بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 441 ـ 450
(441)
بالنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) و انّه كان رسولاً صادقاً فيها يبلّغ ، ولا تلزم معرفة تفاصيل ذلك و إلاّ لزم أحد الأمرين :
    1 ـ أن لا يكون من آمن بمكة من أهل الجنّة لعدم إيمانهم.
    2 ـ أن تكون حقيقة الإيمان بعد انتشار الشريعة تختلف عن صدر الإسلام و كلا الأمرين كما ترى.
    نعم لمّا كان الاعتقاد بالمعاد و الحياة الآخرة بمثل البُنْية التحتية للدعوة الاسلامية بل لجميع الشرائع السماوية على وجه لا تتّصف الدعوة بالالهية بدون الاعتقاد بها. لابدّ من الاعتقاد بها في إطار الشهادتين فإنّه ينطوي في طيّاتهما يوم بعث النبيّ الأكرم بالهداية.
    و يؤيّد ما ذكرنا ما رواه البخاري في ذلك المجال وإليك نصّه :
    قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) يوم خيبر : لاُعطينّ غداً هذه الراية رجلاً يحبّ الله و رسوله يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الامارة إلاّ يومئذ ، قال : فتساورت لها رجاء أن اُدعى لها ، قال : فدعا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) علي بن أبي طالب فأعطاه إيّاها و قال :
    امش و لا تلتفت حتى يفتح الله عليك. فسار علي شيئاً ثم وقف و لم يلتفت و صرخ : يا رسول الله على ماذا اُقاتل الناس؟
    قال ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمّداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها ، و حسابهم على الله (1) .
    فإذا كان الاقرار بالشهادتين كافياً في توصيف المقر مسلماً و مؤمناً ، فيدل
    1 ـ مسلم : الصحيح 7 / 121 ، ابن عساكر : ترجمة الإمام علي 1 / 159 ح 222 ، النسائي : خصائص أمير المؤمنين 57.

(442)
بالملازمة على عدم لزوم معرفة ما سواهما.
    و يوضّح ذلك أيضاً ما رواه الامام الرضا ( عليه السَّلام ) عن آبائه عن علي ( عليه السَّلام ) : قال النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : اُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله ن فإذا قالوها فقد حرم عليّ دماءهم و أموالهم (1) .
    و روى أبو هريرة : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فإذا قالوا لا الاّ الله عصموامنّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها و حسابهم على الله (2) . و الاستدلال بالروايتين حسب مامرّ في غيرهما من الدلالة الالتزامية على عدم لزوم معرفة غيرهما.
    وأمّا معرفة ما عدا ذلك من المعارف فلم يدلّ دليل على وجوب معرفتها بل الأصل المحكم عدم الوجوب إلاّ مادلّ الدليل الثانوي على وجوبه (3) .
    هذا كلّه في المعارف الّتي تجب معرفتها بلا قيد ، ولأجل ذلك يجب تحصيل معرفتها.
    أمّا القسم الثاني : أعني ما يجب الاعتقاد به لو وصل العلم به ، فهذا كمعرفة صفات الربّ و أوصافه و المعرفة التفصيلية للمعاد و الحياة الاُخروية ، كلّ ذلك يجب الاعتقاد به إذا حصل العلم و المعرفة و لكن لا يكون ذلك دليلاً على اعتباره في الإسلام أو الإيمان بأدنى مراتبه.
    1 ـ المجلسي : البحار 68 / 242.
    2 ـ المجلسي : البحار 68 / 242 نقله عن مشكاة المصابيح في التعليقة.
    3 ـ كمعرفة الامام الّتي دلّت الأدلّة على وجوب معرفته. نعم إنّ ما رواه البخاري : الصحيح : 1 / 14 كتاب الإيمان عن النبي الأكرم من بناء الإسلام على خمس و أضاف بعد الشهادتين : اقامة الصلاة وايتاء الزكاة والحج ، و صوم شهر رمضان ، فهو خارج عن موضوع البحث و داخل في البحث الآتي : « ما يجب تعلّمه في مجال الشريعة ».


(443)
ما يجب تعلّمه في مجال الشريعة :
    هذا كلّه في مجال العقيدة و أمّا مجال الشريعة فتجب معرفة ما يبتلى به المكلّف في حياته من الأحكام الفرعية.
    فالحق ، التفصيل بين ما تعم البلوى بها و غيره ، أمّا الأوّل فتجب معرفة أحكامه فلا يجوز للمكلّف الدخول في العمل مع الظن بالابتلاء بما لايعلم حكمه كأحكام الخلل ، الشائع وقوعه في الصلاة. و أمّا الثاني أعني ما لا يتّفق الابتلاء به إلاّ نادراً فلا يجب تعلّم حكمه قبل الابتلاء للوثوق بعدم الابتلاء به غالباً و على ذلك جرت السيرة بين المسلمين مضافاً إلى أنّ إيجاب معرفة جميع الأحكام تفصيلاً ممّا يوجب العسر و الحرج و يوجد الفوضى في الحياة.
    و هذا هو الظاهر أيضاً من بعض علماء الاباضية : قال : إذا لزمه شيء من ذلك ممّا يفوت مثل الصلاة ، و الصوم ، أو ممّا يفوت وقته من جميع الفرائض اللازمة له ، ممّا يفوت وقته ويبطل و حضر وقته و وجب العمل به ، فمعنى انّه قيل إنّ عليه طلب العلم ، من جميع ما جهل من ذلك (1) .
    فما ورد في الشريعة الاسلامية من الحق الأكيد على تحصيل العلم كآية أهل الذكر (النحل : 46). و الأخبار الدالّة على وجوب طلب العلم و التفقّه كلّها منصرفه إلى الموارد المبتلى بها ، فمن أراد التفصيل فليرجع إلى محلّه (2) .
    1 ـ أبو سعيد الكدمي : المعتبر1 / 70.
    2 ـ لاحظ الرسائل للشيخ مرتضى الأنصاري 400 آخر مبحث الاشتغال.


(444)

(445)
6 ـ حكم الدار
    وصف الدار بكونها دار اسلام أو إيمان ، أو داركفر ، هو من جهة لحوق بعض الأحكام الشرعية بالمقيمين فيها ، مثل جواز المناكحة و التوارث إذ لم يعرف حاله ، و الصلاة خلفه أو عليه إذا مات ، و الدفن في مقابر المسلمين ، و موالاته و معاداته ، إلى غير ذلك من الأحكام ، و قد اختلفت الآراء في الأمر الّذي يصير سبباً لوصف الدار بكونها دار إسلام أو كفر.
    منهم من اعتبر الكثرة ، فإذا كان الأكثر من أهل الدار على دين الإسلام فهي دار إسلام و إلاّ فدار كفر.
    و منهم من اعتبر مع الكثرة ، الغلبة أيضاً ، بأن يكون غالبين قاهرين على الاُمور.
    و منهم من اعتبر زوال التقية ، فمتى لم يكن أهل الدار في تقيّة من السلطان في اظهار شعائر الدين فهي دار إسلام.
    و منهم (كثير من الزيدية و المعتزلة) ذهب إلى أنّ المناط في ذلك ، بما


(446)
يظهر في الدار و يوجد المقيم بها من الحال ، فإذا كانت الدار بحيث يظهر فيها الشهادتان ظهوراً ، لايمكن المقام فيها إلاّ بإظهارهما أو الكون في ذمّة و جوار من مظهرهما ، ولا يتمكّن المقيم من اظهار خصلة من خصال الكفر فهي دار إسلام ، و إن لم تكن الدار بهذا الوصف الّذي ذكرناه فهي دار كفر. ولا اعتبار عندهم مع ذلك بما يكون عليه أهلها من المذاهب المختلفة بعد تحقّق ما ذكرناه (1) .
    و قال شيخنا المفيد : إنّ الحكم في الدار على الأغلب فيها ، و كلّ موضع غلب فيه الكفر فهو دار كفر ، وكلّ موضع غلب فيه الإيمان فهو دار إيمان ، وكلّ موضع غلب فيه الإسلام فهو دار إسلام ، قال الله تعالى في وصف الجنّة : ( وَ لَنِعْمَ دَارُ المُتَّقِين ) (2) وإن كان فيها أطفال و مجانين (3) .
    وقال في وصف النار : ( سَاُريكُمْ دَارَ الفَاسِقِين ) (4) و إن كان فيها ملائكة الله مطيعون. فحكم على كلتا الدارين حكم الأغلب فيها (5) .
    هذه هي الأقوال الدارجة في حكم الدار ، و المعروف عن الخوارج رأيان :
    1 ـ كلّ بلد ظهر فيه الحكم بغير ما أنزل الله فهو دار كفر.
    2 ـ إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعيّة ، الغائب منهم و الشاهد (6) .
    و في الرأي الثاني تطرّف واضح ، إذ كيف يكون كفر الإمام سبباً لكفر الرعيّة ، أما سمعوا قول الله سبحانه : ( ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى ) (7) . وكان يقول
    1 ـ العلاّمة الزنجاني : التعليقة على أوائل المقالات 70.
    2 ـ النحل : 30.
    3 ـ فيه و ما بعده تأمّل واضح.
    4 ـ الأعراف : 145.
    5 ـ المفيد : أوائل المقالات 70 ـ 71.
    6 ـ لاحظ ماذكرناه في حقّ البيهسيّة.
    7 ـ النجم : 38.


(447)
علي ( عليه السَّلام ) في هذا الشأن مخاطباً الخوارج : فإن أبيتم إلاّ أن تزعموا أنّي أخطأت ، وضللت ، فلم تُضلِّلون عامّة اُمّة محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بضلالي و تأخذونهم بخطئي ، و تكفّرونهم بذنوبي (1) .
    1 ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة 127.

(449)
7 ـ في حكم الزاني المحصن
    قد عرفت أنّ الأزارقة لاتقول برجم الزاني إذا كان محصناً بحجّة أنّه ليس في ظاهر القرآن ، و لا في السنّة المتواترة ، و لكن المسألة من المسائل الفقهية ، و اتّفق الفقهاء ، على رجم الزاني المحصن بلا فرق بين الرجل و المرأة ، و إنّما اختلفوا من جهة اُخرى.
    1 ـ قال داود و أهل الظاهر عليهما الجلد والرجم من غير فرق بين الشابِّ والشيخ ، والشابّة و الشيخة ، و هو احدى الروايتين عن أحمد بن حنبل ، كما في « المغني » لابن قدامة.
    2 ـ قالت الإمامية ـ بالتفصيل و هو أنّه ـ : إذا كان المحصن شيخاً أو شيخة فعليهما الجلد و الرجم ، وإن كانا شابّين فعليهما الرجم بلا جلد.
    3 ـ قال فقهاء أهل السنّة : ليس عليهما إلاّ الرجم دون الجلد ، و به قال بعض الامامية (1) .
    1 ـ الشيخ الطوسي : الخلاف ج 3 ، كتاب الحدود ، المسألة 1 و 2 ، ابن قدامة : المغني 9 / 5 كتاب الحدود.

(450)
    ولسنا بصدد تحقيق المسألة من حيث السعة و الضيق و إنّما نبحث عن ثبوت الرجم في الإسلام على وجه الاجمال ، و ذلك لثبوته بفعل النبي و الخلفاء و الصحابة ، أمّا النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) فقد زنى ماعز فرجمه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ، و رجم العامرية ، كما رجم يهوديين زنيا (1) ، و روي عن عمر ، أنّه قال : « إنّ الله بعث محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأتها و عقلتها و وعيتها ، و رجم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) و رجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ، فالرجم حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال و النساء إذا قامت البيّنة ، أو كان الحبل أو الاعتراف و قد قرأ بها « الشيخ و الشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة نكالاً من الله و الله عزيز حكيم » (2) .
    نحن لا نوافق الخليفة على كون آية الرجم من كتاب الله العزيز ، فكيف يمكن لنا أن نعدّ كلاماً تعلو عليه الصناعة البشرية ـ و قد سرق جزءاً من الذكر الحكيم الوارد في حد السرقة و ركّبه مع كلامه فعاد كلاماً مغسولاً عن الفصاحة ـ من كلام الله العزيز ، لكنّا نوافق الخليفة على ثبوت الرجم في الإسلام ، هذا هو الامام علي بن أبي طالب جلد سراجة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة و قال : جلدتها بكتاب الله ، و رجمتها بسنّة رسول الله.
    وأمّا قوله سبحانه : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَحِد مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَة ) (3) .
    1 ـ لاحظ تفسير قوله سبحانه : ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَيـةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ) ـ المائدة : 43 ـ.
    2 ـ ابن قدامة : المغني 9 / 4.
    3 ـ النور : 2.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس