بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 271 ـ 280
(271)
غِلْظَة ) ، والاباضية لايخرجون العصاة من الملّة ولايحكمون عليهم بالشرك ، ولكن يوجبون البراءة منهم و بغضهم و اعلان ذلك لهم حتى يقلعوا عن معصيتهم ويتوبوا إلى ربّهم (1) .
    هذا عصارة ماذكروه في هذه المسألة ، أي الولاية والبراءة والوقوف.
    يلاحظ عليه : لاأظنّ أنّ من أحاط بالكتاب والسنّة أو ألمَّ بهما أن ينكر وجوب التولّي والتبرّي فإن المصدرين الأساسيّين مملوءان بالأمر بتولّي الرسول ، والمؤمنين ، والتبرّي من المشركين وأهل الكتاب والعصاة ، وإليك رشحة من ذلك فيكفي فيه قوله سبحانه : ( لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ ) (2) و قوله عزّوجلّ : ( وَالمُؤْمِنُونَ وَ المُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْض ) (3) وقوله عزّوجلّ : ( فَإن لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإخْوانُكُمْ فِي الدَّينِ وَ مَواليِكُمْ ) (4) وقوله عزّوجلّ : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ اللهَ وَ رَسُولَهُ ولَو كانُواْ آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُم أَوْ إخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمانَ وأَيَّدَهُمْ بِرُوح مِنْهُ ويُدْخِلُهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَ رضُوا عَنْهُ أُوْلِئكَ حِزْبُ الله ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفلِحُونَ ). (5)
    وأمّا السنّة فيكفي في ذلك الأحاديث التالية :
    قال علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) : من ترك انكار المنكر بقبله و لسانه
    1 ـ علي يحيى معمّر : الاباضية في موكب التاريخ ، الحقلة الاُولى 83 ـ 87.
    2 ـ آل عمران : 28.
    3 ـ التوبة : 71.
    4 ـ الأحزاب : 5.
    5 ـ المجادلة : 22.


(272)
فهو ميّت بين الأحياء (1) .
    وقال ( عليه السَّلام ) : أمَرَنا رسول الله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهَّرة (2) .
    وقال ( عليه السَّلام ) : أدنى الانكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهّرة.
    وعن الإمام جعفرالصادق ( عليه السَّلام ) : حسب المؤمن غيرة إذا رأى منكراً أن يَعْلَم الله عزّوجلّ من قلبه انكاراً. (3)
    إنّ الحب والبغض من الظواهر والحالات النفسية ، ولهما آثار على الأعضاء والجوارح في حياة الإنسان ، فلقاء أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة من آثار تلك الظاهرة ، هذا كلّه ممّا لااشكال فيه.
    إنّما الكلام في موضع آخر يجب إلفات النظر إليه وهو أنّ التبرّي من عصاة المسلمين ليس شيئاً مطلوباً بالذات ، وإنّما الغاية منه ارجاع العاصي إلى حظيرة الطاعة ، وإلحاقه بأصفياء الاُمّة ، وعلى ذلك فهو من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيدور وجوبه مدار وجود شرائطهما : منها كون التبرّي مؤثّراً في كبح جماح العاصي وتماديه في الغي ، ولأجل ذلك جوّز الإسلام غيبة المتجاهر بالفسق وربّما أوجب الوقيعة في أهل البدع ، واكثارالوقيعة فيهم ، وقال ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : « أربعة ليس غيبتهم غيبة : الفاسق المعلن بفسقه ، والإمام الكذّاب إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر ، والمتفكّهون بالاُمّهات ، والخارج من الجماعة الطاعن على أمّتي ، الشاهر عليها بسيفه » (4) .
    وقال ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : « لاغيبة لثلاث : سلطان جائر ، وفاسق معلن ،
    1 ـ الحرّ العاملي : وسائل الشيعة 11/404.
    2 ـ المصدر نفسه : 11 / 409.
    3 ـ المصدر نفسه : 11 / 413.
    4 ـ حسين النوري : المستدرك ، الجزء 9 ، الباب 134 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 2.


(273)
وصاحب بدعة » (1) .
    فعلى ذلك فوجوب التبرّي رهن شروط نشير إليها :
    1 ـ أن يحتمل كون التبرّي مؤثّراً في ارجاعه عن المعصية كما عرفت ، وإلاّ فلايجب كما هو الحال في جميع مراتب الأمر بالمعروف.
    2 ـ إن لايكون اظهار التبرّي موجباً لتماديه في الغي ، وانكبابه على الإثم ، فإنّ إيجاب التبرّي في ذلك ينتج نقيض المطلوب.
    3 ـ يكفي في التبرّي ، الاعراب عمّا في ضمير المتبرّي من كونه كارهاً لعمله ، بلا حاجة إلى اعمال الغلظة والشدّة كما في كلام القائل.
    ثمّ الآيات والروايات الدالّة على التبرّي واردة في حقّ الكفّار والعصاة المتمادين في الغي ، لامن عصى مرّة واحدة ويبدو أنّه سوف يرجع ويستغفر.
    وأمّا ما ذكره القائل في كيفية التبرّي فليس عليه دليل بل الدليل على خلافه ، لأنّ المعاملة مع العصاة على النحو الذي ذكره القائل لم يكن رائجاً في عصر الرسول ، إلاّ في حقّ العتاة المتمادين في الغي ، أو المتخلّفين عن الزحف ، وقد ورد في حقّهم قوله سبحانه : ( وَ علَى الثَّلاثّةِ الَّذِينَ خُلَّفُوا حَتّى إذا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لامَلْجَأ مِنَ اللهِ إلاّ اِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا اِنَّ اللهِ هُوَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ ) (2) .ترى أنّ الغلظة والشدّة كانت في حقّ هؤلاء الثلاثة الذين تخلّفوا عن الجهاد في الوقت الذي كان الرسول في أشدّ حاجة إلى المجاهد الصادق ، فنزل الوحي بالضغط وايجاد الضيق عليهم حتى يصلوا إلى مرتبة تضيق عليهم أرض المدينة بما رحبت.
    وأمّا المعاملة لكلّ عاص ولو مرّة واحدة بهذا النحو والضغط عليه حتى
    1 ـ حسين النوري : المستدرك ، الجزء 9 ، الباب 134 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 1.
    2 ـ التوبة : 118.


(274)
تضيق عليه الأرض ، فهو بعيد عن سماحة الإسلام ، كيف وقد قال سبحانه حاكياً عن حملة العرش الذين يستغفرون للذين تابوا واتّبعوا سبيله : ( رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شىْء رَحْمَةً ) (1) وقال سبحانه : ( وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ اِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ اِلاّ القَوْمُ الكافِرُونَ ) (2) وقال سبحانه : ( قالَ وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ اِلاّ الضّالُّونَ ) (3) وقال سبحانه : ( قُلْ يا عِبادِىَ الَّذِينَ اَسْرَفُوا عَلى اَنْفُسِهِمْ لا تَقنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِ نَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعاً اِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيِمُ ) (4) .
    فأين هذه الوعود ودعوة العصاة إلى حظيرة الغفران والنهي عن اليأس من روح الله ممّا جاء في كلام هذا القائل؟ فالاباضية وإن كانوا غير متطرّفين في مسلكهم لكن في التبرّي عن العاصي في جميع الأحوال والظروف على النحو الذي سمعت نوع تطرّف كما لايخفى.
    على أنّ هذا النحو من التبرّي الوارد في كلام القائل يناسب العيشة القبلية ، والاجتماعات الصغيرة ، ولايتمشّى أبداً مع الاجتماعات الكبيرة التي تضم الفسّاق ، إلى العدول في جميع الأندية والمجالس كما لايخفى.

اكمال :
    ثمّ إنّه لو ثبت كون رجل عدوّاً من أعداء الله لارتكابه الكبائر أو لإرتداده عن الدين ، فليس لآحاد الاُمّة القيام بإجراء الحدّ عليه ، وإنّما واجب الآحاد هو التبرّي منه ، ومن فعله ، روحاً وجسداً ، وأمّا إجراء الحدّ عليه فإنّما هو على
    1 ـ غافر : 7.
    2 ـ يوسف : 87.
    3 ـ الحجر : 56.
    4 ـ الزمر : 53.


(275)
القويّ المطاع في الاُمّة وهو الحاكم الإسلامي ، ولأجل ذلك ينقسم الأمر بالمعروف الى قسمين : قسم يُعَدُّ واجباً فردّياً ، يقوم به آحاد الاُمّة ، وقسم يعدّ رسالة اجتماعية تقوم به القوّة التنفيذية في الدولة الاسلامية ، وهنا كلمة قيّمة للإمام الصادق ( عليه السَّلام ) نذكرها :
    سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الاُمّة جميعاً ؟ فقال : لا. فقيل له : ولم ؟ قال : إنّما هو على القويّ المطاع ، العالم بالمعروف من المنكر ، لاعلى الضعيف الذي لايهتدي سبيلا إلى أيٍّ ، مِنْ أيّ؟ يقول من الحق إلى الباطل ، والدليل على ذلك من كتاب الله عزّوجلّ قوله : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّة يَدْعُونَ اِلى الخَيْرِ وَيَأْمُرونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ) فهذا خاصّ غير عام. (1)

8 ـ آراء الاباضية في الصحابة :
    قد طرحنا مسألة عدالة الصحابة في الجزء الأوّل من هذه الموسوعة عند البحث عن عقائد أهل الحديث ، والمعروف بين كتّاب الفرق انّ الاباضية يحبّون الشيخين ويبغضون الصهرين ، غير أنّ كتّاب الاباضية في هذا العصر ينكرون هذه النسبة ويقولون إنّ الدعاية التي سلّطها المغرضون على الاباضية نبذتهم بهذه الفرية ، وذهب علي يحيى معمّر في نقد النسبة وتزييفها إلى نقل الكلمات التي فيها الثناء البالغ على الصهرين ، ينقل عن أبي حفص عمرو بن عيسى قوله :
وعلى الهادي صلاة نشرها وسلام يتوالى وعلى سيما الصديق والفاروق والجامع عنبرٌ ماخبّ ساع ورمل آله والصحب ما الغيث هطل القرآن والشهم البطل

    1 ـ الحر العاملي : وسائل الشيعة 11/400. والآية من سورة آل عمران : 104.


(276)
    وينقل عن ديوان البدر التلاتي مايلي :
بنت الرسول زوجها وابناها رضى إلاله يطلب التلاتي أهل لبيت قد فشى سناها لهم جميعاً ولمن عناها (1)
    نحن نرحّب بهذا الود الذي أمر الله سبحانه به في كتابه بالنسبة إلى العترة الطاهرة إذ قال : ( قُلْ لااَسْأَلُكُمْ عَليْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) (2) .
    ولكن لايمكننا التجاهل بأنّهم يحبّون المحكّمة الاُولى ، ويعتبرونهم أئمّة ، وهم قُتلوا بسيف علي ، وهل يمكن الجمع بين الحبّين والودّين؟ قد قال الله سبحانه : ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِىْ جَوْفِهِ ) (3) وهل يجتمع حبّ علي وودّه وحبّ من كان يكفّر عليّاً ويطلب منه التوبة؟ كيف وهؤلاء هم الذين قلّبوا له ظهر المجنَ وضعّفوا أركان حكومته الراشدة.
    نرى أنّ الاباضية يعدّون عمران بن حطان من القعدة ، وهو إمام لهم بعد أبي بلال ، وهو القائل في حق عبدالرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، قوله :
ياضربة من تقي ما أراد بها إنّى لأذكره يوماً فأحسبه إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا أوفى البريّة عندالله ميزانا (4)
    ومع هذا السعي لكتمان الحقيقة فالظاهر أن للشهرة حقيقة : أمّا حبّهما للشيخين فليس مجال شك وأمّا بغضهما للصهرين فقد وقفت في الفصل التاسع على نظر قدمائهم في حق الإمام علي ( عليه السَّلام ) وإليك نظرهم في حق عثمان ، ليعلم
    1 ـ علي يحيى معمّر : الاباضية بين الفرق الإسلامية 2/50.
    2 ـ الشورى : 23.
    3 ـ الاحزاب : 4.
    4 ـ مرّ مصدر البيتين.


(277)
مدى صحّة النسبة :
    فإن قال : فما قولكم في عثمان بن عفان؟ قلنا له : في منزلة البراءة عند المسلمين.
    فإن قال : من أين وجبت البراءة من عثمان بن عفان وقد تقدمت ولايته وصحّت عقدة إمامته مع فضائله المعروفة في الإسلام ، وفي تزويج النبي له ( عليه السَّلام ) بابنتيه واحدة بعد واحدة؟ قلنا : إن الولاية والبراءة هما فرضان في كتاب الله لا عذر للعباد في جهلهما ، وقد أمرنا الله تبارك وتعالى أن نحكم وندين له في عباده بما يظهر لنا في اُمورهم ولم يكلّفنا علم الغيب. ثم وجدنا أصحاب النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) قد قدّموا عثمان إماماً لهم بعد عمر بن الخطاب ـ رحمه الله ـ ، ثم قصدوا إليه فقتلوه على ما استحقّ عندهم من الأحداث التي زايل بها الحق وسبيله ، فمن قال إنّ عثمان قتل مظلوماً كان قد أوجب على أصحاب النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) البراءة بقتلهم لعثمان بن عفان وألزام البراءة من علي بن أبي طالب لأنّه وضعه المسلمون بعد عثمان إماماً لهم.
    وعلى الإمام إقامة الحدود و لم يغيّر ذلك علي بن أبي طالب ولم ينكره ولم يقم الحد على من قتل عثمان ، وحارب من طلب بدمه و هو طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام ، ولو لم يكن مستحقاً للقتل وأنّه مظلوم لكان علي قد كفر لقتاله لمن طلب بدم عثمان بن عفّان. فلما قاتل علي والمسلمون من طلب بدم عثمان وصوّبوا من قتله وأقرّهم علي بين يديه وكانوا أعوانه و أنصاره ، كان دليلا على أنّهم محقّون في قتله لأنّ إجماعهم على ذلك حجّة لغيرهم ودليل. وأمّا قولك زوّجه النبي بابنتيه واحدة بعد واحدة فإنا لاننكر ذلك ولايكون عثمان مستوجباً للولاية بتزويج النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) له بابنتيه. ولو كان عقد النبي له بالنكاح موجباً للرجل المشرك الذي كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم )


(278)
قد زوّجه بابنته زينب قبل التحريم بين المسلمين والمشركين مع قوله الله تبارك وتعالى : ( إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) (1) ، فهذا مبطل لاحتجاجك علينا بتزويج النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) له بابنتيه.
    وأمّا قولك : إنّه كانت له فضائل في الإسلام متقدّمة ، فإن الأعمال بالخواتم في الآخرة ، لابالفضائل الاُولى (2) .
    وعلى كل تقدير فما يذكره هذا الكاتب وغيره هو الحق الذي يجب أن تمشي عليه الاباضية في حياتهم الدينية ويجب علينا احترام الصحابة وودّهم على الموازين التي وردت في الكتاب والسنّة ، ولا أظنّ مسلماً على أديم الأرض يبغض الصحابي بما هو صحابي أو بما أنّه رأى النبي أو بما أنّ له صلة به ، ولو كان هناك استنكار فانّما لبعض الصحابة أمثال المغيرة بن شعبة وبسر بن أرطاة ، وعمرو بن العاص ، وسمرة بن جندب لما قاموا به من سفك الدماء البريئة والظلم في الأحكام ، والطلب الحث بلذائذ الدنيا ، كيف لايصحّ التبرّي منهم؟ وقد قال عمرو بن العاص لمعاوية عندما دعاه للمشاركة في الحرب ضدّ علي أبياتاً أوّلها :
معاوية لا اعطيك ديني ولم أنل فإن تعطني مصراً فأربح بصفقة به منك دنياً فانظرن كيف تصنع أخذتَ بها شيخاً يضرّ وينفع (3)

    1 ـ النساء : 48 و 116.
    2 ـ السير و الجوابات لعلماء وأئمة عمان 1/374 ـ 375 طبع وزارة التراث القومي والثقافة ، تحقيق سيدة إسماعيل كاشف.
    3 ـ الطبري : التاريخ 3/558. اليعقوبي : التاريخ 2/175 طبع النجف الاشرف.


(279)
الفتاوى الشاذّة عن الكتاب والسنّة
    المذهب الاباضي يدّعي أنّه يعتمد في اُصوله على الكتاب والسنّة ويتّفق في كثير من اُصوله وفروعه مع مذاهب أهل السنّة ، ولا يختلف معها إلاّ في مسائل قليلة اختلاف مذاهب السنّة نفسها في ما بينها.
    وما كان اعتماد المذهب الاباضي على الكتاب والسنّة وعدم تباعده عن مذاهب السنّة إلاّ لأنّ مؤسّسه جابر بن زيد قد أخذ عن الصحابة الذين أخذ عنهم أصحاب هذه المذاهب من الحنفيّة والشافعيّة والمالكيّة والحنابلة ، بل أنّه يمتاز على أصحاب هذه المذاهب في أنّه أخذ عن الصحابة مباشرة بينما هم لم يأخذوا في معظمهم إلاّ من التابعين.
    كما أنّ الأحاديث التي جمعها هو وغيره من علماء وفقهاء وجمّاع الأحاديث من الاباضية كالربيع بن حبيب و غيره ، ليست إلاّ أحاديث وردت عن البخاري ومسلم وغيرهم من أئمّة الحديث كأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والطبراني والبيهقي وغيرهم من أهل السنّة والجماعة.


(280)
    إنّ الاباضية لا يعترفون بالتقليد فيما يأخذون أو يدّعون حتى لفقهائهم أنفسهم ، والمشهور عنهم أنّهم يقولون : إنّهم رجال تقييد لاتقليد ، أي أنّهم يتقيّدن بالكتاب والسنّة ، وبما تقيّد والتزم به السلف الصالح ، ولايقلّدون أصحاب المذاهب أو أصحاب الأقوال إلاّ إذا كانت أقوالهم موافقة للكتاب والسنّة (1) .
    إنّ المذهب الاباضي كما وصفه الكاتب يستند إلى الأدلّة الشرعية والعقلية ، فالعقل عندهم حجّة كالكتاب والسنّة ، وليس ذلك أمراً خفيّاً على من سبر كتبهم العقائدية والفقهية ، وقد كان ذلك معروفاً عنهم في القرون الاُولى حتى بين مخالفيهم على وجه قالوا : باغناء العقل عن السمع في أوّل التكليف. يقول المفيد شيخ الشيعة في القرن الرابع :
    « اتفقت الإمامية على أنّ العقل يحتاج في علمه ونتائجه إلى السمع وأنّه غير منفك عن سمع ينبّه الغافل على كيفيّة الاستدلال ، وأنّه لابدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول ، ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث ، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية على خلاف ذلك ، وزعموا أنّ العقول تعمل بمجرّدها من السمع و التوقّف ، إلاّ أنّ البغداديين من المعتزلة خاصّة يوجبون الرسالة في أوّل التكليف » (2) .
    وهذا النحو من الاعتماد على العقل يعد نوع مغالاة في القول بحجيّته إلاّ في مورد لزوم إصل المعرفة ، لاستقلاله عليه دفعاً للضرر المحتمل وغيره ما حرّر
    1 ـ الدكتور رجب محمّد عبدالحليم : الاباضية في مصر والمغرب وعلاقتهم بأباضية عمان والبصرة : 58 ـ 61.
    2 ـ الشيخ المفيد (336 ـ 413 هـ) : أوائل المقالات 11 ـ 12.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس