|
||||||
(46)
وقال أحمد : يرفع كثيراً مما لا يرفعه الناس ليس بشيء.
وقال النسائي : ليس بالقوي (1) ، وذكر الأشج : أنه شيعي ؛ وقال الدارقطني : ضعيف ، وقال البخاري : كان يحيى بن سعيد يضعّفه ، وكان ابن مهدي لا يروي عنه ، وقال الفلاس : سمعت يحيى بن سعيد يقول : لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله فَعَلَ ! (2) وقيل لخالد الطحان : دخلت الكوفة فَلِمَ لم تكتب عن مجالد ؟ قال : لأنّه كان طويل اللحية ! قلت : مِن أنكر ما له من الشعبي عن مسروق عن عائشة مرفوعاً : لو شئت لأجرى الله معي جبال الذَّهب والفضة (3). فظهر أن مجالد مطعون عند مهرة فن الرجال ، وأن الإمام أحمد بن حنبل قال في حقه : ليس بشيء ، ويحيى بن معين قال : لا يحتجّ به ، ويحيى بن سعيد القطان الفتّان يرميه بالوضع ، ويقول : لو شئت أن يجعل مجالد هذه الأحاديث كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله فَعَلَ ؛ ومع هذا يقول هذا الفتّان الشقي : أنه أحب إلي من جعفر ، نعوذ بالله ونشتكي إلى الله. الثاني : أن جماعة من أعيان العامة ألّفوا كتباً ورسائل في مناقب العترة العلوية ، وذكروا فيها من الأخبار والآثار المروية بطرقهم ما لايحصى. وذكروا أن مودة السادات من أجزاء الإيمان ، ومن الفرائض الأكيدة ، 1. المصدر السابق. 2. ميزان الإعتدال 4 : 438 و 439. 3. ميزان الإعتدال 4 : 438 ـ 439. (47)
وقالوا بوجوب تعزير المستخف بهم ، بل بكفره ، وحكموا بحرمة إهانتهم ، والوقيعة فيهم ، وإن أخطأوا في الإعتقاد ، أو فسقوا بالجوارح.
وذكروا أن السادات يموتون على الإيمان كأزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والعشرة المبشرة ، فهؤلاء وإن وقع منهم ما وقع في الدنيا إلاّ أنهم حال الخروج منها يموتون مع كمال الإيمان ، تصديقاً لبشارة ربّ العالمين. والكلام في هذا المطلب طويل ، من أراده فعليه المراجعة إلى كتبهم ، ونحن لا نذكر منها إلاّ أحرفاً وأسطراً يسيرة. والغرض أنه اذا كان إساءة الأدب والإيذاء بالنسبة إلى السادات العلوية بهذه المثابة ، فكيف يكون حال من استخفّ بسيدهم وإمامهم وحجتهم وعمادهم الذي تراب نعاله كحل الجواهر لأعين هؤلاء السادات ، وبشرف الإنتساب إليه والإنقياد له يرجون من الله رفع الدرجات ونيل المثوبات وغفران السيئات. وبالجملة فجماعة منهم ألّفوا الكتب والرسائل في هذا المعنى فراراً عن إلزامات الشيعة ، وإصلاحاً لحال أسلافهم ، ودفعاً لتشنيع الشيعة عليهم بالنصب والإنحراف والبغض ، ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر. وعدّ صاحب الصواعق هذا الإلزام والتشنيع من جملة تعصبات الشيعة ، قال في تعداد التعصبات. التاسع عشر : أن أهل السنة أفرطوا بغض أهل البيت ، ذكر ذلك ابن شهر آشوب ، وكثير من علمائهم ، ولقّبوهم بالنواصب وهو كذب صرد وعصبيّة ظاهرة ، فإنهم يقولون : إن الله تعالى أوجب محبّة أهل بيت نبيّه على جميع (48)
بريته ولا يؤمن أحدكم حتى تكون عترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحب إليه من نفسه ، ويروون في ذلك أحاديث.
منها : ما رواه البيهقي ، وأبو الشيخ ، والديلمي ، أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه. ويكون عترتي أحب إليه من نفسه » (1). وأخرج الترمذي ، والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « أحبّوا أهل بيتي بحبّي » (2) ، إلى غير ذلك من الأخبار. ويقولون : من ترك المودّة في أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد خانه ، وقد قال الله تعالى : ( لاتخونوا الله والرسول ) (3) ، ومن كره أهل بيته فقد كرهه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولقد أجاد من أفاد :
1. مسند أحمد 3 : 207 ، فردوس الأخبار 5 : 154. 2. سنن الترمذي 5 : 664 رقم 3789 ، المستدرك للحاكم 3 : 150 ، المعجم الكبير للطبراني 10 : 281 رقم 10664. 3. الانفال : 28. 4. رشفة الصادي : 99. (49)
وذكر ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي (1) في رسالة مناقب السادات : هم حجة الله على الورى فيهم نزل ، ( هل أتى ) (2) ، و ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّالمودّة في القربى ) (3) ، وعليه قول الشاعر :
وقال المناوي في فيض القدير ما هذا نصّه : أخلفوني ، بضمّ الهمزة واللام ، أي : يكونوا خلفائي في أهل بيتي علي وفاطمة وابنيهما ، فاحفظوا حقي فيهم ، وأحسنوا الخلافة عليهم بإعظامهم واحترامهم ونصحهم ، والإحسان إليهم ، وتوقيرهم والتجاوز عن مسيئهم ، ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) (4). قال المجد اللغوي : وما احتج به من رمي عوامهم بالابتداع وترك الاتباع ، لاينج فإنه إذا ثبت هذا في معين لم يخرج عن حكم الذرية فالقبيح عمله لا ذاته. وقد منع بعض العمال على الصدقات بعض الأشراف لكونه رافضياً فرأى تلك الليلة أن القيامة قد قامت ، ومنعته فاطمة من الجواز على الصراط فشكاها لأبيها ، فقالت : منع ولدي رزقه. 1. شهاب الدين أحمد بن شمس الدين الزاولي الهندي الحنفي المتوفى 849 هـ مفسر ، نحوي ، عارف بالبلاغة ، تولى القضاء ، ومن تصانيفه : شرح البزدوي في الأصول. 2. الدهر : 1. 3. الشورى : 23. 4. الشورى : 23. (50)
فاعتل بأنه يسبّ الشيخين ، فالتفتت فاطمة إليهما وقالت : أتؤاخذان ولدي ؟ قالا : لا ، فانتبه مذعوراً في حكاية طويلة.
ولما جرى على الإمام أحمد بن حنبل من الخليفة العباسي ما جرى ، ندم وقال : اجعلني في حلّ ، فقال : ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حلّ ، إعظاماً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لقرابتك منه. وحكى المقريزي عن بعض العلماء أنه كان يبغض بعض أشراف المدينة لتظاهرهم بالبدع فرأى المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في النوم فعاتبه ، فقال : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حاشا لله ما أكرههم وإنّما كرهت تعصبهم على أهل السنة فقال : مسئلة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟ قال : نعم ، قال : هذا ولد عاق (1). أقول : الحكاية التي أجملها في منع بعض العمال هي التي ذكرها مفصلة ، السيد نورالدين علي السمهودي في جواهر العقدين. وحكاها أيضاً رضي الدين علي الحسيني الشامي في تنضيد العقود ، نقلاً عن السيد عبد الرحيم السمهودي في كتاب الإشراف عن فضل الأشراف ، قال السيد نور الدين المذكور : وهو من أعيان علماء العامة كما يظهر من المراجعة إلى كتبهم ، أخبرني الإمام الشيخ العلامة محقق المالكية في زمنه شهاب الدين أحمد بن يونس القسطنطني المغربي نزيل الحرمين الشريفين في مجاورته بالمدينة النبوية سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. أن بعض مشايخه ممن يثق به أخبره أن شخصاً من أعيان المغاربة عزم على التوجه من بلاده للحج ، قال : حضر إليه شخص من أصحاب الثروة مبلغاً 1. فيض القدير 1 : 219 رقم 302. (51)
أظنّه مائة دينار ، وقال له إذا وصلت إلى المدينة النبوية فسأل عن شخص من الأشراف بها يكون صحيح النسب ، فتدفع ذلك إليه عسى أن يكون لي بذلك وصلة بجده ( صلى الله عليه وآله وسلم )
قال : فلما رجع إليهم ذلك المغربي أخبر : أنه قدم المدينة وسأل عن أشرافها ، فقيل له : أن نسبهم صحيح غير أنهم من الشيعة ، الذين يسبون ، قال : فكرهت دفع ذلك لأحد منهم. قال : ثم جلس إلي واحد منهم ، أو قال : جلست إليه فسألته عن مذهبه ؟ فقال : شيعي. فقلت له : لو كنت من أهل السنة لدفعت إليك مبلغاً عندي ، قال : فشكى فاقته وشدّة احتياجه ، وسئلني شيئاً منه ، فقلت : لا سبيل إلي أن أعطيك شيئاً. فذهب عني فلمّا نمت تلك الليلة رأيت أن القيامة قد قامت والناس يجوزون على الصراط فأردت أن أجوز فأمرتْ فاطمة ( عليها السَّلام ) يعني فمنعت ، فصرت استغيث ولا أجد مغيثاً حتى أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاستغثت به ، وقلت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منعتني فاطمة من الجواز على الصراط ! فالتفت إلي وقال : قد قالت : انّك منعت ولدها رزقه. فقلت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والله ما منعته إلاّ لأنّه يسبّ الشيخين ، قال : فالتفتت فاطمة ( عليها السَّلام ) إلى الشيخين وقالت لهما : تؤاخذان ولدي بذلك ؟ فقالا : لا ، بل سامحناه بذلك. قال : فالتفت إلي وقال : ما الذي أدخلك بين ولدي وبين الشيخين ؟ فانتبهت فزعاً ، وأخذت المبلغ وجئت إلى ذلك الشريف فدفعته له ، فتعجب من (52)
ذلك ، وقال : بالأمس سئلتك في يسير منه ، فامتنعت ، والآن كيف جئتني به ؟ فقال : فقصصت عليه القصة فبكى ، وقال : أشهدك عليَّ وأشهد الله ورسوله أني لا أسبهما أبداً ما حييت (1).
وقال في تنضيد العقود : وعدم الإنتقال لما يصدر من ذريته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أجلّ القربات وأعظم المثوبات. ففي توثيق عرى الإيمان للبازري : أنّ من علامات محبته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) محبة ذريته ، واكرامهم والاغضاء عن انتقادهم. فمن انتقد ذرية محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يحب محمداً قط ، وان يغضّ الإنسان من انتقاد ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل البيت لأنهم قوم شرّفهم الله تعالى واجلاهم ، فلا تعيب عليهم أفعالهم كما تعيب الأفعال فيمن أقدارهم بحسب أفعالهم. وقال الشيخ عبد القادر العبدروسي في كتاب عقد اللئآل في فضائل الآل : حكى التقي المقريزي ، عن يعقوب المغربي ، أنه كان بالمدينة النبوية في رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة ، فقال له الشيخ العابد الفاسي : وهما بالروضة المكرمة. إنّي كنت أبغض أشراف المدينة النبوية بني حسين ، لتظاهرهم بالرفض ، فرأيت وأنا نائم تجاه قبر الشريف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يقول : يا فلان باسمي : ما لي أراك تبغض أولادي ؟ فقلت : حاشا لله ما أكرههم ، وإنّما كرهت ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة ، فقال لي : مسألة فقهية ، أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟ فقلت : بلى يا 1. جواهر العقدين للسمهودي : 353 ـ 355 ، فضل آل البيت للمقريزي : 111 ، رشفة الصادي للحضرمي : 262. (53)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال : هذا ولد عاق فلمّا انتبهت صرت لا ألقى من بني حسين أحداً إلاّ بالغت في اكرامه ، ثم قال : قال التقي المقريزي : وعندي عدّة حكايات صحيحة مثل هذا في حق بني حسن ، وبني حسين ، فإياك والوقيعة فيهم وان كانوا على أي حالة لأن الولد ولدٌ على كلّ حال صلح أو فجر (1).
وأيضاً في ذلك الكتاب ، ورأى الشيخ المحقق العارف المدقق أبو العباس المديني المغربي : فاطمة الزهراء رضي الله عنها كشفاً ، وهي تقول في أشراف يبغضون الشيخين : أنفك معك وإن كان أجذع. وقال ملك العلماء شهاب الدين أحمد بن عمر الهندي الدولت آبادي صاحب « البحر الموّاج في التفسير والإرشاد » في النحو ، و « بديع البيان والمعاني » وغيرها ، وهو من عظماء أهل السنة وعلمائهم كما صرّح به بعضهم ، ويعرف أيضاً من كتاب « كشف الظنون » ، و « سبحة المرجان » ، و « تسلية الفؤاد » ، وغيرها ، قال في رسالة « مناقب السادات » ما هذا لفظه ... (2). 1. فضل آل البيت للمقريزي : 111 ، رشفة الصادي : 263. 2. ذكر المؤلف فقرات باللغة الفارسية تعريبها كما يلي : لو أقرّ شخص على نفسه الإسلام وآمن بجميع شرائعه وعمل به ثم أهان علوياً وخاطبه بالتصغير « عُليوياً » فقد كفر. وهكذا حال من أبغض محبوب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولو تقوّل بقوله استخفافاً : « كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يحب اليقطين وأنا لا أحب » فإنه أيضاً كافر. وعلى ذلك حال من تكبّر على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتكبّر على أحد من أهله. فاعلم ، أن التكبر والتحقير والظلم بالنسبة إلى الولد يعود إلى الوالد بحكم العقل والشرع والدّين والحس ، وهو أمر ثابت معلوم على كلّ ذي مسك ، وعند كل من تربى في حجور الأمهات الصالحة بالتربية الصحيحة. نعم الإهانة إلى العبد وإن كان نسله من الكفار يسري إلى صاحبه ، ولا يخفى ذلك على أحد ، لأنك لو سألت المبتدئين المشتغلين بعلوم العربية وقرّاء الكافية في تركيب « زيداً ضربت غلامه » كانت في التقدير « أهنت » والإهانة يكون على زيد في ضرب غلامه. فما تقول ، وما تحتسب !؟ أن الإهانة إلى خف العالم بأنه نجس ، مع أنه يصنع من جلود البقر والحمار ، وذلك أيضاً كفر. فكيف بإهانة أحد من أولاد المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي هو جزء له ومن صلبه ونسله؟! حاش لله لا يظنه أحداً. وفي كتاب « تذكرة الأولياء » يقول : من آمن بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا يؤمن بأولاده ـ أي يتكبّر بالنسبة إلى أهل بيته ـ فحكمه حكم من لم يؤمن بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأن في كتاب « زاهدي » و « عياني » يقول : « المؤّدة لأولاد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هي شرط الإيمان ». وهكذا فيه بعد ذكر حديث : « حبّك في شيء يعمي ويصم ويبكم » يقول : ونتيجة الكلام أن المودة لأولاد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ضروري بالنسبة إلى جميع أولاده نسباً من دون خصوصية إلى أخيارهم لأن لفظة « القربى » في الآية المباركة مطلقة ، فلا تنحصر في خواصهم حتى يقول أحد : المقصود بلزوم المودّة لأولاد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أعني ، أخيارهم ، وهكذا الامتثال لأمر الله المنزل في القرآن ، وهذه المودة التي كانت من أصول الطاعة. فلو نظرت إلى مسيئهم في ارتكاب المعاصي وصار ذلك إلى عدم رعاية حقوقهم وقد شبهت نفسك بمن جنّ عليه ، ترك الصوم والصلاة لما سبّه شخص ولشدّة غضبه عليه يترك الصوم والصلاة ، لأنه يتدارك بذلك من خصومه !! وكذا فيه : يقول الشيخ أحمد البخاري : من كان له محبة لأولاد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من فطرته وقلبه فيشمله العطية والمغفرة من ربه ، ومن لم يكن من فطرته وقلبه بل يكتسب ولم يتعب نفسه ولا يجهد فهو الذي باعد عن رحمة الله وطرد مرجوماً وإن كان يمسح جبينه على الأرض من الصباح إلى المساء ، وعلم علم الأولين والآخرين لا ينفعه ولا يعتمد عليه ، فربّ عالم زاهد لا يتقرب بذلك. فمن علائم الإيمان مودة أولاد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومن آثار المودة أنه يسرّه رؤيتهم. وفيه أيضاً : أن ايذاء العلوية ايذاء لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).وفي الباب أحاديث كثيرة لا نذكرها اقتصاراً. فإيذاء أولاد الحسين ( عليه السَّلام ) ايذاء للنبي ولعلي وفاطمة ، وايذاءهم بنص الأحاديث يوجب الكفر والملعنة اتّفق أهل السّنة والجماعة على كفر واللعن على قاتل الحسين ، وأمره هكذا في السنة والتشريع ، وبعد ذكر الحديث : « يا علي أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن ايماننا ، وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا » قال : لو سئل : ان تأويل هذا الحديث هو أن المؤمنين أولاد المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يدخلون الجنة خلف أزواج النبي. نقول في جوابه : يحرم على المقلد تأويل الأحاديث ، لأنه أقصر من القاصر ، ولا يصح هذا التأويل حتى من المجتهدين لأنّه خلاف للبشارة من النبي ، وموجب لإجمال كلامه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويسقط بذلك ، لأن البشارة لا يقبل الاحتمال والترديد. (54)
(55)
وليعلم ، أن مولّف هذه الرسالة أعني ملك العلماء عقد فيها باباً في اثبات عدم زوال الإيمان من جميع أولاد رسولنا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانهم لا يموتون مصرّين على الكبيرة ، واستدل فيها بالكتاب والأخبار ، وأطال في بيانها واقتصرنا من هذه الرسالة على هذا القدر ، وهو كاف في المرام.
والغرض من هذا كلّه ، انه اذا كان إساءة الأدب والإهانة وعدم المحبة بالنسبة الى العترة العلوية بهذه المثابة فكيف بالنسبة إلى الأئمة الإثني عشر عليهم صلوات الله الملك الأكبر ، الذين هم أصفياء الله من بين الورى وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى مفاخر آل عدنان والمفترض طاعتهم على الإنس والجان ويفتخر هؤلاء العلوية بالإنتساب اليهم ، ونطق بشطر يسير من مناقبهم ومقاماتهم وكراماتهم لسان المتعصبين والناصبين الجاحدين. وذكر نبذة قليلة منها بعض علماء السنة في كتبهم ، كفصل الخطاب ، وشواهد النبوة للجامي ، والفصول المهمة ، ومطالب السؤول ، وتذكرة الخواص ، وروضة الأحباب ، وكتاب ابن روزبهان ، وغيرها. ويعجبني أن أذكر في المقام كلاماً ذكره إمامهم المتعصب المعاند والمشكك الناصب ، الجاحد الذي تمسك في كتبه لانتصار مذهبهم بكل (56)
حشيش ، وأنكر كثيراً ممّا ثبت بالضرورة ، حماية للباطل وترويجاً للفاسد الكاسد العاطل أعني فخرالدين الرازي ، فكلامه أدخل في الزام النواصب رماهم الله بعذاب واصب ، قال في رسالته الموضوعة لترجيح مذهب الشافعي ، عند ذكر الحجية على ترجيحه :
الحجة السادسة : القول بأن الشافعي أخطأ في مسألة كذا ، اهانة للشافعي القرشي ، واهانة قرشي غير جائز فوجب أن لايكون القطع بخطائه في شيء من المسائل ، انّما قلنا أن تخطئته اهانته ، لأن اختيار الخطاء ان كان للجهل فنسبة الإنسان إلى الجهل اهانة ، وان كان مع العلم كانت مخالفة الحق مع العلم بكونه حقاً ، من أعظم أنواع المعاصي ، وكانت نسبة الإنسان إليه إهانة لله ، وإنّما قلنا أن إهانة القرشي غير جائزة ، لما روى الحافظ باسناده عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « من يرد هوان قريش أهانه الله » (1). وروى أيضاً باسناده ، عن أبي هريرة أن سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان الناس يصيحون بي ، ويقولون : انّك ابنة حمالة حطب النار ، فقام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو مغضب شديد الغضب ، فقال : ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي ، فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (2) ، ومن آذى الله كان ملعوناً لقوله تعالى : ( إنّ الّذينَ يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ) (3). 1. مسند أحمد 3 : 42 ، 89 ، 90 ، سنن الترمذي 2 : 325 ، المستدرك 4 : 74 ، مناقب الشافعي للبيهقي 1 : 61. 2. رشفة الصادي : 106 ـ 107 ، أسد الغابة 5 : 473 ، الإصابة 8 : 76. 3. الاحزاب : 58. (57)
فإذن ظهر وجه الإستدلال ظهوراً لا يرتاب فيه عاقل ، وكان الحاكم أبو عبدالله الحافظ يقول : يجب على الرجل أن يحذر من معاندة الشافعي وبغضه وعداوته لئلا يدخل تحت هذا الوعيد (1).
أقول : وقد ظهر أيضاً ظهوراً لا يرتاب فيه عاقل كفر من خطّأ أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين ، والأئمة الطاهرين وأهل البيت المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وثبت انهم ملعونون في كتاب الله وعلى لسان نبيه في الدنيا والآخرة ، والأخبار متواترة مسطورة في كتبهم وصحاحهم بمنع أبي بكر وعمر أمير المؤمنين عمّا يدعيه من فدك والخمس وغيرهما. وقصارى ما ذكروا في تأويلها وتوجيهها لا تخرج عن تخطئتها لهما ومما يقضى منه العجب ، أن الرازي نفسه خطّأ الشافعي في مواضع ( من هذه الرسالة ) فاستحق اللعن والطرد بمقتضى كلامه واحتجاجه. بل نسب إليه ما لايجوز ، وهو أعظم من التخطئة حيث ذكر في عدد الإعتراضات التي أوردها الشافعي على الإمام مالك ، ما هذا لفظه : ومنها : أخبرنا مالك ، عن أبي الزبير ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس أنه سئل عن رجل واقع أهله وهو محرم بمنى قبل أن يفيض ، فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي وبه نأخذ. وقال مالك : عليه عمرة وحجّة تامة وبدنة. ورواه عن ربيعة وعن ثور بن زيد عن عكرمة ، فهو سيء القول في عكرمة ، ولايرى لأحد أن يقبل حديثه ، وهو يروي بيقين عن عطاء 1. مناقب الشافعي للرازي : 126. (58)
عـن ابن عباس خـلافه ، وعـطاء ثقة عنـده ، وعنـد النـاس.
قال الشافعي : والعجب أنه يقول في عكرمة ما يقول ، ثم يحتاج إلى شيء من علمه ، يوافق قوله ، فيسميه مرة ، ويسكت عنه أخرى ، ويروي عن ثور بن زيد ، عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره ، ويسكت عن ذكر عكرمة ، وإنّما يحدّثه ثور عن عكرمة ، وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا فيها. ثم قال الفخر : وأمّا الإعتراض الثاني : وهو أن مالكاً إذا احتاج إلى التمسك بقول عكرمة ذكره ، واذا لم يحتج اليه تركه ، فهذا إن صح من مالك أورث ذلك طعناً في روايته وفي ديانته ، ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز الشافعي أن يتمسك بروايات مالك ؟ وكيف يجوز أن يقول : إذا ذكرت الأئمة فمالك النجم. ولايخفى أن مقدم القضية الشرطية ثابت بنص الشافعي الذي لا يجوز لأحد التشكيك في صدقه وأمانته ، وصحة أقواله ، فثبوت التالي واضح بلا مرية ، وأمثال هذا كثير في كلامه. وقد أبرز هذا الداء الدفين ، والإنحراف عن الأئمة الطاهرين جماعة من فضلائهم بل يحتج به الدواني وجعله دليلاً على حقية مذهبه. قال جلال الدين الدواني في شرحه على العقائد العضدية عند ذكر الحديث المعروف : « ستفرّق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة » عند حصر الماتن الفرقة الناجية في الأشاعرة ما هذا لفظه : فإن قلت : كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة ، وكل فرقة تزعم أنها الناجية ؟ (59)
قلت : سياق الحديث مشعر بأنهم مقتدون بما روى عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصحابه ، وذلك إنّما ينطبق على الأشاعرة ، فإنّهم يتمسكون في عقائدهم بالأخبار الصحيحة المروية عنه عليه السلام وعن أصحابه رضي الله عنهم لايتجاوزون عن ظواهرها إلاّ بضرورة ، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة ومن يحذو حذوهم ، ولامع النقل عن غيرهم كالشيعة المتشبثين بما روى عن أئمتهم لإعتقادهم العصمة فيهم ، انتهى.
وزاد حسين الخلخالي في حاشيته على شرح العقائد ، وأظهر كمال العداوة والنصب الكائن في صدور أعيانهم ، وأتى بما يدل على صدور الكذب والإفتراء والعياذ بالله عن أئمتنا الطاهرين حيث قال : قوله المتشبثين بما روى عن أئمتهم من غير استنادهم المروي إلى النبي عليه السلام وأصحابه ، وذلك الاتباع منهم لأجل اعتقادهم العصمة في أئمتهم وعدم صدور الكذب والإفتراء منهم. وهذه الحاشية معروفة عندهم ، مذكورة في كتاب كشف الظنون ويحتج بقراءتها ابراهيم بن حسن الكردي ، في كتاب « الأمم إلى إيقاظ الهمم » ، ثم ان بعض المعاصرين من العامة لكثرة ما شاهد من الزامات الشيعة ، سلك في المقام سبيل الإنصاف واتخذ طريق المداهنة والمساهلة في اظهار مكنون ضمائر اسلافه فقال في كتابه المسمّى بـ « حلّ المعاقد » في شرح العقائد ، قوله : كالشيعة الخ. ههنا اختلاج فإنه إن أراد أن الشيعة يتبعون الأئمة الذين هم عترة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكونهم مجددي دين ، لا لأنّهم ناقلوه عن ناقل الدين فهو (60)
افتراء ، وإن أراد أن الشيعة يتبعون الأئمة لأنّهم نقلوا الدين ، وهم عدول الأمّة حتى أثبتوا العصمة لهم.
فالطعن إما لعدم كون الأئمة عليهم السلام عدولاً ، فهو تزلزل الإيمان ، أو لعدم صحة الإتباع بالأئمة ، وان كانوا عدولاً فهو ترجيح بلا مرجح ، فإن معاشر الأشاعرة إنّما يتبعون الأشعري ، والشافعي لأنهما ناقلا الدين ، عادلين فلا فرق فتدبر. والعجب من كلام الدواني ، ما ذكره محققهم الملقب بشيخ الإسلام ، أعني ابن تيمية حيث نسب اتباع أخبار الأئمة عليهم السلام إلى الضلال وشنّع غاية التشنيع على اعتقاد حجية اجماعهم ، واتحاد قولهم مع قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال في المنهاج : وأما الفقه ، فهم يعني الشيعة من أبعد الناس عن الفقه ، وأصل دينهم في الشريعة هي مسائل ينقلونها عن بعض علماء أهل البيت كعلي بن الحسين ، وابنه أبي جعفر ، وابنه جعفر بن محمد ، وهؤلاء رضي الله عنهم من أئمة الدين وسادات المسلمين لكن لاينظرون في الإسناد إليهم هل يثبت إليهم أم لا فإنه لا معرفة لهم بصناعة الحديث والإسناد. ثم ان الواحد من هؤلاء اذا قال قولاً لايطلب دليله من الكتاب والسنة ولا ما يعارضه ، ولا يردون ما تنازع فيه المسلمون إلى الله والرسول كما أمر الله ورسوله بل قد اصّلوا لهم ثلاثة أصول : أحدها : أن هولاء معصومون. والثاني : أن كل ما يقولونه فإنه نقل عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ). |
||||||
|