الملل والنحل جلد الثاني ::: 341 ـ 350
(341)
    وجواباً ، وسمّيت الكتاب « نهاية الإقدام ( بالكسر ) في علم الكلام » (1) وإليك فهرس القواعد :
    1. القاعدة الأُولى : في حدوث العالم وبيان استحالة حوادث لا أوّل لها ، واستحالة وجود أجسام لا تتناهى مكاناً.
    2. القاعدة الثانية : في حدوث الكائنات بأمرها بإحداث الله سبحانه.
    3. القاعدة الثالثة : في التوحيد.
    4. القاعدة الرابعة : في إبطال التشبيه.
    5. القاعدة الخامسة : في إبطال مذهب التعطيل وبيان وجوه التعطيل.
    6. القاعدة السادسة : في الأحوال.
    7. القاعدة السابعة : في المعدوم هل هو شيء أم لا ، وفي الهيولي وفي الرد على من أثبت الهيولي بغير صورة الوجود.
    8. القاعدة الثامنة : في إثبات العلم بأحكام الصفات العلى.
    9. القاعدة التاسعة : في إثبات العلم بالصفات الأزلية.
    10. القاعدة العاشرة : في العلم الأزلي خاصة ، وأنّه أزلي واحد.
    11. القاعدة الحادية عشرة : في الإرادة.
    12. القاعدة الثانية عشرة : في كون البارئ متكلّماً بكلام أزلي.
    13. القاعدة الثالثة عشرة : في أنّ كلام البارئ واحد.
    14. القاعدة الرابعة عشرة : في حقيقة الكلام الإنساني والنطق النفساني.
    15. القاعدة الخامسة عشرة : في العلم بكون البارئ تعالى سميعاً بصيراً.
1 ـ نهاية الإقدام : 4.

(342)
    16. القاعدة السادسة عشرة : في جواز رؤية البارئ تعالى عقلاً ووجوبها سمعاً.
    17. القاعدة السابعة عشرة : في التحسين والتقبيح ، وبيان أنّه لا يجب على الله تعالى شيء من قبل العقل ، ولا يجب على العباد شيء قبل ورود الشرع.
    18. القاعدة الثامنة عشرة : في إبطال الغرض والعلة في أفعال الله تعالى ، وإبطال القول بالصلاح والأصلح واللطف ، ومعنى التوفيق والخذلان والشرح والختم والطبع ، ومعنى النعمة والشكر ، ومعنى الأجل والرزق.
    19. القاعدة التاسعة عشرة : في إثبات النبوات.
    20. القاعدة العشرون : في إثبات نبوة نبيّنا محمّد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
    وقد نسب إليه غير واحد هذين البيتين وجاءا في أوّل كتاب « نهاية الإقدام » و هما :
لقد طفت في تلك المعاهد كلّها فلم أُر إّلا واضعاً كف حائر وسيرت طرفي بين تلك المعالم على ذقن أو قارعاً سن نادم
نكات
    1. إنّ القول بميل الرجل إلى القرامطة ، لا يصدقه كلامه في الملل والنحل ، فإنّه قد طرح في هذا الكتاب عقائد الإسماعيلية واستوفى الكلام فيها وختم كلامه بقوله :
    وكم ناظرت القوم على المقدمات المذكورة فلم يتخطوا عن قولهم ـ إلى أن قال ـ : وقد سددتم ( الطائفة الإسماعيلية ) باب العلم وفتحتم باب التسليم والتقليد ، وليس يرضى عاقل بأن يعتقد مذهباً على غير بصيرة ، وأن يسلك طريقاً من غير بينة. (1)
1 ـ الملل والنحل : 1/197 ـ 198 ، ط دار المعرفة بيروت.

(343)
    2. يروي الشهرستاني أنّ عقيدة السلف في إجراء الصفات الخبرية على الله سبحانه هو التفويض بقوله :
    بالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حدّ التشبيه بصفات المحدثات ، واقتصر بعضهم على صفات دلّت الأفعال عليها و ما ورد به الخبر ، فافترقوا فرقتين :
    فمنهم من أوّله على وجه يحتمل اللفظ ذلك.
    ومنهم من توقّف في التأويل وقالوا : لسنا مكلّفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها. (1)
    3. إنّ الرجل يتخبط حقاً في عرض عقائد الشيعة ، وكأنّه لم يرجع إلى مصدر شيعي معتبر ، يقول في حقّ هذه الطائفة : إنّ الشيعة في هذه الشريعة وقعوا في غلو وتقصير. أمّا الغلو فتشبيه بعض أئمتهم بالإله تعالى وتقدس ، وأمّا التقصير فتشبيه الإله بواحد من الخلق ، ولما ظهرت المعتزلة والمتكلّمون من السلف رجعت بعض الروافض عن الغلو والتقصير ». (2)
    يلاحظ عليه : أنّ الشيعة هم الذين يمثلون أصحاب الإمام علي والسبطين وعلي والسجادوالباقرين والكاظمين ... ( عليهم السَّلام ) وهؤلاء عن بكرة أبيهم مبرأون عن هذه التهم الساقطة. كيف وهم مقتفون أثر عترة النبي الذين جعلهم الرسول الأعظم قرناء الكتاب في العصمة والهداية ، وقد تواترت عليه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) رواية الثقلين ، وأنّه قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ». (3)
1 ـ الملل والنحل : 1/93 ، وقد عرفت ما في التفويض من الإشكال.
2 ـ الملل والنحل : 1/93 ، وقد عرفت ما في التفويض من الإشكال. 3 ـ راجع في الوقوف على مصادره ونصوصه ، كنز العمال : 1/172 باب الاعتصام بالكتاب والسنّة.
وقد نشرت جماعة دار التقريب بالقاهرة رسالة مستقلة في هذا المجال أنهى فيها صور الحديث وأسناده.



(344)
    أفهل يتصور أن يعتقد مقتفو آثارهم تألية الأئمة ، أو تشبيه إله العالم بواحد من الخلق؟!
    4. يقول أيضاً في حقّ الإمامية : صارت الإمامية متمسكين بالعدلية في الأُصول وبالمشبهة في الصفات ، متحيرين تائهين. (1)
    تمسك الإمامية بالعدل معروف لا شكّ فيه ، وكفى ذلك الكتاب والعقل والسنّة المروية عن طريق أهل البيت ، وأمّا كونهم مشبهين في الصفات ففرية لا يجد الرجل دليلاً عليها في كتبهم ، فهم من أشدّ المنزّهين لله سبحانه عن الصفات الخبرية مثل اليدين والوجه بالمعاني الحقيقية ، وكفى في ذلك خطب علي ( عليه السَّلام ) في النهج ، فقد نزّه الباري سبحانه لا عن الصفات الخبرية وحدها ، بل نزّهه عن كونه متصفاً بصفات ذاتية زائدة على ذاته ، بل صفاته سبحانه عندهم نفس ذاته ، لا بمعنى النيابة ، بل بلوغ الذات في الكمال إلى حدّ صارت نفس العلم والقدرة ، قال ( عليه السَّلام ) : « لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، و من حدّه فقد عدّه ، و من قال فيم فقد ضمنه ، ومن قال علام فقد أخلى منه ». (2)
    ففي الكتاب نقول ضعيفة ، وساقطة عن هذه الطائفة تحتاج إلى نظارة التنقيب جداً ، فلنكتف بهذا المقدار.

(6)
الفخر الرازي ( 543 ـ 606هـ )

    محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري أصله من طبرستان ، ومولده في الري وإليها نسبه ، ولد فيها عام ثلاث وأربعين وخمسمائة
1 ـ الملل والنحل : 1/172.
2 ـ نهج البلاغة : الخطبة الأُولى.


(345)
    أو سنة أربع وأربعين ، وتوفّي في « هراة » عام ست و ستمائة. (1)
    قال ابن خلّكان : فريد عصره ، ونسيج وحده ، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل ، وله التصانيف المفيدة في حقول عديدة ، منها تفسير القرآن الكريم ، جمع فيه كلّ غريب وغريبة ، وهو كبير لكنّه لم يكمله ، ثمّ ذكر تصانيفه و قال : وكل كتبه ممتعة ، وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة ، فإنّ الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدّمين ـ إلى أن قال ـ : و كان له في الوعظ اليد البيضاء ، ويعظ باللسانين : العربي والعجمي ، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء ، وكان يحضر مجلسه بمدينة « هراة » أرباب المذاهب والمقالات ويسألونه ، وهو يجيب كلّ سائل بأحسن إجابة ، وكان رجع بسببه خلق كثيرمن الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنّة ، وكان يلقب بهراة « شيخ الإسلام ».
    وقد تخرج في المذهب على والده ضياء الدين عمر ، ووالده على أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري ، وهو على إمام الحرمين أبي المعالي ، وهو على الأُستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني ، وهو على الشيخ أبي الحسين الباهلي ، وهو على شيخ السنّة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري.
    يقول أبو عبد الله الحسين الواسطي : « سمعت فخر الدين ينشد بهراة على المنبر عقيب كلام عاتب فيه أهل البلد :
المرء مادام حياً يستهان به ويعظم الرزء فيه حين يفتقد (2)
    لا شكّ أنّ الرازي من أئمّة الأشاعرة في عصره ، وقد نصر المنهج الأشعري في تآليفه الكلامية وفي تفسيره خاصة ، يقف عليه كلّ من لاحظ الآيات التي تختلف في تفسيرها المعتزلة والأشاعرة ، وستقف على كلامه في تفسير قوله سبحانه : الرَّحمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (3)ولما كان يناظر الكرامية
1 ـ الكامل لابن الأثير : 12/288; و الوفيات : 4/252.
2 ـ وفيات الأعيان : 4/248 ـ 252برقم 600.
3 ـ طه : 5.


(346)
    من أهل التجسيم والتشبيه ويكبتهم في القول بهما صريحاً صار ذلك سبباً للطعن عليه ممن لا يروقه التخطي عن ظواهر النصوص.
    يقول الذهبي : وقد بدت في تآليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنّة ، والله يعفو عنه ، فإنّه توفّي على طريقة حميدة ، والله يتولّى السرائر. (1)
    وأظن أنّ نسبة الانحراف عن السنّة إليه هو ما نقله صاحب « تاريخ روض المناظر » من ابن الأثير : أنّ السلطان غياث الدين قد أبلغ في إكرام الإمام فخر الدين ، و بنى له المدرسة بهراة ، فعظم ذلك على أهلها الكرامية من الحنفية والشافعية ، فحضروا عند الأمير غياث الدين للمناظرة ، وحضر فخر الدين الرازي و القاضي عبد المجيد بن القدوة وهو أكبر الكرامية وأعلمهم وأزهدهم ، فتكلم الرازي فأعرض عنه ابن القدوة ، وطال الكلام ، وقام غياث الدين فاستطال الرازي على ابن القدوة وشتمه ، فأغضب ذلك الملك ضياءالدين ابن عم غياث الدين ، وذم فخر الدين الرازي ونسبه إلى الزندقة والفلسفة عند غياث الدين ، فلم يصنع إليه شيئاً ، فلما كان الغد وعط ابن القدوة الناس من الغدوة بالجامع ، فحمد الله وصلّى على النبي وقال : رَبّنا آمَنّا بِما أَنْزلتَ وَاتَّبَعنا الرَّسُول فَاكْتُبْنا مع الشّاهدين ، أيّها الناس لا نقول إلاّما صحّ عندنا من رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، وأمّا علم أرسطو وكفريات ابن سينا وفلسفة الفارابي فلا نعلمها ، فلأي ( جهة ) تسنم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذب عن دين الله وسنة نبيّه ، فبكى و بكت الكرامية ، واستعانوا وثار الناس من كلّ جانب ، وامتلأ الناس فتنة ، وبلغ ذلك السلطان غياث الدين ، فسكن الفتنة وأوعد الناس بإخراج فخر الدين.
    ثمّ أمره بالعود إلى هراة ، فعاد إليها ، ثمّ عاد إلى خراسان وحظي عند السلطان خوارزم شاه ابن محمد بن تكش. (2)
1 ـ سير أعلام النبلاء : 21/501 برقم 261.
2 ـ روضات الجنات : 8/44برقم 682.


(347)
    ولأجل وجود هذا الجو المشحون بالعداء على أهل التنزيه لا يمكن أن يصدق ما نسبه إليه من الشعر الذي ينتقد فيه المنهج الفكري في العقائد ، أعني :
نهاية إقدام العقول عقال وأرواحنا في وحشة من جسومنا ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا وكم قد رأينا من رجال ودولة وكم من جبال قد علت شرفاتها وأكثر سعي العالمين ضلال وحاصل دنيانا أذى ووبال سوى أنّ جمعنا فيه قيل وقالوا فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا رجال فزالوا والجبال جبال (1)
آثاره في العقائد والكلام
    إنّ الرازي كان كثير الإنتاج ، وقد طبع قسم من آثاره نذكر منها ما له صلة بالموضوع :
    1. « أسماء الله الحسنى » وهو المسمى « لوامع البينات » طبع بمصر عام 1396 وهو كتاب قليلالزلة ويفسر الأسماء بين التشبيه والتعطيل.
    2. « مفاتيح الغيب » في ثمان مجلدات كبار في تفسير القرآن الكريم ، وهو مشحون بالأبحاث الكلامية في مختلف الأبواب ، ويناضل فيه المعتزلة ، وينصر الأشاعرة ، ويرد فيه على سائر الطوائف ، وله من الشيعة الإمامية في الكتاب مواقف تحكي عن عناده ولجاجه ، وأنّه بصدد الرد سواء أصحّ أم لم يصحّ ، وستوافيك وصيته عند الموت.
    3. « محصل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين من العلماء والحكماء والمتكلّمين » وقد لخصّه المحقّق الطوسي وأسماه« تلخيص المحصل » ونقد منهجه في كثيرمن الموارد ، وقد طبع أيضاً.
    4. « المباحث المشرقية » في جزءين جمع فيه آراء الحكماء والسالفين ونتائج أقوالهم وأجاب عنهم ، طبع في حيدرآباد دكن ، وأُعيد طبعه ب ـ « الأُوفست ».
    5. « شرح الإشارات » لابن سينا على نمط النقد والرد على الشيخ
1 ـ وفيات الأعيان : 4/250برقم 600.

(348)
    الرئيس ، يقول المحقّق الطوسي في شرحه للإشارات : وقد شرحه فيمن شرحه الفاضل العلاّمة فخر الدين ملك المناظرين محمد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي ـ جزاه الله خيراً ـ فجهد في تفسير ما خفي منه بأوضح تفسير ، واجتهد في تعبير ما التبس فيه بأحسن تعبير ، وسلك في تتبع ما قصد نحوه طريقة الاقتفاء ، وبلغ في التفتيش عمّاا أودع فيه أقصى مدارج الاستقصاء ، إلاّ أنّه قد بالغ في الرد على صاحبه أثناء المقال ، وجاوز في نقض قواعده حدّ الاعتدال ، فهو بتلك المساعي لم يزده إلاّ قدحاً ، ولذلك سمّى بعض الظرفاء شرحه جرحاً ، ومن شرط الشارحين أن يبذلوا النصرة لما قد التزموا شرحه بقدر الاستطاعة ، وأن يذبّوا عمّا قد تكفلوا إيضاحه ، بما يذب به صاحب تلك الصناعة ، ليكونوا شارحين غير ناقضين ، ومفسرين غير معترضين.
    اللّهمّ إلاّ إذا عثروا على شيء لا يمكن حمله على وجه صحيح ، فحينئذ ينبغي أن ينبهوا عليه بتعريض أو تصريح ، متمسكين بذيل العدل والإنصاف ، متجنبين عن البغي والاعتساف ، فإنّ إلى الله الرجعى ، وهو أحقّ بأن يخشى. (1)
    إلى غير ذلك من الآثار الفكرية العقيدية.
تصلّبه في المنهج الأشعري
    إنّ الرازي في تفسيره وأكثر كتبه متصلّب في المنهج الأشعري ، ويكفي في ذلك ما ذكره في تفسير قوله سبحانه : الرَّحمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى عند الإجابة على كلام صاحب الكشاف. ينقل عن صاحب الكشاف قوله : « لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك لا يحصل إلاّ مع الملك ، جعلوه كناية عن الملك ، فقالوا استوى فلان على البلد يريدون « ملك » و إن لم يقعد على السرير البتة ، وإنّما عبروا عن حصول الملك بذلك لأنّه أصرح وأقوى في الدلالة من أن يقال فلان ملك.
    ونحوه قولك : « يد فلان مبسوطة » و « يد فلان مغلولة » بمعنى أنّه جواد
1 ـ الإشارات والتنبيهات : 1/2.

(349)
    وبخيل ، لا فرق بين العبارتين إلاّفيما قلت حتى إنّ من لم تبسط يده قط بالنوال أو لم يكن له يد رأساً ، قيل فيه يده مبسوطة ، لأنّه لا فرق عندهم بينه و بين قوله جواد. ومنه قوله تعالى : وَقالَتِ الْيَهُود يَدُ الله مَغْلُولَة غُلَّت أَيْدِيهِمْ ـ أي هو بخيل ـ بلْ يَداهُ مَبْسُوطَتان أي هو جواد من غير تصوّر يد ولا غل ولا بسط. والتفسير بالنعمة والتمحّل للتسمية من ضيق العطن ».
    ويقول الرازي : وأقول : إنّا لو فتحنا هذا الباب لانفتحت تأويلات الباطنية ، فإنّهم يقولون : المراد من قوله : فَاخْلَعْ نَعْلَيْك : الاستغراق في خدمة الله تعالى من غير تصور نعل ، وقوله : يا نار كُوني بَرداً وسَلاماً على إِبراهيم المراد منه : تخليص إبراهيم ( عليه السَّلام ) من يد ذلك الظالم ، من غير أن يكون هناك نار و خطاب ألبتة.
    وكذا القول في كلّ ما ورد في كتاب الله تعالى ، بل القانون أنّه يجب حمل كلّ لفظ ورد في القرآن على حقيقته ، إلاّ إذا قامت دلالة عقلية قطعية توجب الانصراف عنه ، وليت من لم يعرف شيئاً لم يخض فيه. (1)
    أظن أنّ الرازي يقول في لسانه ما ليس في قلبه ، فإنّ الفرق بين المقيس والمقيس عليه واضح لا يخفى على مثل الرازي. فإنّ القرائن الحافّة بالكلام في مسألة الاستواء على العرش ، قاضية بأنّ المراد هو الاستيلاء على القدرة لا جلوسه عليه ، وقد ذكرنا القرائن الموجودة في نفس الآيات الدالّة على ذلك المعنى عند البحث عن الصفات الخبرية (2) ، و هذا بخلاف الآيات التيتؤوّلها الباطنية فإنّها تأويلات بلا دليل.
نظرة في تفسير الرازي
    إنّ تفسير تفسير الرازي مع كونه تفسيراً على الكتاب العزيز كموسوعة كلامية في مختلف الأبواب. فينقل آراء الطوائف الإسلامية في مجالات مختلفة ، فيدافع
1 ـ مفاتيح الغيب : 6/6 ، طبع مصر.
2 ـ لاحظ بحث الصفات الخبرية من هذا الكتاب مضافاً إلى دلالة العقل على امتناع اتصافه سبحانه بأحكام المحدّثات والممكنات.


(350)
    عن الأشاعرة ويهاجم المعتزلة بحماس بالغ ، فمن أراد الوقوف على آرائه فعليه بفهارس الأجزاء التي جاءت الإشارة فيها إلى استدلال الأشاعرة أو المعتزلة أو الإمامية على ما يتبنونه من المذاهب ، ونحن نترك ذلك المجال للقارئ الكريم.
    ولكن نركز هنا على نكتة ، وهي أنّ الرازي يخالف الإمامية في غالب المجالات ، خصوصاً فيما يرجع إلى مباحث الإمامة والآيات الواردة في حقّ الإمام علي ( عليه السَّلام ) ، فيورد التشكيك تلو الآخر في كثير من القضايا التاريخية والأحاديث المستفيضة ، ومع ذلك كلّه فقد أصحر بالحقيقة في موارد نأتي بها أداءً لحقّه في المقام : 1. من اقتدى بعلىّ فقد اهتدى
    اختلف الفقهاء في الجهر بالبسملة في الصلاة ، واستدلّ الرازي على استحباب الجهر بها : بأنّ علياً كان يجهر بها ، وقد ثبت ذلك بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « اللّهمّ أدر الحق مع علي حيث دار ». (1) 2. الكوثر أولاد الرسول
    يفسر الرازي الكوثر بأولاد الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، ويقول في عداد الأقوال : « القول الرابع » الكوثر : أولاده ، قالوا لأنّ هذه السورة إنّما نزلت رداً على من عابه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان ، فانظر كم قتل من أهل البيت ، ثمّ العالم ممتلئ منهم ، ولم يبق من بني أُميّة في الدنيا أحد يعبأ به. ثمّ انظر ، كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا ( عليهم السَّلام ) والنفس الزكية وأمثالهم. (2)
1 ـ مفاتيح الغيب : 1/111 ، الحجة الخامسة.
2 ـ مفاتيح الغيب : 8/498.
النمل و النحل جلد الثانى ::: فهرس