ذهبت الأزارقة إلى حرمة التقيّة في القول و
العمل ، بينما ذهبت النجدية إلى جوازها (1) وربّما تنسب حرمة التقيّة إلى جميع الخوارج وإن اُكره المؤمن و خاف القتل (2) .
يلاحظ عليه : أنّ التقيّة تنقسم حسب انقسام
الأحكام إلى خمسة ، فمنها واجب ، و منها حرام ، فإنّها تجب لحفظ النفوس ، و
الأعراض ، و الأموال الطائلة ، كما إنّها تحرم إذا ترتّبت عليها مفسدة أعظم كهدم
الدين و خفاء الحقيقة على الأجيال الآتية.
قال الشيخ المفيد : التقيّة جائزة في الدين عند
الخوف على النفس ، وقد يجوز في حال دون حال للخوف على المال ، و لضروب من الاستصلاح.
1 ـ لاحظ فصل عقائد الخوارج و
آرائهم. 2 ـ الامام عبده : المنار 3 / 280 ،
بقلم تلميذه السيد محمّد رشيد رضا ، و ما ذكره إنّما هو مذهب الأزارقة لا
النجدية و ستعرف أنّ التقيّة من تعاليم الاباضية وكانت هي السبب في بقائهم.
(432)
و أقول : إنّها قد تجب أحياناً و يكون فرضاً ، و
تجوز أحياناً من غير وجوب ، و تكون في وقت أفضل من تركها ، و يكون تركها أفضل وإن
كان فاعلها معذوراً و معفوّاً عنه ، متفضّلاً عليه بترك اللوم عليها.
و أقول : إنّها جائزة في الأقوال كلّها عند
الضرورة ، و ربّما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح و ليس يجوز من الأفعال في
قتل المؤمنين ولا فيما يُعْلَم أو يُغْلَب انّه استفساد في الدين ، و هذا مذهب
يخرج عن اُصول أهل العدل و أهل الامامة خاصّة دون المعتزلة و الزيدية و الخوارج
و العامة المتسمّية بأصحاب الحديث (1) .
و يكفي في جواز ذلك :
1 ـ قوله سبحانه : ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَـفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَ لِكَ فَلَيْسَ
مِنَ اللَّهِ فِي شَيءْ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـةً
وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ
الْمَصِيرُ ) (2) .
فقوله : (
إِلاَّ أَنْ تَتَّقُواْ ) استثناء من أهم
الأحوال ، أي أنّ ترك موالاة الكافرين حتم على المؤمنين في كلّ حال ، إلاّ في حال
الخوف من شيء يتّقونه منهم ، فللمؤمنين حينئذ أن يوالوهم بقدر ما يتّقى به ذلك
الشيء لأنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح.
والاستثناء منقطع ، فإنّ التقرّب من الغير خوفاً ،
بإظهار آثار التولّي ، ظاهراً من غير عقد القلب على الحبّ والولاية ، ليس من
التولّي في شيء ، لأنّ الخوف
1 ـ الشيخ المفيد : أوئل المقالات
96 ـ 97. قوله « و العامة المتسمّية بأصحاب الحديث » يعرب عن أنّ غير المعتزلة من
أهل السنّة كانوا معروفين في عصر الشيخ (326 ـ 413) بأصحاب الحديث ، وأمّا تسمية
طائفة منهم بالأشاعرة فإنّما حدث بعد ذلك العصر. 2 ـ آل عمران : 28.
(433)
والحب أمران قلبيّان و متنافيان أثراً في القلب ،
فكيف يمكن اجتماعهما ، فاستثناء الاّتقاء استثناء منقطع.
2 ـ قوله سبحانه : ( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَـنِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنُّ بِالاِْيمَـنِ * وَلَـكِن مَّن
شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ ) (1) فترى
انّه سبحانه يجوّز إظهار الكفر كرهاً و مجاراة الكافرين خوفاً منهم ، بشرط أن يكون القلب مطمئنّاً
بالايمان. فلو كانت مداراة الكافرين في بعض الظروف حراماً ، فلماذا رخّصه
الإسلام و أباحه ، وقد اتّفق المفسّرون على أنّ الآية نزلت في جماعة اُكرهوا على
الكفر ، و هم عمّار و أبوه « ياسر » واُمّه « سميّة » ، و قتل أبو عمّار و اُمّه ، و
أعطاهم عمّار بلسانه ، ما أرادوا منه. ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله ، فقال قوم :
كفر عمّار ، فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) :
« كّلا ، إنّ عمّاراً مُلِئ ايماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه
ودمه ». وجاء عمّار إلى رسول الله و هو يبكي ، فقال : « ماوراءك »؟ فقال : « شرّ يا
رسول الله ، ما تركت حتى نلت منك ، و ذكرت آلهتم بخير ». فجعل رسول الله يمسح
عينيه و يقول : « إن عادوا فعدلهم بما قلت » فنزلت
الآية (2) .
وبذلك يظهر ، أنّ تحريم التقيّة على وجه الاطلاق
اجتهاد في مقابل النصّ ، فإنّ الآية تصرّح بأنّ من نطق بكلمة الكفر مُكْرَهاً و
قاية لنفسه من الهلاك ، لاشارحاً بالكفر صدراً ، ولا مستحسناً للحياة الدنيا على
الآخرة ، لا يكون كافراً ، بل يعذر.
3 ـ ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـنَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ
بِالْبَيِّنَـتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَـذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن
يَكُ صَادِقاً
1 ـ النحل : 106. 2 ـ الطبرسي : مجمع البيان 3 / 388
و نقله غير واحد من المفسرين.
(434)
يُصِبْكُم
بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ
كَذَّابٌ ) (1) ويقول
أيضاً : ( وَجَآءَ
رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ
يَـمُوسَى إِنَّ الْمَلاََ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ
إِنِّي لَكَ مِنَ النَّـصِحِينَ ) (2) .
نعم لوجوب التقيّة أو جوازها شروط و أحكام ذكرها
العلماء في كتبهم الفقهية و لأجل ذلك حرّموا التقيّة في موارد ، كقتل المؤمن
تقيّة ، أو ارتكاب محرّم يوجب الفساد الكثير ، ولأجل ذلك نرى أنّ كثيراً من عظماء
الشيعة و أكابرهم رفضوا التقيّة في بعض الأحايين و تهيّأ وللشنق على حبال
الجور ، والصلب على أخشاب الظلم. وكلّ من استعمل التقيّة أو رفضها ، له الحسنى ،
وكلّ عمل بوظيفته الّتي عيّنتها ظروفه.
إنّ التاريخ يحكي لنا عن الكثير من رجالات الشيعة
الذين تركوا التقيّة و قدَّموا نفوسهم المقدَّسة قرابين للحقّ ، و منهم شهداء
« مرج العذراء » و قائدهم الصحابّي العظيم الّذي أنهكته العبادة و الورع ، حجر بن
عدي الكندي ، الّذي كان من قادة الجيوش الاسلامية الفاتحة للشام.
و منهم ميثم التمّار ، و رشيد الهجري ، و عبد الله
بن يقطر الذين شَنَقهم ابن زياد في كناسة الكوفة ، هؤلاء والمئات من أمثالهم
هانت عليهم نفوسهم العزيزة في سبيل الحقّ ، ونطحوا صخرة الباطل ، بل وجدوا العمل
بالتقيّة حراماً ، ولو سكتوا وعملوا بها وأصبح دين الإسلام دينَ معاوية و يزيد و
زياد و ابن زياد ، دينَ المكر ، ودينَ الغدر ، ودينَ النفاق ، ودينَ الخداع ، دين كل
رذيلة ، و أين هو من دين الإسلام الحقّ ، الّذي هو دين كل فضيلة ، اُولئك هم أضاحي
الإسلام و قرابين الحق.
1 ـ غافر : 28. 2 ـ القصص : 20.
(435)
و فوق اُولئك ، امام الشيعة ، أبو الشهداء الحسين و
أصحابه الذين هم سادة الشهداء و قادة أهل الإباء.
وبذلك ظهر أنّ ايجاب التقيّة على الاطلاق و
تحريمها كذلك ، بين الافراط والتفريط. والقول الفصل هو تقسيم التقيّة إلى الواجب
والحرام ، أو إلى الجائز ـ بالمعنى الأعم ـ والحرام.
و بما أنّ الشيعة اشتهرت بالتقيّة بين سائر
الفرق ، و ربّما تُزرى بها و تُتَّهم بالنفاق فقد أشبعنا الكلام فيها ، و بيّنا ،
الفرق بين التقيّة و النفاق في أبحاثنا الكلامية (1) .
و هناك كلمة للعلاّمة المحقّق السيد الشهرستاني نأتي بها هنا :
قال : المراد من التقيّة إخفاء امر ديني لخوف
الضرر من إظهاره ، و التقيّة بهذا المعنى ، شعار كلّ ضعيف مسلوب الحرية ، إلاّ أنّ
الشيعة قد اشتهرت بالتقيّة أكثر من غيرها ، لأنّها منيت باستمرار الضغط عليها
أكثر من أيّ اُمّة اُخرى ، فكانت مسلوبة الحرية في عهد الدولة الأمويّة كلِّه ، و
في عهد العباسيين على طوله و في أكثر أيام الدولة العثمانية ولأجله استشعروا
شعار التقيّة أكثر من أيّ قوم ، ولمّا كانت الشيعة تختلف عن الطوائف المخالفة
لها في قسم مهم من الاعتقادات في اُصول الدين ، و في كثير من المسائل الفقهية ، و
تستجلب المخالفة (بالطبع) رقابة و حزازة في النفوس ، و قد يجرّ إلى اضطهاد أقوى
الحزبين لأضعفه ، أو اخراج الأعزّ منهما الأذلّ كما يتلوه علينا التاريخ و
تصدّقه التجارب ، لذلك أضحت شيعة الأئمّة من آل البيت تضطرّ في أكثر الأحيان إلى
الكتمان لصيانة النفس و النفيس ، والمحافظة على الوداد و الاُخوّة مع سائر
اخوانهم المسلمين ،
1 ـ لاحظ الإلهيّات 2 / 925 ـ 933
بقلم حسن محمد مكي العاملي.
(436)
لئلاّ تنشق عصا الطاعة ، و لكيلا يحسّ الكفّار
بوجود اختلاف ما في الجامعة الاسلامية فيوسّعوا الخلاف بين الاُمّة
المحمّدية (1) .
1 ـ محمّد علي الشهرستاني (ت
1386) : تعاليق أوائل المقالات 96 نقلاً عن مجلّة المرشد 252 ـ 256.
إنّ هذه المسألة تفترق عن المسألة الثانية أعني
تحديد حقيقة الإيمان و انّ العمل هل هو مقوّم لأقلّ مراتب الإيمان أو لا (وجه
الفرق)؟ انّ روح البحث في المقام عن تحديد ما تجب معرفته في مجالي العقيدة و
الشريعة ، بخلاف المسألة السابقة فإنّ موضوعه تحديد مفهوم الإيمان و انّه هل هو
متقوّم بالعقيدة فقط ، أو مركّب منها و من العمل؟ فالمسألتان مختلفتان جوهراً فنقول :
الإسلام عقيدة و شريعة ، و المطلوب من الاُولى ،
المعرفة ثم الالتزام القلبي ، كما انّ المطلوب من الثانية المعرفة ثم الالتزام
العملي ، و هذا ممّا لم يختلف فيه اثنان ، إلاّ أنّه وقع الاختلاف في تحديد
المقدار الّذي تجب معرفته تفصيلاً مقدمة للالتزام القلبي ، كما وقع الخلاف في
المقدار الأدنى الّذي تجب معرفته تفصيلاً مقدمة للالتزام العملي ، و نحن نبحث عن
كلا الأمرين.
(438)
الأمر الأول : ما تجب معرفته في مجال العقيدة : الّذي يظهر من الطائفة البيهسيّة من الخوارج ،
لزوم معرفة جميع العقائد الاسلامية تفصيلاً و انّه لولا هذه المعرفة لما دخل
الانسان في عداد المسلمين ، قالوا : لاُيسلِم أحد حتى يُقر بمعرفة الله ، و بمعرفة
رسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) و بمعرفة ما
جاء به محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) جملة ، و
الولاية لأولياء الله سبحانه ، والبراءة من أعداء الله ـ جلّ وعلا ـ و ما حرّم
الله سبحانه ممّا جاء فيه الوعيد فلا يسع الانسان إلاّ علمه و معرفته بعينه
وتفصيله (1) .
ويظهر هذا القول من بعض علمائنا الامامية. قال
العلاّمة الحلّي : أجمع العلماء على وجوب معرفة الله و صفاته الثبوتية و ما يصحّ
عليه و ما يمتنع عنه و النبوّة و الامامة و المعاد بالدليل لا
بالتقليد (2) .
وفي الوقت نفسه هناك من قال منهم بكفاية الاقرار
(الا المعرفة) بما جاء من عند الله جملة (3) .
و يظهر هذا القول من الاباضية ، قال محمّد بن سعد
الكدمي ـ وهو من علماء الاباضية في القرن الرابع ـ : « اعلموا أنّ الجملة الّتي
دعا إليها محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) وكذلك من دعا إلى دين الله بعد موت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ، ممّا لايسع الناس جهله ، و هو
الاقرار بالله ، انّه واحد ، و انّه ليس كمثله شيء ، وانّ محمّداً عبده و رسوله ،
وانّ جميع ماجاء
1 ـ يراجع الفصل التاسع : الفرقة
الثالثة : البيهسية. 2 ـ العلاّمة الحلي : الباب الحادي
عشر 2. 3 ـ لاحظ عقائد الفرقة البيهسية
المنسوبة لأبي بيهس في هذا الفصل و يحتمل أن يكون المراد من « جملة » هو الاعتقاد
الاجمالي بما جاء به الرسول فلا يدل على لزوم المعرفة التفصيلية و لكن يخالفه
ذيله الصريح في لزومها.
(439)
به محمّد عن الله فهو الحق ، فهذا الّذي لايسع
جهله في حال من الاحوال (1) .
و أضاف البعض الآخر من الاباضية تبعاً لأهل
الحديث ثم الأشاعرة ، الإيمان بالقدر خيره وشرّه (فيجب معرفتهما) قال ابن سلام :
الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و البعث و اليوم الآخر و الموت
و القدر خيره و شرّه من الله عزّوجلّ (2) .
ولأجل وجود التطرّف في القول الأوّل قال شيخنا
المرتضى الأنصاري عند البحث عن حجّية الظن في اُصول الدين :
« لقد ذكر العلامة (قدس سره) في الباب الحادي عشر في ما يجب معرفته على كلّ مكلّف من تفاصيل التوحيد
و النبوّة و الامامة و المعاد اُموراً لا دليل على وجوبها مطلقاً ، مدعياً انّ
الجاهل بها عن نظر و استدلال خارج عن ربقة الإسلام مستحقّ للعقاب الدائم و هو
في غاية الاشكال » (3) .
و لأجل تحقيق الحال نبحث عن الموضوع على وجه
الايجاز فنقول : إنّ المسائل الاُصولية الّتي لا يطلب فيها أوّلاً و بالذات إلاّ
الاعتقاد ، على قسمين :
الأوّل : ما وجب على المكلّف الاعتقاد و التدّين
به غير مشروط بحصول العلم ، فيكون تحصيل العلم من مقدّمات ذلك الواجب المطلق
فيجب تحصيل مقدّمته (المعرفة).
الثاني : ما يجب الاعتقاد و الالتزام إذا اتّفق
حصول العلم به ، و هذا كبعض تفاصيل المعارف الاسلامية الراجعة إلى المبدأ
والمعاد.
أمّا القسم الأوّل : أعني ما يجب الاعتقاد به
مطلقاً ولأجل كون وجوبه غير
1 ـ أبو سعيد الكدمي : المعتبر 1 /
145 من منشورات وزارة التراث القومي و الثقافة لسلطنة عمان. 2 ـ ابن سلام (ت 273) : بدء الإسلام
و شرائع الدين 60. 3 ـ مرتضى الأنصاري : الرسائل 170.
(440)
مشروط بشيء يجب تحصيل مقدّمته. فهذا لا يتجاوز
عن الاعتقاد بالشهادتين : بشهادة أن لا إله إلاّ الله و شهادة أنّ محمّداً رسول
الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) و هذه الشهادة
تتضمّن الاعتقاد الاجمالي بصحّة كلّ ما جاء به النبي في مجال العقيدة.
والدليل على كفاية ذلك مايلي :
إنّ النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) كان يقبل إسلام من أقرَّ
بالشهادتين لفظاً حاكياً عن الاعتقاد به ، و هذا يدلّ على أنّه يكفي في دخول
الانسان في عداد المسلمين ، الاقرار بهما و لا تجب معرفة تفاصيل المعارف و العقائد.
قال أبو جعفر الباقر ( عليه السَّلام ) :
إنّ الله عزّوجل بعث محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) و هو بمكة عشر
سنين (1) ولم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا اله إلاّ الله و أنّ محمّداً رسول
الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) إلاّ أدخله
الله الجنة باقراره و هو إيمان التصديق (2) .
فهذا الاستدلال يعطي أنّ حقيقة الإيمان الّتي
يخرج الانسان بها عن حدّ الكفر ، الموجب للخلود في النار ، لم تتغّير بعد إنتشار
الشريعة ، و بعد هجرة النبيّ إلى المدينة المنوّرة.
نعم ظهرت في الشريعة اُمور صارت ضرورية الثبوت من
النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) فيعتبر في
تحقّق الإسلام عدم انكارها (لا لزوم التصديق بها تفصيلاً) و لكن هذا لا يوجب
التغيّر في ما يقوم الإيمان به ، فإنّ المقصود انّه لا يعتبر في الإيمان أزيد من
التوحيد و التصديق
1 ـ يريد الدعوة العلنية فإنّها
كانت عشر سنين و كانت في السنين الثلاثة الاُولى سرّية. 2 ـ الكليني : الكافي 2 / 29 برقم 1510.