بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 431 ـ 440
(431)
4 ـ التقية قولاً و عملاً
    ذهبت الأزارقة إلى حرمة التقيّة في القول و العمل ، بينما ذهبت النجدية إلى جوازها (1) وربّما تنسب حرمة التقيّة إلى جميع الخوارج وإن اُكره المؤمن و خاف القتل (2) .
    يلاحظ عليه : أنّ التقيّة تنقسم حسب انقسام الأحكام إلى خمسة ، فمنها واجب ، و منها حرام ، فإنّها تجب لحفظ النفوس ، و الأعراض ، و الأموال الطائلة ، كما إنّها تحرم إذا ترتّبت عليها مفسدة أعظم كهدم الدين و خفاء الحقيقة على الأجيال الآتية.
    قال الشيخ المفيد : التقيّة جائزة في الدين عند الخوف على النفس ، وقد يجوز في حال دون حال للخوف على المال ، و لضروب من الاستصلاح.
    1 ـ لاحظ فصل عقائد الخوارج و آرائهم.
    2 ـ الامام عبده : المنار 3 / 280 ، بقلم تلميذه السيد محمّد رشيد رضا ، و ما ذكره إنّما هو مذهب الأزارقة لا النجدية و ستعرف أنّ التقيّة من تعاليم الاباضية وكانت هي السبب في بقائهم.


(432)
    و أقول : إنّها قد تجب أحياناً و يكون فرضاً ، و تجوز أحياناً من غير وجوب ، و تكون في وقت أفضل من تركها ، و يكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذوراً و معفوّاً عنه ، متفضّلاً عليه بترك اللوم عليها.
    و أقول : إنّها جائزة في الأقوال كلّها عند الضرورة ، و ربّما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح و ليس يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين ولا فيما يُعْلَم أو يُغْلَب انّه استفساد في الدين ، و هذا مذهب يخرج عن اُصول أهل العدل و أهل الامامة خاصّة دون المعتزلة و الزيدية و الخوارج و العامة المتسمّية بأصحاب الحديث (1) .
    و يكفي في جواز ذلك :
    1 ـ قوله سبحانه : ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَـفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَ لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيءْ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (2) .
    فقوله : ( إِلاَّ أَنْ تَتَّقُواْ ) استثناء من أهم الأحوال ، أي أنّ ترك موالاة الكافرين حتم على المؤمنين في كلّ حال ، إلاّ في حال الخوف من شيء يتّقونه منهم ، فللمؤمنين حينئذ أن يوالوهم بقدر ما يتّقى به ذلك الشيء لأنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح.
    والاستثناء منقطع ، فإنّ التقرّب من الغير خوفاً ، بإظهار آثار التولّي ، ظاهراً من غير عقد القلب على الحبّ والولاية ، ليس من التولّي في شيء ، لأنّ الخوف
    1 ـ الشيخ المفيد : أوئل المقالات 96 ـ 97. قوله « و العامة المتسمّية بأصحاب الحديث » يعرب عن أنّ غير المعتزلة من أهل السنّة كانوا معروفين في عصر الشيخ (326 ـ 413) بأصحاب الحديث ، وأمّا تسمية طائفة منهم بالأشاعرة فإنّما حدث بعد ذلك العصر.
    2 ـ آل عمران : 28.


(433)
والحب أمران قلبيّان و متنافيان أثراً في القلب ، فكيف يمكن اجتماعهما ، فاستثناء الاّتقاء استثناء منقطع.
    2 ـ قوله سبحانه : ( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَـنِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنُّ بِالاِْيمَـنِ * وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1) فترى انّه سبحانه يجوّز إظهار الكفر كرهاً و مجاراة الكافرين خوفاً منهم ، بشرط أن يكون القلب مطمئنّاً بالايمان. فلو كانت مداراة الكافرين في بعض الظروف حراماً ، فلماذا رخّصه الإسلام و أباحه ، وقد اتّفق المفسّرون على أنّ الآية نزلت في جماعة اُكرهوا على الكفر ، و هم عمّار و أبوه « ياسر » واُمّه « سميّة » ، و قتل أبو عمّار و اُمّه ، و أعطاهم عمّار بلسانه ، ما أرادوا منه. ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله ، فقال قوم : كفر عمّار ، فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : « كّلا ، إنّ عمّاراً مُلِئ ايماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ». وجاء عمّار إلى رسول الله و هو يبكي ، فقال : « ماوراءك »؟ فقال : « شرّ يا رسول الله ، ما تركت حتى نلت منك ، و ذكرت آلهتم بخير ». فجعل رسول الله يمسح عينيه و يقول : « إن عادوا فعدلهم بما قلت » فنزلت الآية (2) .
    وبذلك يظهر ، أنّ تحريم التقيّة على وجه الاطلاق اجتهاد في مقابل النصّ ، فإنّ الآية تصرّح بأنّ من نطق بكلمة الكفر مُكْرَهاً و قاية لنفسه من الهلاك ، لاشارحاً بالكفر صدراً ، ولا مستحسناً للحياة الدنيا على الآخرة ، لا يكون كافراً ، بل يعذر.
    3 ـ ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـنَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَـتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَـذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً
    1 ـ النحل : 106.
    2 ـ الطبرسي : مجمع البيان 3 / 388 و نقله غير واحد من المفسرين.


(434)
يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (1) ويقول أيضاً : ( وَجَآءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَـمُوسَى إِنَّ الْمَلاََ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّـصِحِينَ ) (2) .
    نعم لوجوب التقيّة أو جوازها شروط و أحكام ذكرها العلماء في كتبهم الفقهية و لأجل ذلك حرّموا التقيّة في موارد ، كقتل المؤمن تقيّة ، أو ارتكاب محرّم يوجب الفساد الكثير ، ولأجل ذلك نرى أنّ كثيراً من عظماء الشيعة و أكابرهم رفضوا التقيّة في بعض الأحايين و تهيّأ وللشنق على حبال الجور ، والصلب على أخشاب الظلم. وكلّ من استعمل التقيّة أو رفضها ، له الحسنى ، وكلّ عمل بوظيفته الّتي عيّنتها ظروفه.
    إنّ التاريخ يحكي لنا عن الكثير من رجالات الشيعة الذين تركوا التقيّة و قدَّموا نفوسهم المقدَّسة قرابين للحقّ ، و منهم شهداء « مرج العذراء » و قائدهم الصحابّي العظيم الّذي أنهكته العبادة و الورع ، حجر بن عدي الكندي ، الّذي كان من قادة الجيوش الاسلامية الفاتحة للشام.
    و منهم ميثم التمّار ، و رشيد الهجري ، و عبد الله بن يقطر الذين شَنَقهم ابن زياد في كناسة الكوفة ، هؤلاء والمئات من أمثالهم هانت عليهم نفوسهم العزيزة في سبيل الحقّ ، ونطحوا صخرة الباطل ، بل وجدوا العمل بالتقيّة حراماً ، ولو سكتوا وعملوا بها وأصبح دين الإسلام دينَ معاوية و يزيد و زياد و ابن زياد ، دينَ المكر ، ودينَ الغدر ، ودينَ النفاق ، ودينَ الخداع ، دين كل رذيلة ، و أين هو من دين الإسلام الحقّ ، الّذي هو دين كل فضيلة ، اُولئك هم أضاحي الإسلام و قرابين الحق.
    1 ـ غافر : 28.
    2 ـ القصص : 20.


(435)
    و فوق اُولئك ، امام الشيعة ، أبو الشهداء الحسين و أصحابه الذين هم سادة الشهداء و قادة أهل الإباء.
    وبذلك ظهر أنّ ايجاب التقيّة على الاطلاق و تحريمها كذلك ، بين الافراط والتفريط. والقول الفصل هو تقسيم التقيّة إلى الواجب والحرام ، أو إلى الجائز ـ بالمعنى الأعم ـ والحرام.
    و بما أنّ الشيعة اشتهرت بالتقيّة بين سائر الفرق ، و ربّما تُزرى بها و تُتَّهم بالنفاق فقد أشبعنا الكلام فيها ، و بيّنا ، الفرق بين التقيّة و النفاق في أبحاثنا الكلامية (1) .
    و هناك كلمة للعلاّمة المحقّق السيد الشهرستاني نأتي بها هنا :
    قال : المراد من التقيّة إخفاء امر ديني لخوف الضرر من إظهاره ، و التقيّة بهذا المعنى ، شعار كلّ ضعيف مسلوب الحرية ، إلاّ أنّ الشيعة قد اشتهرت بالتقيّة أكثر من غيرها ، لأنّها منيت باستمرار الضغط عليها أكثر من أيّ اُمّة اُخرى ، فكانت مسلوبة الحرية في عهد الدولة الأمويّة كلِّه ، و في عهد العباسيين على طوله و في أكثر أيام الدولة العثمانية ولأجله استشعروا شعار التقيّة أكثر من أيّ قوم ، ولمّا كانت الشيعة تختلف عن الطوائف المخالفة لها في قسم مهم من الاعتقادات في اُصول الدين ، و في كثير من المسائل الفقهية ، و تستجلب المخالفة (بالطبع) رقابة و حزازة في النفوس ، و قد يجرّ إلى اضطهاد أقوى الحزبين لأضعفه ، أو اخراج الأعزّ منهما الأذلّ كما يتلوه علينا التاريخ و تصدّقه التجارب ، لذلك أضحت شيعة الأئمّة من آل البيت تضطرّ في أكثر الأحيان إلى الكتمان لصيانة النفس و النفيس ، والمحافظة على الوداد و الاُخوّة مع سائر اخوانهم المسلمين ،
    1 ـ لاحظ الإلهيّات 2 / 925 ـ 933 بقلم حسن محمد مكي العاملي.

(436)
لئلاّ تنشق عصا الطاعة ، و لكيلا يحسّ الكفّار بوجود اختلاف ما في الجامعة الاسلامية فيوسّعوا الخلاف بين الاُمّة المحمّدية (1) .
    1 ـ محمّد علي الشهرستاني (ت 1386) : تعاليق أوائل المقالات 96 نقلاً عن مجلّة المرشد 252 ـ 256.

(437)
5 ـ ما تجب معرفته بالتفصيل
    إنّ هذه المسألة تفترق عن المسألة الثانية أعني تحديد حقيقة الإيمان و انّ العمل هل هو مقوّم لأقلّ مراتب الإيمان أو لا (وجه الفرق)؟ انّ روح البحث في المقام عن تحديد ما تجب معرفته في مجالي العقيدة و الشريعة ، بخلاف المسألة السابقة فإنّ موضوعه تحديد مفهوم الإيمان و انّه هل هو متقوّم بالعقيدة فقط ، أو مركّب منها و من العمل؟ فالمسألتان مختلفتان جوهراً فنقول :
    الإسلام عقيدة و شريعة ، و المطلوب من الاُولى ، المعرفة ثم الالتزام القلبي ، كما انّ المطلوب من الثانية المعرفة ثم الالتزام العملي ، و هذا ممّا لم يختلف فيه اثنان ، إلاّ أنّه وقع الاختلاف في تحديد المقدار الّذي تجب معرفته تفصيلاً مقدمة للالتزام القلبي ، كما وقع الخلاف في المقدار الأدنى الّذي تجب معرفته تفصيلاً مقدمة للالتزام العملي ، و نحن نبحث عن كلا الأمرين.


(438)
الأمر الأول : ما تجب معرفته في مجال العقيدة :
    الّذي يظهر من الطائفة البيهسيّة من الخوارج ، لزوم معرفة جميع العقائد الاسلامية تفصيلاً و انّه لولا هذه المعرفة لما دخل الانسان في عداد المسلمين ، قالوا : لاُيسلِم أحد حتى يُقر بمعرفة الله ، و بمعرفة رسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) و بمعرفة ما جاء به محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) جملة ، و الولاية لأولياء الله سبحانه ، والبراءة من أعداء الله ـ جلّ وعلا ـ و ما حرّم الله سبحانه ممّا جاء فيه الوعيد فلا يسع الانسان إلاّ علمه و معرفته بعينه وتفصيله (1) .
    ويظهر هذا القول من بعض علمائنا الامامية. قال العلاّمة الحلّي : أجمع العلماء على وجوب معرفة الله و صفاته الثبوتية و ما يصحّ عليه و ما يمتنع عنه و النبوّة و الامامة و المعاد بالدليل لا بالتقليد (2) .
    وفي الوقت نفسه هناك من قال منهم بكفاية الاقرار (الا المعرفة) بما جاء من عند الله جملة (3) .
    و يظهر هذا القول من الاباضية ، قال محمّد بن سعد الكدمي ـ وهو من علماء الاباضية في القرن الرابع ـ : « اعلموا أنّ الجملة الّتي دعا إليها محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) وكذلك من دعا إلى دين الله بعد موت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ، ممّا لايسع الناس جهله ، و هو الاقرار بالله ، انّه واحد ، و انّه ليس كمثله شيء ، وانّ محمّداً عبده و رسوله ، وانّ جميع ماجاء
    1 ـ يراجع الفصل التاسع : الفرقة الثالثة : البيهسية.
    2 ـ العلاّمة الحلي : الباب الحادي عشر 2.
    3 ـ لاحظ عقائد الفرقة البيهسية المنسوبة لأبي بيهس في هذا الفصل و يحتمل أن يكون المراد من « جملة » هو الاعتقاد الاجمالي بما جاء به الرسول فلا يدل على لزوم المعرفة التفصيلية و لكن يخالفه ذيله الصريح في لزومها.


(439)
به محمّد عن الله فهو الحق ، فهذا الّذي لايسع جهله في حال من الاحوال (1) .
    و أضاف البعض الآخر من الاباضية تبعاً لأهل الحديث ثم الأشاعرة ، الإيمان بالقدر خيره وشرّه (فيجب معرفتهما) قال ابن سلام : الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و البعث و اليوم الآخر و الموت و القدر خيره و شرّه من الله عزّوجلّ (2) .
    ولأجل وجود التطرّف في القول الأوّل قال شيخنا المرتضى الأنصاري عند البحث عن حجّية الظن في اُصول الدين :
    « لقد ذكر العلامة (قدس سره) في الباب الحادي عشر في ما يجب معرفته على كلّ مكلّف من تفاصيل التوحيد و النبوّة و الامامة و المعاد اُموراً لا دليل على وجوبها مطلقاً ، مدعياً انّ الجاهل بها عن نظر و استدلال خارج عن ربقة الإسلام مستحقّ للعقاب الدائم و هو في غاية الاشكال » (3) .
    و لأجل تحقيق الحال نبحث عن الموضوع على وجه الايجاز فنقول : إنّ المسائل الاُصولية الّتي لا يطلب فيها أوّلاً و بالذات إلاّ الاعتقاد ، على قسمين :
    الأوّل : ما وجب على المكلّف الاعتقاد و التدّين به غير مشروط بحصول العلم ، فيكون تحصيل العلم من مقدّمات ذلك الواجب المطلق فيجب تحصيل مقدّمته (المعرفة).
    الثاني : ما يجب الاعتقاد و الالتزام إذا اتّفق حصول العلم به ، و هذا كبعض تفاصيل المعارف الاسلامية الراجعة إلى المبدأ والمعاد.
    أمّا القسم الأوّل : أعني ما يجب الاعتقاد به مطلقاً ولأجل كون وجوبه غير
    1 ـ أبو سعيد الكدمي : المعتبر 1 / 145 من منشورات وزارة التراث القومي و الثقافة لسلطنة عمان.
    2 ـ ابن سلام (ت 273) : بدء الإسلام و شرائع الدين 60.
    3 ـ مرتضى الأنصاري : الرسائل 170.


(440)
مشروط بشيء يجب تحصيل مقدّمته. فهذا لا يتجاوز عن الاعتقاد بالشهادتين : بشهادة أن لا إله إلاّ الله و شهادة أنّ محمّداً رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) و هذه الشهادة تتضمّن الاعتقاد الاجمالي بصحّة كلّ ما جاء به النبي في مجال العقيدة.
    والدليل على كفاية ذلك مايلي :
    إنّ النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) كان يقبل إسلام من أقرَّ بالشهادتين لفظاً حاكياً عن الاعتقاد به ، و هذا يدلّ على أنّه يكفي في دخول الانسان في عداد المسلمين ، الاقرار بهما و لا تجب معرفة تفاصيل المعارف و العقائد.
    قال أبو جعفر الباقر ( عليه السَّلام ) :
    إنّ الله عزّوجل بعث محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) و هو بمكة عشر سنين (1) ولم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا اله إلاّ الله و أنّ محمّداً رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) إلاّ أدخله الله الجنة باقراره و هو إيمان التصديق (2) .
    فهذا الاستدلال يعطي أنّ حقيقة الإيمان الّتي يخرج الانسان بها عن حدّ الكفر ، الموجب للخلود في النار ، لم تتغّير بعد إنتشار الشريعة ، و بعد هجرة النبيّ إلى المدينة المنوّرة.
    نعم ظهرت في الشريعة اُمور صارت ضرورية الثبوت من النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) فيعتبر في تحقّق الإسلام عدم انكارها (لا لزوم التصديق بها تفصيلاً) و لكن هذا لا يوجب التغيّر في ما يقوم الإيمان به ، فإنّ المقصود انّه لا يعتبر في الإيمان أزيد من التوحيد و التصديق
    1 ـ يريد الدعوة العلنية فإنّها كانت عشر سنين و كانت في السنين الثلاثة الاُولى سرّية.
    2 ـ الكليني : الكافي 2 / 29 برقم 1510.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس