بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 341 ـ 350
(341)
والكافرون والفاسقون (1) . وانّي لم أكن أذكر لك شيئاً من شأن عثمان و الأئمّة إلاّ والله يعلمه أنّه الحق ، وسأنزع لك من ذلك البيّنة من كتاب الله الذي أنزله على رسوله ، وسأكتب إليك في الذي كتبت به ، وأخبرك من خبر عثمان والذي طعنّا عليه فيه ، وأبيّن شأنه والذي أتى عثمان.
    لقد كان كما ذكرت من قدم في الإسلام وعمل به ولكنّ الله لم يجر العباد من الفتنة والردّة عن الإسلام ، وإنّ الله بعث محمّداً بالحق ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) وأنزل الكتاب فيه بيّنات كل شيء يحكم بين الناس فيما اختلفوا ( هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنُونَ ) (2) . فأحلّ الله في كتابه حلالا وحرّم حراماً وفرض فيه حكماً وفصّل فيه قضاءه وبيّن حدوده فقال : ( تِلْكَ حُدودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها ) (3) . وقال : ( وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدودَ اللهِ فاُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ) (4) . وقسم ربّنا قسماً وليس لعباده فيه الخيرة ، ثمّ أمر نبيّه باتّباع كتابه ، فقال للنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : ( وَ اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبُكَ ) (5) . وقال : ( فَإِذَا قَرَأناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (6) . فعمل محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بأمر ربّه ومعه عثمان ومن شاء الله من أصحابه لايرون رسول الله يتعدّى من قبله شيئاً ، ولايبدّل فريضة ، ولايستحلّ شيئاً حرّمه الله ، ولايحرّم شيئاً أحلّه الله ، ولايحكم بين الناس إلاّ بما
    1 ـ قال الله تعالى في سورة المائدة 44 ـ 45 و 47. ( وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ اللهُ فَأولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ). ( وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ الله فَاُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُون ). ( وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ الله فَاُولئكَ هم الفاسِقُونَ ).
    2 ـ الأعراف : 52 ، ويوسف 111.
    3 ـ البقرة : 187.
    4 ـ البقرة : 229.
    5 ـ الأحزاب : 2.
    6 ـ القيامة : 18 ـ 19.


(342)
أنزل الله ، فكان يقول : ( إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبَّي عَذَابَ يَوْم عَظيِم ) (1) . فسّر ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ما شاء الله تابعاً لما أمر الله ، يتبع ما جاء من الله ، والمؤمنون معه يعلّمهم وينظرون إلى عمله حتى توفّاه الله عليه الصلاة والسلام وهم عنه راضون ، فنسأل الله سبيله وعملا بسنّته. ثم أورث الله عباده الكتاب الذي جاء به محمّد وهداه ولايهتدي من اهتدى من الناس إلاّ باتّباعه ولايضّل من ضلّ من الناس إلاّ بتركه.
    ثمّ قام من بعده أبو بكر على الناس فأخذ بكتاب الله وسنّة نبّيه ولم يفارقه أحد من المسلمين في حكم حكمه ، ولاقسم قسّمه حتى فارق الدنيا وأهل الإسلام عنه راضون وله مجامعون.
    ثمّ قام من بعده عمر بن الخطاب قوّياً في الأمر ، شديداً على أهل النفاق ، يهتدي بمن كان قبله من المؤمنين ، يحكم بكتاب الله ، وابتلاه الله بفتوح من الدنيا ما لم يبتل به صاحباه ، وفارق الدنيا و الدين ظاهر وكلمة الإسلام جامعة وشهادتهم قائمة ، والمؤمنون شهداء الله في الأرض. وكذلك قال الله : ( جَعَلْنَا كُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (2) . ثمّ أشار المؤمنون فولّوا عثمان ، فعمل ماشاء الله بما يعرف أهل الإسلام حتى بسطت له الدنيا وفتح له من خزائن الأرض ما شاء الله. ثمّ أحدث اُموراً لم يعمل به صاحباه قبله ، وعهد الناس يومئذ قريب بنبيّهم حديث. فلمّا رأى المؤمنون ما أحدث عثمان أتوه فكلّموه وذكّروه بكتاب الله وسنّة من كان قبله من المؤمنين.
    وقال الله : ( وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنّا مِنَ الُْمجرِمِيْنَ
    1 ـ الأنعام : 15 ، ويونس : 15.
    2 ـ البقرة : 143.


(343)
مُنْتَقِمُونَ ) (1) . فسفَّه أن ذكّروه بآيات الله وأخذهم بالجبروت ، وضرب منهم من شاء الله وسجن ونفاهم في أطراف الأرض من شاء الله منهم نفياً أن ذكّروه بكتاب الله وسنّة نبيّه ومن كان قبله من المؤمنين ، وقال الله : ( وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَ نَسِىَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ) (2) .
    وإنّي اُبيّن لك يا عبدالملك بن مروان الذي أنكر المؤمنون على عثمان وفارقناه عليه فيما استحلّ من المعاصي عسى أن تكون جاهلا عنه غافلا وأنت على دينه وهواه !! لايحملنّك يا عبدالملك هوى عثمان أن تجحد بآيات الله وتكذّب بها!!! فإنّ عثمان لايغني عنك من الله شيئاً ، فالله ، الله يا عبدالملك بن مروان قبل التناوش من مكان بعيد ، وقبل أن يكون لزاماً ، وأجل مسمّى!! وإنّه كان ممّا طعن المؤمنون عليه وفارقوه وفارقناه فيه ، فإنّ الله قال : ( وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِها اُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أنْ يَدْخُلُوها إلاّ خائِفينَ لَهُمْ فِي الدُّنيا خِزىٌ وَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ ) (3) . فكان عثمان أوّل من منع مساجد الله أن يقضى فيها بكتاب الله. وممّا نقمناه عليه وفارقناه عليه أنّ الله قال لمحمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ( لاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَداةِ وَ العَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِم مِنْ شَىْء وَ ما مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِنْ شَيْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمينَ ) (4) .
    فكان أوّل (5) هذه الاُمّة طردهم ونفاهم ، فكان ممّن نفاهم من أهل المدينة
    1 ـ السجدة : 22 ـ
    2 ـ الكهف : 57.
    3 ـ البقرة : 114.
    4 ـ الأنعام : 52.
    5 ـ في نسخة « خيار ».


(344)
أبوذَرّ الغفاري ، ومسلم الجهني ، ونافع بن الحطام (1) ، ونفى من أهل الكوفة كعب بن أبي الحلمة ، وأبي الرحل الوجاج ، و جندب بن زهير (2) ، وجندب هو الذي قتل الساحر الذي كان يلعب به الوليد بن عقبة (3) ، ونفى عمرو بن زرارة ، وزيد بن صوحان (4) ، وأسود بن ذريح ، ويزيد بن قيس الهمداني ، وكردوس بن الحضرمي ، في ناس كثير من أهل الكوفة.
    ونفى من أهل البصرة عامر بن عبدالله القشري ، ومذعور العبدي ولا أستطيع لك عددهم من المؤمنين.
    وممّا نقمنا عليه أنّه أمّر أخاه الوليد بن عقبة على المؤمنين ، وكان يلعب بالسحرة ويصلّي بالناس سكران ، فاسق في دين الله ، أمّره من أجل قرابته ، على المؤمنين المهاجرين و الأنصار ، وإنّما عهدهم حديث بعهدالله ورسوله والمؤمنين.
    وممّا نقمنا عليه إمارته قرابته على عبادالله وجعل المال دولة بين الأغنياء ، وقال الله : ( كَيْ لاَ يَكُونَ دُوْلَةً بَيْنَ الأغْنِياءِ ) (5) . وبدّل كلام الله وبدَّل القول واتّبع الهوى.
    1 ـ ورد الاسم أيضاً : « نافع بن الحطامي ».
    2 ـ جندب بن زهير الأزدي : ذكر الطبري أنّه قتل في صفّين وهو يحارب مع عليّ بن أبي طالب.
    3 ـ الوليد بن عقبة ، أخ عثمان بن عفان لاُمّه ، وروي أنّه وهو أمير على الكوفة ، صلّى بالناس الصبح وهو سكران ، ثمّ قال لهم : إن شئتم أن أزيدكم ركعة زدتكم ، فلمّا بلغ عثمان ذلك لم يسرع إلى إقامة الحدّ عليه ، بل أخّر ذلك. (انظر : ابن قتيبة : الإمامة والسياسة ج 1 ص 36).
    4 ـ زيد بن صوحان : قتل شهيداً يوم الجمل.
    5 ـ الحشر : 7.


(345)
    وممّا نقمنا عليه أنّه انطلق إلى الأرض ليحميها لنفسه ولأهله (1) حمى حتى منع قطر السماء والرزق الذي أنزله الله لعباده ، لأنفسهم وأنعامهم. وقد قال الله : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالا قُلْ ءَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُون* وَ ما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ يَوْمَ القِيامَةَ ) (2) .
    وممّا نقمنا عليه أنّه أوّل من تعدّى في الصدقات وقد قال الله : ( إنَّمَا الصَدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ المَساكِينَ وَ العامِلِينَ عَلَيْهَا وَ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقَابِ وَ الغَارِمينَ وَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السِّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (3) . وقال الله : ( وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِن وَ لامُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ أمْراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعصِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاَ مُبيناً ) (4) .
    وأحدث عثمان منه فرائض كان فرضها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رحمة الله عليه ـ ، وانتقص أصحاب بدر ألّفاً من عطائهم ، وكنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل الله ، وقال الله : ( وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الفِضَّةَ ولا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذاب أَلِيم * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْها فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِهَا جِباهُهُمْ
    1 ـ يقال حمى فلان الأرض يحميها حمى حتى لايقرب. والحمى موضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعى. وقال الإمام الشافعي في تفسير قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) « لا حمى إلاّ لله ولرسوله » : كان الشريف من العرب في الجاهلية إذا نزل بلداً في عشيرته استعوى كلباً فحمى لخاصّته مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره ، فلم يرعه معه أحد ، وكان شريك القوم في سائر المراتع حوله ، فنهى النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) أن يحمى على الناس حمى كما كانوا في الجاهلية يفعلون. (انظر : دكتور حسن إبراهيم حسن : تاريخ الإسلام السياسي ج 1 هامش صفحة 273).
    2 ـ يونس : 59 ـ 60.
    3 ـ التوبة : 60.
    4 ـ الأحزاب : 36.


(346)
وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظهُورُهُمْ هذا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) (1) .
    وممّا نقمنا عليه أنّه كان يضمّ كلّ ضالّة إلى إبله ولايرّدها ولايعرّفها ، وكان يأخذ من الإبل والغنم ممّن وجد ما عنده من الناس وإن كانوا قد أسلموا عليها (2) ، وكان لهم في حكم الله أنّ لهم ما أسلموا عليه. وقال الله : ( وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلاتَعْثُوْا فِى الأرضِ مُفسدِينَ ) (3) . وقال : ( لاَ تَأْكُلُوا أَمْولَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إلاّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَراض مِنْكُمْ ولاتَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ الله كانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيِه ناراً وَ كانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) (4) .
    وممّا نقمنا عليه أنّه أخذ خمس الله لنفسه ويعطيها أقاربه ويجعل منهم عمّالا على أصحابه وكان ذلك تبديلا لفرائض الله ، وفرض الله الخمس لله ولرسوله : ( وَلِذِي القُرْبَى وَ اليَتَامَى وَ المسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَ مَا أنْزَلْنا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (5) .
    وممّا نقمنا عليه أنّه منع أهل البحرين وأهل عُمان أن يبيعوا شيئاً من طعامهم حتى يباع طعام الإمارة ، وكان ذلك تحريماً لما أحلّ الله : ( وَ اَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا ) (6) .
    فلو أردنا أن نخبر بكثير من مظالم عثمان لم نحصها إلاّ ما شاء الله ، وكل ما عددت عليكم من عمل عثمان يُكفّر الرجل أن يعمل ببعض هذا.
    1 ـ التوبة : 34 ـ 35.
    2 ـ أسلموا عليها : تصالحوا عليها.
    3 ـ هود : 85.
    4 ـ النساء : 29 ـ 30.
    5 ـ الأنفال : 41.
    6 ـ البقرة : 275.


(347)
    وكان من عمل عثمان أنّه يحكم بغير ما أنزل الله وخالف سنّة نبي الله والخليفتين الصالحين أبي بكر و عمر وقد قال الله : ( وَ مَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَاتَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سَاءَتْ مَصيِرَاً ) (1) .
    وقال : ( وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ الله فَاُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُون ). (2) ، ( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (3) ، ( وَ مَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرَاً ) (4) ، وقال : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ ) (5) ، وقال : ( وَ لاَ تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُون ) (6) .
    وقال : ( وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ الله فَاُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُون ) والفاسقون (7) والكافرون (8) وقال : ( ألا لَعَنةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِين ).
    وقال : ( ومَنْ يَلعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصيراً ). وقال : ( وَلاَ تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ). وقال : ( كَذلِكَ حَقَّتْ كَلمةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ ) (9) . فكل هذه الآيات تشهد على عثمان ، وإنّما شهدنا بما شهدت هذه الآيات : ( اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إلَيْكَ أنَزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ المَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفَى بِاللهِ
    1 ـ النساء : 115.
    2 ـ المائدة 45.
    3 ـ هود : 18.
    4 ـ النساء : 52.
    5 ـ البقرة : 124.
    6 ـ هود : 113.
    7 ـ وفي سورة المائدة : ( وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ الله فَاُولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ ) آية 47.
    8 ـ وفي سورة المائدة : ( وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ الله فَاُولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ) آية 44.
    9 ـ يونس 33.


(348)
شَهِيداً ). (1)
    وقال : ( فَوَرَبِّ السَّماءِ وَ الأرضِ إنَّهُ لَحَقٌ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ) (2) .
    فلمّا رأى المؤمنون الذي نزل به عثمان من معصية الله ، والمؤمنون شهداء الله ناظرون أعمال الناس ، وكذلك قال الله : ( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ المُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إلَى عالِمِ الغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون ) (3) .
    و ترك خصومة الخصمين في الحق والباطل ودفع ما وعد الله من الفتن ، وقال الله : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَيُفْتَنُونَ * وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الكاذِبينَ ) (4) .
    فعلم المؤمنون أنّ طاعة عثمان على ذلك طاعة إبليس ، فساروا إلى عثمان من أطراف الأرض ، واجتمعوا في ملأ من المهاجرين والأنصار وعامّة أزواج النبيـ عليه الصلاة والسلام ـ فأتوه فذكّروه الله وأخبروه الذي أتى من معاصي الله ، فزعم أنّه يعرف الذي يقولون ، وأنّه يتوب إلى الله منه و يراجع الحق فيقبلوا منه الذي اتّقاهم به من اعتراف الذنب والتوبة والرجوع إلى أمر الله ، فجامعوه وقبلوا منه ، وكان حقّاً على أهل الإسلام إذا اتّقوا بالحق أن يقبلوه ويجامعوه ما استقام على الحق. فلمّا تفرّق الناس على ما اتّقاهم به من الحق نكث عن الذي عاهدهم عليه وعاد فيما تاب منه ، فكتب في أدبارهم أن تقطع أيدهم و أرجلهم من خلاف. فلمّا ظهر المؤمنون على كتابه ونكثه على العهد الذي عاهدهم عليه رجعوا فقتلوه بحكم الله ، وقال الله : ( وَ إنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ
    1 ـ النساء : 166.
    2 ـ الذاريات : 23.
    3 ـ التوبة : 105.
    4 ـ العنكبوت : 1 ـ 3.


(349)
مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِيْنِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (1) . فجامع أهل الاسلام ما شاءالله ، وعمل بالحق ، وقد يعمل الإنسان بالاسلام زماناً ثم يرتد عنه. وقال الله : ( إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أمْلَى لَهُمْ ) (2) .
    فلمّا استحلّ معصية الله وترك سنّة من كان قبله من المؤمنين ، علم المؤمنون أنّ الجهاد في سبيل الله أولى ، وأنّ الطاعة في مجاهدة عثمان على أحكامه. فهذا من خبر عثمان والذي فارقناه فيه ، ونطعن عليه اليوم ، وطعن عليه المؤمنون قبلنا ، وذكرت أنّه كان مع رسول الله وختنه (3) ، فقد كان عليّ بن أبي طالب أقرب إلى رسول الله وأحبّ إليه منه ، وكان ختنه ومن أهل الإسلام. وأنت تشهد عليه بذلك وأنا بعد على ذلك ، فكيف تكون قرابته من محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) نجاةً إذا ترك الحق وضلّ كفراً (4) .
    واعلم ، إنّما علامة كفر هذه الاُمّة كفرها الحكم بغير ما أنزل الله ، ذلك بأنّ الله قال : ( وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأولئِكَ هُمُ الكَافِرُون ) (5) .فلا أصدق من الله قيلا ، وقال : ( فَبِأيِّ حَدِيث بَعْدَ اللهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ ) (6) .
    1 ـ التوبة : 12.
    2 ـ محمّد : 25.
    3 ـ الختن : زوج الابنة. الجمع أختان.
    4 ـ قال سبحانه لنبيّه : ( لَئِنْ اَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) الزمر / 65 ، ولكن الكلام في وقوع الشرط. إنّ الإمام لم يشرك ، ولم يضل أبداً. إنّما ترك الحق اُولئِكَ الذين ألجأوه إلى إجابة دعوة الشاميين ، وحذّروه من مواصلة الحرب وقد كان الامام على أعتاب النصر ، وقد بلغوا في اللجاج والعناد إلى حدّ لم يمهلوا القائد لقواته ـ الأشتر ـ عدوة فرس أو فواق ناقة ، فلاحظ.
    5 ـ المائدة : 44.
    6 ـ الجاثية : 6.


(350)
    فلا يغرّنّك يا عبدالملك بن مروان ، عثمان عن نفسك ، ولاتسند دينك إلى الرجال يتمنّون ويريدون ويستدرجون من حيث لايعلمون ، فإنّ أملك الأعمال بخواتمها ، وكتاب الله جديد ينطق بالحق أجارنا الله باتباعه أن نضل او نبغي (1) فاعتصم بحبل الله يا عبدالملك واعتصم بالله ، وإنّه من يعتصم بالله يهده صراطاً مستقيماً. وهو حبل الله الذي أمر المؤمنين أن يعتصموا به ولايتفرّقوا. وليس حبل الله الرجال من أيّهم حَسُنَ ينهبون ويطعنون ، فاُذكّرك الله لما أن تدبّرت القرآن فإنّه حق. وقال الله : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أقْفالُها ) (2) .فكّن تابعاً لما جاء من الله تهتدي ، وبه تخاصم من خاصمك من الناس ، وإليه تدعو وبه تحتجّ ، فإنّه من يكن القرآن حجّته يوم القيامة به يخاصم من خاصمه ويفلح في الدنيا والآخرة. فإنّ الناس فقد اختصموا( إنَّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) (3) فتعمل لما بعد الموت ولايغرّنّك بالله الغرور.
    وأَمّا قولك في شأن معاوية بن أبي سفيان أنّ الله قام معه وعجّل نصره وأفلح حجّه وأظهره على عدوّه بطلب دم عثمان ، فإن يكن يعتبر الدين من قبل الدولة أن يظهر الناس بعضهم على بعض في الدنيا فإنّا لانعتبر الدين بالدولة ، فقد ظهر المسلمون على الكافرين لينظر كيف يعملون ، وقد ظهر الكفّار على المسلمين ليبتلي المسلمين بذلك ويعلى الكافرين (4) . وقال : ( وَ تِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللهُ لايُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَ لُِيمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الكافِرِين ) (5) .
    1 ـ وفي نسخة : « أن نبغي أو نضل ».
    2 ـ محمّد : 24.
    3 ـ الزمر : 31 ـ
    4 ـ وفي نسخة « ويملأ الكافرين ».
    5 ـ آل عمران 140 ـ 141.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس