القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ::: 31 ـ 45
(31)
    ومنها : حديث الغدير ، الذي لايبلغ خبر من الأخبار درجته في كثرة الطرق ، واجتمعت فيه أضعاف أضعاف شروط التواتر ، واعترف ابن حجر المكي بصحة أكثر طرقه (1).
    ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (2) ، والترمذي (3) في صحيحه ، وغيرهم ممن يتعذر استيفاء جميعهم ، وقد صنّف بعضهم فيه كتاباً مفرداً ، بل عن أبي المعالي الجويني ، انه يتعجّب ويقول : « رأيت ببغداد في يد صحاف مكتوب عليه : هذه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق حديث « من كنت مولاه فعلي مولاه » ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون » (4) ، وقد صرح العلامة السيوطي بتواتر هذا الحديث أيضاً في الأزهار ، ومع هذا فقد كذّب هذا الخبر كثير من أعيانهم وحكموا بأنه موضوع ، بل أقام جماعة كثيرة منهم أدلة عقلية ونقلية على بطلان هذا الخبر ووضعه.
    منها : حديث « إنّ علياً مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي »
    رواه الترمذي (5) ، والنسائي ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وأبو عبدالله الحاكم (5) ، وأبو يعلى الموصلي ، وأحمد بن حنبل ، وابن عبد البر ، وابن الأثير
1. المصدر السابق : 64.
2. مسند أحمد : 1 : 84 ، 88 ، 118 ، 119 ، 152 و ...
3. سنن الترمذي 5 : 636. 4. ينابيع المودّة : 36.
4. سنن الترمذي : 5 / 635 رقم 3719 ، مسند أحمد 4 : 437 ـ 438 ، مسند أبي داود 3 : 111 ، المستدرك 3 : 110 ، حلية الأولياء 6 : 294 ، سير أعلام النبلاء 8 : 199 فقال الذهبي : أخرجه الترمذي وحسنه النسائي كنز العمال 6 : 399.
5. المصنّف لابن أبي شيبة 7 : 504 باب 18 رقم 58 ، المستدرك للحاكم 3 : 11.


(32)
الجزري (1) ، ومحب الدين الطبري ، وابن حجر المكي (2) ، وعلي المتقي (3) ، ونور الدين السمهودي ، وغيرهم ، وحكم ابن تيمية وصاحب الصواقع ، بكذبه وبطلانه.
    ومنها : الحديث المروي في شأن نزول قوله تعالى : ( إنّما وَلِيّكُمُ اللهُ ... ) الآية (4) وإنه في حقّ أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، رواه جمع كثير وجمّ غفير من أعيان علمائهم ومفسريهم ومحدِّثيهم ، منهم النسائي ، وابن المغازلي ، وابن الجوزي ، والثعلبي ، والواحدي ، ومحب الدين الطبري ، والعلامة السيوطي ، وعلي المتقي ، وأبو الشيخ ، وعبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وابن مردويه ، والخطيب ، وعبد بن حميد ، وابن عساكر ، والطبراني ، والحافظ أبو نعيم ، وغيرهم (5) ، ومع هذا كلّه حكم بوضعه وبطلانه جماعة ، منهم : ابن تيمية وغيره.
    ومنها : حديث الطير ، وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « اللهم جئني بأحب خلقك إليك فجاء علي ( عليه السَّلام ) » (6).
1. جامع الأصول 9 : 470 ، وأسد الغابة4 : 27.
2. الصواعق المحرقة : 122.
3. كنز العمال 6 : 400.
4. المائدة : 61.
5. تفسير الطبري 6 : 165 ، تفسير ابن كثير 2 : 71 ، أسباب النزول للواحدي : 202 باب 190 رقم 397 ، تفسير الرازي 3 : 431 ، البداية والنهاية 7 : 357 ، الدر المنثور 2 : 295 ، تذكرة الخواص : 9 ، مناقب الخوارزمي : 178 ، الرياض النضرة 2 : 227 ، الفصول المهمة : 123 ، كنز العمّال 6 : 391 ، منتخب كنز العمال 5 : 38 ، فتح القدير للشوكاني 2 : 50 ، جامع الأصول 9 : 478 رقم 6503 ، كفاية الطالب : 250 ، مطالب السؤول : 144 ، نور الأبصار : 77.
6. سنن الترمذي 5 : 636 رقم 3721 ، التاريخ الكبير 1 : 357 رقم 1132 ، المستدرك 3 : 130 ، المعجم الكبير 1 : 253 رقم 730 ، تاريخ بغداد 3 : 171 ، و 9 : 369 ، تاريخ اصبهان 1 : 232 ، أسد الغابة 4 : 30 ، حلية الأولياء 6 : 339 ، مجمع الزوائد 9 : 126 ، الرياض النضرة 2 : 211.


(33)
    رواه ابن الأثير في جامع الأصول : الستة ورزين في تجريد الصحاح الست ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ، والبلاذري في التاريخ ، والسمعاني في الأنساب ، وابن البيع في صحيحه ، وأبو يعلى في مسنده ، والإمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة ، والنطنزي (1) في الخصائص ، والنسائي في الخصائص ، وابن عساكر ، وابن النجار ، والبغوي في المصابيح ، وابن حجر في المنح المكية ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى ، والعلامة السيوطي في جمع الجوامع ، والعلامة المتقي في كنز العمال ، وابن المغازلي في المناقب ، بأسانيد كثيرة ، وألّف ابن عقدة في طرق هذا الحديث كتاباً مستقلاً ، وأفرد ابن مردويه أيضاً فيه كتاباً (2) ، ومع ذلك ردّه ابن تيمية في المنهاج ، وحكم ببطلانه ، وفي صواقع الكابلي : الخبر ـ يعني خبر الطير ـ موضوع.
    قال الشيخ العلامة امام أهل الحديث شمس الدين أبو عبدالله محمد بن
1. هو ، أبو الفتح محمد بن علي بن ابراهيم النطنزي ، قال السمعاني في الانساب : أفضل من بخراسان والعراق في اللغة والادب والقيام بصنعة الشعر قدم علينا مرو سنة احدى وعشرين وقرأت عليه طرفاً صالحاً من الادب ، واستفدت منه واغترفت من بحره ، ثم لقيته بهمدان ثم قدم علينا بغداد غير مرّة في مدّة مقامي بها وما لقيته الاّ وكتبت عنه واقتبست منه ، الانساب.
2. وقد أجاب ابن حجر العسقلاني أجوبة على رسالة أبو حفص القزويني في ردّه على بعض أحاديث كتاب « مصابيح السنة » للبغوي ، وفيه : الحديث السادس عشر : كان عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طير ، فقال : « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه » ثم قال : وقال الحاكم : رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفساً ، ثم ذكر له شواهد عن جماعة من الصحابة ، وفي الطبراني منها عن سفينة ، وعن ابن عباس ، وسند كلّ منهما متقارب. الأجوبة ابن حجر المطبوع في أواخر المجلد الأول من كتاب « مرقاة المفاتيح » لملا علي القاري : 547 رقم 6094.


(34)
أحمد الدمشقي الذهبي في تلخيصه : لقد كنت زمناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يحسن للحاكم أن يودعه في مستدركه ، فلمّا علّقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه ، وممن صرّح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري (1).
    ومنها : حديث : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » (2).
    رواه كثير من الأعلام المحدثين وصرّح جماعة منهم بصحته ، وجماعة بحسنه ، ورواه الترمذي في صحيحه (3) ، ومع ذلك ذكره ابن الجوزي فى الموضوعات ، وعن البخاري أنه قال : ليس له وجه صحيح ، وقال النووي أنه موضوع.
    ومنها : حديث المؤاخاة (4) ، المروي في مسند أحمد بن حنبل وصحيح
1. المستدرك 3 : 141 رقم 4650 ، وفيه : فلمّا علقت هذا الكتاب رأيت الهول من الموضوعات التي فيه ، فإذا حديث الطير بالنسبة اليها سماء ، وقال في ترجمة الحاكم : وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً قد أفردتها بمصنّف ، تذكرة الحفاظ 3 : 1042.
2. سنن الترمذي 5 : 637 رقم 3723 ، المستدرك 3 : 226 ، تاريخ بغداد 4 : 348 ، و 7 : 172 ، و 11 : 49 ، أسد الغابة 4 : 22 ، جامع الأصول 8 : 657 ، الجامع الصغير : 107 ، فيض القدير 3 : 46 ، شواهد التنزيل 1 : 81 ، مجمع الزوائد 9 : 114 ، تهذيب التهذيب 6 : 320 و 7 : 427 ، كنز العمال 12 : 201 ، وفتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للغماري ، وهو أحسن كتاب جمع فيه أحاديث الباب.
3. سنن الترمذي 5 : 637 ، حلية الأولياء 1 : 64 ، مصابيح السنة 2 : 275 ، وعنه في المشكاة : 563 ط لكنهو ، وفي أجوبة ابن حجر على القزويني كما ذكرنا في حديث الطير ، قال : قلت : قد حدّث عنه أبو معاوية بحديث « أنا مدينة العلم » فقال : قد حدّث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة ، ثم ساق الحاكم الحديث من طريق الفيدي المذكور وهو بفتح الفاء بعدها ياء مثناة من تحت ؛ وذكر له شاهداً من حديث جابر. مرقاة المفاتيح 1 : 548 رقم 6096.
4. وهو الحديث الذي قال حذيفة بن يمان و جميع بن عمير : حين آخا رسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين أصحابه ، جاء علي ( عليه السَّلام ) تدمع عيناه ، فقال : مالي لم تؤاخ بيني وبين أحد من اخواني ؟ قال : أنت أخي في الدنيا والاخرة ، وفي رواية حذيفة : آخا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين أصحابه الأنصار والمهاجر ، فكان يواخي بين الرجل ونظيره ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : هذا أخي ، سنن الترمذي 5 : 300 رقم 3804 ، المستدرك 3 : 14 ، الرياض النضرة 2 : 168 ، الإصابة 2 : 234 ، أسد الغابة 3 : 72 ، كنز العمال 6 : 153 ، المناقب لابن المغازلي : 37 ، كفاية الطالب : باب 47 : 192.


(35)
الترمذي والجمع بين الصحاح الستة للعبدري وكتاب المناقب لابن المغازلي وغيرها من الكتب المعتمدة والأسفار المعتبرة ، ومع ذلك ذكر ابن تيمية أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث لايرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع ، وأن واضعه جاهل (1). والعجب أنه مع كونه حنبلياً كيف رضي بخروج الإمام أحمد من زمرة أهل المعرفة بالحديث ، مع كثرة اطرائه في مدحه ، واختياره على مثل أبي حنيفة ، والشافعي ، لكنه نشأ من قلّة تتبعه وكثرة وقاحته.
    ومنها : حديث « سدّ الأبواب إلاّ باب علي » (2).
    المروي في كثير من كتبهم المعتمدة منها : صحيح الترمذي ، وخصائص النسائي ، ومسند الأمام أحمد ، ومسند البزار ، وجمع الجوامع للسيوطي ، وكنز العمال للمتقي ، وتاريخ المدينة للسيد نورالدين السمهودي ، ورواه الطبراني في الكبير ، والأوسط وغيرهم (3).
1. منهاج السنة 4 : 96.
2. ومن أراد التحقيق في الحديث المذكور فعليه بالرسالتين لابن حجر أحدهما « القول المسدد في الذب عن أحمد » و الثانية « أجوبة ابن حجر على رسالة القزويني » الاول وقد طبع في كراس مستقلة والثاني طبع في آخر المجلد الاول من كتاب المرقاة في شرح المشكاة للقاري ط المحققة ت جميل العطار ، دار الفكر 1412 هـ.
3. سنن الترمذي 5 : 641 رقم 3811 ، مسند أحمد 1 : 175 ، 4 : 379 ، الخصائص للنسائي : 13 ، المستدرك 3 : 125 ، حلية الأولياء 4 : 153 السنن الكبرى للبيهقي 7 : 65 ، مسند البزار كشف الأستار 3 : 195 ، جامع الأصول 9 : 473 ، البداية والنهاية 7 : 341 ، مجمع الزوائد 9 : 114 القول المسدد في ذب عن أحمد : 17.فتح الباري 7 : 12 ، عمدة القاري 7 : 592 ، ارشاد الساري 6 : 81 ، الرياض النضرة 2 : 192 ، تذكرة الخواص : 41 ، كفاية الطالب : 200 ، تاريخ المدينة المنورة 1 : 337 ، أخبار القضاة 3 : 149.


(36)
    ذكر ابن تيمية أنه ممّا وضعه الشيعة على طريق المقابلة.
    ومنها : حديث : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى ابراهيم في حلمه ، وإلى موسى في بطشه ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب » (1).
    رواه جماعة كثيرة ، منهم باختلاف في بعض الألفاظ ، منهم : البيهقي ، والحاكم ، والديلمي ، وابن شاهين ، وعبدالرزاق ، وابن بطة ، وأبونعيم ، والحافظ عمر بن محمد بن جعفر ، وأبو الخير الحاكمي ، والنطنزي ، وابن المغازلي ، ومحب الدين الطبري ، والسيد على الهمداني ، وغيرهم ، ومع هذا حكم جماعة منهم بأنه موضوع على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (2).
    ومنها : حديث « لمبارزة علي يوم الخندق مع عمرو بن عبدود ، أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة » (3).
    رواه كثير منهم : أبو القاسم السهيلي في روض الأُنف ، والماوردي في
1. كنز العمّال 1 : 226 ، الرياض النضرة 2 : 218 ، ذخائر العقبى : 93 ، البداية والنهاية 7 : 356 ، المناقب للخوارزمي : 49 و 245 ، مناقب ابن المغازلي : 212 ، كفاية الطالب : 121.
2. منهاج السنة 3 : 128.
3. المستدرك 3 : 32 ، السيرة الحلبية 2 : 349 ، كنز العمال 6 : 158 ، ولفظ الحديث : « لضربة علي خير من عبادة الثقلين » و « قتل علي لعمرو أفضل من عبادة الثقلين » و « لمبارزة علي لعمرو بن ودّ أفضل من أعمال أمّتي إلى يوم القيامة.


(37)
سيره ، وبرهان الدين الحلبي الشافعي في انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ، ( يعني النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )) بل أورده الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، ونصّ على صحته واستدرك به على الشيخين أنهما لم يخرجاه مع أنه على شرطهما (1).
    وذكر ابن تيمية أنه من الأكاذيب الموضوعة ، ولذا لم يروه أحد من العلماء المسلمين في شيء من الكتب التي يعتمد عليها ، بل ولا يجوز أن يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والأنس ، فإن ذلك يدخل فيه عبادة الأنبياء ، وقد قتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمروبن عبدود ، وعمرو هذا لم يكن فيه معاداة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومضارّته له وللمؤمنين ، مثل ما كان من صناديد قريش الذين قتلوا ببدر مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحرث ، وأمثالهم الذين نزل فيهم القرآن ، وعمرو هذا لم ينزل فيه شيء من القرآن ولاعرف له ذكر في غزاة بدر ولا أحد ولا غير ذلك من مغازي قريش التي غزا فيها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا في سرايا ، ولم يشتهر ذكره إلاّ في قصة خندق.
    ومع أن قصته ليست مذكورة في الصحاح ونحوها ، كما نقلوا في الصحاح مبارزة الثلاثة يوم مبارزة حمزة ، وعبيدة ، وعلي ، مع عتبة ، وشيبة ، والوليد ، وكتب التفسير والحديث مملوأة بذكر المشركين الذين كانوا يؤذون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحرث ، وغيرهم وبذكر رؤوساء الكفار مثل الوليد بن المغيرة وغيره ، ولم يذكر أحد عمرو بن عبدود ، لا في هؤلاء ولا في هؤلاء ، ولا كان من مقدمي القتال ، فكيف يكون قتل مثل هذا أفضل من عبادة الثقلين ؟
1. المستدرك 3 : 32.

(38)
    ومن المنقول بالتواتر : أن الجيش لم ينهزم بقتله ، بل بقوا بعده محاصرين مجدين كما كانوا قبل قتله ] (1) .....
    وبعد ما شاهدت في الكتب المعتبرة ، وسمعت من قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذكر المناقب والفضائل لعلي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) وحقّانيته ، ننظر بعين الانصاف ، من دون عصبية ، إلى ما في البخاري من الإشكال ، الموهن لأصحيته بين الكتب ، وذلك في أمور (2).
1. منهاج السنة 4 : 172 ، ما بين المعقوفتين كما ذكره المستنسخ قد سقط بقدر الصفحتين ، وألحقناها على ما في المنهاج كما نقل عنه المؤلف رحمه الله.
2. الظاهر أنه رحمه الله قد فرغ من الاستشهاد بروايات الفضائل ، وأورد عليهم في الجرح والتعديل وألزمهم بما لا يمكن التخلّص منه ، ولذلك ابتدأ بذكر الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.


(39)
    [ ويعدّ من أشدّ تعصباتهم في الجرح والتعديل قولهم في الصادق ( عليه السَّلام ) ] !
    قال الذهبي في الكاشف : جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب أبو عبدالله الهاشمي المدني الصادق ، أحد الأعلام ، وأمه أمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولهذا كان يقول : ولّدني أبوبكر مرتين ، روى عن أبيه وجدّه لأمه القاسم ، وعبيدالله بن أبي رافع ، وعروة ، وعطاء ، ونافع ، ومحمد بن المنكدر ، وعنه خلائق لا يحصى منهم : ابنه موسى ، وشعبة ، والسفيانان ، مالك ، ووهب ، وحاتم بن اسماعيل ، وعبدالوهاب الثقفي ، وأبوعاصم ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو أكبر منه ، ويحيى بن سعيد قال : ابن المديني سئل يحيى عن جعفر بن محمد ؟ فقال : في نفسي منه شيء (1).
    وأقول : عدم اخراج البخاري لحديثه ( عليه السَّلام ) وعدم الإحتجاج به ، واعتقاد عدم قابليته العياذ بالله ، للايداع في صحيحه السقيم ، مع اخراجه مرويات كثير من الخوارج والنواصب والكذابين ، والوضاعين ، والإحتجاج بهم وايداع أحاديثهم في كتابه ، وان كان كافياً في الدلالة على نصبه وضلالته وشقاءه ، كالدلالة على ترجيح روايات هؤلاء الملاحدة الملاعين والعياذ بالله على رواياته ( عليه السَّلام ) (2).
1. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 1 : 186 رقم 84 ـ 87.
2. فمن أراد أن يطلع على تفضيل ذلك فعليه بكتابنا : « الامام البخارى وصحيحه الجامع ».


(40)
    لكن صرّح محقّقهم المدقّق الذي يفتخرون بإفاداته أعني ابن تيمية بهذا المطلب ، لكمال تورطه في النصب والعداوة وتوغّله في الوقاحة والشقاء ، قال في المنهاج ، مظهر المزيد اللجاج والاعوجاج ما هذا نصّه : وبالجملة فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس منهم من أخذ عن جعفر قواعد الفقه ، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره ، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه ، وليس بين الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة ، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد فيه كلام فلم يخرّج له (1).
    ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري ، وهذه العبارة تنادى على البخاري ، ويحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد ، الذي هو أقدمهم وأعلمهم بالنصب والإنحراف عن أهل البيت ( عليهم السَّلام ) (2).
1. منهاج السنة 4 : 143.
2. ومن المؤسف في ذلك الأمر بالتَّدوين في الحديث النبوي على رأس المائة الأولى ونشر الحديث والآثار من دون مشاركة لأحد من أهل البيت الذين هم أعرف بالسنن من غيرهم لاسيّما الصادقين عليهما الاسلام ، حيث كانا من أحفظ الناس وأعلمهم ، كما في سير أعلام النبلاء 6 : 257 ، فكيف لا يؤخذ عنهما الحديث و الآثار ؟
فالبخاري لا يروي عن الصّادق ( عليه السَّلام ) ؛ ويروي عن « مروان بن الحكم » الّذي هو قاتل طلحة ، وقال فيه ابن حبّان وغيره معاذ الله أن نحتج بخبر رواه مروان بن الحكم. الجرح والتعديل 8 : 271 ، سير أعلام النبلاء 1 : 36 و 3 : 476 ، تهذيب التهذيب 10 : 91.
ولتلك المصيبة روى النسائي في سننه : عن ابن عباس قال : اللّهم العنهم ، قد تركوا السُّنَّة من بغض علي. سنن النسائي 5 : 253 ، السنن الكبرى 5 : 113.
وقال النيسابوري في ذلك في الجهر بالبسملة في الصلاة : ان علياً ( عليه السَّلام ) كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلما كان زمن بني اُمية بالغوا في المنع عن الجهر سعياً في ابطال آثار علي. تفسير النيسابوري المطبوعة بهامش جامع البيان للطبري 1 : 79.
وجعفر بن محمد هو الذي اعترف بامامته وجلالته في العلم كبار أئمتهم ، روى الذَّهبي عن عمرو بن أبي مقدام ، قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين وقد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول : سلوني ، سلوني.
وعن صالح بن أبي الأسود ، سمعت جعفر بن محمد يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فانه لا يحدِّثكم أحدٌ بعدي بمثل حديثي.
وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبا زُرعة ، وسئل عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، وسهيل عن أبيه ، والعلاء عن أبيه ، أيها أصح؟ قال :
لا يُقْرَنُ جعفر الى هؤلاء. وسمعت أبا حاتم يقول : جعفر لا يسأل عن مثله سير أعلام النبلاء 6 : 257.
وقد عاصره أركان الحديث وائمة المذاهب الحنفية والمالكية وكلّهم إعترفوا بجلالته وعلوّ مقامه.
فيا عجباً من البخاري على ما ذكر في ترجمته : يتوضأ ويصلي عند كتابة كل حديث ثم يروي عن مروان بن الحكم ، عدوّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قاتل طلحة ، ويروي عن طائفة غير معلومة الإسلام كما قاله يحيى بن سعيد شيخ المشايخ وإمام الأئمة في حديث السُّنة.
وطائفة من الرجال ضعّفهم نفس البخاري في كتابه « الضعفاء » وأورد أسمائهم ، ثم خرّج رواياتهم في الصحيح!!!

(41)
    وأمّا شقاء ابن تيمية وضلالته فممّا لا يحتاج إلى بيان ، حيث لا يرضى بمساواة الصادق صلوات الله عليه لسائر من روى عنهم البخاري ، بل ادعى أولاً : ترجيح الزهري (1) عليه ( عليه السَّلام ).
    وثانياً : امتناع أن يكون ( عليه السَّلام ) مثل من يحتج بهم البخاري ، وستعرف أن البخاري احتج بجماعة من الخوارج والنواصب المطعونين بالكذب والوضع عند أئمتهم (2) ، فالثابت عن البخاري ترجيح غيره عليه صلوات الله عليه.
1. أنظر كتاب « تدوين الأمويين للحديث النبوي ودور ابن شهاب الزُّهْري » ، فإنّا قد استوفينا البحث في الزهري وبيان خدمته للأمويين مدّة خمس وأربعين سنة في تدوين الحديث ، حيث قالوا فيه : أنه كان جندياً لهم ، ومنديلاً يمسحون به أيديهم المتلطخة ، وأفسد نفسه بصحبتهم ، وقد جعلوه جسراً يعبرون به.
2. فمن أراد التفصيل فيما ذكر ، فليراجع كتاب « الامام البخاري وصحيحه الجامع » باب : من روى عنهم في الصحيح وضعّفهم نفسه في ضعفائه ، وكذا النواصب و المرجئة والخوارج ومن ضُعِّف بضرب من الجرح في كلمات أئمتهم وكبار مصنِّفيهم في الجرح والتعديل.


(42)
    والثابت عن ابن تيمية استمالة ترجيحه على غيره بل امتناع مماثلته ومساواته لغيره في الحفظ وقد علم مما سبق انحراف الذهبي ذهب الله بنوره أيضاً عن أهل البيت ( عليهم السَّلام ) حيث أنه بعد أن التزم في كتاب الميزان أن يذكر كلّ من تكلّم فيه أئمة السند بتليين مّا وأن لا يشذ عنه أحد مما ذكر في كتاب البخاري وابن عدي في الرجال استثنى منهم الصحابة والأئمة الأربعة ، يعني أبا حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي ومالكاً.
    وقال : إنهم وإن تكلّموا فيهم لكني لا أذكرهم في كتابي هذا لجلالتهم في الإسلام (1).
    ومع هذا تعرض لذكر الصادق صلوات الله عليه في هذا الكتاب ، وأمّا استثناءه فيمن استثنى فيدل على أن الذهبي لم يعتقد مساواته لمالك وأبي حنيفة مثلاً في الجلالة والعظمة.
    ويدلك هذا وأمثاله على أن أعاظم قدمائهم وعلمائهم لم يزالوا منحرفين عن أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، وأن ما تصدّى جماعة من متأخريهم لإثباته من أنهم لم يزالوا من أهل الولاء لهم والتمسك بحبلهم والإستناد إلى أخبارهم وبذل أموالهم وأنفسهم في سبيل مودتهم إنّما هو أكاذيب لفّقوها فراراً عن إلزامات الشيعة لهم.
    هذا الذهبي على إمامته وجلالته عندهم تأنّف من ذكر الصحابة في كتابه ،
1. ميزان الاعتدال 1 : 2.

(43)
وفيهم ضعفاءٌ ، مجروحون ، مقدوحون ، مطعونون ملعونون ، ومن ذكر أئمتهم في الفروع مع ما هم عليه من الضلال والفساد المذكور على لسان علمائهم النقاد كما ستعرف ، وتعرض لذكره ( عليه السَّلام ) في المقدوحين ، والعياذ بالله ، وان مدحه بأنه برّ صادق كبير الشأن ، قال في صدر كتاب الميزان :
    « أمّا بعد هدانا الله وسددنا ووفقنا لطاعته ، فهذا كتاب جليل مبسوط في ايضاح نقلة العلم النبوي وحملة الآثار ، ألّفته بعد كتابي المنعوت بالمغني ، وطوّلت العبارة ، وفيه أسماء عدّة من الرواة زائداً على من في المغني ، زدت معظمهم من الكتاب الحافل المذيل على الكامل لابن عدي ، وقد ألّف الحفّاظ مصنّفات جمّة في الجرح والتعديل ما بين اختصار وتطويل.
    فأول من جمع كلامه في ذلك الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل : ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطّان ، وتكلّم في ذلك بعده تلامذته ، يحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وعمر بن علي الفلاس ، و أبو خيثمة ، وتلامذتهم : كأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري ، ومسلم ، وأبي إسحاق الجوزجاني السعدي ، وخلق من بعدهم مثل : النسائي ، وابن خزيمة ، والترمذي ، والدولابي ، والعقيلي ، وله مصنّف مفيد في معرفة الضعفاء ، ولأبي حاتم بن حبان كتاب كبير عندي (1) في ذلك ، ولأبي أحمد بن عدي كتاب الكامل ، هو أكمل الكتب وأجلّها في ذلك ، وكتاب أبي الفتح الأزدي ، وكتاب أبي محمد بن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، والضعفاء للدارقطني ، والضعفاء للحاكم ، وغير ذلك.
1. والمراد به كتاب « المجروحين » المطبوع في ثلاثة أجزاء.

(44)
    وقد ذيّل ابن طاهر المقدسي على الكامل لابن عدي ، بكتاب لم أره ، وصنّف أبو الفرج بن الجوزي كتاباً كبيراً في ذلك ، كنت اختصرته أولاً ، ثم ذيّلت عليه ذيلاً بعد ذيل.
    والساعة فقد استخرت الله عزّوجلّ في عمل هذا المصنّف ورتّبته على حروف المعجم حتى في الآباء ليقرب تناوله ورمزت على اسم الرجل من أخرج له في كتابه من الأئمة الستة البخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجة برموزهم السائرة ، فإن اجتمعوا على اخراج رجل فالرمز « ع » وان اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز « عو ».
    وفيه من تكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين ، وأقل تجريح ، فلولا أن ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح والتعديل ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ، ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن له ذكر بتليين مّا في كتب الأئمة المذكورين ، خوفاً من أن يتعقّب عليّ ، لا أني ذكرته لضعف فيه عندي ، إلاّ ما كان في كتاب البخاري وابن عدي وغيرهما ، من الصحابة ، فانّي أُسقطهم لجلالة الصحابة ، ولا أذكرهم في هذا المصنّف ؛ فإن الضعف إنّما جاء من جهة الرواة إليهم ، وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحداً لجلالتهم في الاسلام وعظمتهم في النفوس ؛ فإن ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف وما يضرّه ذلك عند الله ولا عند الناس » (1).
1. ميزان الإعتدال 1 : 1 ـ 3.

(45)
    ولو تشبث ناصب عنيد ومتعصّب جحيد ، بأن اعراض البخاري عن الصادق ( عليه السَّلام ) وعن روايته ليس لكونه ناصباً منحرفاً ، بل دعاه إلى ذلك مزيد التحقيق والتنقيد والتنقيح والتورع وصون الشريعة المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها.
    قلنا له : هذا والله عين النصب والإِنحراف ، وللنواصب والخوارج أن يقولوا : ما دعانا إلى ما قلنا في حق علي ( عليه السَّلام ) وأهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلاّ مزيد التحقيق والتنقيد والتورع وصون الشرع المقدس ، ولذا صرفنا أعمارنا ووجهنا همّنا إلى إسقاطهم واسقاط كلماتهم عن درجة الإعتبار حتى لا يدخل في الشريعة ما ليس منها ، نعوذ بالله من هذه الهذيانات.
    ولنذكر هنا أموراً ، ثم نتعرض للوجه الثاني من الوجوه الواردة على البخاري :
    الأوّل : في بيان حال مجالد الذي قال القطان شيخ مشايخ البخاري : أنه أحب إليّ من جعفر !
    قال الذهبي في ميزان الإعتدال : مجالد بن سعيد بن عمير الهَمْداني مشهور ، صاحب حديث ، على لين فيه ، روى عن قيس بن أبي حازم ، والشعبي ، وعنه يحيى القطان ، وأبو أسامة وجماعة ، قال ابن معين وغيره : لا يحتج به (1).
1. سير أعلام النبلاء 6 : 286.
القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ::: فهرس