دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: 61 ـ 75
(61)
    الظهور كاشف لا شرط شرعي
    لا شكّ أنّ السبب للخيار هو العيب ، إنّما الكلام في أنّ ظهور العيب هل هو كاشف عقلي عن الخيار في زمان العقد أو شرط شرعي لتأثير السبب ( العيب ) ؟
    ذهب الشيخ الأنصاري إلى الوجه الأوّل ، وهو الأقوى.
    والدليل عليه : أنّ الظهور وما يعادله ، أخذ في الروايات والفتاوى طريقاً إلى العلم بالسبب التام وهو وجود العيب حين العقد ، لا موضوعاً مؤثراً حين الظهور ، وعلى ذلك يثبت الخيار من زمان العقد لا من زمان الظهور.
    هذا إذا كان المصدر للخيار هو الروايات ومعاقد الإجماعات ، وأمّا إذا كان المصدر هو قاعدة « لا ضرر » والتعهد الضمني للصحّة ، فالملاك هو الضرر الواقعي أو التخلّف الواقعي ، وكلاهما موجودان في زمان العقد ، وعلى هذا يترتب على العيب آثاره من أوّل الأمر.
    نعم لو شككنا في أحد الأمرين فمقتضى القاعدة نفي جميع آثار الخيار من الفسخ والسقوط قبل الظهور.

    عمومية الخيار للثمن
    إنّ الثمن والمثمن متّحدان حكماً في باب خيار العيب ، لأنّ قاعدة لا ضرر أو التعهد الضمني كما يجري في المبيع يجري في الأثمان أيضاً ، وهل يجري في سائر المعاوضات من الصلح والإجارة ونحوهما أو لا ؟
    الظاهر هو الأوّل ، لاشتراك الجميع في دليل الخيار.
    و أمّا ذكر المبيع في الروايات فهو من باب المثال ، لغلبة العيب في المبيع ، فلذلك جيء بالمبيع كمثال دون الثمن.


(62)
    يسقط خيار العيب بأُمور :

    الأوّل : إنشاء السقوط قولاً أو فعلاً
    أمّا الأوّل : فربما يكون ظاهراً في سقوط خصوص الردّ دون الأرش ، كما إذا قال : التزمت بالعقد ، فانّ الالتزام به لا ينافي إقرار العقد بالأرش ، وربّما يكون صريحاً فيه ، كما إذا قال : أسقطت الردّ دون الأرش ; وربّما يكون ظاهراً في سقوط كلا الأمرين ، كما إذا قال : أسقطت الخيار ، لما عرفت من أنّ الخيار هو السلطة على إقرار العقد وإزالته ; فإسقاط الخيار يلازم إسقاط آثاره من الردّ والأرش.
    وأمّا الثاني : أي إنشاء السقوط فعلاً ، فهو يتحقّق بالتصرّفات الاعتبارية كالبيع والهبة والعتق والتدبير.
    فإن قلت : التصرّفات الاعتبارية ، لا تنافي بقاء العين على حالها ، فكيف تكون مسقطاً ؟
    قلت : يكفي في سقوط الخيار صدور فعل من المشتري ، يكون مصداقاً لإنشاء الإسقاط فعلاً ، إذا كان عالماً بالعيب ، بل في الجاهل إذا كان محتملاً له ، فالمعيار هو كون الفعل مصداقاً لإنشاء السقوط ، سواء بقيت العين بحالها أم لا.
    وأمّا التصرّف المغيّر للعين ، فهو أمر آخر سيوافيك بيانه.

    الثاني : اشتراط الإسقاط في متن العقد
    وإذا تعاقدا واتّفقا على سقوط خيار العيب في متن العقد ، أو بعد العقد وقبل ظهور العيب ، أو بعد ظهوره ، يسقط الخيار في الجميع ، وقد مرّ تفصيل


(63)
صور هذا النوع من الإسقاط في خيار الغبن ، وأوضحنا حال الإشكالات المتوهّمة حول هذا القسم من المسقطات.

    الثالث : التصرّف المغيّر في المعيب
    إذا تصرّف في المعيب تصرّفاً مغيّراً على نحو يصدق عليه أنّ العين ليست باقية على حالها يسقط الردّ دون الأرش ، سواء أكان قبل العلم أو بعده ، كشف عن الرضا بالعقد ـ إذا كان بعد العلم ـ أم لا. ويدلّ على ذلك روايتان :
    1. مرسلة جميل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليمها السَّلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً ، فقال : « إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع أو خِيط أو صُبغ ، يرجع بنقصان العيب ». (1)
    والملاك في الرواية في الأخذ بالردّ وعدمه ، هو بقاء العين بحالها ، وعدم بقائها ، من غير فرق بين كونه قبل العلم بالعيب أو بعده ، كشف عن الرضا أو لا.
    2. صحيحة زرارة (2) عن أبي جعفر ( عليه السَّلام ) قال : « أيّما رجل اشترى شيئاً وبه عيب وعوار ، ولم يُتبرّأ إليه ، ولم يُبيّن له ، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار ، وبذلك الداء ، انّه يمضي عليه البيع ، ويردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به ». (3)
1. الوسائل : 12 ، الباب 16 من أبواب الخيار ، الحديث 3.
2. وصفها الشيخ الأنصاري بالصحّة مع انّ في سندها « موسى بن بكير » وهو لم يوثّق في الأُصول الرجالية.
3. الوسائل : 12 ، الباب 16 من أبواب الخيار ، الحديث 2.


(64)
    وقوله : « فأحدث فيه بعد ما قبضه » وإن كان يعمّ الحدث المغيّر وغيره ، لكن يقيّد إطلاقه بما في مرسلة جميل من التصرّف المغيّر كقطع الثوب وصبغه ، مضافاً إلى ما سيوافيك في خيار الحيوان من أنّ المراد من إحداث الحدث فيه ، هو إيجاد التغيّر في المبيع ، فلا يشمل تعليف الدابّة وسقيها أو ركوبها ، وستوافيك الشواهد على هذا في بابه.

    الرابع : تلف العين
    ويدلّ على سقوطه بتلف العين مفهوم الجملة الشرطية الواردة في مرسلة « جميل » حيث قال : « إن كان الثوب قائماً بعينه ردّ على صاحبه » فكما أنّه يصدق بانتفاء المحمول ـ مثل ما إذا كان الثوب موجوداً لكن غير قائم بحاله ـ فهكذا يصدق بانتفاء الموضوع بتلف الثوب رأساً فيصدق أنّه غير قائم بعينه.

    الخامس : حدوث العيب بعد العقد
    إذا حدث العيب بعد العقد على المعيب ، فله صور :
    1. أن يحدث قبل القبض.
    2. أن يحدث بعده قبل انقضاء خيار المشتري كخيار المجلس والحيوان والشرط.
    3. أن يحدث بعد القبض ومضيّ الخيار.
    أمّا الأوّل : فلا إشكال في أنّه غير مانع عن الردّ بالعيب السابق ، وهل هو سبب مستقل موجب للردّ والأرش ـ على القول بكونه في عرض الردّ ـ أو لا ؟ فيه وجهان ، والأقوى هو الأوّل. بشهادة انّه لو كان المبيع سالماً وطرأ عليه العيب


(65)
قبل القبض ، فللمشتري الخيار مستقلاً.
    وأمّا الثاني : إنّ الحادث في زمان الخيار فهو أيضاً مثل الأوّل غير مانع عن الردّ والأرش ، فهو أيضاً سبب مستقل لما سيوافيك في أحكام الخيار ، من أنّ كلّ حدث حدث في زمان الخيار ، فهو من مال من لا خيار له وهو في المقام ، البائع ، فيكون في المقام سببان للخيار.
    وأمّا الثالث : الذي هو المقصود بالبحث في المقام ، فالمشهور أنّ العيب الحادث بعد انقضاء الخيار ، مانع عن الردّ بالعيب السابق على العقد.
    ويدلّ عليه مرسلة جميل المؤيدة برواية زرارة ، لما عرفت من أنّ المعيار لجواز الردّ وعدمه هو بقاء العين بحالها وعدمه ، فيتعيّن جبر العيب السابق بالأرش. اللّهمّ إلا إذا كان العيب مستنداً إلى فعل البائع ، فلا يكون مانعاً عن الردّ.
    ثمّ إنّ هناك أُموراً تارة تمنع عن الردّ دون الأرش ، وأُخرى على العكس ، وثالثة تمنع عن كلا الأمرين ، وإليك بيانها :

    1. تبعّض الصفقة من موانع الردّ
    إنّ من موانع الردّ عند المشهور هو تبعّض الصفقة بالردّ ، وذلك فيما إذا ابتاع شيئين من مالك واحد ، بثمن واحد ثمّ بان عيب في واحد منهما ، فليس له ردّ المعيب وإمساك الصحيح ، بل له إمّا ردّهما أو إمساكهما معاً ، والدليل على ذلك ارتكاز العقلاء حيث لا يرون للمشتري إلا حقاً واحداً ، وهو إمّا ردّ الجميع أو إمساك الجميع ، وأمّا التبعيض فلا ، وهذا متّبع ما لم يردع عنه الشرع.
    مضافاً إلى أنّ المتبادر من مرسلة جميل بقاء العين بذاتها ووصفها ، وفي المقام العين وإن كانت قائمة بذاتها لكنّها غير قائمة بوصفها ، أعني : كونها منضمّة إلى الصحيح الذي هو الداعي للبيع والشراء.


(66)
    2. لزوم الربا من موانع أخذ الأرش
    إذا اشترى ربوياً بجنسه فظهر في أحدهماعيب ، فالأرش ساقط لاستلزامه الربا.
    توضيحه : انّ المقصود من الربا في المقام هو القسم المعاوضي لا الربا القرضي ، فالمتجانسان عرفاً أو المحكوم عليه بالتجانس شرعاً إذا كانا مكيلين أو موزونين لا يجوز التفاضل عند المعاوضة ، إلا إذا كان مثلاً بمثل ، حتّى ولو كان أحدهما صحيحاً والآخر معيباً ، لا يجوز التفاضل ، مثل ما إذا كان العوض حُليّاً مصوغاً والآخر مكسوراً ، حيث إنّ أخذ الأرش يوجب التفاضل الحرام ، فلا محيص عن الردّ.

    3. ما يمنع عن الردّ والأرش
    إنّ هناك أُموراً تمنع عن كلا الأمرين نذكر منها ما يلي :
    أ. العلم بالعيب قبل العقد ؛ إذا كان المشتري واقفاً على العيب قبل العقد ، فهذا يسقط الردّ والأرش ، لأنّ إقدامه معه رضى منه به ، وأدلّة الخيار ظاهرة في غير هذه الصورة ، مضافاً إلى أنّ ما في صحيح « زرارة » من قوله : « لم يتبرّأ إليه ولم يبيّن له » (1) فخصّ الخيار بما إذا لم يبيّن ( العيب ) ، فعلمه بالعيب قبل العقد كالتبيين.
    ب. تبرّؤ البائع من العيوب ؛ إنّ تبرّؤ البائع من العيب يمنع عن الردّ والأرش بأن يقول : بعتك هذا بكل عيب أو أنا بريء من العيوب ظاهرة وباطنة ، معلومة وغير معلومة.
1. الوسائل : 12 ، الباب 16 من أبواب الخيار ، الحديث 2.

(67)
    ويدلّ على المنع أوّلاً : انصراف دليل الخيار عن مثله.
    و ثانياً : انّ التبرّوء من العيوب لا يقصر من العلم به.
    و ثالثاً : عموم « المؤمنون عند شروطهم ».
    و رابعاً : حسنة جعفر بن عيسى ، فقد كتب إلى أبي الحسن ( عليه السَّلام ) فيمن اشترى شيئاً ثمّ وقف فيه على العيب فادعى البائع قد برئت من العيوب عند البيع ، « فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها ، أيصدّق فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن ؟ فكتب : عليه الثمن ». (1)
    فالحديث يدلّ بالدلالة الالتزامية على أنّه لو ثبت براءة البائع لكفى في عدم جواز الرّد.
    ثمّ إنّ الشيخ فتح باباً واسعاً في المقام ونظائره باسم « اختلاف المتبايعين » ، حيث يختلفون تارة في نفس الخيار ، وأُخرى في موجبه ، وثالثة في مسقطه ، ورابعة في إعماله بالفسخ. فهذه المسائل من فروع باب القضاء وأحكام المتحاكمين ، ولأجل ذلك أعرضنا عن ذكر مسائل التحاكم في هذا الكتاب.
1. الوسائل : 12 ، الباب 8 من أبواب أحكام العيوب ، الحديث 1.

(68)
    « الأرش » في اللغة بمعنى الخدش ، ويطلق على دية الجراحات التي ليس لها قدر معلوم ، ويكون من قبيل إطلاق السبب على المسبّب ، وفي مصطلح الفقهاء عبارة عن مال يؤخذ بدلاً عن نقص مضمون في مال أو بدن.
    ثمّ إنّ الضمان على قسمين :
    1. ضمان اليد والإتلاف.
    2. ضمان المعاوضة.
    أمّا الأوّل : فهو كالمغصوب والمستام إذا تلف ، وفي مثله يكون التالف مضموناً بقيمته السوقية ، سواء أكان التالف ذاتَ الشيء أم وصفَه ، لأنّ تلف العين صار سبباً لتضرر المالك بما يعادل قيمته السوقية ، وبما انّ ضمان الجزء أو الوصف تابع لضمان الكلّ فلو عاب في يد الغاصب أو المستام ، يجب تداركه بالقيمة السوقية.
    و على هذا لو أتلف العين يضمنها بقيمتها السوقية ، وإن أتلف الجزء أو الوصف يقوّم صحيحاً ثمّ يقوّم معيباً ويدفع إلى المالك التفاوتَ بين القيمتين ، وبذلك يخرج عن ضمان ما أضرّ به من إتلاف الجزء أو الوصف.
    و أمّا الثاني : أعني ضمان المعاوضة ، وهو ما يكون الضمان في مقابل العوض الذي يدفعه أحد المتعاملين إلى الآخر ، نظير ضمان البائع للمشتري ، فهو يضمن تسليم المبيع له بعامة أجزائه وخصوصياته وصفاته ـ في مقابل العوض الذي


(69)
يأخذه منه ، فلو تخلّف لا يستحقّ المشتري عليه إلا استرداد ما يقابله من الثمن ( لا قيمته السوقية ) وذلك لأنّ الضرر المتوجّه من ناحية البائع إلى المشتري ، لا يتجاوز عمّا أخذه من العوض في مقابل المبيع فلا يحكم على البائع إلا بردّ ما أخذه في مقابل الجزء أو الوصف المفقودين.
    بعبارة واضحة : لا يحكم عليه إلا بتأدية ما أخذه ولم يسلّم عوضه ، وهو ليس إلا ما يخصه من العوض ، لأنّه لم يقدم على الضمان ولم يقبله المشتري إلاّفي هذا الإطار ، ولم يكن هناك أيّ تضامن وتعاهد بالنسبة إلى القيمة السوقية.
    وبذلك يفترق طريق تعيين الخسارة هنا عن القسم السابق ، وقد مرّ فيه أنّه إذا عاب الشيء في يد المتلف يقوّم صحيحاً ومعيباً ويدفع تفاوت ما بين القيمتين إلى المالك ، وأمّا المقام فلا يكفي ذلك ، لأنّه يستلزم ضمان ما تلف بقيمته السوقية ، مع أنّ البائع لم يضمن التالف إلا في مقابل ما أخذه من العوض ، ولأجل ذلك لابدّ من إضافة عمل آخر إلى العمل السابق وهو أنّه يؤخذ من الثمن ، مقدار نسبة قيمة المعيب إلى الصحيح.
    مثلاً لو كانت قيمة المبيع الصحيح مائة ، وقيمة المعيب خمسة وسبعين وباعه بثمانين يردّ من الثمن ( الثمانين ) بتلك النسبة ، أي ربعه وهي العشرون.
    وبذلك يعلم أنّ الضمان المعاوضي ، ضمان مطابق للقاعدة ، ولو حكم بضمان القيمة السوقية يكون على خلاف القاعدة ، لأنّ المقياس جبر الضرر المتوجّه إلى المشتري من جانب البائع وهو ليس إلاّما يخصّه من الثمن ، لا التفاوت الموجود بين القيمتين السوقيتين.


(70)
    إشكال وإجابة
    قد تكرر في كلمات الشيخ الأعظم من أنّ الثمن لا يقسّط على الأوصاف من غير فرق بين وصفي الكمال والصحّة وإنّما يقسّط على الأجزاء ، ولو صحّ ما ذكره فيرد هنا إشكال وهو أنّه إذا كان الثمن لا يقسّط على الوصف فما معنى الأرش ؟ فلو كانت الأوصاف خارجة عن حريم المقابلة فما معنى البحث عن تعيين ما يقع في مقابلها ؟
    هذا هو الإشكال وإليك الإجابة :
    والجواب ، أنّ ما ادّعاه من أنّ الثمن لا يقسّط إلا على الأجزاء ، دون الأوصاف الكمالية أو الصحّية ، غير ثابت ، بل العقلاء على خلافه ، فإنّ العبد الكاتب المحاسب ، يُشترى بأضعاف ما يشترى العبد الأُمّي ، وبذلك تظهر صحة القول بأنّ كلّ ما يكون موجباً لكثرة الرغبة حتى غلاف المبيع ووعاؤه إذا وقع تحت الإنشاء ـ بأن يقول : بعتك بغلافه ووعائه ، أو كان الإنشاء مبنيّاً عليه عند المعاملين ، يُقسّط الثمن عليه.
    و ما أُثير حوله من المحاذير فقد أوضحنا حالها في محاضراتنا. (1)
    وبذلك يعلم أنّ الأرش جزء الثمن المردود فكأنّ المعاملة تنفسخ بالنسبة إلى ذلك الجزء وليس غرامة خارجية يبذلها البائع لأجل تسليم المبيع الفاقد للوصف.
    وبذلك يظهر أنّه لا أرش في معاوضة المتماثلين كالحنطة بالحنطة إذا بانت إحداهما رديئة فلا يجوز أخذ الأرش ، لأنّ الشارع ألغى دخل وصف الصحّة في
1. لاحظ : المختار في أحكام الخيار ، ص 437.

(71)
مقام المعاوضة ، وقد عرفت أنّ الأرش جزء الثمن المردود فلا يقسّط الثمن على وصف الصحّة المفقود في المتماثلين حتّى يستعاد عند التخلّف.
    بل هو كذلك حتّى على القول بأنّ الأرش غرامة ، فلا يجوز أخذ الغرامة في معاوضة المتماثلين إذا بان أحدهما معيباً ، وذلك لأنّ الشارع بقوله « مثلاً بمثل » ألغى وصف الصحّة فلا خدعة حتّى يغرم الخادع ، غاية الأمر يثبت خيار تخلّف الوصف أو ا لشرط إذا كان المشتري جاهلاً واشترط الصحة في العوض أو كان العقد مبنيّاً عليه.
التحقيق
    1. لماذا وصفنا رواية جعفر بن عيسى في مسألة تبرّئ البائع من العيوب ، بالخبر فهل في السند من لم يوثّق ، ومن هو ؟
    2. ما هو حكم التصرّف غير الموجب لنقصان القيمة ، فهل هو مانع عن الردّ ؟ لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 261.


(72)
    الفصل الخامس
خيار تبعّض الصفقة
    « الصفقة » لغة : هو الضرب الذي له صوت ، يقال : صفَّق الطائرُ بجناحيه : إذا ضربهما. وفي الاصطلاح : عبارة عن البيع ، سمّي بذلك لأنّهم كانوا يتصافقون بأيديهم إذا تبايعوا فيجعلونها دلالة على الرضا به ، ومنه قول النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لعروة البارقي : « بارك اللّه لك في صفقة يمينك ».
    أخرج أصحاب السنن أنّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أعطى عروة البارقي ديناراً ليشتري له شاة فاشترى بالدينار شاتين ، فباع إحداهما بدينار وأتى النبي بالدينار والشاة فقال ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) له : « بارك اللّه لك في صفقة يمينك ». (1)
    فإذا كانت الصفقة كناية عن البيع فتبعّضها عبارة عن تبعّض العقد الواحد ، مثلاً : إذا اشترى سلعتين ، فبانت إحداهما مستحقة للغير فعندئذ يتخيّر المشتري بين الفسخ بالردّ والقبول باسترجاع قسطها من الثمن.
    و نظير ذلك : إذا اشترى سلعة ، فظهر استحقاق بعضها المشاع فيتخيّر
1. السنن الكبرى : 6/112.

(73)
عندئذ المشتري بين الردّ وأخذ الأرش.
    و ربّما يطلق على الخيار في المثال الثاني خيار الشركة ، فيختصّ خيار تبعّض الصفقة بما إذا كانت السلعة متعدّدة.
    ويمكن أن يقال : إنّ في المثال الثاني خيارين : خيار تبعّض الصفقة ، وخيار الشركة ، وتظهر الفائدة إذا أسقط أحدهما دون الآخر.
    ويمكن إدخال خيار الشركة في المثال المزبور تحت خيار العيب إذا فسّـر العيب بالنقص المطلق في المبيع ، حيث لا شكّ أنّ الشركة في شيء واحد تعدّ نقصاً غالباً ، لأنّها تمنع الشريك من التصرّف في المبيع كيف ما شاء ما لم يأذن الشريك الآخر ، فيُشبه خيار العيب لأجل انتفاء الوصف ( الطِلْق ) ، فينجبر بالخيار.
    نعم لو فسّر العيب بالخروج عن الخلقة الأصلية فلا يصحّ إدخاله في خيار العيب.

    أدلّة خيار تبعّض الصفقة
    والدليل على الخيار عند تبعّض الصفقة أمران :
    1. إنّ البائع كان يملك سلعة واحدة ولكن ضمّ السلعة الثانية إلى الأصل وباعهما بصفقة واحدة ، فيكون البيع بالنسبة إلى ما لا يملك بيعاً فضوليّاً ، فما لم يكن هناك إذن من المالك الثاني يكون العقد غير مؤثر بالنسبة إليه ، فعندئذ يأتي حديث تخلّف المعقود عليه عمّـا هو الواقع في الخارج فلا يكون هناك أيّ ملزم للوفاء بالعقد ، فله أن يردّ السلعة ويأخذ الثمن أو يُمضي العقد ويأخذ الأرش ، وسيوافيك انّه إذا لم ينته التخلّف إلى المباينة بين المعقود عليه والموجود ، ففي مثله ، يصحّ العقد مع الخيار.


(74)
    2. قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « لا ضرر ولا ضرار » ؛ فإنّ إلزام المشتري بالوفاء بالعقد حينئذ حكم ضرري ، فربّما تتعلّق رغبته بابتياع سلعتين معاً بنحو لو كانت منفردة لما أقدم على شرائها.
    و منه يظهر حكم ما إذا بان بعض السلعة مستحقاً للغير ، فإنّ الرغبة ربما تتعلّق بتملّك السلعة كلّها على نحو لولا هذا الوصف لما أقدم على شرائها.
    و قد ظهر ممّا ذكرنا أيضاً انّ خيار تبعّض الصفقة من الخيارات العامّة التي لا تختصّ بالبيع بل يجري في عقد الإجارة والصلح وغير ذلك لانّ الضرر منفيّ في عامة العقود ولا يختص بالبيع.
    فلو آجر دارين بصفقة واحدة ثمّ تبيّن أنّ إحداهما مستحقة للغير ، يكون له الخيار في الردّ والإمضاء ؛ ومثل الإجارة عقد الصلح.


(75)
    الفصل السادس
خيار الرؤية
    اتّفق الفقهاء على بطلان البيع الغرري ، وللتخلّص من الغرر طريقان :
    1. الرؤية والمشاهدة.
    2. التعريف والوصف.
    فإذا اشترى حسَب التعريف والوصف وكان المرئيّ مطابقاً للموصوف لزم العقد ، وإلا فللمشتري خيار الرؤية.
    و قد عرّفه المحقّق بقوله : « وهو بيع الأعيان من غير مشاهدة ، ويفتقر إلى ذكر الجنس وهو القدر الذي يشترك فيه أفراد الحقيقة ، وذكر الوصف وهو الفارق بين أفراد ذلك الجنس ». (1)
    يقول الشيخ في « الخلاف » : « بيع خيار الرؤية صحيح ، وصورته أن تقول : بعتك هذا الثوب في كُمّي أو في الصُّندوق ، فيذكر جنسه ووصفه ». (2)
    ثمّ إنّ إحراز الوصف يتحقّق بالأُمور التالية :
1. الشرائع : 2/279.
2. الخلاف : 3 ، كتاب البيوع ، المسألة 1.
دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: فهرس