الاعتقادات ::: 46 ـ 60
(46)
    وأما العرش الذي هو العلم ، فحملته أربعة من الأولين ، وأربعة من الآخرين.
    فأما الأربعة من الأولين : فنوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى. وأما الأربعة من الآخرين : فمحمد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، صلى الله عليهم . هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ في العرش وحملته.
    وإنما صار هؤلاء حملة العرش الذي هو العلم (1) لأن الأنبياء الذين كانوا قبل نبينا (ص) كانوا على شرائع الأربعة (2) : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، ومن قبل هؤلاء (3) صارت العلوم إليهم ، وكذلك صار العلم من بعد محمد وعلي والحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ إلى من بعد الحسين من الأئمة ـ عليهم السلام.
1 ـ العبارة في ق ، س : وإنما صار هؤلاء حملة العلم.
2 ـ في ر زيادة : من الأولين.
3 ـ في ر زيادة : الأربعة.


(47)
    قال الشيخ أبو جعفر ـ عليه السلام ـ رحمه الله : اعتقادنا في النفوس أنها هي الأرواح التي بها الحياة ، وأنها الخلق الأول ، لقول النبي (ص) : ( إن أول ما أبدع الله سبحانه وتعالى هي النفوس المقدسة المطهرة (1) ، فأنطقها بتوحيده ، ثم خلق بعد ذلك سائر خلقه ).
    واعتقادنا فيها أنها خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء ، لقول النبي (ص) : ( ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء ، وإنما تنقلون من دار إلى دار ).
    وأنها في الأرض غريبة ، وفي الأبدان مسجونة.
    واعتقدنا فيها أنها إذا فارقت الأبدان فهي باقية ، منها منعمة ، ومنها معذبة ، إلى أن يردها الله تعالى بقدرته إلى أبدانها.
    وقال عيسى بن مريم للحواريين : ( بحق أقول لكم ، أنه لا يصعد إلى السماء إلا ما نزل منها ).
    وقال تعالى : ( ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه ) (2) فما
1 ـ ف س : مقدسة مطهرة.
2 ـ الأعراف 7 : 176.


(48)
لم يرفع منها إلى الملكوت بقي يهوى في الهاوية ، وذلك لأن الجنة درجات والنار دركات.
    وقال تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) (1).
    وقال تعالى : ( إن المتقين في جنت ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) (2).
    وقال تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (3)
    وقال تعالى : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) (4).
    وقال النبي (ص) : ( الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ) (5).
    وقال الصادق ـ عليه السلام ـ : ( إن الله تعالى آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام ، فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ، ولم يرث (6) الأخ من الولادة ).
    وقال ـ عليه السلام ـ : ( إن الأرواح لتلتقي في الهواء فتعارف فتساءل ، فإذا أقبل
1 ـ المعارج 70 : 4.
2 ـ القمر 54 : 54 و 55.
3 ـ آل عمران 3 : 169 ، 170.
4 ـ البقرة 2 : 154.
5 ـ رواه مسندا المصنف في علل الشرائع 1 : 84 عن الصادق ـ عليه السلام.
6 ـ كذا في النسخ وموضع من البحار 61 : 78 ، وفي موضع آخر 6 : 249 يورث.


(49)
روح من الأرض قالت الأرواح : دعوه (1) فقد أفلت من هول عظيم ، ثم سألوه ما فعل فلان وما فعل فلان ، فكلما قال قد بقي رجوه أن يلحق بهم ، وكلما قال قد مات قالوا هوى هوى ) (2).
    وقال تعالى : ( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) (3).
    وقال تعالى : ( وأما من خفت موازينه فأمه هواية وما أدراك ما هية نار حامية ) (4).
    ومثل الدنيا وصاحبها (5) كمثل البحر والملاح والسفينة.
    وقال لقمان ـ عليه السلام ـ لابنه : يا بني ، إن الدنيا بحر عميق وقد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان بالله ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، واجعل شراعها التوكل على الله. فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك ) (6).
    وأشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات (7) : يوم يولد ، ويوم يموت ، يوم يبعث حيا.
    ولقد سلم الله تعالى على يحيى في هذه الساعات ، فقال الله تعالى : ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) (8).
1 ـ العبارة في النسخ : ( فإذا أقبل روح من الأرض فدعوه ) وما أثبتناه من ج وهامش ر.
2 ـ نحوه رواه مرسلا المصنف في الفقيه 1 : 123 ح 593 ، ورواه مسندا الكليني في الكافي 3 : 244 باب في أرواح المؤمنين.
3 ـ طه 20 : 81.
4 ـ القارعة 101 : 8 ـ 11.
5 ـ ليست في ق ، س.
6 ـ رواه مرسلا المصنف في كتابه الفقيه 2 : 185 باب الزاد في السفر ح 833. وفي ر ، وهامش م :
    ( واجعل شراعك فيها التوكل ). وفي ق ، ر : ( وإن هلكت فبذنوبك لا من الله ).
7 ـ العبارة في ق ، س : وأشد ساعاته.
8 ـ مريم 19 : 15.


(50)
    وقد سلم فيها (1) عيسى على نفسه فقال ( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) (2) والاعتقاد في الروح أنه ليس من جنس البدن ، وأنه خلق آخر ، لقوله تعالى : ( ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) (3).
    واعتقدنا في الأنبياء والرسل والأئمة ـ عليهم السلام ـ إن فيهم خمسة أرواح : روح القدس ، وروح الإيمان ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح المدرج.
    وفي الكافرين والبهائم ثلاثة أرواح : روح القوة ، روح الشهوة ، وروح المدرج.
    وأما قوله تعالى : ( ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) (4) فإنه خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله والأئمة ـ عليهم السلام ـ (5) ومع الملائكة ، وهو من الملكوت.
    وأنا أصنف في هذا المعنى كتابا أشرح فيه معاني هذه الجمل إن شاء الله تعالى.
1 ـ أثبتناها م ، ج.
2 ـ مريم 19 : 33.
3 ـ المؤمنون 23 : 14.
4 ـ الاسراء 17 : 85.
5 ـ والأئمة ـ عليهم السلام ـ ، ليست في ق ، س ، وقد أثبتت في هامش م ، ر مذيلة بإشارة غير واضحة إن كانت تعني بدلا عن الملائكة أو إضافة إليها. مع ملاحظة أن أحاديث الباب في الكافي 1 : 215 ، والمنقول عن كتابنا في بحار الأنوار 61 : 79 ، أثبتا الأئمة فقط.


(51)
    قيل لأمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ صف لنا الموت ؟.
    فقال ـ عليه السلام ـ : ( على الخبير سقطتم ) ، هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه :
    إما بشارة بنعيم الأبد ، وإما بشارة بعذاب الأبد ، وإما بتحزين (1) وتهويل وأمر مبهم (2) لا يدري من أي الفرق هو.
    أما ولينا والمطيع لأمرنا فهو المبشر بنعيم الأبد.
    وأما عدونا والمخالف لأمرنا ، فهو المبشر بعذاب الأبد.
    وأما المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله ، فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول حاله (3) يأتيه الخبر مبهما مخوفا (4) ثم لن يسويه الله بأعدائنا ، ويخرجه من النار بشفاعتنا.
    فاعلموا (5) وأطعيوا ولا تتكلوا (6) ولا تستصغروا عقوبة الله ، فإن من
1 ـ في ق : بتخويف.
2 ـ ( وأمر مبهم ) أثبتناها من م.
3 ـ ( لا يدري ما يؤول حاله ) أثبتناها من م.
4 ـ العبارة في النسخ مضطربة ، فهي ما بين : ( الخير / الخبر ، مبهما / منهما ) ولكنها تتفق في : ( محرفا ) وما أثبتناه من ج ومعاني الأخبار.
5 ـ في هامش س : ( فاعقلوا ) وفي بعض النسخ : ( فاعتملوا ).
6 ـ في ر : ( تتكلموا ) ، وتقرأ في بقية النسخ : ( تنكلوا ).


(52)
المسرفين من لا يلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة (1).
    وسئل الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ ، ما الموت الذي جهلوه ؟
    فقال ـ عليه السلام : ( أعظم سرور يرد على المؤمنين إذ نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد ، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد ) (2).
    ولما اشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهما السلام ـ : نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم ، لأنهم إذا اشتد بهم الأمر تغيرت ألوانهم ، وارتعدت فرائصهم ، ووجلت قلوبهم ، ووجبت جنوبهم. وكان الحسين ـ عليه السلام ـ وبعض من معه من خواصه (3) تشرق ألوانهم ، وتهدأ جوارحهم ، وتسكن نفوسهم.
    فقال بعضهم لبعض : أنظروا إليه لا يبالي بالموت.
    فقال لهم الحسين ـ عليه السلام ـ : ( صبرا بني الكرام ، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضر (4) إلى الجنان الواسعة والنعم (5) الدائمة ، فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ، وهؤلاء أعداؤكم كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب أليم : إن أبي حدثني عن رسول الله : إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
    والموت جسر (6) هؤلاء إلى جناتهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كذبت ولا كذبت ) (7).
1 ـ رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار : 288 باب معنى الموت ح 2.
2 ـ المصدر السابق ، ح 3.
3 ـ في جميع النسخ والبحار ومعاني الأخبار : خصائصه ، وما أثبتناه من ج.
4 ـ في م : والضراء.
5 ـ في م ، س : والنعيم ، وفي ر : والنعمة.
6 ـ في ق : حشر ، وكذا التبي بعدها.
7 ـ رواه المصنف في معاني الأخبار : 288 باب معنى الموت ح 3.


(53)
    وقيل لعلي بن الحسين : ما الموت ؟
    فقال ـ عليه السلام ـ : ( للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة ، وفك قيود وأغلال ثقيلة ، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح ، وأوطأ المراكب ، وآنس المنازل.
    وللكافر كخلع ثياب فاخرة ، والنقل عن منازل أنيسة ، والاستبدال (1) بأوسخ الثياب وأخشنها ، وأوحش (2) المنازل ، وأعظم العذاب ).
    وقيل لمحمد بن علي ـ عليه السلام ـ : ما الموت ؟
    فقال : ( هو النوم الذي يأتيكم في كل ليلة ، إلا أنه طويل مدته (3) لا ينتبه (4) منه إلا يوم القيامة. فمنهم من رأى في منامه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره ، ومنهم من رأى في نومه من أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره ، فكيف حال من فرح في الموت (5) ووجل فيه ! هذا هو الموت فاستعدوا له ) (6).
    وقيل للصادق ـ عليه السلام ـ : صف لنا الموت ؟
    فقال : ( هو للمؤمنين كأطيب ريح يشمه فينعس (7) لطيبه فينقطع (8) التعب والألم كله عنه. وللكافر كلسع الأفاعي وكلدغ العقارب وأشد ).
    قيل : فإن قوما يقولون (9) هو أشد من نشر بالمناشير ، وقرض بالمقاريض ،
1 ـ في م : والاستقبال.
2 ـ في ر ، وهامش م : أضيق.
3 ـ في م ، ر : المدة
4 ـ في س : ينتبه.
5 ـ في ر : النوم.
6 ـ رواه المصنف في معاني الأخبار : 289 باب معنى الموت ح 5 مع اختلاف في بعض الجمل.
7 ـ أثبتناها من ق وهامش م ، وفي النسخ : ( فينعش ).
8 ـ أثبتناها من ر ، وفي النسخ : ( فيقطع ).
9 ـ في ق ، س ، ر زيادة : إنه.


(54)
ورضخ بالحجارة ، وتدوير قطب الأرحية في الأحداق ؟
    فقال : ( كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين ، ألا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد فذلك الذي هو أشد من هذا ( إلا من عذاب الآخرة فإنه أشد ) من عذاب الدنيا ).
    قيل : فما لنا نرى كافرا يسهل عليه النزع فينطفئ ، وهو يتحدث ويضحك ويتكلم ، وفي المؤمنين من يكون أيضا كذلك ، وفي المؤمنين والكافرين من يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد ؟
    قال ـ عليه السلام ـ : ( ما كان من راحة هناك للمؤمنين فهو عاجل ثوابه ، وما كان من شدة فهو تمحيصه من ذنوبه ، ليرد إلى الآخرة نقيا (1) نظيفا مستحقا لثواب الله ليس له مانع دونه. وما كان من سهولة هناك على الكافرين فليوفى (2) أجر حسناته في الدنيا ، ليرد الآخرة وليس له إلا ما يوجب عليه العذاب ، وما كان من شدة على الكافر هناك فهو ابتداء عقاب الله عند نفاد حسناته ، ذلكم بأن الله عدل لا يجوز ) (3).
    ودخل موس بن جعفر ـ عليه السلام ـ على رجل قد غرق في سكرات الموت وهو لا يجيب داعيا ، فقالوا له : يا بن رسول الله ، وددنا لو عرفنا كيف حال صاحبنا ، وكيف يموت ؟ فقال : ( إن الموت هو المصفاة : يصفي المؤمنين من ذنوبهم ، فيكون آخر ألم يصيبهم كفارة آخر وزر عليهم. ويصفي الكافرين من حسناتهم ، فتكون آخر لذة أو نعمة أو رحمة تلحقهم هو آخر ثواب حسنة تكون لهم. أما صاحبكم
1 ـ في ق : تقيا.
2 ـ في م ، س : فليتوفى.
3 ـ رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار : 287 باب معنى الموت ح 1 ، وعلل الشرائع : 298 ح 2 ، ومنهما ما أثبتناه بين المعقوفين.


(55)
فقد نخل من الذنوب نخلا (1) وصفي من الآثام تصفية ، وخلص حتى نقى كما ينقى ثوب من الوسخ ، وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في (2) دارنا دار الأبد ) (3).
    ومرض رجل من أصحاب الرضا ـ عليه السلام ـ فعاده ، فقال : ( كيف تجدك ؟ ) فقالت : لقيت الموت بعدك ، يريد به ما لقي من شدة مرضه.
    فقال : ( كيف لقيته ؟ ) فقال : أليما شديدا.
    فقال : ( ما لقيته ، ولكن لقيت ما ينذرك به ، ويعرفك بعض حاله. إنما الناس رجلان : مستريح بالموت ، ومستراح منه (4) فجدد الإيمان بالله (5) وبالولاية تكن مستريحا ). ففعل الرجل ذلك (6) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
    وقيل لمحمد بن علي بن موسى ـ عليهم ـ : ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت ؟.
    فقال : ( لأنهم جهلوه فكرهوه ، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله حقا لأحبوه ، ولعلموا أن الآخرة خير لهم من الدنيا ).
    ثم قال : ( يا عبد الله ، ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقي لبدنه والنافي للألم عنه ؟ ). فقال : لجهلهم بنفع الدواء.
    فقال : ( والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، إن من قد استعد للموت حق الاستعداد فهو (7) أنفع لهم من هذا الدواء لهذا المتعالج ، أما إنهم لو علموا ما
1 ـ العبارة في م : ( فقد خلي منا الذنوب تخلية ) وليس في ق ، س : ( نخلا ).
2 ـ في م ، ق : ( وفي ).
3 ـ رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار : 289 باب معنى الموت ح 6.
4 ـ أثبتناها من هامش ر ، وفي النسخ : ( به ).
5 ـ في ج ، وهامش ر زيادة : وبالنبوة
6 ـ رواه مسندا المنصف في معاني الأخبار : 289 باب معنى الموت ح 7.
7 ـ أثبتناها من ج ، وهامش ر ، وفي النسخ : ( إنه ).


(56)
يؤدي إليه الموت من النعم ، لاستدعوه وأحبوه أشد مما يستدعي العاقل الحازم الدواء ، لدفع الآفات واجتلاب السلامات (1).
    ودخل علي بن محمد ـ عليهما السلام ـ على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت ، فقال له : ( يا عبد الله ، تخاف من الموت لأنك لا تعرفه ، أرأيتك إذا اتسخت ثيابك وتقذرت ، وتأذيت بما عليك من الوسخ والقذرة ، وأصابك قروح وجرب ، وعلمت أن الغسل في حمام يزيل عنك ذلك كله ، أما تريد أن تدخله فتغسل فيزول (2) ذلك عنك ، أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك ؟ قال : بلى يا ابن رسول الله.
    قال : ( فذلك الموت هو ذلك الحمام ، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك ، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته ، فقد نجوت من كل غم وهم وأذى ووصلت إلى سرور وفرح ). فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض عين نفسه ومضى لسبيله (3).
    وسئل الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ عن الموت ، ما هو ؟ فقال : ( هو التصديق بما لا يكون. إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن الصادق ـ عليه السلام ـ أنه قال : إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا ، وإن الكافر هو الميت ، إن الله عزوجل يقول : ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) يعني المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن (4).
1 ـ رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار : 290 باب معنى الموت ح 8.
2 ـ ليست في ق ، س.
3 ـ رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار : 290 باب معنى الموت ح 9.
4 ـ رواه المصنف في معاني الأخبار : 290 باب معنى الموت ح 9. والآية الكريمة من سورة يونس 10 : 31.


(57)
    وجاء رجل إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال يا رسول الله ، ما بالي لا أحب الموت ؟ قال :
    ( ألك مال؟ ). قال : نعم قال ( قدمته ؟ ). قال : لا. قال : ( فمن ثمن لا تحب الموت ) (1).
    وقال رجل لأبي ذر ـ رحمة الله عليه ـ : ما لنا نكره الموت ؟ فقال : لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة ، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب.
    وقيل له : كيف ترى قدومنا على الله ؟ قال : أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه.
    قيل : فيكف ترى حالنا عند الله ؟ فقال : اعرضوا أعمالكم على كتاب الله ، يقول الله تعالى : ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ).
    قال الرجل : فأين رحمة الله ؟ قال : ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) (2).
1 ـ رواه مسندا في الخصال 1 : 13 باب الواحد ح 47.
2 ـ النصوص المروية عن أبي ذر ـ رضوان الله عليه ـ رواها مسندة الكليني في الكافي 2 : 331 باب محاسبة العمل ح 20. وفي هامش م ، ر : فكالآبق يقدم على مولاه وهو منه خائف. والآيتان على التوالي في : الانفطار 82 : 13 ، 14 ، الأعراف 7 : 56.


(58)
    قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : اعتقادنا في المسألة في القبر أنها حق لا بد منها ، فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره ، وبجنة نعيم في الآخرة ، ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره وتصلية جحيم في الآخرة.
    وأكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة ، وسوء الخلق ، والاستخفاف بالبول.
    وأشد ما يكون عذاب القبر على المؤمن (1) مثل اختلاج العين أو شرطة حجام ويكون ذلك كفارة لما بقي عليه من الذنوب التي (2) لم تكفرها الهموم والغموم والأمراض وشدة النزع عند الموت ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفن فاطمة بنت أسد في قميصه بعد ما فرغ النساء من غسلها ، وحمل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها ، ثم وضعها ودخل القبر واضطجع فيه ، ثم قام فأخذها على يديه ووضعها في قبرها ، ثم انكب عليها يناجيها طويلا ويقول لها :
    ابنك ابنك ، ثم خرج وسوى عليها التراب ، ثم انكب على قبرها ، فسمعوه وهو يقول (3) : ( اللهم إني استودعتها (4) إياك ) ثم انصرف.
1 ـ في هامش م ، ر زيادة : المحق.
2 ـ في ج زيادة : لا.
3 ـ في ج ، وهامش ر زيادة : ( لا إله إلا الله ).
4 ـ أثبتناها من م ، وفي النسخ : ( أودعتها ).


(59)
    فقال له المسلمون : يا رسول الله ، إنا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل اليوم ؟.
    فقال : ( اليوم فقدت بر أبي طالب ، إنها كانت يكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها. وإني ذكرت يوم القيامة يوما وأن الناس يحشرون عراة ، فقالت : وا سوأتاه ، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية. وذكرت ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه ، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك. فكفنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك ، وانكببت عليها فلقنتها ما تسأل عنه.
    وإنما سئلت عن ربها فقالت الله ، وسئلت عن نبيها فأجابت (1) ، وسئلت عن وليها وإمامها فارتج عليها ، فقلت لها : ابنك ، ابنك. فقالت (2) ولدي وليي وإمامي ، فانصرفا عنها وقالا : لا سبيل لنا عليك ، نامي كما تنام العروس في خدرها. ثم إنها ماتت موتة ثانية.
    وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى قوله : ( ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ) (3).
1 ـ العبارة في ر : فقالت : الله ربي ، وسئلت عن نبيها فقالت محمد نبيي.
2 ـ من هنا إلى نهاية الباب ليست في ق ، س.
3 ـ غافر 40 : 11.


(60)
    قال الشيخ ـ رحمه الله ـ اعتقادنا في الرجعة أنها حق.
    وقد قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ) (1).
    كان هؤلاء سبعين ألف (2) بيت ، وكان يقع فيهم الطاعون كل سنة ، فيخرج الأغنياء لقوتهم ، ويبقى الفقراء لضعفهم. فيقل (3) الطاعون في الذين يخرجون ، ويكثر في الذين يقيمون ، فيقولون الذين يقيمون : لو خرجنا لم أصابنا الطاعون ، ويقول الذين خرجوا : لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.
    فأجمعوا على أن يخرجوا جميعا من ديارهم إذا كان وقت الطاعون ، فخرجوا بأجمعهم ، فنزلوا على شط بحر ، فلما وضعوا رحالهم ناداهم الله : موتوا ، فماتوا جميعا ، فكنستهم المارة عن الطريق ، فبقوا بذلك ما شاء الله.
    ثم مر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له إرميا ، فقال : ( لو شئت يا رب لأحييتهم فيعمروا بلادك ، ويلدوا عبادك ، وعبدوك مع من يعبدك ). فأوحى الله
1 ـ البقرة 2 : 243.
2 ـ في بعض النسخ : ألف أهل البيت.
3 ـ في ق ، س : يقع ، وفي م ، ر : فيدفع ، وما أثبتناه من هامش الأخيرتين.
الاعتقادات ::: فهرس