دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: 16 ـ 30
(16)
حصول ملك ـ كما في البيع ـ ، أو منفعة ـ كما في الإجارة والعارية ـ أو انتفاع ـ كما في التحليل ـ ، فإذا شكّ في اللزوم والجواز فمرجعه إلى الشكّ في أنّه لو فسخ هذا السبب ، هل يبطل ذلك المسبب ، الثابت أو لا بل هو باق على حاله ؟ ولا شكّ انّ قضية الاستصحاب عدم زوال الأثر من ملك أو نحوه إلا بمزيل شرعي وهو معنى اللزوم ، فالأصل يقتضي بقاء الأثر إلا أن يثبت دليل قطعي على رفعه. (1)
    الثالث : انّ حكم الفقهاء بانّ الأصل في العقود اللزوم مأخوذ من مفهوم العقد ومعناه اللغوي ، فانّ العقد هو العهد أو العهد المشدّد ، وهو كناية عن لزوم الوفاء وعدم قبوله للانثلام كالبيعة فهي عهد مشدد بين المبايع والمبايع له على وجه يثق الإنسان بعدم نقضها والوفاء بمضمونها.
    وعلى ضوء ذلك ، فعقد البيع والنكاح والضمان والوقف من مقولة العقد المشدّد الّذي طبعها اللزوم والاستحكام.
    ويؤيد ذلك انّ الغاية المنشودة من العقود غالباً لا تحصل إلا بلزومها ، مثلاً : انّ الغاية من البيع تمكّن كلّ من المتعاقدين من التصرّف فيما صار إليه ، وإنّما يتمّ ذلك باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه. (2)
    واستعمالها في العقود الجائزة من باب الاستعارة.
    وعلى ذلك تجب دراسة حال كلّ عقد بخصوصه وانّ الغاية المطلوبة منه هل تحصل مطلقاً أو تحصل في صورة اللزوم فقط ؟! فيحكم عليه باللزوم ، ولا يمكن الحكم على عامّة العقود مرّة واحدة بل لابدّ من ملاحظة كلّ برأسه.
    و لعلّ ذلك أوضح الطرق ، مثلاً نقول : إنّ لكلّ عقد في نظر العقلاء طبعاً
1. العناوين : الجزء 2 ، العنوان 29.
2. التذكرة : 10/5.


(17)
خاصاً. فطبيعة العارية خصوصاً فيما إذا لم تحدد بوقت ، هي الجواز ، لأنّ المعير لم يقطع علاقته بماله وإنّما دفعه إلى المستعير ليقضي به حاجته ثمّ يردّها إلى صاحبها.
    بخلاف طبيعة الوقف ، فإنّها عبارة عن قطع المالك علقتَه عن الموقوف وإدخاله في سلطة الموقوف عليهم.
    ومثله البيع ، فإنّ غرض كلّ من المتعاقدين هو التصرّف فيما صار إليه تصرّفاً مأموناً من نقض صاحبه عليه.
    وبعبارة أُخرى : انّ كلاً من البائع والمشتري إنّما يقدم على البيع لأن يقضي به حاجته التي لا تقضى إلا أن يكون كلّ مالكاً للثمن أو المثمن على وجه تنقطع به سلطنة البائع أو المشتري ، فالمشتري يريد أن يشتري بيتاً ويسكن فيه وتحصل له الطمأنينة من أزمة المسكن بحيث لا يكون للبائع سلطة الفسخ أو يريد أن يجعله صداقاً لزوجته أو غير ذلك من الأُمور التي تقتضي بطبعها كون البيع عقداً لازماً.
    ومنه تظهر الحال في النكاح والضمان ، فإنّ الأغراض الداعية إلى إنشائهما لا تحصل إلا باللزوم.
    نعم ، الأصل بهذا المعنى ( الثالث ) لا يفيد إلا في الشبهات الحكمية كالشكّ في لزوم الجعالة وعدمه ، لا في الشبهات الموضوعية التي ربّما يتردّد العقد بين عقدين : أحدها لازم كالصلح والآخر جائز كالوديعة ، فلا يجري فيها ذلك الأصل ، بل لابدّ فيها من الرجوع إلى قواعد أُخرى.
    وبالجملة دراسة طبائع العقود وخصائصها ونتائجها عند العرف كاف في الحكم عليه باللزوم مطلقاً أو الجواز كذلك.
    الرابع : مقتضى الأدلّة الاجتهادية من العمومات والإطلاقات ، وهذا هو


(18)
الظاهر من الشيخ الأنصاري في كتابي البيع والخيارات (1) حيث استدلّ على القاعدة بالآيات والروايات وأثبت بها أنّ الأصل في العقود والبيع خصوصاً هو اللزوم ، نقتصر ممّا ذكره من الأدلة الاجتهادية بدليلين : أحدهما يثبت كون الأصل في مطلق العقود اللزوم ، والآخر يثبت كونه في خصوص البيع اللزوم.
    الدليل الأوّل : آية الوفاء بالعقود
    قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا أَوفُوا بالعُقُودِ أُحلّت لَكُمْ بَهيمَةُ الأَنعام ). (2)
    وجه الدلالة : انّ المراد بوجوب الوفاء ، العمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب الدلالة اللفظية ، مثلاً دلّت الآية المباركة على أنّ كلّ عقد يجب الوفاء به ، والمراد بالوفاء به ، العمل بمقتضاه ، ومقتضى العقد إمّا تمليك أو نحوه ، ومقتضى لزوم الوفاء ، البقاء على هذا الأثر ، وإبقاؤه وجوباً فلا رخصة في إبطاله ، وهذا هو المقصود من اللزوم. (3)
    فإن قلت : تدلّ الآية على أنّه يجب العمل على وفق العقد ، فلو كان العقد لازماً يجب العمل على وفقه ، وإن كان جائزاً فكذلك ، وهذا مثل ما يقال : يجب العمل بالأحكام الشرعية التي تشمل الواجب والمستحب والمباح ، وبالجملة : المراد لزوم العمل بمقتضاه إن جائزاً فجائز وإن لازماً فلازم ، وعندئذ لا تدلّ الآية على ما هو المطلوب من أنّ الأصل في العقود اللزوم.
    قلت : قد أجاب الشيخ الأعظم عن الإشكال ما هذا خلاصته : اللزوم
1. المتاجر ، قسم البيع; ص 85 ، والخيارات ، ص 214 ـ 215.
2. المائدة : 1.
3. العناوين : الجزء 2 ، العنوان 39.


(19)
والجواز من الأحكام الشرعية للعقد وليسا من مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع ، فالذي يجب الوفاء به ، ما هو مقتضاه حسب الدلالة اللفظية ، وما يدلّ عليه العقد بهذه الدلالة ـ من البيع مثلاً ـ هو مالكية المشتري للمثمن فيجب الوفاء بها والاحترام لها ، وأمّا الوجوب والجواز ، فخارجان عن مفاد العقد ، فيخرج عن إطار وجوب الوفاء طبعاً. (1)
    الدليل الثاني : آية حلية البيع
    قال سبحانه : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّكَما يَقُوم الَّذى يتخبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسّ ذلك بأَنّهمْ قالُوا إِنّما البيعُ مِثْل الرِّبا وَ أحلّ اللّهُ البيعَ وحَرّمَ الرّبا ). (2)
    استدلّ الشيخ الأعظم بالآية المباركة بأنّ الأصل في البيع اللزوم قائلاً بأنّ حلّية البيع ـ التي لا يرادب ها إلا حلّية جميع التصرّفات المترتبة عليه التي منها ما يقع بعد فسخ أحد المتبايعين بغير رضا الآخر ـ مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ وكونه لغواً غير مؤثر. (3)
    انقسام الخيار إلى قسمين
    ثمّ إنّ الخيار على قسمين :
    1. ما لايختصّ بالبيع ويعمّ سائر العقود.
1. المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 215.
2. البقرة : 275.
3. المتاجر ، كتاب الخيارات ، ص 215.


(20)
    2. ما يختصّ به ولا يعمّ غيره كخيار المجلس.
    فلنقدّم الأوّل على الثاني كما هو مقتضى طبع البحث.
التحقيق
    بيّن كيفية دلالة الأدلّة التالية على انّ الأصل في العقود ، اللزوم.
    قوله سبحانه : ( وَلا تَأكُلُوا أَمْوالكُمْ بَيْنكُمْ بِالبَاطِل ).
    قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « الناس مسلّطون على أموالهم ».
    قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « المؤمنون عند شروطهم ».
    لاحظ : كتاب الخيارات من متاجر الشيخ ، ص 215 ـ طبعة تبريز وتعليقة السيد الطباطبائي على خيارات المتاجر ، ص 4.


(21)
    المقصد الأوّل
في الخيارات العامّة : ما لا يختصّ بالبيع
    وفيه فصول :
    الفصل الأوّل : في خيار الشرط
    الفصل الثاني : خيار تخلّف الشرط
    الفصل الثالث : خيار الغبن
    الفصل الرابع : خيار العيب
    الفصل الخامس : خيار تبعّض الصفقة
    الفصل السادس : خيار الرؤية


(22)

(23)
    الفصل الأوّل
خيار الشرط
    خيار الشرط هو الخيار الثابت بسبب اشتراطه في العقد ، مثلاً إذا اشترط المتعاقدان أو أحدهما في العقد أن يكون لهما فيه الخيار ما شاءا من الزمان ثلاثاً أو شهراً أو أكثر ، فيسمّى هذا النوع من الخيار بخيار الشرط ( والأولى أن يسمّى شرط الخيار ) ، فينعقد العقد ويكون لهما خيار في تلك المدّة إلا أن يسقطاه.
    والفرق بين هذا الخيار وخيار المجلس أو الحيوان ، هو انّ الخيار في الثاني أثر نفس العقد شرعاً بخلاف المقام ، فإنّ الخيار فُرض على العقد من جانب المتبايعين أو أحدهما.
    ويدلّ على صحّة هذا الشرط الأُمور التالية :
    1. سيرة العقلاء
    أطبق العقلاء على هذا النوع من الشرط في معاملاتهم مع عدم ردع من الشارع ، وهذا كاف في إثبات الصحّة من غير فرق بين أن تكون المدّة قليلة أو كثيرة ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : لا تتجاوز المدّة عن ثلاث ، وعند مالك ما تدعو الحاجة إليه. (1)
1. الخلاف : 3 ، كتاب البيوع ، المسألة 7.

(24)
    2. الأخبار العامّة
    دلّت طائفة من الأخبار على صحّة اشتراط كلّ شرط في العقد إلا ما خالف كتاب اللّه وسنّة رسوله ، كقوله : « المسلمون عند شروطهم ، إلا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ وجلّ ». (1) وليس شرط الخيار في مدّة مضبوطة ممّا خالف كتاب اللّه وسنّة رسوله.
    3. الأخبار الخاصّة
    هناك أخبار وردت في صحّة خصوص هذا الخيار.
    أ : ما روي عن عبد اللّه بن سنان بسند معتبر عند المشهور ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) في حديث قال : « وإن كان بينهما شرط أيّاماً معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الوقت فهو من مال البائع ». (2) والمراد من الشرط في الرواية هو شرط الخيار ، وكون التلف في الرواية من مال البائع ومحسوباً عليه لقاعدة خاصة في باب الخيار ستوافيك في موردها. (3)
    ب : ما روي عن السكوني بسند معتبر ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) أنّ أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) قضى في رجل اشترى ثوباً بشرط إلى نصف النهار ، فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : « ليُشهد انّه قد رضيه فاستوجبه ، ثمّ لِيبعْه إن شاء ، فإن أقامه في السوق ولم يبع ، فقد وجب عليه ». (4)
1. الوسائل : 12 ، الباب 6 من أبواب الخيار ، الحديث 2 ؛ ولاحظ سائر أحاديث الباب.
2. الوسائل : 12 ، الباب 8 من أبواب الخيار ، الحديث 2.
3. كلّ مبيع قد تلف في زمن الخيار فهو ممّن لاخيار له ، والمفروض في الرواية انّ المشتري وحده يملك حقّ الخيار دون البائع.
4. الوسائل : 12 ، الباب 12 من أبواب الخيار ، الحديث 1.


(25)
    فإن قلت : إنّ الشرط إنّما يجوز إذا لم يخالف كتاب اللّه وسنّة رسوله وهذا النوع من الشرط يخالف قوله ( أَوفُوا بالعُقُود ) حيث إنّ الخيار بمعنى عدم وجوب الوفاء في المدّة المضروبة ، يخالف مفاد الآية الدالّة على وجوبه.
    كما يخالف السنّة حيث قال : « فإذا افترقا وجب البيع » فانّ جعل الخيار أيّاً ما ، يستلزم عدم لزومه بعد الافتراق وهو يخالف قوله : « فإذا افترقا وجب البيع ».
    قلت : إنّ جعل الشرط ضمن البيع لا يخالف الكتاب ولا السنّة ؛ أمّا الأوّل فلأنّ مفاد قوله : ( أَوفُوا بالعُقُود ) هو وجوب الوفاء بما عقدوا عليه ، والمفروض انّ المعقود عليه ليس هو البيع على وجه الإطلاق بل البيع المقرون بالخيار إلى مدّة معيّنة ، فعندئذ يجب الوفاء بالبيع المقيد لا بالبيع المطلق ، فالقول بجواز البيع إلى مدّة معيّنة ولزومه بعد انقضائها ، هو نفس الوفاء بالعقد.
    وأمّا الثاني فلأنّ مفاد قوله : « ما لم يفترقا » هو انّ الافتراق بما هو هو ما لم يقترن بشيء آخر ملزِم للعقد ، وهذا لا ينافي أن يكون هناك طارئ آخر موجب لبقاء البيع على الجواز ، نظير خيار العيب والغبن خصوصاً على القول بأنّ مبدأ الخيار في العيب هو العقد.

    الخيار المتصّل بالعقد والمنفصل
    يجوز أن يكون زمان الخيار متّصلاً بالعقد أو منفصلاً عنه ; والأوّل كما إذا عقد واشترط الخيار من زمان العقد إلى ثلاثة أيام ، والثاني كما إذا عقد يوم الأربعاء واشترط الخيار في خصوص يوم الجمعة ، والدليل على صحّتهما إطلاق الدليل.
    فإن قلت : إذا افترقا يوم الأربعاء يصير العقد لازماً ، فإذاجاء يوم الجمعة يلزم انقلاب العقد اللازم إلى العقد الجائز.


(26)
    قلت : صيرورة العقد جائزاً بعد لزومه لا يكون مانعاً من صحّة الاشتراط بعد إطلاق الأدلّة خصوصاً بعد وجوده في الخيارات كخيار تأخير الثمن من جانب المشتري حيث يُحدِث خياراً للبائع بعد ثلاثة أيام من زمان العقد.
    و المهمّ في المقام لزوم ضبط المدّة ، فلا يجوز أن يناط بما يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاجّ أو أوان الحصاد أو الدياس.
    ويدلّ عليه لزوم اعتبار العلم بالعوضين في البيع بحيث يكون الجهل بهما أو بأحدهما مانعاً عن الصحّة وشرط الخيار إلى مدّة مجهولة ، يوجب الجهل بالثمن لتردد مدّة الخيار التي هي جزء من الثمن ، بين يوم وعام ، فلا يدرى انّ الثمن هل هو دينار مع خيار يوم أو دينار مع خيار عام ؟ قال الشيخ الأعظم : فلو تراضيا على مدّة مجهولة كقدوم الحاج بطل بلا خلاف بل حكي الإجماع عليه لصيرورة المعاملة بذلك غررية ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات. (1)
    ثمّ إنّه لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدّة المجهولة كقدوم الحاج ، وعدم ذكر المدّة أصلاً كأن يقول : بعتك على أن يكون لي الخيار ، وبين ذكر المدّة المطلقة كأن يقول : بعتك على أن يكون لي الخيار مدّة ؛ لاستواء الكلّ في الجهل على ما قلناه ، إلا أن يكون هناك قرينة عرفية لتعيين المدّة وهو خارج عن موضوع البحث.
    وأمّا مبدأ هذا الخيار فهل هو حين العقد أو حين التفرّق ؟ فيه وجهان :
    ذهب الشيخ الطوسي إلى كون المبدأ هو تفرّق الأبدان. (2)
    وذهب الشيخ الأعظم إلى أنّ المبدأ هو حين العقد ، مستدلاً بأنّه المتبادر من كلام المتبايعين.
1. المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 228.
2. الخلاف : 3 ، كتاب البيوع ، المسألة 44.


(27)
    والذي ينبغي أن يقال : انّه إذا كان هناك تبادر أو قرينة على أحد الأمرين فهو المتّبع وإلاّفإن كان نهاية خيار الشرط محدداً فيصحّ أيضاً ، كما إذا قال : بعتك بشرط أن يكون لي الخيار إلى غروب يوم الجمعة ، فلا يضرّ الجهل بمبدأ الخيار ، لكون المنتهى معلوماً وإلاّفيبطل كما إذا قال : بعتك بأن يكون لي الخيار ثلاثين ساعة ، فانّه إذا جهل المبدأ تسري الجهالة إلى المنتهى.
    ثمّ إنّه كما يصحّ جعل الخيار لأحد المتبايعين يصحّ جعله للأجنبي بأن يبيع الولد ويجعل الخيار لوكيله.

    بيع الخيار
    من أفراد خيار الشرط ، الخيار الذي يضاف إليه البيع ، ويقال له : بيع الخيار أي البيع الذي فيه الخيار ، والمقصود منه في مصطلح الإمامية أن يشترط البائع على المشتري انّ له حقّ استرجاع المبيع بردّ الثمن في مدّة معيّنة.
    قال الشيخ في الخلاف : يجوز عندنا البيع بشرط ، مثل أن يقول : بعتك إلى شهر فإن رددتَ عليّ الثمن وإلا كان المبيع لي ، فإن ردّعليه وجب عليه ردّ الملك ، وإن جازت المدّة ملك بالعقد الأوّل. (1)
    ومن مصالح تشريع هذا النوع من البيع حدّ الناس عن أكل الربا ، حيث إنّه ربّما تمسّ الحاجة إلى المال ولا يتحصّل إلا بالربا.
    ولأجل الاحتراز عنه يبيع داره بثمنه الواقعي أو أقلّ منه كما هو الغالب حتى ينتفع هو بثمنها وينتفع المشتري بالإسكان فيها ، ولكنّه ربما لا يقطع البائع علقته بالمبيع تماماً ، فيشترط على المشتري أنّ له استرجاع المثمن بردّ الثمن في مدّة
1. الخلاف : 3/192 ، كتاب البيوع ، المسألة 22.

(28)
مضبوطة ، وهذا ما يسمّيه أهل السنّة ببيع الوفاء ، والشيعة ببيع الخيار وهو عندنا جائز إجماعاً وغير جائز عندهم كذلك.
    ثمّ إنّ الداعي إلى عنوان هذا القسم من خيار الشرط مستقلاً لوجود الخلاف في صحّة هذا القسم وإلا فهو من أقسام خيار الشرط.

    ويدلّ على صحّة هذا البيع لفيف من الأخبار :
    أ. صحيحة علي بن النعمان (1) عن سعيد بن يسار (2) ، قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : إنّا نخالط أُناساً من أهل السواد وغيرهم ، فنبيعهم ونربح عليهم للعشرة اثني عشر والعشرة ثلاثة عشر ، ونؤخّر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها ، ويكتب لنا الرجل على داره أو على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراءً ، قد باع وقبض الثمن منه فنعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينه أن نردّعليه الشراء ، فإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا ؛ فما ترى في الشراء ؟ فقال : « أرى أنّه لك إن لم يفعل ، وإن جاء بالمال (3) للوقت فردّعليه ».
    والرواية وإن كانت مشتملة على لفظ الوعد لكن المراد منه هو الاشتراط بقرينة الجواب حيث قال : « أرى أنّه لك ».
    ب. موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : حدّثني من سمع أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) وسأله رجل وأنا عنده ، فقال : رجل مسلم احتاج إلى بيع داره ، فجاء إلى أخيه ، فقال : أبيعك داري هذه ، وتكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن
1. الأعلم النخعي ، قال النجاشي : كان علي ثقة ، وجهاً ، ثبتاً ، صحيحاً ، واضح الطريقة. رجال النجاشي : 2/109 برقم 717.
2. الضبعي ، كوفي ثقة ، روى عنه محمد بن أبي حمزة. رجال النجاشي : 1/410 برقم 476.
3. الوسائل : 12 ، الباب 7 من أبواب الخيار ، الحديث 1.


(29)
أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد عليّ ، فقال : « لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه » قلت : فانّها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة ، لمن تكون الغلة ؟
    فقال : « الغلة للمشتري ، ألا ترى انّه لو احترقت لكانت من ماله ». (1)
    ثمّ إنّ مورد الروايات وإن كان اشتراط البائع الفسخ بردّ الثمن ، لكن يجوز للمشتري نفس ذلك الشرط وهو فسخ البيع بردّ المثمن وأخذ الثمن ، لأنّ الشرط على وفاق القاعدة فلا مانع من كلا الشرطين.
    غير انّ مقتضى اشتراط الفسخ من جانب البائع هو ردّالثمن بعينه أو مثله ، لأنّ الغاية من البيع هو التصرّف في الثمن ، وهذه قرينة على أنّ المراد من الثمن هو الأعمّ من العين والمثل.
    وهذا بخلاف ما إذا كان الشرط من جانب المشتري ، فمقتضى الإطلاق ردّ المبيع بعينه ، فلو تلف سقط الخيار لعدم التمكّن من الشرط ، ولا يكفي ردّ البدل ، لانصراف الإطلاق في مورد المبيع إلى ردّنفسه.
    نعم إذا كان المبيع من المنتوجات الصناعية التي لا يتميّز عين المبيع عن مثله كالأواني والألبسة ، فلا يبعد الاكتفاء بردّ البدل عند تلف العين.
    إكمال
    لا شكّ في صحّة شرط الخيار في البيع وما أشبهه من العقود اللازمة كالإجارة والمزارعة والمساقاة ، ولأجل ذلك قلنا : إنّه من الخيارات غير المختصة بالبيع.
1. الوسائل : 12 ، الباب 8 من أبواب الخيار ، الحديث 1.

(30)
التحقيق
    إنّ العقود بالنسبة إلى خيار الشرط على أقسام ثلاثة :
    1. ما لا يدخله اتّفاقاً.
    2. ما يدخله اتّفاقاً.
    3. ما اختلف فيه.
    أُذكر مصاديق هذه الأقسام الثلاثة التي ذكرها الشيخ في كتاب المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 233 طبعة تبريز.
    ثمّ إنّ من أقسام خيار الشرط ، شرط الاستيمار فأوضح لنا ما هو المراد من هذا الشرط المذكور ص 229 من كتاب المتاجر ؟
دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: فهرس