بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: 401 ـ 410
(401)
لم يثق بعبد العزيز وأقواله ، وخاصة بعد أن اتخذنا قراراتنا بتجريمه وتكفيره وعزله » وفي هذا الإجتماع قال عبدالعزيز عن نفسه إنه خادم الشريعة ، يحافظ عليها أتم المحافظة ، وهو الّذي يعهدونه من قبل ولم يتغير كما يتوهم الناس ، ولا يزال ساهراً على مصالح العرب والمسلمين.
    وفي عام 1346 هـ قررت الحكومة العراقية التفاوض لإقامة مخافر للشرطة مجهزة باللاسلكي والسيارات المصفحة بالقرب من الحدود النجدية ، للإشراف على تنقلات البدو ، ومنع الغزو ، وفي أثناء إنشاء المخافر هاجم الإخوان مخفر البصية فقتلوا عدداً من العمال والشرطة الذين كانوا فيه ، ثم عادوا من حيث أتوا ، وتقدر المصادر البريطانية عدد القتلى بعشرين كان من بينهم امرأة واحدة. كان الإخوان يشنون غاراتهم على العشائر العراقية ويعيثون فيها نهباً وقتلا ، إلى أن اضطرت الطائرات الإنجليزية بإصرار من الحكومة العراقية إلى إلقاء منشورات على البادية تنذر الإخوان بالابتعاد عن الحدود العراقية بمسافة أربعمائة ميل ، ولكن لم يهتم الإخوان بهذه المنشورات ، فانتهت بقصف تجمعاتهم وقواهم (1).
    إنّ قصف الطائرات وضع ابن سعود بين نارين : نار الإنجليز ونار الإخوان ، ووجد ابن سعود أن الأفضل أن يتفاوض مع الإنجليز بدلا من محاربتهم ، فجرت مفاوضات في جدة مرتين ، وكان يمثل الجانب البريطاني ( سرجلبرت كلايتون ) ورجع عبدالعزيز بعد ذلك إلى الرياض واجتمع مع الإخوان ، فأخذ يهدىء روعهم ، وطلب منهم أن يعرضوا شكاواهم عليه ، فذكرو اله منها علاقته بالكفار وصداقته مع الأنجليز ، واستعمال مخترعاتهم الشيطانية كالسيارات وأجهزة الهاتف ، وتساهله تجاه المخافر الّتي يبنيها الكفار على الحدود ، ومنع المسلمين من الجهاد لإعلاء كلمة اللّه ونصر دينه ، وفي هذا المؤتمر حاول ابن سعود أن يقنعهم بأن جهاد الكفار يجب أن يكون في حدود الطاقة ، وأن هذه الآلات ليست من السحر وعمل الشيطان.
1 ـ فيلبي عبداللّه : تاريخ نجد ، ص 359.

(402)
ثورة الإخوان
    إنّ النتيجة الّتي انتهى إليها مؤتمر الرياض لم يرض عنها الرؤساء الثلاثة فيصل الدويش وسلطان بن بجاد وابن حثلين ، فصاروا ينشرون الإشاعات السيئة ضد ابن سعود ، وأنه بصدد هدم الدين وموالا الكفار وطلب الملك ، ويقطعون الطريق على القوافل ، ويهاجمون عشائر العراق.
    كان عدد الثائرين نحواً من خمسة آلاف رجل فأعدّ عبدالعزيز جيشاً كبيراً لقتالهم يربو على خمسة عشر ألفاً ، ووقعت المعركة بين الفريقين في صباح 35 آذار سنة 1929 الموافق سنتة 1349 هـ وانتهت بهزيمة الإخوان وانتصار عبدالعزيز.
    يقول الدكتور علي الوردي : إنّ معظم بناة الدول يقتلون من ساعدهم على بنائها ، وسبب ذلك أن أولئك المساعدين يريدون أن يشاركوا الباني في ثمرة بنائه ، بينما هو لا يريد أن يتنازل لهم عن تلك الثمرة ، فينشب النزاع بينهم ، وربما ينتهي إلى القضاء على أولئك المساعدين ، وقد صدق من قال : السياسة لا أب لها.
    ويبدو أنّ هزيمة الإخوان كانت بسبب أن المشايخ والعلماء كانوا مع عبد العزيز ، وهذا مما أدى إلى الوهن في عزيمة الإخوان ، وقلل من فدائيتهم وحماسهم الديني (1).
    لمّا تخلّص عبدالعزيز من حركة الإخوان ، أنشأ جيشاً تحت إشراف بعض الضباط العرب من بقايا الجيش العثماني واستورد السيارات وأجهزة اللاسلكي ، وأنشأ مدارس حديثة في بلاده ، وهو وإن تخلّص من شرّ الإخوان لكنه ابتلي بشر علماء الدين النجدييين ، فقد أوجد فتح المدارس الإبتدائية في الحجاز ضجة بينهم ، فاحتجوا على عبد العزيز بأنه يجري تعلم الرسم أولا ، واللغات الأجنبية ثانياً ، والجغرافيا ثالثاً في تلك المدارس الحديثة.
1 ـ صادق حسن السوداني : العلاقات العراقية السعودية ، ص 308 والوردي ، علي ، لمحات ص 335.

(403)
    ظل المشايخ يستنكرون المخترعات الحديثة الّتي ترد إلى البلاد ، فاستنكروا الحاكي والسينما والأنوار الكشافة والطائرات ، فهم يعتقدون في الطائرات مثلا أن ركابهم يتحدَّون ربهم بها (1).
    وحين بدأ الأمريكيون ينقبون عن النفط في منطقة الظهران ، قال المشايخ لابن سعود : لا يجوز دخول الكفار البلاد لأنهم يفسدون الرجال والنساء ، ويدخلون الخمر والفوتوغراف وما شاكل ذلك من الأمور الشيطانية إلى داخل البلاد ، ومن الطرائف الّتي تروى في هذا الصدد أن جماعة من البريطانيين زاروا ابن في قصره في الرياض ، وبينما هم في القصر حلّ وقت الصلاة ، فقام ابن سعود وحاشيته يصلون خلف إمام لهم ، فقرأ الإمام في الركعة الأولى قوله تعالى : ( وَلاَ تَركَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) وأعاد قراءة الآية في الركعة الثانية ، ولما انتهت الصلاة زحف ابن سعود من مكانه نحو الإمام وأشبعه وخزاً وركلا ، وهو يؤنبه قائلا : « ما لك بالسياسة يا خبيث ، وما الّذي تقصده من ترديد هذه الآية في كل ركعة؟ أفلا توجد آيات غيرها » (2).
    فلم تُجْدِ اعتراضات الإخوان ومعارضة المشايخ نفعاً.
    وهنا يقف القارىء على تطور الوهابية في سيرها التاريخي ، فمبادىء الوهابية هي الّتي كان الإخوان يطلبونها ، فقضى عليهم عبد العزيز بالسيف والنار ، ثم ما يطلبه المشايخ من تحريم العلم الحديث والاختراعات الحديثة وإيقاف المجتمع على ما كان عليه من السذاجة والبساطة ، وهؤلاء يستنكرون ، وعبد العزيز كان يعمل بقوة وقدرة ، ويسقطب الرأي العالم لصالحه ، فلم يجد المشايخ بدّاً من السكوت. وأين هذه المباديء الّتي تسوق إلى الأُمية من وهابية اليوم الّتي يدرس مشايخها في الجامعات الحديثة وينالون الدرجات العلمية الرائجة في الغرب ، ويأكلون ويلبسون ويسافرون مثل الإفرنج ، حتّى أنّ مفتي المملكة تذاع خطبه مباشرة عن طريق وسائل الإعلام السمعية والبصرية ، وها هنّ البنات يدرسن في الجامعات في مختلف العلوم ،
1 ـ فيلبي ، عبداللّه : تاريخ نجد ، ص 356.
2 ـ المميز ، أمين : المملكة العربية السعودية كما عرفتها ، ص 126 ـ 129.


(404)
وهذه المقاهي ودور السينما والأفلام المبتذلة الخليعة ، وأشرطة الأغاني والموسيقى : هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنه لم يبق من مبادىء الوهابية إلاّ ما يمت إلى الأولياء وقبورهم ومراسم إحياء مواليدهم ، لم يبق شيء منها ، سوى ما يرجع إلى الحط من مقامات الأولياء وتوقيرهم واحترامهم ، فبناء القباب على مشاهد الصالحين محرم ، والتوسل بهم محظور ، لكن الربا جائز والحلف مع الكفّار سائغ ، وتسليطهم على بلاد المسلمين لدعم عرش السلطة أمر لابد منه ، والأغاني الّتي تشيع الخلاعة وتدفع الشباب إلى الميوعة والتسيب الخلقي مباحة ومشروعة ، وهكذا دواليك.
     ( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مَمّا يَكْسِبُونَ ) (1).
1 ـ سورة البقرة : الآية 79.

(405)
أزمة ثالثة يواجهها عبدالعزيز
    قد قضى عبدالعزيز على فتنة الإخوان ، وكافح محالفة مشايخ الدين ، ولكنه قد واجه عام 1349 هـ وما بعدها أزمة خاصة ، وهذه السنوات كانت منحوسة على أمير الحجاز ، حيث إنّ الأزمة الاقتصادية قد خيمت بكابوسها على الحجاز ونجد ، وقلّ مجيء الحجاج إلى الحجاز ، فبعد ما كان عدد الحجاج في السنوات السابقة يقدر بمائة ألف انخفض إلى أربعين ألفاً في عام 1350 هـ وإلى ثلاثين ألفاً في عام 1351 هـ وإلى عشرين ألفاً في العام المتأخر عنها ، فساد البؤس والحرمان في أنحاء الحجاز ، وأصبح الكثير من سكانه على حافة المجاعة ، وأينما سار الحجاج يحيط بهم المتسولون من كل جانب للاستجداء ، وإذا رمى أحد الحجاج بفضلات الطعام أو قشور الفواكه تهافت عليها الأطفال متكالبين من شدة الجوع (1).
    وهذا فيلبي يذكر في مذاكراته : بدأ القلق يستحوذ على الملك عبدالعزيز ، فأعرب عن قلقه في ذات يوم ، وقال بأنّا سنواجه كارثة اقتصادية تحل بالبلاد ، ويضيف فيلبي : قلت له إن بلدك مليء بالكنوز الدفينة من نفط وذهب ، وأنت عاجز عن استغلالها بنفسك ، ولا تسمح للآخرين باستغلالها بالنيابة عنك ، فقال عبد العزيز : لو وجدة من يدفع لي مليون جنيه فإنني سأمنحه كل ما يريده من امتيازات في بلادي (2).
1 ـ خيري حماد ، عبداللّه فيلبي ، ص 208 ـ بيروت ، 1961 م.
2 ـ نفس المصدر.


(406)
    لمّا وقف الغرب على وجود الكنوز في أراضي نجد ، حصل التنافس للحصول على امتياز التنقيب عن النفط بين شركتين :
    إحداهما أمريكية والأخرى بريطانية ، وقد تمكنت الشركة الأمريكية من الحصول على الامتياز عام 1353 هـ ، ووقعت الاتفاقية في جدة ، من قبل مستر هاملتون والشيخ عبداللّه سليمان ممثل الحكومة السعودية. (1)
    وكانت هذه هي الخطوة الأولى الّتي مكنت الأمريكيين من السيطرة على منابع الثروة في شبه الجزيرة العربية.
    وبعد فترة من الزمن ، وبشكل تدريجي تمكن الأمريكيون من إعمال نفوذهم ، والسيطرة على جميع مصادر الثروة بالحد الّذي نشاهده اليوم ، ولا نطيل الكلام في ذلك ، ونحيل القراء الكرام إلى مطالعة الصحف اليومية الّتي تصدر من أجهزة الإعلام العالمي ، والتي تحكي مراراً وتكراراً أخبار خيانة آل سعود لشعوب العالم الإسلامي ، وسعيهم الحثيث لاستنزاف مصادر الثروة لصالح الأمريكيين.

زوجاته وأولاده
    يقول الوردي : كان عبدالعزيز مزواجاً إلى درجة يندر أن يكون له مثيل في عصرنا ، وكان مولعاً بزيادة نسله حتّى بلغ مجموع أولاده الذكور أخيراً خمسة وأربعين ولداً ، مات منهم عشرة وبقي منهم خمسة وثلاثين ، وأما بناته فلا نعلم عن عددهن شيئاً ، وقد تولد آخر ولده في عام 1368 هـ وكان في الواحدة والسبعين من عمره ، وقد ناهز عدد أولاد وأحفاده بما فيهم من البنات عند وفاته الثلاثمائة.
    إنّ هذا العدد الكبير من الأُمراء أصبح ظاهرة اجتماعية لها أثرها الكبير في المملكة السعودية ، فقد صاروا طبعة متميزة تعيش فوق القانون ، وقد توافر لدى أفراد هذه الطبقة من جراء تدفق النفط مال كثير يكاد لا يحصى ، ولا
1 ـ الوردي ـ علي : لمحات ، ص 351.

(407)
حاجة إلى القول بأن اجتماع هذين العاملين ـ التميز الطبقي وتوافر المال ـ لابد أن يؤدي بطبيعته إلى الترف الباذخ والانهماك في الشهوات بلا حدود (1).

نهاية العهد
    بدأت تظهر على عبدالعزيز منذ سنة 1367 هـ أعراض الشيخوخة والانحلال ، وزاد الألم في ركبتيه فلم يعد يقوى على المشي ، ولجأ إلى الاستعانة بكرسي متحرك ، وعاد لا يميز الأشياء على الرغم من ارتداء النظارات ، إلى أن لفظ أنفاسه في ثاني شهر ربيع الأول سنة 1373 هـ عن سبعة وسبعين عاماً ، ونودي بسعود بن عبدالعزيز ملكاً ، وبفيصل ولياً للعهد ، وبعدما عُزل سعود عن العرش جرت البيعة لفيصل ملكاً ، ولخالد ولياً للعهد ، فلما قتل فيصل جرت البيعة لخالد بن عبدالعزيز ملكاً ، ولفهد ولياً للعهد ، وبعد موت خالد ألقيت مقاليد الملوكية بيد فهد ، وصار عبداللّه بن عبدالعزيز ولياً للعهد; وإليك لمحة خاطفة عن حياة هؤلاء إكمالا للبحث (2).

15 ـ سعود بن عبدالعزيز ( 1373 ـ 1384 هـ )
    ولد سعود بن عبدالعزيز عام 1320 هـ وهو الابن الثاني لعبد العزيز ، وولد فيصل عام 1324 هـ من الزوجة الثانية لعبد العزيز ، وهي من آل الشيخ ، وقد جرى بين الأخوين غير الشقيقين تنافس مستمر لم ينقطع حتّى بعد موت عبدالعزيز ، بالرغم من اليمين الّذي أقسماه ، وقد أدلى سعود في أول اجتماع لمجلس الوزراء ببيانه السياسي الأول بوصفه أنه ملك ، وأنّ من أهدافه تعزيز الجيش ومكافحة الفقر والجوع والمرض ، وتحسين الخدمات الطبية ، وتأسيس وزارات للمعارف والزراعة والمواصلات (3).
    ولكن كان لسعود وفيصل تاريخ من المنافسة حتّى دعاهما أبوهما إلى غرفة نومه الّتي أمضى فيها آخر شهور حياته ، وقال لهما : أمسكا بأيديكما وأقسما بأن
1 ـ الوردي ، علي : لمحات ، ص 322.
2 ـ جبران شامية : آل سعود ، ماضيهم ومستقبلهم ، ص 166.
3 ـ أمين سعيد : تاريخ المملكة السعودية ، ج 3 ص 16.


(408)
تعملا معاً حينما أموت ، وأن لا تتجادلا فيما بينكما بحيث لا يسمع العالم عدم توافقكما ، ولكن ما مضى شيء من موت الوالد حتّى بدأت الخلافات تظهر بسرعة ، وتزايدت الانشقاقات بأكثر مما كان يتصور (1).
    سقط الملك سعود عام 1381 هـ مريضاً بسبب قرحة في الأمعاء ، وأشار الأطباء الأمريكيون عليه بالذهاب للعلاج إلى أمريكا ، ولما عاد سعود إلى البلاد بعد بضعة أشهر استغرقت علاجه في الخارج ، وبعد أن استحوذ فيصل على كل شيء من أجهزة الدولة ، وكادت أن تقع مصادمات عنيفة بين الأخوين لولا أن تدخلت العائلة ، حيث أثمرت تسوية بين الأخوين على أن يتقاسما الوزارة.
    وفي خريف عام 1382 هـ قصد سعود أوربا للعلاج ، فأخذ فيصل يعمل بنشاط لإحكام سيطرته على السلطة ، وعيّن أخاه غير الشقيق قائداً للحرس الوطني ، وأخاً آخر حاكماً للرياض ، فلما عاد سعود فوجىء بالتغييرات الأخيرة ، فاضطر إلى الرضوخ لما أملاه عليه أخوه من الظهور بمظهر الملك ، دون صلاحية للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
    وانتهى بعد خلافات واسعة إلى خلع سعود بن عبدالعزيز عن الملك ، وحلّ فيصل بن عبدالعزيز ملكاً مطلقاً على المملكة ، وصدرت الفتوى ( الشرعية ) اللازمة من الشيخ محمد إبراهيم مفتي الديار السعودية في 16 من شهر جمادى الثانية عام 1382 هـ ، واضطر سعود إلى مغادرة البلاد والانتقال إلى مصر ، فحل في القاهرة ضيفاً على عبد الناصر أيام كانت العلاقات بين مصر والجزيرة العربية متوترة ، إلى أن مات فيها عام يراجع المصدر وقد كان ذا ثروة طائلة بذلها لاسترداد عرشه ، ولكنه خسر في هذه المحاولة.
    يقول جبران شامية : ما من رجل استطاع أن يبذل هذه الأموال في مثل هذا الوقت القصير ، وبمثل هذه النتائج الضئيلة كسعود (2).
1 ـ القحطاني ـ فهد : صراع الأجنحة في العائلة السعودية ، ص 80 ، ط لندن.
2 ـ جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ، ص 179 ـ 180.


(409)
16 ـ فيصل بن عبدالعزيز ( 1384 ـ 1395 هـ )
    قد تسنّم فيصل منصة العرش بعد خلع أخيه سعود من الحكم وهو يعلم أن الضمان الوحيد للإبقاء عليه على منصة الحكم هو إظهار الولاء للأمريكيين ، فاتصل بسفير أمريكا ورؤساء شركة آرامكو مراراً ليقنعهم بأنه أجدى لهم وأبقى لمصالحهم من سعود ، وفي عام 1385 هـ سافر إلى أمريكا ومكث مدة مبدياً للمسؤولين الأمريكان تذمره من سعود ، واجتمع بوزير خارجية أمريكا آنذاك ( جون فوستر دالاس ) وبالرئيس الأمريكي السابق ( أيزنهاور ) شاكياً لهما سوء تصرفات سعود (1).
    وقال فيصل : إنني أقول لكم بصراحة : إنّ هناك من الأمريكان المسؤولين عندما يكتب لكم ضدي ويزعم أن سعوداً أكثر إخلاصاً لأمريكا مني لكنهم على خطأ ، فإنني أصدق صديق لأمريكا (2).
    وجهت مجلة « المصور » لفيصل الأسئلة التالية التي أقحم فيها تعبيره عن حبه لأمريكا بطريقة غير مستقيمة :
    س ـ ما سبب رحلة سموكم إلى أمريكا؟
    ج ـ السبب هو أنني أصدق صديق لأمريكا ، لكن الأمريكان مع الأسف الشديد لم يقدروا هذه الصداقة حتّى الآن. ونشرت له مجلة المصور أيضاً بتاريخ ( 17/8/1958 ) تصريحاً قال فيه : يعتقد الأمريكان أني عدو لهم ، مع أنهم لو أدركوا معنى نصحي لهم لعرفوا أني أصدق صديق لهم.
    وعقد « جون فوستر دالاس » وزير خارجية أمريكا مؤتمراً صحيفاً أعلن فيه بكل صراحة عندما سئل عن رأيه بتولي فيصل لمناصبه ، قائلا : إنني مطمئن كل الإطمئنان بكل ما حدث في السعودية ، نحن قد تفاهمنا مع الأمير فيصل في ذلك عندما كان في أمريكا (3).
1 ـ السعيد ، ناصر : تاريخ ال سعود ، ص 661 ـ 662.
2 ـ مجلة المصور المصرية في عددها الصادر بتاريخ 13/7/1958 م.
3 ـ ناصر السعيد : تاريخ آل سعود نقلا عن مجلة المصور المصرية.


(410)
    قد وجه وفد مبعوث عن التلفزيون البريطاني سؤالا عن إمكان قيام نظام ديمقراطي في السعودية ، فأجاب فيصل : في اعتقادنا أن في المملكة في وقتها الحاضر أحسن وأجود نظام ديموقراطي ، ونحن في بلادنا لا نشعر بأن هناك أي فوارق أو مميزات لفئة أو لأشخاص دون أشخاص ، وإن الجميع متساوون في الحق أمام الحكم العادل ، ولذلك نعتقد أننا نمثل أعلى ديموقراطية (1).
    وفي الوقت الّذي يجيب فيه عن الأسئلة بهذه الصورة بكل صلف وشراسة ، نجد أن المملكة الواسعة صارت ملكاً لقبيلة واحدة تملك كل شيء ، وليس هناك مجلس للنواب ولا مجلس للشيوخ ، ومع ذلك فهم يمثلون أجود نظام ديموقراطي ، وأقصى ما عندهم مجلس الوزراء ، وهم الطبقة الأولى من هذه العائلة يمثلون الوزارة!
    كان فيصل يملك ويحكم إلى أن قتل بيد ابن أخيه فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز ، حيث دخل مكتبه مع الوفد النفطي الكويتي الّذي قدم للقاء فيصل ، وحين وصل دوره للسلام على الملك وانحنى لتقبيل كفه ، أخرج من معطفه مسدساً أطلق منه ثلاث رصاصات وجهت لرأس الملك وصدره ، وبذلك طويت صحيفة عمره ، وقد كثرت التعاليق السياسية على هذا القتل حتّى رمي القاتل بالجنون مع أنه أجري عليه القصاص!

17 ـ خالد بن عبدالعزيز ( 1395 ـ 1402 هـ )
    اجتمعت العائلة السعودية وأفراد الأُسرة المالكة وبايعوا خالداً أخاه بالملك ، وفهد كولي لعهده ، وقد جاءت المبايعة بسرعة لاستباق الأحداث ، ولكن منذ اليوم الأول لإعلان البيعة لخالد كانت الأنظار متوجة إلى فهد كملك غير متوج ، وكان خالد يملك ولا يحكم ، وهو يحكم ولا يملك ، إن الأمريكيين كانوا يرغبون في وصول فهد إلى الملك ، ففهد هو الّذي يلقي بيانات الملك خالد وكلماته وخطبه ، وهو الّذي تفرد بالزيارات الرسمية ، فزار الكويت والعراق ، ثم إيران وفرنسا ولندن وسوريا والأردن ومصر.
1 ـ ناصر الشمراني : فيصل القاتل والقتيل ، نقلا عن كتاب فيصل بن عبدالعزيز من خلال أقواله وأعماله ، صلاح الدين المجد ، ص 204.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: فهرس