بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 471 ـ 480
(471)
في زمن مصعب بن الزبير لمّا ولي العراق نيابة عن أخيه : عبد الله بن الزبير ، و كانت ولاية مصعب في سنة ست و ستين للهجرة ، قيل : بقى قطري عشرين سنة يقاتِل و يسلم عليه بالخلافة و هو يستظهر عليهم. و لم يزل إلى أن توجّه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي فظهر عليه و قتله في سنة ثمان و سبعين للهجرة.
    و هو معدود في جملة الخطباء العرب المشهورين بالبلاغة و الفصاحة (1) .
    نقل الجاحظ خطبة واحدة منه ، و التأمّل فيها يعرب أنّه كان منطيقاً ذلق اللسان ، قال فيها : أمّا بعد فإنّي اُحذّركم الدنيا ، فإنّها حلوة خضرة ، حُفَّت بالشهوات ، و راقت بالقليل ، و تحبّبت بالعاجلة ، و حُلِيتْ بالآمال ، و تزيّنت بالغرور ، لاتدوم حبرتها ، ولا تؤمن فجعتها ، غرّارة ضرّارة ، خوَّانة غدّارة (2) .
    روي أنّ الحجاج قال لأخيه : لأقتلنّك ، فقال : لم ذلك؟ قال : لخروج أخيك ، قال فإنّ معي كتاب أمير المؤمنين (يريد عبد الملك) أن لا تأخذني بذنب أخي ، قال : هاته ، قال : فمعي ما هو أوكد منه ، قال : ما هو؟ قال : كتاب الله عزّوجل يقول : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (3) فعجب منه و خلّى سبيله (4) .
    و ترجمه خير الدين الزركلي في الأعلام (5) و يظهر فيما نقله من تاريخ الطبري أنّه توفّي سنة 77 هـ. و الله العالم.

3 ـ عمران بن حطّان السدوسي البصري (ت / 84) :
    عمران بن حطّان السدوسي البصري الخارجي ، روى عن عائشة ، و عنه
    1 ـ ابن خلكان : و فيات الأعيان 4 / 94 ـ 95.
    2 ـ الجاحظ : البيان والتبيين 2 / 112.
    3 ـ الأنعام : 164.
    4 ـ ابن خلكان : وفيات الأعيان 4 / 94 ـ 95.
    5 ـ الاعلام : 5 / 200.


(472)
صالح بن سَرج ، لايتابع على حديثه ، قاله العقيلي ، قال : و كان خارجياً. روى موسى بن إسماعيل عن عمرو بن العلاء ولقيه جرز ، حدثنا صالح بن سرج ، عن عمران بن حطّان ، عن عائشة في حساب القاضي العادل. قلت كان الأولى أن يلحق الضعف في هذا الحديث بصالح أو بمن بعده ، فإنّ عمران صدوق في نفسه ، قد روى عنه يحيى بن ابي كثير ، و قتادة ، و محارب بن دثار. و قال العجلي : تابعي ثقة. و قال أبو داود : ليس في أهل الأهواء ، أصحّ حديثاً من الخوارج ، فذكر عمران بن حطان و أبا حسان الأعرج. و قال قتادة كان لاّيتهم في الحديث. و روى يعقوب بن شيبة أنّه بلغه أنّ عمران بن حطّان كانت له بنت عم كانت ترى رأي الخوارج فتزوّجها ليردّها عن ذلك فصرفته الى مذهبها. وكان عمران من نظراء جرير و الفرزدق في الشعر ، و هو القائل :
حتى متى تُسقى النفوس بكأسها ريب المنون وأنت لاه ترتع
    الأبيات.
    مات سنة أربع و ثمانين (1) .
    و ترجمه ابن حجر في تهذيب التهذيب و قال : ذكر أبو زكريا الموصلي في تاريخ الموصل عن محمّد بن بشر العبدي الموصلي قال : لم يمت عمران بن حطّان حتى رجع عن رأي الخوارج انتهى ، هذا أحسن ما يعتذر به عن تخريج البخاري له ، و أمّا قول من قال : إنّه خرج ما حمل عنه قبل أن يرى ما رأى ففيه نظر ، لأنّه اخرج له من رواية يحيى بن أبي كثير عنه ، و يحيى إنّما سمع منه في حال هربه من الحجاج و كان الحجاج يطلبه ليقتله من أجل المذهب ، و قصته في هربه مشهورة. و قال العقيلي : عمران بن حطّان لايتابع و كان يرى رأي الخوارج يحدّث عن عائشة و لم يتبّين سماعه منها.
    1 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال 3 / 235 ـ 236 برقم 6277.

(473)
    و قال ابن حبّان في الثقات : كان يميل إلى مذهب الشراة. و قال ابن البرقي : كان حرورياً. و قال الدارقطني : متروك لسوء اعتقاده و خبث مذهبه. و قال المبرد في الكامل : كان رأس القعد من الصفرية و فقيههم و خطيبهم و شاعرهم ، و القعدة : الخوارج ، كانوا لايرون بالحرب بل ينكرون امراء الجور حسب الطاقة و يدعون إلى رأيهم و يزيّنون مع ذلك الخروج و يحسّنونه. لكن ذكر أبو الفرج الاصبهاني انّه إنّما صار قعدياً لما عجز عن الحرب والله أعلم ، قلت : وكان من المعروفين في مذهب الخوارج ، و كان قبل ذلك مشهوراً بطلب العلم و الحديث ثم ابتلي ، و أنشد له من شعره :
لا يعجز الموت شيء دون خالقه و كل كرب أمام الموت منقشع و الموت يفني إذا ما ناله الأجل و الكرب و الموت ممّا بعده جلل (1)
    و في الأغاني إنّما صار ابن حطّان من القعدية لأنّ عمره طال وكبر و عجز عن الحرب و حضورها ، فاقتصر على الدعوة و التحريض بلسانه ، و كان أوّلاً مشمّراً بطلب العلم والحديث ثمّ بلي بذلك المذهب ، وقد أدرك صدراً من الصحابة و روى عنهم و روى عنه أصحاب الحديث. وله شعر في مدح عبد الرحمن بن ملجم المرادي ـ لعنه الله ـ قاتل أمير المؤمنين و قائد الغر المحجّلين زوج البتول و صهر الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) :
لله در المرادي الّذي سفكت أمسى عشية غشاه بضربته يا ضربة من تقي ما أراد بها إنّي لأذكره حيناً فأحسبه كفّاه مهجة شر الخلق إنسانا معطى مناه من الآثام عريانا إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا أوفى البريّة عند الله ميزانا

    1 ـ ابن حجر العسقلاني : تهذيب التهذيب 8 / 113 ـ 114 برقم 223. راجع الاصابة 3 / 178.

(474)
    و قد أجابه عنها السيد الحميري الشيعي و هي :
قل لابن ملجم والأقدار غالبة قتلت أفضل من يمشي على قدم و أعلم الناس بالإيمان ثمّ بما صهر الرسول و مولاه و ناصره هدّمت و يلك للإسلام أركانا و أوّل الناس إسلاماً وإيمانا سنّ الرسول لنا شرعاً و تبيانا أضحت مناقبه نوراً و برهانا
الابيات (1) .
    و قد ناضله أصحاب الولاء لآل الرسول باشعار كثيرة مضت بعضها فلا حظ.
    و في الختام : من أراد التبسّط في ترجمة الرجال فليرجع إلى « الخوارج في العصر الأموي » للدكتور نايف معروف فقد ذكر قسماً كثيراً من أشعاره و حياته قبل أن يلحق بالخوارج فلاحظ.

4 ـ الطرماح بن حكيم (ت 125) :
    الطرماح بن حكيم الطائيّ الخارجي. و صفه الجاحظ في البيان و التبيين أنّه كان خارجيّاً من الصفرية ، ولد ونشأ في الشام ، و انتقل إلى الكوفة ، فكان معلّماً فيها. و اتصل بخالد بن عبد الله القصري فكان يكرمه و يستجيد شعره ، و كان هجّاءً ، معاصراً للكميت صديقاً له لايكادان يفترقان ، و ذكر شيخنا في الذريعة أنّ المرزباني عمل كتاباً باسم « أخبار الطرمّاح » كما عمل كتاباً آخر باسم « أخبار ابي تمام » (2) .
    1 ـ البغدادي : خزانة الأدب 2 / 436 ـ 437.
    2 ـ الزركلي : الأعلام 3 / 225 ، و آغا بزرك الطهراني : الذريعة 1 / 238 برقم 1764.


(475)
5 ـ الضحّاك بن قيس :
    الضحاك بن قيس مذكور في التاريخ بما أنّه قائد عسكري قد دوّخ الدولة الأموية في عصره ، ولم يوصف بشيء من العلم والشعر والأدب سوى القيادة ، و قد نقل ابن الأثير حروبه مع الأمويين و إليك خلاصة ما ذكره في تاريخه على نحو يوقفه على ترجمة الرجل على نحو الاجمال :
    أرسل مروان بن محمد ـ آخر الخلفاء الأمويين ـ جيشاً لحرب الضحاك سنة سبع و عشرين و مائة ، فالتقوا بالنخيلة فاقتتلوا قتالاً شديداً و انتصر الضحاك عليهم ، و دخل ضحاك الكوفة مستولياً عليها (1) .
    ثم سار الضحاك من الكوفة إلى واسط يريد حرب فلول المنهزمين ، و كانوا قد استعدّوا لحربه ، فتحاربوا شعبان و شهر رمضان و شوال و القتال بينهم متواصل.
    ثمّ اصطلحوا و ذهب الضحاك إلى الكوفة (2) ، و كاتب أهل الموصل ليقدم عليهم ليمكّنوه منها فسار بجماعة من جنوده بعد عشرين شهراً حتى انتهى إليها ففتح أهل البلد ، فدخلها الضحاك و قتل الوالي عليها من قبل مروان و عدّة يسيرة كانوا معه و ذلك بعد أن حاربوه.
    و بلغ مروان خبره و هو محاصر حمص ، مشتغل بقتال أهلها ، فكتب إلى ابنه عبد الله و هو خليفته في الجزيرة ، يأمره أن يسير إلى نصيبين في من معه يمنع الضحاك من توسّط الجزيرة ، فسار إليها في سبعة آلاف أو ثمانية آلاف ، و سار الضحّاك و معه ما يزيد على مائة ألف. و وجّه قائدين من قواده إلى السرقة في أربعة آلاف أو خمسة آلاف ، فقاتله بها ، فوجّه إليهم مروان من أبعدهم عن
    1 ـ ابن الاثير : الكامل 5 / 332 ـ 336.
    2 ـ ابن الاثير : الكامل 5 / 349.


(476)
السرقة.
    و سار مروان إلى الضحاك فالتقوا بنواحي كفر قوتا من اعمال ماردين فقاتله يومه أجمع ، فلمّا كان عند المساء ترجّل الضحاك و معه من ذوي الثبات والبصائر نحو من ستّة آلاف ، ولم يعلم أكثر أهل عسكره بما كان ، فأحدقت بهم خيول مروان و ألحوا عليهم في القتال حتى قتلوهم عند العتمة.
    و انصرف من بقي من أصحاب الضحاك عند العتمة إلى معسكرهم و لم يعلموا بقتل الضحاك و لم يعلم به مروان يضاً ، و جاء بعض من عاينه من أصحابه فبكوا وناحوا عليه ، و جاء قائد من قواده إلى مروان فأخبره بقتله فأرسل معه النيران و الشمع ، فطافوا عليه فوجدوه قتيلاً و في وجهه و رأسه أكثر من عشرين ضربة فكّبروا فعرف عسكر الضحاك انّهم قد علموا بقتله.
    و بعث مروان رأسه إلى مدائن الجزيرة فطيف به فيها (1) .

6 ـ معمر بن المثنى (110 ـ 213) :
    أبو عبيدة ، التيمي (2) البصري ، يصفه الخطيب في تاريخه بالنحويّ العلاّمة ، يقال : إنّه ولد سنة 110 في الليلة الّتي ولد فيها الحسن البصري ، و نقل عن الجاحظ أنّه قال : لم يكن في الأرض خارجي و لاجماعيّ أعلم بجميع العلوم منه (3) .
    قال ابن قتيية : كان الغريب (4) أغلب عليه و اخبار العرب و أيّامها ، وكان
    1 ـ ابن الاثير : الكامل 5 / 349.
    2 ـ كان تيميّاً بالولاء.
    3 ـ الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 13 / 252 برقم 7210.
    4 ـ المراد غريب اللغة أو غريب القرآن و الحديث.


(477)
مع معرفته ربّما لايقم البيت إذا أنشده ، حتى يكسره ، و كان يخطأ إذا قرأ القرآن الكريم نظراً ، و كان يبغض العرب ، و ألّف في مثالبها كتباً ، و كان يرى رأي الخوارج (1) .
    و نقل ابن خلكان عن بعضهم : أنّ هارون الرشيد أقدمه من البصرة إلى بغداد سنة 188 ، و قرأ عليه بها أشياءً من كتبه ، و أسند الحديث إلى هشام بن عروة و غيره و روى عنه علي بن المغيرة الأثرم ، و أبو عبيد القاسم بن سلام ، و أبو عثمان المازني ، و أبو حاتم السجستاني و عمر بن شبة و غيرهم.
    و لأجل إلمام القارئ على نموذج من تفسيره نأتي بما يلي :
    سأله رجل عن قوله سبحانه : ( أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَـهَا فِتْنَةً لِّلظَّـلِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى  أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَـطِينِ * فَإِنَّهُمْ لاََكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ) (2) .
    سأله عن قوله : ( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَـطِينِ ) و قال : إنّما يقع الوعد و الايعاد بما عرف مثله ، وهذا لم يعرف فأجاب : إنّما كلّم الله العرب على قدر كلامهم. أما سمعت قول أمرئ القيس :
أيقتلني و المشرفّي مُضاجعي و مسنونة زرقٌ كأنياب أغوال
    و هم لم يروا الغول قطّ ، و لكنّه لمّا كان أمر الغول يهولهم ، أو عدوا به.
    ثم يقول : و أزمعت منذ ذلك اليوم أن أضع كتاباً في القرآن لمثل هذا و أشباهه و لما يحتاج إليه من علمه ، ولمّا رجعت إلى البصرة عملت كتابي الّذي سمّيته المجاز (3) .
    1 ـ ابن قتيية : المعارف 243.
    2 ـ الصافات : 62 ـ 66.
    3 ـ ابن خلكان : و فيات الاعيان 5 / 236 تحقيق الدكتور احسان عباس. ولا حظ : مجاز القرآن لأبي عبيدة ج2.


(478)
    و قد ذكر ابن خلّكان أنّه لم يزل يصنّف حتّى مات ، و تصانيفه تقارب مائتي تصنيف ، ، فمنها كتاب « مجاز القرآن الكريم » و كتاب « غريب القرآن » و كتاب « معاني القرآن » و كتاب « غريب الحديث » ... (1) و يبدو من فهرس تصانيفه أن أكثرها يدور بين اللغة و الشعر و التاريخ و ما يشابهها ، و الّذي أثار عواطف الاُمّة العربية ضدّه أنّه ألّف كتاب « لصوص العرب » و كتاب « فضائل الفرس » ، و من المعلوم أنّ العصبية العمياء لاتحبّ كلا التأليفين.
    يقول ابن خلكان : لمّا جمع كتاب المثالب ، و لعلّ مراده هو « لصوص العرب » ، قال له رجلٌ مطعون النسب : بلغني أنّك عبت العرب جميعها ، فقال : « و ما يضّرك ، أنت من ذلك بريء »! يعني أنّه ليس منهم ، و يذكر ابن خلكان أيضاً : أنّه لايقبل أحد من الحكّام شهادته لأنه كان يتّهم بالميل إلى الغلمان. قال الأصمعي : دخلت أنا و أبو عبيدة يوماً المسجد فإذا على الاسطوانة الّتي يجلس إليها أبو عبيدة مكتوب على نحو من سبعة أذرع.
صلّى الإله على لوط و شيعته أبا عبيدة قل بالله آمينا
    فقال لي : يا أصمعي! امحُ هذا ، فركبت على ظهره ومحوته بعد أن أثقلته إلى أن قال : أثقلتني و قطعت ظهري ، فقلت له : قد بقي الطاء. فقال : هي شرّ حروف هذا البيت! (2) .
    أقول : إنّ الأصمعي كان ممّن ينصب العداء على عليّ ، و أبا عبيدة كان من الخوارج ، و الجنس إلى الجنس يميل « والمرء على دين خليله و قرينه » و قال سبحانه حاكياً عن المجرمين ( يَـوَيْلَتَي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً ) (3) و قال
    1 ـ ابن خلكان : و فيات الاعيان 5 / 238 تحقيق الدكتور احسان عباس.
    2 ـ المصدر نفسه : 242.
    3 ـ الفرقان : 28.


(479)
سبحانه : ( الاَْخِلاَّ ءُ يَوْمَئِذِ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ إِلاَّ الْمـُتَّقِينَ ) (1) ، و مع ذلك كلّه فيحتمل أن تكون القصّة مختلقة من جانب الأعداء لأنّهم كانوا يرون أمثال أبي عبيدة من المبتدعة الذين تجوز مباهتتهم إبعاداً للناس عن ضلالهم.

مجاز القرآن لأبي عبيدة :
    لم يصل إلينا من كتب أبي عبيدة مع كثرتها غير كتاب مجاز القرآن ، و قد عرفت أنّ ابن خلّكان ذكر له أسماء كتب ثلاثة حول القرآن و زاد ابن النديم كتاب « اعراب القرآن » و هل ألّف أبو عبيدة كتباً بهذه الأسماء أو هي أسماء متعدّدة و المسمّى واحدٌ؟ فقد رجّح محقّق كتاب مجاز القرآن الثاني و قال : « و الّذي نظنّه أن ليس هناك لأبي عبيدة غير كتاب المجاز » ، و أنّ هذه الأسماء اُخذت من الموضوعات الّتي تناولها « المجاز » فهو يتكلّم في معاني القرآن ، و يفسّر غريبه ، و في أثناء هذا يعرض لاعرابه ، و يشرح أوجه تعبيره ، و ذلك ما عبّر عنه أبو عبيدة بمجاز القرآن ، فكلّ سمّى الكتاب بحسب أوضح الجوانب الّتي تولّى الكتاب تناولها ، و لفتت نظره أكثر من غيرها ، ولعلّ ابن النديم لم ير الكتاب ، و سمع هذه الأسماء من أشخاص متعدّدين فذكر لأبي عبيدة في موضوع القرآن هذه الكتب المختلفة الأسماء.
    ثمّ إنّ التأليف في غريب القرآن كثير ، و ربّما يعبّر عن بعضه بمعاني القرآن ، كما هو الحال في كتاب الفرّاء ، و ربما يعبّر عنه بمجازات القرآن كما هو الحال في تأليف الشريف الرضي ، و أمّا الفرق بين كتاب أبي عبيدة و كتاب الرضيّ و قد اشتهر الأوّل بمجاز القرآن ، و الثاني بمجازات القرآن ، هو أنّ الأوّل يستعمل لفظ المجاز بمعنى مفهوم الكلمة و الآية ، بخلاف الثاني فإنّه يستعمله في الجامع بين
    1 ـ الزخرف : 67.

(480)
المجاز اللغويّ و الكناية و الاستعارة ، و لكل مزية ، و على كلّ تقدير فأثر أبي عبيدة أثر متقن مفيد جدّاً ، و قد قام بتحقيقه الدكتور محمّد فؤاد سزگين في جزئين ، و قد طبع للمرّة الثانية في سنة 1401 هـ.
    و قد اختلفت الأقوال في تاريخ و فاته ، فنقل الخطيب عن بعضهم أنّه مات سنة 209 هـ ، و عن آخر سنة 211 هـ ، و عن ثالث 210 هـ و قيل سنة 213 ، و الله العالم.
    و لنكتف بما ذكر من رجال الخوارج في العصور الأولى و قد تعرّفت على عدّة من رجالهم في ثنايا الكتاب لاسيّما القادة العسكريين.
    بقيت هنا كلمة و هي أن نعطف نظر القارئ إلى ما روي عن النبي الأكرم في حقّ المحكّمة الاُولى و أثر في حقّهم عن الصحابة و التابعين لهم باحسان ، و قد جميعها إمام الحنابلة أحمد بن حنبل و رواه عنه ابنه عبد الله في كتاب « السنّة » (1) واليك متونها مع أسانيدها :
    بما أنّ الاباضية لايرون أنفسهم خوارج و نحن أيضاً نربئ بهم عن كونهم منهم على الشروط الّتي قدّمناها في الكتاب ، فلا أراهم متضايقين من هذه الآثار الّتي لو تدّبر فيها القارئ يراها من قسم المتواتر المعنوي و لا يحقّ لأحد أن يشكّ في ما يهدف إليه جمعها :

المأثور حول الخوارج :
    1 ـ حدثني أبي ، حدثنا وكيع جرير بن حازم و أبو عمرو بن العلاء ، عن ابن سيرين سمعاه عن عبيدة ، عن علي قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : « يخرج قوم فيهم رجل مودن اليد أو مثدون اليد أو مخدج اليد ، و لولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وعد الله الذين يقاتلونهم على لسان نبيّه » قال عبيدة : قلت لعلي :
    1 ـ عبد الله بن أحمد بن حنبل : السنّة 267 ـ 286.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس