اللآلئ العبقرية في شرح العينيّة الحميرية ::: 106 ـ 120
(106)
للظرف والأوّل أرجح.
    وثانيها : جوازهما مع رجحان الثاني.
    وثالثها : تعيين الثاني.
    واختلف في أنّ العامل في الاسم الذي بعد هذا الظرف من الفاعل وغيره هل هو العامل المحذوف ، أم الظرف؟ على قولين.
    كما اختلفوا في أنّ الخبر أيّهما ؟
    ويؤيد الثاني أنّ الحال لا يتقدّم عليه ، ولو كان عاملها العامل المقدّر لجاز التقدّم وأنّ الضمير قد استتر فيه لما تقدّم. ولو لم يكن عاملاً لم يستتر فيه الضمير وقد عرفت ما في الاستدلال على استتار الضمير فيه.
    وأمّا عدم تقدّم الحال ، فيحتمل أن يكون لالتباسها إن قدّمت بعامل الظّرف إلاّ أن يكون جامداً ، فإن أُوّل بالمشتق جرى فيه الالتباس وإلاّ احتمل التأويل به لتعلّق الظرف به ، وبالجملة فالالتباس جار في الكل.
    ويمكن أن يؤيّد على تقدير تقدير الفعل ، بأنّه لو كان العامل هو الفعل لم يشترط بالاعتماد على أحد الأُمور الستّة إذ لا اشتراط بذلك لعمل الفعل.
    وإن لم يكن الظرف في أحد هذه المحال ويعقبه مرفوع ، فلا يخلو إمّا أن يكون المرفوع حدثاً ، أو أنّ بمعمولها أو غيرهما.
    فإن كان غيرهما فأوجب الكوفيون أن يكون فاعلاً أيضاً ، ولا يشترطون الاعتماد وإنّما أوجبوه ، لأنّهم لا يجيزون تقديم الخبر على المبتدأ ، للزوم الإضمار قبل الذكر ، ولذا قالوا في قائم زيدٌ : إنّ زيداً فاعل « قائم » ، ولم يجيزوا أن يكون مبتدأ خبره « قائم ».


(107)
    وجوّز الأخفش الأمرين وكذا جوزهما في : قائم زيدٌ ، إذ لا يشترط الاعتماد في شيء من الظرف والصفة ولا يمنع تقديم الخبر على المبتدأ.
    وأمّا سائر البصريين ؛ فعلى وجوب أن يكون المرفوع مبتدأ خبره الظرف ، لاشتراطهما الاعتماد على أحد الأُمور الستّة.
    وأمّا إذا كان المرفوع أحد الباقيين فعند الخليل لا فرق بينهما وبين غيرهما. وفرق سيبويه فأجاز ارتفاعهما بالفاعلية.
    قال الفاضل في التّعليق : ولعلّ السرّ فيه هو أنّ الحدث ادّعي للحصول والوقوع مع استدعاء الحصول ما يتعلّق هو به فيصرفه أي يصرف الحدث معناه ، أي معنى الفعل الذي في الظرف إلى نفسه وإن لم يكن ذلك المعنى قوياً ، بخلاف الخنث فإنّها تستدعي مزيد قوّة فلا يستطيع المعنى الضعيف الّذي في الظّرف أن يصرفها إلى نفسه.
    وذهب الفارسي إلى أنّ « أن » بمعمولها يرتفع بالفاعلية دون الحدث الصريح ، قيل إنّما عمل في أنّ بلا اعتماد لشبهها المضمر في أنّها لا توصف.
    إذا تقرّر هذا فنقول : على المختار عند البصريين « لأٌمّ عمرو » خبر لقوله : « مربع » وعند الكوفيين « مربع » فاعل للظرف.
    ولابتدائية « مربع » مسوّغان :
    أحدهما : الوصف.
    والثاني : كون الخبر ظرفاً مخصوصاً أو تقدّم الخبر عليه على اختلاف الرأيين.
    ومنشأ الخلاف : أنّ مدار الابتدائية على الإفادة أو التخصيص.
    فإن كان الأوّل ، كفى كون الخبر ظرفاً مخصوصاً لحصول الفائدة ، بخلاف ما


(108)
لم يكن مخصوصاً ، نحو : في الدارِ رَجُلٌ ، إذ الزمان لا يخلو عن أن يكون في دارما رجل.
    وإن كان الثاني ، فإنّه بالتأخّر عن الخبر يشبه الفاعل ، فكما يجوز كونه منكراً لتخصيصه بالفعل كذا يجوز الابتداء بالمنكر المتأخّر.
    وقوله : باللِّوى : يحتمل أن يكون حالاً عن « مَرْبَعُ » وصحّ مع أنّه نكرة لوصفه وتأخّره.
    وأن يكون حالاً عن ضمير الظرف المتقدّم على تقدير الخبرية.
    وأن يكون خبراً آخر لمربع.
    وأن يكون صفة لأُمّ عمرو إن كان نكرة ، بل وإن كان معرفة بتقدير اسم الموصول ، كما قيل في قوله :
عدس ما لعباد عليك أمارة نجوت وهـذا تحمـلين طليـق (1)
    إنّ التقدير « وهذا الّذي تحملين ».
    وأن يكون متعلّقاً بالظرف الأوّل فيكون لغواً ، وعلى الأربعة الأُول مستقرّاً.
    طامسة : صفة لمربَع بحال المتعلّق ، ويسمّى مجموع النعت ب‍ : « حال المتعلق » ، والمتعلّق أو النعت وحده ب‍ « النعت السببي » ، وإنّما يشترط مطابقة هذا النعت لمنعوته في الإعراب والتعريف أو التنكير دون الإفراد أو أخويه ، ودون التذكير أو أُخته ، إذ لا ضمير فيه يعود إلى المنعوت ولا هو مسند إليه بل إنّما أُسند إلى المتعلّق ، فإنّما يجب مطابقته له في التذكير وفي التأنيث إن كان مؤنّثاً حقيقياً غير مفصول.
1 ـ القائل : يزيد بن مفرغ الحميري.
    وفي حاشية الصبان : 1 / 160 أنّها من قصيدة هجا بها عباد بن زياد بن أبي سفيان ، و كما جاء ذلك في قطرالندى 106 ، وأكثر كتب النحوييّن ، والتبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي 3 / 320.


(109)
    أعلامه : فاعل « طامسة »
    بلقــع : صفة أُخرى لمربَع فعلية أي لحال الموصوف.
    المعاني : فيه مسائل :
    الأُولى : في تقديم الظرف الأوّل على « مربع » : أمّا إن جُعل « مربع » فاعلاً له ، فلأنّ تقديم العامل على معموله الأصل ولا معارض له. وأمّا إن جُعل مبتدأ ، فلازدياد تخصيصه ومسوّغ ابتدائيّته على القول بأنّ التقديم من المسوّغات ، وللاهتمام بذكر اسم الحبيبة لكونها نصب عين المحب ، ولتعظيمها ، وللتبرك باسمها ، وللاستلذاذ ، ولزيادة تمكين المبتدأ في ذهن المخاطب فإنّ في ذكر الخبر تشويقاً إليه والشيء إذا نِيلَ بعد مُقاسات الشوق كان أوقع في النفس ، ولئلاّ يتلبّس الظرف بالصفة ، ولئلاّ يطول الفصل بين المبتدأ والخبر فإنّ للمبتدأ صفات كثيرة لابدّ من اتّصالها به وتقدّمها على الخبر لو أُخّر ، ولإيهام أنّ المتكلّم لا يساعده لسانه على التلفّظ بالمبتدأ إلاّ بعد تكلّف بليغ لكونه موحشاً منفوراً عنه لاتّصافه بكونه طامس الأعلام وكذا وكذا ، ولإيهام أنّ المربع لطمس أعلامه صار من النكارة والإبهام بحيث لا يمكن إخطاره بالبال وتمييزه من الحاضرات في الذهن إلاّ بعد تأمل ومضيّ زمان ، وللدلالة على أنّ المبتدأ لنكارته وإبهامه من حقّه أن يوضع موضع الخبر ، فإنّ المجهول عند المخاطب من كلّ جملة هو المحكوم به والمحكوم عليه معلوم عنده ، وللاهتمام بإثبات هذا المربع لأُمّ عمرو (1) فإنّ ثبوته لها ممّا يُستنكر ويُستغرب لوجوه :
    الأوّل : إنّ المحبّ يستبعد في نفسه موت المحبوب لعظمه في نفسه.
1 ـ في الأصل : « عمر ».

(110)
    والثاني : إنّ التعبير عن شيء بعلمه قد يكون للكناية كما أنّه يُكنّى ب‍ « أبي لهب » عن الجهنّمي لملاحظة وضعه التركيبي ، فيحتمل أن يكون كنّى ب‍ « أُمّ عمرو » عن كونها أصل العمر والحياة ، وإذا كانت أصل العمر فمن الغريب جدّاً أن يموت ، وهذان الوجهان إنّما يتمّان إن كان المراد بيان موت « أُمّ عمرو » لا هجرها عن ذلك المربع.
    والثالث : أن يكون غريباً عند المتكلّم أن تهجر أُمُّ عمرو هذا المربع ، إمّا لكون المربع ممّا لا ينبغي أن يُهجر لكونه من أحاسن (1) المربع نضارةً وصفاءً وهواءً ونحو ذلك ، أو لكون أُمُّ عمرو ممّا لا ينبغي أن تهجرها ؛ لأنّها من المقصورات في الخيام اللاّئي يُستبعد جدّاً خروجهنّ ومسافرتهنّ ، أو لأنّ من الغريب أن تهجره حتّى تطمس أعلامه ويصير (2) كذا وكذا ، أو لغاية البُعد بين حالتي المربع ؛ حالته الآن ، وحالته حين كانت فيه أُمّ عمرو.
    والرابع : إنّ من الغريب جدّاً أن تطمس أعلام أرض كانت مربعاً لأُمّ عمرو ويصير (3) كذا وكذا ، بل كان ينبغي أن يكون ببركة قدومها فيه دائم (4) التفوّق على سائر المرابع ، والوجه الثالث إنّما يتمّ إن كان المراد بيان هجرها المربع لا موتها والرابع يعمّ الوجهين ، ويحتمل أن لا يريد هجرها ولا موتها ، بل يريد أنّها الآن تربع وتنزل في الربيع في هذا المكان الموصوف بكذا وكذا ، وحينئذ فوجه الاستغراب ظاهر.
    وللإيضاح بعد الإيهام فإنّه لابدّ في الخبر من ضمير راجع إلى المبتدأ وقبل ذكره يكون مبهم المرجع ، ولتعظيم المبتدأ فإنّه يُبتدأ بغيره ليتهيّأ المخاطب لاستماعه
1 ـ « الأحاسن » : جمع « أحسَن » ، وجمع الحَسْناء من النساء : حِسان ، ولا يقال للذكر « أحسن » إنّما تقول : « هو الأحسن » على إرادة التفضيل. وأحاسن القوم : حِسانهم. ( لسان العرب : « حسن » ).
2 و 3 ـ أي المربع.
4 ـ « دائمة » : الأصل ، والمثبت أصح ؛ لأنّه يعود على « مربعُ ».


(111)
إيهاماً ، لأنّه لابدّ من التهيّؤ التامّ والاستعداد البليغ لاستماعه وللتعجّب من أحواله على نحو ذلك ، ولإيهام أنّ مربع الحبيبة ممّا لا يغيب عن الذهن ولذا أُرجع إليه الضمير قبل ذكره ، ولأنّ المربع لمّا كان اسم مكان لم يعقل معناه قبل تعقّل المتمكّن لتضمّنه النسبة بينه وبين المكان فينبغي تقديم ذكره ليتمّ فهم معناه.
    ولستُ أُريد باسم المكان هنا ما هو المصطلح العامّ للمكان الحقيقي وغيره ، وإنّما أُريد به ما هو اسمٌ لمكان النّاس أو غيرهم ممّا يتمكّن حقيقة أي ما يفسّر بمكان جسم باعتبار حال أو زمان ، كما يقال : إنّ المربع مكان الناس وقت الربيع ، والمشتى مكانهم وقت الشتاء ، والمصيف مكانهم في الصيف ، ولا يقال مكان الربيع أو الشتاء أو الصيف ، كما يقال في المقتل : مكان القتل ، وفي المصدر مكان الصدور وهكذا ، وإن أمكن إرجاع هذه إلى المعنى الأوّل وإنّما لم أرد المعنى العام ، لأنّ ما يفسّر منها بأمكنة الاحداث لا ينظر فيها أوّلاً إلاّ إلى الأحداث فإنّها التي جعلت ذوات الأمكنة ، هذا كلّه مع الضرورة ، وهذه الوجوه أكثرها تجتمع ، وبعضها لا يجامع بعضاً كما لا يخفى على الفَطن ، ثمّ إنّ أكثرها لا يخصّ تقدير كون « مربع » مبتدأ بل يجري على الوجهين.
    المسألة الثانية : في ظرفية المسند : ووجهها أنّ الظّرف اختصار الجملة الفعلية أو اسم الفاعل مع فاعله فهو مفيد فائدة الجملة الفعلية أو الاسمية مع الاختصار. هذا هو الوجه العام الجاري في جميع الموارد.
    ويمكن أن يكون من الوجه العام أيضاً أنّه لم يتعلّق غرض مهمّ من المتكلّم ببيان الثبوت أو الحدوث لمضمون الجملة ، فلا يريد التصريح بالمسند فإنّه يتبيّن فيه الثبوت أو الحدوث ويوهم تعلّق غرض المتكلّم بإبانته.
    ثمّ إنّ لها وجوهاً خاصّة مناسبة للمقامات فمن وجوه الظرف المتحمل لتقدير الفعل ولتقدير اسم الفاعل كما هنا ؛ جعل الكلام محتملاً لوجهين ، وتوسيع


(112)
مجال الفهم وهو وجه عامّ لكلّ ظرف محتمل لتقديري الفعل والاسم ، ولكنّه إنّما يجري على رأي من يجوّزهما.
    وممّا يختصّ بهذا المقام من الوجوه : أنّ المتكلّم استكره التصريح بحصول مربع موصوف بهذه الصفات لحبيبته.
    ومنها : أنّه أراد إفادة الاختصاص أو الاستحقاق أو التملّك أوّل مرة على أخصر وجه ، ولو عبّر بالفعل أو الاسم أمكن إفادتها لكن كان يفوِّت الاختصار أو كان يفوّت إفادتها أوّل مرّة ، فالأوّل إن عبّر بنحو : اختصّ أو استحقّ أو ملك ، والثاني إن عبّر بنحو كان أو : استقرّ أو حصل.
    ومنها : أنّه يكون اسم الحبيبة أقرب إلى الصدر إذ لا يتقدّمه إلاّ حرف مفرد.
    المسألة الثالثة : في ذكر علمها : فنقول : إنّه لتربية الفائدة ، فإنّه كلّما كان الحكم أكثر اختصاصاً وتقيّداً كانت الفائدة أتمّ ، وكلّما ازداد جزءاً من أجزاء الجملة تخصيصاً ازداد الحكم تخصيصاً.
    وللتبرّك باسمها وللاستلذاذ به ، ولتمييزها أفضل تمييز لذكرها بالاسم المختصّ بها.
    وللكناية عن كونها أصل حياة المتكلّم أو الناس إن أُخذ الاسم من العمر بمعنى الحياة.
    أو عن استقامة قامتها وتماميتها إن أُخذ من العمر بمعنى النخل.
    أو عن كونها منقرطة إن أُخذ من العمر بمعنى القرط.
    أو عن أنّها أصل الدِّين وقوامه إن أُخذ من العمر بمعنى الدِّين.
    أو عن أنّها مجمع الحياة إن كان « الأُمّ » بمعنى ما يجتمع إليه أشياء ، ولهذا معنيان يصلح كلّ منهما للإرادة ، أحدهما : أنّ الأحياء كلّهم يجتمعون إليها ويفزعون إلى لقائها ، والثاني : أنّ كلّ حيّ فهو يفديها بنفسه ويهبها حياته.


(113)
    أو عن أنّها مجمع الدِّين ، ويصحّ فيه المعنيان أيضاً : أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ الدِّين أعزّ من الحياة ، فأراد أنّهم يهبونها أديانهم فضلاً عن أعمارهم.
    وأمّا العدول عن الاسم واللقب إلى الكنية.
    فلأنّه يفوت فيهما الكنايات المقصود أخذها ، ولتعظيمها وتخييل أنّ صريح اسمها ممّا لا يليق المتكلّم لأن يتلفّظ به أو السامع لأن يسمعه.
    وللاستعفاف عن ذكر صريح اسمها.
    ولإخفائها عن السامعين خوفاً من الرُّقباء أو غيرهم ، كما ورد أنّ الحسن البصري كان في الدولة الأموية كلّما حدّث عن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) كنّى عنه ب‍ « أبي زينب ».
    ولترتبه التحيير ، ولتقوية التوجّع باعتبار ما كنّى به عنه ، من المعاني الأصلية على ما عرفت.
    ولصون صريح اسمها عن أن يسبقه شيء أو يُخبر بشيء ، ولصونه عن أن يثبت له مربع كذا وكذا من صفته ، ولأنّ النفس لا تساعده على أن يثبت مثل ذلك المربع لصريح اسمه ، أو يقدم عليه شيئاً أو يجرّه بشيء.
    ولأنّه حينئذ يتضمّن الكلام شبه انطباق إن أراد التحيير من موتها باعتبار بعض الكنايات السابقة ، فإنّها إذا كانت أصل الأعمار أو مجمعها كان ينبغي أن لا تموت أبداً.
    ولأنّه حينئذ يتضمّن التوجيه أي جعل الكلام محتملاً لمعنيين أو معان ، فإنّه يحمل إرادة المعنى العلمي والمعنى التركيبي ، وعلى الثاني يحتمل إرادة تلك الشُّخص المعهودة وإرادة غيرها ، وربّما يضمن الإيهام لأنّ معناه القريب هو الضبع وقد أريد به غيره ، وإن لم يسلم ذلك ففيه إيهام إن لم يرد به إنسان أو أُريد به


(114)
إنسان غير مكنّى به ، فإنّ المعنى القريب هو الإنسان المكنّى لا سيّما إن أُريد رجل.
    وسيتبيّن لك عن قريب إن شاء اللّه.
    هذا كلّه إن كان أُم عمرو علماً وأراد به المعنى العلمي سواء كان ممّا وضعه الناظم لعين أو معنى أو كان موضوعاً.
    ويجوز أن لا يريد به إلاّ معناه التركيبي وحينئذ فيكون منكراً ولتنكيره وجوه :
    منها : الإبهام على السامعين.
    ومنها : التعظيم ، إمّا بتخييل أنّها من العظم بحيث لا يليق المتكلّم لأن يتفوّه بالاسم المختص بها أو السامع لأن يسمعه ، وإمّا بتخييل أنّها من العظم بحيث لا يعرف كنهه ولا كنه ذاته.
    ومنها : التجاهل ، والغرض من التجاهل المبالغة في إمحاء أعلام المربع بحيث لا يتعيّن لديه صاحبه.
    ومنها : صون الذات المعينة عن أن يسبق اسمها شيء أو تجرّ بشيء أو يثبت له مربع كذا وكذا.
    ومنها : الاستعفاف عن ذكر المرأة باسمها أو بما يعينها.
    ومنها : إظهار أنّ هذا الجنس المعبّر عنه بهذا الاسم منحصر في الفرد المقصود ظاهر الانحصار فيه ، فلا يسبق الذهن إلى غيره إذا أُطلق.
    المسألة الرابعة : في ظرفية « باللّوى » إن كان مستقرّاً ، والوجه فيها بعض ما ذكر من وجوه ظرفية « لأُمّ عمرو ».
    المسألة الخامسة : في العدول عن لفظة « في » إلى « الباء » فنقول : إنّه للدلالة على الملازمة والملاصقة ، بمعنى أنّه لم يكن ينفكّ عن اللّوى مربعها.


(115)
    المسألة السادسة : في تعريف « اللّوى » والوجه فيه تربية الفائدة إن كانت « اللام » للعهد الخارجي ، أو تخييل تربيتها وتصويرها بصورة المرباة إن كانت للعهد الذهني ، فإنّ المعهود بالعهد الذهني و النكرة سواء في المعنى ، وإنّما اعتبار التصريف فيه أمر لفظيّ ، ثمّ إن كان العهد خارجيّاً ولم يجر ذكر للّوى بين المتكلّم والمخاطب كان فيه إشارة إلى أنّ ذلك الفرد من اللّوى معهود للكلّ ، بحيث لا حاجة في تعيينه إلى سبق ذكر أو حضور.
    المسألة السابعة : في تقييد المسند أو المسند إليه به إن لم يكن خبراً آخر ، والوجه فيه أيضاً تربية الفائدة.
    المسألة الثامنة : في تقديمه على « مربع » إن لم يكن متعلّقاً بما قبله بل كان خبراً أو حالاً عنه ، ووجهه كثير من الوجوه المذكورة لتقديم الظرف الأوّل.
    المسألة التاسعة : في تنكير المسند إليه أعني مربعاً ، ويجري فيه كثير ممّا ذكر في تنكير « أُم عمرو » ويخصّه أنّه يتضمّن المبالغة في وصفه لطمس الأعلام ؛ لدلالته على النكارة.
    المسألة العاشرة : في وصف المسند إليه ووجهه تربية الفائدة والتعجّب ، والدلالة على التأسّف والتحيير ، وفي تقديم الوصف الأوّل على الثاني مع رعاية القوافي ، رعاية الترقّي ، فإنّ البلقع ما ليس فيه شيء كما عرفت وهو أبلغ من طموس الأعلام وأثر طامسة أعلامه على طامس الأعلام ؛ لأنّ المقام مقام الإطناب ، ولئلاّ يسند ما هو صفة الاعلام إلى غيره ظاهراً ، كما ليس مسنداً إليه حقيقة ، وللإتيان بالأصل الذي هو عدم الإضافة ، وللهرب من الإبهام الذي تتضمّنه الإضافة ، فإنّ الطامس كما عرفت مشترك بين اللازم والمتعدّي ، فربّما سبق الوهم إلى المتعدّي وسبق إلى أنّ الإضافة إلى المفعول ، ولئلاّ تزول أعلامه عن رتبة العمدة ظاهراً ، فإنّه ما أمكن جعل شيء عمدة في الكلام ، فلا ينبغي العدول عن


(116)
ذلك إلى جعله فضلة إلاّ لداعي ، والمضاف إليه في الإضافة الحقيقية فضلة وفي اللفظيّة في صورة الفضلة.
    المعنى :
    ظاهره أنّ له محبوبة كنيتها « أُمّ عمرو » وقد فارقت هذا المربع إمّا بهجر أو بموت ، فهو يتذكّرها ويتذكّر مربعها ، ويتحسر ويتأسّف على ذلك ويقول : إنّ هذا المكان الذي قد أُمحي أعلامه أي : الأُمور التي كانت يُعلم ويُتميّز بها عن غيره من الأبنية والمياه والأشجار ونحوها ؛ أو أعلام الساكنين فيه ؛ أو الأعلام المنصوبة لطرقه للاهتداء إليها وإليه : لأُمّ عمرو. ويحتمل أن يراد بالأعلام ؛ الرايات التي كانت لساكنيه ، أو ما يعقد على الرماح ، أو السادات أو المشاهير ، أو الجبال تشبيهاً للأبنية الرفيعة والقصور المنيعة بها.
    ويحتمل أن لا يكون كنية المحبوبة « أُمّ عمرو » ولكنّ الناظم نفسه وضع لها هذه الكنية أو استعملها فيها بالمعنى التركيبي من غير وضع علمي.
    ويحتمل أن يكون المراد ب‍ « أُمّ عمرو » النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فإنّه أصل الدِّين وأصل الحياة الحقيقية والمجازية لكلّ حيّ ، ورئيس الأحياء ورئيس أهل الدِّين ، والبارّ بهم كالأُمّ البرّة بولدها.
    ويحتمل أن يريد به أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ؛ وروى الشيخ الصدوق ثقة الإسلام والمسلمين أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الحجّة من « الكافي » عن أبي محمد القاسم بن العلاء رفعه ، عن عبد العزيز بن مسلم ، عن الإمام الهمام علي بن موسى الرضا صلوات اللّه عليه ، في حديث طويل : الإمام الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والأخ الشقيق ، والأُمّ البرَّة بالولد الصغير. (1)
1 ـ الكافي : 1 / 198 ـ 200 ضمن حديث 1 ، عنه البحار : 25 / 120 ح 4 وعن العيون.

(117)
    وروى هذا الخبر بعينه الشيخ الصّدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي في كتاب « عيون أخبار الرضا » عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيّ (1) ، عن القاسم بن محمد بن علي الهارونيّ ، عن عمران بن موسى بن إبراهيم ، عن الحسن بن القاسم الرقام ، عن القاسم بن مسلم (2) ، عن أخيه عبدالعزيز بن مسلم عنه صلوات اللّه عليه. (3)
    وفي تفسير الإمام الهمام الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليه : قال عليّ بن موسى الرضا عليهما السَّلام : أما يكره أحدكم أن ينفى عن أبيه وأُمّه اللّذَين ولداه ؟ قالوا : بلى واللّه. قال : فليجتهد أن لا ينفى عن أبيه وأُمّه اللّذين هما أبواه الأفضل من أبوي نفسه. (4) ـ محمد وعلي ـ.
    وقد وردت أخبار تضمن كون النبيّ وأمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما أبوي الأُمّة ؛ منها ما رواه الشيخ الأجل الصدوق أبو جعفر محمد بن بابويه القمّي ـ رضوان اللّه عليه ـ في كتاب « معاني الأخبار » وغيره ، قال :
    حدّثنا أبو محمد عمّار بن الحسين ـ رضي اللّه عنه ـ قال : حدّثنا علي بن محمد بن عصمة ، قال : حدّثنا أحمد بن محمد الطبري بمكّة ، قال : حدّثنا محمد بن
1 ـ محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني من مشايخ الصدوق ، ترضّى عليه في المشيخة ، وروى عنه كثيراً ، وكنّاه بأبي العباس ، ووصفه بالمؤدّب ( تارة ) وبالمكتّب ( أُخرى ). ( انظر معجم رجال الحديث للسيد الخوئي : 14 / 219 رقم 9936 ).
2 ـ مولى أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، كان مسلم من عتقائه ، وكان يكتب بين يديه ، من أصحاب الصادق ( عليه السَّلام ). رجال الشيخ ( 48 ). معجم رجال الحديث : 14 / 59 رقم 9552.
3 ـ عيون أخبار الرضا : 1 / 216 ح 1.
4 ـ التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري ( عليه السَّلام ) : 331 ح 198 في تفسير الآية 83 من سورة البقرة ، عنه البحار : 23 / 260 ضمن ح 8.


(118)
الفضل ، عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي (1) ، عن ابن سليمان ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : كنت عند عليّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) في الشهر الذي أُصيب فيه وهو شهر رمضان ، فدعا ابنه الحسن ( عليه السَّلام ) ثمّ قال : يا أبا محمد اعل المنبر فاحمد اللّه كثيراً و أثن عليه ، واذكر جدّك رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بأحسن الذكر ، وقل : لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ؛ لعن اللّه ولداًعقّ أبويه ؛ لعن اللّه ولداً عقّ أبويه ؛ لعن اللّه عبداً أبق (2) من مواليه ؛ لعن اللّه غنماً ضلّت عن الراعي ، وانزل.
    فلمّا فرغ من خطبته ونزل ، اجتمع الناس إليه فقالوا : يا ابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول اللّه نبّئنا ( الجواب ) ، فقال : الجواب على أمير المؤمنين عليه السَّلام.
    فقال أمير المؤمنين عليه السَّلام : إنّي كنت مع النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في صلاة صلاّها فضرب بيده اليمنى إلى يدي اليمنى فاجتذبها فضمّها إلى صدره ضمّاً شديداً ثمّ قال لي : ياعلي ، قلت : لبّيك يا رسول اللّه.
    قال : أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ، فلعن اللّه من عقّنا ، قل : آمين ، قلت : آمين.
    ثمّ قال : أنا وأنت موليا هذه الأُمّة فلعن اللّه من أبق عنّا ، قل : آمين ، قلت : آمين.
    ثمّ قال : أنا وأنت راعيا هذه الأُمّة فلعن اللّه من ضلّ عنّا ، قل : آمين ، قلت : آمين.
    قال أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : وسمعت قائلَين يقولان معي : « آمين » ، فقلت : يا
1 ـ محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، الأموي ، البصري ، واسم أبي الشوارب : محمد بن عبد الرحمن بن أبي عثمان ، صدوق ، من كبار العاشرة. ( تقريب التهذيب : 2 / 186 رقم 481 ).
2 ـ أبَقَ العَبدُ إباقاً : إذا هرب من سيّده من غير خوف ولا كدّ عمل. والإباق ـ بالكسر ـ : اسم منه فهو آبِقٌ ، والجمع الأُبّاقُ ، ككافر وكفّار. ( فخرالدين الطريحي : مجمع البحرين : « أبق ») .


(119)
رسول اللّه ، ومَن القائلان معي « آمين » ؟ قال : جبرئيل وميكائيل عليهما السَّلام. (1)
    هذا وإن كان لا يتعيّن أن يكون الأبوان والوالدان الواردان في الأخبار إلاّمثنّى الأب والوالد ، لا الأب والأُمّ أو الوالد والوالدة ، إلاّ أنّه لا فرق بين الأب والأُمّ في صحّة الإطلاق بل الأُمّ أصحّ إطلاقاً باعتبار معناه اللغويّ كما عرفت.
    ويحتمل أن يريد به الدِّين الذي هو أصل الحياة الأبدية أو أصل كلّ دين.
    وأن يُريد به أُصول الدين التي نطق بها الكتاب والأخبار.
    وأن يُريد به القرآن.
    وأن يُريد به النبوّة ، أو الخلافة ، أو الإمامة الشاملة لهما ، التي بكلّ منها قوام الحياتَين ، وقيام الدين.
    وأن يريد به أُمّ هاشم بن عبد مناف جدّ النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فإنّ اسمه « عَمرو » بالاتّفاق ، وإنّما سمي هاشماً لهشمه الثريد للناس في الأيام المجدوبة.
    وروى الصدوق أبو جعفر بن بابويه المتقدّم ذكره ـ رضي اللّه عنه ـ في كتاب « معاني الأخبار » وغيره ، باسناده عن الحسن البصري قال : صعد عليّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) المنبر فقال : أيُّها الناس أنسبوني ، من عرفني فلينسبني وإلاّ فأنا أنسب نفسي ؛ أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب.
    فقام إليه ابن الكوّاء (2) ، فقال : يا هذا ما نعرف لك نسباً غير أنّك عليّ بن
1 ـ معاني الأخبار : ص 118 ح 1 ، عنه البحار : 36 / 5 ح 4 باب معنى عقوق الأبوين ...
2 ـ ذكره ابن قتيبة في « المعارف » في ذكر النسابين أصحاب الأخبار ، قال : هو عبد اللّه بن عمرو من بني يشكر ... وقال : قيل لأبيه الكواء لأنّه كوي في الجاهلية ( ص 297 ).


(120)
أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب.
    فقال له : يا لكع إنّ أبي سمّاني « زيداً » باسم جدّه « قصي » وإنّ اسم أبي « عبد مناف » فغلبت الكنية على الاسم ، وإنّ اسم عبدالمطّلب « عامر » فغلب اللّقب على الاسم ، واسم هاشم « عمرو » فغلب اللقب على الاسم ، واسم عبد مناف « المغيرة » فغلب اللقب على الاسم ، واسم قصيّ « زيد » فسمّته العرب مجمعاً لجمعه إيّاها من البلد الأقصى إلى مكّة فغلب اللقب على الاسم ، قال : ولعبد المطّلب عشرة أسماء ، منها : عبد المطّلب ، و شيبة ، وعامر. (1)
    يريد أنّ هذا المربع لهاشم وأولاده. والمقصود أنّه مربع توارثته بنو هاشم كابر عن كابر وأنّ هاشماً كأنّه ناله عن بطن أُمّه ؛ فإنّ من المعلوم فضل هاشم على سائر أولاد عبد مناف وفضل أولاده على أولادهم ، فهو فضلٌ آتاه اللّهُ من فضله ، وإنّما فعل ذلك لإخراج الأغيار ، فإنّما مراده ذكر بني هاشم والتحيير لأجلهم.
    ويحتمل أن يريد ب‍ « أُمّ عمرو » : فاطمة صلوات اللّه عليها ، لكونها أصل الدين فإنّ من أحبّها وأحبّ أولادها واقتدى بهم كان مؤمناً وإلاّ كان خارجاً عن ربقة الإيمان ، ولذلك فهي أصل الحياة الأبدية ؛ وأيضاً فإنّ أولادها صلوات اللّه
1 ـ معاني الأخبار : 121 ح 2.
    وذكره الشيخ عباس القمي في كتابه « الكنى والألقاب » قائلاً : اسمه عبد اللّه من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، خارجيّ ملعون ، و هو الذي قرأ خلف علي ( عليه السَّلام ) جهراً ( وَلَقَدْ أُوحيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبِطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرين ) وكان علي ( عليه السَّلام ) يؤمّ الناس ويجهر بالقراءة فسكت ( عليه السَّلام ) حتى سكت ابن الكواء ثمّ عاد في قراءته حتى فعله ابن الكواء ثلاث مرات ، فلمّا كان في الثالثة قال أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : ( فَاصْبِر إِنَّ وَعْدَ اللّه حَقّ وَلا يَسْتَخفنّك الّذين لا يُوقِنون ) وهو الذي سأله عن مسائل شتّى فأجابه أمير المؤمنين ( الكنى والألقاب : 1 / 390 ) والآيتان من سورة الزمر : 65 ، والروم : 60.
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس