اللآلئ العبقرية في شرح العينيّة الحميرية ::: 496 ـ 510
(496)
تعالى : ( يا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرنا ) (1) عن موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهما أنّ العجل في زمن النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أبو عامر الراهب. (2) وقصّته طويلة من أرادها فليراجعه.
    وفيه أيضاً في تفسير قوله تعالى : ( وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ) (3) عن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في خبر طويل : يا عليّ إنّ أصحاب موسى اتَّخذوا بعده عِجلاً وخالفوا خليفته وستتّخذ أُمّتي بعدي عجلاً ثمّ عجلاً ثمّ عجلاً ، ويخالفونك وأنت خليفتي. (4) ففيه تسمية للثلاثة الملاعين كلّ منهم بالعجل.
    « فرعون » كبرذون و زنبور ، و بضمّ الأوّل وفتح الثالث : اسم أعجميّ كان في الأصل لقباً لمن مَلَك مصر ككسرى لِمُلْكِ الفُرس ، وقيصر لمُلْكِ الروم ، وتُبَّع لِمُلْكِ اليَمَن ، والنجاشي لمُلكِ الحبشة. ثمّ لمّا بالغت الفراعنة في التجبّـر والعتو والبغي والطغيان خصوصاً فرعون موسى سمّي كلّ عاتي متجبّر فرعون.
1 ـ البقرة : 104.
2 ـ التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري ( عليه السَّلام ) : 481 ـ 483 ح 309. وفيه سمّاه رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ب‍ « الفاسق » وجعله المنافقون أميراً عليهم وبخعوا له بالطاعة.
    عنونه في مروج الذهب هكذا : واسمه : عمرو بن صيفي بن النعمان ، من بني عمرو بن عوف ، من الأوس ، وهو « أبو حنظلة » ، ترهّب في الجاهلية ولبس المسوح ، فلمّا قدم النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) المدينة كان له معه خطب طويل ، فخرج في خمسين غلاماً فمات على النصرانية بالشام. ( مروج الذهب : 1 / 88 ).
3 ـ البقرة : 92.
4 ـ المصدر السابق : 409 ح 279 عنه البحار : 28 / 66 ح 26 ويسمى هذا : « حديث الحدائق » و هو حديث متواتر عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) روته العامّة والخاصّة بأسانيد متعددة وألفاظ مختلفة ، منهم ابن حنبل في « فضائل الصحابة » : 2 / 651 ح 1109 ، والحاكم في « المستدرك » : 3 / 139 والبغدادي في تاريخ بغداد : 12 / 398 ، والخوارزمي في مناقبه : 37 وغيرهم.


(497)
واشتقّ منه « تفرعن » إذا تعاطى فعل فرعون ، كما يقال من إبليس أبلس وتبلّس.
    والمراد بالفرعون هنا كما الظاهر أبابكر أيضاً لعتوّه وتغلّبه على الوصي وادّعائه منصبه لنفسه كما ادّعى فرعون موسى لنفسه الإلهية ، إلاّ أنّه سيأتي من الخبر ما ينصّ على أنّ فرعون هذه الأُمّة هو معاوية بن أبي سفيان.
    « السامري » : رجلٌ منافق كان في بني إسرائيل أغواهم بعبادة العجل كما حُكيت قصته في التنزيل والأخبار والآثار ، قيل : هو منسوب إلى سامرة ؛ قومٌ من اليهود يخالفونهم في بعض من أحكامهم ، وقيل : منسوب إلى موضع لهم. ومن الجائز أن يكون القرية التي بين الحرمين المسمّاة ب‍ « سامرة ».
    وقيل : كان عِلْجاً من كرمان اسمه موسى بن ظفر ، وعن ابن عباس أنّه كان من أهل اجرمي وقع بأرض مصر ، وكان من قوم يعبدون البقر وكان حبُّ عبادة البقر في نفسه.
    والمراد به هنا عمر بن الخطاب على ما نطق به الخبر الماضي ، لأنّه أغوى أُمّة نبيّنا ـ صلوات اللّه عليه وآله ـ ودعاهم إلى اتّباع العجل أي أبي بكر وسيأتي من الخبر ما ينصّ على أنّ سامري الأُمّة هو أبو موسى الأشعري لأنّه قال : لا قتال ، كما كان يقول السامريّ : لا مساس.
    وفي الاحتجاج للطبرسي ، عن سليم بن قيس الهلالي ، عن سلمان سلام اللّه عليه قال : إنّ القوم ارتدّوا بعد رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) إلاّمن عصمه اللّه بآل محمّد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، إنّ الناس بعد رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بمنزلة هارون ومن تبعه وبمنزلة العجل ومن تبعه ، فأمير المؤمنين عليّ ( عليه السَّلام ) في سنة هارون وعتيق في سنة السامريّ. (1)
1 ـ الطبرسي : الاحتجاج : 1 / 221.

(498)
    وفيه عن أبي يحيى الواسطي (1) قال : لمّا فتح أمير المؤمنين عليّ ( عليه السَّلام ) البصرة اجتمع الناس عليه وفيهم الحسن البصري ومعه الألواح ، فكان كلّما لفظ أمير المؤمنين عليّ ( عليه السَّلام ) بكلمة كتبها ، فقال له أمير المؤمنين عليّ ( عليه السَّلام ) : ... إنّ لكلّ قوم سامرياً وهذا سامريّ هذه الأُمّة ، أما انّه لا يقول لا مساس ولكن يقول لا قتال. (2)
    واعلم أنّه لا تناقض بين هذه الأخبار ولا بين أخبار العِجل ، فإنّ هذا التلقيب ليس إلاّ من قبيل التشبيه فكلّ من يكون له شبيه بالمسمى جاز أن يسمّى باسمه ، على أنّ هذه الأُمّة في حديث الحسن ، يجوز أن يكون إشارة إلى الجماعة الحاضرين أو غيرهم من أهل البصرة ، ويجوز أن يكون أبو موسى سامريّ الذين كانوا في عهد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و أبو بكر ، أو عمر سامريّاً لجميع الأُمّة.
    وقد ظهر لك أنّه يجوز أن يريد الناظم بالثلاثة واحداً وأن يريد بكلّ منها غير المراد بالآخر ، وأن يريد بالاثنين واحداً وبالباقي غيره ، ثمّ إنّ من الجائز أن يكون السامريّ هنا منسوباً إلى السامريّ ، أي من فعله فعلُ السامريّ المعروف من بني إسرائيل ، كما أنّ اللوطي منسوب إلى اللوطي بمعنى المنسوب إلى لوط ( عليه السَّلام ) بكونه من قومه ، إلاّ أنّ إضافته إلى الأُمّة يؤيّد الأوّل كما لا يخفى.
    « الألف واللام » للعهد ، أي أُمّة نبيّنا صلوات اللّه عليه وآله.
    « الأُمّة » : الجماعة من الناس وغيرهم من أصناف الحيوان ، قال تعالى : ( وَما مِنْ دابَّة فِي الأَرْضِ ولا طائِر يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّأُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ). (3)
1 ـ أبو يحيى الواسطي واسمه سهيل بن زياد الواسطي ، روى عنه البرقي ، لقي أبا محمد العسكري ( عليه السَّلام ) أُمّه بنت محمد بن النعمان أبي جعفر الأحول ، مؤمن الطاق المتكلّم المشهور. رجال الشيخ الطوسي ، ص 476 و 519 ، وذكره أيضاً في الفهرست ، ص 106 رقم 3242 والنجاشي في رجاله.
2 ـ الاحتجاج : 1 / 404.
3 ـ الأنعام : 38.


(499)
    وفي الخبر : « لولا أنّ الكلاب أُمّة من الأُمم لأمرتُ بقتلها » (1) أو جماعة أُرسل إليهم رسولٌ ، أو الجيل من كلّ حيّ ، أو كلّ جماعة يجمعهم أمرٌ ما من دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد كان ذلك الجامع تسخيراً أو اختياراً.
    « الشناعة » : الفضاعة والقبح ، شنع ككرم فهو شنع وشنيع ، وشنعت عليه هذا الأمر كمنعت قبحته عليه ، وشنعت عليه أيضاً شتمته وفضحته ، وشنعته ـ بالتشديد ـ للمبالغة ، وأنا أستشنع فلعلّك استقبحته.
    والمشنع في البيت ، إمّا اسم فاعل من أشنعت الناقة إذا أسرعت ، ويكون المراد هنا أنّه مسرع في الفتن والشرور ، أو الكفر والنفاق ، أو في نقض العهد والخلاف على الوصيّ إن كان وصفاً للسامريّ ، أو له ولما قبله.
    وإن كان وصفاً للراية فيجوز إرادة ذلك وأنّها أوّل ما ترفع يوم القيامة من رايات الضلال. أو من : أشنع بمعنى صار ذا شنع كأثمر وأزهر ، أو دخل في الشنيع كأصبح وأظهر وأنجد واتّهم ، أو أتى بشنيع كأكثر وأجمل.
    أو اسم مفعول بمعنى المشنّع ـ بالتشديد ـ إلاّ أنّي لم أر « أشنع » في شيء ممّا حضرني من كتب اللغة إلاّ بالمعنى الأوّل ، أو مخفّف من المشنع للضرورة ، أو من المشنوع. وحينئذ فهو بفتح الميم وضمّ النون.
    أو مصدر ميميّ حمل عليه مبالغة.
    أو اسم مكان وعليها فيفتح الميم والنون جميعاً.
1 ـ ذكره ابن حنبل في العلل : 1 / 250 رقم 345 قال حدّثني أبي قال حدّثنا وكيع عن أبي سفيان ابن العلاء قال : سمعت الحسن يحدّث أنّ رسول الّله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال : ... وذكر محمد بن إسماعيل البخاري ، في التاريخ الكبير : 2 / 293 ونسبه إلى الحسن بن أبي رافع عن أبيه : أمر النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بقتل الكلاب ، وقال جابر عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ...

(500)
    أو اسم فاعل من اشنع عبده ـ بالمهملة فالموحّدة ـ أي أهمله ، والمراد إهمال الحقّ أو الوصيّة.
    أو اسم مفعول بمعنى الداعي ، أو ولد الزنا ، أو من أُهمل مع السباع فصار خبيثاً مثلها ، أو مستع كمنبر ـ بالمهملة فالتاء الفوقانية ـ بمعنى السريع الماضي في أمره ، والمراد حينئذ ما أُريد بالأوّل.
    أو اسم فاعل من أشنع ـ بالمعجمة فالموحّدة ـ بمعنى وفّر ، فإن كان وصفاً للراية كان المراد أنّها كثيرة الأصحاب ، وإلاّ فالمراد التوفير من الضلال والفتن والشرور ونحوها ، ويجوز إرادته على الأوّل أيضاً.
    أو اسم مفعول من ذلك بمعنى موفر الأصحاب أو الضلال ونحوه ، أي المشنع له ، ففيه حذف وإيصال ، أو الاسناد مجازي ، أو الفاعل محذوف أي المشنع أصحابها ، أو ضلاله ونحوه.
    أو اسم مفعول بمعنى أنّه صار شبعان من الدنيا ، لوفورها لديه ، أي أكل من الدنيا حتى شبع.
    « قدم » فلان القوم كنصر قدماً وقدوماً وقدمهم واستقدمهم وتقدّمهم بمعنى ، قال عزّ قائلاً : ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَومَ القِيامَةِ فَأَورَدَهُمُ النّارَ ). (1)
    « دلم » كفرح : اشتدّ سواده ، وقيل : في ملوسه كإدلام ، ودلمت شفاهه تهدّلت وهو أدلم وهي دلماء. وفي المجمل لابن فارس : الأدلم : الطويل الأسود من الرجال ، وكذا في النهاية.
    « العبد » : الإنسان الذكر المملوك الذي يباع ويُشترى ، وإذا أُضيف إلى اللّه
1 ـ هود : 98.

(501)
سبحانه فقد يُراد مخلوقه ومملوكه الذي يتصرّف فيه كيف يشاء من ذكور الناس ، وقد يراد به العائد له تعالى ، يقال : وأصل الكلّ من قولهم طريق معبّد ، أي مذلّل موطوء بالأقدام.
    والعبد بالمعنى الأوّل إنّما يجمع على عبيد وعبّداء. وبالمعنى الأخير جمعه عباد. وبالمعنى الثاني يجمع على عبيد وعباد.
    « اللؤم » ضدّ الكرم ، لؤم ككرم فهو لئيم وهم لئام ولؤماء ولؤمان.
    « اللكع » كصرد : اللئيم والصغير والعبد و الأحمق ومن لا يتّجه لمنطق ولا غيره.
    « الأكوع » : المعوج الكوع ، وهو والكاع طرف الزند ممّا يلي الإبهام.
    ولعلّ المراد بهذا زياد بن سميّة الذي ذكره مولانا الحسين صلوات اللّه وسلامه عليه في كتاب له إلى معاوية فقال : أوَ لستَ المدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش عُبيد ثقيف فزعمت أنّه ابن أبيك ، وقد قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » فتركت سنّة رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) واتّبعت هواك بغير هدىً من اللّه ، ثمّ سلّطته على أهل العراق فقطع أيدي المسلمين وأرجلهم وسمل أعينهم ، وصلبهم على جذوع النخل ، كأنّك لست من هذه الأُمّة وليسوا منك. (1) وإنّما حملناه على هذا لما سيأتي من الخبر الناص على أنّ إحدى الرايات راية زياد.
    « الحبتر » : الثعلب ، ولمّا كان الثعلب معروفاً بالمكر والكيد والجبن استعمل اسمه كثيراً في من يغلب عليه المكر والغدر أو الجبن.
    والحبتر أيضاً القصير ، والظاهر أنّ المراد به هنا أبو موسى الأشعري لما سيأتي
1 ـ الطبرسي : الاحتجاج : 2 / 91. ونقله في البحار : 4 / 213 عن الكشي.

(502)
من الخبر الناص على أنّ إحدى الرايات رايته.
    « اللاّم » زائدة لتقوية العامل كما في قوله تعالى : ( إِنْ كُنْتُمْ لِلرّؤيا تَعْبُرُونَ ) (1) وقوله تعالى ( هُدًى وَرَحْمَةً لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ) (2) ، أو للغاية المجازية كما في قوله تعالى : ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ). (3)
    « الزور » كالشور : الكذب من الزور ، وهو الميل لكونه مائلاً عن جهة الصواب ، ومنه يقال : بئر زوراء إذا كانت مائلة الحفر ، والزور أيضاً الباطل ، والشرك باللّه تعالى ، وم آخذ الكلّ واحد.
    « بهت » فلان أي دهش وحيّر ، قال تعالى ( فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ ) (4). البهتان : الكذب العظيم الذي يبهت السامع لفظاعته ، وكذا كلّ فعل شنيع ، بهت من اطّلع عليه لفظاعته ، قال تعالى : ( ولا يَأْتينَ بِبُهْتان يَفْتَرينَهُ بَيْنَ أَيْديهِنَّ وَأَرْجُلِهنَّ ) (5) أراد به الزنا ، أو كل فعل شنيع.
    « قد » للتأكيد والتحقيق.
    « الإبداع » : إنشاء شيء لا على حدّ ومثال ، ومنه إحداث شيء لا يطابق السنّة والشريعة.
    ولفظ « أبدع » يحتمل أن يكون مبنيّاً للفاعل فتكون اللام في « للزور » للتعدية ، وأن يكون مبنيّاً للمفعول فتكون اللام للغاية المجازية.
    « النعثل » : الذَّكَر من الضباع ، والشيخ الأحمق ، واسمُ يهوديّ كان بالمدينة
1 ـ يوسف : 43.
2 ـ الأعراف : 154.
3 ـ القصص : 8.
4 ـ البقرة : 258.
5 ـ الممتحنة : 12.


(503)
فأسلم وحسن إسلامه وقد ذكر قصّة إسلامه مفصلة في « كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الاثني عشر » (1) من أرادها فلينظر إليها. ورجل طويل اللحية من أهل مصر أو إصبهان.
    والمراد به في البيت عثمان بن عفّان ، لأنّه كان يقال له ذلك إذا نيل منه ، كانت عائشة كثيراً ما تقول : اقتلوا نعثلاً لعن اللّه نعثلاً (2) ، والمشهور في سببه أنّه كان يشبّه بالرجل المصري أو الاصبهاني لطول لحيته. وأمّا الناظم وأضرابه رحمهمُ اللّه فيجوز أن يريدوا بذلك كونه أحمق ، وأن يريدوا تشبيهه بالضبعان لحمقه أو لعظم بطنه لأنّه كان لا يشبع من حُطام الدنيا وأسحاتها.
    « البرد » والبرودة ضدّ الحرارة ، والتبريد جعل الشيء بارداً.أو المراد هنا الإخلاء من نار العذاب ، فإنّ مقصوده الدعاء عليه بإدامة العذاب.
    « اللام » للبيان ، كما في قوله تعالى : ( رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْري ) (3) ، أو للاختصاص إن كان له ظرفاً مستقرّاً حالاً عن مضجعاً.
    « المضجع » : اسم مكان من الضجعة وهي الرقدة. والمراد هنا القبر تشبيهاً للموت بالرقدة ، كما يقال له المرقد ، ويقال : أضجعته بمعنى وضعت جنبه على الأرض ، فيجوز أن يكون المضجع بضمّ الميم وفتح الجيم : اسم مكان منه ، أو يكون مجرد ، بمعنى كون الجنب على الأرض وحينئذ يكون إطلاقه على القبر حقيقة.
1 ـ أبوالقاسم علي بن محمد الخزاز القمي : كفاية الأثر : 11 بسنده عن ابن عباس.
2 ـ تاريخ الطبري : 3 / 476 ، وانظر كشف الغمّة : 2 / 108 ، والنهاية لابن الأثير : 5 / 80 ، وتاج العروس : 8 / 141.
3 ـ طه : 25.


(504)
    « سَقَر » قيل : اسم لجهنّم ، وقيل : اسم النار ، ثمّ قيل : إنّه اسم أعجميّ فلم يصرف للعجمة والعلمية ، وقيل : بل عربيّ من سَقَرتهُ النار وصقرته إذا لوّحته أو أذابته ، فعدم الانصراف للتأنيث والعلمية.
    وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه في كتاب « عقاب الأعمال » بإسناده عن أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه قال : إنّ في جهنّم لوادياً للمتكبّرين يقال له « سقر » شكا إلى اللّه شدّة حرِّه وسأله أن يأذن له أن يتنفّس ، فتنفّس فأحرق جهنّم. (1)
    وروى أيضاً بسنده عن أبي جعفر الباقر صلوات اللّه عليه قال : إنّ في جهنّم لجبلاً يقال له : « الصعدى » وإنّ في صعدى لوادياً يقال له : « سقر » وإنّ في سقر لجُبّاً يقال له « هبهب » ، كلّما كشف غطاء ذلك الجبِّ ضجَّ أهل النار من حرِّه ، وذلك منازل الجبّارين. (2)
    « أودعته » كذا إذا دفعته إليه ليكون عنده وديعة ، والوديعة مأخوذة من ودع الشيء يدع إذا سكن واستقرّ ، لاستقرارها عند المودع ، وأودع المال في الصندوق : صانه فيه وجعله فيه مستقرّاً ساكناً.
    « من » للابتداء.
    « قعر » البئر وغيرها : عمقها و أقصى عمقها ، وقعر كلّ شيء أيضاً أقصاه.
    « المَطْلَع » بفتح اللاّم وكسرها : مصدرٌ ، أو اسم زمان أو مكان من طلع الجبل
1 ـ عقاب الأعمال : 265 ( عقاب المتكبّرين ).
2 ـ المصدر نفسه : 324 ( عقاب الجبّارين ).


(505)
إذا علاه ، أو طلع من بيته إذا خرج ، وأصل الكلّ من طلع الكوكب والنجم إذا ظهر ، أو لما كان الظهور المتعقّب للخفاء مستلزماً للخروج عن شيء اختفى فيه ، أو لاعتلاء على شيء استعمل في كلّ منهما.
    « الحيدر » والحيدرة : الأسد ، وهو هنا من أسماء أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، وفي معاني الأخبار في معناه أنّه الحازم الرأي ، الخبير النقاب ، النظّار في دقائق الأشياء. (1)
    « الواو » للحال.
    « الوجه » : الجارحة المعروفة ، قال الراغب : ولمّا كان الوَجْه أوّل ما يستقبلُك وأشرف ما في ظاهر البَدن استعمل في مُستقبل كلّ شيء ومبدئه فقيل : وجه كذا ووجه النهار. (2)
    « الكاف » حرف للتشبيه ، ويجوز أن يكون اسماً على رأي تقدّم.
    « الشمس » معروف وهو مشترك بين الجرم وضوئه المنتشر عنه ، والمراد هنا الأوّل.
    « إذ » إمّا للزمان المستقبل ، أو لمطلق الزمان.
    الإعراب :
    « الناس » : مبتدأ.
    « راياتهم » مبتدأ ثاني.
1 ـ الصدوق : معاني الأخبار : 60 ضمن حديث 9.
2 ـ مفردات غريب القرآن : 513 : « وجه ».


(506)
    « خمس » خبره ، والجملة خبر الأول.
    « يوم الحشر » إمّا ظرف مستقرّ حال عن النّاس ، أو لغو متعلّق ب‍ « خمس » لكونه صفة ، أو بمضمون الجملة ، أعني انتساب راياتهم خمس إلى النّاس أو انتساب خمس إلى راياتهم.
    « منها » خبر ل‍ « هالك » وإفراد « هالك » وتذكيره ، لأنّ المراد شيء أو بعض أو نحوهما ، من غير نظر إلى تعدّده ولا تأنيثه ، على أنّ لترك التأنيث وجهاً آخر هو أنّ الهلاك في الحقيقة إنّما هو صفة ذي الراية ، ثمّ إنّ منها يحتمل الاستخدام وعدمه فإنّه يحتمل أن يرجع إلى الرايات مراداً بها أصحابها وأتباعها ، فيكون فيه استخدام ويكون إسناد الهلاك إليها حقيقة.
    أو يحتمل أن يرجع إليها مراداً بها معناها الحقيقي ، فلا استخدام ويكون إسناد الهلاك إليها مجازياً إلاّ أن يراد به هالك أصحابها يحذف الفاعل ، أو ذو الهلاك ، أي الذي يصحبه الهلاك.
    « أربع » إمّا بيان ل‍ « هالك » ، أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو أو هي. والجملة استئناف.
    « فراية العجل » مع ما عطف عليها إمّا خبر لمبتدأ محذوف ، أي هي راية العجل وراية وراية إلخ. والجملة استئناف إمّا جواب السؤال عن الأربع فيكون حال الراية الخامسة كلاماً برأسه ، أو للسؤال عن الخمس فيدخل الراية الخامسة ، وإمّا مبتدأ ، وخبر الجميع « أربعة في سقر أُودعوا » أو « في سقر أُودعوا » أو كلّ من « في سقر » و « أُودعوا » أو « أربعة » أو جملة « ليس لهم من قعرها مطلع » ، أو « منها » مقدّراً أي « فمنها راية العجل ».


(507)
    ثمّ إن كان التفصيل للخمس فالظاهر أن يقدّر لكلّ راية منها مرة أي فمنها راية العجل. إلخ. ومنها راية كذا. الخ.
    ويجوز أن يقدّر للأربع الأُول مرّة ، وللخامسة مرّة. وإن كان التفصيل للأربع ، فلابدّ من التعدّد أربعاً.
    أو راية العجل مبتدأ خبره المشنع ، وكلّ من الرايات الباقية مبتدأ خبره ما يليه.
    ويسوغ كونها مبتدآت وإن لم يجوز نكارة المبتدأ لكونها لتفصيل الإجمال ، فإنّه يجوز أن يقال : رأيتُ في الدار ناساً فرجل قائم ورجلٌ قاعد ورجل نائم ، والسرّ في ذلك أنّه حينئذ يتخصّص المبتدأ تقديراً ، فإنّ المعنى رجل منهم ، وكذا هنا راية منهم.
    « راية » : مضافة إلى العجل و « فرعونها » معطوف عليه ، والضمير فيه عائد إلى الأُمّة وإن لم يتقدّم لها ذكر ، أو إلى الراية مراداً بها أصحابها ، فإن لم يرد ذلك من المرجع كان فيه استخدام.
    ويجوز أن يراد بالراية معناها الحقيقي وتكون الإضافة لأدنى ملابسة. ثمّ إن كان المراد بالمعطوف غير المراد بالمعطوف عليه ، كان بينهما اختلاف الذات وإلاّ كان العطف لمجرّد الاختلاف بالصفات أو الألقاب ، وكذا الكلام في عطف السامري.
    الإضافة في سامري الأُمّة إمّا « لامية » وهو الظاهر ، أو « لفظية » من قبيل إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله بناءً على جعل السامريّ بمعنى المضل.
    « المُشنع » خبر مبتدأ محذوف لئلاّ يلزم الاقواء ، وهو أن يختلف وصل الروي ،


(508)
بأن يكون في بعض القوافي واواً وفي بعضها ياءً ، كقوله :
سَقَطَ النَّصيفُ (1) ولم تُرِدْ إسقاطَهُ بِمُخضَّب رَخْص كأنَّ بنانَهُ فتناوَلَتْهُ واتّقَتْنا باليَدِ عَنَــم (2) يَكادُ منَ اللَّطافَةِ يُعْقَدِ (3)
    وهو عندهم عيب.
    ثمّ المبتدأ المقدّر إمّا « هو » راجعاً إلى سامري الأُمّة ، أو « هي » راجعاً إلى الراية ، أو « هم » راجعاً إلى العجل والفرعون والسامريّ إن كانوا متغايرين.
    ويحتمل أن يكون خبر الراية جزاء الشرط هنا محذوف لظهوره ، ثمّ إن كان مصدراً أو اسم زمان أو مكان.
    وأمّا إن كان اسم فاعل أو مفعول فالتذكير إمّا لكون المراد بالراية صاحبها ، أو تأويلها بالعلم أو الشيء ، وعلى تقدير كونه خبراً لهم مقدّراً ، فالإفراد لإرادة الحمل على كلّ منهم.
    ثمّ « المُشنع » إن كان جملة فإمّا معترضة أو حال عن الراية أو السامريّ ، أو عنه مع ما قبله.
    الكلام في إعراب « راية » قد مضى ، ثمّ إن كان يقدمها خبراً لها وإلاّ فهو
1 ـ النصيف : الخِمار. وقال أبو سعيد : النصيف ثوب تتجلّل به المرأة فوق ثيابها كلها. ( لسان « نصف » ).
2 ـ العَنَم : شجر ليِّن الأغصان لطيفُها ، الواحدة عَنَمة. ( ابن فارس : معجم مقاييس اللغة : « عَنَمَ » ).
3 ـ ديوان النابغة الذبياني : 38 يصف زوجة النعمان ، مطلعها :
أمِن آل مَيّةَ رائحٌ أو مُغْتَدِ عَجْلانَ ذا زادوغيرَ مُزَوَّدِ

(509)
صفة لها ، ثمّ إن كان المراد بالراية أربابها فلا حذف ولا استخدام وإلاّ فإمّا فيه حذف أي يقدم أربابها ، أو استخدام.
    « أدلم » فاعل تقدّم وقد نوّن مع امتناع صرفه ، للضرورة.
    « عبد » إمّا صفة ل‍ « أدلم » أو عطف بيان له فإنّه في الأصل صفة وفي العرف اسم ، فإن روعي أصله كان نعتاً ل‍ « أدلم » ، وإن روعي العرف كان عطف بيان له ، ويجوز حينئذ أن يكون خبر المبتدأ أي « هو » والجملة نعتاً ل‍ « أدلم » وما بعده أوصاف ثلاثة له.
    ثمّ « اللكع » إن كان بمعنى اللئيم أو العبد ، كان تأكيداً لما قبله.
    « للزور » مفعول « أبدع » أو متعلّق به ، وجملة « للزور والبهتان قد أبدعوا » صفة ل‍ « حبتر » إن لم يجعل لقباً وإلاّ فهي حال أو معترضة ، ثمّ إنّ فيه إصرافاً كما لا يخفى كما في مضجعاً.
    جملة « لا برد اللّه له مضجعاً » دعائية معترضة ، أو صفة إن لم يكن لقباً ، أو حال عنه إن كان لقباً ، وعليهما فلابدّ من التأويل بالخبرية ، أي مقول أو مقولاً في شأنه كذا.
    ثمّ إن كان « اللام » في « له » للبيان كان الظرف لغواً متعلّقاً ب‍ « برَّد » وكان التنوين في « مضجعاً » عوضاً عن المضاف إليه أي مضجعه. وإن كانت للاختصاص فالظرف مستقرّ حال عن مضجعاً والتنوين فيه للتنكير ، وأصله مضجعه ثمّ مضجعاً له ثمّ صار له مضجعاً.
    « أربعة » إمّا مبتدأ والتنوين فيه عوض عن الإضافة أي أربعتها ، وخبره « في سقر أودعوا » أو كلّ من « في سقر » و « اودعوا » أو توكيد للرايات والتنوين أيضاً


(510)
عوض فإنّه بمنزلة كلّها ، أو خبر لمبتدأ محذوف أي « هي » أو « هذه » ، أي الرايات أربعة ، أو خبر للرايات المتقدّمة ، أو حال عنها ، وإنّما أتى فيها بعلامة التأنيث لأنّ المراد بالرايات أصحابها ، أو لتأويلها بالأعلام أو الأشياء.
    « في سقر » إمّا لغو متعلّق ب‍ « أودعوا » أو « مستقر ».
    و « لأودعوا » متعلّق مقدّر أي أُودعوا فيها ، فإن كان الأوّل وكان « أربعة » مبتدأ كان مجموع « في سقر أُودعوا » خبراً واحداً له وحالاً عنه.
    وإن كان « أربعة » تأكيداً للرايات فالمجموع خبر واحد للرايات أو حال عنها.
    وإن كان خبراً لمحذوف كان المجموع صفة له ، أو خبراً آخر واحداً ، وكذا إن كان خبراً للرايات.
    وإن كان حالاً عنها فالمجموع إمّا صفة أو حال أُخرى أو خبر للرايات ، وإن كان الثاني أعني كون الظرف ومستقرّاً كان « في سقر » خبراً أو حالاً و « أُودعوا » خبراً آخر وحالاً أُخرى لأربعة على الأوّل ، وللرايات على الثاني ، وصفتين أو خبرين آخرين على الثالث والرابع ، وصفتين أو حالين أو خبرين على الأخير.
    جملة المصراع الذي بعد ذلك تأكيد لقوله « في سقر أُودعوا » أو ل‍ « أُودعوا » وحده ، أو حال أُخرى ، أو نعت آخر ، أو خبر آخر ، أو هو الخبر وما قبله كلّه حال.
    ثمّ إن كان « مطلع » مصدراً فقوله : « من قعرها » متعلّق به إن جاز تقديم متعلّق المصدر إذا كان ظرفاً ، وإلاّ فهو متعلّق بمطلع مقدّراً مفسّراً بالمذكور ، وإن كان اسم زمان أو مكان فإن جوّزنا تعلّق الظرف بهما وإلاّ كان ظرفاً مستقرّاً حالاً عنه.
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس