الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: 121 ـ 130
(121)
    فلما دخل عليه الخثعمي قال له : الله الله يا معاوية ! إنك مقتول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ، ومسؤول عم أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا ، فقال : ما تقول في علي ؟ قال : أقول فيه قولك ، أتتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به ؟ وقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه ، فقال : هو لك غير أني حابسه شهرا فحبسه ثم أطلقه على أن لا يدخل الكوفة ما دام له سلطان ، فنزل الموصل فكان ينتظر موت معاوية ليعود إلى الكوفة فمات قبل معاوية بشهر.
    وأقبل على عبد الرحمن بن حسان فقال له : يا أخا ربيعة ! ما تقول في علي ؟ قال : أشهد أنه من الذاكرين الله كثيرا والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والعافين عن الناس.
    قال : فما تقول في عثمان ؟ قال : وأول من فتح أبواب الظلم ، وارتج أبواب الحق قال : قتلت نفسك.
    قال : بل إياك قتلت لا ربيعة بالوادي ( يعني إنه ليس ثم أحد من قومه فيتكلم فيه ) فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه : إن هذا شر من بعثت به ، فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها ، واقتله شر قتلة.
    فلما قدم به على زياد بعث به إلى قيس الناطف فدفنه حيا.
    الأغاني لأبي الفرج 16 : 10 ، تاريخ الطبري 6 : 155 ، تاريخ ابن عساكر 2 : 379 ، الكامل لابن الأثير 3 : 209.
    قال الأميني : انظر إلى تصلب الرجل الديني في معتقده في حق الرجلين : على أمير المؤمنين ، وعثمان ، وكيف بلغ من ذلك حدا استباح فيه أن يراق دمه دون أن يعدل عما عقد عليه ضميره ، وأخبتت إليه نفسه ، وكان يرى من واجبه الإشادة بما ذكر وإن أريق عليه دمه الطاهر ، وأسبلت نفسه الزكية.

ـ 12 ـ
حديث هاشم المرقال
    خرج يوم صفين ( من عسكر معاوية ) فتى شاب وهو يقول :
أنا ابن أرباب الملوك غسان أنبأنا أقوامنا بما كان : والدائن اليوم بدين عثمان إن عليا قتل ابن عفان


(122)
    ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه ، ثم جعل يلعن عليا ويشتمه ويسهب في ذمه ، فقال له هاشم بن عتبة : إن هذا الكلام بعده الخصام ، وإن هذا القتال بعده الحساب فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به ، قال : فإني أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي ، وإنكم لا تصلون ، وأقاتلكم إن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله.
    فقال له هاشم : وما أنت وابن عفان ؟ إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب ، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين ، وأولى بالنظر في أمور المسلمين ، وما أظن أن أمر هذه الأمة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط.
    قال الفتى : أجل أجل والله لا أكذب فإن الكذب يضر ولا ينفع ويشين ولا يزين.
    فقال له هاشم : إن هذا الأمر لا علم لك به فخله وأهل العلم به.
    قال : أظنك والله قد نصحتني.
    وقال له هاشم : وأما قولك : إن صاحبنا لا يصلي.
    فهو أول من صلى مع رسول الله ، وأفقهه في دين الله ، وأولاه برسول الله ، وأما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب ، لا ينامون الليل تهجدا ، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون.
    قال الفتى : يا عبد الله ! إني لأظنك امرءا صالحا ، وأظنني مخطئا آثما ، أخبرني هل تجد لي من توبة ؟ قال : نعم ، تب إلى الله يتب عليك فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويحب التوابين ويحب المتطهرين. الحديث (1).
    قال الأميني : هذا هاشم المرقال الصحابي المقدس ، وبطل الدين العظيم ، وهذا رأيه في عثمان وهو يبوح به في موقف قتال حصل من جراء قتله ، مبررا فيه عمل المجهزين عليه ، ويرى أنه خالف حكم الكتاب وأحدث أحداثا أباحت لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قتله وأن من قتله هم أهل الدين والقرآن.

ـ 13 ـ
حديث جهجاه بن سعيد
الغفاري ممن بايع تحت الشجرة (2)
    ورد من طريق أبي حبيبة أنه قال : خطب عثمان الناس فقام إليه جهجاه الغفاري :
1 ـ كتاب صفين لابن مزاحم ط مصر ص 402 ، تاريخ الطبري 6 : 23 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 278 ، الكامل لابن الأثير 3 : 135.
2 ـ الاستيعاب. أسد الغابة. الإصابة.


(123)
فصاح : يا عثمان ! ألا إن هذه شارف قد جئنا بها عليها عباءة وجامعة فأنزل فلندرعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك على الشارف ثم نطرحك في جبل الدخان.
    فقال عثمان : قبحك الله وقبح ما جئت به.
    قال أبو حبيبة : ولم يكن ذلك منه إلا عن ملأ عن الناس ، وقام إلى عثمان خيرته وشيعته من بني أمية فحملوه فأدخلوه الدار.
    وجاء من طريق عبد الرحمن بن حاطب قال : أنا أنظر إلى عثمان يخطب على عصا النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال له جهجاه : قم يا نعثل ! فأنزل عن هذا المنبر.
    وأخذ العصا فكسرها على ركبته اليمنى ، فدخلت شظية منها فيها فبقي الجرح حتى أصابته الأكلة فرأيتها تدود ، فنزل عثمان وحملوه وأمر بالعصا فشدوها فكانت مضببة ، فما خرج بعد ذلك اليوم إلا خرجة أو خرجتين حتى حصر فقتل.
    وفي لفظ البلاذري : خطب عثمان في بعض أيامه فقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يا عثمان ! انزل ندرعك عباءة ونحملك على شارف من الإبل إلى جبل الدخان كما سيرت خيار الناس ، فقال له عثمان : قبحك الله وقبح ما جئت به.
    وكان جهجاه متغيظا على عثمان ، فلما كان يوم الدار ودخل عليه ومعه عصا كان النبي صلى الله عليه و سلم يتخصر بها فكسرها على ركبته فوقعت فيها الأكلة.
    راجع الأنساب للبلاذري 5 : 47 ، تاريخ الطبري 5 : 114 ، الاستيعاب في ترجمة جهجاه ، الكامل لابن الأثير 3 : 70 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 165 ، الرياض النضرة 2 : 123 ، تاريخ ابن كثير 7 : 175 ، الإصابة 1 : 253 ، تاريخ الخميس 2 : 260.
    قال الأميني : الجهجاه من أهل بيعة الشجرة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه بنص الذكر الحكيم وهو يستبيح خلع عثمان ونفيه وتشهيره ملفوفا بعباءة مكبلا بالحديد إلى جبل الدخان ، ولا يتحرج من هتكه وكسر مخصرته ، وإنما قال ما قاله وفعل ما فعل بمحضر من المهاجرين والأنصار ، فلم يؤاخذه على ذلك أحد منهم ولا رد عليه راد ، فكأنه كان يخبر عن صميم أفئدتهم ، وأظهر ما أضمروه ، وجاء بما أحبوه حتى قضى ما كان مقتضيا.
    إن حدوث الجرح في ركبة جهجاه لولوج شيء من كسرات العصا فبها المتحول أكلة إن صح فمن ولائد الاتفاق وليس بكرامة للقتيل ، كما أن وقوع عبد الله بن


(124)
أبي ربيعة المخزومي والي عثمان على اليمن من مركبه وموته وقد جاء لنصر عثمان لم يكن نقمة ولا نكبة له.
    قال أبو عمر وغيره : جاء عبد الله المخزومي لينصره لما حصر فسقط عن راحلته بقرب مكة فمات (1).
    وقال البلاذري في الأنساب 875 : أقبل عبد الله المخزومي وكان عامله على مخاليف الجند لينصره فلما انتهى إلى بطن نخلة سقط عن راحلته فانكسرت رجله فانصرف إلى أهله.

ـ 14 ـ
حديث سهل بن حنيف
أبي ثابت الأنصاري ( بدري )

ـ 15 ـ
رفاعة بن رافع بن مالك
أبي معاذ الأنصاري ( بدري )

ـ 16 ـ
الحجاج بن غزية الأنصاري

    قال البلاذري في الأنساب 5 : 78 : قال أبو مخنف في روايته : إن زيد بن ثابت الأنصاري قال : يا معشر الأنصار ! إنكم نصرتم الله ونبيه فانصروا خليفته.
    فأجابه قوم منهم فقال سهل بن حنيف : يا زيد ! أشبعك عثمان بن عضدان المدينة ـ والعضيدة نخلة قصيرة ينال حملها ـ فقال زيد : لا تقتلوا الشيخ ودعوه حتى يموت فما أقرب أجله.
    فقال الحجاج بن غزية الأنصاري أحد بني النجار : والله لو لم يبق من عمره إلا بين الظهر والعصر لتقربنا إلى الله بدمه.
    وجاء رفاعة بن مالك الأنصاري ثم الزرقي بنار في حطب فأشعلها في أحد البابين فاحترق وسقط ، وفتح الناس الباب الآخر واقتحموا الدار.
    وفي لفظ للبلاذري ص 90 : قال زيد للأنصار : إنكم نصرتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنتم أنصار الله فانصروا خليفته تكونوا أنصارا لله مرتين.
    فقال : الحجاج بن غزية : والله إن تدري هذه البقرة الصيحاء ما تقول ، والله لو لم يبق من أجله إلا ما بين العصر إلى الليل لتقربنا إلى الله بدمه.
    وقال ابن حجر في الإصابة 1 : 313 : روى الحجاج بن غزية أصحاب السنن
1 ـ الاستيعاب 1 : 351 ، أسد الغابة 3 : 155 ، الإصابة 2 : 305.

(125)
حديثا صرح بسماعه فيه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحج قال ابن المديني : هو الذي ضرب مروان يوم الدار حتى سقط (1) قال الأميني : نظرية هؤلاء الثلاثة ليست بأقل صراحة من نظريات إخوانهم المهاجرين والأنصار في استباحة دم الخليفة وإزالته عن منصة الملك الاسلام الديني.

ـ 17 ـ
حديث أبي أيوب الأنصاري
من السابقين من جلة الصحابة البدريين
    قال في خطبة له : إن أمير المؤمنين ـ أكرمه ـ الله قد استمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ ، إن الله قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حق قبولها ، حيث نزل بين أظهركم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخير المسلمين وأفضلهم وسيدهم بعده ، يفقهكم في الدين ويدعوكم إلى جهاد المحلين ، فوالله لكأنكم صم لا تسمعون ، وقلوبكم غلف مطبوع عليها فلا تستجيبون ، عباد الله ! أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس ؟ وقد شمل العباد ، وشاع في الاسلام ، فذو حق محروم مشتوم عرضه ، ومضروب ظهره ، وملطوم وجهه ، وموطوء بطنه ، وملقى بالعراء ، فلما جاءكم أمير المؤمنين صدع بالحق ، ونشر العدل ، وعمل بالكتاب ، فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تتولوا مجرمين ، ولا تكونوا كالذين قالوا : سمعنا وهم لا يسمعون ، إشحذوا السيوف وجددوا آلة الحرب ، واستعدوا للجهاد ، فإذا دعيتم فأجيبوا ، وإذا أمرتم فأطيعوا تكونوا بذلك من الصادقين.
    الإمامة والسياسة 1 : 112 في طبع وفي آخر ص 128 ، جمهرة الخطب 1 : 236 قال الأميني : هذا أبو أيوب الأنصاري عظيم الصحابة الذي اختار الله داره منزلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين الأنصار ، وحسبه ذلك شرفا ، وهو من البدريين ، وشهد المغازي كلها ، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أخذ شيئا من كريمته الشريفة بقوله : لا يصيبك السوء يا أبا أيوب ! وهذا يعم الأسواء الظاهرة من قتل بهوان وأسر وسجن في مذلة وأمراض مخزية من جذام وبرص غيرهما ، واختلال في العقل ، والأسواء المعنوية من تزحزح عن الإيمان وتضعضع في العقيدة ، وانحياز عن الدين ، فهو رضوان الله عليه ملكوء
1 ـ سيوافيك حديث ضربه مروان.

(126)
عن هذه كلها بتلك الدعوة المجابة ، وهو مع فضله هذا يعد عهد عثمان عهد جور و عدوان ، ويعدد ما حدث هنالك من البوائق النازلة على صلحاء الأمة كأبي ذر وعمار وابن مسعود وغيرهم مما مر تفصيله ، ولو لم يكن إلا شهادة أبي أيوب لكفت حجة في كل مهمة ، فكيف وقد صافقه على ما يقول سروات المهاجرين والأنصار ؟

ـ 18 ـ
حديث قيس بن سعد
ابن عبادة الأنصاري ، سيد الخزرج ( بدري )
    1 ـ من خطبة له خطبها بمصر في أخذ البيعة لأمير المؤمنين علي صلوات الله عليه قال : الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل ، وكبت الظالمين ، أيها الناس إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينا صلى الله عليه وسلم فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    تاريخ الطبري 5 : 228 ، الكامل لابن الأثير 3 : 115 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 23.
    2 ـ من كتاب لمعاوية إلى قيس بن سعد قبل وقعة صفين : أما بعد : فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان بن عفان رضي الله عنه في أثرة رأيتموها أو ضربة سوط ضربها ، أو شتيمة رجل ، أو في تسييره آخر ، أو في استعماله الفتي ، فإنكم قد علمتم إن كنتم تعلمون أن دمه لم يكن يحل لكم ، فقد ركبتم عظيما من الأمر وجئتم شيئا إدا ، فتب إلى الله عز وجل يا قيس بن سعد ! فإنك كنت في المجلبين على عثمان بن عفان رضي الله عنه إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئا.
    فأما صاحبك : فإنا استيقنا أنه الذي أغرى به الناس وحملهم على قتله حتى قتلوه وإنه لم يسلم من دمه عظم قومك ، فإن استطعت يا قيس ! أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل ، تابعنا على أمرنا ولك سلطان العراقين إذا ظهرت ما بقيت ، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان ، وسلني غير هذا مما تحب فإنك لا تسألني شيئا إلا أوتيته ، واكتب إلي برأيك فيما كتبت به إليك.
    والسلام.


(127)
    فكتب إليه قيس : أما بعد : فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من قتل عثمان رضي الله عنه وذلك أمر لم أقارفه ولم أطف به.
    وذكرت صاحبي هو أغرى الناس بعثمان ودسهم إليه حتى قتلوه ، وهذا لم أطلع عليه ، وذكرت عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فأول الناس كان فيه قياما عشيرتي .. إلخ.
    وفي لفظ : فلعمري إن أولى الناس في أمره عشيرتي.
    فلعمري إن أول الناس كان فيه قياما عشيرتي ولهم أسوة تاريخ الطبري 5 : 227 ، كامل ابن الأثير 3 : 116 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 23 ، النجوم الزاهرة 1 : 99 ، جمهرة الرسائل 1 : 524.
    3 ـ تحاور قيس بن سعد والنعمان بن بشير بين الصفين بصفين فقال النعمان : يا قيس بن سعد ! أما أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه ؟ إنكم يا معشر الأنصار ! أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار ، وقتلكم أنصاره يوم الجمل ، وإقحامكم على أهل الشام بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا ، كان هذا بهذا ، ولكنكم خذلتم حقا ، و نصرتم باطلا ، ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس ، شعلتم الحرب ، ودعوتم إلى البراز ، فقد والله وجدتم رجال الحرب من أهل الشام سراعا إلى برازكم غير أنكاس عن حربكم الكلام.
    فضحك قيس وقال : والله ما كنت أراك يا نعمان ! تجترئ على هذا المقام ، أما المنصف المحق فلا ينصح أخاه من غش نفسه ، وأنت والله الغاش لنفسه ، المبطل فيما نصح غيره.
    أما ذكر عثمان فإن كان الايجاز يكفيك ؟ فخذه.
    قتل عثمان من لست خيرا منه ، وخذله من هو خير منك ، وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث ، وأما معاوية فلو اجتمعت العرب على بيعته لقاتلتهم الأنصار.
    وأما قولك : إنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله ، نلقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا ، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون.
    ولكن أنظر يا نعمان ! هل ترى مع معاوية إلا طليقا أعرابيا أو يمانيا مستدرجا ؟ وانظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان ، الذين رضي الله


(128)
عنهم ورضوا عنه ؟ ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك ؟ (1) ولستما والله بدريين ولا عقبيين (2) ولا لكما سابقة في الاسلام ولا آية في القرآن.
    كتاب صفين لابن مزاحم ص 511 ، الإمامة والسياسة 1 : 94 ، وفي ط 83 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 298 ، جمهرة الخطب 1 : 190.
    4 ـ قدم المدينة قيس بن سعد فجاءه حسان بن ثابت شامتا به وكان حسان عثمانيا فقال له : نزعك علي بن أبي طالب وقد قتلت عثمان ، فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر.
    فقال له قيس : يا أعمى القلب والبصر ، والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك ، أخرج عني.
    تاريخ الطبري 5 : 321 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 25.
    قال الأميني : إن فتى الأنصار وأمير الخزرج وابن أميرها قيس بن سعد الذي تقدمت فضائله وفواضله في الجزء الثاني ص 69 ـ 110 ط 2 تراه يتبجح في كتابه إلى معاوية بأن عشيرته الأنصار كانوا أول الناس قياما في دم عثمان ، وفي خطبته ترى أن الحق المحيى مع مولانا أمير المؤمنين ، وإن الباطل الذي أميت كان في العهد البائد بقتل عثمان ، وأن المقتولين في واقعة الدار هم الظالمون ، واعطف على هذه كلها محاورته مع النعمان بن بشير بصفين ، فالكل لهجة واحدة من رئي في الدين والدنيا واحد.

ـ 19 ـ
حديث فروة بن عمرو
ابن ودقة البياضي الأنصاري ( بدري )
    أخرج مالك في الموطأ حديثه في باب ( العمل في القراءة ) وسكت عن اسمه ولم يسمه ، بل ذكره بلقبه ( البياضي ) وقال ابن وضاح (3) وابن مزين (4) : إنما سكت مالك عن اسمه ، لأنه كان ممن أعان على قتل عثمان.
    وعقبه أبو عمر في ( الاستيعاب ) فقال : هذا لا يعرف ولا وجه لما قالاه في ذلك و لم يكن لقائل هذا علم بما كان من الأنصار يوم الدار.
1 ـ يعني به عمرو بن العاص.
2 ـ يعني ممن بايعوه صلى الله عليه وآله في العقبة.
3 ـ أبو عبد الله محمد بن الحسين بن علي بن الوضاح الأنباري المتوفى 345.
4 ـ كذا في الاستيعاب وأسد الغابة وشرح الموطأ للزرقاني ، وفي الإصابة : ابن سيرين.


(129)
    الاستيعاب ترجمة فروة ، أسد الغابة 4 : 179 ، الإصابة 3 : 204 ، شرح الموطأ للزرقاني 1 : 152.
    قال الأميني : الذي يشهد ببطلان ما قالاه أن ما حسبوه جريمة من فروة إن كان مسقطا لعدالته ؟ فالإخراج عنه باطل سماه أولم يسمه ، وإن كان غير مسقط لها ؟ فهو مشمول لما عم الصحابة عند القوم من الفضل والعدالة ، وإن روايته حجة يؤخذ بها ولا يضره إذن إلغاء الاسم ، ثم إن كانت هذه الجريمة مما يؤاخذ به صاحبه ؟ فهي عامة للأنصار كلهم كما أو عز إليه أبو عمر بقوله : لم يكن لقائل هذا علم بها كان من الأنصار يوم الدار.
    فيجب إسقاط رواياتهم أو السكوت عن أسمائهم جمعاء.
    وبالجملة : إن هذا الأنصاري البدري عد ممن أعان على قتل عثمان ، ولم يشذ في رأيه عن الأنصار أو عن بقية الصحابة أجمع.

ـ 20 ـ
حديث محمد بن عمرو
ابن حزم أبي سليمان الأنصاري
    أحد المحامدة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمدا.
    قال أبو عمر في ( الاستيعاب ) في ترجمته : يقال : إنه كان أشد الناس على عثمان المحمدون : محمد بن أبي بكر. محمد بن أبي حذيفة. محمد بن عمرو بن حزم.

ـ 21 ـ
حديث جابر بن عبد الله
أبي عبد الله الأنصاري الصحابي العظيم وقوم آخرين من الصحابة
    لما فرغ الصحابة من أمر ابن الزبير كنس المسجد الحرام من الحجارة والدم وأتته ولاية مكة والمدينة ، وكان عبد الملك حين بعثه لقتال عبد الله بن الزبير عقد له على مكة ولكنه أحب تجديد ولايته إياها ، فشخص الحجاج إلى المدينة ، واستخلف على مكة عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث الخزاعي ، فلما قدم المدينة أقام بها شهرا أو شهرين فأساء إلى أهلها واستخف بهم وقال : إنهم قتلة أمير المؤمنين عثمان ، وختم يد جابر بن عبد الله برصاص وأيدي قوم آخرين كما يفعل بالذمة ، منهم : أنس بن مالك


(130)
ختم عنقه ، وأرسل إلى سهل بن سعد فدعاه فقال : ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان ابن عفان ؟ قال : قد فعلت. قال : كذبت. ثم أمر به فختم في عنقه برصاص.
    أنساب البلاذري 5 : 373 ، تاريخ الطبري 7 : 206 ، الكامل لابن الأثير 4 : 149
    قال الأميني : تعطي هذه الرواية أن مؤاخذة الحجاج لبقية الصحابة وفيهم جابر صاحب الحلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤخذ منه العلم كما في الإصابة 1 : 213 كانت لتدخلهم في واقعة عثمان بمباشرة أو تخذيل عنه أو بتقاعد عن نصرته ، نحن لا نقول بوثاقة الرجل فيها يرويه كما لا نقول بسداده فيما يرتأيه ، غير أن الحالة تشهد أن تلكم النسبة كانت مشهورة بين الملأ فاحتج بها الحجاج على ما ارتكبه من إهانتهم ولم يظهر من القوم أي إنكار لما رموا به ردئا لعادية الطاغية ، لكنهم صبروا على البلاء وشدة المنازلة ثباتا منهم على ما ارتكبوه في واقعة الدار.

ـ 22 ـ
حديث جبلة بن عمرو (1)
ابن ساعدة الساعدي الأنصاري ( بدري )
    أخرج الطبري من طريق عثمان بن الشريد قال : مر عثمان علي جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره ومعه جامعة فقال : يا نعثل ؟ والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار ، ثم جاءه مرة أخرى وعثمان على المنبر فأنزله عنه وأخرج من طريق عامر بن سعد قال : كان أول من أجرأ على عثمان بالمنطق السئ جبلة بن عمرو الساعدي ، مر به عثمان وهو جالس في ندي قومه وفي يد جبلة بن عمرو جامعة ، فلما مر عثمان سلم فرد القوم فقال جبلة : لم تردون على رجل فعل كذا وكذا ؟ قال : ثم أقبل على عثمان فقال : والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه.
    قال عثمان : أي بطانة ؟ فوالله إني لا أتخير الناس.
    فقال : مروان تخيرته ، ومعاوية تخيرته ، وعبد الله بن عامر بن كريز تخيرته ، وعبد الله بن سعد تخيرته ، منهم من نزل القرآن بذمه وأباح رسول الله دمه (2) قال : فانصرف عثمان فما
1 ـ قال البلاذري في الأنساب 5 : 47 : قال الكلبي : هو رخيلة بن ثعلبة البياضي ، بدري.
2 ـ هو عبد الله بن سعد راجع ما أسلفناه في ج 8 : 280 ط 2.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: فهرس