الملل والنحل جلد الثاني ::: 311 ـ 320
(311)
(1)
القاضي أبو بكر الباقلاني ( المتوفّى 403 هـ )

    هو أبو بكر محمد الطيب بن محمد القاضي المعروف بابن الباقلاني ، وليد البصرة وساكن بغداد ، يعرّفه الخطيب البغدادي بقوله : محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر القاضي المعروف بابن الباقلاني المتكلّم على مذهب الأشعري ، من أهل البصرة ، سكن بغداد ، وسمع بها الحديث وكان ثقة. فأمّا الكلام فكان أعرف الناس به ، وأحسنهم خاطراً ، وأجودهم لساناً ، وأوضحهم بياناً ، وأصحّهم عبارة ، وله التصانيف الكثيرة المنتشرة في الرد على المخالفين من الرافضة والمعتزلة والجهمية والخوارج وغيرهم. (1)
    وقال ابن خلكان : كان على مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري ، ومؤيداً اعتقاده وناصراً طريقته ، وسكن بغداد وصنف التصانيف الكثيرة المشهورة في علم الكلام وغيره ، وكان في علمه أوحد زمانه ، وانتهت إليه الرئاسة في مذهبه ، وكان موصوفاً بجودة الاستنباط وسرعة الجواب. وسمع الحديث وكان كثير التطويل في المناظرة ، مشهوراً بذلك عند الجماعة ، وتوفّي آخر يوم السبت ودفن يوم الأحد لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة ببغداد ( رحمه الله ) تعالى ، و صلّى عليه ابنه الحسن ، ودفن في داره بدرب المجوس ، ثمّ نقل بعد ذلك فدفن في مقبرة باب حرب.
    والباقلاني نسبه إلى الباقلاء وبيعه!! (2)
    ويظهر من فهرس تآليفه أنّه كان غزير الإنتاج وكثير التأليف ، فقد ذكر له 52 كتاباً ، غير أنّه لم يصل إلينا من هذه إلاّ ما طبع ، وهي ثلاثة :
    1. « إعجاز القرآن » طبع في القاهرة كراراً ، وقد حقّقه أخيراً السيد أحمد صقر ، طبع بمطابع دار المعارف بمصر عام 1972 م.
1 ـ تاريخ بغداد : 5/379 ـ 383.
2 ـ وفيات الأعيان : 4/269 برقم 608.


(312)
    2.« التمهيد في الرد على الملاحدة » وهو كتاب كلامي يعرف منه آراؤه الكلامية في مختلف الأبواب.
    3. « الإنصاف في أسباب الخلاف » وقد نشره محمد زاهد الكوثري في القاهرة عن مخطوطة دار الكتب المصرية عام 1369 هـ .
عثرة لا تقال
    ذكر الخطيب في ترجمة الباقلاني كلاماً وقال : « وحدث أنّ ابن المعلم شيخ الرافضة ومتكلمها ( يريد الشيخ المفيد ) حضر بعض مجالس النظر مع أصحاب له ، إذ أقبل القاضي ، فالتفت ابن المعلم إلى أصحابه و قال لهم : قد جاءكم الشيطان ، فسمع القاضي كلامه ـ و كان بعيداً من القوم ـ فلمّا جلس أقبل على ابن المعلم وأصحابه وقال لهم : قال الله تعالى : ( إِنّا أَرْسَلْنا الشَّياطينَ عَلى الكافِرينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ) (1) أي إن كنتُ شيطاناً فأنتم كفّار ، وقد أرسلت عليكم. (2)
    أقول : وأظن ـ و ظن الألمعي صواب ـ أنّه لو وقف الخطيب على مكانة ابن المعلم وشيخ الأُمّة الشيخ المفيد ، لتوقف في نقل هذه الأُسطورة ، وهذا اليافعي يعرّفه في تاريخه ويقول : « كان عالم الشيعة وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد ، وبابن المعلم ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة بالدولة البويهية ».
    وقال ابن أبي طي : « كان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس ». (3)
    وقال ابن كثير في حوادث سنة 413 : « شيخ الإمامية الروافض ، والمصنف لهم ، والمحامي عن حوزتهم. كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف لميل كثير من أهل ذاك الزمان إلى التشيع ، وكان مجلسه يحضره خلق كثير من
1 ـ مريم : 83.
2 ـ تاريخ بغداد : 5/379 ، ونقله ابن عساكر في تبيينه : 217.
3 ـ مرآة الجنان : 3/28.


(313)
    العلماء من سائر الطوائف ، وكان من جملة تلاميذه الشريف الرضي و المرتضى ». (1)
    وعلى ذلك فالرجل الذي يصف اليافعي في تاريخه بأنّه يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة ، أو يصفه ابن كثير بأنّه يحضر مجلسه كثير من العلماء من سائر الطوائف ، أجلّ من أن يتوسل في إفحام خصمه وإخضاعه للحق ، بالإهانة والتكلّم بما هو خارج عن أدب المناظرة.
    نعم ، نقل بعض المترجمين للشيخ المفيد أنّه جرت مناظرة بينه و بين أبي بكر الباقلاني ، فلمّا ظهر تفوّق المفيد على مناظره ، قال له أبو بكر : أيّها الشيخ إنّ لك من كلّ قدر معرفة ، فأجابه الشيخ ممازحاً : نعم ما تمثلت به أيّها القاضي من أدوات ( مهنة ) أبيك. (2)
    إنّ الخطيب لم يخف حقده على شيخ الأُمّة في غير هذا المقام أيضاً ، فقد قال في ترجمته : « و كان أحد أئمّة الضلال ، هلك به خلق من الناس ، إلى أن أراح الله المسلمين منه. ومات في يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ». (3)
    أهكذا أدب العلم وأدب الدين؟!!
    إنّ هذه شنشنة أعرفها من كلّ من يضمر الحقد على أمثال الشيخ. لاحظ الكامل لابن الأثير الجزء السابع ص 313 ترَ أنّ ما ذكره الخطيب أخف وطأً ممّا ذكره المعلق على « الكامل » من السباب المقذع الخارج عن أدب الدين والتقى.
    فكلّ من أراد أن يقف على أدب الشيخ المفيد في المناظرة واحتجاجه على الخصم ، فليلاحظ مناظراته في الكلام والتفسير التي جمعها تلميذه الشريف المرتضى في كتاب « الفصول المختارة » اختارها من كتابين لشيخه المفيد ،
1 ـ البداية والنهاية : 12/15.
2 ـ روضات الجنات : 6/159مستمداً من تلقبه بالباقلاني ، المنسوب إلى بائع الباقلاء.
3 ـ تاريخ بغداد : 3/231 برقم 1299.


(314)
    أحدهما : « المجالس المحفوظة في فنون الكلام » والثاني « العيون والمحاسن ». ولأجل إعطاء نموذج من مناظرات الشيخ المفيد وقوة عارضته ، نأتي بإحداها التي وقعت مع علي بن عيسى الرماني ( المتوفّى عام 385هـ ). فقد دخل الشيخ عليه والمجلس غاص بأهله ، فقعد حيث انتهى به المجلس ، فلمّا خف الناس قرب من الرماني ، فدخل عليه داخل و قال : إنّ بالباب إنساناً يؤثر الحضور ، وهو من أهل البصرة ، فأذن له فدخل فأكرمه ، و طال الحديث بينهما. فقال الرجل لعلي بن عيسى : ما تقول في يوم الغدير والغار؟ فقال : أمّا خبر الغار فدراية ، وأمّا خبر الغدير فرواية ، والرواية لا توجب ما توجبه الدراية ، وانصرف البصري ولم يحر جواباً. فقال الشيخ للرماني : أيّها الشيخ مسألة؟ فقال : هات مسألتك؟ فقال : ما تقول فيمن قاتل الإمام العادل؟ فقال : كافر ، ثمّ استدرك فقال : فاسق ، وعندئذ قال المفيد : ما تقول في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ؟ قال : إمام.
    فقال : ما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير؟ فقال : تابا. فقال المفيد : أمّا خبر الجمل فدراية ، وأمّا خبر التوبة ، فرواية. فقال الرماني : هل كنت حاضراً وقد سألني البصري؟ فقال : نعم ، رواية برواية ودراية بدراية. (1)
    فمن كان هذه مقدرته العلمية وقوة إفحامه للخصم ، فلا يتوسل بما يتوسل به العاجز عن المناظرة ، فما ذكره الخطيب أشبه بالمهزلة منه بالجد. كما أنّ ما نقله ابن عساكر من المنامات بعد موت القاضي أبي بكر أُمور لا يلتجىء إليها إلاّ من يفتقد الحقيقة في عالم الحس فيتطّلبها بالمنامات.

(2)
أبو منصور عبد القاهر البغدادي ( المتوفّى 429هـ )

    أبومنصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي ، أحد العلماء البارزين في معرفة الملل والنحل ، وكتابه « الفرق بين الفرق » من الكتب المعروفة في هذا المجال ، ويعد سنداً وثيقاً لمعرفة المذاهب الإسلامية بعد كتاب
1 ـ مجموعة ورام : 611.

(315)
    « مقالات الإسلاميين » للشيخ أبي الحسن الأشعري وكأنّه حذا حذوه في النقل والتقرير ، ويمتاز بحسن الضبط واستيعاب البحث ، وإتقان التبويب ، ودقة العرض.
    يعرّفه ابن خلكان بقوله : كان ماهراً في فنون عديدة خصوصاً علم الحساب ، فإنّه كان متقناً له ، وكان له فيه تآليف نافعة منها كتاب « التكملة ». وكان عارفاً بالفرائض والنحو ، وله أشعار. ونقل عن الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في « سياق تاريخ نيسابور » أنّه ورد مع أبيه نيسابور و كان ذا مال وثروة ، تفقّه على أهل العلم والحديث ، ولم يكتسب بعلمه مالاً ، وصنف في العلوم وأربى على أقرانه في الفنون ، ودرس في سبعة عشر فناً ، وكان قد تفقّه على أبي إسحاق الإسفرائيني وجلس بعده للإملاء في مكانه بمسجد عقيل فأملى سنين ، واختلف إليه الأئمّة فقرأوا عليه ... وتوفّي سنة تسع وعشرين وأربعمائة بمدينة « اسفرائن » و دفن إلى جانب شيخه أبي إسحاق. (1)
    وترجمه الزركلي في الأعلام و قال : عالم متقن من أئمّة الأُصول ، ولد ونشأ في بغداد ، ورحل إلى خراسان فاستقر بنيسابور ، وفارقها على أثر فتنة التركمان ، ومات في اسفرائين. ثمّ ذكر تصانيفه المطبوعة والمخطوطة. (2)
    وترجمه« عبد الرحمن بدوي » فذكر له تسعة عشر كتاباً ، غير أنّ الواصل إلينا ما هو المطبوع وهو اثنان :
    1. « الفرق بين الفرق » نشر لأوّل مرّة في دار المعارف عام 1910م ، مليئاً بالأخطاء ، ثمّ نشر بتحقيق وإشراف الشيخ محمد زاهد الكوثري ، وأخيراً بتحقيق محمد محيي الدين.
    2. « أُصول الدين » و قد طبع لأوّل مرّة في استانبول عام 1346و طبع بالأُفست أخيراً في بيروت عام 1401هـ . والكتاب يشتمل على خمسة عشر أصلاً من أُصول الدين ، وشرح كلّ أصل بخمس عشرة مسألة ، وعليه يكون
1 ـ وفيات الأعيان : 3/203برقم : 392; تبيين كذب المفتري : 254.
2 ـ الأعلام للزركلي : 4/173.


(316)
    الكتاب مشتملاً على مائتين وخمس وعشرين مسألة.
    وإليك فهرس الأُصول الخمسة عشر التي جعلها أساساً للدين.
ذكر الأُصول الخمسة عشر
    الأصل الأوّل : في بيان الحقائق والعلوم على الخصوص والعموم.
    الأصل الثاني : في حدوث العالم على أقسامه من أعراضه وأجسامه.
    الأصل الثالث : في معرفة صانع العالم ونعوته في ذاته.
    الأصل الرابع : في معرفة صفاته القائمة بذاته.
    الأصل الخامس : في معرفة أسمائه وأوصافه.
    الأصل السادس : في معرفة عدله وحكمه.
    الأصل السابع : في معرفة رسله وأنبيائه.
    الأصل الثامن : في معرفة معجزات أنبيائه وكرامات أوليائه.
    الأصل التاسع : في معرفة أركان شريعة الإسلام.
    الأصل العاشر : في معرفة أحكام التكليف في الأمر والنهي والخبر.
    الأصل الحادي عشر : في معرفة أحكام العباد في المعاد.
    الأصل الثاني عشر : في بيان أُصول الإيمان.
    الأصل الثالث عشر : في بيان أحكام الإمامة وشروط الزعامة.
    الأصل الرابع عشر : في معرفة أحكام العلماء والأئمّة.
    الأصل الخامس عشر : في بيان أحكام الكفر وأهل الأهواء الفجرة.
    وقد ذكر ما هو الوجه لأخذ الرقم (15) ، أساساً للتقسيم فقال :
    وقد جاءت في الشريعة أحكام مرتبة على خمسة عشر من العدد ، وأجمعت الأُمّة على بعضها واختلفوا في بعضها ، فمنها على اختلاف سن البلوغ


(317)
    لأنّها عند الشافعي في الذكور والإناث خمس عشرة سنة بسني العرب دون سني الروم والعجم. ومنها مدة أكثر الحيض عند الشافعي وفقهاء المدينة خمسة عشر يوماً بلياليها. ومنها أقل الطهر الفاصل بين الحيضتين ، فإنّه عند أكثر الأئمّة خمسة عشر يوماً ، وهذا كلّه على أصل الشافعي وموافقيه. فأمّا على أصل أبي حنيفة وأتباعه فإنّ كلمات الأذان عندهم خمس عشرة. ومقدار مدة الإقامة التي توجب عنده إتمام الصلاة خمسة عشر يوماً ، وعند الشافعي أربعة أيام. (1)
    إلى غير ذلك من الأحكام الفقهية التي أكثرها محل خلاف بين فقهاء السنّة ، فضلاً عن الشيعة ، كأقل الطهر الفاصل بين الحيضتين ، فإنّه عند أكثر الأئمّة ، خمسة عشر يوماً; أو أنّ كلمات الأذان عندهم خمس عشرة إلى غير ذلك ... ، و على فرض صحة الأحكام الفرعية التي ذكرها لا صلة بين صحتها وكون أُصول الدين الأساسية خمسة عشر أصلاً ، وكلّ أصل مشتملاً على خمس عشرة مسألة ، فإنّ ذلك كلّه أُمور ذوقية استحسنها طبعه ، وإلاّففي وسع القارئ أن يجعل الأُصول أكثر أو أقل ، والمسائل كذلك.
    ثمّ إنّ هذه الأُصول التي اجتمع عليها أهل السنّة ـ حسب زعمهـ جاءت في كتابه « الفرق بين الفرق » مع اختلاف يسير في التعبير والكلمات. (2)
الفرق بين الكتابين في العرض
    إنّ السابر في كتاب « الفرق بين الفرق » يجد أنّ في قلمه حدة خاصة في عرض المذاهب ، فلا يعرض المذاهب الإسلامية ـ عدا مذهب أهل السنّة ـ بصورة موضوعية هادئة ، بل يعرضها بعنف وهجوم ، وهذا بخلاف سيرته في كتاب « أُصول الدين ».
    ويكفي في هذا ما يقوله : ولم يكن بحمد الله ومنّه في الخوارج ولا في الروافض ، ولا في الجهمية ، ولا في القدرية ، ولا في المجسمة ولا في سائر أهل الأهواء الضالّة إمام في الفقه ، ولا إمام في رواية الحديث ، ولا إمام في
1 ـ أُصول الدين : 1 ـ 2.
2 ـ لاحظ الفصل الثالث من فصول الباب الخامس : ص 323 ـ 324.


(318)
    اللغة والنحو ، ولا موثوق به في نقل المغازي والسير والتواريخ ، ولا إمام في الوعظ والتذكير ، ولا إمام في التأويل والتفسير ، وإنّما كان أئمّة هذه العلوم على الخصوص والعموم من أهل السنّة والجماعة ، وأهل الأهواء الضالة إذا ردّوا الروايات الواردة عن الصحابة في أحكامهم وسيرهم ، لم يصحّ اقتداؤهم بهم متى لم يشاهدوهم ولم يقبلوا رواية أهل الرواية عنهم. (1)
    أقول : ما ذكره في حقّ الروافض ـ إن أراد منه الشيعة ما عدا الغلاة ـ فقد ظلم العلم وجفا أهله ، ولو قاله عن جد فقد قاله عن قصور باعه ، ( وإن كان مؤلفاً في الملل والنحل ) في التعرف على جهودهم المتواصلة وآثارهم القيمة في العلوم الإسلامية ، فقد شاركوا الطوائف الإسلامية في تدوين المعقول والمنقول ، وجمع شذرات الحديث ، وتأليف شوارد السير ، ونظم جواهر الأدب ، ونضد قواعد الفقه ، وترصيف مباحث الكلام ، وتنسيق طبقات الرجال ، وضم حلقات التفسير ، وترتيب دروس الأخلاق ، كما فيهم الفلاسفة والعلماء والساسة والحكام والكتاب والمؤلّفون ، تشهد بذلك آثارهم وحياتهم.
    وعلى أيّ تقدير ، فمن لطيف شعره ما نقله ابن عساكر عنه :
يا من عدا ، ثمّ اعتدى ثم اقترف أبشر بقول الله في آياته ثمّ انتهى ثمّ ارعوى ثم اعترف « إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف » (2)

(3)
إمام الحرمين عبد الملك بن عبدالله
الجويني ( 419 ـ 478هـ )

    هو عبدالملك بن الشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي يعقوب الجويني.
    أثنى عليه كلّ من ذكره ، يقول ابن خلّكان : أعلم المتأخّرين من
1 ـ الفرق بين الفرق : 232.
2 ـ تبين كذب المفتري : 254.


(319)
    أصحاب الإمام الشافعي على الإطلاق ، المجمع على إمامته ، المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم من الأُصول والفروع والأدب ، ورزق من التوسع في العبارة ما لم يعهد من غيره ، وكان يذكر دروساً يقع كلّ واحد منها في عدة أوراق ولا يتلعثم في كلمة منها ، وقد أقام بمكة أربع سنين ، وبالمدينة يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب ، ولقب بإمام الحرمين. (1)
    وقد ذكر ابن الأثير في حوادث سنة 456الحوافز التي ألجأت أبا المعالي إلى مغادرة موطنه والخروج إلى الحجاز ، وما هي إلاّ محنة الأشاعرة في عصر الوزير العميد الكندري وزير طغرل بك السلجوقي قال : كان شديد التعصب على الشافعية كثير الوقيعة في الشافعي بلغ من تعصبه أنّه خاطب السلطان ، في لعن الرافضة على منابر خراسان ، فأذن ذلك ، فأمر بلعنهم وأضاف إليهم الأشعرية ، فأنف من ذلك أئمّة خراسان ، منهم الإمام أبو القاسم القشيري والإمام أبو المعالي الجويني وغيرهما ، ففارقوا خراسان ، وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين إلى أن انقضت دولته ، يدرّس ويفتي ، فلهذا لقب إمام الحرمين ، فلما جاءت الدولة النظامية ( نظام الملك ) أحضر من انتزح منهم وأكرمهم وأحسن إليهم. (2)
    أساتذته
    تخرّج على والده الشيخ عبد الله بن يوسف وكان عالماً فقيهاً شافعياً غزير الإنتاج توفي سنة 438 وله من الآثار « الفروق » و « السلسلة » و« التبصرة » و « التذكرة » و غيرها ، توفي والابن في سن التاسعة عشرة ، فأتم دراسته بالاختلاف إلى مدرسة البيهقي ، فتخرج على الشيخ أبي القاسم الإسفرائيني وغيره من الأساتذة الذين أخذ عنهم علمه. (3)
آثاره
    ترك من الآثار العلمية ما يربو على عشرين كتاباً بين مطبوع منتشر ،
1 ـ وفيات الأعيان : 3/167 ـ 168برقم 378.
2 ـ الكامل في التاريخ : 10/31 ـ 33. وقد مرّ بيان الحادثة في الأمر الأوّل من الخاتمة.
3 ـ تاريخ المذاهب الإسلامية : 1/281 ـ 282.


(320)
    ومخطوط موجود في خزائن الكتب في مصر وباريس وبرلين ، وإليك أسماء المطبوعة منها :
    1. « الإرشاد في أُصول الدين » و قد طبع في باريس وبرلين والقاهرة.
    2. « الرسالة النظامية في الأحكام الإسلامية » وقد طبعت في القاهرة باسم « العقيدة النظامية » سنة 1367 وقد ترجمت إلى الألمانية عام 1958م.
    3. « الشامل في أُصول الدين » و قد طبع الكتاب الأوّل ( العلل ) من الجزء الأوّل منه في القاهرة 1961م.
    4. « غياث الأُمم في الإمامة » ويعدّه الباحثون أحسن منهجاً من كتاب « الأحكام السلطانية » للماوردي ، نشرته دار الدعوة بالاسكندرية.
    5. « مغيث الخلق في اختيار الأحق » و للشيخ محمد زاهد الكوثري رسالة أسماها « إحقاق الحقّ بإبطال الباطل » في « مغيث الخلق » نشرت في القاهرة 1941م.
    6. « الورقات في أُصول الفقه والأدلّة ». (1)
    ويظهر ممّا نشر في كتبه الكلامية أنّه يستمد في آرائه عن المشايخ الثلاثة :
    1. أبو الحسن الأشعري المتوفّى عام 324 ويعبر عنه ب ـ « شيخنا ».
    2. أبو بكر الباقلاني المتوفّى سنة 403ويعبّر عنه ب ـ « القاضي ».
    3. أبو إسحاق الاسفرائيني المتوفّى عام 413 ويعبر عنه ب ـ الأُستاذ ».
آراؤه ونظرياته
    يبدو أنّ أبا المعالي كان حراً في إبداء النظر ورفض الأفكار وقبولها ، وإليك بعض آرائه :
    1. أنكر مسألة خلق الأفعال ، وأنّ الإنسان مسلوب الاختيار ، وقد
1 ـ الأعلام للزركلي : 4/160; سير أعلام النبلاء : 18/475 ـ 476.
النمل و النحل جلد الثانى ::: فهرس