بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 461 ـ 470
(461)
    2 ـ قال تعالى : ( وَمَنْ لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنْكِحَ الُْمحْصَنَـتِ الْمُؤْمِنَـتِ فَمِن مَّا مَـلَكَتْ أَيمَـنُكُمِ مِّنْ فَتَيَـتِـكُمُ الْـمُؤْمِنَـتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّنْ بَعْض فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (1) .
    استدّل بالآية على المنع بوجهين :
    أ ـ إنّ الآية تأمر من لم يجد ما يتزوّج به الحرائر المؤمنات من المهر و النفقة ، أن ينكح الإماء المؤمنات فإنّ مهور الإماء أقلّ و معونتهنّ أخف عادة ، فلو جاز نكاح الكافرة في هذه الحالة لزم جواز نكاح الأمة المؤمنة مع الحرّة الكافرة ، و لم يقل به أحد ، لأنّه من قبيل الجمع بين الحرّة و الأمة.
    ب ـ إنّ التوصيف بالمؤمنات في قوله : ( مِّنْ فَتَيَـتِـكُمُ الْـمُؤْمِنَـتِ ) يقتضي أن لا يجوز نكاح الفتيات الكافرات مع انتفاء الطول ، و ليس إلاّ لامتناع نكاحهنّ مطلقاً ، للاجماع على انتفاء الخصوصية بهذا الوجه (2) .
    يلاحظ على الوجه الأوّل : أنّ أقصى ما يستفاد من الآية على القول بمفهوم الوصف أنّه لا يجوز عند عدم الطول ، نكاح الأمة الكافرة مع وجود الأمة المسلمة ، و أمّا عدم جواز تزويج الحرّة الكافرة مع الطول أو عدمه ، فلا تدلّ عليه الآية ، لأنّ المفهوم ينفي الحكم عن الموضوع الفاقد للوصف لا عن موضوع آخر ، والموضوع للجواز هو ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، فمقتضى المفهوم عدم جواز نكاح الأمة الكافرة في هذه الحال ، و أمّا الحرّة الكافرة ، فهو خارج عن موضوع البحث نفياً و اثباتاً.
    و يلاحظ على الوجه الثاني : أنّ التوصيف بالمؤمنات يقتضي أن لايجوز نكاح الكافرة من الاماء مع انتفاء الطول و لكن لم يعلم انّ وجه حرمتها هو امتناع
    1 ـ النساء : 25.
    2 ـ الشيخ محمّد حسن النجفي : جواهر الكلام 3 / 28.


(462)
نكاحها مطلقاً ، سواء كانت أمة أم حرّة ، و من أين يدعى الاجماع على انتفاء خصوصية في الأمة؟ إذ من الممكن أن لا يجوز نكاح الأمة الكافرة مع وجود الأمة المسلمة دون الكافرة الحرّة فيجوز نكاحها حتى مع التمكّن من الأمة المسلمة.
    3 ـ قال تعالى : ( لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَ نَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِْيمَـنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوح مِّنْهُ ) (1) .
    يلاحظ عليه : أنّ الآية واردة في حقّ الضعفاء من المسلمين ، و لا صلة لها بالكفرة ، فهؤلاء كانوا يوالون اليهود و يفشون إليهم أسرار المؤمنين ، و يجتمعون معهم على ذكر مساءة النبي وأصحابه ، ففي هذه الظروف نزل قوله سبحانه : ( لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) أي لا تجتمع موالاة الكفّار مع الإيمان ، اي موالاتهم بما هم كفّار ، وأمّا حبّهم لأجل اُمور اُخرى فلاصلة له بالآية ، و لا يتزوّج المسلم من الكافرة لأجل موالاة الكافرة ، بل لأجل دفع الشهوة أو تعبئة وسائل الحياة.
    و أضعف منه الا ستدلال بقوله سبحانه :
    4 ـ قال تعالى : ( لاَ يَسْتَوِي أَصْحَـبُ النَّارِ وَأَصْحَـبُ الْجَنَّةِ أَصْحَـبُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَآئِزُونَ ) (2) إذ لاصلة بين الآية و موضوع البحث فإنّها تنفي كون المؤمن و الكافر عند الله سيّان ، وأمّا عدم جواز المعاملة و المناكحة فلا تدلّ عليه.
    5 ـ استدلَّ أيضاً : انّ أهل الكتاب مشركون لقوله سبحانه : ( وَقَالَتِ
    1 ـ المجادلة : 22.
    2 ـ الحشر : 20.


(463)
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَـرَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) (1) حيث جعلوا الإبن المزعوم شريكاً للأب في الالوهية ، و قال سبحانه : ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَـثَة ) (2) .
    و قال : ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَ حِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (3) فهذه الآيات تثبت الصغرى ، أي كونهم مشركين ، وأمّا ما يدلّ على الكبرى أي عدم جواز نكاح المشركات ، فقد مرّ في كلام المانع.
    يلاحظ عليه أنّ هنا أمرين :
    أ ـ كون النصارى و اليهود مشركين في عقيدتهم ، و هذا لاكلام فيه.
    ب ـ كون المشرك الوارد في قوله ( وَلا تَنْكحُوا المُشْرِكات ) عامّاً يعمّ الوثنّيين و غيرهم ، و لكنّ هذا غير ثابت فإنّ عنوان المشرك في القرآن يختصّ بغير أهل الكتاب بشهادة المقابلة في كثير من الآيات بينهم وبين أهل الكتاب ، وإليك بعضها : ( مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَنْزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْر مِّنْ رَبِّكُمْ ) (4) ، وقد عرفت تحقيق ذلك عند البحث عن حدّ الشرك و الإيمان ، فلانعيد (5) .
    فهذه الآية و غيرها تثبت أنّ الشرك المتّخذ موضوعاً لكثير من الأحكام
    1 ـ التوبة : 30.
    2 ـ المائدة : 73.
    3 ـ التوبة : 31.
    4 ـ البقرة : 105.
    5 ـ لاحظ الآيات : آل عمران 186. المائدة 82 و غيرهما أيضاً.


(464)
لايشمل أهل الكتاب في مصطلح القرآن و إن كانوا مشركين حسب الواقع ، فالكلام في سعة موضوع الحكم (تحريم نكاح المشركات) وضيقه حسب اصطلاح القرآن.
    6 ـ قال تعالى : ( يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمـُؤْمِنَـتُ مُهَـجِرَ ت فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـنِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَـت فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَسْئَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَ لِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (1) .
    وجه الاستدلال انّ الكوافر جمع كافرة ، و العصمة المنع ، وسمّي النكاح عصمة لأنّ المنكوحة تكون في حبال الزوج و عصمته ، و يكون اطلاقها دليلاً على حرمة عقد الكافرة مشركة أو ذمية.
    يلاحظ عليه : أنّ الآية ظاهرة في الوثنية بشهادة سياق الآيات ، و سبب نزولها فإنّها نزلت بعد التصالح في الحديبية حيث تصالح رسول الله أن يردّ كل من أتى من قريش إلى جانب المسلمين من دون عكس ، و بعد ما ختم الكتاب جاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية و قد أسلمت ، فأقبل زوجها في طلبها و كان كافراً ، فنزلت الآية ، فكان رسول الله يردّ من جاءه من قريش من الرجال ، ولا يردّ من جاءته من النساء قائلاً بأنّ التصالح لايشمل إلاّ الرجال.
    على أنّ ظاهر الآية هو المنع من الاقامة مع الزوجة الكافرة و هذا لايتمّ في الذمّية لصحّة نكاحهنّ استدامة إذا أسلم أحد الزوجين ، اجماعاً و إن لم نقل بالصحّة ابتداء ، و هذا قرينة على انصراف الآية عن الذمّية إلى الوثنية ، و بذلك يظهر ضعف ما أفاده الطبرسي حيث ادّعى دلالة الآية على عدم جواز العقد
    1 ـ الممتحنة : 10.

(465)
على الكافرة مطلقاً ، بحجّة أنّ الآية عامّ و ليس لأحد أن يخصّ الآية بعابدة الوثن لنزولها بسببهن ، لأنّ المعتبر عموم اللفظ ، لاالسبب (1) .
    إلى هنا تمّ ما يمكن الاستدلال به من الآيات على تحريم نكاح الكافرات ، وإليك ما استدلّ به القائل بالجواز من الذكر الحكيم أعني قوله سبحانه : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَـتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالُْمحْصَنَـتُ مِنَ الْمُؤْمِنَـتِ وَالُْمحْصَنَـتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكَتِـبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَان ) (2) .
    الآية صريحة في جواز نكاح المحصنات من أهل الكتاب ، والمتيقّن منها هو الذمّية أو من هو في حكمها كالمهادنة ، لا الحربية.
    و حمل الآية على النكاح الموقّت بقرينة ورود لفظ « الاُجور » في الآية مكان « المهور » ليس بتام لأنّها وردت في غير موضع من القرآن ، و اُريد منه المهر في النكاح الدائم. قال سبحانه في تزويج الاماء عند عدم الطول : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (3) و قال تعالى و هو يخاطب النبي : ( إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَ جَكَ الَّـتِي ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) (4) ومن المعلوم أنّ المراد هو التزويج الدائم إذ لم يكن بين أزواج النبي من تزوّج بها متعة. نعم المراد من قوله سبحانه : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَــاَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (5) هو النكاح الموقّت ، بقرينة قوله : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ ) مضافاً إلى الروايات المتضافرة في المقام.
    و ربّما يحتمل كون الآية منسوخة لما ورد من النهي في آيتي البقرة
    1 ـ الطبرسي : مجمع البيان 5 / 274.
    2 ـ المائدة : 5.
    3 ـ النساء : 25.
    4 ـ الأحزاب : 50.
    5 ـ النساء : 24.


(466)
و الممتحنة ، و لكن قد عرفت عدم دلالة الآيتين على مورد البحث فضلاً عن كونهما ناسختين.
    على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل على رسول الله ، فهي تنسخ ما قبلها ، و لا تُنسخ ، روى العياشي عن علي قال : كان القرآن ينسخ بعضه بعضاً و إنّما يؤخذ من أمر رسول الله بآخره ، و كان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها و لم ينسخها شيء (1) .
    إلى هنا تمّ ما يرجع إلى المسألة من القرآن الكريم ، و أمّا البحث عنها من جانب السنّة فهو موكول إلى محلّه ، و قد أوضحنا الكلام فيها في مسفوراتنا الفقهية.
    هذا آخر الكلام في عقائد الخوارج و اُصولهم. بقى الكلام في التعرّف على شخصيّاتهم في العصور الأولى و هذا ما يوافيك في البحث الآتي الّذي عقدناه بعنوان « خاتمة المطاف ».
    1 ـ الحويزي : نور الثقلين 1 / 483.

(467)
خاتمة المطاف :
رجال الخوارج في العصور الاُولى
    قد تعرّفت فيما سبق على الشخصيات البارزة للاباضيّة ، ولا بد من التطرّق إلى رجال الخوارج من غيرهم ، و نذكر في المقام المعروفين منهم ، و إن كان الحكم بكونهم من الخوارج يحتاج الى تتبّع وافر ، فإنّ الشهرة في المقام لاتفيد إلاّ الظن. و ربّما يكون رميهم بأنّهم منهم صدر من غير أهله تعنّتاً و حقداً ، و على كل تقدير فقد ذكر ابن ابي الحديد لفيفاً ممّن كان يرى رأي الخوارج ، و نذكر بعض ما ذكر (1) :

1 ـ عكرمة البربري (ت / 105) :
    و صفه الذهبي بقوله « أحد أوعية العلم ، تُكلّم فيه لرأيه لالحفظه ، فاتّهم
    1 ـ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة 5 / 76.

(468)
برأي الخوارج ، وقد وثّقه جماعة و اعتمده البخاري ، و أمّا مسلم فتجنّبه و روى له قليلاً مقروناً بغيره ، و أعرض عنه مالك ، و تحايده إلاّ في حديث أو حديثين. و عن عمرو بن دينار ، قال : رُفع إلى جابر بن زيد مسائل أسأل عنها عكرمة ، فجعل جابر بن زيد يقول : هذا مولى ابن عباس ، هذا البحر فَسَلوه. و قد وصفه شهر بن حوشب و جابر بن زيد بأنّه حبر هذه الاُمة و أعلم الناس ، و مع ذلك فقد ضعّفه يحيى بن سعيد الأنصاري و أيّوب و ذكرا عكرمة ، فقال يحيى : كذّاب ، و قال أيّوب ، لم يكن بكذّاب. و عن زيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث قال : دخلت على علي بن عبد الله فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش ، فقلت له : ألا تتّق الله ، فقال : إنّ هذا الخبيث يَكذِب على أبي. و قال محمّد بن سيرين عن عكرمة ، فقال : ما يسوءني أن يكون من أهل الجنّة و لكنّه كذّاب. و قال ابن أبي ذئب : رأيت عكرمة ، و كان غير ثقة. و قال محمّد بن سعد : كان عكرمة كثير العلم و الحديث ، بحراً من البحور ، و ليس يُحتَجّ بحديثه ، و يتكلّم الناس فيه.
    هذه أقوال الناس في حقّه ، وإليك قول نفسه في حقّه :
    قال : كان ابن عباس يضع في رجلي الكَبْلَ على تعليم القرآن و الفقه ، و قال : طلبت العلم أربعين سنة ، وكنت اُفتي بالباب و ابن عباس في الدار.
    و هذا قوله في حقّ نفسه ، و لا يحتجّ بقول الإنسان في حقّه إذا كان مدحاً ، و يؤيّد كون الرجل خارجيّاً ما رواه خالد ابن أبي عمران قال : كنّا بالمغرب و عندنا عكرمة في وقت الموسم فقال : وددت أنّ بيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً ، و عن يقعوب الحضرمي عن جدّه قال : وقف عكرمة على باب المسجد فقال : ما فيه إلاّ كافر ، قال : وكان يرى رأي الاباضيّة. و عن يحيى بن بكير قال : قدم عكرمة مصر و هو يريد المغرب ، قال : فالخوارج


(469)
الذين هم بالمغرب عنه أخذوا.
    قال ابن المديني : كان يرى رأي نجدة الحروري. و قال مصعب الزبيري : كان عكرمة يرى رأي الخوارج. قال : وادّعى على بن عباس أنّه كان يرى رأي الخوارج.
    و عن خالد بن نزار : حدثنا عمر بن قيس ، عن عطاء بن أبي رباح : انّ عكرمة كان اباضياً ، و عن أبي طالب : سمعت أحمد بن حنبل يقول : كان عكرمة من أعلم الناس ، ولكنّه كان يرى رأي الصفريّة ، ولم يدع موضعاً إلا خرج إليه : خراسان و الشام و اليمن و مصر و إفريقيا ، كان يأتي الاُمراء فيطلب جوائزهم ، وأتى الجَنَدَ إلى طاوس ، فأعطاه ناقةً.
    و قال مصعب الزبيري : كان عكرمة يرى رأي الخوارج فطلبه متولّي المدينة فتغيّب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. و روى سليمان بن معبد السّنجي قال : مات عكرمة وكُثير عَزَّة في يوم ، فشهد الناس جنازة كُثير ، و تركوا جنازة عكرمة. و قال عبد العزيز الدراوردي : مات عكرمة و كثير عَزَّة في يوم ، فما شهدهما إلاّ سُودان المدينة. و عن إسماعيل بن أبي اُويس ، عن مالك ، عن أبيه ، قال : اُتي بجنازة عكرمة مولى ابن عباس و كثير عزّة بعد العصر ، فما علمت أنّ أحداً من أهل المسجد حلّ حبوته إليهما. و قال جماعة : مات سنة خمس و مائة ، و قال الهيثم و غيره : سنة ست ، و قال جماعة : سنة سبع و مائة. و عن ابن المسيب أنّه قال لمولاه بُرْد : لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس. و يروى ذلك عن ابن عمر قاله لنافع (1) .
    وقد روي شيء كثير منه في التفاسير و هي مليئة بأقواله ، و يظهر ممّا نقل عنه أنّه يرى الحلف بالطلاق باطلاً ، روى الذهبي عن عاصم الأحول ، عن عكرمة
    1 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال 3 / 93 ـ 97 برقم 5714.

(470)
في رجل قال لغلامه : إن لم اجلدك مائة سوط فامرأتي طالق. قال : لايجلد غلامه و لاتطّلق امرأته ، هذه من خطوات الشيطان (1) .
    و ترجمه أبو حاتم الرازي في الجرح و التعديل بذكر نقول مختلفة عنه (2) .
    و قد ترجمه ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب مفصّلاً ، و ذكر أيضاً الأقوال المتضاربة في حقّه (3) . و ممّا قال فيه ، قال علي بن المديني : كان عكرمة يرى رأي نجدة ، و قال يحيى بن معين : إنّما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة لأنّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفريّة ، و قال عطاء : كان اباضياً ، و قال الجوزجاني : قلت لأحمد : عكرمة كان اباضياً؟ فقال : يقال إنّه كان صفريّاً. و قال خلاد بن سليمان ، عن خالد بن أبي عمران : دخل علينا عكرمة أفريقيا وقت الموسم فقال : وددت أنّي اليوم بالموسم بيدي حربة أضرب بها يميناً و شمالاً. قال : فمن يومئذ رفضه أهل أفريقيا ، و قال مصعب الزبيري : كان عكرمة يرى رأي الخوارج وزعم أنّ مولاه كان كذلك ، و قال أبو خلف الخزاز عن يحيى البكّاء : سمعت ابن عمر يقول لنافع : اتّق الله ويحك يا نافع ، و لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس (4) .

2 ـ قطري بن الفجاءة (ت / 78) :
    أبو نعامة : قطري بن الفجاءة ، واسمه جعونة ، المازني الخارجي ، خرج
    1 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال 3 / 97 برقم 5714 ، اشارة إلى قوله تعالى ( وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الْشَّيْطَانِ ) ـ البقرة : 208 ـ.
    2 ـ أبو حاتم الرازي : الجرح و التعديل 7 / 6 ـ 11.
    3 ـ ابن حجر العسقلاني : تهذيب التهذيب 7 / 234 ـ 242 برقم 476 ، و لكنّه لم يترجمه في لسان الميزان مع وروده في الميزان للذهبي كما عرفت.
    4 ـ المصدر نفسه : 7 / 237.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس