السيدة سكينة ابنة الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام ::: 61 ـ 75
(61)
البيت العلوي الطاهر الشايني لهذا العنصر الاموي الحائد عن سنن الصراط السوي.
    ولم يثبت تشيعه من طرق صحيحة وان ارسله المؤرخون حتى انطلى على جملة من الشيعة فذكروه في رجالهم وذهب عنهم ان هذه الاكذوبة أمر دبر بليل إنما افتعلوها ليحملوا الشيعة أوزاراً مما اثبته من المنكرات ومما يشهد بعدم وثوق اولئك المؤرخين بتشيعه مع إرسالهم له انا نراهم يبخسون في تراجمهم حقوق علماء الامامية ويرمونهم بالطامات من عيب في الدين او نقص في المروءة او مروق عن الورع (1).
    مع إكبارهم لكل من مال عن اهل البيت فاعظامهم هذا الرجل بالمدح البالغ حده مع وقوفهم على خلاعته وخفة عقله وبذائة لسانه وفسق جوارحه ليس إلا لما ذكرناه من تحامله على اهل البيت ومن انضوى إلى رايتهم ودعا إلى مبدئهم واعترف بنزاهتهم اعلاماً بأن الرجل من الشيعة وهو اعرف بما هم عليه.
    لكن النظرة الدقيقة في التاريخ تفيدنا ان الرجل كما انه مرواني النسب مرواني النزعة ولذلك ألف لاقاربه الامويين من ملوك الاندلس
1 ـ لاحظ العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ص 40 طبع مصر سنة 1342 هـ ج تعرف الرجال الذين طعنوا فيهم ولم يأتوا بشيء سوى الموالاة لاهل البيت كما تعرف الرجال المائلين عن اهل البيت فلقد أكثروا من توثيقهم واطرائهم وقد ذكر عن تهذيب التهذيب لابن حجر بترجمة عمر ابن سعد انه قال عمر بن سعد تابعي ثقة وهو الذي قتل الحسين ثم قال ابن ابي عقيل بعد هذا ( لا حول ولا قوة الا بالله )
ان كان هذا نبياً فالكلب لا شك ربي

(62)
كتباً وصيرها اليهم سراً فاتته الجائزة منهم سراً (1).
    وارسل كتاب الاغاني الى الحكم الثاني المستنصر وهو في الاندلس قبل ان يخرجه الى العراق فارسل اليه الحكم الف دينار من الذهب العين (2).
    على انه ليس في كتبه وشعره اي صراحة بانتمائه إلى مذهب اهل البيت عليه السلام عدا اشعارات لا تعدو ان تكون تزلفاً منه إلى ملوك وقته آل حمدان وامرائه ممن ينتمون إلى ولاء العترة الطاهرة وذرية الرسول صلى الله عليه وآله ويصلون مادحيهم بعطائهم الجزيل.
    ومن ذلك تأليف كتاب ( المقاتل ) فانه الفه إلى من عرفت من ملوك الشيعة طمعاً في وفرهم وحصناً لما رامه من المطاعن في اهل البيت حتى تبعد عنه وصمة الافتعال.
    وقد اشتمل كتاب المقاتل على كثير من الموضوعات.
    واما كتابه ( الاغاني ) فاسمه وموضوعه وسبر اغواره شواهد واضحة على انحرافه عن الطريقة المثلى واندفاعه إلى تدوين ما تحدو اليه الأهواء والشهوات فهو كما قال فيه صاحب ( روضات الجنات ) بترجمة الرجل : ( إن من يتصفحه لم ير فيه إلا هزلاً وإضلالاً وبقصص ارباب الملاهي اشتغالاً وعن علوم اهل البيت اعتزالاً ).
1 ـ معجم الادباء ج 13 ـ ص 100 ط ثاني وتاريخ أبي الفداء ج 2 ـ ص 108 ومرآة الجنان لليافعي ج 2 ـ ص 359.
2 ـ تاريخ الفكر الاندلسي ص 11 ترجمه عن الاسبانية حسين مؤنس وص 30 من ترجمة ابي علي القالي بقلم محمد عبدالجواد الاصمعي اول الامالي طبعة دار الكتب العربية.


(63)
    ويقول القاضي محمود بن محمد عرنوس : ان كتاب الاغاني اشتمل على كثير من الاخبار الواهية بل الموضوعة (1).
    واما مقام ابي الفرج في الحديث والرواية فكما حدث الخطيب البغدادي عن ابي عبدالله الحسين بن محمد بن القاسم بن طباطبا العلوي قال سمعت أبا الحسن النوبختي يقول : كان ابوالفرج الاصبهاني اكذب الناس انه يدخل سوق الوراقين وهي عامرة مملوة بالكتب فيشتري كثيراً من الصحف ويحملها إلى بيته ثم تكون رواياته كلها منه (2). وقال ابن حجر : قد اتهم ابوالفرج بكثرة ما كتب والظاهر انه صدوق (3).
    وهذا الاستظهار منه يرشدنا الى شك العلماء فيه والا لذكر من يعتمد عليه ويوثقه ويجزم به ولم يجعله محل الاستظهار.
    فهذا ابن الجوزي : لا يثق برواية أبي الفرج محتجاً بانه يصرح بكتبه بما يوجب الفسق عليه وتهاونه بشرب الخمور وربما حكي ذلك عن نفسه ومن تمل كتاب ( الأغاني ) رأى كل قبيح ومنكر (4).
    وسجل ابن كثير الحنبلي هذه العقيدة في أبي الفرج من دون تعقيب (5).
1 ـ تاريخ القضاء في الاسلام ص 182.
2 ـ تاريخ بغداد ج 11 ـ ص 399.
3 ـ لسان الميزان ج 4 ـ ص 221.
4 ـ المنتظم ج 7 ـ ص 40 حوادث سنة 356.
5 ـ البداية ج 11 ـ ص 263.


(64)
    ويكفي في انحيازه عن الورع بذاءة لسانه وسبابه المقذع وهجائه الناس واستهانته أكل لحومهم والنيل من الأعراض فهو من المخالفين للامامية قطعاً وانه من المتورطين في السيئات المتحاملين على المؤمنين بالمنكرات ولم تخف هذه الظاهرة على العلامة الحلي فذكره في القسم الثاني من الخلاصة المعقود لمن يتوقف في رواياته.
    « من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون » (1)
1 ـ الاعراف / 186.

(65)
    ان كلمة الأستاد زكي مبارك صورت الرجل وكتابه الأغاني بما يفيد القارىء زيادة بصيرة مما عليه من الخلاعة والمروق عن الدين وفراغ الكتاب ( الأغاني ) عن الحقائق التاريخية.
    قال في وصف الكتاب :
    ان في مقدمة كتاب الأغاني عبارات صريحة في أن المؤلف قصر اهتمامه على امتاع النفوس والقلوب والأذواق ، فكتابه مجموعة تغذي بها الأندية ومجامع السمر ومواطن اللهو ومغاني الشرب وقد اهتم بالغناء الذي عرف له قصة تستفاد وحديثاً يستحسن وعلل ذلك بقوله : إذ ليس لكل الأغاني خبر نعرفه ولا في ماله خبر فائدة ولا لكل ما فيه بعض الفائدة رونق يروق الناظر ويلهي السامع.
    وهذا التعبير هو الوصف الصادق لما اختاره الأصبهاني ان يدور عليه كتابه حين أراد أن يقدم ما راقه من أيام العرب وقصص الملوك في الجاهلية والخلفاء في الاسلام وخصوصاً إذ لاحظنا ان كلامه يشعر بأنه مستعد لاهمال ما فيه بعض الفائدة إذ خلا من ذلك الرونق الذي يروق الناظر ويلهي السامع فهو إذن يساير القراء المتطلعين الى النواحي الطريفة من أخبار الملوك والخلفاء والوزراء


(66)
والكتاب والشعراء ولهذا النحو في التأليف قيمة عظيمة إذا فهمه القاريء على الوجه الصحيح.
    ولكن الخطر كل الخطر أن يطمئن الباحثون الى أن لروايات الأغاني قيمة تأريخية وان يبنوا على أساسها ما يشاؤن من حقائق التاريخ.
    وقد جاءت أحاديث الأغاني مروية بالسند والرواية بالسند شيء ساحر فتن كثير من الناس وظنوه علماً دقيقاً له آداب وشروط واعتماداً على هذا العلم الدقيق اطمأن كثير من الباحثين الى روايات الأغاني فضلوا وأضلوا في حقائق التأريخ.
    ويشهد له أن صاحب الأغاني حدث بسنده عن ابن اخ رزقان عن أبيه قال أدركت مولى لعمرو بن أبي ربيعة شيخاً كبيراً فقلت له حدثني عن عمرو بحديث غريب.
    وكلمة غريب لها معناها فيما نحن بسبيله من أخيذ الرواة بالتلفيق والاختلاق فإن البحث عن الأوضاح الغريبة من احاديث ابن أبي ربيعة تدل على ظمأ النفوس الى النادر المستطرف من القصص والأحاديث وما عسى أن يكون ذلك الخبر الغريب هو خبر يشبه من أكثر نواحيه قصة حج أبي نؤاس التي اخترعها ابن دريد.
    وقد استمر صاحب الأغاني ينقل من أخبار عمرو بن أبي ربيعة ما طاب له من غير نقد ولا تمحيص ولكنه فطن في بعض ما رواه الى تلفيق الرواة حين عرض الى تزويج الثريا وخروجها الى مصر عمر وغائب فقال :
    ( وهذا الخبر عندي مصنوع وشعره مضعف يدل على ذلك ولكني ذكرته كما وقع الي ).


(67)
    وهنا يدلنا صاحب الأغاني على ارتيابه في بعض الأخبار ولكن لماذا يذكر ما ارتاب فيه كما يقع اليه من دون تمحيص وتحقيق ، نعم أراد أن يقدم ما يروق الناظر ويلهي السامع كما ذكر في مقدمة كتابه هذا ولو مضينا نحصي ما في روايات الأغاني من التلفيق لطال بنا القول فلنكتف بهذه الاشارة.
    هذا ما يتعلق بكتاب الأغاني وأما ما يتعلق بأبي الفرج نفسه فنقول :
    إن الأصبهاني كان مسرفاً أشنع الاسراف في اللذات والشهوات وقد كان لهذا الجانب من تكوينه الخلقي أثر ظاهر في كتابه فان كتاب الأغاني أحفل كتاب بأخبار الخلاعة والمجون وهو حين يعرض للشعراء والكتاب يهتم بسرد الجوانب الضعيفة من أخلاقهم الشخصية ويهمل الجوانب الحديثة إهمالاً ظاهراً يدل على أنه كان قليل العناية بتدوين أخبار الجد والرزانة والتجمل والاعتدال.
    وهذه الناحية من الأصبهاني أفسدت كثيراً من آراء المؤلفين الذين اعتمدوا عليه.
    وان إكثار الأصبهاني من تتبع سقطات الشعراء وتلمس هفوات الكتاب جعل في كتابه جواً مشبعاً بأوزار الاثم والغواية وأذاع في الناس فكرة خاطئة هي اقترن العبقرية بالنزق والطيش والخروج من رعاية العرف والدين.
    ولو خلينا الأخبار المروية جانباً ونظرنا فيما حدث به أبو الفرج عن نفسه لعرفنا مبلغ حذقه في وضع الأقاصيص.
    قال : كنت في أيام الشبيبة والصبا آلف فتى من أولاد الجند في


(68)
السنة التي توفي فيها معز الدولة وولي بختيار وكانت لأبيه حال كبير ومنزلة من الدولة ورتبة وكان الفتى في نهاية من الحسن وسلاسة الخلق وكرم الطبع يحب الأدب ويميل الى أهله ومضت لي معه سير لو حفظت لكانت كتاباً مفرداً وقد كنت أتي اليه فيدخلني الى حجرة لطيفة كانت مفردة له فنجتمع على الشراب والشطرنج وما أشبههما فأتيته يوماً وجلس على دكة بباب داره منتظراً له ولما أبطأ علي قمت لأجل لقاء صديق ثم أعود فهجس لي أن كتبت على الحائط الذي كنا نستند عليه.
يـا من أظـل بباب داره وحياة طرفـك واحوراره لا حلت عمري عن هواك ويطول حبسـي لانتظاره ومجال صدغك في مداره ولـو صلـيت بحر ناره
    فلما عاد ووقف على الأبيات غضب من فعلي لئلا يقف عليه من يحتشمه وكان شديد الكتمان خصوصاً من أبيه فكتب تحتها :
    ( ما هذه الشناعة ومن فسح لك هذه الاذاعة وما أوجب خروجك عن الطاعة ولكن أنا جنيت على نفسي وعليك ملكتك فطغيت وأطعتك فتعديت ما أحتشم أن أقول هذا تعرض للأعراض عنك والسلام ).
    فعلمت انني قد اخطأت وسقطت ـ شهد الله ـ قوتي فأخذتني الندامة والحيرة ثم أذن لي فدخلت فقبلت يده فمنعني وقلت يا سيدي غلطة غلطتها وهفوة هفوتها فإن لم تتجاوز عنها وتعف هلكت فقال لي أنت في أوسع العذر بعد أن لا يكون لها اخت.
    ولم تمض إلا مديدة حتى قبض على أبيه وهرب فاحتاج الى الاستتار فلم يأنس هو ولا أهله إلا أن يكون عندي فأنا على غفلة إذ


(69)
دخل في خف وأزار فكادت مرارتي تنفطر فرحا فلقيته أقبل رجليه وهو يضحك ويقول يأتيها رزقها وهي نائمة هذا يا حبيبي بخت من لا يصوم ولا يصلي في الحقيقة وكان أخف الناس روحاً وبتنا في تلك الليلة عروسين لا نعقل سكراً واصطحبنا وقلت هذه الأبيات :
بت وبات الحبيب ندماني نشـرب فضيـة مـعتقة وكلما دارت الكـؤوس لنا الـحمد لله لا شـريك له من بعد نـأي وطول هجران بحانة الشـط منـذ أزمـاني ألثـمني فـاه ثـم غنــاني أطاعنـي الدهر بعد عصيان
    ولم يزل مقيما عندي نحو شهر حتى استقام امر أبيه ثم عاد الى داره فهذه الأخبار التي رواها ابو الفرج عن نفسه تعين اتجاهاته الذوقية في الحياة ومن هنا جاء غرامه يتعقب اخبار الخلاعة والمجون فيمن ترجم له من الشعراء انتهى باختصار (1).
    فإذا كان هذا مقام أبي الفرج في الدين والورع والعفة ومقام كتابه في الحقائق فهل تبقى قيمة لما يحدث فيه ما لم يدعم بقرائن صحيحة خصوصاً بعد أن عرفنا حال من يحدث عنهم ويعتمد في كتابه على روايتهم كآل الزبير واشعب الطامع والهيثم بن عدي وصالح بن حسان الى امثالهم من مجهولين.
    وانك لتجد في هذه الرسالة النقل عن كتاب الأغاني فهو من باب الزموهم بما الزموا به انفسهم او لأن تلك النقول لا تنافي شيئاً من مقام من نقل عنه وليس النقل للإعتماد على الكتاب أو على ما فيه من روايات لم نعرف حال سندها.
1 ـ النثر الفني ج 1 ، ص 235 وص 244 وروى القصة ياقوت في معجم الادباء ج 5 ، ص 160.

(70)

(71)
    إني لا اجد القارىء بعد هذا البيان الضافي مرتاباً في كذب ما حدث به أبو الفرج في حق السيدة ( سكينة ) ابنة سيد شباب اهل الجنة الحسين بن أميرالمؤنين عليه السلام فان الأحاديث التي جاء بها وجدناها مروية عمن ذكرناهم من آل الزبير وأمثالهم من المعروفين بالافتعال أو العداوة لآل الرسول صلى الله عليه وآله ولم يردعهم أي رادع عن الكذب الذي هو اقبح المعاصي ومفتاح كل شر وطريق يسلك به الى الفتن ويلحق البغضاء والأحن وعثرة في سبيل النجاح والسعادة ولذلك حرمته الشريعة ( كتاباً وسنة ) وعضدهما العقل واجماع المسلمين.
    فلا تقف على صاحب مروأة يكذب في قوله أو خدن شرف يمين في حديثه أو أخي بصيرة يفتعل في قضيته أو رب حجي يتقول فيها يقول استقباحاً منهم لتلك الشنعة المذهبة للاعتبار المزيحة لماء الوجه المسقطة لمنصة الاعتماد واقبح مصاديق الفرية والافتعال إذا كان على لسان صاحب الشريعة او من يحذو حذوه من خلفاء المعصومين عليه السلام فان فيه علاوة على القبح الذاتي ادخال ما ليس من الشريعة فيها وهذا هو التشريع المحرم والبدعة التي لا تقال عثرتها ان تعلق الكذب بحكم من احكام الشريعة.


(72)
    وان كان الكذب في ثناء رجل لا يستحقه ففيه اغراء بالجهل وان كان في نسبة الفاحشة الى مؤمن فذلك ايذاء وهتك الستر.
    واشد افراد الكذب اذا كان وقيعة في الذرية الطاهرة آل الرسول صلى الله عليه وآله الذين شاء لهم المولى سبحانه حسن السمعة وشرف المخبر وهو اجر الرسالة الذي صدر الأمر به « قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى » (1) فإنه عام لسائر أفراد الذرية تكريماً لصاحب الدعوة الإلهية وتمريناً للملأ الديني على البخوع لعامة بنيه وردعاً للأغرار منهم عما لا يليق بساحة سلفهم وشرفهم الوضاح.
    وقد عرفت الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله في إكرام اولاده : الصالح لله والطالح له وان الولد العاق يلحق بالنسب كما عرفت ان السياسة القاسية في العهد الأموي والعباسي استهوت رجالاً جرهم الطمع الى استنزاف ما في ايدي القوم من الثراء المتدفق فدسوا في الأحاديث خزايات تندى منها جبهة الانسانية قصدوا بها الحط من مقام البيت العلوي عن مستوى الفضيلة فانطلت تلكم المخازي على الأجيال المتأخرة فحسبوها مروية عن صاحب الرسالة وعن عظماء الصحابة أو انها من القضايا والحوادث التي لها نصيب من مستوى الحقيقة.
    ومن هنا وضع العلماء علم الرجال ليتميز أولئك الدساسين من غيرهم وان محاورة الحتات بن يزيد أبو منازل مع معاوية تفيدنا فقهاً بما عليه ابن هند من بذل الأموال لمقاصده وغاياته ضد أهل البيت فانه وفد مع الأحنف وجارية بن قدامة على معاوية فأعطى معاوية كلا من الأحنف وجارية مائة الف واعطى الحتات سبعين الفا فعتب عليه حيث أنقصه عن صحبه فقال معاوية إني اشتريت
1 ـ سورة الشورى آية : 23.

(73)
منهم دينهم ووكلت الى رأيك في عثمان فقال الحتات فاشتر مني ديني مثلهم فأتم له الجائزة (1).
    وسمع الأحنف رجلاً يقول لمعاوية لو لم تول يزيد أمور المسلمين لأضعتها فعتب عليه فقال الرجل إني أعلم ان شر من خلق الله هذا وابنه ولكنهم استوثقوا من هذه الأموال بالأقفال (2).
    وعلى هذا فهل ترى هؤلاء الى أمثالهم يتورعون عن موافقة الخلفاء بافتعال احاديث وقضايا توافق رغباتهم وهل يمكن للكاتب الركون اليهم في نقل الحقائق وقد عرفت حديث ( مقاتل ) الذي ملئت الطوامير بمروياته مع المنصور فانه قال له : إذا شئت وضعت أحاديث في فضل العباس ولك (3).
    إني لا استغرب من هؤلاء الرواة المتروكة أقوالهم بنص علماء الرجال إذا تحدثوا بما سولت لهم نفوسهم مما دب ودرج وإنما الغريب من مؤرخ يزعم انه يتحرى الحقائق ثم يستند الى المتفكهين بقذف المسلمين المحبين لاشاعة الفاحشة.
    ولم يغب عنه ما في تدوين هذه المفتريات من الخروج على قدس الكتاب المجيد المانع من هتك ستر المؤمن ونسبة القبيح اليه وكيف يغيب عنه وكل مسلم يقرء نهاره وليله قوله تعالى : « ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وانتم لا تعلمون ». (4)
1 ـ الطبري ج 6 ، ص 135.
2 ـ ابن خلكان بترجمة الاحنف.
3 ـ تاريخ بغداد ج 13 ، ص 167.
4 ـ سورة النور / 19.


(74)
    والسر فيه ان كشف العوار يوقع النفرة بين الناس ويؤل الى التباغض ويفت في عضد الاجتماع ويفك عرى الوئام واختلال النظام ولهذا حرم سبحانه وتعالى ( الغيبة ) التي هي ذكر الشخص بما يكره و ( النميمة ) وهي السعاية بين الاثنين بنقل قول السوء من كل منهما للآخر وهكذا ما يجري مجراهما من المحرمات المنافية لحمرة المؤمنين الملقحة للعداوة بينهم المقلقة للسلام.
    وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله : لو تكاشفتم لما تدافنتم (1) فان النكتة فيه ان كشف السرائر وإيقاف الناس عليها يوجب النفرة والمباينة والاستثقال حتى من دفنه وتشييعه ولو يشاهده عرضة للكلاب.
    فاشاعة الفاحشة كما يستوجب تلك الامور ايضاً يضاد الارادة الالهية المستتبعة لرأفة المولى تعالى ولطفه وكراهته للفتن والشرور ونشوب الأحن فالمرتكب لها محارب لله تعالى غادر لحقوق الناس بتلك المغباب الوخيمة وللتحفظ عن هذه الشائنة لم يكتف المولى سبحانه بالوعيد الأخروي حتى اضاف اليه العقاب الدنيوي وهو الحد ان كان قذفاً بالزنا واللواط والسحق والتعزير إن كانت الفاحشة المذاعة في الناس قذفاً بغير ذلك فقال تعالى : « لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة » ثم نبه جل شأنه على شيء دقيق فقال « الله يعلم » ما تكنه الضمائر من المحبة لاشاعة الفاحشة وإظهار ما يريد الله ستره ( وانتم لا تعلمون ) ما يترتب على ذلك من الخطر والفساد.
    فالنهي عن إشاعة الفاحشة كما يتوجه الى الرواة يشمل من يدون أقوالهم من دون تثبت في النقل فيرسلها في كتابة لأغراض
1 ـ تهذيب كامل المبرد ج 1 ـ ص 54 وعيون اخبار الرضا للصدوق ص 216 والاماني للصدوق ص 267 مجلس 68.

(75)
دنيوية وشهوات نفسانية وهذا جهل وطغيان فان المولى الجليل القابض عل أزمة العباد القادر على الانتقام منهم عند التمرد على قدسه ومخالفة أمره ونهيه يصفح عنهم ويتلطف عليهم بفيض بره وإحسانه ويخصهم بالخير كله ويثيبهم بالثواب الجزيل تجاه عمل ضئيل ويصفح عن المآثم الكبيرة طيلة عمر العبد إن صدرت ( التوبة ) من صميم الخاطر والندم على ما فرط في جنب الله تعالى والعزم على أن لا يعود الى مثله اللهم إلا أن يغتصب العبد حقوق الناس فالتوبة عنه أما بارضائهم أو أرجاعها اليهم وفي الحديث لو علم الله تعالى أن عبدا ينيب اليه اخر الدهر لمد في عمره الى ذلك الوقت (1).
    وإن تعجب فعجب ان العبد يعصيه وهو في قبضته وفي مستوى قدرته يعيش ويمرح ويسرف ويقترف الآثام لكنه سبحانه يفيض عليه نعمه ظاهرة وباطنة لعله يؤوب الى السعادة ويتوب عما اجترحه من السيئات ولو كانت حالة العبد هذه مع أبيه العطوف عليه وأمه الحنون لرفضوه.
    فكما أنه جل شأنه يحب للمؤمن النعيم الخالد عطاء غير مجذوذ أيضاً يود له بقاء الحرمة بين الناس وإسدال الستر على عثراته وهذا هو الجميل في لسان المعصوم ( يا من أظهر الجميل وستر القبيح ).
1 ـ شرح الصحيفة للسيد علي خان ص 346 روضة 37.
السيدة سكينة ابنة الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام ::: فهرس