اللآلئ العبقرية في شرح العينيّة الحميرية ::: 466 ـ 480
(466)
هَمْساً ) (1). ثمّ قال : ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش : أين النبيّ الأُمّي ؟ قال : فيقول الناس : قد أسمعت كُلاًّ فسمّ باسمه ، فقال : فينادي أين نبيّ الرحمة محمّد ابن عبد اللّه ؟ قال : فيقوم رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فيتقدّم أمام النّاس كلّهم حتى ينتهي إلى حوض طوله مابين أيلة وصنعاء فيقف عليه ، ثمّ ينادي بصاحبكم فيقوم أمام النّاس فيقف معه ، ثمّ يؤذن للنّاس فيمرّون.
    قال أبو جعفر ( عليه السَّلام ) : فبين وارد يومئذ وبين مصروف ، فإذا رأى رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) من يصرف عنه من محبّينا أهل البيت بكى و قال : يا ربّ شيعة علي يا ربّ شيعة علي ، قال : فيبعث اللّه إليه ملكاً فيقول له : ما يبكيك يا محمّد ؟ قال : فيقول : وكيف لا أبكي لأُناس من شيعة أخي علي بن أبي طالب أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النّار ومُنعوا من ورود حوضي ، قال : فيقول اللّه عزّوجلّ يا محمّد قد وهبتهم لك وصفحت لك عن ذنوبهم وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولّون من ذرّيتك ، وجعلتهم في زمرتك وأوردتهم حوضك وقبلت شفاعتك فيهم وأكرمتك بذلك.
    ثمّ قال أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ( عليهم السَّلام ) : فكم من باك يومئذ وباكية ينادون : يا محمداه ! إذا رأوا ذلك قال : فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولاّنا ويحبّنا إلاّ كان في حزبنا ومعنا وورد حوضنا. (2)
    وروى مثل ذلك فرات بن إبراهيم الكوفي في « تفسيره » عن جعفر بن محمد الفزاري عن أبي جعفر صلوات اللّه عليه. (3)
    وروى الشيخ الصّدوق أبو القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه في كتاب « كامل الزيارات » بإسناده عن مسمع كردين ، عن أبي عبد اللّه
1 ـ طه : 108.
2 ـ أمالي الطوسي : 67.
3 ـ تفسير فرات : 258 ، ح 354.


(467)
جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه عليه قال : إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال في قلبه حتى يرد علينا الحوض ، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.
    يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ، ولم يستق بعدها أبداً وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل ، أحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وأصفى من الدّمع ، وأذكى من العنبر ، يخرج من تسنيم ويمرّ بأنهار الجنان يجري على رضراض الدر ّوالياقوت ، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء ، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام ، قدحانه من الذّهب والفضّة وألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتى يقول الشارب منه : يا ليتني تُركتُ هاهنا لا أبغي بهذا بدلاً ولا عنه تحويلاً.
    أما أنّك يا كردين ممّن تروى منه ، وما من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه من أحبّنا ، و إنّ الشّارب منه ليعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا ، وإنّ على الكوثر أمير المؤمنين وفي يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم : إنّي أشهد الشهادتين ، فيقول : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك ، فيقول : تبرّأ منّي إمامي الذي تذكره ، فيقول ارجع وراءك فقل للّذي كنت تتولاّه وتقدّمه على الخلق فاسأله إذا كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإنّ خير الخلق حقيق أن لا يردّإذا شفع ، فيقول : إنّي أهلك عطشاً ، فيقول : زادك اللّه ظمأ وزادك اللّه عطشاً.
    قلت : جعلت فداك وكيف يقدر على الدنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره ؟
    قال : ورع عن أشياء قبيحة وكفّ عن شتمنا إذا ذُكرنا وترك أشياء اجترأ


(468)
عليها غيره ، وليس ذلك لحبّنا ولا لهوى منه لنا ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتديّنه ولما قد شغَل به نفسه عن ذكر الناس ، فأمّا قلبه ؛ فمنافقٌ ودينه النصب وأتباعه أهل النّصب وولاية الماضين وتقديمه لهما على كلّ واحد. (1)
    أقول : والظاهر من هذا الخبر أيضاً اتّحاد الحوض والكوثر كما لا يخفى.
    وفي « الاحتجاج » للطبرسي عن ابن عباس قال : قال النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : إنّ اللّه عزّوجلّ أعطاني نهراً في السماء مجراه تحت العرش ، وعليه ألف ألف قصر ، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، حشيشها الزعفران ، ورضراضها (2) الدرّ والياقوت ، وأرضها المسك الأبيض ، فذلك خير لي ولأُمّتي وذلك قوله تعالى : ( إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر ) (3). (4)
    وروى عن ابن عباس في قوله تعالى : ( إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثر ) قال : نهر في الجنّة عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، شاطئاه من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت ، خصّ اللّه به نبيّه وأهل بيته ( عليهم السَّلام ) دون الأنبياء. (5)
    وعن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه قال : إنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) صلّى الغداة ثمّ التفت إلى عليّ ( عليه السَّلام ) فقال : يا عليّ ما هذا النور الذي أراه قد غشيك ؟
    قال : يا رسول اللّه أصابتني جنابة في هذه الليلة فأخذت بطن الوادي ولم أصب الماء فلمّا وليت ناداني منادي : يا أمير المؤمنين ! فالتفتُّ فإذا إبريق مملوء من ماء فاغتسلت.
1 ـ كامل الزيارات : 205 ح 1 ، باب 23.
2 ـ الرضراض : ما دقّ من الحصى.
3 ـ الكوثر : 1.
4 ـ الاحتجاج : 56.
5 ـ بحار : 8 / 25 ح 23 ، عن بشارة المصطفى.


(469)
    فقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : يا علي أمّا المنادي فجبرئيل ، والماء من نهر يقال له : « الكوثر » عليه اثنا عشر ألف شجرة كلّ شجرة لها ثلاثمائة وستون غصناً ، فإذا أراد أهل الجنّة الطرب هبّت ريح ، فما من شجرة ولا غصن إلاّ وهو أحلى صوتاً من الآخر ، ولو أنّ اللّه تبارك وتعالى كتب على أهل الجنّة أن لا يموتوا لماتوا فرحاً من شدّة حلاوة تلك الأصوات ، وهذا النّهر في جنّة عدن وهو لي ولك ولفاطمة والحسن والحسين ، وليس لأحد فيه شيء. (1)
    أقول : فهذه الريح هي الّتي أشار إليها الناظم رحمه اللّه.
    وفي المناقب للشيخ الإمام رشيد الدّين أبي جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني رحمه اللّه ، عن أنس قال : دخلت على رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فقال : قد أُعطيت الكوثر ، فقلت : يا رسول اللّه وما الكوثر ؟ قال : نهر في الجنّة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا يشرب أحدٌ منه فيظمأ ولا يتوضأ أحد منه فيشعث ، لا يشربه إنسان أخفر ذمتي ولا قتل أهل بيتي ، النبي يذود عليّ عنه يوم القيامة من ليس من شيعته ، ومن شرب منه لم يظمأ أبداً. (2)
    فلنكتف بهذا القدر فإنّ ذكر الجميع لا يفي به المقام.
    بقي الكلام في التقديرات المختلفة الواقعة في الأخبار على تقدير الحكم بصحّة الجميع. وللجمع بينها وجوه :
    منها : أنّ هذه التقديرات كلّها راجعة إلى معنى واحد هو المبالغة في السعة كما أنّ « السبعين » مبالغة في الكثرة ، في نحو قوله تعالى : ( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ). (3)
1 ـ شرف الدين الحسيني : تأويل الآيات : 2 / 858 ، ح 4 ، ورواه الخوارزمي مع أدنى تغيير.
2 ـ مناقب آل أبي طالب : 2 / 12.
3 ـ التوبة : 80.


(470)
    ومنها : انّه يجوز أن يختلف عروضه باختلاف الأمكنة كما يشاهد في أنهار الدّنيا وحياضها فيكون عرضه في بعض المواضع كذا وفي بعضها كذا.
    ومنها : أنّه يجوز أن يكون المراد بالعرض في بعضها أقصر الامتدادات المفروزة وفي بعض آخر امتداد آخر أكبر من ذلك وهكذا.
    ومنها : أنّ لكلّ من المؤمنين فيه نصيباً مفروضاً فيجوز أن يكون المراد عرض ما لكلّ منهم وهو يختلف باختلاف مراتبهم في الفضل.
    ومنها : أنّه يجوز أن يكون المراد بالعرض الجانب ، ويكون له جوانب شتى متفاوتة.
    المعاني :
    فيه مسائل :
    الأُولى : حذف ما بنى عليه حوض ، للاختصار وللوزن ولشدّة الاهتمام بذكر الحوض ووصفه.
    الثانية : تنكير « حوض » للتعظيم والدلالة على أنّه ليس من جنس ما يمكن أن يعرف ، والأمر كذلك لأنّه ليس من جنس حياض الدنيا.
    الثالثة : العدول عن « في » إلى « اللاّم » إن كانت بمعنى « في » ؛ للدلالة على مزيد الاختصاص أو الاستحقاق والتوجيه والوزن.
    الرابعة : تقديم الظرف إن كان ما بعده مبتدأ للوزن وتقريب الضمير من مرجعه ، والعائد الّذي هو وصلة إلى الوصف من الموصوف وأهميّته ، لأنّ الكلام في ذكر ما للعرض والدلالة على الاختصاص من بين الحياض.
    الخامسة : حذف المضاف من ما بين صنعاء ، للإيجاز والوزن والاحتراز عن


(471)
صورة التمثيل المؤذن بانحطاط مرتبة المشبه عن مرتبة المشبه به.
    السادسة : حذف المبتدأ إن كان ما خبراً لمبتدأ محذوف لجميع ما ذكر في مبتدأ حوض مع التوجيه.
    السّابعة : أبهم أوّلاً أنّ ما هو مثل ما بين صنعاء وأيلة من ذلك الحوض أي امتداد له طوله أو عرضه ، ثمّ بيّن أنّه العرض بقوله : « والعرض به أوسع » على طريق الكناية لا التصريح فقد أتى بطريقين في بيان المطلوب بليغين في الغاية.
    الثامنة : في إبهام ما بين الموضوعين للتعبير عنه بها دلالة على التفخيم والتعميم وتوجيه لاحتمال « ما » الموصولة والموصوفة.
    التاسعة : العدول عن « الواو » في أيلة إلى « إلى » للتبنيه على شرافة صنعاء بالنسبة إلى أيلة ، فينبغي أن يبتدى الماسح منها ، لما روي في الأخبار من فضل اليمن ، وقد روي أنّ الكعبة يمانية والإيمان يماني.
    وروى الشيخ الجليل أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي في كتاب « كنز الفوائد » عن الشريف أبي محمد الحسن بن محمد الحسيني ، عن علي بن عثمان المعمر الأشبح قال : حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) قال : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني (1). والتنبيه على أنّها أقرب إلى الناظم رحمه اللّه وذلك لأنّه يماني واليمن أقرب إلى ذهنه وإن كان في غيره.
    والوجهان جاريان فيما إذا كان إلى ايلة حالاً وكان معادل صنعاء محذوفاً ، وحينئذ ففي حذف المعادل مع الإيجاز توجيه.
    العاشرة : في التعبير عن عرضه بقوله : « العرض به أوسع » ما لا يخفى من
1 ـ كنز الفوائد : 266.

(472)
الإيضاح بعد الإبهام للتفخيم.
    الحادية عشرة : العدول عن « له » إلى « به » مع أنّه الظاهر ، فإنّ عرضه بمعنى عرض له ، فإذا فكت الإضافة صار العرض له للمبالغة في الوصف بالسعة ، فإنّه إذا قيل : إنّ عرضه أو العرض له أوسع ، دلّ على أنّ تمام عرضه أوسع ، وأمّا الآن فيدلّ على أنّ فيه أو معه من العرض ما هو أوسع ، وفيه دلالة على أنّ تمام عرضه أوسع ممّا حكم عليه بأنّه أوسع.
    الثانية عشرة : تقديم الظرف ، أعني : فيهم ، على الفاعل لتقريب الضمير من مرجعه والوزن ، ولأنّه لو أُخّر عنه لتوهّم أنّه من صفاته وأنّ ذلك العلم من جملتهم وليس كذلك.
    الثالثة عشرة : تنكير « علَم » للتفخيم والإيضاح بعد الإبهام و التوجيه.
    الرابعة عشرة : حذف المضاف إلى الهدى إن كان مضافاً إليه لمقدّر ، للوزن والاختصار والتوجيه ، وإن لم يكن له مضاف محذوف و أُريد به أهل الهدى مجازاً كان لجميع ما ذكر مع المبالغة المتضمّنة للمبالغة في وصف العلَم.
    الخامسة عشرة : تقديم « من ماء » على « مترع » ، للوزن والقافية.
    السادسة عشرة : تنكير « ماء » للتعظيم والتوجيه والإبهام ثمّ التفسير إن كان « له » صفة له وهو أيضاً للتعظيم.
    السابعة عشرة : تقديم « من ماء » على « له » إن كان « له » ظرفاً ل‍ « مترع » والضمير عائداً على « علَم » للوزن والتوجيه.
    الثامنة عشرة : تقديم « له » على « مترع » إن كان متعلّقاً به ، للتوجيه والوزن والقافية وإفادة الحصر.
    التاسعة عشرة : تقديم « من رحمته » على « كوثر » إن كان فاعلاً ل‍ « يفيض » ، أمّا


(473)
إن كان حالاً منه فلزيادة التخصيص لذي الحال والتوجيه والوزن وزيادة الاهتمام بذكر الرحمة ، وإن تعلّق ب‍ « يفيض » فلجميع ذلك عدا الأوّل ، ولتقريب العائد إلى المعود عليه إن كان رحمته اسماً ظاهراً قائماً مقام المضمر المكمل.
    العشرون : لا يخفى ما في إقامته المظهر مقام المضمر في قوله « من رحمته » إن كان ، وكذا في « كوثر » إن كان ، من الدلالة على صفة أو اسم له بأخصر وجه والتوجيه.
    الحادية والعشرون : تنكير كوثر إن كان منكراً للتفخيم إمّا تفخيم ذاته ، أو من جهة كثرته ، أو للتكثير ، أو لهما معاً ، كما قيل في قوله تعالى : ( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ) (1) ، أو لنكارته عنده لأنّه ليس من قبيل مياه الدنيا.
    الثانية والعشرون : التعبير عن « بل » ب‍ « أو » إن كانت بمعناه للتوجيه.
    الثالثة والعشرون : تنكير « ياقوت » للتعظيم أو التكثير أو لهما معاً ، أو لنكارته عنده لأنّ من المعلوم أنّه ليس من جنس يواقيت الدنيا ، وكذا الكلام في لؤلؤ ومسك وأباريق وريح.
    الرّابعة والعشرون : إضافة « المرجان » إليه لأنّه لمّا كان المرجان عبارة عن صغار الدرّ ، دلّ على أنّ المراد به صغار الدرر التي فيه ، وإن كان أكثر بكثير من كبار درر الدنيا ، وكذا إن كان المرجان عبارة عن كبار الدرر ، فقد دلّ على أنّ المراد كبار الدرر التي فيه لا الكبار من نحو درر الدنيا ، وإن كان عبارة عن السند فقد دلّ على أنّه ليس بهذا الماء والصّفاء الذي عليه بسند الدنيا ، إذ ليس له كثير ماء ودواء.
1 ـ فاطر : 4.

(474)
    وللإضافة وجهان آخران يعمّان جميع الاحتمالات في المرجان :
    أحدهما : الدلالة على أنّه ممّا يكون فيه.
    والآخر : الدلالة على أنّه جنس مخصوص به ليس في غيره مثله وليس من جنس ما في الدنيا.
    الخامسة والعشرون : العدول عن كله ونحوه بقوله : « ما دون الورى » لأنّ المبالغة فيه أكثر وللدلالة على سعة المكان جدّاً.
    السادسةوالعشرون : توسيط التأكيد بين « أخضر » و « ناضر » لزيادة الاهتمام به.
    السابعة والعشرون : إنّ إضافة « القدحان » إلى ضمير « الحوض » ، أو « الكوثر » لمثل ماله أُضيف المرجان إلى ضميره من الدلالة على أنّها ليست من قبيل قدحان الدنيا لا ذاتاً ولا صفة ولا عدداً فإنّها كما عرفت من الأخبار بعدد نجوم السماء أو أكثر.
    الثامنة والعشرون : تقديم « عنها » على فاعل يذبّ ، للوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه ، ولطول الفاعل بالصفة.
    التاسعة والعشرون : تعريف الرّجل باللام العهدية للدلالة على أنّه معروف عند كلّ أحد المتمم (1).
    الثلاثون : وصفه بالأصلع لزيادة التعريف والإيضاح وللمدح ، لما عرفت من الخبر ولما أنّه صلوات اللّه عليه قد أُثبت في كتب الأوّلين بأصلع قريش كما يظهر من الأخبار والآثار ، ففيه إيماء إلى هذا الفضل أيضاً.
1 ـ كذا في الأصل.

(475)
    الحادية والثلاثون : لا يخفى ما أثره من الإبهام ثمّ التفسير ثمّ ما أثره في التفسير من تفسير جملة يذبّ عنها الرّجل الأصلع ليتكرر ذكر « الذبّ » فيفيد التأكيد.
    الثانية والثلاثون : عدم التصريح باسمه صلوات اللّه عليه للتعظيم والدلالة على معلوميّته من غير حاجة إلى الذكر.
    الثالثة والثلاثون : نسبة ذبّه صلوات اللّه عليه إلى الأباريق والقدحان للمبالغة فإنّه إذا ذبّ عنها فهو بالطريق الأولى يذبّ عن أصل الحوض والكوثر.
    الرابعة والثلاثون : تذكير « ذاك » إن كان اسم فاعل من « ذكا » للإشارة إلى أنّ كلّ فرد من أفراده ذاكي وإن لم ينضم إليه غيره ، فإنّه لو قيل : ذاكية لربّما احتمل أن يكون ذكا الرائحة من اجتماع الكل.
    الخامسة والثلاثون : التعبير عن هبوب الزعزع بلفظ الماضي ، للدلالة على تحقّق وقوعه.
    السادسة والثلاثون : لا يذهب عليك ما فعله من إبهام الزعزع ثمّ تفسيره.
    السابعة والثلاثون : تقديم النعت الأوّل ، أعني « من الجنة » على الثاني أعني « مأمورة » للاهتمام والوزن ولأنّه لو أُخر لتوهّم تعلّقه بالأمر ولطول الثانية ، لأنّ المصراع الأخير بمنزلة التأكيد لها.
    البيان :
    إن أُريد ب‍ « اللاّم » في « له » معنى « في » كانت استعارة تبعية وكذا إن كانت لشبه الملكية ، وإن أُريد بما بين الموضعين مثله كان استعارة النصب يحتمل أن يراد به معناه الحقيقي ، وأن يراد رفع الرتبة أو الجعل فيما بأُمورهم تشبيهاً لارتفاع الرتبة


(476)
بالارتفاع الوضعي الذي للقائم على القعود ، أو لحال القيّم بأُمور الناس من التسلّط عليهم والقدرة على الأفعال بحال القائم ، ولحالهم من العجز والضعف عن التصرّف بحال القعود ، فيكون على التقديرين استعارة تبعية.
    التحقيق :
    إنّ « العَلَم » حقيقة العلامة ، والمعاني الأُخر كلّها مجازيات ، وإطلاقه عليها إطلاق لاسم اللازم على الملزوم فإنّها لزمها عادة أن تكون علامات وإطلاقه على السيّد استعارة ، تشبيهاً بالجبل في العظم والاشتهار ، أو بالراية ، أو الذي يعقد على الرمح في الظهور ، أو في اتّباع النّاس له.
    إن أُريد بالهدى أهل الهدى كان مجازاً من إطلاق اسم ملابس الشيء على الشيء.
    « من » في « من رحمته » إن لم يرد بها معناها الأصلي كانت استعارة ، وكذا التي في منها.
    إطلاق الرّحمة على النّعمة مجاز ، من قبيل إطلاق الهدى على أهله.
    إن كان « يهتزّ » مسنداً إلى الحافّات أو كان المراد ب‍ « المونق » المكان المونق ؛ كان الإسناد مجازياً على أحد الوجهين كما عرفت.
    الياقوت والمرجان واللؤلؤ و المسك ، استعارات على وجه كما عرفت.
    استعمال الحصى في استخراج اللؤلؤ من الصدف ، استعارة.
    إطلاق الأمر على إرادة اللّه تعالى وقضائه على شيء أن يخلقه ، استعارة.
    إطلاق الذهاب على الامتثال والرجوع على تركه ، استعارتان تشبيهاً للمأمور به ، بمكان يمكن فيه الذهاب وعنه الرجوع ولامتثاله بالذّهاب فيه ولتركه بالرجوع عنه.


(477)
إذا دَنََوا منه لِكَيْ يَشْرَبُــوا دُونَكُمْ فالْتَمِسُــوا مَنْهـلاً هذا لمَنْ والى بني أحمدا قيلَ لَهُمْ تَبّاً لَكُمْ فَارْجِعُوا يرويكُمُ أو مَطْعَمـاً يُشبعُ و لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمُ يُتْبَعُ
    اللّغة :
    « إذا » إمّا ظرفية محضة ، أو متضمّنة لمعنى الشرط.
    « دنا » دنواً و دناوة : قرب كأدنى وحقيقة القرب في المكان ، ثمّ استعمل في الزمان وفي الرّتبة.
    « من » للتعدية.
    « اللام » للتعليل.
    « كي » على وجهين : اسم مخفف « كيف » قال :
كي تجنحون إلى سلم وماثئــرت قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم (1)
    وحرف ينتصب بعده المضارع فسيبويه على أنّه النّاصب والخليل والأخفش على أنّ الناصب « أن » مقدّرة.
1 ـ مغني اللبيب : 1 / 182 ، رقم 301 ، و مجمع البحرين : 4 / 87.1.

(478)
    ثمّ إنّ سيبويه والأكثرين على أنّه قد يكون حرفاً جارّاً للاسم والكوفيّون على أنّه يختص بالفعل فلا يكون جارّاً أبداً ، وقيل : إنّه لا يكون إلاّ جارّاً وهو رأي الأخفش ، فالذين قالوا : إنّها قد تكون ناصبة وقد تكون جارّة قالوا : إنّه قد تتقدّم « اللاّم » نحو ( لِكَيْلا تَأسَوْا ) (1) فحينئذ لابدّ من أن تكون ناصبة ، بمعنى أن « لا » جارّة بمعنى « لام » التعليل والاسم يدخل عليها « لام » التعليل وما في البيت من هذا القبيل ، وقد يكون بعدها « أن » المصدرية الناصبة فلابدّ من أن تكون بمعنى « لام » التعليل.
    وكذلك إذا انتصب بعدها الفعل وليس هناك « لام » ولا « أن » وكذلك إذا كان بعدها « ما » الاستفهامية فيقال : « كيمه » بمعنى « لمه » ولا يجرّ الاسم الصريح إلاّهنا وأمّا نحو : « كي لتقضيني ، فاللام عندهم زائدة مؤكّدة ل‍ « كي » ، أو بدل منها ، كما أنّ « أن » في نحو قولهم : لكنّما أو كيما أن أفعل تأكيد أو بدل ، لكون « كي » هنا بمعنى « أن » و إبدال الحرف من الموافق له في المعنى واقع ، كما قيل في قوله : « فثمّ إذا أصبحت أصبحت عادياً ». (2)
    إنّ ثمّ بدل من الفاء ، والّذين قالوا إنّها لا تكون إلاّ جارّة يعتذرون في نحو ما في البيت بزيادة اللام. واعتذر الكوفيّون النافون لكونها جارّة عن نحو « كيمه » بأنّها ناصبة لمقدّر ، كأنّه قال القائل فعل كذا لكذا ، فقال : كيمه ؟ أي : كي تفعل ماذا ؟ ولا تتصرّف تصرّف « أن » فلا تقع مبتدأ ، ولا فاعلاً ، ولا مفعولاً ، ولا مجروراً إلاّ باللام ، ويجوز تأخير معلول ما بعدها عنها فتقول : كي أزورك جئتك.
1 ـ الحديد : 23.
2 ـ شطر بيت نُسب إلى زهير كما جاء في ديوانه : 106 وكامله :
أراني إذا ما بتُّ بتُّ على هوىً و أنّي إذا أصبحت ُ أصبحتُ غادياً
    وقال الإصمعي : ليست لزهير ، وقيل : هي لصرمة الأنصاري ولا يشبه كلام زهير.


(479)
    « الشّرب » : بالحركات الثلاث والضمّ أشهر : تناول كلّ مائع ماءً كان أو غيره. شرب يشرب كعلم يعلم وأشربته أنا.
    « اللام » : للتبليغ ، وقيل : للتعدية ، كما عرفت.
    « الفاء » إمّا زائدة على القول بجواز زيادتها كما في قوله :
لا تَجْزعي إن مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ فإذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكِ فَاجْزِعِي (1)
    أو فصيحة ، أي هي بما في حيزها جواب لشرط مقدّر ، أي إذا طردتم عن الحوض فارجعوا.
    أو للاستئناف على ما قيل من إتيانه لذلك كقوله : « ألم تسأل الربع القواء فينطق ».
    أو للعطف على مقدّر ، أي ارجعوا فارجعوا ، كما قيل في قوله : « أنت فانظر لأي ذاك تصير » إنّ التقدير انظر فانظر.
    « دونكم » إمّا اسم فعل وهذه الصيغة من اسم الفعل جاء متعدّياً ، يقال : دونك زيداً ، أي خذه ، وجاء لازماً أي تأخّر ، والأمران هنا محتملان ، أو ظرف متعلّق ب‍ « التمسوا » المذكور بعده وتكون الفاء زائدة كما في « فعند ذلك فاجزعي » أو متعلّق ب‍ « التمسوا » مقدّراً ، أي (2) دونكم التمسوا فالتمسوا.
    « التمس » الشيء طلبه ، وأصله طلب الشيء والفحص عنه باللّمس.
    « النهل » ـ محرّكة ـ : الشرب الأوّل ، نهلت الإبل كفرحت نهلاً ومنهلاً ، والمنهل : المورد والموضع الّذي فيه المورد.
1 ـ البيت للنمير بن تولب يجيب فيها امرأته وقد لامته على التبذير. شرح ابن عقيل : الشاهد : 157 ، التبيان للطوسي : 5 / 174.
2 ـ في المخطوط : « أين » ويحتمل وقوع الخطأ أثناء النسخ. والواضح أنّ المقصود ما أثبتناه لعدم استقامة المعنى بالأُولى.


(480)
    « روي » كرضي ريّاً ، وروي أي شرب ما يكفيه ، وكذلك ارتوى وتروّى وهو ريّان وهي رياء ، وارويته ورويته ، أي جعلته ريّان.
    « الطعم » والطعام : تناول الغذاء ، طعمه كسمعه ، والمطعم اسم مكان له قيل : وقد يستعمل في الشرب ، كما في قوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّي ). (1)
    « الشبع » كعنب ضدّالجوع ، شبع خبزاً أو من الخبز كسمن وأشبعته أنا.
    « اللام » للاختصاص أو الاستحقاق أو الملكية.
    « من » موصولة أو موصوفة.
    « تولّى » فلاناً وتوالاه ووالاه ، أي اتّخذه وليّاً أي محباً أو قيّماً بأُموره وأولى به من غيره أو أحبّه أو أتبعه.
    « غير » اسم لازم الإضافة وربّما حذف ما أُضيف إليه لفظاً وهو منوي إذا تقدمه « لا » أو « ليس » فيقال : عندي درهم لا غير أو ليس غير ، بالضم فيهما تشبيهاً له بالغايات ، خلافاً للأخفش فإنّه يقول : إنّها ضمة إعراب ، وقد يقال : ليس غيراً وليس غيرٌ بالتنوين ، وقد يقال : ليس غيرَ ـ بالفتح من غير تنوين ـ بجعله خبر ليس منوياً معه المضاف إليه ، وله معاني :
    أحدها : أن يكون بمعنى مغاير وحينئذ يكون صفة غالباً ، نقول : جاءني رجل غير زيد.
    ومنها : أن يكون بمعنى « إلاّ » كقولك : جاءني القوم غير زيد.
    ومنها : أن يكون بمعنى « لا » كقوله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغ ) (2) وقولك : عندي زيد غير عمرو ، وعليك بالحركة غير السكون ، وأنا زيداً غير
1 ـ البقرة : 249.
2 ـ البقرة : 173 والأنعام : 145 والنحل : 115.
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس