بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 131 ـ 140
(131)
نحو الخريت وأصحابه ، وهزمهم هزيمة منكرة قتل فيها الخريت ، وتقرّق من بقي من أتباعه هنا وهناك.
    هكذا ، انتهت حياة الخريت الناجي الذي لم تعرف هويّته الفكرية على حقيقتها ، إذ وجدناه تارة يحارب إلى جانب علي ( عليه السَّلام ) وطوراً يخرج على إمامته ويشدّد النكير عليه ، ومرّة يزعم أنّه من الخوارج واُخرى يتآمر على حياة زعمائهم فيستعدي عليّاً على عبدالله بن وهب الراسبي وزيد بن حصين ليقتلهما ، ويقول المسعودي : إنّ الخريت ارتدّ مع أصحابه إلى النصرانية (1) .
    2 ـ لمّا خرج أهل النهروان خرج أشرس بن عوف الشيباني على عليّ « بالدسكرة » في مائتين ثمّ سار إلى الأنبار ، فوجّه إليه علي ( عليه السَّلام ) الأبرش بن حسان في ثلاثمائة وواقعه فقتل أشرس في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين.
    3 ـ ثم خرج هلال بن علفة ومعه أخوه مجالد فأتى « ماسبذان » ووجّه إليه علي معقل بن قيس الرياحي فقتله وقتل أصحابه وهم أكثر من مائتين ، وكان قتلهم في جمادى الاُولى سنة ثمان وثلاثين.
    4 ـ ثم خرج الأشهب بن بشر و قيل الأشعث وهو من « بجيلة » في مائة وثمانين رجلا ، فأتى المعركة التي اُصيب فيها هلال وأصحابه فصلّى عليهم و دفن من قدر عليه منهم ، فوجّه إليهم علي جارية بن قدامة السعدي وقيل حجربن عدي ، فأقبل إليهم الأشهب فاقتتلا بـ « جرجرايا » من أرض « جوخا »
    1 ـ المسعودي : مروج الذهب; المطبوع في سبعة أجزاء 3/59. ويظهر منه أنّه كان من أصحاب عليّ ولم يكن من الخوارج وإنّما انفصل عنه ، عندما عسكر الإمام بالنخيلة ليذهب بالناس إلى حرب معاوية ثانيا فعند ذلك جعل أصحابه يتسلّلون و يلحقون بأوطانهم فلم يبق منهم إلاّ نفريسير ، ومضى الخريت بن راشد الناجي في ثلاثمائة من الناس فارتدّوا إلى دين النصرانية .... .

(132)
فقتل الأشهب و أصحابه في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين.
    5 ـ ثم خرج سعيد بن قفل التميمي في رجب بـ « البندجين » و معه مائتا رجل فأتى « درزنجان » وهي من المدائن على فرسخين ، فخرج إليهم سعد بن مسعود فقتلهم في رجب سنة ثمان و ثلاثين.
    6 ـ ثم خرج أبو مريم السعدي التميمي فأتى « شهرزور » وأكثر من معه من الموالي ، وقيل لم يكن معه من العرب غير ستة نفر هو أحدهم ، واجتمع معه مائتا رجل وقيل أربعمائة ، وعاد حتى نزل على خمسة فراسخ من الكوفة ، فأرسل اليه عليّ يدعوه إلى بيعته ودخول الكوفة ، فلم يفعل ، قال : ليس بيننا غير الحرب ، فبعث إليه عليّ شريح بن هاني في سبعمائة ، فحمل الخوارج على شريح وأصحابه فانكشفوا ، وبقي شريح في مائتين فانحاز إلى قرية ، فتراجع بعض أصحابه ، ودخل الباقون الكوفة ، فخرج عليّ بنفسه و قدم بين يديه جارية بن قدامة السعدي ، فدعاهم جارية إلى طاعة عليّ ، وحذّرهم القتل فلم يجيبوا ، ولحقهم عليّ أيضاً فدعاهم فأبوا عليه و على أصحابه ، فقتلهم أصحاب علي ولم يسلم منهم غير خمسين رجلا استأمنوا فأمنهم ، وكان في الخوارج أربعون رجلا جرحى فأمر عليّ بادخالهم الكوفة ومداواتهم حتى برئوا ، وكان قتلهم في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين ، وكانوا من أشجع من قاتل من الخوارج ولجرأتهم قاربوا الكوفة (1) .

جريمتهم الكبرى أو آخر سهم في كنانة الخوارج :
    قتل الإمام رؤوس الخوارج واستأصلهم ، وقد نجت فئة منهم وتواروا في البلاد كما انّ من كان به رمق منهم ، دفعهم الإمام إلى عشائرهم ليداووهم ، ولكن
    1 ـ ابن الأثير : الكامل 3/187 ـ 188.

(133)
كان للقوم في البصرة ونواحيها أنصار وموالون في الطريقة وكان للهالكين في ساحة القتال من ينتمي إليهم بشيء من النسب والسبب ، فكانوا ينتهزون الفرصة لأخذ ثأرهم من الإمام عليّ ( عليه السَّلام ) قال : المبرّد : فلمّاقتل عليّ أهل النهروان وكان بالكوفة زهاء ألفين ممّن لم يخرج مع عبدالله بن وهب وقوم ممّن استأمن إلى أبي أيّوب الأنصاري ، فتجمّعوا وأمروا عليهم رجلا من طي ، فوجّه إليهم علي ( عليه السَّلام ) رجلا وهم بالنخيلة فدعاهم ورفق بهم ، فأبوا فعاودهم ، فأبوا فقتلوا جميعاً ، فخرجت طائفة منهم نحو مكة فوجّه معاوية من يقيم للناس حجّهم فناوشه هؤلاء الخوارج فبلغ ذلك معاوية ، فوجّه بسر بن أرطاة أحد بني عامر بن لؤي ، فتوافقوا وتراضوا بعد الحرب بان يصلّي بالناس رجل من بني شيبة لئلاّ يفوت الناس الحج ، فلمّا انقضى نظرت الخوارج في أمرها ، فقالوا : إنّ عليّاً ومعاوية قد أفسدا أمر هذه الاُمّة ، فلو قتلناهما لعاد الأمر إلى حقّه ، وقال رجل من أشجع : والله ما عمرو دونهما ، وانّه لأصل هذا الفساد ، فقال عبدالرحمن بن ملجم : أنا أقتل عليّاً ، فقالوا : وكيف لك به؟ قال : أغتاله. فقال الحجاج بن عبدالله الصريمي وهو البرك : وأنا أقتل معاوية ، وقال زادويه مولى عمروبن تميم : وأنا اقتل عمرو ، فأجمع رأيهم على أن يكون قتلهم في ليلة واحدة فجعلوا تلك الليلة ليلة احدى وعشرين (1) من شهر رمضان ، وخرج كل واحد إلى ناحية ، فأتى ابن ملجم الكوفة ، فأخفى نفسه وتزوّج إمراةً يقال لها قطام بنت علقمة من تيم الرباب وكانت ترى رأي الخوارج ، ويروى أنّها قالت : لاأقنع منك إلاّ بصداق اُسمّيه لك ، وهو ثلاث آلاف درهم وعبدٌ وأمة ، وأن تقتل علياً ، فقال لها : لك ما سألت. فكيف لي به؟. قالت : تروم ذلك غيلة ، فإن سلمت أرحت الناس من شرّ وأقمتَ مع أهلك ، وإن أصبتَ صرتَ إلى
    1 ـ تفرّد المبرد بنقله ، والصحيح ليلة التاسعة عشر.

(134)
الجنة ونعيم لايزول فانعم لها وفي ذلك يقول :
ثلاثة آلاف وعبد وقَيْنَةٌ فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلى وضرب عليّ بالحسام المصمِّم ولافتك إلاّ فتك ابن ملجم
    ويروى أنّ الأشعث نظر إلى عبدالرحمن متقلّداً سيفاً في بني كندة فقال : يا عبدالرحمن أرني سيفك. فأراه فرأى سيفاً حديداً ، فقال : ما تقلّدك السيف وليس بأوان حرب؟ قال : فقال : إنّي أردت أن أنحر به جزور القرية. فركب الأشعث بغلته و أتى عليّاً فخبّره ، فقال له : قد عرفت بسالة ابن ملجم وفتكه ، فقال علي : ما قتلني بعد.
    ويروى انّ عليّا ـ رضوان الله عليه ـ كان يخطب مرّة ويذكر أصحابه ، وابن ملجم تلقاء المنبر ، فسمع وهو يقول : والله لأريحنّهم منك ، فلمّا انصرف علي ـ صلوات الله عليه ـ إلى بيته أتى به ملبباً (1) فأشرف عليه ، فقال علي : ماتريدون؟ فخبّروه بما سمعوا ، فقال : ما قتلني بعد فخلّوا عنه.
    ويروى أنّ علياً كان يتمثّل إذا رآه ببيت عمرو بن معدي كرب في قيس بن مكشوح المرادي :
اُريد حياته ويريد قتلي عَذِيرَك من خليلكَ من مراد
    فقيل لعليّ : كأنّك قد عرفته و عرفت ما يريد بك. أفلا تقتله؟ فقال : كيف اقتل قاتلي؟.
    فلمّا كان ليلة احدى و عشرين من شهر رمضان خرج ابن ملجم وشبيب الأشجعي فاعتورا الباب الذي يدخل منه عليّ ـ رضي الله عنه ـ وكان مُغَلِّساً ويُوقظ الناس للصلاة ، فخرج كما كان يفعل فضربه شبيب فأخطاه
    1 ـ أي مأخوذا بتلابيه.

(135)
وأصاب سيفه الباب ، وضربه ابن ملجم على صَلْعَتِه (1) فقال علي : فزت ورب الكعبة ، شأنكم بالرجل. فيروى عن بعض من كان بالمسجد من الأنصار ، قال : سمعت كلمة عليّ ورأيت بريق السيف ، فأمّا ابن ملجم فحمل على الناس بسيفه فأفرجوا له وتلقّاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب بقطيفة فرمى بها عليه ، واحتمله فضرب به الأرض ، فقعد على صدره ، وأما شبيب فانتزع السيف منه رجل من حضرموت وصرعه وقعد على صدره وكثر الناس فجعلوا يصيحون : عليكم صاحب السيف ، فخاف الحضرميّ أن يكنُّوا عليه ولايسمعوا عذره فرمى بالسيف ، وانسلّ شبيب بين الناس فَدُخِلَ على عليّ فاومر فيه ، فاختلف الناس في جوابه فقال علي : « إن أعش فالأمر إليّ ، وان اُصب فالأمر لكم ، فإن آثرتم أن تقتصّوا فضربة بضربة وإن تعفوا أقرب للتقوى » .... ومات عليّ ـ صلوات الله ورضوانه عليه و رحمته ـ في آخر اليوم الثالث [ واتّفقوا على القصاص ] فدعا به الحسن ـ رضي الله عنه ـ [ فقال ابن ملجم له ] : إنّ لك عندي سرّاً فقال الحسن ـ رضوان الله عليه ـ : أتدرون ما يريد؟ يريد أن يقرب من وجهي فيعضّ اُذني فيقطعها. فقال : أما والله لو أمكنني منها لاقتلعتها من أصلها. فقال الحسن : كلاّ والله لأضربنّك ضربة تؤدّيك إلى النار (2) .
    هذا ما ذكره المبرّد في كامله ووافقه عدّة من المؤرّخين غير أنّ أهل البيت أدرى بما في البيت ، والصحيح أنّه قتل في المحراب وهو يصلّي الفجر وانّه ضرب في ليلة التاسعة عشر من شهر رمضان واستشهد في ليلة الحادية و العشرين منه : وإليك كلمة عن الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) في ذلك المجال
    1 ـ العبارة تعرب عن كونه مقتولا في باب المسجد ولكنّه مردود بقول أئمة أهل البيت على أنّه قتل في محراب عبادته.
    2 ـ المبرّد : الكامل 2/148. الطبري : التاريخ 4/110 ـ 112 ـ ابن الأثير : الكامل 3/194 ـ 195. الدينوري : الأخبار الطوال 214. المسعودي : مروج الذهب 4/166.


(136)
لمّا ضرب ابن ملجم ـ لعنه الله ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كان معه آخر فوقعت ضربته على الحائط ، وأمّا ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد على رأسه (1) .
    1 ـ الطوسي : الأمالي 233. المجلسي : البحار 42/205 ـ 206.

(137)
خاتمة المطاف :
ماهي أسباب النكسة في أعقاب حرب صفّين
    لم يختلف اثنان في أنّ النصر كان حليف الإمام طوال مدّة الحرب ، ولكن لمّا طرأت فتنة التحكيم واغترّبها بعض قادة جيشه وخاصة قرّاؤهم ، بدأ الضعف يدبّ في معسكر الإمام ، واختلفوا إلى فرقتين ، فرقة تنادي بالصلح والموادعة ، وفرقة أخرى ـ وكانت في الظاهر قليلة ـ تصرّ على مواصلة الحرب ، ولاجرم أنّ الغلبة كانت للطائفة الاُولى ، ثمّ إنّ نفس تلك الطائفة تراجعت عن فكرتها وحاولت أن تفرض على علي ( عليه السَّلام ) نقض ميثاق التحكيم ، ولكنّها لم تنجح وانتهى إلى ما عرفت من خروج المحكِّمة بصورة قوّة معارضة للإمام إلاّ أنّ الإمام استأصل شأفتهم ، وقطع جذورهم ، فلم يبق في القوم إلاّ حشاشات شكّلت نواة للانتفاضات والأعمال الاجرامية حيث استطاعت اغتيال الإمام واعطاء الفرصة لمعاوية ، لتحقيق طموحاته التي طالما راودته في


(138)
حياته السياسية.
    وكان من نتائج تلك الفتنة ، أنّ الإمام لم يتمكّن من عزل معاوية عن سلطته في الشام ، وضمّ الشامات إلى حكومته ، بل خرجت بعض المناطق التي كانت تحت يده عن سلطته ، فاستولى عمرو بن العاص على مصر ، وقتل عامل الإمام محمّد بن أبي بكر فيها حتى أصبح العراق مطمعاً لمعاوية من خلال الغارات التي قامت بها كتائبه.
    كلّ ذلك ، مانصفه بالنكسة تارة ، والهزيمة اُخرى ، ويطيب لنا بيان أسبابه في خاتمتنا هذه ، وربّما يتخيّل القارئ أنّ هذا البحث خارج عن موضوع هذا الجزء (الخوارج) ، ولكنّه إذا اطّلع عليه يقف على أنّ له الصلة التامّة بالموضوع وإليك البيان.
    إنّ السبب الحقيقي لوقوع النكسة كان أمرين :

الأوّل : سيادة نزعة الاعتراض على قرّاء الكوفة :
    كان جيش الإمام خليطاً من طائفتين طائفة صالحة مطيعة لأمر القيادة إلى حدّ التضحية بكلّ ما تملك لتنفيذ أوامرها من دون أيّ اعتراض ، و من نماذج تلك الطائفة مالك الأشتر ، وعدي بن حاتم وعبدالله بن عباس ، وعماربن ياسر ، وعمروبن الحمق الخزاعي ، وحجر بن عدي الكندي ، وسهل بن حنيف ، وسليمان بن صرد ، إلى غير هؤلاء من صلحاء الاُمّة وأتقيائها التابعين للإمام تبعية الضل لذي الضل.
    وطائفه تطغى عليها نزعةُ الاعتداد بالرأي والاستبداد في الأمر ، والتدخّل في شؤون القيادة ، وكانوا يتصوّرون أنّه ليس بينهم و بين القائد ، فرق حتى بقدر الأنملة ، وهذا الشعور كان ظاهراً منهم في جميع مواقفهم من


