|
||||||||||||||||||
(451)
ويحتمل أن يكون ما في البيت من أمر ، بمعنى أمّر وآمر بمعنى كثر ، كما قيل في قوله تعالى : ( أَمْرنا مُُترَفيها ) (1) أنّه بمعنى كثّرناهم ، ولكن ردّ ذلك بأنّ « أمر » لم يجئ متعدّياً ، وعلى هذا فيجوز أن يكون اسم المفعول بمعنى اسم الفاعل كما في قوله تعالى : ( إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مأتِيّاً ) (2) وقوله تعالى : ( حجاباً مستوراً ) (3) وكما قيل في قوله تعالى : ( إِنْ تَتبعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً ). (4)
وفي قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « خير المال سكة مأبورة. ومهرة مأمورة » (5). « ذهب » كمنع ذهاباً وذهوباً ومذهباً : مضى فهو ذاهب وذهوب. « المرجع » إمّا مصدر ميميّ ، أو اسم زمان أو مكان : من الرجوع وهو العود إلى ما كان منه البدء ، وتحقيقاً أو تقديراً ، وهو على كلّ تقدير بكسر العين مع أنّ القياس المصدر الميميّ من غير معتلّ الفاء فتح العين فهو كالمهلك والميسر والمطلع. الإعراب : « حوض » خبر مبتدأ محذوف ، أي هو حوض. الضمير في « له » عائد عليه ، وله عامل في مابعده ، أو خبر له على رأي تقدّم. والجملة صفة حوض. « ما » إن كانت موصولة فما بعدها صلتها ، وإن كانت موصوفة كان ما بعدها صفة لها ومابعدها ـ أعني الظرف ـ :. مستقر ، ثمّ إنّ المراد مثل ما بين 1 ـ الإسراء : 6. 2 ـ مريم : 61. 3 ـ الإسراء : 45. 4 ـ الفرقان : 8. 5 ـ معاني الأخبار : 292 ، ح 1 ، عنه البحار : 103 / 65 ، ح 9. (452)
صنعاء إلى أيلة ، فإمّا أن يكون لفظ المثل مقدّراً في نظم الكلام ، أو لا ، بل مقصوداً من تقدير ، وعلى الأوّل فإمّا أن يكون محلّ « ما » باقياً على ما كان عليه من الجزاء وقامت « ما » مقام المحذوف وأُعربت في المحل بإعرابه على طريقة مجاز الحذف.
ويحتمل أن يكون الضمير في « له » عائداً إلى النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) والجملة صفة ل « حوض » و « ما » مع ما في حيّزها صفة أُخرى له ، أي حوض مخصوص به أو ملك له أو حقّ له مثل ما بين كذا وكذا ، أو خبر لمحذوف أي هو. « إلى أيلة » إمّا متعلّق ببين بالتضمين الذي عرفته ، أو حال عن الضمير المستتر في « بين » أي منتهياً إلى أيلة ، أو عن صنعاء ، أو صفة له إن جوّزنا تقدير العامل معرفة ، أي المنتهية إلى أيلة. جملة « والعرض به أوسع » عطف على جملة « له ما بين صنعاء إلى أيلة » إن كانت جملة وإلاّ فعلى ما بعد « له » أو الجملة : حال عن « ما » إن كانت فاعلاً ل « له » أو عن الضمير في « له » إن كان راجعاً إلى الحوض. « العرض » مبتدأ وخبره « أوسع ». و « به » ظرف مستقرّ حال عنه. وأصل الكلام : عرضه أوسع ، والمفضل عليه لأوسع مقدّر ، أي أوسع ممّا بين صنعاء وأيلة. جملة المصراع الذي بعد ذلك كلام مستأنف. « ينصب » فعل مبنيّ للمفعول. « فيهم » ظرف لغو متعلّق به ، وضميره إمّا أن يعود على من تقدّم ذكرهم وهو الظاهر ، أو على الخلائق أجمعين ، وإن لم يتقدم لهم ذكرٌ. « علم » مفعوله القائم مقام الفاعل. « للهدى » إمّا ظرف مستقرّ صفة للعلم وهو على بعض الاحتمالات في علم مضاف إليه لمقدّر ، أي لأهل الهدى ، وكما ستعرف ذلك في فصل المعنى ، أو أطلق (453)
الهدى على أهله مبالغة ، أو لغو متعلّق ب « ينصب ».
جملة المصراع الثاني حال عن « علم » سواء كان « للهدى » صفة له ، أو لا. أمّا على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني فلأنّه لا يشترط في الحال المصدّرة بالواو أن يكون صاحبها معرّفاً أو مخصّصاً ، كقوله تعالى : ( أَو كَالّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَة وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ) (1) على أنّه ربّما وقع الحال عن النكرة المُخِصّة وإن لم يصدر بالواو كقولهم « عليه مائة بيضا » وكما في الحديث : صلّى رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قاعداً ، وصلّى وراءه رجال قياماً » (2). وعلى أنّه يمكن أن يقال بتخصيص ذي الحال هنا بما يفهم من تنكيره من التعظيم فكأنّه قال : « علم عظيم ». « الحوض » مبتدأ خبره منزع ، وما قبله متعلّق به ، أي منزع من ماء له. و « له » إمّا ظرف مستقرّ صفة لماء ، أو لغو متعلّق ب « منزع » ، وضميره على الأوّل إمّا للحوض أو ل « علم » ، وعلى الثاني ل « علم ». جملة المصراع الّذي بعد ذلك ، إمّا كلام مستأنف لصفة أُخرى للحوض ، أو خبر آخر للحوض. وعلى التقديرين ف « كوثر » فاعل « يفيض » ويكون للفعل أعني « يفيض » متعلَّق مقدّر ، أي « يفيض فيه » والعائد هو رحمته ، على تقدير أن يكون المراد بالرحمة « الحوض » ومن معنى على أو في والظرف ، أعني « من رحمته » على هذا التقدير لغو ، وكذا إذا كانت « من » للتعليل أو الابتداء ، وإذا كانت للتبعيض فهو مستقرّ حال عن كوثر أي يفيض كوثر جملة نعمه تعالى. ويحتمله أيضاً إذا كانت للابتداء ، أي : كوثر ناشئ من رحمته ، أي انعامه. ويحتمل أن يكون « يفيض من رحمته » جملة تامّة بأن يكون فاعل الفعل 1 ـ البقرة : 259. 2 ـ شرح ابن عقيل : 1 / 640. (454)
ضميراً راجعاً إلى الحوض.
وباعتبار الإعراب في المحل وعدمه يحتمل الاحتمالين الماضيين ، ويكون الظّرف إمّا لغواً إن كانت « من » للتعليل أو الابتداء ، أو مستقرّاً حالاً عن الضمير إن كانت للتبعيض. ويحتمله أيضاً إذا كانت للابتداء وكونها بمعنى على غير محتمل هنا ، وحينئذ فقوله : « كوثر » خبر مبتدأ محذوف ، أي « هو » أي الحوض كوثر. وهذه الجملة أيضاً لها الاحتمالان المذكوران ، واحتمال هذين الوجهين ، أعني كون المصراع جملة واحدة أو جملتين ؛ لاحتمال كون الحوض هو الكوثر. واحتمال أن يكون غيره ، فإنّ النّاس قد اختلفوا في ذلك ، أمّا دليل الاتّحاد : فبعض الأخبار. فقد روي عن أنس بن مالك قال : بينا رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ذات يوم بين أظهرنا إذ اغفى إغفاءة ، ثمّ رفع رأسه متبسماً ، فقلنا : ما يضحكك يا رسول اللّه ؟ قال : أنزلت عليّ آنفاً سورة ، فقرأ : ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم * إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر * إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر ) (1) ثمّ قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإنّه نهرٌ وعدنيه رَبّي عزّ وجلّ عليه خيرٌ كثير ؛ هو حوضٌ ترد عليه أُمّتي يوم القيامة آنيتة عدد نجوم السّماء فيختلج العبد منهم فأقول : ربّ إنّه من أُمّتي ، فيقول ما تدري ما أحدث بعدك. (2) وقد روى فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره قال : حدّثني عبيد بن كثير معنعناً عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه. والصّدوق أبو جعفر ابن بابويه رحمه اللّه في « الخصال » مسنداً عنه صلوات اللّه عليه قال : أنا مع 1 ـ سورة الكوثر. 2 ـ تفسير القرطبي : 2 / 217. (455)
رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ومعي عترتي على الحوض ، فمن أراد فليأخذ بقولنا وليعمل بعملنا فإنّ لكلّ أهل بيت منجياً ، ولنا شفاعة ، ولأهل مودّتنا شفاعة فتنافسوا في لقائنا على الحوض ، فإنّا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحبّاءنا وأولياءنا ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ، حوضنا مترع فيه شعبان ينصبّان من الجنة أحدهما من تسنيم والآخر من معين ، على حافّتيه الزّعفران وحصاه اللؤلؤ والياقوت وهو الكوثر » إلاّ أنّ لفظ « وهو الكوثر » ليس في بعض نسخ تفسير فرات. (1)
وأمّا دليل الاختلاف ، فلعلّه أنّ المتبادر من النّهر غير ما يتبادر من الحوض. وقد فسّر الكوثر في جميع الأخبار بالنهر ، وقد رأيت في بعض طرق العامّة عن النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : إنّ ماء الكوثر ينصب في الحوض وانّ الحوض ، على ظهر ملك في عرضه القيامة يتبع النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أينما ذهب فهو يؤيد المغايرة. وليعلم أنّه يجوز على تقدير اتحاد الحوض والكوثر أن يكون المصراع جملة واحدة ، على أن يكون « كوثر » نائباً مناب العائد ، فإنّه بمنزلة أن يقال : يفيض ذلك الحوض من رحمته. « أبيض » إمّا صفة لكوثر ، أو خبر له مقدّراً راجعاً إليه أو إلى الحوض ، أو خبر بعد خبر ل « هو » المقدّر مبتدأ لكوثر ، وعلى تقدير الوصفية فإن كان المراد بالكوثر النهر المعروف ، كان الوصف لمجرّد المدح والوصف بالنكرة لتنكيره بتأويله بمسمّى بالكوثر ، وإن كان المراد به الماء الكثير كان الوصف قيداً. وعلى تقدير كونه خبراً لهو الراجع إلى كوثر ؛ فالجملة استئناف جواب لمن يسأل عن الكوثر. وعلى تقدير إرادة النهر المعروف من الكوثر من غير تنكير ف « أبيض » حال 1 ـ تفسير فرات : 367 ، والخصال : 625 وفيه : مثعبان ، والمثعب : مسيل المياه ، ينصبّان. (456)
عنه ، ويحتمل أن يكون حالاً عن « رحمته » إن أُريد بها الحوض ، أو عن ضمير فيه المقدّر العائد إليه إن قدّر.
« كالفضّة » : صفة ل « أبيض ». و « الكاف » من حروف الجرّ لا يتعلّق بشيء عند الأخفش وابن عصفور ، مستدلّين بأنّه إذا قيل : زيد كعمرو ، فإن كان المتعلّق استقرّ فالكاف لا يدلّ عليه ، بخلاف نحو : زيد في الدّار ، وإن كان فعلاً مناسباً للكاف وهو أشبه ، فهو متعد بنفسه لا بالحروف. قال ابن هشام في المغني : والحقّ أنّ جميع الحروف الجارّة الواقعة في موضع الخبر ونحوه تدلّ على الاستقرار. (1) « أو أنصع » معطوف على « كالفضّة » مرفوع المحل ، بأن يكون « أبيض » مرفوعاً ، وأمّا إن كان منصوب المحلّ لنصب « أبيض » على الحالية فهو خبر لمبتدأ محذوف ، أي « هو أنصع » و الجملة تكون معطوفة على « كالفضة » وإلاّلزم الإصراف في القافية ، وهو أن يختلف وصل الروى أي الحرف الحادث من الإشباع ، بأن يكون في بعض القوافي واواً أو ياءً أو في بعضها ألفاً ، كما قال :
1 ـ مغني اللبيب : 2 / 422. 2 ـ ذكره في لسان العرب : 9 / 639 ، وفي تاج العروس : 6 / 256 وقال : أنشده ابن الأعرابي. (457)
« كوثر » أو على « الحوض » ، وضمير « مرجانه » تابع لذلك الضمير فهو يرجع إلى ما يرجع إليه ، وكذا الضمير في « بطحاؤه » و « حافاته ».
ثمّ إن كانت ألفاظ : الياقوت والمرجان واللؤلؤ والمسك حقائق في هذه الحقائق المعروفة ، فيكون إطلاقها على المعاني المرادة هنا مجازياً ، أو يقدّر قبل كلّ منها لفظة « الكاف » أو « مثل » فيكون من باب مجاز الحذف. « حافاته » مبتدأ وخبره المصراع الّذي بعده أو محذوف أي « مسك » أو معطوف على بطحاء وعطف المفرد على المفرد أو خبره منها مونق ، ويهتز حال أو خبره. « مربع » وما قبله حال ، أو « أخضر » وجملة المصراع حال ، أو خبره « مونق » و « يهتز منها » بصيغة المبني للمفعول ، حال. وعلى الثاني والثالث فجملة هذا المصراع إمّا خبر بعد خبر ، أو حال عن الحافات ، أو مستأنفة. « مونق » إمّا فاعل « يهتز » أو « منها » ، أو مبتدأ خبره « منها ». « مربع » صفة له أو خبر المبتدأ. « أخضر » صفة أُخرى ل « مونق » أو صفة ل « مربع » ، أو هو الخبر. « ما دون الورى » تأكيد للضمير المستكن في « أخضر » فإنّه بمعنى كلّه. « دون الورى » ظرف مستقرّ صلة أو صفة ل « ما » و « ما » إن كانت موصوفة كانت في التقدير مضافاً إليها ل « كل » و نحوه ، أي : كلّ شيء يكون دون الورى. وعلى كلّ تقدير فلابدّ من تقدير ضمير يرجع إلى ما رجع إليه ضمير أخضر ، أي ما دون الورى منه ، إذ لابدّ في التأكيد ممّا يرجع إلى المؤكّد. « ناضر » صفة ل « أخضر ». (458)
« فاقع » معطوفاً إمّا على « أخضر » سواء كان صفة ل « مربع » أو « مونق » ، أو خبراً لحافّاته ، وإمّا على « مربع » سواء كان صفة ل « مونق » أو خبراً ل « حافاته » ، وإمّا على مونق سواء كان فاعل « يهتز » أو فاعل « منها » أو مبتدأ وخبره « منها » وعلى هذين فالتقدير : ومنها فاقع ، أو تكون هذه الجملة معطوفة على جملة « منها مونق ».
« أصفر » إمّا صفة ل « فاقع » إن كان الفاقع بمعنى خالص اللّون أيّ لون كان ، وإن كان مخصوصاً بالأصفر فهو عطف بيان له ، لما تقرّر من أنّ الصفة إذا قدمت على موصوفها صار الموصوف عطف بيان لها كقوله :
« فيه » خبر لأباريق فاعل له ، والضمير فيه إمّا عائد على الحوض أو على الكوثر وكذا الضمير في قدحانة وهو معطوف على الأباريق. جملة المصاريع الثلاثة بعد ذلك اعتراض. جملة « يذبّ عنها ابن أبي طالب » بيان لجملة « عنها الرّجل الأصلع » والضمير في « عنها » هذه والأُولى عائد على الأباريق والقدحان. « ذبّك » مفعول مطلق للنوع ، وفي الحقيقة صفة لمفعول مطلق محذوف ، أي ذباً كذبك ، فنصبه يحتمل أن يكون لنزع الخافض وأن يكون قد انتقل عن النصب لذلك إلى النّصب لقيامه مقام المفعول المطلق ، والإضافة فيه إلى الفاعل والمفعول « جربى إبل » والإضافة فيه بيانيّة ، وللذب متعلّق محذوف أي ذبك إيّاها عن الماء. 1 ـ الأبيات من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح فيها النعمان ويعتذر إليه ومطلعها :
(459)
جملة « تشرع » صفة ل « جربى إبل » ، أو ل « إبل » و ل « تـشرع » متعلّق محذوف ، أي تشرع في الماء.
البيت الذي بعد ذلك يحتمل أن يكون كلّ من العطر والرّيحان معطوفاً على الأباريق ، أي : فيه العطر والريحان. وعلى هذا « ذاك » اسم إشارة مبتدأ محذوف الخبر ، أي ذاك كذلك ، أو ذاك كما ذكرته والإشارة إلى ما ذكر من أوصاف الحوض أو الكوثر أوإلى الحوض أو الكوثر ، أو خبر مبتدأ محذوف أي هو ، أي الحوض ، أو الكوثر ذاك الّذي وصفته ، أو مفعول فعل محذوف ، أي افهم ذاك أو احفظه. ويحتمل بعيداً أن يكون ذاك اسم فاعل من « ذكا » خبر مبتدأ محذوف ، أي كلّ من العطر والرّيحان ذاك. ويحتمل أن يكون العطر مبتدأ والرّيحان معطوفاً عليه وذاك اسم فاعل خبر عنهما ، أي عن كلّ منهما ، أو خبراً عن الأوّل وخبر الثّاني محذوف أو بالعكس ، أي العطر ذاك والريحان ذاك ، كما في نحو قوله :
1 ـ نسب هذا البيت ابن هشام اللخمي وابن بري إلى عمرو بن امرئ القيس الأنصاري ، ونسبه غيرهما ـ ومنهم العباس في معاهد التنصيص ( ص 99 بولاق ) ـ إلى قيس بن الخطم أحد فحول الشعراء في الجاهلية وهو الصواب ، وهو من قصيدة له أولها :
( شرح ابن عقيل : الشاهد 55 ) .
2 ـ البيت لضابئ بن الحارث البُرْجُمي. انظر كتاب سيبويه : 1 / 75. (460)
ويحتمل أن يكون العطر معطوفاً على ما تقدّم ، والرّيحان وحده مبتدأ وحينئذ فواوه يحتمل الوجهين المقولين في واو « والعطر ».
« أنواعه » تأكيد إمّا للرّيحان وحده ، أو لكلّ منه ومن العطر بمعنى أنواع كلّ منهما ، وذلك لكونه بمعنى كلّه ، أو مبتدأ و خبره « ذاك ». ثمّ إن كان الرّيحان أو هو مع العطر مبتدأ كانت هذه الجملة خبراً للمبتدأ الأوّل وإلاّ فهي جملة مستأنفة أو حالية وتذكير « ذاك » على بنائه على « أنواعه » باعتبار تأويله بكلّه أو المذكور أوكلّ نوع منه. « الواو » إن كانت للعطف فإمّا أن يكون ما بعدها معطوفة على « ذاك » سواء جعلت جملة خبرية أو إنشائية ، فإنّها إن كانت إنشائية جاز عطف الخبريّة عليها كما جاز نحو « لا وأيّدك اللّه » فإنّه وإن كان بين الجملتين كمال الانقطاع ، إلاّ أنّه لو لم يعطف لتوهّم خلاف المقصود وهو اتّصال « لا » في المثال و « ذاك » هنا بما بعده ، فجاز العطف لدفع التوهّم. أو معطوفة على « فيه أباريق » أو على جملة العطر مع خبره ، أو الريحان مع خبره ، أو « أنواعه » مع خبره على الاحتمالات التي عرفتها ، وإن كانت الواو للحال كانت حالاً عن ضمير فيه وحينئذ ، فإن كانت « ذاك » جملة كانت معترضة بين الحال وذي الحال ، وكذا إن كانت « أنواعه ذاك » جملة أو كانت حالاً عن العطر والريحان أو عن الريحان وحده إن كانا مبتدأين ، أو كان الرّيحان وحده مبتدأ ، أو عن ضمير « فيه » المقدّر في هذه الجملة ، أو عن « ذاك » إن كان مبتدأ أو عن المبتدأ المقدّر له ، أو عن ضميره الّذي في « ذكرته » المقدّر وحينئذ فالحال مقدّرة. الضّمير في « به » عائد على الحوض أو الكوثر. « ريح » خبر مبتدأ محذوف أي هي ريح ، أو عطف بيان لزعزع. « من الجنّة » ظرف مستقرّ صفة لريح أو لزعزع إن كان ريح عطف بيان لها. (461)
« مأمورة » صفة أُخرى ، فإن كانت من الأمر بمعنى طلب الفعل ، قدّر لها متعلّق ، أي مأمورة بالهبوب.
« ذاهبة » صفة أُخرى. « ليس لها مرجع » إمّا صفة أُخرى لها أو صفة لذاهبة. المعنى : معنى البيت الأوّل : أنّ ذلك الحوض حوض له من المقدار أو المسافة أو المساحة ونحو ذلك ما بين صنعاء وأيلة من ذلك ، أو ما هي المواضع التي من صنعاء إلى أيلة ، أو ما من صنعاء إلى أيلة ، أو ما بين صنعاء وأيله وأيلة مبتدأ من صنعاء منتهياً إلى أيلة ، أو له من المقدار ونحو ذلك مثل ما بين صنعاء! إلخ. أو فيه من المقدار ما بين أو مثل ما بين والعرض الذي فيه أو معه ، أي عرضه أوسع من ذلك ، أي ممّا بين صنعاء وأيلة. فالحاصل أنّه حوض له من العرض مثل ما بين صنعاء وأيلة وزيادة على ذلك ، أو معناه أنّ ذلك حوض للنبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ومن صفته أنّه (1) أو وهو مثل ما بين كذا وكذا وأوسع. لا يقال إنّ الحكم بالمماثلة ينافي الحكم بأنّه أوسع. لأنّا نقول : إنّما يلزم ذلك لو كان المثل وحده خبراً و « أوسع » خبراً آخر وليس كذلك ، بل مجموع المعطوف والمعطوف عليه خبر ، فكأنّه قيل : إنّه مجموع المثل والزيادة ، كما في نحو قولك : هو ذراع ونصف. ومعنى البيت الثاني : أنّه يقام في أُولئك القوم أو في الخلائق من هو علم للهدى أي يهتدى به ، أو حبل الهدى أي حبل من الهدى ، كأنّه مجسّم عظيم منه أو 1 ـ كذا. (462)
يعرف به الهدى كما يعرف ما يوضع على الحبل من النّار ونحوها ، أو حبل أهل الهدى أي عظيمهم ، أو راية الهدى أي علامة يعرف بها الهدى ، فإنّ الراية علامة العسكر أو راية أهل الهدى ، أي أهل الهدى كلّهم أتباعه ، فإنّ العسكر تحت الرايات.
وكذا المعنى إن أُريد بالعلم ما يعقد على الرمح ، أو سيّد أهل الهدى ، أو ينصب فيهم لأجل الهدى علم ، والحال أنّ الحوض مترع من ماء له أي من مائه ، أو مترع من ماء لأجل ذلك العلم فإنّه لا يشرب من مائه إلاّ هو وشيعته ، أو مترع من ماء هو ملك لذلك العلم أو مخصوص به أو حقّه. ومعنى البيت الثالث : أنّ الحوض يسيل فيه ناشئاً من رحمة اللّه تعالى أو لرحمته كوثر ، أي النّهر المعروف حال كونه ، أي الكوثر أو الحوض أبيض كالفضّة بل أخلص بياضاً وأشدّ ، أو أشك في أنّه كالفضّة أو أنصع ، أو أنّ الرائي يتحيّر بين أن يقول إنّه كالفضّة ، وأن يقول إنّه أنصع. أو مسمّى بالكوثر موصوف بأنّه أبيض ، أو ماء كثير أبيض وهو أي الكوثر أو الحوض أبيض ، أو أنّه يسيل على رحمة اللّه أي الحوض كوثر حال كونه أبيض أو موصوف بأنّه أبيض أو هو أي الكوثر أو الحوض أبيض ، أو حال كون رحمة اللّه أي الحوض أبيض أو أبيض أو يفيض كوثر حال كونه من جملة رحمة اللّه. أو يفيض الحوض أي يسيل من جوانبه من رحمة اللّه تعالى ، أي ناشئاً منها أو لرحمة ، أو حال كونه من جملة رحمته ، وهو أي الحوض كوثر أي ذلك النّهر حال كونه أبيض أو مسمّى بالكوثر موصوف بأنّه أبيض ، أو ماء كثير أبيض أو هو كثير وهو أبيض. ومعنى البيت الرّابع : أنّ صغار حجارات الكوثر أو الحوض ياقوت ، وصغار من الدّر وكبار منه لم يستخرجها أصبع من الأصداف ، بل إنّما خلقها اللّه تعالى (463)
وأبدعها فيه كذلك بلا أصداف ، أو كبار من الدرّ وصغار منه ، أو حمر منه وبيض أو بسند ولؤلؤ.
ومعنى البيت الخامس والسّادس : مسيله مسك وأطرافه كذلك حال كونها تتحرك من الغضارة مبتدئاً منها أو فيها أو عليها أو عندها نبات ، أو مكان ، معجب موقع للخلق في الخصب ، أي خصيب أخضر كلّه غضّ حسن أو شديد الخضرة وشديد الصفرة ، أو خالص اللّون أصفر ، بل أشدّ صفرة ، أو أخلص صفرة ، أو أشدّ من أن يقال له إنّه أصفر فاقع ، أي أنّه من الخلوص أو الشدّة بحيث لا يشبه الصفر من الأشياء ، بل ربّما يتوهّم أنّه من جنس آخر ، ومعنى « أو » : « بل » أو « الشكّ » أو « التحيير » كما في السابقة. يعني أنّ النبات هناك على قسمين : أخضر ناضر ، وأصفر فاقع. والمراد به الزعفران كما مرّ فيما رويناه من حديث الكوثر ، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى فيما سنرويه ، أو المعنى : وأطرافه يهتزّ منها مونق. الخ. أو وأطرافه حال كونها يهتزّ منها مونق ، أو حال كونها يهتزّ منها مونق مربع ، أو حال كونها يهتزّ منها مونق مربع أخضر ، أو حال كونها يهتزّ منها مونق إلخ. ومنها فاقع الخ. ومعنى الأبيات الأربعة الباقية : في الكوثر أو الحوض أباريق وأقداح يدفع عنها الناس الرّجل الأصلع المعهود ، أو الكامل من الرجال الأصلح ، والنّاس المدفوعون هم الّذين خالفوه ولم يتّبعوه ، ثمّ بين ذلك الرجل الأصلع فقال : يدفع عنها علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه دفعاً كدفعك إبلاً جربى تدخل في الماء عن الماء لئلاّ يسري جربها إلى سائر الإبل. وفيه الطيبة والريحان جميع أنواعه أو أنواعهما ذاك كذلك ، أو كما ذكر ، أو الأمر ذاك أو الحوض أو الكوثر ذاك ، الذي وصفته لك أو أحفظ ذاك. (464)
ويهب عليه أو فيه ، أو والحال أنّه قد هبّت فيه أو عليه محرّكة لما يمرّ عليه من شدّتها ريح ناشئة من الجنّة مأمورة بالهبوب ، أو كثيرة ذاهبة في الهبوب ليس لها رجوع أو زمان رجوع أو مكانه ، أي لا ترجع عمّا أُمرت به ولا تعصي اللّه تعالى.
أو إشارة إلى سعة المكان فإنّه إذا ضاق المكان الّذي تهبّ فيه الرّيح رجعت إذا وصلت إلى منتهاها ، إلاّ إذا سكنت ، فكأنّه قال : إنّه لا منتهى لذلك المكان فإنّها مع أنّها ذاهبة لا يعرض لها سكون ، لا ترجع. أو إشارة إلى سرعتها ، أو إشارة إلى دوامها لكنّي لا يحضرني الآن ما تدلّ الأخبار على دوام الرّيح وإنّما يحضرني ممّا يدلّ على هبوبها خبر واحد ستعرفه عن قريب ، وإنّما يدلّ على أنّها تهب زماناً دون زمان. أو والعطر والرّيحان أنواعه أو أنواعهما ذاكية فيه أو بقربه أو عنده ، أو والحال أنّ العطر إلى آخره. أو فيه العطر والحال أنّ الريحان ، أو والريحان أنواعه ذاكية ، أو وفيه العطر والريحان. ثم ابتدأ فقال : أنواعه أو أنواعهما ذاكية ، أو والحال أنّ أنواعه أو أنواعهما ذاكية. ولنذكر هنا بعض ما حضرنا ممّا رأيناه في كتب أصحابنا رضوان اللّه عليهم من أخبار الحوض والكوثر تصديقاً لمقال النّاظم سلام اللّه عليه ، فنقول : روى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمهمُ اللّه في « أماليه » ، بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : أنا سيّد الأنبياء والمرسلين وأفضل من الملائكة المقرّبين ، وأوصيائي سادة أوصياء النبيّين والمرسلين ، وذرّيتي أفضل ذرّيات النبيّين والمرسلين ، وأصحابي الّذين سلكوا منهاجي أفضل من أصحاب النبيّين والمرسلين ، وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين ، والطاهرات من أزواجي أُمّهات المؤمنين ، وأُمّتي خير أُمّة أُخرجت للناس ، وأنا أكثر النبيّين تبعاً يوم القيامة ولي حوض عرضه مابين بصرى وصنعاء ، (465)
فيه من الأباريق عدد نجوم السماء ، وخليفتي على الحوض يومئذ خليفتي في الدّنيا.
فقيل : ومن ذاك يا رسول اللّه ؟ قال : إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومولاهم بعدي عليّ بن أبي طالب ، يسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه كما يذود أحدكم الغريبة من الإبل عن الماء. (1) وروى الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطّوسي رضوان اللّه عليهما في « أماليه » ، باسناده عن الأصبغ بن نباته ، عن أبي أيّوب الأنصاري : أنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) سئل عن الحوض. فقال : أمّا إذ سألتموني عنه فسأخبركم : إنّ الحوض أكرمني اللّه به ، وفضلني على كلّ من كان قبلي من الأنبياء وهو ما بين أيلة وصنعاء ، فيه من الآنية عدد نجوم السماء ، يسيل فيه خليجان من الماء ، ماؤه أشدّبياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، حصاه الزمرّد والياقوت ، بطحاؤه مسك إذفر ، شرط مشروط من ربي لا يرده أحد من أُمّتي إلا النقية قلوبهم ، الصحيحة نيّاتهم ، المسلمون للوصي من بعدي ، الّذين يعطون ما عليهم في يسر ويأخذون ما عليهم في عسر ، يذود عنه يوم القيامة من ليس من شيعته كما يذود الرّجل البعير الأجرب من إبله ، من شرب منه لم يظمأ أبداً. (2) وروى أيضاً فيه بسند عن أبي الورد قال : سمعت أبا جعفر محمد بن عليّ الباقر عليهما السَّلام يقول : إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الناس في صعيد واحد من الأوّلين والآخرين عراة حفاة ، فيوقفون على طريق المحشر حتى يعرقوا عرقاً شديداً وتشتدّ أنفاسهم فيمكثون بذلك ما شاء اللّه ، وذلك قوله : ( فَلا تَسْمَعُ إلاّ 1 ـ أمالي الصدوق : 373 ـ 374 ، ح 471 ، المجلس التاسع الأربعون. 2 ـ أمالي الطوسي : 228 ، ح 50. |
||||||||||||||||||
|