الوضوء على ضوء الكتاب والسنّة ::: 76 ـ 90
(76)
أتى عثمان المقاعد فدعا بوضوء فتمضمض واستنشق ، ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاثاً ثلاثاً و مسح برأسه ورجليه ثلاثاً ثلاثاً. ثم قال : رأيت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هكذا توضّأ ، يا هؤلاء أكذلك ؟ قالوا : نعم ، لنفر من أصحاب رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنده (1).
    هذا الحديث صريح في أنّ عثمان بن عفان خليفة زمانه توضّأ ومسح رأسه ورجليه ، وذكر أنّه رأى النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) توضّأ كما توضأ هو ، أي مسح رأسه ورجليه ، وحيث إنّ الناس في عصره كانوا مختلفين في الوضوء ، وفي حكم الرجلين ، أراد عثمان بفعله وقوله أن يعرّف الناس أنّ مسح الرجلين في الوضوء جائز ، أو لازم ، لأنّ النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) مسح رجليه في الوضوء وحيث كان خائفاً من تكذيب الناس له في فعله وقوله ، استشهد بالصحابة الذين كانوا حاضرين عنده ، وكانوا يشاركونه في ما ادّعاه من أنّ النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يفعله في وضوئه ، فقالوا بأجمعهم : نعم ، فصدّقوه فيما نسبه إلى النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) من مسح الرجلين أو في جميع أفعال الوضوء ومنها مسح الرجلين.
    2 ـ عن سنن ابن أبي شيبة ، عن حمران ، قال : دعا عثمـان بماء فتوضّأ ثم ضحك ، ثم قال : ألا تسألوني ممّ أضحك ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ما أضحكك ؟ قال : رأيت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) توضّأ كما توضأت ، فتمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه (2).
    3 ـ في مسند عبد اللّه بن زيد المازني انّ النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) توضأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين ومسح رأسه ورجليه مرتين (3).
1. مسند أحمد بن حنبل : 1/109 ، الحديث 489.
2. كنز العمال : 9/436 ، الحديث 26863.
3. كنز العمال : 9/451 ، الحديث 26922.


(77)
    4 ـ عن أبي مطر قال : بينما نحن جلوس مع علي في المسجد ، جاء رجل إلى علي وقال : أرني وضوء رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ، فدعا قنبر ، فقال : ائتني بكوز من ماء فغسل يديه ووجهه ثلاثاً ، فأدخل بعض أصابعه في فيه واستنشق ثلاثاً ، وغسل ذراعيه ثلاثاً ومسح رأسه واحدة ( ثم قال : يعني الاذنين خارجهما وباطنهما من الوجه ) ورجليه إلى الكعبين ، ولحيته تهطل على صدره ، ثم حسا حسوة بعد الوضوء ، ثم قال : أين السائل عن وضوء رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) كذا كان وضوء رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) (1).
    5 ـ مسند تميم بن زيد المازني ، عن عباد بن تميم ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) توضّأ ومسح بالماء على لحيته ورجليه ( قال في الإصابة رجاله ثقات ) (2).
    6 ـ حدّثنــا عبد اللّه ، حدثني أبي حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) قال : كنت أرى أنّ باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يمسح ظاهرهما (3).
    7 ـ همام ، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة قال : حدثنا علي بن يحيى ابن خلاد ، عن أبيه ، عن عمه وهو رفاعة بن رافع انّه سمع رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : إنّه لا يجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره اللّه عزّ وجلّ ، ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين (4).
1. كنز العمال : 9/448 ، الحديث 26908.
2. كنز العمال : 9/429 ، الحديث 26822 ، كذا نقله المتقي الهندي وفي الحديث اجمال ولعلّه نفس الحديث الثالث.
3. مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ، الحديث 739 ـ 919.
4. ابن ماجة : السنن : ج 1 ، الحديث 460. النسائي : السنن : 2/226 ، باب الرخصة في ترك الذكر في السجود.


(78)
    8 ـ ما روى عن عبد اللّه بن عمرو في الصحيحين ، قال : تخلّف عنّا رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) في سفرة سافرناها ، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : « ويل للأعقاب من النار » مرتين أو ثلاثاً (1).
    والعجب أنّ القائلين بالغسل يستدلّون بهذه الرواية عليه ، مع انّها على تعيّـن المسح أولى بالدلالة ، فإنّها صريحة في أنّ الصحابة يومذاك كانوا يمسحون ، ومن المستحيل جداً أن يخفى عليهم حكم الأرجل ، مع أنّ الوضوء كان مسألة ابتلائية لهم كل يوم ، فهل يصح أن يجهلوا حكم مثل هذا ؟!
    وأمّا إنكار النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فهو لم ينكر المسح ، بل أقرّهم عليه ، وإِنّما أنكر عليهم قذارة أعقابهم ، ولا غرو فإنّ فيهم أَعراباً حفاة جهلة بوّالين على أعقابهم ، ولا سيما في السفر فتوعّدهم بالنار لئلاّ يَدْخُلُوا في الصلاة بتلك الأعقاب المتنجسة.
    وبذلك يعلم أنّ ما أطنب به ابن جرير الطبري لا طائل تحته حيث قال : الدليل على ذلك ( الغسل ) تضافر الأخبار عن رسول اللّه انّه قال : « ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار » ولو كان مسح (2) بعض القدم مجزياً عن عمومها بذلك لما كان لها الويل بترك ما ترك مسحه منها بالماء بعد أن مسح بعضها لأنَّ من أدّى فرضاً للّه عليه فيما لزمه غسله منها لم يستحقّ الويل ، بل يجب أن يكون له الثواب الجزيل ، فوجوب الويل لتارك غسل عقبه في وضوئه أوضح الدليل على وجوب فرض العموم بمسح جميع القدم بالماء وصحّة ما خالفه (3).
    يلاحظ عليه : أنّ تفسير المسح فيها بغسل بعض القدم تصرف فيها بلا دليل والظاهر انّ المراد انّهم كانوا يمسحون عليها بنداوة الأكف.
1. صحيح البخاري : 1/23 ، كتاب العلم ، باب من رفع صوته بالعلم ، الحديث الأوّل.
2. يريد من المسح : غسل بعض القدم ، وهو تصرف في الرواية.
3. لاحظ المنار : 6/230 نقلاً عن ابن جرير.


(79)
    وقد عرفت أنّ إنكار النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) عليهم لأجل قذارة أعقابهم و نجاستها فكانوا يتوضؤن مع وجود تلك القذارة ، فنهاهم النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) عن الوضوء وهم على هذه الحال.
    مضافاً إلى أنّ بعض الروايات السابقة تفسّـر إسباغ الوضوء بأُمور منها المسح على الرأس والرجلين.
    روى رفاعة بن رافع أنّه كان جالساً عند النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فقال : إنّها لا تتمّ صلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره اللّه تعالى ، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين.
    9 ـ أخرج أحمد بن حنبل بسنده عن أبي مالك الأشعري أنّه قال لقومه : اجتمعوا أصلّـي بكم صلاة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فلما اجتمعوا قال : هل فيكم أحد غيركم ؟ قالوا : لا ، إلاّ ابن أُخت لنا ، قال : ابن أُخت القوم منهم ، فدعا بجفنة فيها ماء ، فتوضّأ ومضمض واستنشق ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وذراعيه ثلاثاً ، ومسح برأسه وظهر قدميه ، ثم صلّـى بهم ، فكبّـر بهم اثنتين وعشرين تكبيرة (1).
    10 ـ حدثنا عبد اللّه ، قال : حدثني أبي ، قال : قرأت على عبد الرحمن ، عن عبد اللّه بن زيد المازني ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن يزيد بن عبد الرحمن المقوي ، قال : حدثنا سعيد ـ يعني : ابن أيوب ـ قال : حدثني أبو الأسود عن عباد بن تميم المازني عن أبيه أنّه قال : رأيت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يتوضّأ ويمسح الماء على رجليه (2).
    11 ـ قال المتقي : حدثنا هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، عن أبيه قال : أخبرني
1. مسند أحمد بن حنبل : 5/342 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/280 برقم 3412 ، والرواية تعرب عن وجود الخوف في اظهار الحقيقة وكأنّ من يغسل رجليه ، فإِنّما يغسل تقية ومدارة وخوفاً من السلطة وغيرها.
2. مسند ابن ماجة : 1/الحديث 460. والمراد الماء الموجود في الكفّ.


(80)
أوس بن أبي أوس الثقفي أنّه رأى النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) أتى كظامة قوم بالطائف ، فتوضأ ومسح على قدميه (1).
    12 ـ قال القرطبي : روى النسائي والدارقطني وعلي بن عبد العزيز عن رفاعة بن رافع قال : كنت جالساً عند رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) إذ جاءه رجل فدخل المسجد فصلّـى ، فلمّـا قضى الصلاة جاء فسلم على رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى القوم ، فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : ارجع فصلِّ فإنّك لم تصل ، وجعل الرجل يصلّـي ، وجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعيب منها ، فلمّـا جاء فسلّم على النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وعلى القوم قال له النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : وعليك ارجع فصلِّ ، فإنّك لم تصل.
    قال همام : فلا ندري أمره بذلك مرتين أو ثلاثاً ، فقال له الرجل : ما أدري ما عبت من صلاتي ؟! فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : إنّه لا تتمّ صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره اللّه ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ، ثم يكبّـر اللّه تعالى ويثني عليه ، ثم يقرأ أمّ القرآن وما أذن له فيه ويسر ، ثم يكبّـر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله ، ويسترخي ثم يقول : سمع اللّه لمن حمده ، ويستوي قائماً حتى يقيم صلبه ، ويأخذ كل عظم مأخذه ، ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه ، قال همام : وربّما قال جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ، ثم يكبر فيستوي قاعداً على مقعده ويقيم صلبه ، فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ ، ثم قال : لا تقم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك (2).
1. تفسير الطبري : 6/86 ، المعجم الكبير : 1/221 برقم 603.
2. المستدرك للحاكم : 1/241 ، سنن النسائي : 2/226 باب الرخصة في ترك الذكر في السجود ، الحديث 1 ، الدر المنثور : 3/27.


(81)
    13 ـ أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أنّه قال : ذكر المسح على القدمين عند عمر وسعد وعبد اللّه بن عمر فقال عمر بن الخطاب : سعد أفقه منك. فقال عمر : يا سعد إنّا لا ننكر أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) مسح ـ أي على القدمين ـ ولكن هل مسح منذ أنزلت سورة المائدة ، فإِنّها أحكمت كل شيء ، وكانت آخر سورة من القرآن إلاّ براءة (1).
    14 ـ قال جلال السيوطي ذكر عند قضية بعثة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) حديثاً مفصّلاً نقلاً من سنن البيهقي وكتاب أبي نعيم ، عن عروة بن الزبير أَنّ جبرئيل ( عليه السلام ) لمّا نزل على النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) في أوّل البعثة فتح بالاعجاز عيناً من ماء ، فتوضأ ومحمّد ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ينظر إليه ، فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ومسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ( قال : ) ففعل النبي محمّد ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) كما رأى جبرئيل يفعل (2).
    15 ـ روى عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه أنّ أبا جبير قدم على النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) مع ابنته التي تزوّجها رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فدعا رسول اللّه بوضوء ، فغسل يديه فأنقاهما ، ثم مضمض فاه واستنشق بماء ، ثم غسل وجهه ويديه إلى المرفقين ثلاثاً ثم مسح رأسه ورجليه (3).
    إلى هنا تمّ ما عثرنا عليه من الروايات عن النبي الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) على وجه عابر ، وهي دالة على أنّ الفريضة في الوضوء هي المسح.
1. الدر المنثور : 3/29.
2. الخصائص الكبرى : 1/94 ، السيرة الحلبية : 1/290.
3. أُسد الغابة : 5/156.


(82)
    ب ـ ما حكي عن الصحابة والتابعين حول مسح الأرجل :
    16 ـ حدثنا عبد اللّه ، حدثنا إسحاق ، حدثنا سفيان قال : رأيت علياً ( عليه السّلام ) توضّأ فمسح ظهورهما (1).
    17 ـ روى المتقي الهندي عن مسند أحمد ومصنف البزاز ومسند أبي يعلى وحلية الأولياء لأبي نعيم والكلّ رووه بأسانيدهم عن حمران ، انّه قال : رأيت عثمان دعا بماء غسل فغسل كفيه ثلاثاً ، ومضمض و استنشق ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وذراعيه ثلاثاً ، ومسح برأسه وظهر قدميه (2).
    18 ـ قال ابن جرير : حدثنا علي بن سهل ، حدثنا مؤمل ، حدثنا حماد ، حدثنا عاصم الأحول ، عن أنس قال : نزل القرآن بالمسح والسنّة بالغسل ، وهذا اسناد صحيح (3).
    19 ـ قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا محمد بن قيس الخراساني ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الوضوء غسلتان ومسحتان (4).
    20 ـ قـال ابن جرير : حدثني يعقوب ، قـال : حدثنا ابن عليـة ، قـال عبد اللّه العتكي ، عن عكرمة ، قال : ليس على الرجلين غسل ، إِنّما نزل فيهما
1. مسند أحمد بن حنبل ، الحديث 1018.
2. كنز العمال : 5/106.
3 و 4. الطبري ، جامع البيان في تفسير القرآن : 6/82 ، ابن كثير الدمشقي ، تفسير القرآن العظيم : 2/27. وعلى ضوء ذلك قال العلاّمة بحر العلوم في منظومته الفقهية :
انّ الوضوء غسلتان عندنــا ومسحتان والكتـــاب معنــا

(83)
المسح (1).
    21 ـ قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السّلام ) قال : امسح على رأسك وقدميك (2).
    22 ـ قال ابن جرير : حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية بن داود ، عن الشعبي انّه قال : إنّما هو المسح على الرجلين ألا ترى أنّه ما كان عليه الغسل جعل عليه المسح ، وما كان عليه المسح أهمل (3) يريد ما كان عليه الغسل في الوضوء جعل عليه المسح في التيمم وما كان عليه المسح في الوضوء أهمل في التيمم.
    23 ـ قال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عامر الشعبي انّه قال : أمر أن يمسح في التيمم ما أُمر أن يغسل في الوضوء ، وأُبطل ما أُمر أن يمسح في الوضوء الرأس والرجلان (4).
    24 ـ قال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، قال : أمر أن يمسح بالصعيد في التيمم ما أُمر أن يغسل بالماء ، وأُهمل ما أُمر أن يمسح بالماء (5).
    25 ـ قال ابن جرير : حدثنا أبو بشير الواسطي إسحاق بن شاهين قال : حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن يونس ، قال : حدثني من صحب عكرمة إلى واسط ، قال : فما رأيته غسل رجليه انّما يمسح عليهما حتى خرج منها (6).
    26 ـ قال ابن جرير : حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( يا أيُّها الذِينَ آمنُوا إذا قُمْتُم إلى الصلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكْم وأيْدِيَكُمْ إلى المَراِفِق وامسَحُوا بِرؤوسكُم وأَرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْن ) افتـرض اللّه غسلـتين ومسحتين (7).
1 ـ 7. الطبري : جامع البيان في تفسير القرآن : 6/82 ـ 83.

(84)
    27 ـ قال الحافظ ابن كثير : وقد روي عن طائفة من السلف القول بالمسح ، فروى ابن جرير ، عن حميد قال : قال موسى بن أنس ونحن عنده : يا أبا حمزة إِنّ الحجّاج خطبنا بالأهواز ونحن معه ، فذكر الطهور فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم وأنّه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما ، فقال أنس : صدق اللّه وكذب الحجاج ، قال اللّه تعالى : ( وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ).
    قال : وكان أنس إذا مسح قدميه بلّها.
    قال ابن كثير : اسناده صحيح إليه (1).
    28 ـ قال ابن جرير : حدّثني أبو السائب ، حدثنا : ابن إدريس ، عن داود ابن أبي هند ، عن الشعبي قال : نزل جبرئيل بالمسح ، ثم قال الشعبي : ألا ترى أنّ التيمّم أن يمسح ما كان غسل ، ويلغى ما كان مسحاً (2).
    29 ـ حدثنا ابن أبي زياد ، حدثنا يزيد ، أخبرنا إسماعيل قلت : لعامر ( الشعبي ) إنّ أناساً يقولون : إنّ جبرئيل نزل بغسل الرجلين ، فقال : نزل جبرئيل بالمسح (3).
    30 ـ مسند علي ، عن النزال بن سبرة انّه رأى علياً بال و دعا بماء فتوضأ ، ثم مسح على نعليه وقدميه ، ثم دخل المسجد فخلع نعليه ، ثم صلّـى (4).
1. الطبري : جامع البيان : 6/82 ، القاسمي : محاسن التأويل : 6/111 ، ابن كثير الدمشقي ، تفسير القرآن العظيم : 2/27.
2. ابن كثير الدمشقي : تفسير القرآن العظيم : 2/27 ، الطبري : جامع البيان : 6/82.
3. ابن كثير الدمشقي : تفسير القرآن العظيم : 2/25.
4. كنز العمال : 9/435 ، الحديث 26856.


(85)
    31 ـ في الكنز من سنن سعيد بن منصور ، عن أبي ظبيان ، قال : رأيت علياً وعليه إزار أصفر وخميصة وفي يده عنزة أتى حائط السجن فبال ، ثم تنحّى فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه ، ثم دخل المسجد فخلع نعليه ، ثم صلّـى (1).
    هذا غيض من فيض ، وقليل من كثير ، فمن تفحّص المسانيد والصحاح ومجامع الآثار يقف على أكثر ممّا وقفنا عليه على وجه عابر.

    التجاهل بروايات المسح :
    قد تجاهل ابن كثير ومن تبعه روايات المسح وقال :
    قد خالفت الروافض في ذلك ( غسل الرجلين ) بلا مستند ، بل بجهل وضلالة ، فالآية الكريمة دالّة على وجوب غسل الرجلين مع ما ثبت بالتواتر من فعل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) على وفق ما دلّت عليه الآية الكريمة ، وهم مخالفون لذلك كلّه وليس لهم دليل صحيح في نفس الأمر (2).
    وكأنّه لم يقف على تلك الأحاديث الكثيرة حينما ادّعى التواتر ، أو وقف عليها ولم يتأمّل فيها.
    وقد تبعه الشيخ إسماعيل البروسوي قائلاً : ذهبت الروافض إلى أنّ الواجب في الرجلين المسح ، ورووا في المسح خبراً ضعيفاً شاذّاً (3).
    وكذلك ادّعى الآلوسي تشبّث الشيعة برواية واحدة حيث قال :
1. كنز العمال : 5/126.
2. ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم : 2/518.
3. البروسوي ، تفسير روح البيان : 2/351.


(86)
    ولا حجّة لهم في دعوى المسح إلاّ بما روي عن علي ـ كرم اللّه تعالى وجهه ـ ( انّه مسح وجهه ويديه ، ومسح رأسه ورجليه ، وشرب فضل طهوره قائماً ) (1).
    ولو كان البروسوي والآلوسي معذورين في هذا العزو وأنّه ليس لوجوب المسح أيّ دليل سوى رواية شاذّة ، فليس هناك عذر لمن وقف على هذه الروايات الكثيرة التي تتجاوز الثلاثين ، فلو لم نقل بأنّ المسح نقل بالتواتر فلابد أن نقول إنّه مستفيض.
    أضف إلى ذلك أنّ الكتاب يدعمه ، فلا سبيل لنا إلاّ الأخذ بما يوافق الكتاب ، وتأويل المخالف أي ما دلّ على الغسل بوجه وسيوافيك إن شاء اللّه.
( اِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرينَ )
( البقرة ـ 222 )

1. الآلوسي ، روح المعاني : 6/87.

(87)
    الفصل الخامس :
أسماء أعلام الصحابة والتابعين
القائلين بالمسح
    قد تعرّفت على الروايات الدالّة على لزوم المسح في الوضوء ، وقد رواها أعلام الصحابة والتابعين ونقلها أصحاب الصحاح والمسانيد.
    ولأجل إيقاف القارئ على أسمائهم وشيء من مكانتهم في النقل نذكر أسماءهم مع الإيعاز إلى ترجمتهم على وجه الإيجاز مرفقةً برقم حديثهم. ليقف القارئ على أنّ القائلين به هم جبهة الصحابة والتابعين وسنام الثقات :
    1 ـ الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) وانّه ( عليه السّلام ) قال : لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما ، لكن رأيت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مسح ظاهرهما. ( انظر الحديث 6 ).
    2 ـ الإمام الباقر ( عليه السّلام ) محمد بن علي بن الحسين الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام ، روى عن أبيه ، وكان سيد بني هاشم في زمانه ، اشتهر بالباقر من قولهم : بقر العلم ، يعني : شقّه ، فعَلِمَ أصله وخفيه (1). ( انظر
1. تذكرة الحفاظ : 1/124 ، تهذيب التهذيب : 9/350 ، حلية الأولياء : 3/180 ، شذرات الذهب : 1/149 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : 1/149.

(88)
الحديث 21 ).
    3 ـ بسر بن سعيد ، الإمام القدوة المدني ، مولى بني الحضرمي ، حدّث عن عثمان بن عفان ، وثّقه : يحيى بن معين والنسائي ، قال محمد بن سعد : كان من العباد المنقطعين والزهاد ، كثير الحديث (1). ( انظر الحديث 1 ).
    4 ـ حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان : يروي عنه ( انظر الحديث 2 ) وكان من أهل الوجاهة ذكره ابن حبان في الثقات (2).
    5 ـ عثمان بن عفان ، وقد تقدم في الحديث ( 1 و 2 ) انّه كان يتوضأ ويمسح على رجليه ويقول : هذا وضوء رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).
    6 ـ أبو مطر ذكره ابن حبان في الثقات ، روى عنه الحجاج بن أرطأة (3). ( انظر الحديث 4 ).
    7 ـ عبد اللّه بن زيد المازني صاحب حديث الوضوء عن فضلاء الصحابة يعرف بابن أُم عمارة (4). ذكره ابن حبان في الثقات (5). ( انظر الحديث 3 ).
    8 ـ النزال بن سبرة الهلالي الكوفي ، روى عن النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وعلي ( عليه السّلام ) ( انظر الحديث 30 ) وعثمان وأبي بكر وابن مسعود ، وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة من كبار التابعين ، وذكره ابن حبان في الثقات (6).
1. الذهبي : سير أعلام النبلاء : 4/594.
2. ابن حبان : الثقات : 4/179.
3. الثقات : 7/664.
4. سير أعلام النبلاء : 2/377.
5. الثقات : 3/223.
6. تهذيب التهذيب : 10/423؛ البخاري : التاريخ الكبير : 8/117.


(89)
    9 ـ عبد خير بن يزيد ، قال العجلي : كوفي تابعي ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات التابعين و جزم بصحبته عبد الصمد بن سعيد الحمصي في كتاب الصحابة (1). ( انظر الحديث 6 ).
    10 ـ عباد بن تميم بن غزية الأنصاري الخزرجي المازني : روى عن أبيه وعن عمه عبد اللّه بن زيد وعن عومير بن أشقر ، وثّقه : العجلي والنسائي وغيرهما ، وحديثه في الصحيحين ( البخاري ومسلم ) (2) وذكره ابن حبان في الثقات (3). ( انظر الحديث 5 ، 10 ).
    11 ـ عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وكان يسمّى البحر لسعة علمه ، و يسمّى حبر الأُمّة. وقال عبد اللّه بن عتبة : كان ابن عباس قد فاق الناس بخصال : بعلم ما سبقه ، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه ، وقال : ما رأيت أحداً كان أعلم بما سبقه من حديث رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) منه ، ولا أفقه في رأي عنه ، ولا أعلم بتفسير القرآن منه (4). ( انظر الحديث 31 ، 91 ).
    12 ـ أوس بن أبي أوس الثقفي : روى له أصحاب السنن الأربعة ، أحاديث صحيحة من رواية الشاميين عنه (5). ( انظر الحديث 11 ).
    13 ـ الشعبي : عامر بن شراحيل بن عبد ، هو الإمام الحافظ الفقيه المتقي استاذ أبي حنيفة و شيخه. قال أحمد بن حنبل ، والعجلي : مرسل الشعبي صحيح ، لأنّه لا يكاد يرسل إلاّ صحيحاً. و قال ابن عيينة : العلماء ثلاثة : ابن عباس في
1. تهذيب التهذيب : 6/124.
2. الاصابة : 4/23.
3. الثقات : 5/141.
4. أُسد الغابة : 3/192 ـ 195.
5. الاصابة : 1/92.


(90)
زمانه ، والشعبي في زمانه ، والثوري في زمانه (1). ( انظر الحديث 22 ، 32 ، 42 ، 82 ).
    14 ـ عكرمة : أبو عبد اللّه المدني مولى ابن عباس ، ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن ، وكان جابر بن زيد يقول : عكرمة من أعلم الناس ، روى له أصحاب السنن الأربعة أحاديث صحيحة (2). ( انظر الحديث 25 ، 20 ).
    15 ـ رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان أبو معاذ الزرقي ، شهد بدراً. وروى عن النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) مات في أوّل خلافة معاوية (3). ذكره ابن حبان في الثقات (4). ( انظر الحديث 7 ، 21 ).
    16 ـ عروة بن الزبير بن العوام القرشي أخو عبد اللّه بن الزبير ، فقيه عالم ، وكان من أفاضل أهل المدينة وعلمائهم ، ذكره ابن حبان في الثقات (5). ( انظر الحديث 14 ).
    17 ـ قتادة بن دعامة الحافظ العلامة أبو الخطاب السدوسي البصري الضرير الأكمه المفسر. قال أحمد بن حنبل : قتادة عالم بالتفسير وباختلاف العلماء ، ووصفه بالحفظ ـ وأطنب في ذكره ـ وكان أحفظ أهل البصرة ، مات بواسط
1. تذكرة الحفّاظ : 1/79 ، تهذيب التهذيب : 5/65 ، حلية الأولياء للاصبهاني : 4/310 ، شذرات الذهب : 1/126 ، طبقات الحفاظ : 43.
2. تهذيب التهذيب : 7/293 ، تذكرة الحفاظ : 1/95 ، تهذيب الأسماء : 1/340.
3. تهذيب التهذيب : 3/281.
4. الثقات : 4/240.
5. الثقات : 5/194 ـ 195 ، تذكرة الحفّاظ : 1/92 ، تهذيب التهذيب : 7/180.
الوضوء على ضوء الكتاب والسنّة ::: فهرس