بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 181 ـ 190
(181)
    الأزارقة ، الاباضية ، البيهسية ، وأمّا الصفرية والنجدية فكانوا يقولون بقول ابن أباض (1) .
    ولعلّ ما ذكره الأشعري في بيان اُصول فرقهم أقرب ، كما يظهر من دراسة مذهبهم ونحن نذكر الفرق الأربعة التي ذكرها الأشعري ، ونحيل بيان سائر الفرق إلى كتب المقالات والفرق ، خصوصاً المقالات للأشعري ، والفَرق بين الفِرق للبغدادي ، والملل و النحل للشهرستاني ، وانّا ضربنا الصفح عن بيان فرقهم عامّة لأنّهم قد هلكوا ولم يبق منهم على أديم الأرض سوى فرقة واحدة هي الاباضية وأقاويلها أقرب إلى أقاويل سائر المسلمين. ولأجل ذلك نرى أنّ أبا بيهس يصف نافعاً بأنّه غلى ، ويصف عبد الله بن اباض بأنّه قصَّر ، وسوف يظهر غلوّ الأوّل وتقصير الثاني حسب تعبير أبي بيهس ، وسيوافيك نصّه في محلّه.
    والعجب أنّ هذه الفرق ظهرت في زمان واحد ، فصار للقوم أئمّة أربعة ، كلّ يدعو إلى نفسه.
    وكانت الخوارج على رأي واحد إلى عصر ابن الزبير وبعد افتراقهم عنه حصل هناك اختلاف بين الأزارقة والنجدية كما ستعرف وصارت فرقتين ذاتي أمامين ، ولم يكن لهم إلى عهد عبدالله بن الزبير إلاّ اُصول بسيطة وهي :
    1 ـ اكفار مرتكب الكبيرة.
    2 ـ انكار مبدأ التحكيم.
    3 ـ تكفير عثمان وعليّ ومعاوية وطلحة والزبير ومن سار على دربهم ورضى بأعمال عثمان وتحكيم عليّ ، على هذه الاُصول نشأوا إلى عهد ابن الزبير.
    1 ـ المبرّد : الكامل 2/214.

(182)
    قال الكعبي : إنّ الذي يجمع الخوارج إكفار عليّ وعثمان و الحكمين وأصحاب الجمل وكلّ من رضى بتحكيم الحكمين ، والخروج على الإمام الجائر وإكفار من ارتكب الذنوب (1) .
    وقال الأشعري : أجمعت الخوارج على إكفار عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لأنّه حكّم ، وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا. وأجمعوا على أنّ كلّ كبيرة كفرٌ إلاّ النجدات ، فإنّها لاتقول بذلك ، وأجمعوا على أنّ الله سبحانه يعذّب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلاّ النجدات (2) .
    وما ذكره من الاستثناء دليل على أن أكثر هذه الاُصول برزت بينهم في العصر الزبيري وما بعده ، لا في عهد الإمام علي ولا في عهد معاوية.
    إذا وقفت على ذلك فلنشرع في بيان الفرق الأربعة التي ذكرها الأشعري ونترك بيان عداها إلى الكتب المعدّة لذلك.
    1 ـ البغدادي : الفّرق بين الفِرق 1/73 نقلا عن الكعبي.
    2 ـ الأشعري : مقالات الاسلاميين 1/86.


(183)
الفرقة الاُولى :
الازارقة
أتباع نافع بن الأززق المقتول سنة 65 :
    لمّا هلك معاوية ، تنّفس أهل الكوفة الصعداء ، فاجتمعت شيعتهم على تسليم مقاليد الخلافة للحسين ( عليه السَّلام ) فبايعوه وكاتبوه ، واستقدموه حتى يتسلّم الأمر ، فلمّا غادر الحسين المدينة و مكّة ، متوجّهاً إلى العراق خذلته الشيعة وقصّروا في نصرته ، فلمّا بلغهم قتل الحسين واستشهاده ، قام أهل المدينة بخلع يزيد عن الخلافة وأخرجوا واليه مروان بن الحكم عن المدينة ، ثمّ إنّ عبدالله بن الزبير استغلَّ الظروف ، فدعا إلى البيعة لنفسه من داخل البيت الحرام ، وكانت نتيجة ذلك أن طرد عمّال يزيد من أرض الحجاز ، فخضعت المنطقة كلّها لعبدالله بن الزبير ، ثمّ إنّ يزيد بن معاوية لمّا وقف على خطورة الموقف بعث بأشقى عُمّالِه وأغلظهم « مسلم بن عقْبَة » إلى المدينة فلمّا


(184)
ورد مدينة الرسول ، استباح أموالهم ونفوسهم وأعراضهم ثلاثة أيام ، فقتل في ذلك آلافاً من الأبرياء ونهبت الأموال واستبيحت الأعراض إلى درجة لم يذكر التاريخ إلى يومه مثيلا لها ، ثمّ توجّه مسلم إلى مكّة للسيطرة عليها ، فلم يصل إليها حيّاً. ومات في أثناء الطريق ، فتولّى القيادة بعده الحصين بن النمير السكوني ، وحاصر مكّة ، وفي أثناء المحاصرة ورد نعي يزيد في ربيع الآخر عام 64 ، فاضطرّ الحصين إلى العودة إلى الشام ، ولمّا هلك يزيد ، قام بأعباء الخلافة معاوية بن يزيد ، ولكّنه مات بعد أن خلع نفسه عن الخلافة ، فرأى البيت الأموي خطورة الموقف ، فأجمعوا على البيعة لمروان بن الحكم ، وانتقل الملك من البيت السفياني إلى البيت المرواني عام 65 ، وكان ابن الزبير مستولياً على الحجاز عامّة وفي ضمن ذلك ، الحرمان الشريفان.

استغلال الخوارج الظروف الحَرِجَة :
    وقد استغلّت الخوارج تلك الظروف الحرجة بعدما لاقوا من عبيدالله بن زياد مالاقوا وقرّروا الانظمام لعبدالله بن الزبير لمحاربة الشاميين :
    قال الطبري : لمّا ركب ابن زياد من الخوارج بعد قتل أبي بلال ماركب ، وقد كان قبل ذلك لايكف عنهم ولايستبقيهم ، غير أنّه بعد ما قتل أبا بلال ، تجرّد لاستئصالهم وهلاكهم واجتمعت الخوارج حين ثار ابن الزبير بمكة ... فقال نافع بن الأزرق للخوارج : إنّ الله قد أنزل عليكم الكتاب ، وفرض عليكم فيه الجهاد ، واحتجّ عليكم بالبيان ، وقد جرّدَ فيكم السيوف أهلُ الظلم ، واُولوا العدى والغشم ، وهذا من قد ثار بمكة ، فاخرجوا بنا نأتي البيت ، ونلقي هذا الرجل فإن يكن على رأينا جاهدنا معه العدو ، وإن كان على غير رأينا ، دافعنا عن البيت ما استطعنا ، ونظرنا بعد ذلك في اُمورنا ، فخرجوا حتى قدموا على


(185)
عبدالله بن الزبير ، فسرّ بمقدمهم ونبَّأهم أنّه على رأيهم ، وأعطاهم الرضا من غير توقّف ولا تفتيش ، فقاتلوا معه حتى مات يزيد بن معاوية وانصرف أهل الشام عن مكّة.
    ثمّ إنّ القوم لقى بعضهم بعضاً فقالوا : إنّ الذي صنعتم أمس بغير رأي ولا صواب من الأمر ، تقاتلون مع رجل لاتدرون لعلّه ليس على رأيكم ، إنّما كان أمس يقاتلكم هو وأبوه ينادي : يالثارات عثمان ، وسلوه عن عثمان ، فإن برئ منه كان وليّكم ، وإن أبى كان عدوّكم. فمشوا له فقالوا له : أيّها الإنسان إنّا قاتلنا معك ولم نفتّش عن رأيك ، أمنّا أنت أم من عدوّنا فأخبرنا : ما مقالتك في عثمان؟
    فنظر فإذا من حوله من أصحابه قليل ، فقال لهم : إنّكم أتيتموني ، فصادفتموني حين أردت القيام ، ولكن روحوا إليّ العشيّة ، حتى اعلمكم من ذلك الذي تريدون ، فانصرفوا ، وجاءت الخوارج وقد أقام أصحابه حوله وعليهم السلاح ، وقامت جماعة منهم عظيمة على رأسه ، بأيديهم الأعمدة ، فقال ابن الأزرق لأصحابه : خشى الرجل غائلتكم وقد ازمع بخلافكم ، واستعدّ لكم ماترون. فدنا منه ابن الأزرق فقال له : يا ابن الزبير اتّق الله ربّك وابغض الخائن المستأثر ، وعادِ أوّل من سنّ الضلالة وأحدث الأحداث ، وخالف حكم الكتاب ، فإنّك إن تفعل ذلك ، ترضي ربّك ، فتنج من العذاب الأليم نفسك ، فإن تركت ذلك ، فأنت من الذين استمتعوا بخلاقهم وأذهبوا في الحياة الدنيا طيّباتهم.
    ثمّ أمر ابن الأزرق عبيدة بن هلال أن يتكلّم عنهم بما يريدون ، فقال : إنّ الناس استخلفوا عثمان بن عفان فحمى الحمى ، فآثر القربى ، واستعمل الفتى ، ورفع الدرة ، ووضع السوط ، ومزّق الكتاب ، وحقَّر المسلم ، وضرب منكري


(186)
الجور ، وآوى طريد الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) وضرب السابقين بالفضل وسيّرهم وحرمهم ، ثم أخذ في الله الذي آفاءه عليهم فقسّمه بين فسّاق قريش ، ومُجّان العرب ، فصارت إليه طائفة من المسلمين أخذ الله ميثاقهم على طاعته ، لايبالون في الله لومة لائم ، فقتلوه ، فنحن لهم أولياء ، ومن ابن عفان وأوليائه براء ، فما تقول أنت يا ابن الزبير؟
    وروى المبرّد في الكامل : ان ابن الأزرق سأل ابن الزبير في الغداة الذي جاء إليه وقال : ما تقول في الشيخين؟ قال : خيراً ، قالوا : فما تقول في عثمان الذي أحمى الحمى ، وآوى الطريد ، وأظهر لأهل مصر شيئاً ، وكتب بخلافه وأوطأ آل أبي معيط رقاب الناس وآثرهم بفيء المسلمين؟
    وما تقول في الذي بعده ، الذي حكّم في دين الله الرجال وأقام على ذلك غير تائب ولانادم؟
    وما تقول في أبيك وصاحبه وقد بايعا عليّاً وهو إمام عادل مرضي لم يظهر منه كفر ، ثم نكثا بِعَرَض من أعراض الدنيا و أخرجا عائشة تقاتل ، وقد أمرها الله وصواحبها أن يقرن في بيوتهن ، وكان لك في ذلك ما يدعوك إلى التوبة ، فإن أنت كما نقول فلك الزلفة عندالله.
    ثمّ إنّ ابن الزبير ترك التقية وأصحر بالعقيدة بما يخالف عليه الخوارج في حق عثمان وحق أبيه ، فلمّا سمع ذلك الخوارج تفرّقوا عنه (1) .
    فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي وعبدالله بن صفار السعدي من بني صريم ، وعبدالله بن اباض أيضاً من بني صريم ، وحنظلة بن بيهس ، وبنو الماحوز ، عبدالله وعبيدالله والزبير من بني سليط ، حتى أتوا البصرة.
    وانطلق أبو طالوت وعبدالله بن ثور(أبوفديك) وعطية بن الأسود
    1 ـ الطبري : التاريخ 4/436 ـ 438. المبرد : الكامل : 2/203 ـ 208.

(187)
اليشكري إلى اليمامة فوثبوا باليمامة مع أبي طالوت ، ثم أجمعوا بعد ذلك على إمامة نجدة بن عامر الحنفي وذلك في سنة 64 (1) .
    وقال الشهرستاني : كان نجدة بن عامر ونافع بن الأزرق قد اجتمعا بمكّة مع الخوارج على ابن الزبير ثم تفرّقا عنه ، فذهب نافع إلى البصرة ثم الأهواز ، وذهب نجدة إلى اليمامة. قال نافع : التقيّة لاتحلّ ، والقعود عن القتال كفر ، فخالفه نجدة ، وقال بجواز التقية متمسّكاً بقوله تعالى : ( إلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاة ) (2) . وبقوله تعالى : ( وَ قالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ اِيمانَهُ ) (3) وقال : القعود جائز والجهاد إذا أمكنه أفضل. قال الله تعالى : ( وَ فَضَّلَ اللهُ الُمجاهِدِيْنَ عَلَى القاعِدِيْنَ اَجْراً عَظِيماً ) (4) . (5)
    ولمّا أظهر نافع أراء شاذّة عن الكتاب والسنّة والفطرة الإنسانية ، فارقته جماعة كانوا معه ، منهم « أبو فديك » وعطية الحنفي وراشد الطويل ، وتوجّهوا شطر اليمامة ، فأخبروا نجدة باحداثه وبدعه. فكتب إليه نجدة بكتاب نَقِمَ عليه احداثه واستدلّ بآيات واضحة المعنى ، وأجاب نافع بكتاب وأوّل ما استدلّ به زميله من الآيات ، وكان هو هذا انشقاقاً عظيماً بين الخوارج ، ويعرب عن وحشيّة الأزارقة ، وجمود قلبهم ، ونزع الرحمة منهم ، فكأنّهم جمادات متحرّكة شريرة سجّلوا لأنفسهم في التاريخ أكبر العار ، وأفظع الأعمال إلى حدّ تبّرأ عنهم ، سائر الفرق وليس ذلك ببعيد ، فهؤلاء أتباع المحكّمة الاُولى الذين ذبحوا عبدالله بن خباب وبقروا بطن زوجته المقرب المتم ، تلمس حدّ الشقاء
    1 ـ الطبري : التاريخ 4/438.
    2 ـ آل عمران : 28.
    3 ـ غافر : 28.
    4 ـ النساء : 95.
    5 ـ الشهرستاني : الملل و النحل 1/125.


(188)
من كتاب نجدة إلى نافع ومن اجابة الثاني.
    قال المبرّد : إنّ أصحاب « نجدة » رأوا أنّ نافعاً قد كفَّر القعدة ورأى الاستعراض وقتل الأطفال ، انصرفوا مع نجدة ، فلمّا صار نجدة باليمامة كتب إلى نافع.

كتاب نجدة إلى نافع :
    أمّا بعد : فإنّ عهدي بك وأنت لليتيم كالأب الرحيم ، وللضعيف كلأخ البّر ـ تعاضد قوي المسلمين ، و تصنع للأخرق منهم ـ لا تأخذك في الله لومة لائم ، ولاترى معونة ظالم ، كذلك كنت أنت و أصحابك. أو ما تذكّر قولك : لولا انّي أعلم أنّ للإمام العادل أجر رعيّته ، ماتولَّيتُ أمر رجلين من المسلمين. فلمّا شريت نفسك في طاعة ربّك ابتغاء مرضاته ، وأصبت من الحق فصّه (1) ، وركبت مُرّه ، تجرّد لك الشيطان ، ولم يكن أحد أثقل عليه وطأةً منك ومن أصحابك ، فاستمالك واستهواك وأغواك ، فُغُوِيْتَ ، وأكفرت الذين عذرهم الله تعالى في كتابه ، من قعدة المسلمين وضَعَفَتهم ، قال الله عزّوجلّ ، وقوله الحق ، ووعده الصدق : ( لَيْسَ عَلى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِيْنَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا للهِ وَ رَسُولِهِ ) (2) : ثمّ سمّاهم تعالى أحسن الأسماء فقال : ( ما عَلَى الُْمحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل ) (3) ثم استحللت قتل الأطفال ، وقد نهى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) عن قتلهم ، وقال الله جلّ ثناؤه : ( وَ لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرى ) (4) ، وقال سبحانه في القعدة خيراً ، فقال :
    1 ـ فصّه : كنهه.
    2 ـ التوبة : 91.
    3 ـ التوبة : 91.
    4 ـ الاسراء : 15.


(189)
( وَ فَضَّلَ اللهُ الُمجاهِدِيْنَ عَلَى القاعِدِيْنَ اَجْراً عَظِيماً ) (1) فتفضيله المجاهدين على القاعدين لايدفع منزلة من هو دون المجاهدين ، أو ماسمعت قوله تعالى : ( لا يَسْتَوِى القاعِدُونَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ غَيْرُ أُولِى الضَّرَر ) (2) فجعلهم من المؤمنين وفضّل عليهم المجاهدين بأعمالهم ، ثمّ إنّك لاتؤدّي أمانةً إلى من خالفك ، والله تعالى قد أمر أن تودّي الأمانات إلى أهلها ، فاتّق الله في نفسك ، واتّق يوماً لا يجزي فيه والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً ، فإنّ الله بالمرصاد ، وحكمه العدل ، وقوله الفصل ، والسَّلام.

اجابة نافع عن كتاب نجدة :
    أمّا بعد : أتاني كتابك تعظني فيه ، وتذكّرني وتنصح لي وتزجرني ، وتصف ما كنتُ عليه من الحق ، و ماكنتُ اُوثره من الصواب ، وأنا أسأل الله أن يجعلني من القوم الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.
    وعبت على مادِنْتُ ، من إكفار القعدة وقتل الأطفال ، واستحلال الأمانة من المخالفين ، وساُفسّرلك لِمَ ذلك إن شاء الله ....
    أمّا هؤلاء القعدة ، فليسوا كمن ذكرت ممّن كان على عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) لأنّهم كانوا بمكّة مقهورين محصورين لا يجدون إلى الهرب سبيلا ، ولا إلى الاتّصال بالمسلمين طريقاً ، وهؤلاء قد تفقّهوا في الدين ، وقرأوا القرآن ، والطريق لهم نهج واضح. وقد عرفت ما قال الله تعالى فيمن كان مثلهم ، قالوا : ( كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأرْضِ ) (3) . فقال : ( ألَمْ
    1 ـ النساء : 95.
    2 ـ النساء : 95.
    3 ـ النساء : 97.


(190)
تَكُنْ اَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ) (1) وقال سبحانه : ( فَرِحَ الُْمخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَ كَرِهُوا أنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ ) (2) وقال : ( وَ جاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرابِ لِيُؤذَنَ لَهُمْ ) (3) فخبّر بتعذيرهم ، وأنّهم كذبوا الله ورسوله ، ثمّ قال : ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أليِمٌ ) (4) فانظر إلى أسمائهم وسماتهم.
    وأمّا الأطفال ، فإنّ نوحاً نبيّ الله ، كان أعلم بالله منّي ومنك ، وقد قال : ( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الكافِرينَ دَيَّاراً * إنَّكَ اِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ ولا يَلِدُوا إلاّ فاجِراً كَفَاراً ) (5) فسمّاهم بالكفر وهم أطفال ، وقبل أن يولدوا ، فكيف كان ذلك في قوم نوح ، ولاتقوله في قومنا ، والله تعالى يقول : ( اَكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ اُولئِكُمْ اَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فىِ الزُّبُرِ ) (6) وهؤلاء كمشركي العرب ، لايقبل منهم جزية وليس بيننا وبينهم إلاّ السيف ، والإسلام.
    وأمّا استحلال أمانات من خالفنا فإنّ الله تعالى أحلّ لنا أموالهم ، كما أحلّ دماءهم لنا ، فدماؤهم حلال طلق (7) وأموالهم فيء للمسلمين ، فاتّق الله وراجع نفسك ، فإنّه لا عذر لك الاّ بالتوبة ، ولن يسعك خذلاننا والقعود عنّا وترك ما نهجناه لك من مقالتنا ، والسلام على من أقرّ بالحق و عمل به (8) .
    1 ـ النساء : 97.
    2 ـ التوبة : 81.
    3 ـ التوبة : 90.
    4 ـ التوبة 90.
    5 ـ نوح : 26 ـ 27.
    6 ـ القمر : 43.
    7 ـ يقال : حلال طلق ، أي حلال طيّب.
    8 ـ المبرد : الكامل 2/210 ـ 212 ، ونقلهما ابن أبي الحديد في الشرح لاحظ 4/137 ـ 139.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس