اللآلئ العبقرية في شرح العينيّة الحميرية ::: 91 ـ 105
(91)
الصوت في مواضعها ، إلاّ أنّه تعرض لها أعراض توجب خروج الصوت من غير مواضعها ، أمّا اللاّم فلأنّ مخرجها أعني طرف اللسان ، وإن لم يتجاف عن الحنك عند النطق حتى يجري الصوت بينهما ، إلاّ أنّه لم يسد طريق الصوت بالكلّية كالدال والتاء ، بل انحرف طرف اللسان فخرج الصّوت من مستدق اللّسان فويق مخرجه.
    وأمّا البواقي فنكِل بيانها إلى كتب التصريف.
    ثمّ هي من المنفتحة وهي ما عدا المطبقة والصّاد والضّاد والطاء والظاء ، والإطباق أن ينطبق الحنك على اللسان عند النطق بالحرف.
    ثمّ هي من المنخفضة وهي ما عدا المستعلية وهي المطبقة مع الخاء والغين والقاف ، والاستعلاء ارتفاع اللسان إلى الحنك عند النطق بالحرف.
    وهي وحدها تسمّى منحرفة ، لأنّ اللّسان ينحرف عند النطق بها. وجعل الكوفيون وحكى ابن أبي طالب الراء أيضاً منحرفة.
    وأمّا الكلام عليها بالاعتبار الثاني ، فاعلم أنّهما نوعان : إحداهما غير عاملة ، والأُخرى عاملة.
    والكلام هنا في العاملة وهي على قسمين : الجارة ، والجازمة ، خلاف الكوفيين فقد زادوا الناصبة ، لزعمهم أنّ « لام كي » و « لام الجحود » بأنفهسما ناصبتان.
    والكلام هنا في الجارّة : فاعلم أنّها في المشهور مكسورة إلاّ المضمر غير الياء فإنّها مفتوحة في الأكثر ، وخزاعة تكسرها معه أيضاً.
    وأمّا مع الياء فكسرها متّفق عليه. هذا في غير المستغاث ، وأمّا فيه فتفتح إذا لم يكن معطوفاً على غيره ، وحكى يونس وأبو عبيدة وأبو الحسن وأبو عمرو ، أنّهم


(92)
سمعوا العرب بفتحها مع الظاهر مطلقاً.
    وحكى ابن أبي طالب عن بني العنبر (1) أنّهم يفتحونها مع الفعل. وعن أبي زيد أنّه سمع من يقرأ ( وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ) (2) بفتح اللاّم.
    وحكى المبرّد عن ابن جبير أنّه قرأ ( وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزولَ مِنْهُ الجِبالُ ) (3) بفتح اللاّم مع فتح لام الفعل.
    فإن قلت : على من كسرها أنّ الأصل في البناء ، لا سيما في الحروف ، أن يبنى على السكون لخفّته ، ولكونه عدماً والعدم أصل في الحادث ، ولمّا تعذّر هنا السّكون للزوم الابتداء بالساكن ، كان الأصل أن يبنى على الفتح لكونها أُخت السكون في الخفّة وإن كانت أُخت الكسرة في المخرج ، كما بنيت الكاف والواو والفاء وغيرها من الحروف المبنية على حرف واحد ، على الفتح.
    قلنا : فرقاً بينها وبين لام الابتداء ، ولم يعكس لياطبق حركة الجارّة ، أثرها الذي هو الكسر وما بحكمه ، ولمّا كان الافتراق في الضمائر حاصلاً فإنّ لام الابتداء لا يتصل به ضمير جعلت فيها مع الأصل إلاّ في الياء ، فإن استدعاها كسر ما قبلها قويّ ، وإبقائها في المستغاث على الفتح ، للفرق بين المستغاث والمستغاث له ، وكسرها في المعطوف ، لحصول الفرق بالعطف.
    وأمّا معاني اللاّم الجارّة فكثيرة ، والمناسب هنا ثلاثة معاني :
    الاختصاص : كما في قولك : المنبر للخطيب ، والحصير للمسجد ، والسرج للفرس ، وقوله تعالى : ( فإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) (4).
1 ـ بني العنبر بن عمرو بن تميم و إليهم ينسب « العنبري ».
2 ـ الأنفال : 33.
3 ـ إبراهيم : 46.
4 ـ النساء : 11.


(93)
    والملك : كما في قوله ( تعالى ) : ( لَهُ ما فِي السَّمواتِ وَما في الأَرض ) (1).
    والاستحقاق : كما في : الحمد للّه ، والعزّة للّه ، والملك للّه ، والنار للكافر ، وغيرها.
    وما قيل من اختصاصها بالوقوع بين معنى وذات ، لم يثبت ، ولو سلّم فليؤوّل هنا بالتمكّن في المَربَع ، كما يُؤوّل في النار بعذابها.
    أُمّ الشيء : أصله. ومنه الوالدة. وأُمّ النجوم : المجرّة لأنّها لاجتماع كثير من النجوم فيها كأنّها أصل ينبعث منها النجوم. وأُمّ القرى ، لمكة ؛ لأنّ الأرض دُحِيَت من تحتها. ويقال للمعدة : أُمّ الطعام ، وللجلدة التي تشتمل على الدماغ : أُمّ الدماغ ، تشبيهاً لهما بالوالدة.
    وعن الخليل والأخفش : كلّ شيء انضمّت إليه أشياء فهو أُمّ ، وبذلك سمّي رئيس القوم أُمّاً لهم ، وأُمّ مثوى الرجل صاحبه منزله الذي ينزله.
    وقوله سبحانه : ( فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) (2) بمعنى : التي تضمّه وتؤويه.
    وأُمّ الكتاب : اللَّوح المحفوظ; لاشتماله على كلّ عِلم.
    ومن العرب من يكسر همزته ، وقرأ ( فَرَدَدْناهُ إلى أُمّه ) (3) بالكسر.
    وقد يحذفون الهمزة استخفافاً فيقولون : « ويل مه » ، وربّما كتبوه « ويلمه » متّصلاً.
    وربّما قالوا : « أُمّة » بإلحاق التاء.
    واختلف في أصله ، فقيل : أصله « أُمَّهةٌ » لجمعه على « أُمّهات » ، وقيل :
1 ـ البقرة : 107 و 116.
2 ـ القارعة : 9.
3 ـ أي « إمّه ». القصص : 13.


(94)
« أُمّهتي صدفٌ والياس أبي ».
    وقيل بل هو الأصل ولكن جاء « أُمَّهة » بمعناه ، ولذا يُجمع على « أُُمّات » أيضاً. وقيل : « الأُمّهات » يخصّ الناس ، و « الأُمّات » البهائم. وقيل إنما زيدت الهاء في جمعها للتفخيم ، وخُص بها الجمع لأنّه موضع تخييرمّا.
    « العمر » : بالفتح والضم ، وبضمّتين : الحياة.
    وقال أبو حيّان في « ارتشافه » : وفي معنى عمر قولان :
    أحدهما مذهب البصريين : أنّه بمعنى البقاء ، تقول : طال عمرك وعمرك. والتزموا فتح العين مع اللام في القَسَم فالمجرور بعده فاعل والمصدر مضاف إليه.
    والثاني ما ذهب إليه بعض الكوفيين والهروي : أنّه مصدر ضدّ الخلو ، مِن : عمّر الرجل منزله ، والمقسم يريد تذكير القلب بذكر اللّه تأكيداً للصدق. وبه قال السهيلي.
    وقال الراغب : اسم لمدّة عمارة البدن بالحياة ، ـ قال : ـ فهو دون البقاء فإذا قيل : طال عمره ، فمعناه : عمارة بدنه بروحه. وإذا قيل : بقاؤه ، فليس يقتضي ذلك ، فإنّ « البقاء » ضد « الفناء » ، ـ قال : ـ ولفضل البقاء على العمر وصف به اللّه تعالى ، وقلّما وصف بالعمر (1).
    أقول : ولذا ورد النهي عن قول : لعمر اللّه.
    والعَمر ، بالفتح وبفتحتين : الدِّين ، قيل : ومنه لَعَمري.
    وبالفتح والضمّ : منابت الأسنان وما بينها من اللحم المستطيل ، وجمعه بالمعنيين عمور ، وتحملهما قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « أوصاني جبرئيل بالسواك حتى خفت على
1 ـ مفردات غريب القرآن : 347.

(95)
عُموري » (1).
    والعَمَر ، بالفتحتين : المنديل تُغطي به الحرّة رأسها. والعمران : الكمال.
    والعَمر بالفتح : ضرب من النخل طويل. و : القرط.
    والعمران : اللحمتان المتدلّيتان على اللَّهاة.
    والعُمر ، بالضم : المسجد والبيعة والكنيسة.
    وعَمرو ، بالفتح : اسم مأخوذ من أحد المعاني المناسبة من هذه المعاني ، كُتب بالواو فرقاً بينه وبين عُمَر مضموم الأوّل مفتوح الثاني ، ولذا لم تكتب بها في النصب لحصول الافتراق بالألف.
    الباء : حرف تَهجِّي. وحرف مَعنَى.
    أمّا الكلام عليها بالاعتبار الأوّل : فاعلم أنّها من الحروف الشفويّة ، مخرجها ما بين الشفتين بانطباق بينهما بالاتفاق. وهي مجهورة شديدة ، منفتحة منخفضة ذلقية على رأي ، وهي من حروف القلقلة وهي حروف « قطب جد » ، وإنّما سميت قلقلة ، لأنّها يصحبها ضغط اللسان في مخارجها في الوقف مع شدّة الصوت المتصعّد من الصدر وهذا الضغط يمنع من خروج ذلك الصوت ، فإذا أردت بيانها احتجت إلى قلقلة اللسان ، أي تحريكه عن موضعه حتى يخرج صوتها فيسمع.
    وأمّا الكلام عليها بثاني الاعتبارَين : فاعلم أنّها مكسورة.
    وعن ابن جنّي أنّه حكى عن بعضهم أنّ حركتها الفتح مع الظاهر ، وإنّما بنيت على الكسر مع أنّ الأصل بناؤها على الفتح كما علمت ، للزومها الحرفية
1 ـ ابن أثير : النهاية في غريب الحديث : 3 / 299 ، و لسان العرب : 4 / 1215 « عمر ».

(96)
والجرّ ، وكلّ منهما يناسب الكسر.
    أمّا الحرفية : فلأنّها تقتضي عدم الحركة ، والكسر يناسب العدم لقلّته ، إذ لا يؤخذ في الفعل ، ولا في غير المنصرف من الأسماء ولا في الحرف إلاّنادراً ، ولقربه من السكون في المخرج كما مرّت إليه الإشارة ، لأنّ الواقف على السكون لافظ بكسرة خفيّة.
    وأمّا الجر : فللمناسبة : وهذا بخلاف الكاف فإنّها وإن لزمت الجرّ لكن لم تلازم الحرفية. وبخلاف الواو فإنّها وإن لزمت الحرفية إلاّ أنّها لا تلازم الجرّ ، لأنّها تكون عاطفة ومعترضة ونحوهما. وأمّا تاء القسم : فلا تلازم شيئاً من الحرفية والجرّ.
    وقال الزجاج : إنّما كُسرت الباء للفصل بين ما يجر ، وقد يكون اسماً كالكاف وما يجر ولا يكون إلاّحرفاً كالباء.
    وقال المبرّد : العلّة في كسرها ردّها إلى الأصل ، ألا ترى أنّك إذا أخبرت عن نفسك بأنّك كتبت باءً قلت : « ببيت » فرددتها إلى الياء ، والياء أُخت الكسرة.
    وأمّا معانيها : فكثيرة إلاّ أنّه يمكن اعتبار الإلصاق (1) في كلّ منها ، ولذا حصرها سيبوبه في الالزاق والاختلاط.
    والمعنى المناسب هنا هو الظرفية ، كقوله تعالى : ( نَجَّيْناهُمْ بِسَحَر ) (2) ونحو : زيدٌ بالبصرة.
    الألف واللام اللّتان للتعريف ، فيهما أقوال :
    أحدها : إنّ الحرف المعرّف ثنائي الوضع « ال » ك‍ « قد » و « هل » وإنّ الهمزة
1 ـ لَصِق ، وهي لغة تميم ، وقيس تقول لَسق بالسين وربيعة تقول لَزَق. ( لسان العرب : « لصق » ).
2 ـ القمر : 34.


(97)
للقطع كما في « أُم » و « أو » وهو الذي ذهب إليه الخليل وابن كيسان.
    وثانيها : إنّ المعرّف « ال » إلاّ أنّ همزتها همزة وصل معتدّ بها في الوضع وهو المعزى إلى سيبويه.
    وثالثها : إنّ المعرّف إنّما هو اللام الساكنة وضعاً ، والهمزة زائدة ؛ للوصل بالساكن ، وعليه الأكثر.
    ورابعها : إنّ المعرّف إنّما هو الهمزة ، واللام مزيدة ، للفرق بين همزة التعريف وهمزة الاستفهام ، وعُزي إلى المبرّد.
    واستدلّ للأوّلَيْن : بأنّ حروف المعاني ليس فيها ما وضع على حرف واحد ساكن ، وبفتح الهمزة وثبوتها في الاستفهام ، نحو : أالان ، وفي النداء نحو : يا اللّه ، وفي القسم نحو : ها للّه لأفعلن ، وبأنّهم يقولون في التذكير « ألي » كما يقولون « قدي » ، وبأنّ الأصل في كلّ كلمة أن تكون جميع حروفها أصليّة.
    وللثالث : بحذف الهمزة في الدّرج ، وبأنّ حرف التنكر حرف واحد ساكن هو التنوين ، فكان المناسب أن يكون حرف ضدّه كذلك.
    وإنّما خالفت التنوين فدخلت أوّل الكلمة لتحفظ عن الحذف فإنّ الآخر يدخله الحذف كثيراً ، وإنّما كانت لاماً لأنّ اللام تدغم في ثلاثة عشر حرفاً.
    وأمّا إثبات همزتها في الاستفهام ، فللفرق بينه و بين الإخبار.
    وأمّا إثباتها في « يااللّه » و « ها للّه » فلأنّ الألف واللام في لفظ « اللّه » عوضان عن همزة « إله » ولازمتان للكلمة وبذلك صارتا بمنزلة أجزاء الكلمة.
    وأمّا قولهم : « ألي » ك‍ « قدي » فلتنزيلهم لهما ؛ لتلازمهما منزلة « قد » ، ولعلّ سيبويه لمّا رأى تعارض دليلَي أصالة الهمزة وزيادتها جمع بين الأصالة والوصيلة.


(98)
    وأمّا حجّة الرابع : فهو أنّه حرفٌ زيد لمعنى ، وأولَى الحروف بذلك حروف العلّة وأولاها « الألف » ، لكونها أخفّها ، ولمّا تعذّر الابتداء بها قُلبت همزة.
    ويدلّ على عدم أصالة « اللاّم » أنّها تُقلب ميماً في لغة حمير إمّا مطلقاً أو فيما لا يُدغم فقط.
    ولا يخفى أنّ الدليلين بمكان من الوهن ، وأنّ هذا الرّأي بمكان من الضعف ، وإنّما الأمر متردّد بين الثلاثة الأُُوَل ، بل بين الأوّل والثالث والأظهر هو الثالث ، ومعناهما التعريف أي جعل الاسم معرفة ، وزعم ابن مالك أنّه لا يمكن حدّ المعرفة قال : لأنّ هاهنا ما هو معرفة معنى نكرة لفظاً نحو : كان ذلك عام أوّل ، وعكسه نحو : أُسامة ، وما فيه الوجهان كذي اللام الجنسيّة.
    والمشهور : إمكان التعريف فقيل : ما وضع لشيء بعينه ، وقيل : ما وضع ليستعمل في شيء بعينه ، والحقّ ما هو المشهور من إمكان التعريف.
    وأمّا استعمال النكرة لفظاً في معنى المعرفة وعكسه ، فهما من التوسعات.
    وأمّا التعريفان فلكلّ وجه.
    والمراد بالتعيين المأخوذ فيهما ، ما يعمّ الشخصي والنوعي ، والمقصود منها : أن يكون اللفظ إشارة إلى المعنى باعتبار تعيينه ، فلا يرد أنّ النكرات أيضاً تدل على معان معيّنة ، إذ ما من معنى إلاّ وله تعيين وامتياز عن غيره لا سيما إذا عمّم التعيين للنوعي ، فإنّ معاني النكرات وإن كانت كذلك إلاّ أنّها ليست إشارات إليها باعتبار تعيّناتها.
    واعلم أنّ اللام لها معاني أربعة. وتحقيقها أيضاً :
    إمّا للإشارة إلى حصّة معيّنة من الماهية المدلول عليها بمدخولها فرداً أو فردين أو أفراداً ، ولابدّ من أن تكون الحصّة إمّا مذكورةً قبل ، نحو ( كَما أَرْسَلْنا


(99)
إِلى فِرْعَونَ رَسُولاً * فَعَصى فِرعَوْنُ الرَّسُولَ ) (1) ، ( فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَة الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوكَبٌ دُرِّيٌّ ) (2) ، أو حاضرة عند المتكلّم نحو : جاءني هذا الرجل ، و : يا أيّها الرجل ، و : خرجتُ فإذا أسد ، و : الآن ، و : اليوم ، و كما أنّك تقول لرجل يشتم رجُلاً بحضرتك : لا تشتم الرَّجل ، أو معلومة معهودة بين المتكلّم والمخاطب نحو : ( إِذْ هُما فِي الغارِ ) (3).
    وإمّا للإشارة إلى الماهية وهو يتشعّب إلى ثلاثة ، فإنّها : إمّا إشارة إلى نفس الماهية من حيث هي من غير اعتبار وُجودها في ضمن الأفراد و تسمّى لام الطبيعة ولام الحقيقة ، نحو : الرَّجل خيرٌ من المرأة ، أو إليها باعتبار وجودها إمّا مع قرينة البعضية أي الوجود في ضمن بعض الأفراد ويسمّى لام العهد الذّهني ، نحو : أكلتُ الخُبْزَ ، وشَرِبتُ الماءَ ، ورَكِبتُ الخَيْلَ ، أو مع قرينة العموم ، أو مع عدم القرينة ، وتحمل على العموم أيضاً في المقامات الخطابية حذراً من الترجيح بلا مرجِّح ويسمّى لام الاستغراق ، نحو : ( إِنَّ الإِنْسانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) (4) والّذي يحتمله اللاّم هنا ، العهدان.
    « اللِّو » ى ، كألي : ما التَوَى من الرَّمْل ، أو مُسْتَرَقُّه ، ومُنْقَطَعُهُ ، ألْوى القَوم : صاروا إلى لِوى الرَّمْلِ ، يقال : ألوَيتُم فَانزِلُوا.
    « المَربَعُ » : منزل القوم. في الربع خاصّة ، يقال : هذه مَرابِعُنا وَمصايفُنا.
    « الطُّمُوسُ » : الدُّرُوسُ والامِّحاء (5) ، وقد طَمَسَ يَطْمِسُ وَيَطْمُسُ وَطَمَسْتُهُ طَمْساً ، يتعدَّى ولا يتعدَّى ، وانْطَمَس الشيءُ و َتَطَمَّسَ : أي انْمَحى وَدَرَسَ ، ولفظ
1 ـ المزمّل : 16 ـ 17.
2 ـ النور : 35.
3 ـ التوبة : 40.
4 ـ العصر : 2 ـ 3.
5 ـ اِمَّحى ، يَمَّحِي ، اِمحاء. والأصل في اِمََّّحى : اِنْمَحى ، ووزنه « اِنْفَعَلَ ». ( لسان العرب : « محا » ).


(100)
الطامسة هنا يجوز جعله من كلّ من اللاّزم والمتعدّي : أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ اسم المفعول كثيراً ما يكون على صيغة اسم الفاعل بمعنى ذو كذا ، كراضية في ( عيشَة راضية ) على وجه.
    التاء : حرف واسم ، والحرف : حرف هجاء ، وحرف معنى.
    أمّا حرف الهجاء : فمخرجها على ما قاله سيبويه و غيره : ما بين طرف اللّسان وأُصول الثنايا ، يعني الثنايا العليا.
    وزاد في الارتشاف مصعداً إلى جهة الحنك.
    وفي « الإيضاح » للحاجبي قوله : وأُصول الثنايا ليس بحتم ، بل قد يكون ذلك من أُصول الثنايا وقد يكون ممّا بعد أُصولها قليلاً مع سلامة الطّبع من التكلّف.
    وفي « المفتاح » للسكّاكي و « حرز الأماني » وغيرهما : أنّه ما بين طرف اللّسان والثنايا العليا من غير تقييد بالأُصول ، وهو موافق لما ذكره الحاجبي.
    وفي « شرح حرز الأماني » للجعبري بين رأس اللّسان وبين أُصول الثنتين العليتين أو وسطهما ، وهو تصريح بموافقته.
    وفي « حلّ الرّموز » : بين رأس اللّسان وما يلي أُصول الثنايا فقد حتم الوسط على عكس الأوّل.
    وهي مجهورة شديدة منفتحة منخفضة نطعية ، أي مبدؤها من نطع الغار الأعلى وهو بالكسر وكعنب ، ما ظهر منه فيه آثار كالتحرير.
    والحروف النطعية هي : الطّاء والدال والتاء ، وهي مصمتة أي ممّا عدا حروف الذلاقة والإصمات ، أنّه لا يكاد يبنى منها كلمة رباعية أو خماسية مُعراة عن حروف الذلاقة فكأنّه قد صمت عنها.


(101)
    وأمّا التاء التي هي حرف معنى ، فعلى قسمين : ساكنة ومتحركة ، والكلام هنا في المتحركة والتي هنا منها علامة التأنيث مخصوصة بالاسم تقلب في الوقف هاءً ، أو قيل : بل علامة التأنيث هي الهاء تقلب في الوصل تاءً ، أو أصلها أن تجيئ لفصل وصف المؤنّث عن وصف المذكّر ، نحو : طامسة وطامس ، وللفصل بين الآحاد المخلوقة وأجناسها كتمرة وتمر ، وجرادة وجراد.
    وقد يكون ذو التاء جنساً وعديمها واحداً ككَمئَ وكماة عند بعض ، وجبيَ وجباة ، وفقع وفِقعة على ما قيل. وقد يأتي لوحدة أسماء المصنوعات كسفينة وسفين ، وعمامة وعمام ، ولبنة ولبن ، وجرة وجر ، وقلنسوة وقلنسو.
    وقد تكون علامة لتأنيث الاسم الجامد نحو : امرئ وامرأة ، ورجل ورجلة ، وغلام وغلامة ، وإنسان وإنسانة ، وحمار وحمارة ، وِبرَذون وبرذَونَة ، وأسد وأسدة.
    وقد تدخل الصفات دلالة على الجمعية ، نحو : بغال و بغالة ، وحمار وحمارة ، وجمال وجمالة ، ووارد وواردة ، وشارب وشاربة ، وبصري وبصرية ، وكوفي وكوفية ، وأشعريّ وأشعريّة.
    وتجيئ لأغراض اُخر والكل متفرّع على التأنيث.
    « الأعلام » ، مكسّر علم : وهو العلامة وما ينصب ليُهتدى به في الطريق ، والجبل أو الطويل منه ، والراية وما يعقد على الرمح ، وسيّد القوم ، ويقال : فلان علم ، أي مشهور ، تشبيهاً بالراية أو الجبل.
    « الهاء » : حرف واسم ، والحرف حرف تهجّي وحرف معنى.
    أمّا الكلام على حرف التهجّي منها : فاعلم أنّ مخرجها أقصى الحلق كالهمزة والألف إمّا في رتبة واحدة ، أو الهمزة أوّل ثمّ الهاء والألف في رتبة ، أو الهمزة أوّل ثمّ الألف ثمّ الهاء ، أو الهاء أوّل ، أو الألف هوائية لا مخرج لها على اختلاف الآراء.


(102)
    والحقّ أنّ الألف هوائية وهو المروي عن الخليل. قال الجعبري في « شرح حرز الأماني » : والتحقيق ما ذكره الخليل ، ومعنى جعل سيبويه الألف مخرج الهمزة أنّ مبدأه مبدأ الحلق ثمّ يُمدّ ويمرّ على الكلّ. ثمّ إنّ الظاهر أنّ الهمزة أوّل ثمّ الهاء وهي تسمّى : مهنوناً ، لضعفها وخفائها ، وهي مهموسة مصمتة رخوة منفتحة منخفضة.
    وأمّا الكلام على حرف المعنى منها ، فليس ممّا يتعلّق بما هنا ، لكونها هنا اسماً. وأمّا الاسم منها : فهو ضمير المذكّر الغائب الواحد متّصل مشترك بين المجرور والمنصوب. والواو والياء الملفوظتان بعده إشباع وتقوية للحركة. خلافاً للزجّاج فإنّه يجعل الضمير مجموع الهاء والواو ، والحجازيون يضمّونه مطلقاً كان قبله ياء أوكسرة أو لا. وغيرهم يكسرونه بعدهما إلاّ إذا اتّصل به ضمير آخر نحو يعطيهوه ولم يعطهوه.
    ثمّ إن كان قبله متحرّك أُشبعت حركته والإسكان ، والاختلاس ضرورة عند سيبويه ، وحكاهما الكسائي عن بني كلاب وبني عقيل.
    وإن كان قبله حرف لين فحذف الواو والياء أحسن والإشباع بهما عربي ، وإن كان ساكناً غير لين فالإشباع أحسن عند أبي عمرو و سيبويه ، خلافاً للمبرّد إذ الاختلاس عنده أجود ، وتبعه ابن مالك ، وقرأ ابن ذكوان : أَرْجِهْ (1) ، بكسر الهاء من غير إشباع بعد كسره مفصولاً بينها وبين الهاء بساكن ، وإن كان مفصولاً بينه وبين متحرّك بساكن حُذف جزماً أو وقفاً جاز الإشباع والإسكان والاختلاس ، نحو : ( يَرْضَهِ لَكُمْ ) (2) ، و ( يُؤدِّه إليكَ ) (3) و : ( فألقه إليهم ) (4).
1 ـ الأعراف : 131 و الشعراء : 36.
2 ـ الزمر : 7.
3 ـ آل عمران : 75.
4 ـ النمل : 28.


(103)
    و « البَلْقَع » : الأرض القفر التي لا شيء فيها ، يقال : منزل بلقع ، ودار بلقع بغيرها ، إذا جعل نعتاً ، فإن كان اسماً قيل : انتهينا إلى بلقعة لمساء.
    الإعراب :
    لأُمِّ عَمْرو : ظرف عامله عامٌّ واجبُ الحَذفِ إمّا فعل أو اسم على اختلاف الرأيين ، وهو كائنٌ أو كان ، أو حاصلٌ أو حَصَل ، أو ما يؤدّي مؤدّاهما.
    وعن ابن جنّي تجويز إظهار هذا العامل.
    قال نجم الأئمّة : ولا شاهد له قال : وأمّا قوله : ( فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ ) (1) فمعناه ساكناً غير متحرّك وليس بمعنى كائناً (2).
    واختلف في أنّ الضمير حُذف مع العامل أو استقرّ في الظرف.
    فذهب السيرافي إلى الأوّل وغيره إلى الثاني ، ويدلّ عليه أنّه قد يؤكد ، كقوله :
فإنْ يَكُ جُثماني بأرضِ سواكم فإنّ فؤادي عِندك الدهرُ أجمعُ (3)
    وانّه قد يعطف عليه كقوله :
أَلا يا نَخْلَةً مِنْ ذاتِ عِرْق عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ السّلامُ (4)
    إذ لا يجوز تقدّم المعطوف على المعطوف عليه فلا يمكن أن يجعل « رحمة اللّه » معطوفاً على « السّلام » وينتصب عنه الحال ، كقوله عزّمن قائل : ( فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فِيها ). (5)
1 ـ النمل : 40.
2 ـ شرح الرضي علي الكافية : 1 / 244.
3 ـ ذكره في شرح شواهد المغني : 2 / 846 الشاهد 682 وقال هو من قصيدة لجميل أوّلها :
أهاجَكَ أمْ لا بالمَداخِلِ مَرْبَعُ ودارٌ بأجراعِ الغَدِيريْنِ بَلْقَعُ
4 ـ قال البطليوسي : لا أعلم قائله. قال : ونسبه قوم للأحوص ( انظر شرح شواهد المغني : 2 / 777 الشاهد568 ).
5 ـ هود : 108.


(104)
    وعندي أنّ الإنصاف أنّ قول السيرافي أقرب إلى التحقيق ، فإنّ الاسم الجامد لا يصلح شيء منهما لأن يستتر فيه الضمير ، ولأنّه لو بقي الضمير لكان بين المفرد وأخويه ، والمذكر وأُخته ، فرقاً كما كان في العامل إلاّ أنّه لمّا كسر حُذِف العامل ، بل وجب لشدّة ظهوره ، حتى كان ذكره بمنزلة الحشو في الكلام نزل منزلة المذكور فأكّد وعطف عليه وأوقع عنه الحال ولا بُعد فيه ، على أنّ لقائل أن يقول : إنّ التأكيد في البيت ل‍ « فؤادي » ، والرفع للحمل على محله ، والعطف على المحذوف لا يحصى كثرة ، وأنّ « رحمة اللّه » معطوف على « السلام » وإن تأخّر عنه ، كما في قوله :
ثمّ اشتكيت لاشكاني وساكنه قبر بسنجبار أو قبر على قهد (1)
    هذا كلّه إن لم يكن للظرف مرفوع ظاهر محكوم بكونه فاعلاً له ، وإلاّ فلا خلاف في أنّ لا ضمير لا في العامل المقدّر ولا في الظرف.
    واعلم أنّهم حصروا ما يجب حذف عامله في ثمانية مواضع :
    الأوّل : أن يكون صفة والعامل عامّاً نحو : ( أَوْ كَصَيِّب مِنَ السَّماءِ ). (2)
    والثاني : أن يكون حالاً والعامل كذلك نحو : ( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ في زينَتِهِ ). (3)
    والثالث : أن يكون صلة والعامل كذلك نحو : ( مَنْ فِي السَّمواتِ ). (4)
1 ـ البيت ل‍ « ضنان بن عباد اليشكري » ذكره البكري الاندلسي في كتابه « معجم ما استعجم » : 3 / 760 ، وجاء في معجم البلدان للحموي : 4 / 418 وقال : قهد ـ بالتحريك ـ اسم موضع.
2 ـ البقرة : 19.
3 ـ القصص : 79.
4 ـ يونس : 66.


(105)
    والرّابع : أن يكون خبراً للمبتدأ قبل دخول النواسخ أو بعده والعامل كذلك نحو : زيد في الدّار.
    والخامس : أن يكون رافعاً للاسم الظّاهر ولا يكون إلاّ والعامل عام نحو : في الدار زيد.
    والسّادس : أن يكون استعماله كذلك فيجب اتّباعه ، وذلك في الأمثال وأشباهها نحو : حينئذ ، الآن ، وأصله : كان ذلك حينئذ ، و : اسمع الآن.
    والسّابع : أن يضمر العامل على شريطة التفسير نحو : يوم الجمعة صمت فيه
    والثامن : القَسَم بغير الباء.
    والثلاثة الأخيرة ليست ظروفاً مستقرّة.
    والخمسة الأُوَل كلّها تسمّى مستقرّة ، إمّا بفتح القاف بمعنى استقرار الضمير فيها على القول بذلك ، أو استقرار معنى العامل والضمير فيها ، أو استقرار معنى الاستقرار فيها ، أو بكسرها بمعنى الاشتمال على معنى الاستقرار ، أو بمعنى الاستقلال والاستغناء عن التعلّق بشيء ، أو بمعنى أنّها لمّا كانت مسندة أو قائمة مقام المسند خرجت عن كونها فضلة فاستقرّت ، فإنّ الفضلة متزلزلة بين الثبوت والزوال.
    ثمّ إنّ الظرف المستقر في الأربعة الأُول وفيما إذا ولي نفياً أو استفهاماً يعمل في الفاعل والحال والظرف والتمييز والمستثنى والمفاعيل إلاّ المفعول به ، فإنّ الكون العامل في الظرف قاصر لا يكون له مفعول به ، فإذا تعقّب أحد هذه الظروف مرفوع كان فيه أقوال :
    أحدها : أنّه يجوز أن يكون المرفوع مبتدأ خبره الظرف ، ويجوز أن يكون فاعلاً
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس