بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 451 ـ 460
(451)
فلا ينافي ثبوت الرجم مع الجلد في بعض الموارد ، فإنّه لاينفي غير الجلد من سائر العقوبات ، هذا إذا قلنا بثبوت الجلد و الرجم مطلقاً على المحصن ، و أمّا إذا خصصنا الجمع بالشيخ و الشيخة ، و أخرجنا الشاب والشابة ، فتكون السنّة مخصصّاً لاّية الجلد ، فإنّ عموم القرآن يخصّص بالدليل القطعي ، و ليس هذا نسخاً بل تخصيصاً ، وكم من فرق بين التخصيص و النسخ يقف عليه المعنّيون بعلم الاُصول.
    وأمّا الخوارج فقالوا بالجلد دون الرجم و احتجّوا بالوجهين التاليين :
    1 ـ قوله سبحانه : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَحِد مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَة ) قالوا : لايجوز ترك كتاب الله الثابت بطريق القطع و اليقين لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها.
    2 ـ إنّ هذا يفضي إلى نسخ الكتاب و السنّة و هو غير جائز (1) .
    يلاحظ على كلا الوجهين : أمّا الأوّل : فلأنّ القول بالرجم مضافاً إلى الجلد لايستلزم ترك كتاب الله ، لأنّ اثبات الشيء أي الجلد لايكون دليلاً على نفي غيره ، فأيّ مانع من أن تكون العقوبة في مطلق الزنا هي الجلد ، و في خصوص المحصن ، الجلد مع الرجم؟
    هذا إذا قلنا بجلد المحصن مطلقاً ، و أمّا إذا خصصنا الجمع بالشيخ والشيخة ، و قلنا بكفاية الرجم في غير الشاب و الشابّة ، فأقصى ما يلزم تخصيص الكتاب بالسنّة القطعية و هو ليس بأمر شاذ ، كيف لايكون كذلك و قد اشتهر « و ما من عام إلاّ و قد خصّ ».
    أمّا الثاني : فلأنّه خلط بين نسخ حكم الكتاب و تخصيصه ، و الفرق بينهما واضح لايخفى.
    1 ـ ابن قدامة : المغني 9 / 4.

(452)
    هذا وقد نقل ابن قدامة : انّ رسل الخوارج جاءوا عمر بن عبد العزيز فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم و قالوا : ليس في كتاب الله إلاّ الجلد ، و قالوا : الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة ، و الصلاة أوكد. فقال لهم عمر : وأنتم لا تأخذون إلاّ بما في كتاب الله؟ قالوا : نعم ، قال : فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات و عدد أركانها ، و ركعاتها ، و مواقيتها ، أين تجدونه في كتاب الله تعالى؟ و أخبروني عمّا تجب الزكاة فيه و مقاديرها و نُصُبها؟ فقالوا : انظرنا ، فرجعوا يومهم ذلك فلم يجدوا شيئاً ممّا سألهم عنه في القرآن ، فقالوا : لم نجده في القرآن. قال : فكيف ذهبتم إليه؟ قالوا : لأنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) فعله ، و فعله المسلمون بعده ، فقال لهم : فكذلك الرجم و قضاء الصوم فإنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) رجم و رجم خلفاؤه بعده والمسلمون ، وأمر النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بقضاء الصوم دون الصلاة ، و فعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه (1) .
    1 ـ ابن قدامة : المغنى 9 / 5.

(453)
خاتمة المطاف
    إلى هنا قد تعرّفت على عقائد الخوارج معتدليهم و متطرّفيهم ، غير أنّ هناك مسائل فقهيّة ثلاث نطرحها في المقام :
    1 ـ حكم أولاد المشركين.
    2 ـ حكم تزويج المشركات.
    3 ـ حكم تزويج الكافرة غير المشركة.
    و لعل القارئ الكريم يتعجّب من طرح هذه المسائل في الموسوعة التاريخية للعقائد قائلاً بأنّ البحث عن مثل هذه الموضوعات من واجبات الفقيه لا مؤرّخ العقائد ، ولكنّه يزول تعجبّه إذا وقف على أنّ الخوارج المتطرّفين ، يزعمون أنّ مخالفيهم من المسلمين مشركون أو كافرون ، لا رتكاب الكبيرة من المعاصي ، وبما أنّ للمشرك و الكافر الواقعيين أحكاماً خاصّة في الفقه الإسلامي من حيث صيانة الدماء وإراقتها و جواز تزويجهم و حرمته ، فهؤلاء كانوا يرتّبون على المسلمين و أولادهم ، أحكام المشركين و الكافرين و أولادهم ، فيبيحون


(454)
قتل أولاد المخالفين ، و يحرّمون مناكحتهم بحجّة أنّهم مشركون ، فناسب البحث عن هذه الأحكام الكليّة مع غضّ النظر عن عدم الموضوع في المقام لأنّ أهل القبلة والقرآن كلّهم موحدون لامشركون ، مؤمنون لاكافرون ، إلاّ من قام الدليل على شركه و كفره كالغلاة والنواصب.
    و بما أنّ الأزارقة و أمثالهم أخطأوا في حكم المسألة حتى في مواردها الواقعيّة فجوزوا قتل أولاد المشركين و حرّموا انكاح الكافر غير المشرك ، فلأجل ايقاف القارئ على مظان خطأهم في هذه المسائل نوالي البحث فيها واحدة بعد اُخرى و نقول :

1 ـ أولاد المشركين :
    إنّ الأصل الرصين في الدماء هو الحرمة ، و لزوم صيانتها من الاراقة ، فالانسان ـ على وجه الاطلاق ـ هو خليفة الله في أرضه يحرم دمه و عرضه و ماله للغير ، فلا يجوز التعدّي على شيء منها إلاّ بدليل ، ولأجل ذلك يقول سبحانه حاكياً عن نبيّه موسى : ( أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةَ بِغَيْرِ نَفْس لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ) (1) وقال سبحانه : ( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَـسِرِينَ ) (2) وقال تعالى : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلَـدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْم ) (3) و قال سبحانه : ( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـدَكُم مِنْ إِمْلَـق نَحْنُ نَرْزُقُكُـمْ وَإِيَّاهُمْ ) (4) و قال تعالى : ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) (5) و : ( مَن قَتَلَ نَفْسَا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ
    1 ـ الكهف : 74.
    2 ـ المائدة : 30.
    3 ـ الأنعام : 140.
    4 ـ الأنعام 151.
    5 ـ الأنعام : 151.


(455)
النَّاسَ جَمِيعاً ) (1) ، إلى غير ذلك من الاّيات الناصّة على أنّ الأصل القويم والمرجع ، في الدماء هو الحرمة ، فلا يجوز قتل الانسان على الاطلاق إلاّ بمسوّغ شرعي ورد النص بجواز قتله في الذكر الحكيم والسنّة النبوية.
    و على ضوء ذلك فالاسلام حرّم دم المسلم ، و دم الذمّي ، و الكافر المهادن ، و من يمتُّ إليهم بصلة ، فإنّ أولادهم و إن كانوا غير محكومين بشيء من التكاليف إلاّ أنّ الولد يتبع الوالدين في الأحكام ، و هذا ممّا لايختلف فيه اثنان من الفقهاء.
    وأمّا الكافر الحربي فهو مهدور الدم لا دم أطفاله و ذراريه ، إلاّ في مواضع خاصّة.
    قال ابن قدامة : إنّ من اُسر من أهل الحرب على ثلاثة أضرب : النساء و الصبيان ، فلا يجوز قتلهم و يصيرون رقيقاً للمسلمين بنفس السبي ، لأنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) نهى عن قتل النساء ، والولدان ، (متّفق عليه) و كان ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) يسترقّهم إذا سباهم (2) .
    هذا فقيه أهل السنّة ، و أمّا الشيعة ، فقال الشيخ الطوسي : الآدميون على ثلاثة أضرب : نساء و ذريّة و مشكل و بالغ غير مشكل ، فأمّا النساء و الذرية فإنّهم يصيرون مماليك بنفس السبي (3) .
    و قال المحقّق الحلي : الطرف الرابع في الاُسارى و هم ذكور و اناث ، فالاناث يملكن بالسبي و لو كانت الحرب قائمة ، وكذا الذراري (4) .
    1 ـ المائدة : 32.
    2 ـ ابن قدامة الحنبلي : المغني 10 / 400.
    3 ـ الطوسي : المبسوط 2 / 19.
    4 ـ المحقق : شرائع الإسلام 1 / 317.


(456)
    إلى غير ذلك من الفتاوى المستفيضة من فقهاء الإسلام ، وهم يتبعون في ذلك ، النصوص الواردة عن النبي و خلفائه.
    روى الكليني عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال : كان رسول الله إذا أراد أن يبعث سريّة ، دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول : سيروا بسم الله و بالله وفي سبيل الله و على ملّة رسول الله ، لاتغلوا ، و لا تُمثِّلوا و لا تغدروا ، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ، ولا صبيّاً ، ولا امرأة ، و لا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضظرّوا إليها (1) .
    وقد تضافرت الروايات عن أئمة الشيعة في ذلك.
    روى البيهقي بسنده عن ابن عمر : أجلى رسول الله بني النضير ، وأقرّ قريظة ومنَّ عليهم حتّى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم ، و قسم نساءهم ، و أولادهم ، و أموالهم بين المسلمين ، إلاّ بعضهم لحقوا برسول الله فآمنهم وأسلموا (2) .
    و روى أيضاً النافع أنّ عبد الله بن عمر أخبره أنّ أمرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله مقتولة ، فانكر رسول الله قتل النساء والصبيان (3) .
    هذا هو حكم الإسلام في صبيان الكفّار و المشركين و نسائهم ، فهلم معي ندرس فتوى الأزارقة في نساء الكفّار و أولادهم فقد استحلّ زعيمهم قتل الأطفال ... قائلاً : إنّ نوحاً نبيّ الله كان أعلم بأحكام الله قال : ( رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَـفِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً ) (4) فسمّاهم بالكفّار و هم أطفال ، و قبل أن يولدوا ، فكيف ذلك في قوم
    1 ـ الحر العاملي : الوسائل 11 ، الباب 15 من أبواب جهاد العدو ، الحديث 2.
    2 ـ البيهقي : السنن 6 / 323 ، كتاب قسم الفي والغنيمة.
    3 ـ المصدر نفسه : 9 / 77 كتاب السير.
    4 ـ نوح : 26 ـ 27.


(457)
ولا في قومنا؟ والله تعالى يقول : ( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَـئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِى الزُّبُرِ ) (1) وهؤلاء كمشركي العرب ، لا يقبل منهم جزية و ليس بيننا و بينهم إلاّ السيف أو الإسلام (2) .
    عزب عن المسكين ، أوّلاً : إنّ تسميتهم بالكفّار ليس باعتبار أنّهم في حال كونهم معدومين كفّاراً فإنّ ذلك باطل بالاتّفاق ، إذ كيف يوصف الشيء المعدوم بوصف من الأوصاف الوجودية ، بل المراد انّ الأبناء بعد خروجهم إلى عالم الوجود سيصيرون كفّاراً لنشوئهم في أحضان آبائهم الكافرين و أمّهاتهم الكافرات ، فللوراثة و البيئة تأثيرهما في الأولاد ، فلا يلدون في المستقبل إلاّ اُناساً يصيرون كفّاراً نظير توصيف الأشجار بالمثمرة في فصل الشتاء ، والمراد : المثمرة في فصل الثمر.
    و ثانياً : إنّ الذراري و النساء و إن كانت محكومات بالكفر و لكن علمت أنّ النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) حرّم دماءهم وانّما سوّغ سبيهم و استرقاقهم ، فليس كلّ كافر يجوز قتله. فما ذكره من الاستدلال أوهن من بيت العنكبوت.
    و ثالثاً : إنّ كلّ ذلك في حق المشركين و الكّفار الحقيقيين ، فما معنى تسرية هذه الأحكام إلى أهل القبلة و المسلمين الذين يشهدون بتوحيده و رسالة نبيّه و يقيمون الصّلاة و يعطون الزكاة و يصومون شهر رمضان و يحجّون البيت. أفيصحّ لنا تسمية هؤلاء كفّاراً ، بحجّة ارتكابهم معصية كبيرة؟!
    1 ـ القمر : 43.
    2 ـ لاحظ رسالة ابن الأزرق في جواب رسالة نجدة بن عامر ، وقد مرّت في الفصل التاسع.


(458)
2 ـ في نكاح المشركات :
    قد تعرّفت على أنّ الخوارج يعدّون مخالفيهم مشركين و كافرين ، فعلى قول الأزارقة جماهير المسلمين رجالاً و نساءً مشركون و مشركات ، و على قول غيرهم فهم كافرون و كافرات ، فحكم تزويج حرائرهم حكم تزويج الوثنيات و الكتابيات ، ولأجل ذلك نذكر بعض كلماتهم ثم نعرض المسألة على الكتاب والسنّة.
    كتب ابن الأزرق إلى عبد الله بن صفار و عبد الله بن اباص كتاباً جاء فيه :
    و قال تعالى ( لاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَـتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) فقد حرّم الله ولايتهم و المقام بين أظهرهم واجازة شهادتهم و أكل ذبائحهم و قبول علم الدين عنهم و مناكحتهم و مواريثهم (1) .
    و قد تقدّم في بيان عقائد الصفريه أنّه نقل عن الضحاك الّذي هو منهم أنّه جوّز تزويج المسلمات من كفّار قومهم في دار التقيّة دون دار العلانية. و يريد من المسلمات : الحرائر من الخوارج. ومن « كفّار قومهم » : رجال سائر الفرق الاسلامية.
    و يظهر من الخلاف الّذي حدث بين الابراهيمية و الميمونية أنّه يجوز بيع الجارية المؤمنة (الخارجية) من الكفرة أي المسلمون من سائر الفرق.
    هذا ما وقفنا عليه من كلماتهم و نبحث عن المسألة بكلتي صورتيها :

الاُولى ـ نكاح المشركة :
    اتّفق علماء الإسلام على تحريم تزويج المشركات. قال ابن رشد : « و اتّفقوا على أنّه لايجوز للمسلم أن ينكح الوثنية لقوله تعالى : ( وَلاَ تُمْسِكُواْ
    1 ـ الطبري : التاريخ 4 / 438 ـ 440.

(459)
بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) (1) واختلفوا في نكاحها بالملك » (2) .
    و قال الشيخ الطوسي في المبسوط : « الضرب الثاني ، الذين لاكتاب لهم ولا شبهة كتاب ، و هم عبدة أوثان فلا يحلّ نكاحهم و لا أكل ذبائحهم و لا يقرّون على أديانهم ببذل الجزية و لا يعاملون بغير السيف أو الإسلام بلا خلاف » (3) .
    هذا كلّه حول المشركات ، فلو صحّ كون جماهير المسلمات من الفرق الاسلامية مشركات عند الأزارقة ، لصحّ ما قال و لكنّه لم يصح ـ وإن صحّت الأحلام ـ لما عرفت أنّ للشرك حدّاً منطقياً في القرآن الكريم ، و ابن الأزرق و أتباعه و إن كانوا قرّاء و لكنّه لم يتجاوز القرآن ـ حسب تنصيص النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) عن تراقيهم ولم يصل إلى دماغهم و مراكز أفكارهم ، فكيف يصحّ تسمية من ارتكب الكبيرة مشركاً و لو صحّ لما و جد في أديم الأرض مسلماً إلاّ إذا كان معصوماً.

3 ـ نكاح الكافرة غير المشركة :
    اختلف كلمة فقهاء الإسلام في نكاح الكافرة غير المشركة و يراد منها الكتابية لأنّها كافرة غير مشركة ، قال ابن رشد : اتّفقوا على أنّه يجوز أن ينكح الكتابية الحرّة (4) .
    هذا مالدى السنّة و أمّا ما لدى الشيعة فالمشهور عدم الجواز دواماً. قال الشيخ الطوسي : عند المحصّلين من أصحابنا لايحلّ أكل ذبائح أهل الكتاب
    1 ـ الممتحنة : 10 ، و الأولى أن يستدل بآية صريحة أعني قوله سبحانه : ( وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَـتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ... ) ـ البقرة : 221 ـ.
    2 ـ ابن رشد : بداية المجتهد 2 / 43.
    3 ـ الطوسي : المبسوط 4 / 210.
    4 ـ ابن رشد : بداية المجتهد 2 / 43.


(460)
كاليهود و النصارى ، و لا تزوّج حرائرهم ، بل يقرّون على أديانهم إذا بذلوا الجزية ، وفيه خلاف بين أصحابنا ، و قال جميع الفقهاء (أهل السنّة) : يجوز أكل ذبائحهم و نكاح حرائرهم (1) .
    و قال في الخلاف : المحصّلون من أصحابنا يقولون لا يحلّ نكاح من خالف الإسلام ، لا اليهود ، و لا النصارى ، و قال قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا : يجوز ذلك ، و أجاز جميع الفقهاء التزويج بالكتابيات و هو المروي عن عمر و عثمان و طلحة و حذيفة ، و جابر ، و روي أنّ عمّاراً نكح نصرانية ، و نكح حذيفة يهودية ، و روي عن ابن عمر كراهة ذلك و إليه ذهب الشافعي (2) .
    قال ابن قدامة : ليس بين أهل العلم ـ بحمد الله ـ اختلاف في حلّ حرائر نساء أهل الكتاب ، و ممّن روى عنه ذلك ، عمر و عثمان و طلحة و حذيفة و سلمان و جابر و غيرهم (3) .
    و على ضوء ذلك انّ فقهاء أهل السنّة ذهبوا إلى الجواز ، وأمّا الشيعة فهم بين مانع و مجوّز ، و نحن نعرض المسألة على الكتاب.
    استدلّ المانع بآيات :
    1 ـ قال تعالى : ( وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَـتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاََمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُّشْرِكَة وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِك وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلى الْنَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ ءَايَـتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (4) .
    1 ـ الطوسي : المبسوط 4 / 210.
    2 ـ الطوسي : الخلاف 2 / 282 ، المسألة 84 من كتاب النكاح ، و قد نسب إلى فقهاء الشيعة أقوال اُخرى ذكرناها في محاضراتنا الفقهية في النكاح ، لاحظ : الحلّي ، مختلف الشيعة : 82.
    3 ـ ابن قدامة : المغني 5 / 52.
    4 ـ البقرة : 221.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس