|
||||||
(526)
عبداللّه بن قيس أبو موسى. قيل : وما السامريّ ؟ قال : لا مساس. قال : يقولون : لاقتال ، والأبتر وهو عمرو بن العاص ، أفتشهدون على ذلك (1).
فقالوا : نشهد على ذلك ، قال : وأنا على ذلك من الشاهدين. ثمّ قال : ألستم تشهدون أنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال : إنّ أُمّتي ترد عليّ الحوض على خمس رايات. أُولاهنّ راية العجل فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه وفعل ذلك بمن (2) تبعه ، فأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : كذّبنا الأكبر ومزّقناه واضطهدناه ، والأصغر فابتززناه حقّه. فأقول : اسلكوا ذات الشمال ، فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة. ثمّ ترد عليّ راية فرعون أُمتي وهم أكثر الناس البهرجيون ، فقلت : يا رسول اللّه وما البهرجيون أبهرجوا الطريق ؟ قال : لا ولكن بهرجوا دينهم وهم الذين يغضبون للدنيا ، ولها يرضون ، ولها يسخطون ، ولها ينصبون فأقوم فآخذ بيد صاحبهم فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ، ورجفت قدماه ، وخفقت أحشاؤه وفعل ذلك بمن تبعه ، فأقول : ماخلّفتموني في الثقلين ؟ فيقولون : كذّبنا الأكبر ومزّقناه ، وقاتلنا الأصغر وقتلناه. فأقول : اسلكوا طريق أصحابكم فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة. ثمّ ترد عليّ راية عبد اللّه بن قيس وهو إمام خمسين ألفاً من أُمّتي ، فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه وفعل ذلك بمن تبعه ، فأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : كذّبنا الأكبر 1 ـ من الخصال ، وفي الأصل : قالوا : أبترها ؟ قال بعينها ، لا دين ولا نسب. 2 ـ « بمن » من المصدر. (527)
وعصيناه ، وخذلنا الأصغر وخذلنا عنه ، فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة.
ثمّ ترد عليّ راية المخدج وهو إمام سبعين ألفاًمن أُمّتي فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه وفعل ذلك بمن تبعه فأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : كذّبنا الأكبر وعصيناه ، وقاتلنا الأصغر وقتلناه ، فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة. ثمّ ترد عليّ راية عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام الغرّ المحجّلين فأقوم فآخذ بيده فيبيضّ وجهه ووجوه أصحابه فأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : تبعنا الأكبر وصدّقناه ، ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه ، فأقول : ردوا رواءً مرويّين ، فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبداً ، وجه إمامهم كالشمس الطالعة ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجم (1) في السماء. ثمّ قال : ألستم تشهدون على ذلك قالوا : بلى ، قال : وأنا على ذلك من الشاهدين. قال لنا القاضي محمد بن عبد اللّه : اشهدوا عليّ عند اللّه أنّ الحسين بن محمد بن الفرزدق حدّثني بهذا. وقال الحسين بن محمد : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ الحسين بن علي بن بزيع حدّثني به. وقال الحسين بن علي بن بزيع : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ يحيى بن حسن حدّثني بهذا. 1 ـ نجُم وأنجُم : جمع نجم. (528)
وقال يحيى بن حسن : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ أبا عبد الرحمن حدّثني بهذا عن الحارث بن حصيرة.
وقال أبو عبد الرحمن (1) : اشهدوا بهذا عند اللّه أنّ الحارث بن حصيرة حدّثني بهذا عن صخر بن الحكم. وقال الحارث بن حصيرة : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ صخر بن الحكم حدّثني بهذا عن حنان (2) بن الحارث. وقال صخر بن الحكم : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ حنان بن الحارث حدّثني بهذا عن الربيع بن جميل الضبّي. وقال الربيع بن جميل الضبّي : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ مالك بن حمزة حدّثني بهذا عن أبي ذرّ الغفاري. وقال مالك بن ضمرة : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ أبا ذرّالغفاري حدّثني بهذا عن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ). وقال أبو ذر : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) حدّثني بهذا عن جبرئيل. وقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : اشهدوا عليّ بهذا عند اللّه أنّ جبرئيل حدّثني بهذا عن اللّه جلّ وجهه وتقدّست أسماؤه. وقال يوسف بن كليب ومحمد بن حنبل : إنّ أبا عبد الرحمن حدّثه بهذا الحديث وبهذا الاسناد ، وبهذا الكلام. قال الحسن بن عليّ بن بزيع : وزعم إسماعيل بن أبان أنّه سمع هذا 1 ـ « عبد اللّه بن عبد الملك » : المصدر وكلا الاسمين لرجل واحد. 2 ـ « حيان » : المصدر. (529)
الحديث ، حديث الرايات ، من أبي عبد الرحمن المسعودي (1). انتهى الباب بألفاظه.
وهذه الأبواب هي جميع ما تضمّن حديث الرايات من هذا الكتاب إلاّ باباً واحداً هو الباب الخمسون بعد المائة تركته لكونه عين بعض ما ذكرناه معنى ، ولما اختلفت الألفاظ وكانت النسخ التي عندنا سقيمة متروكاً فيها ذكر بعض الرايات. وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رحمه اللّه في باب الاثني عشر من كتاب « الخصال » ، عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي (2) ، عن فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ، عن عبيد بن كثير ، عن يحيى بن الحسن ؛ وعباد بن يعقوب ؛ ومحمد بن الجنيد ، عن أبي عبد الرّحمن المسعودي ، عن أبي ذرّ الغفاري بالاسناد المحكي عن كتاب « اليقين » هذا الخبر الذي حكيناه أخيراً بعينه ، إلاّ أنّ في بعض الألفاظ مفاوتة لا يضرّ بالمعنى ، وفيه زيادة راية أُخرى في تفصيل الرايات مع الاتفاق في الإجمال على الخمس ، فقال بعد راية فرعون الأُمّة : ثمّ ترد عليّ راية هامان أُمّتي فأقوم فآخذ بيده ، فإذا أخذت بيده اسودّوجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ومن فعل فعله تبعه ، فأقول : بما خلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : كذّبنا الأكبر ومزّقناه ، وخذلنا الأصغر وعصيناه ، فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون ظماء مظمئين مسودّة وجوههم لا يطعمون منه قطرة. (3) 1 ـ اليقين : 443 ـ 447 ، الباب 169 ؛ الخصال : 457 ح 2 ؛ والبحار : 37 / 344ذ ح 1 ب 55. 2 ـ « محمد بن الحسن بن سعيد الهاشمي الكوفي » : المصدر. 3 ـ الصدوق : الخصال : 457 ح 2 ، باب « شرّ الأوّلين والآخرين اثنا عشر ». (530)
وروى علي بن إبراهيم بن هاشم رحمه اللّه في تفسير سورة المائدة من تفسيره ، عن أبيه ، عن مسلم بن خالد ، عن محمد بن جابر ، عن ابن مسعود قال : قال لي رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لمّا رجع من حجّة الوداع : يا ابن مسعود قد قرب الأجل ونعيت إليّ نفسي فمن لذلك بعدي ؟ فأقبلتُ أعد عليه رجلاً رجلاً ، فبكى ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ثمّ قال : ثكلتك الثواكل فأين أنت عن علي بن أبي طالب لم لا تقدّمه على الخلق أجمعين ؟ يا ابن مسعود إنّه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأُمّة أعلام فأوّل الأعلام لوائي الأعظم مع علي بن أبي طالب ، والنّاس جميعاً تحت لوائه ينادي مناد : هذا الفضل يا ابن أبي طالب. (1)
هذه هي التي حضرتني من روايات الخمس رايات على التفصيل. وأمّا المجملة منها ، فهي أيضاً كثيرة لا نطوّل الكتاب بذكرها ففيما نقلناه كفاية. وفي كتاب « مقتل الحسين » صلوات اللّه عليه للشيخ موفق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم في خبر طويل عن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ألا وأنّه سترد عليّ في القيامة ثلاث رايات من هذه الأُمّة : راية سوداء مظلمة فتقف عليّ فأقول : من أنتم ؟ فينسون ذكري و يقولون : نحن أهل التوحيد من العرب. فأقول : أنا أحمد نبيّ العرب والعجم. فيقولون : نحن من أُمّتك يا أحمد. فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربّي ؟ فيقولون : أمّا الكتاب فضيّعنا ومزّقنا ، وأمّا عترتك فحرصنا على أن نبيدهم 1 ـ تفسير القمي : 1 / 175. (531)
عن جديد الأرض فأولّي وجهي عنهم فيصدرون ظماء عطاشا مسودّة وجوههم.
ثمّ ترد عليّ راية أُخرى أشدّ سواداً من الأُولى فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون كالقول الأوّل بأنّهم من أهل التوحيد ، فإذا ذكرت لهم اسمي عرفوني وقالوا : نحن أُمّتك. فأقول لهم : كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر ؟ فيقولون : أمّاالأكبر فخالفنا ، وأمّا الأصغر فخذلنا ومزقناهم كلّ ممزّق. فأقول لهم : إليكم عنّي ، فيصدرون ظماء عطاشا مسودّة وجوههم. ثمّ ترد عليّ راية أُخرى تلمع نوراً فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى ، نحن أُمّة محمّد ونحن بقيّة أهل الحقّ الذين حملنا كتاب ربّنا فأحللنا حلاله وحرّمنا حرامه وأحببنا ذرّيته فنصرناهم من كلّ ما نصرنا منه أنفسنا ، وقاتلنا معهم وقتلنا من ناوأهم. فأقول لهم : أبشروا فأنا نبيّكم محمّد ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ؛ ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون رواء (1). المعاني : فيه مسائل : الأُولى : عدل عن أن يجعل المحكوم عليه ابتداء هو الرايات ، لأنّ مقصوده بالذات بيان حال الناس والحكم عليهم بالافتراق خمس فرق ، ولأنّ المقام مقام إطناب ومقام إبهام ثمّ تفسير ، ولا شكّ أنّ في ذكر الناس أوّلاً ثمّ ذكر الرايات ، 1 ـ ورواه ابن نما الحلي في مثيرالأحزان : 9. (532)
إبهاماً بعده تفسير.
الثانية : تذكير هالك وإفراده ، للإبهام. الثالثة : في تعريف كلّ من العجل وأخويه دلالة على كونهم معروفين معهودين بهذه الألقاب. الرابعة : قطع المشنع عن موصوفه للمبالغة في الذم والتوجيه والقافية. الخامسة : تقديم المفعول في « للزور والبهتان قد أبدعوا » (1) للوزن والقافية والحصر والاهتمام والإيضاح بعد الإبهام. السادسة : العدول عن مضجعه إلى له مضجعاً إن كان له حالاً عن « مضجعاً » للإبهام ثمّ الإيضاح والوزن والتقفية ، وتعميم المضجع لتعميم الدعاء والتوجيه. وإن كان التنوين في « مضجعاً » عوضاً عن المضاف إليه فالعدول عن الإضافة إلى التنوين في مضجعاً للاختصار والوزن والقافية والاستغناء عن المضاف إليه بما تقدّم من قوله « له » والتوجيه والتصوير بصورة النكرة المفيدة للعموم. السابعة : حذف ما أُضيف إليه أربعة ، إن كان تنوينه عوضاً عن الإضافة ، للوزن والاختصار والاستغناء عنها بالقرينة والتوجيه من وجوه. الثامنة : تقديم الظرف أعني « في سقر » على « وأودعوا » إن كان متعلّقاً به للتوجيه والوزن والتقفية والحصر والاهتمام. 1 ـ في المخطوطة : « أبدعا » وما في المتن من نصّ القصيدة. (533)
البيان :
إطلاق الراية على ذي الراية مجاز مرسل من باب إطلاق اسم أحد المتجاورين على الآخر. إسناد « الهلاك » إلى « الراية » إن لم يرد بها ذو الراية ولم يرد بالهالك المصاحب للهلاك مجازي. كلّ من العجل والفرعون والسامري والحبتر والنعثل إن لم تكن ألقاباً ، استعارة مصرّحة ، إلاّ السامري إن كان منسوباً إلى السامري ، فإنّ النسبة فيه بمعنى المشابهة ففيه حينئذ تشبيه. (534)
لاقاه ملاقاة ولقاءً ولقيه لقاءً ولقاءة ولقاية ولقياً ولقياناً ولقيانة بكسرهنّ ، ولقياناً ولقياً ولقى ولقية بضمّهنّ ، ولقاءة ـ بالفتح ـ : صادفه. « الألف واللام » للتزيين إن كان المراد به اللقب المخصوص بالنبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كما هو الظاهر. ويحتمل أن تكون الألف واللام داخلتين في الوضع العلمي ، وللعهد إن كان المراد به المعنى الوضعي. « الاصطفاء » : تناول صفو الشيء أي خالصه ، كما الاختيار تناول خيرة الشيء ، واصطفاء اللّه بعض عباده بمعنى تمييزه منهم بمزيد إكرام وتفضيل وتشريف. وقد يكون بمعنى خلقه صافياً عن الشوب الموجود في غيره ونبيّنا ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) صافي عن كلّ شوب ، مختار على كلّ خلق فلذلك سمي دون غيره ب « المصطفى ». « الواو » للحال. « الحمد » : هو الثناء على فضل اختياري أو أعمّ من الاختياري وغيره ، على اختلاف في ذلك. « راية الحمد » راية ، وردت كثير من الأخبار بأنّها راية لرسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يوم (535)
القيامة وبأنّ حاملها أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.
روى فرات بن إبراهيم بن فرات في تفسيره قال : حدّثني القاسم بن الحسين بن حازم (1) القرشي معنعناً ، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه ، قال : اكتنفنا رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ذات يوم فاطّلع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، فقال النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : تريدون أن أُريكم أوّل من يدخل الجنّة ؟ قال فقالوا : نعم. قال : هذا. فقام أبو دجانة الأنصاري فقال : يا رسول اللّه سمعتك وأنت تقول : إنّ الجنّة محرّمة على النبيّين وسائر الأُمم حتى تدخلها أنت ! قال : يا أبا دجانة أما علمت أنّ للّه لواء من نور عموده من ياقوت مكتوب على ذلك اللواء : لا إله إلاّ اللّه محمّدٌ رسول اللّه أيّدته بعليّ. (2) « اللام » للاختصاص أو الاستحقاق أو التعليل ، كما في قوله : « ويومَ عقرتُ للعذارى مطيّتي » (3). الإعراب : « غداً » ظرف ل « يلاقي ». وهو فعل مفعوله « المصطفى » وفاعله « حيدر ». « راية الحمد » مبتدأ خبره مابعده ، ويحتمل أن يكون مفعول « ترفع ». فعلى الأوّل يكون « ترفع » مبنيّاً للمفعول مؤنثاً ويكون الضمير في « له » عائداً على حيدر. وعلى الثاني يكون « يرفع » مبنيّاً للفاعل مذكّراً فاعله الضمير العائد على 1 ـ « القاسم بن الحسن بن حازم » : المصدر. 2 ـ تفسير فرات الكوفي : 456 ح 598. 3 ـ صدر بيت لمعلقة امرئ القيس ، وكامله :
( المعلّقات العشر : 60 ).
(536)
حيدر والضمير في « له » للمصطفى ، لكن لابدّ على هذا أن يقدّر مبتدأ تكون هذه الجملة خبره ، أي « وهو يرفع راية الحمد » لئلاّ يلزم دخول الواو على الجملة الحالية الفعلية التي فعلها مضارع كما يقال في نحو : « قمت وأصك وجهه » (1).
وعلى كلّ فالجملة حال عن حيدر. المعنى : يوم القيامة يصادف أمير المؤمنين رسول اللّه صلى اللّه عليهما وآلهما ، والحال أنّ راية الحمد ترفع لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أو والحال أنّه يرفع راية الحمد لرسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، والروايات الناطقة بذلك أكثر من أن تُحصى من طرق الخاصة والعامة. روى الشيخ الجليل محمد بن علي بن شهر اشوب في « مناقبه » قال : أخبرني أبو الرضا الحسيني الراوندي بإسناده عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقّة ، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ، وأنا على كرسيّ من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس فآخذه وأدفعه إلى علي بن أبي طالب. فوثب عمر فقال : يا رسول اللّه وكيف يطيق عليٌّ حمل اللّواء ؟ فقال ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : إذا كان يوم القيامة يعطي اللّه عليّاً من القوّة مثل قوّة جبرئيل ، ومن النور مثل نور آدم ، ومن الحلم مثل حلم رضوان ، ومن الجمال مثل جمال 1 ـ من قول بعض العرب ، وهنا الواو إنّما جاءت في المضارع المثبت الواقع حالاً ، على اعتبار حذف المبتدأ لتكون الجملة اسميّة ، أي ( وأنا أصك ) كما في قوله تعالي ( لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ ) أي : وأنتم قد تعلمون ( انظر « مختصرالمعاني » لسعدالدين التفتازاني : 162 ). (537)
يوسف. (1)
وروى أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكّي الخوارزمي في « مناقبه » ، بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في بيته فغدا عليه عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام الغداة وكان يحبُّ أن لا يسبقه إليه أحد ، فدخل فإذا النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في صحن الدار وإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي فقال : كيف أصبح رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ؟ فقال : بخير يا أخا رسول اللّه. قال : فقال له علي : جزاك اللّه عنّا أهل بيت خيراً. قال له دحية : إنّي أُحبّك وإنّ لك عندي مدحة أزفّها إليك : أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ، أنت سيّد وُلد آدم ما خلا النبيّين والمرسلين ، لواء الحمد بيدك يوم القيامة ، تُزَفُّ أنت وشيعتك مع محمد وحزبه إلى الجنان زفّاً ، قد أفلح من تولاّك وخسر من عاداك ، محبّ محمد محبّك ، ومبغض محمد مبغضك لن تناله شفاعة محمد ؛ اُدن منّي صفوة اللّه ؛ فأخذ رأس النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فوضعه في حجره فانتبه النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فقال : ما هذه الهمهمة ؟ فأخبره الحديث فقال : لم يكن هو الكلبي كان جبرئيل سمّاك باسم سمّاك اللّه به وهو الذي ألقى محبّتك في صدور المؤمنين ، ورهبتك في صدور الكافرين. (2) وروى الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب « بشارة المصطفى لشيعة المرتضى » مسنداً عن إسماعيل بن رزين ابن أخي دعبل 1 ـ المناقب : 3 / 27 عنه بحار الأنوار : 39 / 214 ضمن حديث 5. 2 ـ الخوارزمي : المناقب : 322 الفصل التاسع عشر ، الحديث 329 ، عنه كشف اليقين : ص 289 ح 335 ، وفيه اختلاف لفظي. وانظر بحار الأنوار : 37 / 295 ـ 296 ، وللحديث صورة أُخرى رواها الجويني في فرائدالسمطين : 1 / 134. (538)
بن علي الخزاعي ، عن أبيه ، عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي صلوات اللّه عليهم ، عن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في خبر طويل يخاطب به أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : وأنت أوّل من يدخل الجنّة وبيدك لوائي لواء الحمد ، وهو سبعون شقّة ، الشقّة أوسع من الشمس والقمر. (1)
وفي مسند أحمد بن حنبل مسنداً : إنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) آخى بين المسلمين ثمّ قال : يا عليّ أنت أخي منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، أما علمت يا عليّ انّي أوّل من يُدعى به يوم القيامة ، يُدعى بي فأقوم عن يمين العرش فأُكسى حُلّة خضراء من حُلل الجنّة ، ثمّ يُدعى بالنبيّين بعضهم على اثر بعض فيقومون سماطين على يمين العرش ويكسون حللاً خضراء من حُلل الجنّة. ألا وإنّي أُخبرك يا علي أنّ أُمّتي أوّل الأُمم يُحاسَبون يوم القيامة ، ثمّ أنت أوّل من يُدعى بك لقرابتك ومنزلتك عندي ، ويدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد فتسير به بين السماطين ، آدم و جميع خلق اللّه يستظلّون بظلّ لوائي ، وطوله مسيرة ألف سنة ، سنانه ياقوتة حمراء قصبة فضّة بيضاء زجة درّة خضراء له ثلاث ذوائب من نور : ذؤابة في المشرق ، و ذؤابة في المغرب ، والثالثة وسط الدنيا ، مكتوب عليه ثلاثة أسطر : الأوّل : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ». الثاني : « الحمد للّه ربّ العالمين ». الثالث : « لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ». طول كلّ سطر ألف سنة ، فتسير باللواء والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في 1 ـ بشارة المصطفى : 125. (539)
ظلّ العرش ثمّ تُكسَى حُلَّة خضراء من الجنّة ، ثمّ ينادي مناد من تحت العرش : نِعمَ الأب أبوك إبراهيم ونِعم الأخ أخوك عليّ ؛ أبشر يا عليّ أنّك تُكسى إذا كُسيت وتُدعى إذا دُعيت وتحبى إذا حبت. (1)
ولكن روى فرات بن إبراهيم في تفسيره عن أبي القاسم الحسين قال : حدّثني معنعناً ، عن معاذ بن جبل ، عن النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في حديث طويل ، أنّه قال : وأعطاني في علي لآخرتي أنّي أُعطى يوم القيامة أربعة ألوية فلواء الحمد بيدي و ادفع لواء التهليل لعلي وأُوجهه في أوّل فوج ، وهم الذي يحاسبون حساباً يسيراً ويدخلون الجنّة بغير حساب عليهم. وأدفع لواء التكبير إلى حمزة وأُوجهه في الفوج الثاني. وأدفع لواء التسبيح إلى جعفر وأُوجهه في الفوج الثالث (2). أقول : ولا مدافعة بين هذا الخبر وغيره ، فإنّ ليوم القيامة مواطن كثيرة فيمكن أن يكون هذا في بعض مواطنه وذلك في بعض آخر ويجوز أن يجمع لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لواء الحمد مع التهليل في البعض الآخر. المعاني : فيه مسائل : الأُولى : التعبير عن يوم القيامة بالغد ، لما عرفت سابقاً. الثانية : تقديم الظرف ، أعني : « غداً » لتشويق السامع إلى عامله. 1 ـ ذكر الحديث ابن حنبل في فضائل الصحابة : 663. 2 ـ تفسير فرات : 547. (540)
الثالثة : تقديم المفعول ، أعني : « المصطفى » للتشريف والتبرّك والتشويق إلى ذكر الفاعل ، وتقريب ذي الحال من الحال والوزن.
الرابعة : التعبير بالمصطفى دون اسمه الشريف ، للتعظيم ولأنّه أيضاً من أسمائه الشريفة وألقابه المعروفة ، ولما فيه من الدلالة على كونه خير الخلق أجمعين. الخامسة : تقديم « راية الحمد » إن كان مفعولاً ، للوزن والقافية والتشويق والتبرّك والتوجيه والاهتمام. السادسة : تقديم « له » إن كان « راية » مبتدأ ، للحصر والوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه ، وإن كان مفعولاً فللثلاثة الأخيرة ، لا يقال على الأخير إنّه وإن تضمّن تقريب ضمير من مرجعه فقد يضمن تبعيد ضمير آخر من مرجعه ؛ فقد يضمن (1) وهو ما في « يرفع » من مرجعه. لأنّا نقول : وإن كان الأمر كذلك إلاّ أنّ مرجع الأوّل أبعد من مرجع الثاني فناسب التقريب أكثر من مرجع الثاني. البيان : « غداً » استعارة مصرّحة ، لابتنائها على تشبيه يوم القيامة بالغد في قرب الوقوع ، أو في الانقطاع بالكلّية عن أيّام الدنيا ، وانفصاله عنها في الأحكام. 1 ـ أي يضمن تأخير الضمير « هو » المستتر في « يرفع » في حال قراءتها فعل مضارع. |
||||||
|