اللآلئ العبقرية في شرح العينيّة الحميرية ::: 541 ـ 555
(541)
موْلّىً لَهُ الجَنَّةُ مَأْمُــورَةٌ والنّارُ من إجلالهِِ تَفزَعُ
    اللغة :
    « اللام » للاختصاص أو الاستحقاق أو شبه التملّك.
    « الألف واللام » للعهد أو الاستغراق ، وكذلك الألف واللام في « النار » فإنّ لجهنّم أيضاً منازل ودركات كما للجنّة درجات ومساكن لا تحصى.
    « من » للتعليل.
    « الإجلال » التعظيم ، أي العد جليلاً.
    المراد ب‍ « النار » إمّا معناها الحقيقي ، أو أهلها ، أو المراد بالفزع ليس معناها الحقيقي ، بل يكون مجازاً عن مطواعيتها له ، والمطواعية مجازاً عن تحقّق مراده ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فيها ، بأن يدخلها من شاء ولا يدخلها من شاء ، أو النار مضاف محذوف أي أهل النار.
    الإعراب :
    « مولى » خبر « هو » مقدراً.


(542)
    « له » متعلّق ب‍ « مأمورة ».
    « الجنّة » مبتدأ « مأمورة » والجملة صفة ل‍ « مولى » ، ويحتمل أن يكون « له » ظرفاً مستقرّاً و « الجنة » فاعله ، والجملة صفة ل‍ « مولى » و « مأمورة » تمييزاً ، ك‍ : « فارساً » في : للّه دره فارساً ، وحينئذ فاللاّم تحتمل غير الاختصاص.
    ثمّ إنّ « مأمورة » إمّا أن يكون نزل بالنسبة إلى المفعول الثاني الذي يتعدّى إليه بالباء منزلة اللازم ، أو يقدّر باتّباعه أو امتثال أمره.
    جملة المصراع الثاني إمّا عطف على جملة الصفة فيكون من عطف إحدى الصفتين على الأُخرى ، أو يكون العطف قبل الوصفية حتى تكون الصفة مجموع الجملتين فإنّ المجموع بمعنى مطاع الجنّة والنار.
    وإمّا عطف على جملة المصراع الأوّل فيكون من عطف أحد الخبرين على الآخر.
    « النار » مبتدأ خبره « تفزع » ، و على تقدير مجاز الحذف في التقدير مضاف إليه مقدّر.
    « من إجلاله » متعلّق ب‍ « تفزع » ومفعوله الذي يتعدّى إليه بمن محذوف ، أي منه أو منزل منزلة اللازم ، أي يحصل لها الفزع والذعر من جهة إجلاله.
    المعنى :
    « هو » أي حيدر ـ صلوات اللّه عليه ـ مولى الجنّة المعهودة ، أي جنّة الآخرة أو الجنان كلّها مأمورة له بإطاعته ، أو الجنّة مخصوصة به أوحقّ له أو ملك له من حيث المأمورية ، أي مأموريته مخصوصة به أو حقّ له أو ملك له ، و النار المعهودة أي نار جهنم أو نيران جهنّم كلّها تخاف وتذعر منه لإجلاله وتعظيمه.
    والحاصل أنّ كلاًّ من الجنّة والنار مطيع له وأنّه قسيمها. والأخبار الناصّة بذلك لا تحصى كثرة من طرق العامّة والخاصّة ، ولا بأس بالتبرّك بذكر بعض من


(543)
ذلك :
    فقد روى الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في « بشارة المصطفى لشيعة المرتضى » بإسناده إلى ابن عبّاس : لمّا فتح اللّه على نبيّه مدينة خيبر قدم جعفر ( عليه السَّلام ) من الحبشة ، فقال النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : لا أدري أنا بأيّهما أُسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. وكانت مع جعفر ( عليه السَّلام ) جارية فأهداها إلى عليّ ( عليه السَّلام ) ، فدخلت فاطمة ( عليها السَّلام ) بيتها فإذا رأس عليّ ( عليه السَّلام ) في حجر الجارية ، فلحقها من الغيرة ما يلحق المرأة على زوجها ، فتبرقعت برقعتها ووضعت خمارها على رأسها تريد النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) تشكو إليه عليّاً ( عليه السَّلام ).
    فنزل جبرئيل ( عليه السَّلام ) على النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فقال له : « يا محمد إن ّاللّه يقرؤك السّلام ويقول لك : هذه فاطمة أتتك تشكو عليّاً فلا تقبلنَّ منها. فلمّا دخلت فاطمة ( عليها السَّلام ) قال لها النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ارجعي إلى بعلك وقولي له رغم أنفي لرضاك.
    فرجعت فاطمة فقالت : يا ابن عم رغم أنفي لرضاك. فقال عليّ ( عليه السَّلام ) : يا فاطمة شكوتيني إلى النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) واحياءاه من رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، أُشهدك يا فاطمة أنّ هذه الجارية حرّة لوجه اللّه في مرضاتك ، وكان مع عليّ ( عليه السَّلام ) خمسمائة درهم فقال : وهذه الخمسمائة درهم صدقة على فقراء المهاجرين و الأنصار في مرضاتك.
    فنزل جبرئيل ( عليه السَّلام ) على النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فقال : يا محمد اللّه يقرؤك السّلام ويقول : بشّر علي بن أبي طالب بأنّي قد وهبت له الجنّة بحذافيرها لعتقه الجارية في مرضاة فاطمة ، فإذا كان يوم القيامة يقف على باب الجنّة فيُدخل من يشاء الجنة برحمتي ويمنع منها من يشاء بغضبي ، وقد وهبتُ له النّار بحذافيرها لصدقته الخمسمائة
1. هذا لاينطبق علي سيرة نساء العامين كخطية علي بنت أبي جهل لاحظ التفصيل فى « الحديث النبوي بين الرواية والدراية » ض 449 ـ 503

(544)
درهم على الفقراء في مرضاة فاطمة فإذا كان يوم القيامة يقف على باب النّار فيدخل من يشاء النار بغضبي ويمنع من يشاء منها برحمتي.
    فقال النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : بخ بخ مَن مثلك يا عليّ وأنت قسيم الجنّة والنار. (1)
    وروى ابن شيرويه الديلمي في « الفردوس » عن كتاب الاحسن والمحسن للصفواني ، في خبر طويل ، عن إسحاق بن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن آبائه صلوات اللّه عليهم قال : قال النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : وينزل الملكان ، يعني : رضوان ومالك ، فيقول مالك : إنّ اللّه أمرني بلطفه ومنّه أن أسعر النيران فسعرتها ، وأن أغلق أبوابها فغلقتها ، وأن آتيك بمفاتيحها فَخُذْها يا محمد ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ ، ثمّ أدفعها إلى عليّ.
    ثمّ يقول رضوان : إنّ اللّه أمرني بمنّه ولطفه أن أُزخرف الجنان فزخرفتها ، وأن أغلق أبوابها فغلّقتها ، وأن آتيك بمفاتيحها فخذها يا محمّد ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ ، ثمّ أدفعها إلى علي ، فيتنزل عليّ وبيده مفاتيح الجنة ومقاليد النار فيقف علي بحجزتها ويأخذ بزمامها وقد تطاير شررها وعلا زفيرها وتلاطمت أمواجها فتناديه النار : جزني يا عليّ فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها عليّ : أُتركي هذا وَلِيّي ، وخُذي هذا عدوّي ، وإنّ جهنم يومئذ لأطوع لعلي من غلام أحدكم لصاحبه. (2)
    وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رحمه اللّه في كتاب « علل الشرائع والأحكام » بإسناده عن سماعة بن مهران قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه جميع الخلائق ، يقف عليه رجل يقوم ملك عن يمينه وملك
1 ـ بشارة المصطفى : 101.
2 ـ مناقب آل أبي طالب : 92 ، والبحار : 39 / 204.


(545)
عن يساره ، فينادي الذي عن يمينه : يا معشر الخلائق هذا عليّ بن أبي طالب صاحب الجنّة يدخل الجنّة من شاء ، وينادي الذي عن يساره : يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب صاحب النار يدخلها من شاء. (1)
    وروى في « عيون أخبار الرضا » باسناده عن أبي الصلت الهروي قال : قال المأمون للرضا ( عليه السَّلام ) : يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بأيّوجه هو قسيم الجنّة والنار و بأيّ معنى فقد كثر فكري في ذلك ؟ فقال له الرضا ( عليه السَّلام ) : يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك ، عن آبائه ، عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال : سمعت رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يقول : حُبّ عليّ إيمان وبغضه كفر ؟ فقال : بلى ، فقال الرّضا ( عليه السَّلام ) : فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه فهو قسيم الجنّة والنّار.
    فقال المأمون : لا أبقاني اللّه بعدك يا أبا الحسن أشهدك أنّك وارث علم رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ). قال أبو الصلت الهروي : فلمّا انصرف الرضا ( عليه السَّلام ) إلى منزله أتيته فقلت له : يابن رسول اللّه ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين ، فقال لي الرّضا ( عليه السَّلام ) : إنّما كلّمته من حيث هو ، ولقد سمعت أبي يحدّث عن آبائه عن عليّ ( عليهم السَّلام ) أنّه قال : قال لي رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : يا عليّ أنت قسيم الجنّة والنّار يوم القيامة تقول للنار هذا لي وهذا لكِ. (2)
    وروي في العلل باسناده عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) : لمَ صار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قسيم الجنّة والنّار ؟ قال : لأنّ حبّه إيمان وبغضه كفر ، وإنّما خلقت الجنة لأهل الإيمان ،
1 ـ علل الشرائع : 1 / 164 ح 4.
2 ـ عيون أخبارالرضا : 1 / 92 ح 30.


(546)
وخلقت النار لأهل الكفر ، فهو ( عليه السَّلام ) قسيم الجنّة والنار ، لهذه العلّة فالجنة لا يدخلها إلاّ أهل محبّته ، والنار لا يدخلها إلاّ أهل بغضه.
    قال المفضل : فقلت : يابن رسول اللّه فالأنبياء والأوصياء ( عليهم السَّلام ) كانوا يحبّونه وأعداؤهم كانوا يبغضونه ؟
    قال : نعم.
    قلت : فكيف ذلك ؟ قال : أما علمت أنّ النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال يوم خيبر : لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ما يرجع حتى يفتح اللّه على يديه ، فدفع الراية إلى عليّ ( عليه السَّلام ) ففتح اللّه عزّ وجلّ على يديه ؟
    قلت : بلى. قال : أما علمت أنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لمّا أتى بالطائر المشوي قال : اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر ، وعنى به عليّاً ( عليه السَّلام ) ؟
    قلتُ : بلى. قال : فهل يجوز أن لا يحبّ أنبياء اللّه ورُسُله وأوصياؤهم ( عليهم السَّلام ) رجلاً يحبّه اللّه ورسوله ويحبّ اللّه ورسوله ؟
    فقلت له : لا ، قال : فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أُممهم لا يحبّون حبيب اللّه وحبيب رسوله وأنبيائه ( عليهم السَّلام ) ؟
    قلت : لا ، قال : فقد ثبت أن جميع أنبياء اللّه ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعليّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) محبّين ، وثبت أنّ أعداءهم والمخالفين لهم كانوا لهم ولجميع أهل محبّتهم مبغضين ؟
    قلت : نعم. قال : فلا يدخل الجنّة إلاّ من أحبّه من الأوّلين والآخرين ولا يدخل النار إلاّ من أبغضه من الأوّلين والآخرين ، فهو إذن قسيم الجنة والنار.


(547)
    قال المفضّل بن عمر : فقلت له : يا بن رسول اللّه فرّجت عني فرّج اللّه عليك فزدني ممّا علّمك اللّه.قال : سل يا مفضّل.
    فقلت له : يا ابن رسول اللّه فعليّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) يُدخل محبّه الجنّة ومبغضه النار ؟ أو رضوان و مالك ؟.
    فقال : يا مفضّل أما علمت أنّ اللّه تبارك وتعالى بعث رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وهو روح إلى الأنبياء ( عليهم السَّلام ) وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام ؟ قلت : بلى.
    قال : أما علمت أنّه دعاهم إلى توحيد اللّه وطاعته واتّباع أمره ووعدهم الجنّة على ذلك ، وأوعد مَن خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار ؟ قلت : بلى.
    قال : أفليس النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ضامناً لما وعد وأوعد من ربّه عزّوجلّ ؟ قلت : بلى.
    قال : أو ليس علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) خليفته وإمام أُمّته ؟ قلت : بلى.
    قال : أو ليس رضوان ومالك من جملة الملائكة المستغفرين لشيعته الناجين بمحبّته ؟ قلت : بلى.
    قال : فعلي بن أبي طالب إذن قسيم الجنّة والنار عن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، ورضوان ومالك صادران عن أمره بأمر اللّه تبارك وتعالى.
    يا مفضّل خذ هذا فإنّه من مخزون العلم ومكنونه لا تخرجه إلاّ إلى أهله. (1)
1 ـ علل الشرائع 1 / 162 ـ 163.

(548)
    المعاني :
    فيه مسائل :
    الأُولى : تنكير « مولى » للتعظيم.
    الثانية : تقديم « له » على مابعده إن كان متعلّقاً ب‍ « مأمورة » ، للحصر والوزن والتوجيه وتقريب الضمير من مرجع والابتداء بالعائد في الصفة والتبرّك ، لرجوع الضمير إلى من تبرّك باسمه وصفاته ، وكذا تقديم « مِن إجلاله » على « تفزع » وفيه رعاية القافية أيضاً.
    الثالثة : إن كان « مأمورة » تمييزاً ففيه إيضاح بعد إبهام.
    البيان :
    إن كان « مأمورة » تمييزاً فإسناد « له » إلى « الجنّة » مجازي فإنّ فاعله حقيقة هو المأمورية : مأموريّة الجنة ، إمّا بمعناه الحقيقي ، لجواز أن يجعلها اللّه قابلة للخطاب والأمر ، وإمّا بمعنى تعلّق التقدير الإلهي كماعرفت سابقاً ، وكذا نسبة الفزع إلى النار إمّا بمعناها الحقيقي ، أو النّار مجاز عن أهلها ، أو فيه مجاز الحذف أو الاسناد مجازي ، أو الفزع مجاز عن المطواعية المراد بها تحقيق ما أراده ( عليه السَّلام ) فيها.


(549)
إمامُ صِدق ولَهُ شيعـــــةٌ يُروَوا مِنَ الحَوضِ ولَمْ يُمْنَعُوا
    اللغة :
    « الإمام » من يؤتم به ، أي يُقتدى به في أقواله وأفعاله ، من أمَّهُ ، بمعنى قصده لأنّ المؤتمّين يقصدونه.
    المراد بالصدق إمّا معناه الحقيقي أو الحق ، فإنّ الصدق كما عرفت إنّما يكون في الخبر إذا طابق مضمونه الواقع.
    « شيعة » الرجل : أتباعه وأنصاره ، من شيع فلاناً إذا تبعه ليودّعه ، وشيع الجنازة وشايع فلاناً إذا تابعه على أمر ، أو من شاع بمعنى انتشر لأنّهم منتشرون عنه في أُمورهم أي يصدورن عنه ، وشيعة عليّ صلوات اللّه عليه له معنيان :
    الأوّل : وهو المعروف : من والاه واعتقد أنّه الإمام المفترض الطاعة بعد رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
    والثاني : وهو الذي ورد في عدّة أخبار : مَن تابَعَهُ في الأقوال والأفعال وسائر سيرته ، ولم يخالفه فيما أمره به ولم يقترف ما نهاه عنه ، ففي تفسير الإمام الهمام ، أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليه عن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في حديث


(550)
طويل يذكر فيه محبّيه ومحبّي عليّ صلوات اللّه عليهما مَن يدخل جهنّم ، قال في آخره : ليس هؤلاء يسمّون بشيعتنا ، ولكنّهم يسمّون بمحبينا والموالين لأوليائنا والمعادين لأعدائنا ، إنّ شيعتنا من شيعنا واتّبع آثارنا واقتدى بأعمالنا. (1)
    وفيه أيضاً قال الإمام ( عليه السَّلام ) : قال رجل لرسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : فلان ينظر إلى حرم جاره فإن أمكنه مواقعة لم يرع عنه ، فغضب رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وقال : ائتوني به ، فقال رجل آخر : يا رسول اللّه إنّه من شيعتكم ممّن يعتقد موالاتك وموالاة عليّ و يتبرأ من أعدائكما.
    فقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : لا تقل إنّه من شيعتنا فإنّه كذب ؛ إنّ شيعتنا من شَيعنا وتبعنا في أعمالنا وليس هذا الذي ذكرتَه في هذا الرجل من أعمالنا. (2)
    والأخبار بهذا المضمون في التفسير المذكور في تفسير قوله تعالى : ( لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودةً ) (3) الآية ، من أرادها فليراجعه.
    « الألف و اللام » في « الحوض » للعهد.
    الإعراب :
    « إمام صدق » : إمّا خبر بعد خبر لما قدّر مبتدأً لمولى ، أو خبر مبتدإ آخر مقدّر ، والإضافة لامية ، فإن أُريد بالصدق معناه المصدري من غير تقدير ، كانت الإضافة بأدنى ملابسة بمعنى أنّه الإمام المنسوب إلى الصدق ، أي صادق الإمامة ، وإن كان المراد به أهل الصدق والمراد بالصدق الإيمان والإخلاص في الدّين ، كانت الملابسة ظاهرة ، وكذا إن قدّر قبله مضاف حتى يكون من باب مجاز
1 ـ التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري : 307 ذ ح 149.
2 ـ المصدر نفسه : 307 ، ح 150.
3 ـ البقرة : 80.


(551)
الحذف ، أي أهل صدق.
    ويحتمل أن تكون الإضافة بيانية ويكون الصدق بمعنى الصادق أي إمام هو صادق في الإمامة ، ويجوز على جميع هذه التقادير أن يكون الصدق بمعنى الحقّ.
    جملة « له شيعة » إمّا معطوفة على خبر المبتدأ ، أو على جملة المبتدأ والخبر ، سواء قدّر ل‍ « إمام صدق » مبتدأ آخر أو كان مبتدؤه الأوّل.
    جملة المصراع الثاني صفة لشيعة ، وحذف النون من يرووا للضرورة ، كما في قوله :
وإذ يغصبوا النّاس أموالهم إذا مَلَكُوهُـــمْ ولَمْ يغصبُوا
    وقوله :
أبيت أسري وتبيتي تدْلُكــي وَجْهَك بالعنبر والمسكِ الذكي (1)
    ويجوز أن يكون الفعل مجزوماً بلام مقدّرة ، كما في قوله :
قلت لبوّاب لديه دارها تأذن فإنّي حمؤها وجارها (2)
    فإنّ الأصل « لتأذن » فحذفت اللام ونقلت كسرتها إلى حرف المضارعة. وقوله :
مُحمّدٌ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْس إذا ما خِفْتَ مِنْ شَيء تَبَالا (3)

1 ـ لسان العرب : 10 / 825 و شرح الرضي : 4 / 24 ، ولم يُنسب.
2 ـ وهو لأبي عمرو منظور بن مرثد الأسدي ، الصحاح : 1 / 45 « حمأ » وذكره ابن السّكيت في : ترتيب المنطق : 132.
3 ـ قال المبرّد : قائله مجهول ، ذكره في شرح شواهد المغني : 2 / 597 الشاهد 359 عن الخزانة : 3 / 629 ، وأمالي ابن الشجري : 1 / 338.


(552)
    وقوله :
فلا يستطل منّي بقائــي ومدّتي ولكن يكن للخير منك نصيب
    وكما قيل في قوله تعالى : ( قُلْ لِعَبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاة ) (1) إنّ التقدير « ليقيموا » وحينئذ أيضاً صفة على التأويل المعروف أي مقول في حقّهم ليرووا ، والأمر هنا للإباحة ، فيكون المعنى : يباح لهم أن يرووا من الحوض ، ومنه ظهر أنّه يجوز التأويل إلى الخبر من غير تقدير بأن يكون المعنى يباح لهم أن يرووا ، وللتأويل إلى الخبر جاز عطف « لم يمنعوا » وهي جملة خبرية ، عليه وللمنع متعلّق مقدّر ، أي لم يمنعوا منه.
    المعنى :
    إنّه ( عليه السَّلام ) إمام صادق في الإمامة أو إماميّته حقة ، أو إمام الصادقين أو المحقّين أو أهل الصّدق في الإيمان أو أهل الحقّ وله أتباع وأنصار يروون من الحوض ، أو يقال لهم ليرووا منه ، أو يباح لهم أن يرووا منه ، ولا يمنعون منه فلم يمنعوا بصورة الماضي ويراد به الاستقبال.
    المعاني :
    فيه مسائل :
    الأُولى : تنكير إمام صدق للتعظيم ، وكذا تنكير صدق إذا أُريد به أهل الصدق تقديراً أو عناية ، وكذا تنكير شيعة.
    الثانية : التعبير عن الحق بالصّدق للدلالة على الظهور فإنّ الصّدق في
1 ـ إبراهيم : 31.

(553)
الكلام ، فكأنّه قيل : إنّه نطق بذلك وصدق فيه.
    الثالثة : التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي لما مرّ في نظائره.
    البيان :
    إن أُريد ب‍ « الصدق » معنى الحق ، كان استعارة تشبيهاً لمطابقة غير الكلام للواقع بمطابقته له ، بناءً على تشبيه غير الكلام بالكلام في الظهور والإبانة.
    ثمّ إن أُريد به أهل الصدق كان مجازاً آخر ، وإن قدّر الأهل كان مجاز الحذف ، إن كان « يرووا » جملة إنشائية وأُريد بها معنى الإخبار ، من غير تقدير كان مجازاً في المركّب من قبيل إطلاق اسم الملزوم على اللازم.
    « لم يمنعوا » استعارة للاستقبال تشبيهاً له بالماضي في تحقّق الوقوع.


(554)
بِذاكَ جاءَ الوحيُ من رَبِّنا يا شيعةَ الحــقِّ فلا تَجْزَعُوا
    اللغة :
    « الباء » للتعدية ، أو بمعنى « في » أو للسببية.
    « ذاك » إشارة إمّا إلى المصراع الذي قبله ، أو إلى ما ذكره من أحوال الشيعة وإمامهم وأضدادهم. « الكاف » فيه حرف خطاب لا محلّ له من الإعراب.
    « جاء » يجيئ جيئاً وَجَيْئَةً ومجيئاً : أتى. قال الرّاغب : لكن المجيئ أعمّ ـ يعني من وجه ـ لأنّ الإتيان مجيئٌٌ بسهولة والإتيانُ قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول ، والمجيئ يقال اعتباراً بالحصول ـ قال : ـ ويقال : جاء في الأعيان والمعاني ولما يكون مجيئه بذاته وبأمره ولمن قصد مكاناً أو عملاً أو زماناً ، قال اللّه تعالى : ( وَجاءَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ) (1) ( وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْل بِالْبَيِّناتِ ) (2) و ( وَلَمّا جاءتْ رُسُلُنا لوطاً سيءَ بِهِمْ ) (3) ( فَإِذا جاءَ الخوف ) (4)
1 ـ يس : 20.
2 ـ غافر : 34.
3 ـ العنكبوت : 33.
4 ـ الأحزاب : 19.


(555)
وقال تعالى : ( إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ ) (1) ( بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي ) (2) ( فَقَدْجاءُوا ظُلْماً وَزُوراً ) (3) أي قصدوا الكلام وتعمّدوه ، فاستُعمل فيه المجيئ كما استُعمل فيه القصد ـ وأصل العمد هو القصد ـ ( إِذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) (4) ( وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ) (5) فهذا بالأمر لا بالذات وهو قول ابن عباس. (6) انتهى.
    أقول : وهذه كلّها مجازات المعنى الأوّل.
    « الألف واللام » للجنس أو للعهد إن كان المراد بالوحي القرآن. قال الراغب : أصل الوحي : الإشارة السريعة ولتضمّن السّرعة قيل : أمرٌ وحيٌ ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض ، وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب ، وبإشارة ببعض الجوارح ، وبالكتابة ، وقد حُمِلَ على ذلك قوله تعالى عن زكريا ( عليه السَّلام ) : ( فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) (7) فقد قيل : رَمَزَ ، وقيل : اعتبارٌ ، وقيل : كَتَبَ.
    ثمّ قال : ويقال للكلمة الإلهيّة التي تُلقَى إلى أنبيائه وأوليائه : « وحيٌ » وذلك أضرُبٌ حسب ما دلّ عليه قوله : ( وَما كانَ لِبَشَر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّه إِلاّ وَحياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحي بِإِذْنِهِ مايَشاء ). (8) وذلك إمّا برسول مُشاهد تُرى ذاتهُ ويُسمَعُ كلامهُ كتبليغ جبرئيل عليه السَّلام للنبيّ في صورة معيّنة.
1 ـ يونس : 49.
2 ـ الزمر : 59.
3 ـ الفرقان : 4.
4 ـ الأحزاب : 10.
5 ـ الفجر : 22.
6 ـ مفردات الراغب : 103 ـ 104.
7 ـ مريم : 11.
8 ـ الشورى : 51.
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس