الاطفال ومشاعر الخوف والقلق ::: 91 ـ 105
(91)
5 ـ من الناحية الثقافية :
    الخوف هو من العوامل الخطيرة على ثقافة الفرد والمجتمع بالمعنى العام للكلمة. فانى للشخص شديد الخوف ، البحث والالتزام بفلسفة واضحة عن الحياة ومسائلها ؟ فهو عاجز عن التفكير بحرية وغير قادر على البحث عن العلم والفكر ؟ ان الالتزام بالاوهام والخرافات لايبقي له فكراً صحيحاً.
    ان الشخص شديد الخوف لايستطيع التفكير بوضوح من الناحية الكفرية والفلسفية الا بصعوبة. وهو بعيد ومنعزل عن الادب ولافي الاستفادة من فنون العمل الادبي ، وكلامه لايتعدى حدود رفع الحاجة الضرورية. وتسير الكتابة والشعرعنده نحو الانحطاط.
    تتكون بينه وبين الخوف علاقة ألفة بمرور الزمن ، وتوجد بين الخوف والخرافة رابطة ألفة اخرى ـ الى حد يجيز لنا القول بان الخرافة هي خوف متبلور يتجسد في الانسان ويحوله تدريجياً الى إنسان ممسوخ.
    ومع اننا نقر بصحة الخوف المعقول ، الا اننا نفر من المخاوف التي لا معنى لها ونحن على ثقة ان من نتائج الخوف ما يلي :
    الاسراف في نشاط الذهن ، وعجز البدن عن النشاط والسرور ، وزوال الحركة والجهد ، وتحول سلوك الشخص الى سلوك طفولي ، حتى انه يدفع الانسان الى التظاهر بالشجاعة فقط.
    الخوف يدفع الانسان في بعض الحالات الى العصبية ، ويحفزه للتشبث بالطبيب والحقنة والدواء حتى يتحول الى تعذيب مؤلم للشخص.


(92)
ضرورة الاصلاح
    ـ المحافظة على الوجود وصيانته من الخطر.
    ـ المواجهة والدفاع عن النفس امام العدو.
    ـ المحافظة على الذات في المجتمع الانساني.
    ـ انه من الدوافع لاداء الواجبات.
    ـ انقاذ المال والأمن من الاخطار العديدة التي تعترض حياة الانسان نعم ان كثيرا من الاشخاص لا يقدرون الواجب كما ينبغي ، وليس لديهم ضمير حي يحفزهم على اداء الواجبات. ويفيد الخوف في توعية هؤلاء بواجبهم.

    ان اغلب المخاوف قابلة للزوال وخاصة التي تنشأ في فترة الطفولة ، ويتحقق ذلك من خلال :
    ـ نضج العقل والتفكير لدى الاطفال.
    ـ مرور الزمن واكتساب التجارب.


(93)
    ـ زوال المثيرات المرعبة.
    ـ ارتفاع مستوى الادراك والوعي عند الاشخاص.
    واخيراً اصلاح الحياة ، وهو عامل مهم لزوال الخوف ، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها وهي ان طبيعة الحياة توجب على الناس ممارسة واجباتهم والمجازفة بتحمل الكثير من المسؤوليات والمهام الصعبة ، واذا وقف الخوف مانعاً في طريقهم فلا بد لهم ان يتجاهلوه ويتقدموا ، بجرأة وقوة ، وهذا عامل مهم في زوال الخوف.

    ومع ذلك يجب اصلاح المخاوف الخطيرة والتي لا معنى لها ، ويجب النظر الى هذا الامر بجدية في فترة الطفولة حيث قد يكون خطيراً عليهم في الحاضر والمستقبل.
    ان كثيراً من المخاوف في فترة الطفولة ترافق الانسان وتنمو وتتسع بالتدريج وهذا خطر يفرض على الأبوين الحذر منه.
    يجب الاسراع بابعاد الخوف من ذهن الطفل ، والا فيصبح طبعاً ثابتاً لديه ، ويمهد لظهور بعض المضاعفات ، وهناك مخاوف تتحول الى كابوس دائم يقتل الانسان وينهك قواه أو تستمر معه حتى فترة الشباب وسنين الكبر.

    يمكن السيطرة على المخاوف العصبية وغيرها ، كما ان بعضها قابل للعلاج تماماً حيث ان المخاوف في فترة الطفولة تعالج بسرعة .. ومع تقدم العمر والنمو


(94)
التدريجي يصعب علاجها اذا ثبت الخوف في النفوس. ان الجزء الاكبر من المخاوف الضارة التي تعكر صفو حياة الانسان قابلة للعلاج ويمكن التخلص منها ، وهذا لا يعني عدم امكانية الاصلاح والعلاج لدى الكبار ، بل يعني صعوبة هذا الامر.
    قلنا انه يجب الاسراع بالعلاج ، خاصة لان المخاوف في فترة الطفولة تعم وتمهد لمخاوف اخرى وتسلب من الانسان لذة الحياة كما ان اتساعها يؤدي الى اضطرابات شديدة وتدفع الانسان احياناً الى تضخيم كل حادثة صغيرة والخوف منها. ان ما نطرحه بشأن اصلاح الخوف هو الخوف الذي لا يفيدنا وجوده ، والهدف هو ان يكون لدينا محرك مثير للنشاط بدلاً من الخوف.


(95)


(96)

(97)
    نتناول في هذا الباب ثلاثة فصول :
    نبحث في الفصل الاول مايجب عمله في طريق الاصلاح والعلاج ، وفيه يدور الكلام حول معرفة الاساس والدرجة والسن ، والقيام بازالته.
    وفي فصل آخر نطرح طرق العلاج ونحاول تقديم حوالي عشرين طريقة على الاقل ، وعدد الطرق هو اكثر من هذا بالطبع. وسنطرح جزءاً منه باختصار.
     والفصل الثالث ينظوي تحت عنوان ( قواعد في العلاج ) حيث نسعى لتقديم عدة قواعد مثل قاعدة الملاطفة وقاعدة الهدوء وقاعدة الحماية والاطمئنان والأمن والعمل والحياة الجماعية والتدريج والاسراع ...


(98)

(99)
في طريق العلاج
    المقدمة :
    الغرض من هذا البحث هو طرح قواعد في اطار تهذيب الخوف كي تكون مقدمة لطرق علاجه ، ولاشك ان الاجراءات لا يمكن ان تصل الى نتيجة واضحة وبناءة بدون الاطلاع على هذه القواعد. اما في مجال الاصلاح والعلاج :
    1 ـ معرفة الاساس : يجب ـ اولاً ـ العمل على معرفة الاساس حتى تحدد عوامله واسبابه تماماً. اذ يجب ان يتضح مم يخاف ولماذا يخاف ، هل هو خوف على النفس ام خوف على الكرامة والمكانة ؟
    كما يجب ان يتضح نوع الخوف ، وهل هو فطري ام اكتسابي ؟ معقول ام غير معقول ؟ ظاهر ام خفي في اغلب الحالات ؟ عادي ام مرضي ؟ هل يذكر الطفل سبباً مقبولا لذلك ، ويعتبره عاملاً لتهديده ام انها مجرد اوهام ؟ وما الذي دفعه ؟ فهو يخاف احياناً من مناظر وأصوات مجهولة وتارة يخاف من حركة شيء و ... وطبيعي ان لكل واحدة من الحالات الآنفة طريقة خاصة في المعالجة.


(100)
    2 ـ درجته : يجب معرفة مرحلة الخوف لدى الطفل ، فتارة يكون الطفل شديد الخوف ، الا انه لايعاني من مشقة ، فحياته عادية نسبياً حيث يعيش في عائلة محافظة ورؤوفة وهو محبوب من قبل الآخرين. وتارة يسلب الخوف من الطفل نومه وراحته ، ويصبح من شدة الخوف متعلقاً بغيره تماماً بحيث لا يستطيع القيام بأي عمل. فلا يستطيع الذهاب لوحده الى ساحة البيت ولا الحضور في وسط الناس في المدرسة ولايتمكن ان يستقر ويهدأ في الغرفة. يعيش دائماً في بؤس وشقاء. ومن الطبيعي انه يجب مكافحة هذا الخوف بسرعة وانقاذه من تلك الهواجس.
    3 ـ ازالته : يجب السعي في هذه المرحلة لازالة اساس الخوف أو جعل الطفل في وضع يتمكن من تحمل الحياة والسيطرة على خوفه.
    ويمكن رفع المخاوف ـ او السيطرة عليها على الاقل ـ وذلك على ضوء بعض الامكانات ، وعلى اساس اختيار بعض الطرق التي سنتناولها باهتمام في الفصل اللاحق.
    ان لكل نوع من انواع الخوف طريقة علاج ومراقبة ، ويجب ان يهتم المربي بذلك ، وفي حالة الضرورة لابد من الاستعانة بالطبيب والاخصائي ، وسنطرح بحثاً تفصليا في هذا المجال.
    4 ـ البديل : من الضروري في المرحلة اللاحقة رفع الخوف وإحلال الجرأة و الشجاعة محله. ان التغطية على الخوف لاتحل المشكلة بل ويجب الاهتمام بأصل المشكلة كي ترتفع ، وتزول تجارب الطفولة بسرعة. والطفل يمتاز عادة بالمرونة والقابلية على التغير بسرعة.
    الاسلام يريد « المؤمن الاصلب من الجيل » حسب تعبير النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فاذا استطعنا ازالة الخوف تمكنا ـ من خلال بعض الطرق ـ ان نبني من هؤلاء


(101)
الاشخاص ابطالا يقومون بأعمال تحير العقول. وقد رأينا امثلة ذلك في الحياة اليومية ، وهناك امثلة في التاريخ. وعندما يأمر الاسلام بمكافحة الخوف فذلك يعني ان المسألة ممكنة.
    5 ـ استمرار المكافحة : قد تترسخ المخاوف لدى الاشخاص ، ويصبح علاجها واستئصالها شبه مستحيل في تلك الحالة. واذا تمكنا من علاج الخوف فيجب ان لا نرضى ونقتنع بهذا القدر لان حالاته قد تعود الى الاشخاص مجدداً ، فكثير من العادات والتصرفات في فترة الطفولة تعود وتجلب لهم العناء.
    نعم ، يزول الألم بعد علاج الخوف. ان الخوف من الطبيب يزول في الظاهر ويتجرأ الطفل ، الا ان تلك الحالة قد تعود الى الاطفال بأدنى تجربة مرة ويشتد خوفه ، فاستخدام بعض الفنون والاساليب يزيل خوف الطفل من القطة ويألفها لفترة من الزمن ، ولكن خوفه يتزامن مع الغضب وعدم الاهتمام بارشاد الام والاب اذا ضربته القطة بمخالبها مرة ثانية وجرحت يده. وسنبحث هذا في فصل آخر.


(102)

(103)
طرق العلاج
    المقدمة :
    ذكرنا انه يجب السيطرة على الخوف واستئصاله عند الامكان ، ومن الافضل الاسراع في هذا العمل. كما يجب القيام بهذه المراقبة كي لايشتد الخوف ويسيطر على الاشخاص ، وفي تلك الحالة تتعرض سعادة الانسان الى الاهتزاز.
    نحن مكلفون بحكم الدين والعقل ببناء انفسنا ومجتمعنا ، وأن نستفيد من امكانات الحياة ومن المصادر الموجودة على الارض والتي خلقها الله للبشر ، ولا يتأتى لنا استغلالها الا بعد ان نشمر عن السواعد وندخل ميدان الحياة بجرأة. ومن الضروري توفر محيط عاطفي سليم للحصول على السعادة.


(104)

(105)
    هناك طرق وفنون في كيفية علاج الخوف ، وكثير منها يمكن ان يقوم به أناس غير اخصائيين ، اي الآباء والامهات. ولكل عائلة اسلوبها في رفع خوف الابناء ، وقد يكون الاسلوب جيداً من حيث تناسبه مع ظروف المحيط وامكاناته. وفي ما يلي نوضح الموارد الي تمارسونها انتم عملياً مع بعض الحذف والاضافة :
    1 ـ الوعي والافهام : الجهل اساس لكثير من المخاوف. ويخاف الاشخاص انطلاقاً من جهلهم بذلك الشيء او تلك الظاهرة وعدم معرفتهم بشكل وكيفية المسألة الفلانية. ولهذا يعالج الطفل اذا رفعنا مستوى وعيه وأفهمناه ان الامر الفلاني ليس مفزعاً.
    كذلك يجب افهام الطفل او الفتى ـ بالكلام ـ ان خوفه خيال ووهم وليس امراً حقيقياً. يجب افهامه مثلاً ان القطة ليست حيواناً وحشيا وان الغرفة لا يقع فيها اثناء الظلام ما يوجب الخوف ، واحيانا يجب اخذه الى غرفة مظلمة واضاءة المصباح حتى يعلم انه ليس فيها خطر. وهذا يتطلب تعليم الطفل في حدود ادراكه وفهمه انه لا يوجد سبب للخوف واذا كان موجوداً فيجب ان يبين حتى يعالج.
    والخلاصة هي ان الكلام من عوامل رفع الخوف ، خاصة اذا كان مقروناً بمنطق الاطفال.
    2 ـ بيان علاقات العلة والمعلول : يجب افهام الطفل الذي يتجاوز عمره 6 سنوات فما فوق ان لكل واقعة أسساً ولا يحدث اي امر بشكل تلقائي وبدون سبب ، وان مايحدث للانسان في عالم الوجود يقوم على قاعدة ولايحدث الخوف مالم ينطلق من اسبابه.
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق ::: فهرس