(139)
حين انضمامهم لراية الإمام إلى خروجهم عليه ، ومن نماذج هؤلاء ، حرقوص بن زهير المعروف بذي الثدية ، ومِسْعر بن فدكي ، وزيد بن حصين ، وشريح بن أوفى بن يزيد بن ظاهر العبسي ، ونافع بن الأزرق ، وعبدالله بن وهب الراسبي إلى غير ذلك من رؤوس تلك الطائفة الذين صاروا خوارج من بعد.
    وبما أنّ أصحاب هذه الطائفة كانوا يكثرون قراءة القرآن والصّلاة والتهجّد في الليل حتى اسودّت جباههم من السجود ، وأصبحت لهم ثفنات كثفنات البعير ، فكان لكلامهم نفوذ وتأثير كبير في جيش الإمام ، خاصّة اُولئك الذين كانوا من قبائلهم و كتائبهم و هم كثيرون.
    والذي يدلّنا على سيادة تلك النزعة فيهم (نزعة الاعتراض على القيادة والمتولّين لشؤون الحكومة) مانقرأه في تاريخ حياتهم وإليك بيانه :
    1 ـ ما سمعت من حديث النبي في حقّ رأس الخوارج (ذي الخويصرة) حيث وقف على رسول الله وهو يقسّم غنائم خيبر فقال له : ما عدلت منذ اليوم ، فقال رسول الله : ويحك من يعدل إذا لم أعدل؟! فقال عمر : ألا أقتله يا رسول الله؟ فقال رسول الله : إنّه سيكون لهذا ولأصحابه نبأ ، وقال : تحقر صلاة أحدكم في جنب صلاتهم ، وصوم أحدكم في جنب صيامهم ، ولكن لايجاوز إيمانهم تراقيهم ، وقال سيخرج من ضئضىء هذا الرجل ، قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة (1) .
    2 ـ ما رواه الطبري عن محمّد بن راشد عن أبيه في حرب الجمل قال : كان من سيرة عليّ : أن لايقتل مدبراً ولايذفف على جريح ولايكشف ستراً ولايأخذ مالا ، فقال قوم يومئذ : ما يحلّ لنا دماءهم ويحرّم علينا أموالهم؟ فقال
    1 ـ نقله أهل السير ونقله أصحاب الصحاح و المسانيد ، ورواه البخاري أيضاً في صحيحه لاحظ الجزء 6 تفسير سورة البراءة تفسير قوله سبحانه : والمؤلّفة قلوبهم ص 67.

(140)
عليّ : القوم أمثالكم من صفح عنّا فهو منّا و نحن منه ، ومن لجَّ حتى يصاب ، فقتاله منّي على الصدر والنحر ، وإنّ لكم في خمسه لغنى ، فيومئذ تكلّمت الخوارج (1) .
    وقد ذكر الطبري قصّة الاعتراض على وجه الإجمال ولكن غيره ذكره على وجه التفصيل ، قالوا : نقمت الخوارج على عليّ عندما قرب منهم في النهروان وأرسل إليهم أن سلّموا قاتل عبدالله بن خباب ، فأجابوه بأنّا كلّنا قتله ، ولئن ظفرنا بك قتلناك ، فأتاهم عليّ في جيشه ، وبرزوا إليه بجمعهم ، فقال لهم قبل القتال : ماذا نقمتم منىّ؟ فقالوا له : أوّل ما نقمنا منك انّا قاتلنا بين يديك يوم الجمل ، فلمّا انهزم أصحاب الجمل ، أبَحْتَ لنا ما وجدنا في عسكرهم من المال ، ومنعتنا من سبي نسائهم و ذراريهم ، فكيف استحللت مالهم دون النساء والذريّة؟ فقال : إنّما أبحتُ لكم أموالهم بدلا عمّا كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومي عليهم ، والنساء والذرية لم يقاتلونا ، وكان لهم حكم الإسلام ، بحكم دار الإسلام ، ولم يكن منهم ردّة عن الإسلام ولا يجوز استرقاق من لم يكفر ، وبعد لو أبحت لكم النساء ، أيّكم يأخذ عائشة في سهمه؟ فخجل القوم من هذا (2) .
    وما ذكره الطبري ، وإن وقع في سنده سيف بن عمر ، وهو ضعيف في الرواية ، ولكن مانقله البغدادي نقىّ السند مضافاً إلى أنّه تضافرت الروايات على نقله من الفريقين.
    روى الشيخ الطوسي في تهذيبه عن مروان بن الحكم قال : لمّا هزّمنا عليّ بالبصرة ردّ على الناس أموالهم ، من أقام بيّنة أعطاه ، ومن لم يقم بيّنة أحلفه ،
    1 ـ الطبري : التاريخ 3/545.
    2 ـ البغدادي : الفَرق بين الفِرق : 78.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس