه على المذهب الشيوعي ؟ أو أنه يراغم أعداءه مع حيطته بباطله ؟ وقد قال لعثمان ( وهو الصادق الأمين ) : والله ما أردت مساءت ولا الخلاف عليك ولكن أردت به قضاء حقه. وأي حق للشيوعي متحري الفساد في الجامعة وباخش حقوق الأمة ؟ وإنما الحق للمؤمن الكامل في نفسه ، المحق في دعاءه ، الصالح في رأيه.
    وهناك ما هو أصرح من ذلك في كون أبي ذر محقا وإن نظرية من خالفه من الباطل المحض وهو قول الإمام في ذيل كلمته في توديع أبي ذر ! يا أبا ذر ! لا يؤنسنك إلا


(358)
الحق ، ولا يوحشنك إلا الباطل ، وأي اشتراكي. يكون هكذا ؟ نعوذ بالله من السفاسف
    أضف إلى كلمة الإمام قول ولده الإمام الزكي السبط المجتبى أبي محمد الحسن لأبي ذر : قد أتى من القوم إليك ما ترى فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها ، واصبر حتى تلقى نبيك وهو عنك راض. راجع ص 301.
    فترى الإمام المعصوم يتذمر مما أصاب أبا ذر من القوم ويأمره بالصبر المقابل بالأجر الجزيل ، وأنه سيلقى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو عنه راض ، وهل تجد توفيقا بين الرسول ومعتقد الإمام المجتبى وبين الشيوعية ؟ ذلك المعول الهدام لأساس دين المصطفى وسنة الله التي لن تجد لها تحويلا.
    واشفع الكلمتين بقول الإمام السبط الشهيد أبي عبد الله لأبي ذر : قد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك ، فاسأل الله الصبر والنصر.
    وهذه الكلمة لدة كلمات أبيه وأخيه صلوات الله عليهم في المصارحة بأن دعوة أبي ذر كانت دينية ولم يكن فيها أي شذوذ ، ودعوة مناوئيه دنيوية ، والمرجع في الإفراج عنه إزاء ما انتابه من المحن هو الله ، لرضاه سبحانه بدعوة المنكوب وسخطه على من نال منه ، ولا يحسب عاقل إن شيئا من ذلك يلتأم مع الاشتراكية الممقوتة
    وبعد تلكم الكلمات الذهبية خطاب عمار بن ياسر أبا ذر بقوله : لا آنس الله من أوحشك ولا آمن من أخافك ، والله لو أردت دنياهم لآمنوك ، ولو رضيت أعمالهم لأحبوك.
    أيجوز لمسلم عادي فضلا عن مثل عمار الذي لا يفارق الحق ولا يفارقه نصا من النبي الكريم أن يدعو على أناس نكبوا بعائث في المجتمع الديني المقلق فيهم السلام بذلك الدعاء المجهد ؟ ويحكم عليهم بأنهم أهل دنيا غرتهم الأماني ، وإن أعمالهم غير مرضية ، وانهم خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ؟.
    يدعو عليهم بذلك في مشهد إمام معصوم خشن في ذات الله كمولانا أمير المؤمنين وشبليه السبطين الحسنين ثم لا ينكر ذلك عليه احد منهم. إن هذا لا يكون.
    وإن مشايعة القوم لأبي ذر قبل هذه الكلمات كلها مع العلم بنهي الخليفة عنها إشادة بأمره ، وتصديق لمقاله ، والإمام يرى إن النهي عن مشايعته معصية أو أنه خلاف


(359)
الحق لا يتبع كما قاله لعثمان (1) ولا يجتمع شيء من ذلك مع ما قذفوه به من الطامة الكبرى.
    كانت الصحابة كلهم المهاجرون منهم والأنصار ينقمون ما نيل به أبو ذر من النفي والتعذيب ، وكان قيل النقمة بين شفافهم ، وفي طيات قلوبهم ، وأسطر خطاباتهم ، يوم التجمهر ويوم الدار ، وكانت إحدى العلل المعدة لما جرى هنالك من مغبات الأعمال ، فلم تكن الغضبة عمن ذكرنا أسماءهم بدعا من جمهرة الأصحاب غير إن منهم من صبها في بوتقة الاطراء لأبي ذر ، ومنهم من أفرغها في قالب العيب على من نال منه ، ولهم هنالك لهجات مختلفة في الصورة متحدة في المآل ، ولذلك عد المؤرخون مما أنكر الصحابة من سيرة عثمان تسييره أبا ذر. وقال البلاذري : قد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار وأحلافها من غضب لأبي ذر (2)
    وهذه النقمة العامة المنبعثة عن مودة القوم لأبي ذر مودة خالصة دينية وإخاء في الإيمان وولاء في الطريقة المثلى كل ذلك أخذا بما وعوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في أبي ذر وهديه وسمته ونسكه وتقواه وإيمانه وصدقه. لا تلتأم مع شيء مما قذفوا به أبا ذر من الشيوعية ، أو تقول : أن الصحابة كلهم شيوعيون. أعوذ بالله من الفرية الشاينة ولو كان أبو ذر شيوعيا ؟ كان في الحق نفيه عن أديم الأرض لا عن المدينة فحسب ، و كان من واجب الصحابة أن يرضوا بذلك الحكم البات. قال الله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (3) وأي فساد في الأرض أعظم من هذا المبدأ التعيس المضاد للكتاب والسنة ؟ وفي الكتاب الكريم قوله سبحانه : أهم يقسمون رحمة ربك ، نحن قسمنا بينهم معيشتهم
1 ـ راجع صفحة 297 و 303.
2 ـ أنساب البلاذري 5 : 26 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 150 ، مروج الذهب 1 : 438 ، 441 ، الرياض النضرة 2 : 124 ، تاريخ ابن خلدون 2 : 385 ، الصواعق ص 68 ، تاريخ الخميس 2 : 261.
3 ـ سورة المائدة : 33.


(360)
في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون (1) وأما السنة الشريفة فحدث عنها في باب الأموال والاختصاص فيها وتقرير خير مما يجمعون (1) وأما السنة الشريفة فحدث عنها في باب الأموال والاختصاص فيها وتقرير ميسرة الأغنياء ولا حرج. وبذلك كله تقوم دعائم المدنية ، وتشاد علالي الحضارة الراقية.
ثناء النبي صلى الله عليه وآله عليه وعهد إليه
    أما ما أثر عن نبي الاسلام من ذلك فقد قدمنا شطرا منه في صفحة 319312 ولا منتدح من أن نقول : إن نبي العظمة كان جد عليم بواسع علم النبوة بما سوف ينوء به أبو ذر في خواتيم أيامه بأقوال وأعمال تبهظ مناوئيه ، وكان يعلم أيضا إن أمته سيتخذون كل ما لهج به أصولا متبعة ، فلو كان يعلم في أبي ذر شذوذا. لما أغرى الأمة بموافقته بتلكم الكلم الدرية ، على أنه صلى الله عليه وآله عهد إليه وأخبره إن ما يصيبه من الكوارث من جراء ما يدعو إليه في الله وبعينه ، فلا يعقل أن يكون في رأيه شذوذ عن طريقة الدين ، بل كان من واجبه صلى الله عليه وآله أن ينبهه على خطأه في الرأي وغلطه في الدعوة ، فإذ لم يفعل واشفع ذلك بثنائه البالغ عليه وعهده إليه علمنا أن أبا ذر هو ذلك البر التقي ، ورجل الاصلاح ، ومثال العطف والحنو على ضعفاء الأمة ، وطالب الخير والسعادة لأقوياءها ، ولقد تحمل الشدائد لينقذ المكبين على الدنيا من مغبة العمل السئ ، وليسعد آخرين برغد العيش وبلهنية الحياة ، موصولة حلقات حياتهم الدنيا بدرجات الآخرة العليا ، لكن جهلوه وجهلوا أمره وجهلوا حقه ، وأضاعوه وإي فتى أضاعوا ؟ وأضاعوا فيه وصية نبيه صلى الله عليه وآله وناوءه قوم ليسوا له بأكفاء.
ولو أني بليت بهاشمي لهان علي ما ألقى ولكن خؤولته بنو عبد المدان تعالوا وانظروا بمن ابتلاني
فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين
( الصف آية 14 )
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس