الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: 201 ـ 210
(201)
اجلس فلا تخرج. فعصاه مروان فقال : والله لا تقتل ولا يخلص إليك وأنا أسمع الصوت ثم خرج إلى الناس فقلت : ما لمولاي مترك. فخرجت معه أذب عنه ونحن قليل فأسمع مروان يقول :
قد علمت ذات القرون الميل أني أروع أول الرعيل والكف والأنامل الطفول بفاره مثل قطا الشليل
    وقال أبو بكر بن الحارث : كأني أنظر إلى عبد الرحمن بن عديس البلوي وهو مسند ظهره إلى مسجد نبي الله صلى الله عليه وسلم وعثمان محصور فخرج مروان فقال : من يبارز ؟ فقال عبد الرحمن بن عديس لفلان بن عروة (1) : قم إلى هذا الرجل.
    فقام إليه غلام شاب طوال فأخذ رفيف الدرع فغرزه في منطقته فأعور له عن ساقه فأهوى له مروان وضربه ابن عروة على عنقه ، فكأني أنظر إليه حين استدار وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ليدفف عليه ( إلى آخر ما مر عن ابن سعد ).
    ومن طريق حسين بن عيسى عن أبيه قال : لما مضت أيام التشريق أطافوا بدار عثمان رضي الله عنه ، وأبى إلا الإقامة على أمره ، وأرسل إلى حشمه وخاصته فجمعهم فقام رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له : نيار بن عياض وكان شيخا كبيرا فنادى : يا عثمان ! فأشرف عليه من أعلى داره فناشده الله وذكره الله لما اعتزلهم ، فبينا هو يراجعه الكلام إذا رماه رجل من أصحاب عثمان فقتله بسهم ، وزعموا أن الذي رماه كثير بن الصلت الكندي ، فقالوا لعثمان عند ذلك : إدفع إلينا قاتل نيار بن عياض فلنقتله به.
    فقال : لم أكن لأقتل رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي ، فلما رأوا ذلك ثاروا إلى بابه فأحرقوه ، وخرج عليهم مروان بن الحكم من دار عثمان في عصابة ، وخرج سعيد بن العاص في عصابة ، وخرج المغيرة بن الأخنس الثقفي في عصابة ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وكان الذي حداهم على القتال أنه بلغهم أن مددا من أهل البصرة قد نزلوا صرارا وهي من المدينة على ليلة ، وأن أهل الشام قد توجهوا مقبلين فقاتلوهم قتالا شديدا على باب الدار فحمل المغيرة بن الأخنس الثقفي على القوم وهو يقول مرتجزا :
1 ـ لعل الصحيح : عروة بن شييم البياع الليثي كما جاء في رواية الطبري في تاريخه 5 ، 133 ومر في ص 198 من رواية ابن سعد في طبقاته.

(202)
قد علمت جارية عطبول لها وشاح ولها حجول
أني بنصل السيف خنشليل
    فحمل عليه عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو يقول :
إن تك بالسيف كما تقول فاثبت لقرن ماجد يصول
بمشرفي حده مصقول
    فضربه عبد الله فقتله ، وحمل رفاعة بن رافع الأنصاري ثم الزرقي على مروان ابن الحكم فضربه فصرعه فنزع عنه وهو يرى أنه قد قتله ، وجرح عبد الله بن الزبير جراحات وانهزم القوم حتى لجأوا إلى القصر فاعتصموا ببابه فاقتلوا عليه قتالا شديدا فقتل في المعركة على الباب زياد بن نعيم الفهري (1) في ناس من أصحاب عثمان فلم يزل الناس يقتتلون حتى فتح عمرو بن حزم الأنصاري باب داره وهو إلى جنب دار عثمان بن عفان ثم نادى الناس ، فأقبلوا عليهم من داره فقاتلوهم في جوف الدار حتى انهزموا وخلي لهم عن باب الدار فخرجوا هرابا في طريق المدينة ، وبقي عثمان في أناس من أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضي الله عنه (2).
    وفر خالد بن عقبة بن أبي معيط أخو الوليد يوم الدار ، وإليه أشار عبد الرحمن ابن سيحان (3) بقوله :
يلومونني إن جلت في الدار حاسرا فإن كان نادى دعوة فسمعتها وقد مر منها خالد وهو دارع (4) فشلت يدي واستك مني المسامع
    فقال خالد :
لعمري لقد أبصرتهم فتركتهم بعينك إذ ممشاك في الدار واسع (5)
    وقال أبو عمر : قتل المغيرة بن الأخنس يوم الدار مع عثمان رحمه الله وله يوم
1 ـ عده من قتلى يوم الدار أبو عمر في الاستيعاب وابن حجر في الإصابة.
2 ـ تاريخ الطبري 5 : 122 ـ 125 الكامل لابن الأثير 3 : 73 ، 74.
3 ـ كذا في الأنساب وفي الاستيعاب والإصابة : أزهر بن سحبان.
4 ـ في الأنساب للبلاذري :
يلومونني في الدار إن غبت عنهم وقد فر عنهم خالد وهو دارع
5 ـ الأنساب 5 : 117 ، الاستيعاب 1 : 155 ، الإصابة 1 : 103 ، 410.


(203)
الدار أخبار كثيرة ، ومنها : إنه قال لعثمان حين أحرقوا بابه : والله لا قال الناس عنا إنا خذلناك وخرج بسيفه وهو يقول :
لما تهدمت الأبواب واحترقت حقا أقول لعبد الله آمره والله لا أتركه ما دام بي رمق هو الإمام فلست اليوم خاذله يممت منهن بابا غير محترق إن لم تقاتل لدى عثمان فانطلق حتى يزايل بين الراس والعنق إن الفرار علي اليوم كالسرق
    وحمل على الناس فضربه رجل على ساقه فقطعها ثم قتله. فقال رجل من بني زهرة لطلحة بن عبيد الله : قتل المغيرة بن الأخنس فقال : قتل سيد حلفاء قريش. راجع ( الاستيعاب ) ترجمة المغيرة.
    وقال ابن كثير في تاريخه 7 : 188 : ومن أعيان من قتل من أصحاب عثمان زياد ابن نعيم الفهري ، والمغيرة بن الأخنس بن شريق ، ونيار بن عبد الله الأسلمي ، في أناس وقت المعركة.
    قال الأميني : لقد حدتني إلى سرد هذه الأحاديث الدلالة بها منضمة إلى ما سبقها من الأخبار على أنه لم يكن مع عثمان من يدافع عنه غير الأمويين ومواليهم وحثالة ممن كان ينسج على نولهم تجاه هياج المهاجرين والأنصار فقتل من أولئك من قتل ، وضم إليه كندوج أم حبيبة آخرين ، وتفرق شذاذ منهم هاربين في أزقة المدينة ، فلم يبق إلا الرجل نفسه وأهله حتى انتهت إليه نوبة القتل من دون أي مدافع عنه ، فتحفظ على هذا فإنه سوف ينفعك فيما يأتي من البحث عن سلسلة الموضوعات.
    ( لفت نظر ) عد نيار بن عبد الله بن أصحاب عثمان كما فعله ابن كثير غلط فاحش دعاه إليه حبه إكثار عدد المدافعين عن الخليفة المقتولين دونه ، وقد عرفت أنه كان شيخا كبيرا حضر ذلك الموقف للنصيحة والموعظة الحسنة لعثمان فقتله مولى مروان بسهم ، فشب به القتال ، وطولب عثمان بقاتله ليقتص منه وامتنع عن دفعه فهاج بذلك غضب الأنصار عليه.


(204)
حديث مقتل عثمان
إنا لله وإنا إليه راجعون
    أخرج الطبري في تاريخه وغيره من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال : أشرف عثمان على الناس وهو محصور وقد أحاطوا بالدار من كل ناحية فقال : أنشدكم بالله عز وجل هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يخير لكم وأن يجمعكم على خيركم ؟ فما ظنكم بالله ؟ أتقولونه لم يستجب لهم وهنتم على الله سبحانه ؟ وأنتم يومئذ أهل حقه من خلقه ، وجميع أموركم لم تتفرق.
    أم تقولون : هان على الله دينه فلم يبال من ولاه ؟ والدين يومئذ يعبد به الله ولم يتفرق أهله فتوكلوا ، أو تخذلوا وتعاقبوا ، أم تقولون : لم يكن أخذ عن مشورة ؟ وإنما كابرتم مكابرة ، فوكل الله الأمة إذا عصته ، لم تشاوروا في الإمام ، ولم يجتهدوا في موضع كراهته ، أم تقولون : لم يدر الله ما عاقبة أمري ؟ فكنت في بعض أمري محسنا ولأهل الدين رضى فما أحدثت بعد في أمري ما يسخط الله وتسخطون مما لم يعلم الله سبحانه يوم اختارني وسربلني سربال كرامته ، وأنشدكم بالله هل تعلمون لي من سابقة خير و سلف خير قدمه الله لي ، وأشهدنيه من حقه وجهاد عدوه ؟ حق على كل من جاء من بعدي أن يعرفوا لي فضلها ، فمهلا لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة : رجل زنى بعد إحصانه أو كفر بعد إسلامه ، أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها ، فإنكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثم لم يرفعه الله عنكم إلى يوم القيامة ولا تقتلوني فإنكم إن قتلتموني لم تصلوا من بعدي جميعا أبدا ، ولم تقتسموا بعدي فئ جميعا أبدا ، ولن يرفع الله عنكم الاختلاف أبدا.
    قالوا له : أما ما ذكرت من استخارة الله عز وجل الناس بعد عمر رضي الله عنه فيمن يولون عليهم ثم ولوك بعد استخارة الله ، فإن كل ما صنع الله الخيرة ، ولكن الله سبحانه جعل أمرك بلية ابتلى بها عباده.
    وأما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك قد كنت ذا قدم


(205)
وسلف وكنت أهلا للولاية ولكن بدلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت.
    وأما ما ذكرت مما يصيبنا إن نحن قتلناك من البلاء فإنه لا ينبغي ترك إقامة الحق عليك مخافة الفتنة عاما قابلا.
    وأما قولك : إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة ، فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت : قتل من سعى في الأرض فسادا ، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه ، و قتل من حال دون شيء من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه ، وقد بغيت ، ومنعت للحق وحلت دونه وكابرت عليه ، تأبى أن تقيد من نفسك من ظلمت عمدا ، وتمسكت بالإمارة علينا ، وقد جرت في حكمك وقسمك ، فإن زعمت أنك لم تكابرنا عليه وأن الذين قاموا دونك ومنعوك منا إنما يقاتلون بغير أمرك فإنما يقاتلون لتمسكك بالإمارة فلو أنك خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال دونك.
    قال البلاذري وغيره : لما بلغ أهل مصر ومن معهم ممن حاصر عثمان ما كتب به إلى ابن عامر ومعاوية فزادهم ذلك شدة عليه وجدا في حصاره وحرصا على معاجلته بالقتل.
    وكان طلحة قد استولى على أمر الناس في الحصار ، وأمرهم بمنع من يدخل عليه والخروج من عنده ، وأن يدخل إليه الماء ، وأتت أم حبيبة بنت أبي سفيان بادواة وقد اشتد عليه الحصار فمنعوها من الدخول فقالت : إنه كان المتولي لوصايانا وأمر أيتامنا وأنا أريد مناظرته في ذلك ، فأذنوا لها فأعطته الأدواة.
    وقال جبير بن مطعم : حصر عثمان حتى كان لا يشرب إلا من فقير في داره فدخلت على علي فقلت : أرضيت بهذا أن يحصر ابن عمتك حتى والله ما يشرب إلا من فقير في داره ؟ فقال : سبحان الله أو قد بلغوا به هذه الحال ؟ قلت : نعم ، فعمد إلى روايا ماء فأدخلها إليه فسقاه.
    ولما وقعت الواقعة ، وقام القتال ، وقتل في المعركة زياد بن نعيم الفهري في ناس من أصحاب عثمان ، فلم يزل الناس يقتتلون حتى فتح عمرو بن حزم الأنصاري باب داره وهو إلى جنب دار عثمان بن عفان ثم نادى الناس فأقبلوا عليهم من داره فقاتلوهم في جوف الدار حتى انهزموا وخلي لهم عن باب الدار فخرجوا هرابا في طرق المدينة و بقي عثمان في أناس من أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضي الله عنه


(206)
    أخرج ابن سعد والطبري من طريق عبد الرحمن بن محمد قال : إن محمد بن أبي بكر تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب ، وسودان ابن حمران ، وعمرو بن الحمق ، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف سورة البقرة فتقدمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال : قد أخزاك الله يا نعثل ! فقال عثمان : لست بنعثل ، ولكن عبد الله وأمير المؤمنين.
    فقال محمد : ما أغنى عنك معاوية وفلان و فلان.
    فقال عثمان : يا ابن أخي ! دع عنك لحيتي ، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه فقال محمد : ما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك.
    فقال عثمان : أستنصر الله عليك و أستعين به ثم طعن جبينه بمشقص (1) في يده.
    وفي لفظ البلاذري : تناول عثمان المصحف ووضعه في حجره وقال : عباد الله ! لكم ما فيه ، والعتبى مما تكرهون ، أللهم اشهد ، فقال محمد بن أبي بكر : الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ، ثم رفع جماعة قداح كانت في يده فوجأ بها في خششائه (2) حتى وقعت في أوداجه فحزت ولم تقطع ، فقال : عباد الله ! لا تقتلوني فتندموا و تختلفوا.
    وفي لفظ ابن كثير : جاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلا فأخذ بلحيته فعال بها حتى سمعت وقع أضراسه فقال : ما أغنى عنك معاوية ، وما أغنى عنك ابن عامر ، و ما أغنت عنك كتبك.
    وفي لفظ ابن عساكر : قال محمد بن أبي بكر : على أي دين أنت يا نعثل ؟ قال : على دين الاسلام ، ولست بنعثل ولكني أمير المؤمنين. قال : غيرت كتاب الله. فقال : كتاب الله بيني وبينكم. فتقدم إليه وأخذ بلحيته وقال : إنا لا يقبل منا يوم القيامة أن نقول : ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ، وشحطه بيده من البيت إلى باب الدار وهو يقول : يا ابن أخي ما كان أبوك ليأخذ بلحيتي.
    قال ابن سعد والطبري : ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه ثم علاه السيف حتى قتله.
1 ـ المشقص : نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض.
2 ـ الخششاء : العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الأذن.


(207)
    وفي رواية ابن أبي عون : ضرب كنانة بن بشر التجيبي جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فخر لجنبه ، قال الوليد بن عقبة أو غيره :
علاه بالعمود أخو تجيب فأوهى الرأس منه والجبينا (1)
    وضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خر لجنبه فقتله ، وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات ، وقال : أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله ، وأما ست فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه.
    وأقبل عمير بن ضابئ عليه فكسر ضلعا من أضلاعه ، وفي الإصابة : لما قتل عثمان وثب عمير بن ضابئ عليه فكسر ضلعين من أضلاعه.
    وقال المسعودي : وكان فيمن مال عليه عمير بن ضابئ البرجمي وخضخص بسيفه بطنه.
    وسيوافيك حديث آخر عنه لدة هذا.
    وفي لفظ الطبري وابن عبد ربه وابن كثير : ضربوه على رأسه ثلاث ضربات ، و طعنوه في صدره ثلاث طعنات ، وضربوه على مقدم العين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم وقد أثخنوه وبه حياة وهم يريدون قطع رأسه فألقت نائلة وابنة شبيبة بن ربيعة زوجتاه بنفسهما عليه ، فقال ابن عديس : اتركوه.
    فتركوه ووطئتا وطئا شديدا.
    وفي لفظ ابن كثير : في رواية : إن الغافقي بن حرب تقدم إليه بعد محمد بن أبي بكر فضربه بحديدة في فيه.
    وذكر البلاذري من طريق الحسن عن وثاب وكان مع عثمان يوم الدار وأصابته طعنتان كأنهما كيتان قال : بعثني عثمان فدعوت الأشتر له فقال : يا أشتر ! ما يريد الناس مني ؟ قال : يخيرونك أن تخلع لهم أمرهم ، أو تقص من نفسك وإلا فهم قاتلوك.
    قال : أما الخلع فما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله ، وأما القصاص فوالله لقد علمت أن صاحبي كانا يعاقبان ، وما يقوم بدني للقصاص ، وأما قتلي فوالله لئن قتلتموني لا تتحابون بعدي أبدا ولا تقاتلون عدوا جميعا أبدا.
    وقال وثاب : أصابتني جراحة فأنا أنزف مرة وأقوم مرة ، فقال لي عثمان : هل
1 ـ من المستغرب جدا أن أبا عمر ابن عبد البر ذكر هذا البيت في ( الاستيعاب ) في ترجمة مولانا أمير المؤمنين بعد ذكر قتله وقال : قال شاعرهم :
علاه بالعمود أخو تجوب فأوحى الراس منه والجبينا

(208)
عندك وضوء ؟ قلت : نعم فتوضأ ثم أخذ المصحف فتحرم به من الفسقة فبينا هو كذلك إذ جاء رويجل كأنه ذئب فاطلع ثم رجع ، فقلنا لقد ردهم أمر ونهاهم ، فدخل محمد بن أبي بكر حتى جثى على ركبتيه ، وكان عثمان حسن اللحية ، فجعل يهزها حتى سمع نقيض أضراسه ثم قال : ما أغنى عنك معاوية ، ما أغنى عنك ابن عامر ، فقال : يا ابن أخي ! مهلا فوالله ما كان أبوك ليجلس مني هذا المجلس ، قال : فأشعره وتعاونوا عليه فقتلوه.
    وأخرج من طريق ابن سيرين قال : جاء ابن بديل إلى عثمان ـ وكان بينهما شحناء ـ ومعه السيف وهو يقول : لأقتلنه ، فقالت له جارية عثمان : لأنت أهون على الله من ذلك ، فدخل على عثمان فضربه ضربة لا أدري ما أخذت منه.
    راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 3 : 51 ، أنساب البلاذري 5 : 72 ، 82 ، 83 92 ، 97 ، 98 ، الإمامة والسياسة 1 : 39 ، تاريخ الطبري 5 : 125 ، 131 ، 132 ، العقد الفريد 2 : 270 ، مروج الذهب 1 ، 442 ، الاستيعاب 2 : 477 ، 478 ، تاريخ ابن عساكر 4 : 372 ، الكامل لابن الأثير 3 : 72 ، 75 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 166 ، 168 ، تاريخ ابن خلدون 2 : 401 ، تاريخ أبي الفدا ج 1 : 170 ، تاريخ ابن كثير 7 ، 184 ، 185 ، 187 ، 188 ، حياة الحيوان للدميري 1 : 54 ، مجمع الزوائد 7 : 232 ، تاريخ الخميس 2 : 263 ، السيرة الحلبية 2 ، 85 ، الإصابة 2 : 215 ، إزالة الخفاء 2 : 239 ـ 242.

تجهيز الخليفة ودفنه
    أخرج الطبري من طريق أبي بشير العابدي قال : نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن ، ثم أن حكيم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبد العزى ، وجبير ابن مطعم كلما عليا في دفنه وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ، ففعل وأذن لهم علي ، فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة ، وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطا بالمدينة يقال له : حش كوكب (1) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلما خرج به على الناس رجموا سريره وهموا بطرحه ، فبلغ ذلك عليا ، فأرسل إليهم يعزم
1 ـ قال أبو عمر في ( الاستيعاب ) وياقوت في ( المعجم ) والمحب الطبري في ( الرياض ) : كوكب رجل من الأنصار ، والحش : البستان.

(209)
عليهم ليكفن عنه ، ففعلوا فانطلق به حتى دفن رضي الله عنه في حش كوكب ، فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع ، فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين.
    ومن طريق أبي كرب ـ وكان عاملا على بيت مال عثمان ـ قال : دفن عثمان رضي الله عنه بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه ، وأخذ الناس الحجارة وقالوا : نعثل نعثل ، وكادت ترجم ، فقالوا : الحائط الحائط ، فدفن في حائط خارجا.
    ومن طريق عبد الله بن ساعدة قال : لبث عثمان بعد ما قاتل ليلتين لا يستطيعون دفنه ثم حمله أربعة : حكيم بن حزام ، وجبير بن مطعم ، ونيار بن مكرم ، وأبو جهم ابن حذيفة.
    فلما وضع ليصلى عليه جاء نفر من الصحابة يمنعونهم الصلاة عليه فيهم : أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي ، وأبو حية المازني في عدة ومنعوهم أن يدفن بالبقيع فقال أبو جهم : ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته ، فقالوا : لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبدا ، فدفنوه في حش كوكب ، فلما ملكت بنو أمية أدخلوا ذلك الحش في البقيع ، فهو اليوم مقبرة بني أمية.
    ومن طريق عبد الله بن موسى المخزومي قال : لما قتل عثمان رضي الله عنه أرادوا حز رأسه فوقعت عليه نائلة وأم البنين فمنعهم وصحن وضربن الوجوه وخرقن ثيابهن ، فقال ابن عديس : اتركوه ، فأخرج عثمان ولم يغسل إلى البقيع ، وأرادوا أن يصلوا عليه في موضع الجنائز فأبت الأنصار ، وأقبل عمير بن ضابئ وعثمان موضوع على باب فنزا عليه فكسر ضلعا من أضلاعه وقال : سجنت ضابئا حتى مات في السجن.
    وأخرج ابن سعد والطبري من طريق مالك بن أبي عامر قال : كنت أحد حملة عثمان رضي الله عنه حين قتل ، حملناه على باب وأن رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به ، وإن بنا من الخوف لأمرا عظيما حتى واريناه في قبره في حش كوكب.
    وأخرج البلاذري من رواية أبي مخنف : إن عثمان رضي الله عنه قتل يوم الجمعة فترك في داره قتيلا ، فجاء جبير بن مطعم ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، ومسور بن مخرمة الزهري ، وأبو الجهم بن حذيفة العدوي ليصلوا عليه ويجنوه ، فجاء رجال من الأنصار


(210)
فقالوا : لا ندعكم تصلون عليه ، فقال أبو الجهم : ألا تدعونا نصلي عليه ؟ فقد صلت عليه الملائكة ، فقال الحجاج بن غزية : إن كنت كاذب فأدخلك الله مدخله ، قال : نعم حشرني الله معه ، قال ابن غزية : إن الله حاشرك معه ومع الشيطان ، والله إن ترك إلحاقك ، به لخطأ وعجز.
    فسكت أبو الجهم ، ثم إن القوم أغفلوا أمر عثمان وشغلوا عنه ، فعاد هؤلاء النفر فصلوا عليه ودفنوه ، وأمهم جبير بن مطعم وحملت أم البنين بنت عيينة بن حصن امرأة عثمان لهم السراج ، وحمل على باب صغير من جريد قد خرجت عنه رجلاه وأخرج حديث منع الصلاة عليه أبو عمر في ( الاستيعاب ) من طريق هشام بن عروة عن أبيه.
    وقال : إنه لقيهم قوم من الأنصار فقاتلوهم حتى طرحوه ، ثم توطأ عمير بن ضابئ بن الحارث بن أرطاة التميمي ثم البرجمي بطنه ، وجعل يقول : ما رأيت كافرا ألين بطنا منه ، وكان أشد الناس على عثمان ، فكان يقول يومئذ : أرني ضابئا ، أحي لي ضابئا ليرى ما عليه عثمان من الحال.
    وقال ابن قتيبة في الشعر والشعراء ص 128 : جاء عمير بن ضابئ حتى رفسه برجله.
    قال البلاذري : ودفن عثمان في حش كوكب وهو نخل لرجل قديم يقال له : كوكب ، ثم أقبل الناس حين دفن إلى علي فبايعوه وأرادوا دفن عثمان بالبقيع فمنعهم من ذلك قوم فيهم أسلم بن بجرة الساعدي ، ويقال : جبلة بن عمرو الساعدي ، وقال ابن دأب : صلى عليه مسور بن مخرمة.
    وقال المدائني عن الوقاضي عن الزهري : امتنعوا من دفن عثمان فوقفت أم حبيبة بباب المسجد ثم قالت : لتخلن بيننا وبين دفن هذا الرجل أو لأكشفن ستر رسول الله فخلوا بينهم وبين دفنه.
    وأخرج من طريق أبي الزناد قال : خرجت نائلة امرأة عثمان ليلة دفن ومعها سراج وقد شقت جيبها وهي تصيح : واعثماناه ، وأمير المؤمنيناه ، فقال لها جبير بن مطعم : أطفئي السراج فقد ترين من الباب ، فأطفأت السراج وانتهوا إلى البقيع ، فصلى عليه جبير وخلفه حكيم بن حزام ، وأبو جهم ، ونيار بن مكرم ، ونائلة وأم البنين امرأتاه ونزل في حفرته نيار وأبو جهم وجبير ، وكان حكيم والامرأتان يدلونه على الرجال
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: فهرس