الملل والنحل جلد الثاني ::: 291 ـ 300
(291)
1. وجوب المعرفة
    اتّفق المتكلّمون ـ ما عدا الأشاعرة ـ على لزوم معرفة الله سبحانه لزوماً عقلياً ، بمعنى أنّ العقل يحكم بحسن المعرفة وقبح تركها ، لما في المعرفة من أداء شكر المنعم ، وهو حسن. وفي تركها الوقوع في الضرر المحتمل. هذا إذا قلنا باستقلال العقل في ذلك المجال ، ولولاه لما ثبت وجوب المعرفة لا عقلاً ـ لأنّه حسب الفرض معزول عن الحكم ـ ولا شرعاً ، لأنّه لم يثبت الشرع بعد. 2. لزوم النظر في برهان النبوة
    لا شكّ أنّ الأنبياء الحقيقيين بعثوا بمعاجز وبيّنات ، فإذا ادّعى أحدهم السفارة من الله إلى الناس ، فهل يجب على الناس النظر في دعواه وبرهانه؟ فعلى استقلال العقل في مجال التحسين والتقبيح يجب النظر والإصغاء دفعاً للضرر المحتمل. وأمّا على القول بعدمه فلا يجب ذلك لا عقلاً ولا شرعاً ، كما عرفت في سابقه. ونتيجة ذلك إنّ التارك للنظر معذور ، لأنّه لم يطّلع على حقيقة الأمر. 3. العلم بصدق دعوى النبوة
    إذا اقترنت دعوة المتنبي بالمعاجز والبيّنات الواضحة ، فلو قلنا باستقلال العقل في مجال الحسن والقبح ، حكمنا بصدقه ، لقبح إعطاء البيّنات للمدّعي الكذّاب ، لما فيه من إضلال الناس. وأمّا إذا عزلنا العقل عن الحكم في المقام ، فلا دليل على كونه نبيّاً صادقاً ، والشرع بعد لم يثبت حتى يحكم بصدقه. 4. قبح العقاب بلا بيان
    اتّفق الأُصوليون على قبح العقاب بلا بيان ، وعليه بنوا أصالة البراءة في الشبهات غير المقترنة بالعلم الإجمالي. وهذا يتم بالقول بالتحسين والتقبيح العقليين. نعم هذا إنّما يفيد إذا لم تثبت البراءة من الشرع ، بواسطة الكتاب والسنّة ، والمفروض أنّ البحث فيها بعد ثبوت الشرع.


(292)
5. الخاتمية
    إنّ استقلال العقل بالتحسين والتقبيح ، بالمعنى الذي عرفت من الملاءمة للفطرة العلوية أو المنافرة لها ، أساس الخاتمية ، وبقاء أحكام الإسلام وخلودها إلى يوم القيامة. فإنّ الحكم بالحسن والقبح ـ على ما عرفت ـ ليس إلاّكون الشيء موافقاً للفطرة العلوية أو منافراً لها. وبما أنّ الفطرة مشتركة بين جميع الأفراد ، فيصبح ما تستحسنه الفطرة أو تستقبحه خالداً إلى يوم القيامة.ولأجل ذلك لا يتطرق التبدل والتغيّر إلى أحكامه وإن تبدّلت الحضارات وتطورت المدنيات ، فإنّ تبدلها لا يمس فطرة الإنسان ولا يغير جبلّته. 6. لزوم بعث الأنبياء
    إنّ مسألة لزوم إرسال الرسل تبتني على تلك المسألة ، فالعقل يدرك بأنّ الإنسان لم يخلق سدى ، بل خلق لغاية ، ولا يصل إليها إلاّ بالهداية التشريعية الإلهية. فيستقل بلزوم بعث الدعاة من الله لهداية البشر دفعاً للّغو. 7. ثبات الأخلاق أو تطورها
    إنّ مسألة ثبات الأخلاق في جميع العصور والحضارات أو تبدّلها تبعاً لاختلافها ، ممّا طرحت مؤخراً عند الغربيين ، ودارت حولها مناقشات وأبديت فيها الآراء. فمن قائل بثبات أُصولها ، ومن قائل بتبدّلها وتغيّرها حسب الأنظمة والحضارات. ولكن المسألة لا تنحل إلاّ في ضوء التحسين والتقبيح العقليين ، الناشئين من قضاء الجبلة الإنسانية العالية ، فعند ذلك تتسم أُصول الأخلاق بسمة الثبات والخلود ، في ضوء ثبات الفطرة ، وأمّا ما يتغير بتغير الحضارات ، فإنّما هو العادات والتقاليد العرفية.
    خذ على ذلك مثلاً« إكرام المحسن » فإنّه أمر يستحسنه العقل ويضفي عليه سمة الخلود ، وليس هذا الحكم متغيراً أبداً ، وإنّما المتغير وسائل الإكرام وكيفياته ، فإذاً الأُصول ثابتة ، والعادات والتقاليد متغيّرة ، وليست الأخيرة إلاّ ثوباً للأُصول.


(293)
8. عادل لا يجور
    إنّ مقتضى التحسين والتقبيح العقليين ـ على ما عرفت ـ هو أنّ العقل ـ بما هوهو ـ يدرك أنّ هذا الشيء ـ بما هوهو ـ حسن أو قبيح ، وأنّ أحد هذين الوصفين ثابت للشيء ـ بما هوهو ـ من دون دخالة ظرف من الظروف أو قيد من القيود ، ومن دون دخالة درك مدرك خاص ، بل الشيء يتمتع بأحد الوصفين بما هوهو.
    وعلى ذلك فالعقل في تحسينه وتقبيحه يدرك واقعية عامة ، متساوية بالنسبة إلى جميع المدركين والفاعلين ، من غير فرق بين الممكن والواجب. فالعدل حسن ويمدح فاعله عند الجميع ، والظلم قبيح ويذم فاعله عند الجميع ، وعلى هذا الأساس فالله سبحانه ، المدرك للفعل ووصفهـ أعني : استحقاق الفاعل للمدح أو الذم من غير خصوصية للفاعل ـ كيف يقوم بفعل يحكم هو نفسه بأنّ فاعله مستحق للذم ، أو يقوم بفعل يحكم هو بأنّه يجب التنزّه عنه؟
    وعلى ذلك فهو سبحانه عادل ، لأنّ الظلم قبيح والعدل حسن ، ولا يصدر القبيح من الحكيم. فالاتّصاف بالعدل من شؤون كونه حكيماً منزّهاً عمّا لا ينبغي له.
    وإن شئت قلت : إنّ الإنسان يدرك أنّ القيام بالعدل كمال مطلق لكلّ أحد ، وارتكاب الظلم نقص لكلّ أحد. وهو كذلك ـ حسب إدراك العقل ـ عنده سبحانه. ومعه : كيف يمكن أن يرتكب الواجب تعالى خلاف الكمال ويقوم بما يجرّ النقص إليه؟
دفع إشكال
    ربما يقال إنّ كون الشيء حسناً عند الإنسان أو قبيحاً عنده ، لا يدل على كونه كذلك عند الله سبحانه. فكيف يمكن استكشاف أنّه لا يترك الواجب ولا يرتكب القبيح؟


(294)
    والإجابة عنه واضحة ، لأنّ مغزى القاعدة السالفة هو أنّ الإنسان يدرك حسن العدل وقبح الظلم من كلّ مدرك شاعر ، ولكلّ عاقل حكيم ، من غير فرق بين الظروف و الفواعل. وهذا نظير درك الزوجية للأربعة ، فالعقل يدرك كونها زوجاً عند الجميع ، لا عند خصوص الممكن. فليس المقام من باب إسراء حكم الإنسان الممكن إلى الواجب تعالى. بل المقام من قبيل استكشاف قاعدة عامة ضرورية بديهية عند جميع المدركين ، من غير فرق بين خالقهم ومخلوقهم. ولا يختص هذا الأمر بهذه القاعدة ، بل جميع القواعد العامة في الحكمة النظرية كذلك.
    وعلى هذا يثبت تنزّهه سبحانه عن كلّ قبيح ، واتّصافه بكلّ كمال في مقام الفعل ، فيثبت كونه تعالى حكيماً عادلاً لا يرتكب اللغو وما يجب التنزّه عنه ، كما لا يرتكب الجور والعدوان.

مكانة العدل في العقائد الإسلامية
    إنّ هذا البحث الضافي حول التحسين والتقبيح العقليين ، وما يترتب عليهما من الآثار ، التي عرفت بعضها ، يوقفنا على مكانة العدل في العقائد الإسلامية ، إذ الاعتقاد بالعدل من شعب الاعتقاد بالتحسين والتقبيح العقليين ، وقد عرفت أنّه لولا القول به لارتفع الوثوق بوعده ووعيده ، وامتنع حصول الوثوق بمعاجز مدعي النبوة ، وعزل العقل في درك التحسين والتقبيح في الأفعال يستلزم انخرام كثير من العقائد الإسلامية ، ولأجل هذه الأهمية والمنزلة تضافرت الآيات والروايات مركزة على قيامه سبحانه بالقسط.
    العدل في الذكر الحكيم
    قال سبحانه : شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قائِماً بِالقِسْطِ. (1)
    وكما شهد على ذاته بالقيام بالقسط ، عرّف الغاية من بعثة الأنبياء بإقامة القسط بين الناس.
    قال سبحانه : لَقَدْأَرْسَلْنا رُسُلنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاس بِالقِسْطِ . (2)
    كما صرح بأنّ القسط هو الحجر الأساس في محاسبة العباد يوم القيامة ، إذ يقول سبحانه : وَنَضَعُ الْمَوازينَ القِسْط لِيَوم القِيامَة فَلا تُظْلَمُ نَفسٌ شَيْئاً (3). إلى غير ذلك من الآياتالواردة حول العدل والقسط.
    وهذه الآيات إرشادات إلى ما يدركه العقل من صميم ذاته ، بأنّ العدل كمال لكلّ موجود
1 ـ آل عمران : 18.
2 ـ الحديد : 25.
3 ـ الأنبياء : 47.


(295)
    حي ، مدرك مختار ، وأنّه يجب أن يوصف الله به في أفعاله في الدنيا والآخرة ، وأنّه يجب أن يقوم سفراؤه به.
العدل في التشريع الإسلامي
    وهذه المكانة التي يحتلها العدل هي التي جعلته سبحانه يعرف أحكامه ويصف تشريعاته بالعدل. وأنّه لا يشرع إلاّما كان مطابقاً له.
    يقول سبحانه : وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُون . (1)
    فالجزء الأوّل من الآية ناظر إلى عدله سبحانه بين العباد في تشريع الأحكام ، كما أنّ الجزء الثاني ناظر إلى عدالته يوم الجزاء في مكافأته ، وعلى كلّ تقدير فإنّ شعار الذكر الحكيم هو : وَما ظَلَمهُمُ الله وَلكِن كانُوا أَنفُسَهُم يَظْلِمُون. (2)
1 ـ المؤمنون : 62.
2 ـ النحل : 33.


(296)
    وهذا يكشف عن عدالته في التشريع والجزاء ، كما يكشف عن تعلّق إرادته بإقامة العدل ورعاية القسط. (1)
    ويتفرع على هذا الأصل مسألة نفي الجبر عن أفعال البشر ، وبما أنّ تحقيق هذه المسألة يحتاج إلى إسهاب في أدلّة الطرفين نرجئ البحث عنها إلى وقت تبيين عقائد المعتزلة.
1 ـ إنّ توصيفه سبحانه بالعدل ربما يثير أسئلة حول عدله ، وقد أخذتها الملاحدة ذريعة للتشكيك :
1. إذا كان عادلاً فما معنى المصائب والبلايا التي تحل بالإنسان في حياته؟
2 ـ ما هذا الاختلاف في المواهب والقابليات لدى الأفراد؟
3 ـ ما هي الحكمة في خلق العاهات الجسمية أو العقلية؟
4 ـ ما هي الحكمة في الفقر والشقاء والجوع التي تعاني منها مجموعات كبيرة من البشر؟ إلى غير ذلك ممّا يشابه هذه الأسئلة. وقد أجبنا عنها في كتاب « الله خالق الكون » فلاحظ : ص 97 ـ 99 و ص 269 ، 281.


(297)
خاتمة المطاف
    نذكر فيها أمرين هامّين :
    الأوّل : الإيعاز إلى المنافسة المستمرة بين الحنابلة والأشاعرة.
    الثاني : ترجمة عدة من شخصيات الأشاعرة البارزة ، الذين نضج بهم المذهب وكملت بهم أركانه ، وإليك البيان :

المنافسة والمنافرة بين الحنابلة والأشاعرة
    إنّ المنافرة بين الطائفتين كانت قائمة على قدم وساق منذ ظهور مذهب الإمام الأشعري بين أهل السنّة واستقطب مجموعة كبيرة من العلماء ، واشتهر مذهباً خاصاً بين أهل السنّة ، ولكن الحنابلة منذ أن تاب الأشعري عن الاعتزال وادّعى أنّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، لم يقبلوا منه [ذلك].
    وقد عرفت كلمة البربهاري عندما ذكر له الشيخ ، ما نقلناه عنه سابقاً. (1)
    وقد تجلّت تلك المنافسة عبر الزمان بصور مختلفة من مرحلة ضعيفة إلى مرحلة قوية أدت إلى الضرب و الشتم وحبس مشايخ الأشاعرة ونفيهم من أوطانهم ، ولأجل إيقاف القارئ على هذه المنافرة نأتي ببعض ما يدلّ على ذلك :
1 ـ لاحظ ص 30 من هذا الكتاب.

(298)
1.ترجمة الشيخ في كتب الذهبي
    إنّ الشيخ الذهبي لم يقم بترجمة الشيخ على وجه يتلقّاه الأشاعرة بالقبول ، بل اشتمل كلامه على لذع ولدغ ، وفي هذا يقول السبكي :
    وأنت إذا نظرت في ترجمة هذا الشيخ الذي هو شيخ السنّة وإمام الطائفة في تاريخ شيخنا الذهبي ، ورأيت كيف مزّقها وحار كيف يضع من قدره ، ولم يمكنه البوح بالغض منه خوفاً من سيف أهل الحق ، ولا الصبر عن السكون لما جبلت عليه طويته من بغضه ، بحيث اختصر ما شاء الله أن يختصر في مدحه ، ثمّ قال في آخر الترجمة : « من أراد أن يتبحّر في معرفة الأشعري فعليه بكتاب « تبيين كذب المفتري » لأبي القاسم ابن عساكر. توفنا على السنّة ، وأدخلنا الجنة ، واجعل أنفسنا مطمئنة ، نحب فيها أولياءك ، ونبغض فيها أعداءك ، ونستغفر للعصاة من عبادك ، ونعمل بمحكم كتابك ، ونؤمن بمتشابهه ونصفك بما وصفت به نفسك ».
    فعند ذلك تقضي العجب من هذا الذهبي ، وتعلم إلى ماذا يشير المسكين؟!فويحه ، ثم ويحه!إنّ الذهبي أُستاذي ، وبه تخرّجت في علم الحديث ، إلاّ أنّ الحقّ أحقّ أن يتبع ويجب عليَّ تبيين الحقّ فأقول :
    أمّا حوالتك على « تبيين كذب المفتري » وتقصيرك في مدح الشيخ ، فكيف يسعك ذلك مع كونك لم تترجم مجسماً يشبّه الله بخلقه إلاّ واستوفيت ترجمته؟! حتى إنّ كتابك مشتمل على ذكر جماعة من أصاغر المتأخرين من الحنابلة ، الذين لا يؤبه إليهم ، وقد ترجمت كلّ واحد منهم بأوراق عديدة ، فهل عجزت أن تؤتي ترجمة هذا الشيخ حقّها وتترجمه كما ترجمت من هو دونه بألف ألف طبقة. فأي غرض وهوى نفس أبلغ من هذا؟! وأقسم بالله يميناً برّة ما بك إلاّ أنّك لا تحب شياع اسمه بالخير ، ولا تقدر في بلاد المسلمين على أن تفصح فيه بما عندك من أمره ، وما تضمره من الغموض منه ، فإنّك لو أظهرت ذلك لتناولتك سيوف الله.
    وأمّا دعاؤك بما دعوت به ، فهل هذا مكانه يا مسكين؟!
    وأمّا إشارتك بقولك : « نبغض أعداءك » إلى أنّ الشيخ من أعداء الله


(299)
    وأنّك تتبغضه فسوف تقف معه بين يدي الله يوم يأتي وبين يديه طوائف العلماء من المذاهب الأربعة ، والصالحين من الصوفية والجهابذة الحفّاظ من المحدّثين ، وتأتي أنت تتكسع في ظُلم (1) التجسيم الذي تدّعي أنّك بريء منه وأنت من أعظم الدعاة إليه ، وتزعم أنّك تعرف هذا الفن وأنت لا تفهم فيه نقيراً ولا قطميراً ، وليت شعري من الذي يصف الله بما وصف به نفسه؟! من شبهه بخلقه؟! أمن قال : لَيْسَ كمثله شيء و هو السَّميع البَصير ؟
    والأولى بي على الخصوص إمساك عنان الكلام في هذا المقام ، فقد أبلغت ، ثمّ احفظ لشيخنا حقّه وأمسك. (2)

2. استفتاء يتعلّق بحال الشيخ
    وقد كتب استفتاء يتعلّق بحال الشيخ في زمان شيخ الأشاعرة أبي القاسم القشيري بخراسان عند وقوع الفتنة بين الحنابلة والأشاعرة عام ست و ثلاثين وأربعمائة ، وإليك جواب القشيري وغيره عنه :
    بسم الله الرّحمن الرّحيم. اتّفق أصحاب الحديث إنّ أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كان إماماً من أئمّة أصحاب الحديث ، ومذهبه مذهب أصحاب الحديث ، تكلّم في أُصول الديانات على طريقة أهل السنّة ، رد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة ، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين من الملة ، سيفاً مسلولاً ، ومن طعن فيه أو قدح أو لعنه أو سبّه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنّة.
    بذلنا خطوطنا طائعين بذلك في هذا الدرج (3) في ذي القعدة سنة ست وثلاثين وأربعمائة والأمر على هذه الجملة المذكورة في هذا الذكر وكتبه عبد الكريم بن هوازن القشيري.
    وكتب تحته الخبازي : كذلك يعرفه محمد بن علي الخبازي وهذا خطه.
1 ـ جمع الظلمة.
2 ـ طبقات الشافعية : 3/347 ـ 354.
3 ـ الدرج : الذي يكتب فيه.


(300)
    والشيخ أبو محمد الجويني : الأمر على هذه الجملة المذكورة فيه ، وكتبه عبد الله بن يوسف ، وكتب نظير تلك الجملة المشايخ : أبو الفتح الشاشي ، وعلي بن أحمد الجويني ، وناصر العمري ، وأحمد بن محمد الأيوبي ، وأخوه علي ، وأبو علي الصابوني ، و أبو عثمان الصابوني ، وابنه أبو نصر بن أبو عثمان ، والشريف البكري ، ومحمد بن الحسن الملقاباذي. (1)
    يظهر من كتاب « تبيين كذب المفتري وطبقات الشافعية » أنّ بعض هؤلاء كتبوا تحت الورقة بعبارات فارسية ، مثلاً كتب عبد الجبار الإسفرايني بالفارسية : « إن أبو الحسن الأشعري آن امام است كه خداوند عزوجل اين آيت در شأن وى فرستاد : فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه ... ( المائدة : 54 ) (2) و مصطفى ( عليه السَّلام ) در آن روايت ، به جد وى اشارت كرد فقال : هم قوم هذا ». (3)

3. الفتنة التي وقعت بمدينة نيسابور
    يظهر من كلام تاج الدين السبكي أنّ هذا الاستفتاء كان مقروناً بالفتنة التي وقعت بمدينة نيسابور قاعدة بلاد خراسان آنذاك ، وقد آلت الفتنة إلى خروج إمام الحرمين ، والحافظ البيهقي ، وأبي القاسم القشيري من نيسابور ، وكانت تلعب في ذلك يد الحنابلة تحت الستار ، وإليك شرحه :
    قال السبكي : كان طغرل بك السلجوقي ـ وهو أوّل ملوك السلاجقة ـ رجلاً حنفياً سنّياً ، وكان له وزير يسمّى ب ـ : أبي نصر منصور بن محمد الكندري المعروف بعميد الملك ، والسبكي يتّهمه بأنّه كان معتزلياً ، رافضياً ، ومشبهاً لله سبحانه بخلقه ممّا هو شائع بين الكراميةوالمجسمة (4). فحسّن عميد الملك
1 ـ ولعلّه تعريب ملك آباد.
2 ـ وقد عرفت حقّ المقال في ادّعاء نزول هذه الآية في حقّ أبي موسى الأشعري جدّ الشيخ الأعلى ، فراجع.
3 ـ طبقات الشافعية : 3/374 ـ 375.
4 ـ نحن نشك في وجود هذه الصفات الثلاث في رجل مثقف مثل عميد الملك ، كيف يمكن أن يكون معتزلي المبدأ ، ورافضي العقيدة ، وفي الوقت نفسه قائلاً بالتشبيه والتجسيم ، وهل هذا إلاّ كالاعتقاد بالنقيضين؟!
النمل و النحل جلد الثانى ::: فهرس