اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: 151 ـ 165
(151)
أخّر الظرف لأخّره عنه أيضاً ، وإن كان معمولاً لمقدّر نحو راجعة أو متجاوزة ، فللتقديم وجه آخر هو القرب من الفعل الذي يفهم منه ذلك المقدّر.
    السادسة : في التقييد بقوله « وحشية » : ووجهه ترتيبه الفائدة إن كان حالاً منتقلة أو مفعولاً لأجله أو صفة لمصدر مقدّر ، وإن كان مفعولاً مطلقاً فهو لبيان النوع ، وإن كان حالاً ثابتة فهو لتخصيص المسند إليه فإنّه يكون بمنزلة الوصف.
    وعلى التقديرين مرتبة الفائدة أيضاً حاصلة ، وعلى الثاني فتخصيص هذا النوع من الطير البالغة في الاستيحاش حتى أنّ الطير الوحشية التي تألف القفار تهاب وتتوحّش عنه.
    والعدول عن جعله صفة إلى جعله حالاً لأُمور : منها : الضرورة. ومنها : التوجيه. ومنها : التعجّب ، فإنّ الحال لابدّ لها من المقارنة للعامل فإيقاعه حالاً يدلّ على أنّ الوحشية مقارنة للرواح وهو الذي ينبغي أن يتعجّب منه.
    وأمّا إن كان ظرفاً ، فإمّا بمعنى جانب اليمين ، أو اليسار ، فإن كان الأوّل فالمراد يمين « المربع » وهو الذي يحاذي يسار المتوجّه إليه ، وإن كان الثاني فالمراد يسار الطير ، فالمرجع واحد ووجه تخصيص هذا الجانب الإشارة إلى أنّها تروح عن ذلك المربع أي ترجع أو تنعطف من غير توقّف ولا اختيار لجهته لغاية استيحاشهنّ عنه ، فإنّ الجهة الطبيعية للانعطاف عن جهته جهة يسار المنعطف كما هو معلوم بالتجربة ، والسرّ فيه كما قيل : إنّ جانب اليمين لقوّته يدفع جانب اليسار ويعطفه.
    السابعة : في جملية الوصف الرابع ، وله وجوه :
    منها : الدلالة على التجدّد المستمرّ الذي لا يفهم إلاّ من المضارع ، وهذا مبنيّ على أنّ الاسمية التي جزؤها فعلية تفيد التجدّد دون الثبات كما هو الحقّ ، وقد قيل : إنّها تفيد التجدّد والثبات جميعاً.


(152)
    ومنها : أنّه لما كان مقتضى قاعدة الترقي تأخير هذا الوصف عن الثالث ، وقد أتى به جملة لما عرفت من الوجوه لزم أن يأتي به أيضاً جملة ، لقبح الفصل بالنعت بجملة بين المنعوت والنعت المفرد إلاّ لداعي لا سيّما وقد عطف عليه ، وعطفُ المفرد على ما له محلّ من الإعراب عن الجمل وإن كان صحيحاً إلاّ أنّ التوافق أولى.
    ومنها : التوجيه : فإنّه لا يتمّ التوجيه الذي في الوصف الثالث إلاّ بجملية هذا الوصف ، لأنّ من المعلوم أنّه لو كان مفرداً لم يحتمل ذلك إلاّ الوصفية.
    ومنها : أن لا يلزم إجراء الصّفة على غير من هي له.
    ومنها : استيفاء جميع أقسام النّعت.
    الثامنة : في اسمية هذه الجملة : ولها وجوه :
    منها : رعاية القافية.
    ومنها : الاهتمام بذكر الأسد للتعجّب ، والتعجّب كما يقال : زيد يقاوم الأسد ، إذا كان زيد ممّن ليس في شأنه ذلك.
    ومنها : جعل الكلام ذا وجهين : اسمية ، وفعلية ، لأنّ خبرها فعل وإن كان لا يفيد إلاّ مفاد الفعلية على الأصح.
    ومنها : الاستيفاء الذي مرّغير مرّة.
    التاسعة : في جعلها مقرونة بحرف العطف ، وله وجوه :
    منها : الدلالة على أنّ كلاً من المعطوف والمعطوف عليه كاف في تمييز الموصوف وتعيينه عند المخاطب حتّى كأنّه باعتبار كلّ منهما ذات على حدة.
    ومنها : أنّ الجملة لمّا كانت مستقلّة بذاتها كان في ربطها بالموصوف عسر ،


(153)
وربط جملتين أعسر من ربط جملة ، فلمّا ربط الأُولى فكأنّه تعسّر عليه ربط الثانية إلاّ بمعين هو الواو الموضوع للربط.
    ومنها : أنّ الجملة الاسمية أشدّ استقلالاً من الفعلية فافتقرت إلى زيادة رابط لها بغيرها ، ويؤكّد ما ذكرناه من أنّ الواو معينة في الربط أنّ جماعة أوّلهم الزمخشري ذهبوا إلى أنّ الواو ربّما يؤتى بها بين الموصوف وصفته لزيادة الربط وإنّ من ذلك قوله تعالى : ( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) (1) الآية. وقوله تعالى : ( سَبْعَةٌ وثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) (2) وقوله تعالى : ( وما أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة إِلاّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ). (3)
    هذا كلّه على تقدير أن تكون الجملة الأُولى نعتاً.
    وأمّا إن كانت مستأنفة فوجه العطف يناسب الجملتين في المسندين وهو ظاهر ، وفي المسند إليهما في الوصف المقصود هنا وهو ائتلاف القفار واتّحاد العرض المسبوقتين له ، ولأنّ تتالي الجمل المستأنفة أو الجملتين المستأنفتين يُخرج الكلام عن السّلاسة.
    العاشرة : في تقديم الظرف ، أعني « من خيفته » ووجهه مع رعاية القوافي للتعجّب والتعجيب ، و جميع ما ذكر في تقديم « عنه » على « الطّير » إلاّالأخيرين ، وتقديم منشئ الشيء عليه ، فإنّ الخيفة منشأ الفزع.
    الحادية عشرة : في العدول عن الخوف إلى الخيفة ، أمّا إذا كانت مرادفة له فلأنّها وإن كانت مرادفة إلاّ أنّه لا شبهة في أنّها أبلغ منه ، لزيادة حروفها على
1 ـ البقرة : 216.
2 ـ الكهف : 22.
3 ـ الحجر : 4.


(154)
حروفه ، وأمّا إذا كانت بمعنى الحالة التي تعرض الخائف فلإيهام أنّ « المربع » نفسه خائف من نفسه ، فانّه يتوهّم من الإضافة أنّ الخيفة حالة المضاف إليه ، هذا مع الضرورة.
    المعنى
    إنّ هذا المربع قد بلغ في الإقفار وإمحاء الآثار إلى حيث تنفر عنه الطير الوحشيّة التي تألف القفار فتذهب عنه أي تميل عنه ولا تأتيه ، أو ترجع عنه إذا أتته ، أو يروح عنه كلّ طائر متوحّشة عنه ، أي متخلّية عنه أي متنفّرة أو خائفة أو مهمومة لما تعرف من حاله الأوّلي حين كان مربعاً لأُمّ عمرو ، أو تروح عنه لوحشته أي كونه قفراً ، أو لوحشيتها أي تنفرها أو خوفها أو همها ، أو تروح عنه روحه وحشية أي مستندة إلى التنفّر أو الخوف أو الهم ، أو تنفر عنه تنفّراً ، أو تنعطف عنه على جانبه الأيمن أو جانبها الأيسر.
    واللام في الطّير إن كان للاستغراق فالمراد استغراق الكلّ إن كان المراد من تروح عنه أنّها لا تأتيه ، فإنّه حينئذ بمعنى السلب الكلّي ، فالمعنى أنّه لا يأتيه شيء من الطيور ، أو الوحشية منها.
    وأمّا إن كان المراد الرجوع منه إذا أتته فالمراد استغراق التي ترده أو تقرب منه ، بمعنى أنّ كلّ طائر وحشيّ ، أو كلّ طائر فإنّه يرجع عنه إذا أتاه.
    وإن كان للعهد الذهني ، فهو على تقدير إرادة الرجوع عنه إرادة بعض من الطير ، المطلقة وهو الطير التي ترده ، أي بعض الطير تروح عنه وهو : التي ترده.
    وعلى بعض المعاني التي عرفتها في البيت الأوّل يحتمل أن يريد بالطير


(155)
الملائكة ، فإنّ الملائكة قد نفرت عن مهابط الوحي ومنازل الرسول و آله صلوات اللّه عليهم لما نزلها وتمكّن فيها أئمّة الجور وغاصبو الخلافة قبّحهم اللّه ، وحينئذ فاللام للعهد الخارجي.
    ويحتمل على بعض تلك المعاني أن يكون تمثيلاً لخلوّ منازل الوحي ومواطن الرسول وآله صلوات اللّه عليهم ، أو مرتبة الخلافة عن أهلها وقفارها عنهم بمكان قد بلغ في الاقفار إلى حيث ينفر عنه الطير ، ثمّ بالغ في صيرورة المربع مخوفاً لإقفاره فقال إنّ الأُسد تفزع من خيفته مع كونها غاية في الجرأة.
    ويحتمل أن يريد بالأُسد الأئمة ، أو إيّاهم وخيار المؤمنين وإنّهم يتّقون من أعدائهم الغاصبين للخلافة وأعوانهم ، لما خلت منازلهم عن أعوان يكفونهم.
    ويحتمل أن يكون تمثيلاً على نحو ما مرّ في المصراع الأوّل.
    البيان :
    إنّ كان كلّ من المصراعين تمثيلاً ففي كلّ منهما مجاز تركيبي ، وإن كان المراد بالأُسد الأئمّة أو إيّاهم مع خيار المؤمنين ، ففيه استعارة تصريحيّة مطلقة إذ لم تقرن بشيء ممّا يلائم المشبّه أو المشبه به.


(156)
بِرَسم ِ دارِ ما بهـا مُونِـس رقش يخاف الموت نفثاتِها إلاّ صِلالٌ في الثَّـرى وُقَّعُ والسمّ في أنيابها منقعُ
    اللغة :
    « الباء » ، إمّا للمصاحبة ، أو الظّرفية.
    « الرّسم » : الأثر. ورسم الدار : ما كان من آثارها لاصقاً بالأرض. ومنه الرسيم : لنوع من السير سريع يؤثر في الأرض. وناقةٌ رَسُومٌ : للّتي تؤثّر في الأرض لشدّة وطئها. ورَسَم الغيثُ الدّار : عفاها وأبقى أثرها لاصقاً بالأرض.
    وفي القاموس : إنّه الأثر أو بقيّته ، أو ما لا شخص له من الآثار.
    « الدّار » : المنزل ، اعتباراً بدورانها الّذي لها بالحايط وقيل : دارة. وقد تسمّى البلدة داراً ، والصقع داراً ، والدنيا كما هي داراً.
    وفي الصحاح أنّ الدارة أخصّ من الدار.
    والدار أيضاً القبيلة ، ومنه قوله صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم على ما روي عنه : « ألا أُخبركم بخير دُور الأنصار ؟ دور بني النجّار » ، ومن ذلك أيضاً ما روي عنه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « لم تبق دار إلاّ


(157)
بني فيها مسجد » (1).
    « ما » على نوعين : اسم ، وحرف.
    والحرف : نافية ، وموصولة وغيرهما.
    والنافية إمّا أن تدخل الجملة الفعلية ، أو الاسمية ، فإن دخلت الفعلية لم تعمل شيئاً.
    وإن دخلت على الاسمية ، ففيها لغتان :
    إحداهما : رفع الاسم ونصب الخبر ، وهو لغة الحجاز ، قال الكسائي : وأهل تهامة وقال الفرّاء : لا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلاّ بالباء. انتهى.
    ولعلّه أراد إذا لم يكن الخبر ظرفاً أو جملة ، وجاء النصب في قوله تعالى : ( ما هذا بشراً ) (2) وقوله تعالى : ( ما هُنَّ أُمّهاتِهِمْ ) (3).
    واللغة الأُخرى : رفع الاسمين ، حكاها سيبويه عن تميم ، والفرّاء والكسائي عن نجد.
    والّذين أعملوها ذكروا لذلك شروطاً :
    منها : أن لا يتقدّم الخبر على الاسم ، وعن الفرّاء تجويز النصب مع التقدّم. وعن الجرمي أنّه لغة ، وعليه ظاهر قول الفرزدق :
فَأصبَحوا قَدْ أعادَ اللّهُ نِعْمَتَهُمْ إذْ هُمْ قُرَيشٌ وإذْ ما مِثْلَهُم بَشَرُ (4)

1 ـ انظر لسان العرب : « دور ». وذكر فيه الحديثين وذكره ابن كثير في السيرة النبويّة : 4 / 22 ، ومثله في كتاب « عون المعبود في شرح سنن أبي داود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي ».
2 ـ يوسف : 31.
3 ـ المجادلة : 2.
4 ـ ديوان الفرزدق : 139 ، في قصيدة يمدح بها عمر بن عبدالعزيز ، مطلعها :
زارَت سُكينةُ أطلاحاً أناخَ بِهمْ شفاعةُ النومِ لِلعَينَينِ والسَهَرُ

(158)
    على رواية نصب « مثلهم » ، فقد حكى ذلك سيبويه عن بعض الناس ثمّ قال : هذا لا يكاد يُعرف.
    وقيل فيه : إنّ خبر « ما » محذوف ، أي ما في الدنيا. و « مثلهم » حال عن « بشر » تقدّمت عليه لنكارته ، وجوّز الكوفيون أن يكون « مثلهم » خبراً على أن يكون نصبه على الظرفية أي : في مثل حالهم ومكانهم من الرفعة. وفرّق ابن عصفور بين أن يكون الخبر ظرفاً أو غيره فلا يبطل العمل في الظرف لكثرة التوسّع فيه.
    ومنها : أن لا تنتقض نفسها ، فإنّها إنّما تعمل لمشابهتها ليس في النفي فإذا انتقض لم يكن لعملها وجه ، وعن يونس إعمالها تمسّكاً بقوله :
ومَا الدهرُ إلاّ مَنْجَنُوناً بِأهلهِ وما طالب الحاجاتِ إلاّ مُعذَّبا (1)
    وخرج على أنّ كلاً من « منجنوناً » و « معذّبا » مفعول مطلق لمقدّر ؛ أمّا الأوّل : فبتقدير مضاف أي دوران منجنون. وأمّا الثاني : فبأن يكون مصدراً ميميّاً ك‍ « ممزق » ، فالتقدير : وما الدهر إلاّ يدور دوران منجنون بأهله وما طالب الحاجات إلاّ يُعذّب مُعذبا.
    ومنها : أن تُزاد بعدها « ان » لوقوع الفصل بغير الظّرف بينها وبين معمولها ، ولأنّها تشبه « أن » النافية والنفي إذا دخل على النفي أفاد الإثبات فأشبهت « ما » حينئذ المنقوضة.
    وأجاز المبرّد الإعمال معها. وأنشد أبو علي :
1 ـ قال ابن جني في « ذا القد » ـ وهو كتاب جمعه من كلام شيخه أبي علي : قائله بعض بني سعد والمنجنون ـ بفتح الميم ـ الدولاب الذي يستقى عليه ، وجمعه مناجين ، وهو مؤنّث. ( شرح شواهد المغني : 1 / 220 ـ 221. الشاهد : 107 ).

(159)
بني غدانة ما ان أنتم ذهبا ولا صريفاً ولكن أنتم الخزف (1)
    ومنها : أن لا تؤكّد ب‍ « ما » فيجب الرفع عند الجمهور نحو : ما ما زيد ذاهب ، وأجاز له الكوفيّون النصب.
    ومنها : أن لا يتقدّم على اسمه غير الظرف نحو : ما زيد أو عمرو ضاربان ، فإن تقدّمه ظرف لم يبطل عملها ، نحو : ( فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَد عَنْهُ حاجِزِينَ ) (2) فهذا حال « ما » النافية إذا دخلت جملة فعلية أو اسمية.
    وأمّا إذا دخلت اسماً رافعاً لظاهر ، نحو : قائم الزيدان ، فهي أيضاً لا عمل لها ، ونحو : ما قائم زيد ؛ يحتمل الأمرين :
    أن يكون « قائم زيد » جملة اسميّة تقدّم خبرها على اسمها ولذا لم تعمل « ما » عملها إلاّ على رأي من لم يجوّز تقديم الخبر على المبتدأ.
    وأن يكون « قائم » مدخول « ما » ، و « زيد » فاعلاً له ، ونحو : ما قائمان الزيدان ، لا يحتمل إلاّ الأوّل إلاّ إذا جعل « الزيدان » بدلاً من الضمير ، كما أنّ : ما قائم الزّيدان ، لا يحتمل إلاّ الثاني.
    وأمّا إذا دخلت على ظرف بعده مرفوع كما في البيت فهناك الاحتمالان أيضاً.
    « الباء » في « بها » بمعنى : في الأُنس ، بالضمّ وبفتحتين ، والأنَسَة بفتحين : ضدّ « الوحشة » وقد أنس به مثلثة النّون ، و « آنسه » : ضدّ « أوحشه ».
    وآنسه : أبصرَهُ وَعَلِمَهُ ، وأحسّ به ، وآنس الصّوت : سمعه.
1 ـ « غدانة » ـ بضمّ الغين المعجّمة : حي من يربوع من تميم. والمراد بالصريف : الفضة ، قال البغدادي : ولم أجد من نسبه لأحد مع كثرة وروده في كتب النحو. ( أنظر شرح الرضي : 2 / 186 رقم 262 ).
2 ـ الحاقة : 47.


(160)
    والمونس في البيت يجوز أن يكون على صيغة اسم الفاعل ، وأن يكون على صيغة اسم المفعول.
    « إلاّ » حرف وضع للاستثناء ، أي لإخراج حصّة من جملة حكم عليها بحكم عن ذلك الحكم.
    وربّما كانت بمعنى « لكن » وهو في الاستثناء الّذي يسمّى بالمنقطع ، نحو : جاءني القوم إلاّحماراً.
    وربّما كانت بمعنى « غير » فيكون صفة لما قبلها وذلك في كلّ ما لا يمكن حملها فيه على الاستثناء.
    قد تكون بمعنى « الواو » قاله الأخفش والفرّاء وجعل الأخفش من ذلك قوله تعالى : ( إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) (1). وأجازه الفرّاء في قوله تعالى : ( خالِدِينَ فِيها ... إلاّ ما شاءَ رَبُّكَ ) (2).
    قيل : وتكون بمعنى « بل » نحو : ( ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرآنَ لِتَشْقى * إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ). (3)
    و تكون زائدة نحو :
حَراجيجُ ما تنفََكُّ إلاّ مُناخَةً على الخَسْْفِ أَو نَرمِي بها بَلَداً قَفْرا (4)
    « الصلال » : جمع صِل ـ بالكسر ـ وهو الحيّة أو الدقيقة الصفراء أو التي لا ينفع
1 ـ البقرة : 150.
2 ـ هود : 107 والآية كاملة : ( خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلاّ ما شاء ربُّك ).
3 ـ طه : 2 و 3.
4 ـ القائل « ذو الرمَّةَ » ، و الحراجيج ، من الحرج والحرجوج ، أي الناقة الطويلة ( لسان العرب : « حرج » ). والمعنى هو : لا تفارق هذه الإبل السير إلاّ في حال إناختها.


(161)
فيها الرُّقي ، وهي شديدة الفساد تُحرق كلّ ما مرّت عليه ، ولا ينبت حول جحرها شيء من الزرع ، وإذا حاذى مسكنَها طائرٌ سقط ، ولا يمرّ حيوان بقربها إلاّ هلك ، وتقتل بصفيرها على غلوة سهم ، ومن وقع عليه بصرها ولو من بعدُ مات ويُحكي أنّ فارساً ضربها برمحه فمات هو وفرسه ، ويقال إنّها كثيرة ببلاد الترك.
    وفي « حياة الحيوان » للشيخ كمال الدين الدميري : انّها الملائكة.
    وفي « عجائب المخلوقات » للقزويني : انّ الملائكة حيّة طولها شبر وأكثر ، على رأسها خطوط بيض تشبه التاج ، فإذا انسابت على الأرض أحرقت كلّ شيء مرّت عليه ، وإن طار طائر فوقها سقط عليها ، وإذا بدت تنساب هربت من بين يديها جميع الدواب ، وإذا صفرت يموت من صفيرها كلّ حيوان يسمع ذلك بعدما ينتفخ ويسيل منه الصديد ، وإن أكل من تلك الحيّة شيء من السُّباع يموت. قال : قال جالينوس : إنّها حية شقراء على رأسها ثلاث قنازع مثل التاج وهي قليلة الظهور للناس.
    « في » : يكون اسماً وفعلاً وحرفاً.
    أمّا الأوّل : فهو « فم » إذا أُضيف وكان مجروراً.
    وأمّا الثاني : فهو أمر للواحدة المخاطبة من « وفا » « يفي ».
    وأمّا الثالث : فهو حرف جرّ للظرفية حقيقة ، نحو : الدراهم في الكيس ، والصوم في يوم الجمعة ، أو مجازاً ، نحو : نظرت في العلم ، وقال الكوفيّون : إنّها تجيئ لمعان أُخر ، منها : معنى « على » كقوله تعالى حكاية : ( ولأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ ). (1)
1 ـ طه : 71.

(162)
    « الألف واللام » في « الثرى » للعهد الخارجي أي ثرى تلك الدار ، أو للجنس أي الأرض.
    « الثَّرَى » : التراب النَّدِيُّ ، أو الذي إذا بُلَّ لم يَصِرْ طيناً ، أو الندى نفسه ، وأرض ثرْياء : ذات ندى ، ويقال : التقى الثَّريان : إذا رَسخَ المطرُ في الأرض حتى يلتقي هو وندَى الأرض.
    وتقول العرب : شَهْرٌ ثَرى ، وشهرٌ تَرى ، وشهرٌ مَرعى ، أي تُمطِر أوّلاً ثمّ يطلُعُ النبات فيُرى ثمّ يطول فيُرعى.
    ويقال : أَثرَت الأرض إذا كَثُرَ ثَراها وَأَثْرَى المطرُ الأرض : بَلَّ الثَّرى. وثريتُ الموضع تثرية ، أي رششته. وثريت السويق ، أي بللته.
    وقد جاء بمعنى الأرض إمّا حقيقة أو تجريداً.
    « وُقَّع » : جمع « واقع » كركع وسجد وشهد وعيب وجهل ونزل وصوم وقوم ؛ وهو اسم فاعل من وقع يقع وقوعاً أي سقط.
    « الرَّقْش » : جمع « أرقَش » وهو أفعل من « الرَّقش » كالنقش لفظاً ومعنى. حيّة رَقْشاء : منقّطة ، ورقش كلامه : زوّره وزخرفه.
    « الألف واللام » في « الموت » للجنس.
    « النفثات » : جمع نفثة أو نفث. والنفث : قذف الرِّيق القليل ، وهو أقلّ من التفل ، ومنه : نفث الراقي والساحر في عقده. ويقال : لو سألته نفاثة سواك ما أعطاك ، أي ما بقي في أسنانه من شظاياه. والحيّة تنفث السمّ إذا نكزت أي لسعت بفمها (1).
    « الألف واللام » في « السمّ » للعهد الذهني ، أو للاستغراق ، بادّعاء أنّ
1 ـ « بأنفها » : الأصل و هو تصحيف.

(163)
كلّ سمّ فهو في أنيابها.
    و « السم » ـ مثلّث السّين ـ : هذا القَتّال المعروف. ويقال : سَمَّهُ ، أي سَقاهُ السمَّ. وسَمَّ الطعام ، أي جعل فيه السمّ.
    « الأنياب » : جمع « ناب » وهو السنّ الّذي خلف الرباعية. والأنياب في كلّ حيوان أربعة. وربّما أُطلق الناب في بعض الحيوانات على غير ذلك من كلّ ما يشبه هذا السن شكلاً ، كما يقال : إنّ للتمساح ستّين ناباً في فكّه الأعلى وأربعين في الأسفل.
    يقال : « سمٌّ مُنْقَع » أي مُرَبَّى. وأصله من إنقاع الشيء في الماء أي جعله فيه حتى ينفذ الماء فيه بكلّيته ويأخذ جميع منافذه ويتربّى فيه ، كالنقوعات التي يُتداوى بها.
    الإعراب :
    « برسم دار » : ظرف مستقر معمول لمصحوب أو كائن ، فإنّ « الباء » للمصاحبة ، كان الأوّل وإلاّ كان الثاني ، وعلى كلّ فله احتمالات :
    الأوّل : أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف. والجملة مستأنفة أي هو ، أي المربع مع رسم دار أو في رسم دار.
    والثاني : أن يكون صفة أُخرى لمربع.
    والثالث : أن يكون حالاً عنه فإنّه موصوف يصلح للحالية.
    « ما » : إمّا حجازيّة أو تميميّة أو غيرهما ، فإنّ قوله : « بها مونس » :
    يحتمل أن يكون جملة اسمية تقدّم خبرها على المبتدأ ، وقد عرفت أنّ « ما » إذا دخلت جملة اسمية فعند الحجازيين تعمل الرّفع في الاسم ، والنصب في الخبر ولا عمل لها عند تميم. وأنّه إذا تقدّم خبرها الظرف على اسمها كان فيها قولان :


(164)
أحدهما : البقاء على العمل ، والآخر : انتفاؤه ، فإمّا أن يكون الظّرف أعني بها منصوب المحل على اسمية « ما » ، أو مرفوع المحل على خبرية المبتدأ.
    ويحتمل أن لا يكون جملة اسمية بل يكون المرفوع فاعل الظرف وحينئذ لا تكون « ما » حجازية ولا تميمية بل حرف نفي لا عمل لها ، فإنّ الحجازيّة والتميمية إنّما تجريان في الدّاخلة على الاسميّة. ثمّ الجملة على كلّ صفة لدار والضمير في « بها » راجع إلى الدّار ، فإن لم يكن المراد بها القبيلة فظاهر ، وإلاّ قدّر قبله مضاف أي « بدارها » أو « منزلها » أو نحو ذلك.
    ويحتمل الإرجاع إلى المدار عليه أيضاً على طريقة الاستخدام.
    ويحتمل إرجاع الضمير على كلِّ تقدير إلى الرسم على قول من لا يرى في اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه اشتراط صحّة أن يستغنى عن المضاف بالمضاف إليه.
    « إلاّ » حرف استثناء ، و « صلال » مستثنى ، والاستثناء يحتمل الاتّصال والانقطاع جميعاً على تقدير أن يكون المونس بمعنى ضدّ الموحش. وعلى المعاني الأُخرى فهو متّصل لا غير.
    أمّا الثاني فظاهر و كذا الانقطاع على الأوّل.
    وأمّا الاتّصال عليه فمن باب تأكيد الشيء بما تضادّه ، كقوله :
ولا عَيْبَ فِيهِمْ غيَرْ َأنْ سُيُوفَهُم بِهنّ فُلولٌ من قِراعِ الكتائِبِ (1)
    فكأنّه قال : لا يتخيل بها مونس إلاّ صلال فإن كانت مونسة وإلاّ فلا
1 ـ البيت للنابغة الذبياني ، يمدح آل جفنة ، ملوك الشام من غسان ، وفيه يمدح عمرو بن الحارث الأصغر حين هرب إلى الشام ونُزل به في قصيدة مشهورة ، مطلعها :
كِليني لِهَمّ يا أُمَيْمَةَ ناصِبِ و ليل أُقاصيهِ بَطِيِ الكواكِبِ

(165)
مونس بها. وهو في أبلغ التأكيد وأمتنه.
    ثمّ إنّ رفع « صلال » إن كان الاستثناء متّصلاً على البدليّة من المستثنى عنه ، أعني « مونس » عند البصريين ، وعطف النسق عند الكوفيّين فإنّ « إلاّ » في الاستثناء عندهم حرف عطف ، ك‍ لا بل ، وردّ ثعلب على الأوّل بأنّه كيف يكون بدلاً وهو موجب ومتبوعه منفي والبدل لابدّ من أن يوافق المبدل منه في الحكم.
    وعلى الثاني : بأنّ « إلاّ » لو كانت حرف عطف لم تباشر العامل في نحو : ما قائم إلاّزيد ، إذ لا شيء من حروف العطف يصحّ أن يباشر العامل.
    والجواب : أمّا عن الثاني : فظاهر فإنّها لم تباشر العامل حقيقة إذ التقدير : ما قام أحد إلاّ زيد.
    وأمّا عن الأوّل : فقد أُجيب بأنّه بدل بعض ، وبدل البعض يخالف متبوعه في الحكم فإنّك إذا قلت رأيت القوم بعضهم ، فالمرئي إنّما هو البعض ، ومتبوعه الّذي هو القوم غير مرئي ، وإنّما حكم عليه بالرؤية مجازاً قال : وإذا جازت المخالفة في الصفة نحو : مررتُ برجل لا كريم ، ففي البدل بالطريق الأولى.
    وعن الفرّاء أنّه يوجب البدل ولا يجيز النصب على الاستثناء إذا كان المستثنى منه منكراً كما في البيت ، فلا يجيز في : ما جاءني أحدٌ إلاّ زيد ، إلاّ الرفع.
    وقال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه : ولعلّه قاس ذلك على الموجب ، فإنّه لا ينتصب فيه المستثنى إلاّ والمستثنى منه معرّف باللام ، فلا يجوز : جاءني القوم إلاّ زيداً ، لأنّ دخول « زيد » في قوم المنكر غير قطعي حتى يخرج بالاستثناء ، ـ قال ـ : وليس بشيء لأنّ امتناع ذلك في الموجب لعدم القطع بالدخول ، وفي غير الموجب
جاءت « أُمَيمة » بالفتح و الأحسن بالضمّ ، قال الخليل : من عادة العرب أن تنادى المؤنّث بالترخيم ، فلما لم يرخم هنا ، بسبب الوزن ، أجراها على لفظها مرخمة ، و أتى بها بالفتح. ( انظر ديوان النابغة الذبياني : ص 9. المكتبة الثقافية ـ بيروت ).
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس