|
||||||||||||||||||||||||||||||
(436)
و قوله :
ويمكن أن يقال : إنّ أصل الكلام فيه : ما بين صنعاء وأيلة : مبتدئاً من صنعاء منتهياً إلى أيلة ، ثمّ استغنى عن الابتداء بذكر الانتهاء ، ثمّ استغنى عن الانتهاء بذكر المنتهى مقروناً ب « إلى » الدالّة عليه صار ما بين صنعاء وأيلة إلى أيلة ثمّ حذف « وأيلة » لدلالة المذكور عليه. أو يقال : إنّه ضمن بين معنى الابتداء والانتهاء فأبدل الواو في خبره ب « إلى ». « صنعاء » ـ بالمدّ ـ قصبة اليمن. « أيلة » قال في القاموس : جبل بين مكّة والمدينة قرب ينبع وموضع بين ينبع ومصر. وإيلة ـ بالكسر ـ : قرية بباخرز ، وموضعان آخران. (2) 1 ـ مطلع معلّقة امرئ القيس المعروفة ؛ المعلّقات العشر : 59. 2 ـ الفيروزآبادي : القاموس المحيط : 3 / 486. (437)
وفي شرح التوربشتي (1) لكتاب المصابيح للفرّاء البغوي الملقّب عند العامة ب « محيي السنّة » أنّ أيلة بالياء المجزومة : بلدة على الساحل من آخر بلاد الشام ممّا يلي بحر اليمن.
وفي النهاية لابن الأثير فيه ذكر أيلة وهو بفتح الهمزة وسكون الياء : البلد المعروف فيما بين مصر والشام. (2) وفي المعجم أيلة ـ بالفتح ـ : مدينة على ساحل بحر القلزم ممّا يلي الشام ، وقيل : هي آخر الحجاز وأوّل الشام ، ـ قال ـ : قال أبو زيد : أيلة مدينة صغيرة عامرة ، بها زرع يسير ، وهي مدينة اليهود الذين حرّم عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير ، وبها في يد اليهود عهد لرسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال : وقال أبو المنذر : سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم صلوات اللّه عليه. وقال أبو عبيدة : أيلة مدينة بين الفسطاط ومكّة على شاطئ القلزم تعدّ في بلاد الشام (3). انتهى كلام المعجم بألفاظه. وما في هذه الكتب الثلاثة هو الموافق لما ورد في بعض الروايات التي في بيان عرض الحوض من أنّه ما بين صنعاء إلى بصرى ، فإنّ بصرى كحبلى : بلد بالشام (4). « الواو » للعطف ، أو الحال. « الألف واللاّم » للجنس. 1 ـ و في أعلام الزركلي : 5 / 152 : التوربشتي : فضل اللّه بن حسن أبوعبداللّه شهاب الدين ، فقيه حنفي له « مطلب الناسك في علم المناسك » و « الميسّر في شرح مصابيح السنة للغنوي » ( توفّي سنة 661 هـ ). 2 ـ النهاية في غريب الحديث : 1 / 86. 3 ـ معجم البلدان : 1 / 292. 4 ـ المصدر نفسه : 5 / 31. (438)
« العرض » هو الامتداد الذي هو أقصر من الطول.
« الباء » للظرفية أو للمصاحبة. « السعة » كالدعة والمقة : خلاف الضِيق. « نصبه » ينصبه نصباً أي أقامه. « العلم » ما ينصب في الطريق ليُهتدى به ، والجبل أو الطّويل منه ، والراية وما يعقد على الرمح ، وسيّد القوم. « اللاّم » للاختصاص أو التعليل. « الهدى » مصدر كالسرى والبكا ، هو فعل قليل في المصادر يختصّ بالمعتلّ ؛ هداه يهديه هدى وهدياً وهداية ، وهدية بكسرهما ، وكثر استعمال هدى بمعنى ما يُهتدى به ، ومعنى هذا التركيب : الإرشاد والدلالة على الشيء إمّا مطلقاً أو بشرط الإيصال والإفضاء إلى المقصود على الاختلاف المشهور. واستدلّ الأوّلون بنحو قوله تعالى : ( وأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الهُدى ). (1) وأُجيب بأنّه مجاز عن إفاضة أسباب الهداية والتقريب من الاهتداء حتّى كأنّه هداهم ، أي دلّهم وأوصلهم إلى المقصود. وردّ بأنّ الأصل الحقيقة. واستدلّ الآخرون بوجوه : منها : أنّ الضلالة تقع في مقابلة الهداية وعدم الوصول إلى المطلوب معتبر فيها. ومنها : أنّه يمدح الإنسان بكونه مهدياً ولو كانت الهداية عبارة عن مجرّد الدلالة لم يصلح لأن تكون منشأ للمدح ، بل ربّما كانت منشأ للذمّ. 1 ـ فصّلت : 17. (439)
ومنها : أنّ « اهتدى » مطاوع « هدى » والمطاوعة : حصول الأثر عن تعلّق الفعل بالمفعول ، فإنّما الفرق بين الأصل والمطاوع أنّ الأصل تأثير والمطاوع تأثّر والوصول هنا معتبر في المطاوع ، فلابدّ من أن يكون معتبراً في الأصل.
ومنها : نحو قوله تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقيم ). (1) والحقّ أنّ الاستعمال وارد على كلّ من المعنيين ، فيحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو مجرّد الدلالة إلاّ أنّ التأثير لما لم يعتدّ به إلاّ إذا حصل أثره ، شاع استعماله في التأثير المقارن لحصول الأثر. ويحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو التأثير المقرون بالأثر إلاّ أنّه استعمل في مجرّد التأثير من باب استعمال لفظ الكلّ في جزئه ، أو تنزيلاً لتأثير الحاصل في ذلك المقام منزلة المقرون بالأثر لقوّته إلاّ أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة إلاّ أن يمنع من ذلك مانع ، فالظاهر أن يكون مشتركاً بين المعنيين. ثمّ إنّه ربما يستعمل متعدّياً إلى المفعول الثاني ب « إلى » ، كقوله سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراط مُسْتَقيم ). (2) وقد يستعمل متعدّياً إليه باللاّم كقوله تعالى : ( إِنَّ هذا القُرآن يَهْدِي للَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ). (3) وقد يستعمل بلا حرف جرّ ، فقيل : إنّه محذوف كما حذف في نحو قوله تعالى : ( وَاخْتارَ مُوسى قَومَهُ ) (4) فإنّه بمعنى من قوله أو لقومه. وقيل : بل هو أيضاً أصل وقد يفرّق بينه وبين الأوّلين في المعنى بأنّه بمعنى 1 ـ القصص : 56. 2 ـ الشورى : 52. 3 ـ الإسراء : 9. 4 ـ الأعراف : 155. (440)
الإيصال والأوّلين بمعنى مجرّد الدلالة. ولكن يدفعه ما مرّ من قوله تعالى : ( مَن يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقيم ).
« الواو » للحال. « الألف واللاّم » للعهد الخارجي من الابتداء. « الماء » معروف ، وأصله موه ، قلبت الواو لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ألفاً ، ثمّ شبّه الهاء بحرف اللين لخفائها ، فكأنّها واواً وياءً واقعة طرفاً بعد الألف الزائدة فقلبت ألفاً ثمّ همزة. والدّليل على هذا الأصل : تصغيره على مويه ، وتكبيره على مياه وأمواه ، وقد جاء في تكبيره « أمواء » قال :
« حوض » ترع بفتحتين ، أي ممتلئ وقد ترع يترع كعلم يعلم ، وأترعته أي ملأته. « فاض » الماء يفيض فيضاً وفيوضاً بالضم والكسر وفيضاناً وفيضوضة : كثر حتى سال ، كالوادي ، وأرض ذات فيوض إذا كانت فيها مياه تفيض. « من » إمّا للابتداء ، أو التبعيض ، أو التعليل ، أو بمعنى « على » كقوله تعالى : ( وَنَصَرْناهُ مِنَ القَوم ) (2) على ما قيل. « الرّحمة » إذا نسب إلى اللّه سبحانه كانت بمعنى لازم الرّحمة ، وهو الإنعام والإفضال لامتناع نسبة معناها الحقيقي إليه فإنّه انفعال وتأثّر. وربما أُريد بها 1 ـ ذكره في شافية ابن الحاجب : 3 / 208 ، وفيه : ان هذا الشاهد من الرجز المسطور ولم يتيسر الوقوف على قائله ، وذكره في تاج العروس : 9 / 414. وقال : حكاه ابن جني قال أنشدني أبو علي ... 2 ـ الأنبياء : 77. (441)
النعمة.
والمراد بها في البيت إمّا المعنى الأوّل أو المعنى الثاني. وعلى الثاني فإمّا المراد بها جنس النعمة وذلك إذا كانت « من » للتبعيض ، أي يفيض من جملة نعمه الكوثر أو الحوض ، وذلك إذا كانت « من » بمعنى « على » على الحوض ، أي يفيض الكوثر. « الكوثر » فوعل من الكثرة ، يطلق على معان : منها : الكثير من كلّ شيء. ومنها : الكثير الملتف من الغبار. ومنها : الإسلام. ومنها : النبوّة. ومنها : الرّجل الخيّر الكثير العطاء. ومنها : السيد. ومنها : النّهر. والمراد به هنا نهر في الجنّة ، وهو المشار إليه بقوله تعالى : ( إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر ) (1). روى الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي في أماليه بإسناده عن عبد اللّه بن العباس قال : لمّا نزل على رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ( إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوْثر ) قال له عليّ بن أبي طالب : ما هو الكوثر يا رسول اللّه ؟ قال : نهر أكرمني اللّه به ، قال عليّ ( عليه السَّلام ) : هذا النهر شريف فانعته لنا يا رسول اللّه ، قال : نعم يا عليّ ، الكوثر نهر يجري تحت عرش اللّه تعالى ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللّبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ، حصاه الزبرجد والياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الاذفر ، قواعده تحت عرش اللّه عزّوجلّ. ثمّ ضرب رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يده على جنب أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) وقال : يا عليّ إنّ هذا النهر لي ولك ولمحبّيك من بعدي. (2) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في نعته من طرق الخاصّة والعامّة ، وهي 1 ـ الكوثر : 1. 2 ـ الأمالي : 294. (442)
كثيرة متقاربة المضامين.
ويحتمل أن يراد به الماء الكثير. « الكاف » المفردة المفتوحة ، مشتركة بين الحرف والاسم ، والحرف منها حرف هجاء وحرف معنى ، فلنتكلّم عليها بالاعتبارين. أمّا بالاعتبار الأوّل ، فنقول : إنّ مخرجها ممّا يلي مخرج القاف من اللسان والحنك الأعلى ممّا يقرب إلى الخارج ، وهي مهموسة شديدة منفتحة منخفضة مصمتة. وأمّا بالاعتبار الثاني ، فهي على وجهين : عاملة جارّة ، وغير عاملة. والكلام هنا في العاملة ، ولها عدّة معان ، والمراد هنا من معانيها التشبيه ، وهو المعنى الغالب فيها. وأمّا الكاف الاسمية ، فهي مرادفة ل « مثل » فالجمهور على أنّها لا تقع كذلك إلاّ في الضرورة ، كقوله : « يضحكن عن كالبرد المنهم ». (1) وذهب كثير ، منهم الأخفش والفارسي إلى أنّه يجوز في الاختيار ، فجوّزوا في نحو : زيد كالأسد ، أن تكون الكاف اسماً في موضع رفع ، وما بعدها مخفوضاً بالإضافة ، قال : ابن هشام في المغني : ولو كان كما زعموا لسمع في الكلام مثل : مررت بكالأسد (2). وإمّا للشك ، أو بمعنا « بل » بناء على ما ذهب إليه الكوفيون ، وأبو علي ، وأبو 1 ـ ذكره في كتاب العين : 4 / 461 وذكر البيت بكامله :
2 ـ مغني اللبيب : 1 / 239 برقم 325. (443)
الفتح ، وابن برهان من أنّها تأتي بمعنى « بل » مطلقاً احتجاجاً بقراءة أبي السمال ( أَو كلّما عاهَدُوا ) (1) بسكون الواو. و يقول جرير :
يحتمل أن يكون بمعنى التخيير على معنى أن من رآه تخيّر بين أن يقول : انّه كالفضّة ، أو يقول : إنّه أنصع ، كما قيل مثله في قوله تعالى : ( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مائة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ ) (3) وقوله تعالى : ( فَهِيَ كَالحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة (4) ). (5) الناصع : الخالص من كلّ شيء ، يقال : أبيض ناصع وأصفر ناصع ، قال الأصمعي : كلّ ثوب خالص البياض أو الصفرة أو الحمرة فهو ناصع. ونصع لونه نصوعاً إذا اشتدّ بياضه وخلص (6). « الحصى » صغار الحجارة ، الواحدة : حصاة ، والجمع : حصيات. « المرجان » الخرزة الحمراء التي يقال لها البُسَّذُ كسكّر ، وصغار الدر ، وكما اللؤلؤ كبارها. وعن مقاتل عكس ذلك. وقيل : اللؤلؤ الأبيض والمرجان الأحمر. والظاهر أنّ المراد هنا هو الدرر. 1 ـ البقرة : 100. 2 ـ تقدم ص 293. 3 ـ الصافات : 147. 4 ـ البقرة : 74. 5 ـ مغني اللبيب : 1 / 64. 6 ـ لسان العرب : 8 / 696 « نصع ». (444)
« اللؤلؤ » فيه لغات أربع ، قرئ بهنّ في السّبع بهمزتين وبغير همز ، وبهمز الأُولى دون الثانية ، وبالعكس.
« لم تجنه » من جنى الثمرة يجنيها جنياً وجنى ، ويقال ذلك في العسل أيضاً بمعنى شاره. والمراد هنا إخراج اللؤلؤ من الصدف. « الأصبع » : الجارحة المعروفة ، وفيها عشر لغات بتثليث الهمزة ، ومع كلّ من حركاتها ، فالباء مثلثّة ، والعاشرة اصبوع كاسبوع ، وهو يذكّر ويؤنّث. « البطحاء » مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، كالبطيحة والأبطح ، ومنه تبطّح السيل ، أي اتّسع في البطحا. المسك : من الطيب معروف ، فارسي معرّب ، وكانت العرب تسمّيه المشموم. « حافتا » الوادي وغيره : جانباه ، والجمع حافّات. « الهَزّ » : التحريك الشديد ، يقال : هززت الرمح فاهتزّ ، واهتزّ النبات إذا تحرك لغضارته ، واهتزّت الأرض إمّا بمعنى اهتز نباتها ، على حذف المضاف ، أو التجوّز في الاسناد ، أو بمعنى أنّها بنفسها تتحرك وترتفع بالنبات. « من » للابتداء ، أو بمعنى « في » كما أو بمعنى « على » كما قيل في قوله تعالى : ( وَنَصَرْناهُ مِنَ القَومِ ) ، أو بمعنى « عند » كما قيل في قوله تعالى : ( لَنْ تغنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَولادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيئاً ) (1). « أنق » بالشيء كفرح : أُعجب به ، وأنقة الشيء إيناقاً وينقاً ـ بالكسر ـ أعجبه. « ربع » فلان إذا أخصب ، أي نال الخصب ، فالمربع منول الخصب. « ما » موصولة أو موصوفة. 1 ـ آل عمران : 10 و 116. (445)
هذا « دون » فلان : أي أدنى مكاناً منه ، و « دون » بمعنى تحت ووراء وقدّام وفوق ، قال الراغب : هو مقلوب من الدنو (1). وإذا استعمل في الدنى فهو باعتبار عدم بلوغه رتبة من فوقه فقد يلمح القرب منها ، وقد لا يلمح.
« الورى » كالفتى : الخلق ، يقال : ما أدري أيّ الورى هو ، أي أيّ الخلق. قال الخليل : الورى : الأنام الّذين على وجه الأرض في الوقت ، ليس من مضى ولا من يتناسل بعدهم ، فكأنّهم الّذين يسترون الأرض بأشخاصهم (2). « النضرة » والنضر ـ بالتحريك ـ : والنضارة والنضور : الحسن والرونق ، نضر الشجر والوجه واللّون كنصر وفرح وكرم فهو ناضر ونضير ، وأنضر ونضر اللّه وجهه ، ونضره وأنضره. وأخضر ناضر : أي غضّ حسن ، أو شديد الخضرة. وفي القاموس أنّه يبالغ به في كلّ لون أخضر ناضر وأحمر ناضر وأصفر ناضر. « الفقوع » : شدّة الصفرة أو صفاؤه ، يقال : أصفر فاقع ووارس ، كما يقال : أخضر ناضر ومدهام ، وقد فقع لونه كمنع ونصر فقعاً وفقوعاً. وفي القاموس : أصفر أو أحمر فاقع وفقاعي ـ بالضمّ ـ قال : أو كلّ ناصع اللّون فاقع من بياض وغيره. « الصفرة » اللون معروف ، وقد يقال على السواد كقوله :
1 ـ مفردات غريب القرآن : 176. 2 ـ ذكره الراغب في مفرداته : 520 عن الخليل. 3 ـ من قصيدة للبيد بن أبي ربيعة ، مطلعها :
(446)
وقوله :
وقال الراغب : الصفرة لون من الألوان الّتي بين السواد والبياض ، وهي إلى السواد أقرب ولذلك قد يعبّر بها عن السّواد (2). « في » أو و هذه ما في الأولى من المحتملات. « الأباريق » جمع إبريق ، وهي الآنية المعروفة ذات العروة والخرطوم ، قيل : سمّيت بذلك لأنّها تبرق لصفاء لونها ، والظاهر أنّه معرب « آب ريز » أي صابّ الماء. « القدحان » والأقداح جمع القدح ـ بالتحريك ـ : وهو آنية تروي رجلين غالباً ، أو اسم يجمع الصغار والكبار. « الذبّ » المنع والدفع ، وقال الراغب : وذبيت عن فلان : طردت عنه الذباب ، والمذبّة ما يطرد به ، ثمّ استعير الذب لمجرّد الدفع (3). أقول : وهذا عكس قول من قال : إنّ الذباب أصله « ذب أب » سمّي به الطائر المعروف لما أنّه كلّما ذبّ أبّ. « الألف واللاّم » للعهد الخارجي. « الرجّل » : ـ بضم الجيم وسكونها ـ : الذَّكَر من الإنسان إذا شبّ واحتلم ، أو مطلقاً والكامل. 1 ـ ذكره ابن جريرالطبري في جامع البيان : 1 / 490 ، والشوكاني في فتح القدير : 5 / 359 ، و لم ينسباه. 2 ـ مفردات غريب القرآن : 283. 3 ـ مفردات غريب القرآن : 177. (447)
« الصّلع » محرّكة : انحسار شعر مقدّم الرأس ، وهو أصلع بين الصّلع ، وهي صلعاء ، وموضع الصلع الصلعة محرّكة وبالضمّ.
والمراد بالرّجل الأصلع : أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وقد ذكر الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رحمه اللّه في كتاب « علل الشرائع والأحكام » في علّة الصلع في رأسه ( عليه السَّلام ) ما هذا لفظه : حدّثنا أبي و محمد بن الحسن رضي اللّه عنهما قالا : حدّثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطّار جميعاً عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري باسناد متّصل لم أحفظه : أنّ أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) قال : إذا أراد اللّه بعبد خيراً رماه بالصلع فتحات الشعر عن رأسه وها أنا ذا (1). وروى ثقة الإسلام الإمام أبو علي الطبرسي رحمه اللّه في صحيفة الرضا بإسناده عن الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما قال : قال علي ( عليه السَّلام ) : لا تجد في أربعين أصلعاً رجل سوء ، و لا تجد في أربعين كوسجاً رجلاً صالحاً ، وأصلع سوء أحب إليّ من كوسج صالح (2). وفي كتاب « روضة الواعظين » لابن الفارسي ، عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : و أمّا صلع رأسي فمن إدمان لبس البيض ومجالدة الأقران (3). « الابن » من الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون فالتزموا أن يزيدوا في أوائلها همزة ؛ ليتوصّلوا بها إلى الابتداء بها. وأصله بنو أو بني ، قال الرّاغب : وسمّي بذلك لكونه بناء للأب ، فإنّ الأب هو الّذي بناه وجعله اللّه بناء في إيجاده (4). 1 ـ علل الشرائع : 1 / 159 ، ح 1. 2 ـ صحيفة الإمام الرضا : 258 ح 189. 3 ـ الفتال النيسابوري : روضة الواعظين : 108 ، والخصال : 189 ح 261. 4 ـ مفردات غريب القرآن : 62. (448)
« أبو طالب » كنيته ، واسمه كما عرفت في أوائل الكتاب : عبد مناف.
« الكاف » ضمير متّصل موضوع لخطاب الواحد المذكّر منصوب أو مجرور ، وهو هنا مجرور بما أُريد به الخطاب كلّ من يصلح للخطاب ، وهو الظاهر هنا. « الجرب » ـ بالتحريك ـ معروف ، جرب كفرح فهو جرب وجربان وأجرب ، والجمع جرب وجربى وجراب. « الإبل » بكسرتين وقد يسكّن باؤه : اسم جمع البعير ، لا واحد له من لفظه ، وقيل : لا هو جمع ولا اسم جمع وهو لازم التأنيث كسائر أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين. « شرعت » الدوابّ في الماء تشرع كمنع شرعاً وشروعاً ، أي دخلت وهي إبل شروع وشرع كركع. « الواو » للعطف أو الحال. « العطر » ـ بالكسر ـ : الطيب ، تقول منه : عطرت المرأة تعطر ـ كعلم ـ عطراً بالفتح فهي عطرة ومتعطّرة. « الواو » عاطفة أو حاليّة. « الريحان » ، نبت معروف طيّب الرائحة ، أو كلّ نبت كذلك أو ورقة أو أطرافه ، من الريح بمعنى الرائحة ، أو النبت الطيّب. « النوع » : كلّ ضرب وكلّ صنف من كلّ شيء ، وهو أخصّ من الجنس ، فانّ نحو الإبل مثلاً : جنس من البهائم وليست نوعاً منها. « ذاك » : إمّا اسم فاعل من قولهم : مسك ذاك ، وذكي وذكية : ساطع ريحه ، فيكون حذف تنوينه للضرورة ، كقول عباس بن مرداس :
1 ـ الجوهري : الصحاح : 3 / 934 وفي لسان العرب : 6 / 190. (449)
وقول أبي نؤاس :
« الواو » للعطف أو الحال. « الهب » والهبوب والهبيب : ثوران الريح. « الباء » بمعنى « في » أو « على ». « الزعزعة » : تحريك الريح الشجرة ونحوها ، أو كلّ تحريك شديد ، وريح زعزع وزعزعان وزعزاع ـ بالفتح و الضّم ـ : أي شديدة تزعزع الأشياء. « الريح » هو الهواء المتحرّك ، ويجمع على رياح وأرواح وأرياح وريح كعنب ، وهو لازم التأنيث ، وباؤه منقلبة عن الواو ، ولذا يجمع على أرواح. « من » للابتداء. « الألف واللام » للعهد أو الجنس ، أو العهد الذهني أي جنة من الجنان فإنّ الجنان سبع : جنّة الفردوس ، و عدن ، وجنّة النعيم ، ودار الخلد ، وجنّة المأوى ، ودار السّلام ، وعلّيين ، على ما روي عن ابن عبّاس (3). « الجنّة » في الأصل البستان ذو الأشجار الساتر بأشجاره الأرض ، فإنّها من الجن بمعنى ستر الشيء. 1 ـ ديوانه : 352. 2 ـ غريب الحديث ، لابن سلام : 3 / 54. 3 ـ ذكره القرطبي في تفسيره : 8 / 329 ، والبكري في « إعانة الطالبين » : 4 / 385 باختلاف يسير. (450)
وربّما تسمّى الأشجار السّاترة بوفور أغصانها والتفافها جنّة ، بل قيل إنّه الأصل في معناها ، وإنّما يسمّى البستان بها لاشتماله عليها.
وقيل في تسمية البستان جنّة وجوه أُخر : منها : أنّ مغارس الأشجار بسترها أُصولها عن الأنظار. منها : أنّ ثمارها تستتر حيناً ثم تبرز. ومنها : أنّها تستر عن الناس بالحيطان. ومنها : أنّ صاحب البستان يصون به عرضه ويستره. وأمّا تسمية جنّة الآخرة بالجنة ، فإمّا لكونها كبساتين الدّنيا بساتين مشتملة على الأشجار ، وإمّا لاستتار ما فيها من النعم عنّا ، كما قال سبحانه : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخفيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُن ). (1) « الأمر » طلب المستعلي فعلاً سواء كان بإفعل وليفعل أو بغيرهما ممّا يفيد مفادهما ، وإن كان بصورة الخبر كقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَترَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ) (2) أو كان إشارة أو غيرها ، ولذا سمّي ما رآه إبراهيم صلوات اللّه عليه وعلى آله في منامه من ذبح ابنه أمراً حيث قال : ( يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَر ) (3). وكثيراً ما يراد بالأمر المنسوب إلى اللّه سبحانه الإرادة والقضاء الحتم ، كما قال : ( إِنّما قولُنا لشيء إذا أردناهُ أن نقولَ لُه كُنْ فَيكُون ) (4) فليس هناك إلاّ إرادة وقضاء ، وليس فيه لفظ يكن ونحوه ، وإنّما يعبّر بالأمر دلالة على نفود إرادته وقضائه كما ينفد الأمر في المأمور المطيع ، وهذا المعنى هو المراد في البيت. 1 ـ السجدة : 17. 2 ـ البقرة : 228. 3 ـ الصافات : 102. 4 ـ النحل : 40. |
||||||||||||||||||||||||||||||
|