الملل والنحل جلد الثاني ::: 81 ـ 90
(81)
    حدوثها ممّن ليس بقادر حي ، لم ندر لعل سائر ما يظهر من الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى ، فلماّ استحال ذلك ، دلّت الصنائع على أنّ الله حي. (1)
    كان الأليق التفكيك بين الحياة والقدرة ، وتقديم البحث في القدرة على البحث في الحياة ، لأنّه إذا ثبت كونه قادراً ـ و قد أثبت فعله كونه عالماً ـ ثبت كونه حياً بلا حاجة إلى الاستدلال الجديد ، لأنّ الحيّ عبارة عن العالم القادر ، أو الدرّاك الفعال. فمن كان عالماً قادراً فهو حيّ قطعاً.
ج. الله سبحانه سميع بصير
    قال الأشعري : إنّ الحي إذا لم يكن موصوفاً بآفة تمنعه من إدراك المسموعات والمبصرات إذا وجدت ، فهو سميع بصير ، والله تعالى منزّه عن الآفة من الصمم والعمى ، إذ كانت الآفة تدّل على حدوث من جارت عليه. (2)
    يلاحظ عليه : أنّ الأبصار تتعلّق بالأضواء والألوان. والسمع يتعلّق بالأصوات والكلمات ، فلو كان إبصاره سبحانه للمبصرات ، وسماعه للمسموعات بالإدراك الحسي المادي ، نظير الإنسان والحيوان ، لاحتاج في تحقّقهما إلى الآلة. وعند ذاك يأتي ما ورد في كلام الشيخ من مسألة الصحّة والتنزّه عن الآفة ، نظير الصمم والعمى ، وأنّ الآفة آية الحدوث.
    وأمّا لو كان توصيفه بهذين الوصفين بالمعنى اللائق بساحته ، فحقيقة كونه سميعاً بصيراً ترجع إلى حضور المسموعات والمبصرات لديه ، وعدم غيابهماعنه سبحانه ولا يختص الحضور بهما ، بل الموجودات على الإطلاق بهوياتها الخارجية حاضرة لديه ، لأنّها قائمة به سبحانه ، قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي ، فهي حاضرة لديه ، غير غائبة عنه ، من غير فرق بين المبصر والمسموع وغيرهما ، وتخصيصهما بالذكر لكون الحس المتعلّق بهما في الإنسان
1 ـ اللمع : 25.
2 ـ اللمع : 25.


(82)
    أشرف من غيره ، فاقتصر عليهما ، وإلاّ فالله سبحانه أجل من أن يسمع ويرى بالآلة ، ويباشر بذاته الأضواء والأصوات.
    وباختصار : إنّ واقع الإبصار والسماع ليس إلاّ حضور المبصرات والمسموعات لدى البصير والسميع.
    وأمّا الآلة وأعمالها والتأثر من الخارج فمقدّمات إعدادية.
    فلو تحقّق في مورده الحضور ، بلا حاجة إلى تلك المقدمات لكان أحقّ بكونه سميعاً وبصيراً.
    ونضيف في الختام أنّه لم يعلم كنه قوله : « الآفة تدلّ على حدوث من جارت عليه » فإنّ كون المدرك ( بالكسر ) مادياً آية الحدوث لكونه ممكناً ، والممكن حاجته إلى الواجب أزلية ، وأمّا الصحّة والآفة ، فالكلّ بالنسبة إلى القدم والحدوث سواسية فلا الصحة آية القدم ، ولا الآفة آية الحدوث.
    بل كون الشيء ( الإدراك ) مادياً آية الحدوث للتلازم بين المادية والحدوث.


(83)
(7)
صفاته قديمة لا حادثة

    إنّ الحي إذا لم يكن عالماً كان موصوفاً بضدّالعلم ، أي الجهل. ولو كان موصوفاً به لاستحال أن يعلم ، لأنّ ضدّ العلم لو كان قديماً لاستحال أن يبطل ، وإذا استحال أن يبطل لم يجز أن يصنع المصانع الحكيمة ، فلما صنعها دلّت على أنّه عالم ، وصحّ أنّه لم يزل عالماً. (1)
    يلاحظ عليه :
    أوّلاً : أنّ الحدوث والقدم من أوصاف الأُمور الوجودية ، وضد العلم ليس إلاّ أمراً عدمياً ومثله لا يوصف لا بالحدوث ولا بالقدم ، فلا يصحّ قوله : « لأنّ ضد العلم لو كان قديماً لاستحال أن يبطل ».
    وثانياً : أنّ كلّ موجود إمكاني مسبوق بعدم قديم ، فلو كان قدم العدم مانعاً عن الانقلاب إلى الوجود ، تلزم استحالة أن يبطل كلّ عدم وينقلب إلى الوجود.
    وكان له الاستدلال بشكل آخر : إنّ اتصافه بالعلم بعد ما كان جاهلاً ، أو بالقدرة بعد ما كان عاجزاً ، يستلزم كون ذاته محلاً للحوادث ، وهو يلازم التغيير والانفعال في ذاته ، وهو آية الحدوث ، والواجب منزّه عن ذلك كلّه.
    كما كان له الاستدلال بشكل ثان وهو : لو كان الذات الإلهية فاقدة
1 ـ اللمع : 25 ـ 26.

(84)
    لهذه الصفات منذ الأزل ، لاستلزم ذلك كون صفاته « ممكنة » و « حادثة » وحيث إنّ كلّ ممكن مرتبط بعلّة ، ومحتاج إلى محدث ، لزم أن نقف على محدثها ، فهل وردت من قبل نفسها ، أو من قبل الله سبحانه ، أو من جانب علة أُخرى؟ وكلّها باطلة.
    أمّا الأوّل : فلا يحتاج إلى مزيد بيان ، إذ لا يعقل أن يكون الشيء علة لنفسه.
    وأمّا الثاني : فكسابقه ، فإنّ فاقد الكمال « العلم والقدرة » لا يعطيه.
    أضف إليهـ أنّه يلزم الخلف أي قدم الصفات. لأنّ المفروض أنّ العلة هي الذات وهي قديمة فيلزم قدم معلولها. وأمّا الثالث فكسابقيه أيضاً إذ ليس هنا عامل خارجي يكون مؤثراً في عروض صفاته على ذاته سبحانه ـ مضافاً إلى أنّه يستلزم افتقار الواجب إليه.
    إلى غير ذلك من البراهين المشرقة التي جاءت في الكتب الكلامية والفلسفية; وكأنّ الشيخ أبا الحسن ـ إبّان الانفصال عن المعتزلة وخلع الاعتزال عن نفسه كخلع القميص ـ شقّ عليه الأخذ من علومهم وأفكارهم ، وأراد الاعتماد على ما توحيه إليه نفسه ، فجاء بالبرهان الذي ترى وزنه وقيمته.


(85)
(8)
صفاته زائدة على ذاته

    إنّ كيفية إجراء صفاته سبحانه على ذاته ، أوجد هوة سحيقة بين كلامي المعتزلة والأشاعرة ، فمشايخ الاعتزال ـ لأجل حفظ التوحيد ، و رفض تعدّد القديم ، والتنزّه عن التشبيهـ ذهبوا إلى أنّ ملاك إجراء هذه الصفات هو الذات ، وليست هنا أيّة واقعية للصفات سوى ذاته.
    وقد استعرض القاضي عبد الجبار المعتزلي آراء مشايخه في شرح الأُصول الخمسة (1)و قال :
    قال شيخنا أبو علي : إنّه تعالى يستحقّ هذه الصفات الأربع : ( القدرة ، العلم ، الحياة ، الوجود ) لذاته.
    وقال شيخنا أبو هاشم : يستحقّ هذه الصفات لما هو عليه في ذاته.
    ومفاد كلام الشيخين : أنّ الله سبحانه عالم ، قادر حي ، بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة.
    وهؤلاء هم المعروفون بنفاة الصفات ، لحفظ التوحيد ورفض تعدّد القدماء ، وهم يعنون بقولهم : ( لذاته ) أنّ ذاته سبحانه ـ ببساطتها ووحدتها ـ نائبة عن الصفات ، وتعبير أبي هاشم في إفادة ما يرومانه أدق من عبارة أبي علي ، وقد اشتهر هذا القول عند المتأخرين من المتكلّمين بالقول بالنيابة ،
1 ـ شرح الأُصول الخمسة : 182.

(86)
    ونسبه أبو الحسن الأشعري في « مقالات الإسلاميين » إلى كثير من المعتزلة والخوارج ، وكثير من المرجئة وبعض الزيدية وقال : هؤلاء يقولون : إنّ الله عالم ، قادر ، حي ، بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة. (1)
    وعندئذ تكون الذات نائبة عن الصفات والآثار المترقبة من الصفات ، مترتبة على الذات ، وإن لم تكن الصفات موجودة فيها مثلاً : خاصية العلم اتقان الفعل ، وهي تترتب على نفس ذاته ، بلا وجود وصف العلم فيه ، و قد اشتهر عندهم « خذ بالغايات واترك المبادئ » و إنّما ذهبوا إلى هذا القول لأجل أمرين تاليين :
    من جانب اتفقت الشرائع السماوية على أنّه سبحانه عالم حي قادر ، و يدلّ على ذلك إتقان أفعاله. و من جانب آخر : واقعية الوصف لا تنفك عن القيام بالغير ، فلو لم تكن قائمة به لم تصدق عليه الصفة. فعند ذلك يدور الأمر بين أحد الأُمور الأربعة :
    1. نفي العلم مثلاً عن ساحته سبحانه على الإطلاق. وهذا تكذّبه آثار فعله سبحانه ، مضافاً إلى اتّفاق الشرائع السماوية على عدّه من صفاته الذاتية.
    2. القول بأنّ علمه زائد ، ومثله سائر صفاته ، وهذا يستلزم تعدّد القدماء.
    3. كون صفاته عين ذاته وهي متحدة معها ، وهذا لا يجتمع مع واقعية الوصف ، لأنّ واقعيته هو القيام بالغير ، ولولاه لما صدق عليه الوصف. فعندئذ يتبيّن القول التالي :
    4. نيابة الذات مناب الصفات وإن لم تكن الذات موصوفة بنفس الصفات.
    وهذا القول هو المشهور بين المعتزلة ، وإليه يشير الحكيم السبزواري في منظومته :
1 ـ مقالات الإسلاميين : 1/224.

(87)
والأشعرية بازدياد قائلة وقال بالنيابة المعتزلة
    وممّن اختار هذا القول من المعتزلة وذبَّ عنه بصراحة ، هو عبّاد بن سليمان المعتزلي (1)قال :
    هو عالم ، قادر ، حي ، ولا أثبت له علماً ولا قدرة ، ولا حياة ، ولا أثبت سمعاً ولا أثبت بصراً. وأقول : هو عالم لا بعلم ، وقادر لا بقدرة وحي لا بحياة ، وسميع لا بسمع ، وكذلك سائرما يسمّى به من الأسماء التي يسمّى بها. (2)

رأي أبي الهذيل العلاّف المعتزلي (3)
    يعترف أبو الهذيل ـ على خلاف ما يروى عن أبي علي وأبي هاشم الجبائيين ـ بأنّ لله سبحانه علماً وقدرة وحياة حقيقة ، ولكنّها نفس ذاته; وإليك نصّ عبارته : هو عالم بعلم هوهو ، هو قادر بقدرة هي هو ، هوحي بحياة هي هو ـ إلى أن قال ـ : إذا قلت : إن الله عالم أثبتَّ له علماً هو الله ، ونفيت عن الله جهلاً ، ودللت على معلوم ، كان أو يكون ، وإذا قلت : قادر ، نفيت عن الله عجزاً ، وأثبتّ له قدرة هي الله سبحانه ودللت على مقدور. وإذا قلت : الله حي ، أثبتّ له حياة وهي الله ، ونفيت عن الله موتاً. (4)
    والفرق بين الرأيين جوهري جداً ، فالرأي الأوّل يركز على أنّ الله عالم ، قادر حي ، بنفسه ، لا بعلم ولا قدرة ولا حياة. وعلى حد تعبير أبي هاشم أنّ الله يستحقها لما هو عليه في ذاته.
1 ـ من أئمة الاعتزال في القرن الثالث ، ودارت بينه و بين أبي كلاب ( المتوفّى بعد عام 340هـ ) مناظرات ، لاحظ الانتصار لأبي الحسين الخياط : 61.
2 ـ مقالات الإسلاميين : 1/225.
3 ـ . محمد بن هذيل المعروف بالعلاّف ، كان شيخ البصريين في الاعتزال ، ولد عام 130هـ وتوفّ ـ ي في سامراء235هـ . لاحظ وفيات الأعيان : 4/265 برقم 606.
4 ـ شرح الأُصول الخمسة : 183; مقالات الإسلاميين : 25.


(88)
    فهؤلاء يستحقون أن يسموا بنفاة الصفات ونيابة الذات عنها ، وهذا بخلاف رأي أبي الهذيل فهو يركز على كونه سبحانه موصوفاً بهذه الصفات وعالماً بعلم وقادراً بقدرة ، ولكنّها تتحد مع الذات في مقام الوجود والعينية.
    ولأجل التفاوت البارز بين الرأيين أراد القاضي عبد الجبار المعتزلي إرجاع مقالة العلاف إلى ما يفهم من عبارة أبي علي و ابنه أبي هاشم وقال : قال أبو هذيل : إنّه تعالى عالم بعلم هوهو ، وأراد به ما ذكره الشيخ أبو علي ، إلاّ أنّه لم تتلخص له العبارة ، ألا ترى أنّ من يقول : إنّ الله عالم بعلم ، لا يقول إنّ ذلك العلم هو ذاته تعالى.
    ولكن الحقّ في باب الصفات هو ما ذهب إليه أبو الهذيل ، وعليه مشايخنا الإمامية ، أخذاً بالبراهين المشرقة في هذا المجال ، واقتداءً بما ورد عن أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين ، وسيوافيك عند استعراض عقائد المعتزلة أنّ أُصولهم مأخوذة من خطب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، وهو إمام علم التوحيد ، تُعرف آراؤه العالية من خطبه وكلماته في نهج البلاغة ، ونأتي منها بما يمس المقام :
    1. « وكمال توحيده الإخلاص له ... » الخطبة الأُولى ، ص 8 ، ط مصر ، أي تخليصه من كلّ جزء وتركيب.
    2. وقال ( عليه السَّلام ) : « لا تناله التجزئة والتبعيض » الخطبة 81 ، ط مصر ، ج1 ، ص 146.
    3. وقال ( عليه السَّلام ) : « ولا يجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه ، إذاً لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه » الخطبة 181ط مصر ج2 ص 144.
    4. وقال ( عليه السَّلام ) : « ولا يوصف بشيء من الأجزاء ، ولا بالجوارح والأعضاء ، ولا بعرض من الأعراض ، ولا بالغيرية والإبعاض » الخطبة 181. إلى غير ذلك من الكلمات التي لا مناص معها عن القول باتحاد الصفات مع الذات.
    يرى الغزالي والشهرستاني أنّ المعتزلة تبعوا الفلسفة اليونانية في وحدة


(89)
    صفاته مع ذاته فقالوا : إنّ الله عالم بذاته ، قادر بذاته ، حي بذاته ، لا بعلم وقدرة وحياة هي صفات قديمة ومعان قائمة به ، لأنّه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخصّ الوصف لشاركته في الإلهية. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ المعتزلة تبعوا في ذلك إمام علم الكلام ومؤسسه عليّ بن أبي طالب عليمها السَّلام ، فهو رائد الموحدين وسيدهم ، فقد استدلّ في خطبته على وحدة صفاته مع الذات بشكل رائع. (2)
وهن نظرية النيابة
    إنّ الشيخين ( أبا علي وأبا هاشم الجبائيين ) لو تأمّلا في واقعية الصفات الكمالية وأنّها من شؤون الوجود لما أكّدا ولا أصرّا على أنّ واقعية الصفة مطلقاً هي القيام بالغير ، لأنّه لا يمكن أن تكون الصفة عين الذات ، وذلك لأنّ كلّ الكمالات من شؤون الوجود و ترجع حقائقها إليه ، والوجود أمر مقول بالتشكيك ، فله العرض العريض ، فكما أنّ من الوجود ممكناً وواجباً وجوهراً وعرضاً ، فهكذا إنّ مرتبة من العلم كيف نفساني قائم بالغير ، ومرتبة أُخرى منه واجب قائم بنفسه ، ومثله القدرة والحياة ، والتفصيل يطلب من محلّه.
تحليل نظرية الزيادة
    قد تعرّفت على نظرية الشيخين من أئمّة الاعتزال ، كما تعرّفت على نظرية أبي الهذيل ، وقد حان الآن وقت دراسة نظرية شيخ الأشاعرة ، وهو يخالف كلتا النظريتين ـ النيابة والوحدة ـ و يقول بوجود صفات كمالية زائدة على ذاته مفهوماً و مصداقاً ، فلا تعدو صفاته صفات المخلوق إلاّ في القدم والحدوث. ولأجل ذلك يهاجم النظريتين في « الإبانة » و « اللمع » فيقول في رد النظرية الأُولى ( النيابة ) :
    إنّ الزنادقة قالوا : إنّ الله ليس بعالم ، ولا قادر ، ولا حي ، ولا
1 ـ الملل والنحل للشهرستاني : 1/51.
2 ـ لاحظ نهج البلاغة : الخطبة الأُولى ، وقد عرفت بعض كلامه في المقام.


(90)
    سميع ، ولا بصير. وقول من قال من المعتزلة : إنّ لا علم لله ولا قدرة له ، معناه : إنّه ليس بعالم ولا قادر. والتفاوت في الصراحة والكناية ، فنفي المبادئ حقيقة ، يلازم نفي صفاته الثبوتية التي أجمع المسلمون على توصيفه سبحانه بها.
    وأمّا الثانية ، فردّ عليها بقوله : كيف يمكن أن يقال : إنّ علم الله هو الله. وإلاّ يلزم أن يصحّ أن نقول : يا علم الله اغفر لي وارحمني. (1)
    يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ القول بزيادة الصفات ليس من مبتكرات الأشعري ، بل تبع هو في ذلك« الكلابية » والتفاوت بينهما بالكناية والتصريح ، قال القاضي عبد الجبار :
    عند الكلابية أنّه تعالى يستحقّ هذه الصفات لمعان أزلية ، وأراد بالأزلي : القديم ، إلاّ أنّه لما رأى المسلمين متفقين على أنّه لا قديم مع الله تعالى ، لم يتجاسر على إطلاق القول بذلك. ثمّ نبغ الأشعري ، وأطلق القول بأنّه تعالى يستحقّ هذه الصفات لمعان قديمة. (2)
    ثانياً : ما ناقش به النظرية الأُولى غير كاف فيما ادّعاهـ أعني : رجوع قولهم إلى نفي كونه سبحانه عالماً ـ لأنّ نفي المبادئ ـ أعني : العلم والقدرة ـ إنّما يستلزم نفي كونه عالماً وقادراً إذا لم تقم الذات مقام الصفات في الأثر والغاية. فلقائل أن يقول : إنّ ما يطلب من العلم والقدرة من إتقان الفعل والقدرة عليه ، فالذات بنفسها كافية في تأمين الغاية المطلوبة منها. فإنّ ذاته سبحانه من الكمال على حد ، تقوم بنفسها لتأمين كلّ ما يطلب من الصفات ، فلا حاجة إليها.
    وأضعف منه ما ناقش به النظرية الثانية من أنّ القول بتوحيد صفاته مع ذاته يستلزم جواز أن نقول : يا علم الله اغفر لي ، وذلك لأنّ القائل بالوحدة
1 ـ الإبانة : 108.
2 ـ الأُصول الخمسة : 183.
النمل و النحل جلد الثانى ::: فهرس