بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: 331 ـ 340
(331)
    محمد بن عبدالوهاب
    مؤسس الحركة الوهابية
    نشأته ووفاته
    استشفاف بوادر الضلال من كلماته
    اتفاق الشيخ ومحمد بن سعود
    بدء الدعوة ونشرها
    صِدام بين ابن عبدالوهاب وأمير عيينة
    تكفير محمد بن عبدالوهاب جميع المسلمين
    حروبه مع المسلمين


(332)

(333)
تاريخ الوهابية
    مؤسسها ، ناصرها وتطورها
    قد وقفت في الفصول السابقة على العقائد الوهابية عن كثب ، وأنها لم تكن شيئاً جديداً سوى ما ابتدعه أحمد بن تيمية في القرن الثامن الهجري وقد كاد أن يصير نسياً منسياً ، ويذهب أدراج الرياح ، غير أنّ بذورها لما كانت تقبع في طيات كتبه ورسائله ، قام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي بتجديد العهد بها ، وإحيائها مرة أُخرى بفضل سيف آل سعود في الشطر الثاني من القرن الثاني عشر إلى أوليات القرن الثالث عشر الهجري ، أي من سنة 1160 إلى سنة 1207 هـ الّتي وافاه الأجل فيها ، ثم تعاهد أبناؤه من بعده مع أبناء بيت قبيلة آل سعود فترة بعد فترة ، على أن تكون الدعوة والإرشاد والتخطيط على أبنائه ، والتطبيق والتنفيذ والسلطة على كاهل آل سعود ، فلم تزل هذه المعاهدة باقية إلى يومنا هذا ، غير أنها اتخذت في هذه الآونة لنفسها شكلا آخر ، وهو أن القوة والسلطة كانت في بدء التأسيس آلة طيّعة بيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ولكنه في عصرنا هذا تبدلت رأساً على عقب ، فأصبحت السلطة الدينية أداة طيعة في يد آل سعود ، يأتمرون بكل ما يلقى إليهم من البلاط السعودي والملك الحاكم من قبلهم على شبه الجزيرة العربية.
    وهذه إحدى الصور الّتي تحكي لنا عن تراجع الوهابية عن مبادئها الأولية الّتي قامت على أعتابها يوم تأسيسها ، وسنوافيك بما يحكي لك المزيد من ذلك.


(334)
نشأته ووفاته
    اختلف المؤرخون في عام ولادته ووفاته ، فمن قائل (1) بأنه ولد سنة 1111 هـ وتوفي عام 1207 هـ فيكون عمره ستاً وتسعين; إلى آخر (2) بانه ولد عام 1115 هـ وتوفي 1207 هـ فيكون قد ناهز إحدى وتسعين ، نشأ وترعرع في بلده « العيينة » في نجد ، وتلقى دروسه بها على رجال الدين من الحنابلة ، ثم غادر موطنه ونزل المدينة المنورة ليكمل دروسه ، يقول أحمد أمين المصري : « سافر الشيخ إلى المدينة ليتم تعلمه ، ثم طاف في كثير من بلاد العالم الإسلامي ، فأقام نحو أربع سنين في البصرة ، وخمس سنين في بغدادن وسنة في كردستان ، وسنتين في همدان ، ثم رحل إلى إصفهان ، ودرس هناك فلسفة الإشراق والتصوّف ، ثم رحل إلى « قم » ثم عاد إلى بلده ، واعتكف عن الناس نحو ثمانية أشهر ، ثم خرج عليهم بدعوته الجديدة » (3).
    وقد ذكر كثير من المؤرخين تجواله وترحاله في هذه البلاد ، منهم عبد الرزاق الدنبيلي في كتابه « مآثر سلطانية » (4) ، والشيخ أبو طالب الإصفهاني الّذي كان معاصراً للشيخ محمد بن عبدالوهاب ، فقد ذكر سفر الشيخ إلى إصبهان وإلى أكثر بلاد العراق وإيران ، حتّى إلى « غزنين » الّذي هو بلد في أفغانستان (5).

استشفاف بوادر الضلال من كلماته
    إنّ الإنسان مهما كان ذكياً مواظباً على ستر عقيدته لا يتمكن من إخفائها في الفترة الّتي يكون فيها الوعي غائباً والذهن خاملا ، وعند ذلك يبدو على صفحات وجهه وفلتات لسانه ما يكتمه ويخفيه في الأوعية ، قال أميرالمؤمنين ( عليه السَّلام ) :
1 ـ زيني دحلان : الدرر السنية : ص 42 طبع الآستانة وغيره.
2 ـ أحمد أمين : زعماء الإصلاح في العصر الحديث ، ص 10 بيروت ، وقد أرّخ الآلوسي ولادته بـ 1111 هـ لكنه أرّخ وفاته بـ 1206 هـ.
    3 ـ نفس المصدر السابق : ص 10.
    4 ـ مآثر سلطانية : ص 82 و ...
    5 ـ ميرزا أبو طالب سفرنامه : ص 409 و ...


(335)
« ما أضمر أحد شيئاً إلاّ في ظهر فلتات لسانه وصفحات وجهه » (1) وقد كان محمد بن عبدالوهاب ممن يتفرّس مشايخه وأساتذته فيه الضلال ، حيث كان عندما يتردد إلى مكة والمدينة لأخذ العلم من علمائهما ، وعندما كان يدرس على الشيخ محمد بن سليمان الكردي ، والشيخ محمد حيات السندي كانا يتفرسان فيه الغواية والإلحاد ، بل يتفرس غيرهما فيه مثل ذلك ، وكان ينطق الكل بأنه سيضل اللّه تعالى هذا ، ويضل به من أشقاه من عباده ، حتّى أنّ والده عبدالوهاب ـ وهو من العلماء الصالحين ـ كان يتفرس فيه الإلحاد ويحذّر الناس منه ، حتّى أنّ أخاه الشيخ سليمان ألف كتاباً في الرد على ما أحدثه من البدع والعقائد الزائفة ، وكان محمد بن عبدالوهاب بادىء بدء كما ذكره بعض المؤلفين مولعاً بمطالعة أخبار من ادّعى النبوة كاذباً كمسيلمة الكذاب وسجاح ، والأسود العنسي ، وطليحة الأسدي وأضرابهم (2).
    يكتب ميرزا أبو طالب الإصفهاني وهو معاصره ويقول : أخذ في أول أمره عن كثير من علماء مكة والمدينة ، وكانوا يتفرسون فيه الضلال والإضلال ، وكان والده عبدالوهاب من العلماءالصالحين ، وكان يتفرس فيه ذلك ويذمه كثيراً ، يحذر الناس منه ، وكذا أخوه سليمان بن عبد الوهاب أنكر عليه ما أحدثه ، وألف كتاباً في الرد عليه ، وكان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار مدّعي النبوة كمسيلمة و ... » (3).
    لو صحّ هذا فهو يعرب عن أنّ محمد بن عبدالوهاب كان يضمر في مكامن ذهنه شيئاً يشاكل فعل هؤلاء المتنبئين ، فصبّ ما أضمره في الدعوة الجديدة إلى التوحيد ، وعاد يكفّر رجال الدين عامة في كافة العصور ، وينسبهم إلى الجهل والضلال ، وهذه سمة المبتدعين عامة.

انتقال عبد الوهاب إلى « حريملة »
    ترك أبوه « العيينة » ونزل بلدة « حريملة » وبقي فيها إلى أن وافته المنيّة
1 ـ نهج البلاغه ، قسم الحكم 260.
2 ـ صدقي الزهاوي : الفجر الصادق ص 17 والسيد أحمد زيني دحلان : فتنة الوهابية ص 66.
3 ـ ميزرا أبو طالب : سفرنامه ، ص 409.


(336)
سنة 1143 (1) ولم يكن راضياً عن ابنه ، وطالما زجره ونهاه ، ولمّا توفّي الوالد تجرّأ عليه أهل « حريملة » وهمّموا بقتله ، فلم يجد بداً من الهرب إلى « العيينة » وهي مسقط راسه ودار نشأته ، وقد تعاهد هو وأميرها « عثمان بن معمر » على أن يشد كلُّ أزر الآخر ، فيترك الأمير للشيخ الحرية في إظهار الدعوة والعمل على نشرها ، لقاء أن يقوم محمد بن عبد الوهاب بدوره بشتى الوسائل لسيطرة الأمير على نجد بكاملها ، وكانت يومذاك موزعة إلى ست أو سبع إمارات منها إمارة العيينة (2) ولكن لكي تقوى الروابط بين الاثنين زوّج الأمير أُخته « جوهرة » من الشيخ ، فقال له الشيخ : « إنى لآمل أن يهبك اللّه نجداً وعربانها » (3).
    هكذا بدأ التآلف بين الشيخ والأمير ، واحدة بواحدة ... مساومة ثم أخذ وعطاء ، والثمن هو الدين والشعب ، أمّا زواج الشيخ من « جوهرة » فتثبيت للتحالف ، وضمان للوفاء ... لقد سخر محمد بن عبد الوهاب الدين لأجل الدنيا ، وتطوع لتعزيز حكمه دون أن يكون على يقين من عدله ، أو يأخذ منه موثقاً لتحسين الأوضاع وراحة الناس ، والعمل للصالح العام ، بل على العكس ، فقد وعده بملك نجد وعربانها ... ولكن لا بالاقتراح وحرية تقرير المصير ، بل بالحرب والغزو وبأشلاء الضحايا (4).
    أبعد ذلك يصحّ أن يعدّ الشيخ من المصلحين المجددين ، وممّن له رسالة إنسانية كما عدّه نفر منهم أحمد أمين في كتابه زعماء الإصلاح في العصر الحديث ، ومهما كان فإنّ التحالف بين الشيخ والأمير لم يطل عمره ولم يتم أمره ، وما تمخّص إلاّ عن زواج الشيخ بجوهرة ، وهدم قبر زيد بن الخطاب ، وإثارة الفتن والقلاقل فقط ـ لم يطل عمر التحالف بين ابن عبد الوهاب والأمير ابن معمر ـ لأنّ سليمان الحميدي صاحب الأحساء والقطيف أمر عثمان بن معمر ـ وكان أقوى منه ـ أن يقتل الشيخ.
1 ـ محمد جواد مغنية : هذه هي الوهابية ص 111.
2 ـ الآلوسي ـ السيد محمود : تاريخ نجد ، ص 11.
3 ـ فيلبي ـ عبداللّه : تاريخ نجد ، ص 36.
4 ـ مغنية ـ محمد جواد : هذه هي الوهابية ص 112.


(337)
    يقول عبداللّه فيلبي في تاريخ نجد : « قرر عثمان أن يتخلص من ضيفه ، فطلب منه أن يختار المكان الّذي يريد الذهاب إليه ، فاختار « الدرعية » ، فأرسل عثمان معه رجلا اسمه فريد : وكلفه أن يقتل ابن عبد الوهاب في الطريق ، ولكن فريداً خذلته إرادته ، وترك الشيخ وقفل راجعاً دون أن يمسه بسوء (1).
    ويذكر السيد محمود شكري الآلوسي انتقال الشيخ من « عينية » إلى « حريملة » نحو ما مرّ ويزيد : خرج إلى « الدرعية » سنة : 1160 هـ وهي بلاد مسيلمة الكذاب (2).

اتفاق الشيخ ومحمد بن سعود
    ورد الشيخ إلى الدرعية في العام الّذي عرفت ، وكان أميرها آنذاك محمد بن سعود جد السعوديين ، وتمّ الاتفاق بين الأمير والشيخ على غرار ما كان قد تمّ بينه وبين ابن معمر في « العيينة » ، فقد وهب الشيخ نجد وعربانها لابن سعود ، كما وهبهما من قبل لابن معمر ، ووعده أن تكثر الغنائم عليه والأسلاب الحربية الّتي تفوق ما يتقاضاه من الضرائب (3) على أن يدع الأمير للشيخ ما يشاء من وضع الخطط لتنفيذ دعوته.
    وتقول الرواة : إنّ الأمير سعود بايع محمد بن عبد الوهاب على القتال في سبيل اللّه ... ومعلوم انهما لم يفتحا بلداً غير مسلم في الشرق أو في الغرب ، وإنما كانا يغزوان ويحاربان المسلمين الذين لم يدخلوا في طاعة ابن سعود ، ولأجل ذلك قال الأمير لابن عبدالوهاب : « أبشر بالنصر لك ولما أمرت به ، والجهاد لمن خالف التوحيد ، لكن أُريد أن اشترط عليك اثنين :
     أولا : إذا قمنا بنصرتك وفتح اللّه لنا ولك ، أخشى أن ترحل عنّا وتستبدل بنا غيرنا فعاهده الشيخ أن لا يفعل.
1 ـ فيلبي ـ عبداللّه : تاريخ نجد ، ص 390 ط المكتبة الأهلية بيروت.
2 ـ كشف الارتياب ص 13 ـ 14 نقلا عن كتاب تاريخ نجد لمحمود شكري الآلوسي.
3 ـ فيلبي : تاريخ نجد ص 39.


(338)
ثانياً : إنّي أتقاضى من أهل « الدرعية » مالا وقت الثمار ، وأخاف أن تمنع ذلك ، فقال الشيخ : لعل اللّه يفتح الفتوحات فيعوضك اللّه من الغنائم ما هو أعظم منها » (1).
    وعلى هذا تم الاتفاق بين أمير « الدرعية » والشيخ.
    إنّ بعض المستشرقين مثل « فيليب حتّى » (2) و « جولد تسيهر » (3) وغيرهما يذكرون أنه قد تقوّت الروابط بين الاثنين بمثل ما تقوّت بينه وبين أمير « عيينة » وزوّج محمد بن سعود ابنه عبدالعزيز من إحدى بنات محمد بن عبد الوهاب ، ولا يزال العهد بين آل سعود وعائلة عبد الوهاب مستمراً إلى يومنا هذا ، وإن اختلف مضمومنه مع استمرار التزاوج على نطاق وسيع (4).

بدء الدعوة نشرها
    شعر محمد بن عبد الوهاب بقوته عن طريق هذا التحالف الجديد ، وأن الامارة السعودية اصبحت تناصره وتؤازره ، فلأجل ذلك جمع الشيخ أنصاره وأتباعه وحثهم على الجهاد ، وكتب إلى البلدان المجاورة المسلمة أن تقبل دعوته ، وتدخل في طاعته ، وكان يأخذ ممن يطيعه عشر المواشي والنقود والعروض ، ومن أبى غزاه بانصاره ، وقتل الأنفس ونهب الأموال ، وسبى الذراري ، وكان شعارهم : « ادخل في الوهابية وإلاّ فالقتل لك ، والترمّل لنسائك ، واليتم لأطفالك » هذا هو بالذات مبدأ الوهابية الّذي لا تتنازل عنه لأية مصلحة ، ومن أجله تحالف مع ابن معمر في « العيينة » ، ثم مع ابن سعود في « الدرعية » ، وكان على أتم استعداد أن يتحالف مع أية قوة يستعين بها على ذلك (5).
1 ـ أبو علية ـ عبد الفتاح : محاضرات في تاريخ الدولة السعودية الأولى ص 13 ـ 14.
2 ـ فيليب حتّى : تاريخ العرب ج 2 ص 926 المترجم إلى الفارسية.
3 ـ العقيدة والشريعة في الإسلام ص 267 ط مصر الطبعة الثانية.
4 ـ جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ، ط الرياض ص 23.
5 ـ محمد جواد مغنية : هذه هي الوهابية ، ص 114.


(339)
    كان الشيخ يغزو بأنصاره وأتباعه عربان نجد ، يسلبونهم مصدر حياتهم ، ثم ينتقلون إلى الدرعية بعد أن يتركوا وراءهم أشلاء الضحايا ، والخرائب والأرامل والأيتام ، ويوزع الشيخ عليه أربعة أخماس الغنائم والأسلاب من المسلمين الآمنين ، ويخص الخمس بالخزينة الّتي يشرفون عليها هو و الأمير السعودي.
    يقول عبداللّه فيلبي في تاريخ نجد : « وقد أدخل الإمام في عقول طلابه مبادىء فريضة الجهاد المقدس ، فوجد الكثير منهم في الجهاد أقدس تعاليمه ، إذ أنه يتفق مع ما اعتاد عليه العرب ـ يريد أنّ العرب قد اعتادوا على السلب والنهب ـ ، كما خصص الشيخ خمس الأسلاب لخزينته المركزية الّتي كان الأمير والإمام يتقاضيان منها ما يقوم بأودهما ... وهكذا كان سلطان الشيخ في تصرف شؤون البلاد بعد مرور سنة أو سنتين ، وقد أصبح شريكاً مؤسساً.

الوهابية أو السيف
    ربما يستغرب القارىء عند ما يسمع أنّ الوهابية تحصنت في بدء دعوتها بهذا الشعار ، وطبقته في حياتها سنين ، ولكنه لعمر اللّه حقيقة لامرية فيها ، فقد ارتفع صرح الإمارة السعودية يوم انتشارها إلى العصر الحاضر على هذا الأصل ، فإن السعودية آنذاك ويوم تعاهدها مع محمد بن عبدالوهاب تعيش حياة البؤس ، ولم يكن ابن سعود متمكناً حتّى من تأمين الأغذية لأعز تلاميذ محمد بن عبد الوهاب ، الّذي يمارس تأثيره بقوة الإقناع فقط (1).
    وبعد أُولى غزوات الدرعيين على جيرانهم ، وزعت الغنائم بالعدل طبقاً لأحكام الوهابية : الخمس لابن سعود ، والباقي للجند; ثلث للمشاة ، وثلثان للخيالة; وكان التمسك بالوهابية يكافأ مادياً ، وإذا كان الغزو في السابق مجرد حملة شجاعة ، فقد تحول الآن إلى انتزاع أموال المشركين! وإحالتها إلى المسلمين الحقيقيين!
1 ـ ابن بشر : عنوان المجد ، ج 1 ص 13.

(340)
صِدام بين ابن عبد الوهاب وأمير « العيينة »
    قد تعرفت أنّ التحالف بين الشيخ وأمير « العيينة » لم يلبث إلاّ برهة قليلة ، وأنه اعتذر عن ضيفه وسمح له أن يغادر الامارة ويذهب إلى أية نقطة شاء ، ولما التحق محمد بن عبدالوهاب بأمير « الدرعية » وبزغ نجمه ، أحسّ عثمان بن معمر أمير « العيينة » بتمخض خطر من جانب السعوديين ، فلم يجد مناصاً من إظهار التودد والمداراة معهم ، إلى أن انتهى به الأمر إلى تزويج ابنته من ابن عبد العزيز بن محمد بن سعود ، الّذي بلغ الوهابيون في عهده أوج قوتهم (1). إلاّ أنّ العداء حتّى الموت بين الأقارب ظاهرة عادية تماماً في الجزيرة العربية ، فلا داعي للدهشة من تطور الأحداث لاحقاً ، وكان لموقف محمد بن عبد الوهاب ـ الّذي لم ينس أنّ أمير « العيينة » نفاه منها ـ أهمية حاسمة في التنافس بين حكام « الدرعية » و « العيينة » ، فلم يلبث إلاّ يسيراً حتّى اتّهم أمير « العيينة » بأنه أجرى مراسلات سرية مع حاكم الأحساء « محمد بن عفالق » وأعد العدة للخيانة (2).
    ـ ولأجل ذلك ـ أرسلوا بعض المرتزقة ، ومنهم حمد بن راشد ، وإبراهيم بن زيد إلى عثمان بن معمر حاكم « العيينة » فاغتالوه أثناء أدائه لصلاة الجمعة.
    ومما جاء في كتاب أصدره آل سعود وآل الشيخ تحت عنوان : تاريخ نجد ، ونقله عن رسائل محمد بن عبدالوهاب ، الشيخ حسين بن غنا ، وأشرف على طباعته عبدالعزيز بن باز مفتي الديار السعودية ، العبارة التالية :
    إنّ عثمان بن معمر مشرك كافر ، فلمّا تحقق أهل الاسلام من ذلك تعاهدوا على قلته بعد انتهائه من صلاة الجمعة ، وقتلوه وهو في مصلاه بالمسجد في رجب سنة 1163 هـ وفي اليوم الثالث من مقتله جاء محمد بن عبدالوهاب إلى « العيينة » وعين عليهم مشاري بن معمر ، وهو من أتباع محمد بن عبد
1 ـ ابن بشر : عنوان المجد ، ج 1 ص 23.
2 ـ فاسيليف : فصول من تاريخ العربية السعودية ـ ص 28.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: فهرس