بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 421 ـ 430
(421)
خلف كل برّ و فاجر من أهل القبلة.. إلى أن قال : ولا ننزع يداً من طاعتهم ، و نرى طاعتهم من طاعات الله عزّوجلّ فريضة علينا مالم يأمروا بمعصية » (1) .
    3 ـ و قال أبو اليُسر محمّد بن عبد الكريم البزدوي : « الإمام إذا جار أو فسق لاينعزل عند أصحاب أبي حنيفة و أجمعهم ، و هو المذهب المروي » (2) .
    إلى غير ذلك من الكلمات الّتي وقفت على بعضها في الجزء الأوّل ـ من هذه الموسوعة ـ عند البحث عن طاعة السلطان الجائر و هي بين مطلق و مقيّد فيما إذا لم يأمر بمعصية.
    وهذه النظرية حيكت على طبق الروايات الواردة في الصحاح والمسانيد ، و إليك بعضها :
    أ ـ روى مسلم في صحيحه : بسنده عن حذيفة بن اليمان قال : قلت : « يا رسول الله ، إنّا كنّا بشرٍّ فجاء الله بخير فنحن فيه ، فهل من وراء هذا الخير شرّ؟ قال : نعم قلت : هل وارء ذلك الشرّ خير؟ قال : نعم قلت : فهل وراء ذلك الخير شرّ؟ قال : نعم قلت : كيف؟ قال : يكون بعدي أئمّة لايهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي و سيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال : تسمع و تطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع » (3) .
    ب ـ روى أيضاً عن سلمة بن يزيد الجعفي ، أنّه سأل رسول الله ، فقال : « يا نبيّ الله ، أرأيت إن قامت علينا اُمراء يسألونا حقّهم و يمنعونا حقّنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ، ثمّ سأله فأعرض عنه ، ثمّ سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه
    1 ـ أبو جعفر الطحاوي : شرح العقيدة الطحاوية 110 طبع دمشق.
    2 ـ الإمام البزدوي (إمام الفرقة الماتريدية) : اُصول الدين 190 طبع القاهرة.
    3 ـ مسلم : الصحيح 3 / 1476 ، كتاب الإمارة ، الباب 13 ، الحديث 1847.


(422)
الأشعث بن قيس و قال : « اسمعوا و أطيعوا ، فإنّما عليهم ما حمّلوا و عليكم ما حمّلتم » (1) .
    و في رواية اُخرى فيه : « فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : « اسمعوا و أطيعوا ، فإنّما عليهم ما حمّلوا و عليكم ما حمّلتم » (2) .
    ج ـ و روى عن عبادة بن الصامت « قال : دعانا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) فبايعناه ، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع و الطاعة في منشطنا و مكرهنا و عسرنا و يسرنا و اثره علينا و أن لاننازع الأمر أهله. قال : « إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان » (3) .

تحليل هذه النظرية :
    إنّ هذه النظرية لايصدّقها الكتاب العزيز و لا السنّة النبويّة ولا سيرة أئمّة المسلمين ، كيف يجوز إطاعة أمر الجائر مطلقاً ، أو فيما إذا لم يأمر بمعصيته ، و قال سبحانه : ( وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ الْمـُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الاَْرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ ) (4) وقد نقل سبحانه اعتذار بعض أهل النار بقوله : ( وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَْ ) (5) وقد تضافر عن رسول الله أنّه قال : « لا طاعة
    1 ـ مسلم الصحيح 3 / 1474 ، كتاب الامارة ، الباب 12 ، الحديث 1846.
    2 ـ مسلم : الصحيح 3 / 1475 ، كتاب الامارة ، الباب 12 ، ذيل حديث 1846.
    3 ـ مسلم الصحيح 3 / 1470 ، كتاب الامارة ، الباب 8 ذيل حديث 1840 (الرقم 42). ولاحظ في الوقوف على سائر الروايات في هذا المجال كتاب دراسات في فقه الدورة الإسلامية 1 / 580 ـ 587 فإنّه بلغ النهاية في جمع الروايات و الكلمات الصادرة عن الفقهاء في المقام.
    4 ـ الشعراء : 151 ـ 152.
    5 ـ الأحزاب : 67.


(423)
لمخلوق في معصية الخالق » (1) .
    و روى الإمام الرضا عن آبائه قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : « من أرضى سلطاناً بما أسخط الله خرج عن دين الله » (2) .
    و روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر أنّه قال : « على المرء المسلم السمع و الطاعة فيما أحبّ و كره إلاّ أن يؤمر بمعصية فلا سمع و لا طاعة » (3) .
    إلى غير ذلك من الروايات الناهية عن إطاعة الإمام الجائر مطلقاً أو فيما يأمر بمعصية. و الإمعان فيها و في غيرها يعرب عن حرمة الاطاعة مطلقاً ، كيف و روى المتّقي الهندي في كنز العمّال عن أَنس قال : « لا طاعة لمن لم يطع الله » (4) نعم كل ما ذكرنا من حرمة الطاعة ، مشروط بالقدرة و المنعة ، وإلاّ ففيه كلام آخر ليس المقام محل تفصيله.
    و أمّا السيرة فتظهر حالها عند الكلام في المقام الثاني :

الثاني : في لزوم الخروج على الحاكم الجائر :
    1 ـ ذهب أكثر أهل السنّة إلى حرمة الخروج ، وهذا هو إمام الحنابلة يقول في رسالته السابقة : « و الغزو ماض مع الاُمراء إلى يوم القيامة ، البرّ و الفاجر ، وإقامة الحدود إلى الأئمة ، وليس لأحد أن يطعن عليهم و ينازعهم » (5) .
    2 ـ و قال الشيخ أبو جعفر الطحاوي : « ولا نرى الخروج على أئمّتنا ولا
    1 ـ الحر العاملي : الوسائل 11 ، الباب الحادي عشر من أبواب الأمر بالمعروف 7 ، و نقله الرضي في نهج البلاغة قسم الحكمة برقم 165.
    2 ـ المصدر نفسه برقم 9.
    3 ـ مسلم : الصحيح 3 ، كتاب الامارة ، الباب الثامن ، الحديث 1839.
    4 ـ المتقي الهندي : كنز العمال 6 / 67 ، الباب 1 من كتاب الامارة ، الحديث 14872.
    5 ـ تقدم مصدره.


(424)
ولاة أمرنا و إن جاروا » (1) .
    3 ـ و قال الإمام الأشعري عند بيان عقيدة أهل السنّة : « و يرون الدعاء لأئمّة المسلمين بالصلاح و أن لايخرجوا عليهم بالسيف » (2) .
    4 ـ وقال الإمام البزدوي : « إذا فسق الإمام يجب الدعاء له بالتوبة ، ولا يجوز الخروج عليه لأنّ في الخروج إثارة الفتن و الفساد في العالم » (3) .
    5 ـ و قال الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه بغصب الأموال ، و ضرب الأبشار ، و تناول النفوس المحرّمة ، و تضييع الحقوق ، و تعطيل الحدود : « لاينخلع بهذه الامور ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب و عظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله » (4) .
    إلى غير ذلك من الكلمات الّتي فيما ذكرنا غنىً عنها.
    نعم هناك شخصيات لامعة أصحروا بالحقيقة و جاءوا بكلام حاسم ، وإليك بعض من ذهب إلى وجوب الخروج على الحاكم الجائر :
    1 ـ قال أبو بكر الجصّاص في أحكام القرآن : « كان مذهب أبي حنيفة مشهوراً في قتال الظلمة وأئمّة الجور ، ولذلك قال الأوزاعي : احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف ـ يعني قتال الظلمة ـ فلم نحتمله ، وكان من قوله : وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض بالقول ، فإن لم يؤتمرله فبالسيف على ما روي عن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ).
    وسأله إبراهيم الصائغ و كان من فقهاء أهل خراسان ورواة الأخبار
    1 ـ أشرنا إلى مصدره.
    2 ـ أبو الحسن الأشعري : مقالات الإسلاميين 323.
    3 ـ الامام البزدوي : اُصول الدين 190.
    4 ـ الباقلاني : التمهيد 186 طبع القاهرة.


(425)
ونسّاكهم عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فقال : هو فرض ، وحدّثه بحديث عن عكرمة عن ابن عباس أنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) قال : « أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب و رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف و نهاه عن المنكر فقتل » (1) .
    2 ـ و قال ابن حزم : « والواجب إن وقع شيء من الجور و إن قلّ ، أن يكلّم الإمام في ذلك ويمنع منه ، فإن امتنع و راجع الحقّ وأذعن للقود من البشرة أو من الاعضاء ، و لإقامة حدّ الزنا و القذف والخمر عليه فلا سبيل إلى خلعه ، و هو إمام كما كان ، لا يحلّ خلعه. فإن امتنع من انفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع ، وجب خلعه و اقامة غيره ممّن يقوم بالحقّ ، لقوله تعالى : ( تَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوُاْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدوَنِ ) ولا يجوز تضييع شيء من واجبات الشرائع » (2) .
    3 ـ و قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : « لا تقاتلوا الخوارج بعدي » قال :
    « و عند أصحابنا انّ الخروج على أئمّة الجور واجب ، و عند أصحابنا أيضاً انّ الفاسق المتغلّب بغير شبهة يعتمد عليها ، لايجوز أن يُنْصَر على من يخرح عليه ممّن ينتمي إلى الدين ، و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ، بل يجب أن ينصر الخارجون عليه ، وإن كانوا ضالّين في عقيدة اعتقدوها بشبهة دينية دخلت عليهم ، لأنّهم أعدل منه و أقرب إلى الحقّ ، و لاريب في تلّزم الخوارج بالدين ، كما لاريب في أنّ معاوية لم يظهر عنه مثل ذلك » (3) .
    1 ـ الجصّاص : أحكام القرآن 1 / 81.
    2 ـ ابن حزم الأندلسي : الفصل في الملل و الاهواء و النحل 4 / 175.
    3 ـ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة 5 / 78.


(426)
    4 ـ و قال إمام الحرمين : « إنّ الامام إذا جار ، وظهر ظلمه و غيّه ولم يرعو لزاجر عن سوء صنيعة فلأهل الحل و العقد ، التواطؤ على ردعه و لو بشهر السلاح ونصب الحروب » (1) .
    إذا و قفت على هذه النقول ، فالحقّ هو وجوب الخروج على الحاكم الجائر إذا كان في ركوبه منصّةَ الحكم خطراً على الإسلام و المسلمين.
    و يكفي في ذلك ما ورد حول الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، فإنّ الخروج على السلطان الجائر من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يقوم به إلاّ أصحاب القدرة و المنعة ، الذين لديهم امكانية الكفاح المسلّح.
    وأمّا الروايات فيكفي في ذلك ما نذكر :
    1 ـ روى الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال ، إنّي سمعت علياً ( عليه السَّلام ) يقول ـ يوم لقينا أهل الشام ـ : « أيّها المؤمنون ، إنّه من رأى عدواناً يُعمل به و منكراً يُدعى إليه ، فأنكره بقلبه فقد سلم و برئ ، و من أنكره بلسانه فقد اُجر ، و هو أفضل من صاحبه ، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الّذي أصاب سبيل الهدى و قام على الطريق و نوّر في قلبه اليقين » (2) .
    2 ـ و في مسند أحمد عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « إنّ الله عزّوجلّ لا يعذّب العامّة بعمل الخاصّة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكرونه ، فإذا فعلوا ذلك عذّب الله الخاصّة و العامّة » (3) .
    1 ـ التفتازاني : شرح المقاصد 2 / 272 نقلاً عن امام الحرمين.
    2 ـ الحر العاملي : الوسائل 11 / 405 ، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي و ... ، الحديث 8 ، و رواه أيضاً في نهج البلاغة : فيض 1262 ، عبدة 3 / 243 ، صالح 541 ، الحكمة 373.
    3 ـ أحمد المسند 4 / 192.


(427)
    والقدرة ، فمنطق القوة يستعان به إذا لم تثمر المراتب السابقة ، وفي بعض الروايات إلماعات إليه ، و هي بين كونها نقيّة السند و ضعيفته ، و لكن المجموع يفيد اليقين بالمقصود.
    3 ـ قال أبو جعفر الباقر ( عليه السَّلام ) : « فانكروا بقلوبكم و الفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم » (1) .
    4 ـ إنّ الحسين خطب أصحابه و أصحاب الحرّ ، فحمد الله و أثنى عليه ثم قال :
    « أيّها الناس إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحّلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان ، فلم يُغَيِّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن ، و أظهرو الفساد و عطّلوا الحدود ، و استأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر » (2) .
    5 ـ روى الصدوق باسناده عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ( عليه السَّلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : « إنّ الله لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة إذا عملت الخاصّة بالمنكر سرّاً من غير أن تعلم العامّة ، فإذا عملت الخاصّة بالمنكر جهاراً فلم تغيّر ذلك العامة ، استوجب الفريقان العقوبة من الله ـ عزّ وجلّ ـ » قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : « إنّ المعصية إذا عمل بها العبد سرّاً لم يُضّرَّ إلاّ عاملها ، فإذا عمل بها علانية ولم يغيّر عليه أضرّت بالعامة ». و قال جعفر بن محمّد ( عليه السَّلام ) : « و ذلك انّه يذلّ
    1 ـ الحرّ العاملي : الوسائل 11 / 403 ، الباب الثالث من أبواب الأمر بالمعروف 1.
    2 ـ الطبري : التاريخ 4 / 304.


(428)
بعمله دين الله و يقتدي به اهل عداوة الله » (1) .
    و فيما ذكرنا من الروايات كفاية.
    أمّا السيرة فحدّث عنها ولا حرج ، ففي ثورة الإمام الطاهر الحسين سيّد الشهداء ، و ثورة أهل المدينة على زيد الطاغية ، و ثورة أهل البيت في فترات خاصة ، كفاية لطالب الحق و كلّها تؤيّد نظرية لزوم الخروج على الحاكم الجائر بشروط خاصة مبيّنة في الفقه.
    و نكتفي في المقام بما ذكره صاحب المنار قال :
    « و من المسائل المجمع عليها قولاً و اعتقاداً : « إنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وإنّما الطاعة في المعروف » ، و إنّ الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتدّ عن الإسلام واجب ، وإنّ اباحة المجمع على تحريمه كالزنا و السكر واستباحة ابطال الحدود و شرع مالم يأذن به الله ، كفر وردّة ، وانّه إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع ، وحكومة جائرة تعطله ، وجب على كلّ مسلم نصر الاُولى ما استطاع ، و انّه إذا بغت طائفة من المسلمين على اُخرى ، وجرّدت عليها السيف ، و تعذّر الصلح بينهما ، فالواجب على المسلمين قتال الباغية المعتدية حتى تفيء إلى أمر الله.
    و ما ورد في الصبر على أئمّة الجور إلاّ إذا كفروا ، معارض بنصوص اُخرى ، والمراد به اتّقاء الفتنة و تفريق الكلمة المجتمعة ، وأقواها حديث : « و أن لاتنازع الأمر أهله إلاّ أن تروا كفراً بواحا ». قال النووي : المراد بالكفر هنا المعصية. و مثله كثير. و ظاهر الحديث انّ منازعة الامام الحق في إمامته ننزعها منه لا يجب إلاّ إذا كفر كفراً ظاهرا و كذا عمّاله و ولاته.
    و أمّا الظلم و المعاصي فيجب إرجاعه عنها مع بقاء امامته و طاعته في
    1 ـ الحرّ العاملي : الوسائل 11 / 407 ، الباب 4 من أبواب الأمر و النهي و ... ، الحديث 1.

(429)
المعروف دون المنكر ، وإلاّ خلع و نصب غيره.
    و من هذا الباب خروج الحسين سبط رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) على امام الجور و البغي ، الّذي وليَّ أمر المسلمين بالقوّة والمكر : يزيد بن معاوية خذله الله ، وخذل من انتصر له من الكرامية و النواصب الذين لايزالون يستحبون عبادة الملوك و الظالمين ، على مجاهدتهم لإقامة العدل و الدين. وقد صار رأي الاُمم الغالب في هذا العصر وجوب الخروج على الملوك المستبدّين المفسدين. وقد خرجت الاُمة العثمانية على سلطانها عبد الحميد خان فسلبت السلطة منه و خلعته بفتوى من شيخ الإسلام » (1) .
    1 ـ السيد محمّد رشيد رضا : تفسير المنار 6 / 367 ، وياليت صاحب المنار (ت 1354) يمشي على هذا الخطّ إلى آخر عمره والقصة ذو شجون ، و من أراد التفصيل فليرجع إلى المناظرات الّتي دارت بينه و بين السيد محسن الأمين (ت 1371) فقد أماط الستر عن حياته و تلوّنه فيها ، ولاحظ أيضاً كشف الارتياب 64 ـ 77.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس