دروس موجزة في علمي الرّجال والدّراية ::: 46 ـ 60
(46)
    وهؤلاء الأقطاب الأربعة وصفوا تلك الصفوة من تلاميذ الإمام بالثقات ، فلو كان هناك طريق للتعرّف عليهم ، نحتجّ بأحاديثهم جميعاً.
    ويمكن التعرّف عليهم بملاحظة أمرين :
    1. إنّ الحافظ أحمد بن محمد بن سعيد المكنّى بأبي العباس المعروف بابن عقدة ( المتوفّى 333 هـ ) ممّن ضبط أصحاب الصادق كلّهم في كتابه الرجالي ، ونقله النجاشي عنه حيث قال في ترجمة ابن عقدة : له كتاب الرجال ، وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد. (1) ونقل ذلك النصّ الشيخ أيضاً في رجاله. (2) ومع الأسف أنّ رجال ابن عقدة ـ ذلك الحافظ الكبير ـ لم يصل إلى المتأخّرين ، وقد فحصنا عنه في المكتبات العامّة حتى مكتبات اليمن ، فلم نجد له أثراً ، ومع ذلك يمكن الوقوف على ما في طيّاته من طريق آخر ، وهذا هو الذي نذكره في الأمر الثاني.
    2. الظاهر انّ كلام الشيخ المفيد ناظر إلى ما جمعه ابن عقدة من أسماء أصحاب الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) في رجاله ، وقد أدخل الشيخ الطوسي قسماً كبيراً ممّا ذكره ابن عقدة في رجاله ، فبالرجوع إلى ذلك الكتاب يمكن الوقوف على أصحاب الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) الثقات. وبذلك يقف المتتبع على آلاف من الثقات.
    ولكن الاعتماد على هذا النوع من التوثيق مشكل ، وذلك لعدّة أُمور :
    أوّلاً : إنّ بعض المتأخّرين من علمائنا ، اكتفوا بذكر عدد الرواة عن الصادق ( عليه السَّلام ) دون وصفهم بالثقات. (3)
1. رجال النجاشي : 1/240 برقم 233.
2. رجال الشيخ الطوسي : 409 برقم 5949 ، مؤسسة النشر الإسلامي.
3. المحقّق في المعتبر : 5 ؛ العلاّمة في الخلاصة : 203 ؛ الشهيد الأوّل في الذكرى : 6 ، إلى غير ذلك من الأعاظم.


(47)
    ثانياً : إن أراد الشيخ المفيد بكلامه هذا انّ أصحاب الصادق ( عليه السَّلام ) كانوا أربعة آلاف وكلّهم كانوا ثقاتاً ، فهذا أشبه بما عليه الجمهور من أنّ أصحاب النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كانوا كلّهم عدولاً.
    وإن أراد انّ أصحاب الصادق ( عليه السَّلام ) كانوا كثيرين ، إلاّ أنّ الثقات منهم كانوا أربعة آلاف ، فهذا أمر يمكن التسالم عليه ، لكنّه غير مفيد ، إذ لا سبيل إلى معرفة الثقات منهم وتمييزهم عن غيرهم. (1)
    ثالثاً : انّ الشيخ قد ضعّف عدّة من أصحاب الصادق ( عليه السَّلام ) ، فقال : في الباب المختص بهم :
    إبراهيم بن أبي حبّة ضعيف ، الحارث بن عمر البصري أبو عمر ضعيف الحديث ، عبد الرحمن بن الهلقام ضعيف ، عمرو بن جميع البصري الأزدي ضعيف الحديث ، محمد بن حجّاج المدني منكر الحديث ، محمد بن عبد الملك الأنصاري الكوفي ضعيف ، محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي : ملعون غال. (2)
    إلى غير ذلك من العبارات في حقّ بعض أصحاب الإمامعليه السَّلام ، فكيف يمكن أن يقال : إنّ كلّ ماجاء به رجال الشيخ ، نفس ما ذكره الشيخ المفيد ؟!
    رابعاً : انّ المتبادر من أمثال عبارة الشيخ المفيد الواردة في مقام الإطراء والثناء ، هو وجود كثرة معتدّ بها من الثقات بين أصحاب الإمام ( عليه السَّلام ) ، لا انّ الوثاقة تعمّهم بلا استثناء ، وهذا نظير من يصف طلاب الجامعة بالذكاء والفطنة ، فلا يبغي من وراء كلامه هذا ، ذكاء الجميع دون استثناء بل غالبيتهم.
    ثمّ إنّ في كلام الشيخ إلماعاً إلى ما ذكرناه ، حيث قال : مع اختلافهم في
1. معجم رجال الحديث : 1/59.
2. لاحظ : رجال الشيخ الطوسي : الصفحة146 ، 178 ، 232 ، 249 ، 285 ، 294 ، 302.


(48)
الآراء والمقالات.
    والمراد منها هو المسائل العقائدية والكلاميّة ، فكيف يمكن عدّ جميعهم من الثقات العدول مع اختلافهم في بعض الأُصول كالجبر والتفويض ، وعينية الصفات وزيادتها على ذاته تعالى وعصمة الأنبياء ، ومحاربي الإمام علي ( عليه السَّلام ) ، إلى غير ذلك من المقالات ؟! فلا محيص من حمله على الغالبية التي تُبهر العيون.
    وعلى ضوء ذلك فلا تثبت وثاقة كلّ من عدّه الشيخ أو النجاشي انّه من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السَّلام ).

    1. اذكر كلمة الشيخ المفيد في حقّ أصحاب الإمام الصادق ( عليه السَّلام ).
    2. بماذا يمكن التعرّف على أعيانهم وأسمائهم ؟
    3. هل يصحّ الاعتماد على ظاهر عبارة المفيد أو لا ؟ ولماذا ؟
    4. ما هو المراد من عبارة الشيخ المفيد في هذا المقام ؟


(49)
    الدرس العاشر
أصحاب الإجماع
    البحث عن أصحاب الإجماع من أهمّ بحوث علم الرجال ، وقد أشار إليه المحدّث النوري وقال : إنّه من مهمّات هذا الفن ، إذ على بعض التفاسير يُحكم على كثير من الأحاديث بالصحّة وعلى كثير من الرواة بالوثاقة ، والأصل في ذلك ما ذكره أبو عمرو الكشّي في رجاله في مواضع ثلاثة ، ولا محيص عن سرد نصوصه كي نعود إلى تفسيرها.
    عنون باباً باسم تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السَّلام وقال تحت هذا العنوان :
    1. أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر ( عليه السَّلام ) وأصحاب أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستة : زرارة ، ومعروف بن خرَّبوذ ، و بريد ، و أبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، قالوا : أفقه الستة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي ، أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري. (1)
1. انظر : رجال الكشي : 206.

(50)
    ثمّ ذكر عنواناً آخر باسم « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) » وقال بعده :
    2. أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أُولئك الستة الذين عددناهم وسمّيناهم ، وهم ستة نفر : جميل بن دراج ، و عبد اللّه بن مسكان ، و عبد اللّه بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وأبان بن عثمان. قالوا : وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بـن ميمـون (1) أنّ أفقه هـؤلاء جميـل بن دراج وهـم أحـداث (2) أصحـاب أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ). (3)
    ثمّ ذكر تحت عنوان ثالث ، أعني : تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن عليهما السَّلام قوله :
    3. أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستة نفر آخر دون ستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) منهم : يونس بن عبدالرحمن ، و صفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبد اللّه بن مغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب (4) : عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان بن يحيى. (5)
1. ثعلبة بن ميمون ، كان وجهاً في أصحابنا ، قارئاً ، فقيهاً ، نحوياً ، لغوياً ، راويةً ، وكان حسن العمل ، كثير العبادة والزهد ( راجع : رجال النجاشي : 1/294 برقم 302.
2. الأحداث : الشباب.
3. رجال الكشي : 322.
4. في نسخة اختيار معرفة الرجال طبعة المصطفوي : ابن فضال بدل فضالة بن أيّوب.
5. رجال الكشي : برقم 1050.


(51)
    وقبل تفسير كلام الكشي نقدّم أُموراً :

    الأوّل : أصحاب الإجماع اصطلاح جديد
    إنّ التعبير عن هذه الجماعة بـ « أصحاب الإجماع » أمر حدث بين المتأخّرين ، وجعلوه أحد الموضوعات التي يُبحث عنها في مقدّمات الكتب الرجالية أو خواتيمها ، ولكن الكشي عبّر عنهم بـتسمية الفقهاء من أصحاب الباقرين عليهما السَّلام ، أو تسمية الفقهاء من أصحاب الصادق ( عليه السَّلام ) ، أو تسمية الفقهاء من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السَّلام ، فهو رحمه اللّه كان بصدد تسمية الفقهاء من أصحاب هؤلاء الأئمّة ، الذين لهم شأن كذا وكذا ، والهدف من تسميتهم دون غيرهم ، هو تبيين انّ الأحاديث الفقهية تنتهي إليهم غالباً ، فكأنّ الفقه الإمامي مأخوذ منهم ، ولو حذف هؤلاء وأحاديثهم من بساط الفقه ، لما قام له عمود ، ولا اخضرَّ له عود.

    الثاني : عدد أصحاب الإجماع
    ذكر الكشي في الطبقة الأُولى ، ستة نفر من أصحاب الصادقين عليهما السَّلام وهم :
    1. زرارة بن أعين.
    2. معروف بن خرّبوذ.
    3. بريد بن معاوية.
    4. أبو بصير الأسدي.
    5. الفضيل بن يسار.
    6. محمد بن مسلم الطائفي.
    هذا ما اختاره الكشي ، ولكن نقل انّ بعضهم قال مكان أبي بصير الأسدي : أبو بصير المرادي.


(52)
    وذكر الكشي في الطبقة الثانية ستة من أحداث أصحاب أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) وهم :
    7. جميل بن درّاج.
    8. عبد اللّه بن مسكان.
    9. عبد اللّه بن بكير.
    10. حمّاد بن عثمان.
    11. حمّاد بن عيسى.
    12. أبان بن عثمان.
    وهؤلاء محط اتّفاق الجميع.
    كما ذكر أيضاً في الطبقة الثالثة ستة من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليهما السَّلام ، وهم :
    13. يونس بن عبد الرحمن.
    14. صفوان بن يحيى بيّاع السابُري.
    15. محمّد بن أبي عمير.
    16. عبد اللّه بن مغيرة.
    17. الحسن بن محبوب.
    18. أحمد بن محمد بن أبي نصر.
    فخمسة من هذه الطبقة مورد اتّفاق بين الكشي وغيره إلاّ واحداً منهم حيث قال :
    وذكر بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب.


(53)
    وذكر بعضهم مكان فضالة بن أيوب : عثمان بن عيسى ، وحيث إنّ خمسة من الطبقة الثالثة مورد اتّفاق بينه و بين غيره ، فيكون مجموع ما اتّفق عليه ستة عشر شخصاً.
    نعم انفرد الكشي بنقل الإجماع على شخصين وهما : أبو بصير الأسدي من الطبقة الأُولى والحسن بن محبوب من الثالثة.
    كما نقل الآخرون الاتّفاق على أربعة وهم : أبو بصير المرادي من الطبقة الأُولى ، والحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب وعثمان بن عيسى من الطبقة الثالثة فيكون المجموع اثنين وعشرين شخصاً ، بين ما اتّفق الكلّ على أنّهم من أصحاب الإجماع ، أو قال به الكشي وحده أو غيره ، فالمتيقن هو 16 شخصاً ، والمختلف فيه هوستة أشخاص.
    الثالث : أصحاب الإجماع في منظومة بحر العلوم
    إنّ السيد بحر العلوم ( 1155 ـ 1212 هـ ) جمع أسماء من ذكره الكشي في منظومته ، لكن خالفه في أبي بصير ، حيث حمله على المرادي دون الأسدي ، وقال :
قد أجمع الكلّ على تصحيح ما وهم أُولوا نجابة ورفعة فالستَّة الأُولى من الأمجاد زرارة كذا بريد (1) قد أتى كذا الفضيل (4) بعده معروف (5) يصحّ عن جماعة فليعلما أربعة وخمسة وتسعة أربعة منهم من الأوتاد ثمّ محمّد (2) وليث (3) يا فتى وهو الّذي ما بيننا معروف

1. المراد : بريد بن معاوية.
2. المراد : محمد بن مسلم.
3. أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ، وقد خالف فيه مختار الكشي.
4. الفضيل بن يسار.
5. معروف بن خرّبوذ.


(54)
والستّة الوسطى أُولوا الفضائل جميل الجميل (1) مع أبان (2) والستّة الأُخرى هم صفوان (5) ثمّ ابن محبوب (7) كذا محمّد (8) وما ذكرناه الأصحّ عندنا رتبتهم أدنى من الأوائل والعبدلان (3) ثمّ حمّادان (4) ويونس (6) عليهما الرضوان كذاك عبد اللّه (9) ثمّ أحمد (10) وشذَّ قول من به خالفنا (11)
    قوله : « وما ذكرناه الأصحّ » إشارة إلى الاختلاف الّذي حكاه الكشّي في عبارته ، حيث اختار الكشّي أنّ أبا بصير الأسدي منهم ، واختار غيره أنّ أبا بصير المرادي منهم ، واختار السيّد بحر العلوم القول الثّاني ونسب القول الأوّل إلى الشّذوذ.

    1. ما هو المراد من أصحاب الإجماع ؟ وهل هو اصطلاح جديد ؟
    2. اذكر عدد أصحاب الإجماع من الطبقات الثلاث في كلام الكشي.
    3. اذكر أسماء من اتّفقت كلمة الأصحاب عليهم.
1. جميل بن درّاج.
2. أبان بن عثمان.
3. عبداللّه بن مسكان وعبداللّه بن بكير.
4. حمّاد بن عثمان وحمّاد بن عيسى.
5. صفوان بن يحيى ، المتوفّى عام 210 هـ.
6. يونس بن عبدالرحمن.
7. الحسن بن محبوب ، المتوفّى عام 224.
8. محمد بن أبي عمير ، المتوفّى عام 217.
9. عبد اللّه بن المغيرة.
10. أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.
11. قد مضى القولان في عبارة الكشي.


(55)
    الدرس الحادي عشر
التفسير الأوّل
لقولهم « تصحيح ما يصحّ عنهم »
    قد تلقّى الأصحاب ما ذكره الكشي في حق الطبقات الثلاث بالقبول ويظهر ذلك بالتتبع في كلماتهم ، ونحن نذكر أسماءَهم ومواضع كلامهم :
    1. محمد بن الحسن الطوسي حيث اختصر رجال الكشي وترك العبارات الثلاث على حالها.
    2. رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب ( 488 ـ 588 هـ ) في كتابه المناقب. (1)
    لكنّه ذكر الطبقة الأُولى والثانية باختلاف يسير وترك ذكر الثالثة.
    3. العلاّمة الحلي ( 648 ـ 726 هـ ) فقد أشار إلى ما ذكره الكشي في خلاصته في موارد من كتابه. (2)
    4. ابن داود الحلي ( 648 ـ 707 هـ ) مؤلف الرجال المعروف برجال ابن
1. المناقب : 4/211 ، في أحوال الإمام الباقر ( عليه السَّلام ) ، وص 280 في أحوال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ).
2. الخلاصة : لاحظ ترجمة عبد اللّه بن بكير ، صفوان بن يحيى ، البزنطي ، وأبان بن عثمان.


(56)
داود ، حيث قال : أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلاً فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنّهم يتفاوتون ثلاث درج. (1)
    5. الشهيد الأوّل ( 734 ـ 786 هـ ) في غاية المراد عند البحث عن بيع الثمرة ، حيث نقل حديثاً في سنده الحسن بن محبوب وقال : وقد قال الكشي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب. (2)
    6. الشهيد الثاني ( 911 ـ 966 هـ ) : قال في شرح الدراية : نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان بن عثمان. (3)
    إلى غير ذلك من النصوص الحاكية عن تلقّي الأصحاب ما ذكره الكشي بالقبول ، وفيما ذكرناه غنى وكفاية.

    في تفسير قوله : « تصحيح ما يصحّ عنهم »
    هذا هو البحث المهم الذي عقدنا له هذا الدرس :
    إنّ قولهم « تصحيح ما يصحّ عنهم » مركّب من جزءين :
    1. « تصحيح ما ».
    2. « يصحّ عنهم ».
    أمّا الجزء الثاني ، فنوضحه بالمثال التالي :
    كثيراً ما يروي الشيخ الكليني بالسند التالي ويقول : علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) ، فابن أبي عمير من أصحاب الإجماع ، فإذا كان السند من الكليني إلى ابن أبي عمير
1. رجال ابن داود : 209 ، خاتمة القسم الأوّل ، الفصل الأوّل.
2. غاية المراد : 2/41
3. شرح الدراية : 82. ولاحظ الروضة البهية : 2/131 ، كتاب الطلاق ، الطبعة الحجرية.


(57)
صحيحاً ، يقال : صحّ عنه ، ومثله سائر أصحاب الإجماع ، فإذا كان السند من بدئه إليهم صحيحاً ، يقال : صحّ عنهم.
    إنّما الكلام في تفسير الجزء الأوّل « تصحيح ما » ، والخلاف في تفسيره يكمن فيما هو المراد من الموصول الذي أُضيف التصحيح إليه ؟ فهناك احتمالان أساسيّان (1) :
    الأوّل : انّ المراد من الموصول : التحديث والحكاية ، فيكون المعنى : تصديق تحديثهم وحكاياتهم.
    الثاني : المراد من الموصول : المروي ونفس الحديث ، فيكون المعنى : تصديق رواياتهم وأحاديثهم ؛ فتعيين أحدهما هو المفتاح لفهم معنى العبارة.
    فلو قلنا بالاحتمال الأوّل أي تصديق حكاياتهم التي يتضمّنها قول ابن أبي عمير « حدّثنا ابن أُذينة » لدلّ على أنّ هؤلاء ثقات ، ـ دون دلالة على وثاقة من يروون عنهم ـ لأنّ اتّفاق الصحابة على تصديق هؤلاء في حكايتهم يلازم القول بوثاقتهم ، فيكون مفاد الجملة حسب الدلالة المطابقية هو تصديق حكاياتهم ، وحسب الدلالة الالتزامية هو توثيق هؤلاء ، لأجل تصديق العصابة حكايتهم ونقولهم عن مشايخهم.
    ولو قلنا بالاحتمال الثاني وانّ المراد من الموصول هو تصديق مرويّاتهم وأحاديثهم وما يروونه عن المعصوم. فلو كان مستند تصديق مرويّاتهم منحصراً في وثاقة هؤلاء ووثاقة من يروون عنه إلى أن يتصل السند بالإمام ، تدخل طائفة كبيرة من الرواة ، أعني : الذين روى عنهم أصحاب الإجماع ، في عداد الثقات ، فإنّ لمحمد بن أبي عمير وحده ، قرابة أربعمائة شيخ.
1. احترزنا عن بعض الاحتمالات الفرعية للتفسير الثاني.

(58)
    وعلى ضوء ذلك فالثمرة الرجالية تترتب على الاحتمال الثاني دون الاحتمال الأوّل ، لأنّ لازم المعنى الأوّل ( تصديق حكاياتهم ) هو وثاقة نفس هؤلاء ـ و هي أمر ثابت ـ فإنّ وثاقتهم كالشمس في رائعة النهار ، بخلاف المعنى الثاني فإنّ لازم صحّة مرويّاتهم ـ إذا كانت الصحة مستندة إلى وثاقة مشايخهم إلى الإمام ـ ثبوت وثاقة مشايخهم الذين يروون عنهم ، وهذه هي الثمرة الرجالية المترتبة على الاحتمال الثاني.
    إنّما الكلام في بيان ما هو المراد ؟
    أقول : إنّ القرائن والشواهد تدلّ على أنّ المراد هو الأوّل وانّ العصابة اتّفقت على تصديق حكاياتهم. ويدلّ عليه الأُمور التالية :
    1. انّ الكشي اكتفى في تسمية الطبقة الأُولى ، بقوله : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السَّلام وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستة » ، ولم يذكر في حقّهم غير تلك الجمل ، فلو كان المفهوم من قوله « تصحيح ما يصحّ عن جماعة » إجماعهم على تصديق مروياتهم ( لا تصديق حكاياتهم ) ، كان عليه أن يذكر تلك العبارة في حقّ الستة الأُولى ، لأنّهم في الدرجة العالية بالنسبة إلى الطبقتين الأخيرتين ، وهذا يعرب عن كون المقصود من التصحيح ، هو الحكم بصدقهم وتصويب نفس نقلهم بالدلالة المطابقية ، و وثاقتهم فقط بالدلالة الالتزامية لا على وثاقة من يروون عنه.
    2. إمعان النظر فيما يتبادر من قوله « يصحّ عنهم » فإذا قال الكليني : حدّثنا علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثنا ابن أبي عمير ، قال : حدّثنا ابن أُذينة قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ).
    فلو فرضنا وثاقة الأوّلين من السند ـ كما هو كذلك ـ يقال صحّ عن ابن


(59)
أبي عمير كذا ، فيجب علينا تصحيح ما صحّ عن ابن أبي عمير. وأمّا الذي صحّ عنه وتعلّق به التصحيح ، فيحتمل أحد أمرين :
    1. حكاية كلّ واحد عن الآخر.
    2. نفس الحديث ومتنه.
    لا سبيل إلى الثاني ، لأنّ من صُدِّر به السند ، لا ينقل إلاّ حكاية الثاني. ولا ينقل نفس الحديث ، وإنّما يكون ناقلاً له لو نقله من الإمام بلا واسطة ، ومثله من وقع في السند بعد الأوّل ، فانّه لا ينقل إلاّ حكاية الثالث له ، فعندئذ ما صحّ عن ابن أبي عمير ليس نفس الحديث ، بل حكاية الأُستاذ لتلميذه ، وعليه يكون هذا بنفسه متعلّقاً للتصحيح في مورد ابن أبي عمير وانّه مصدَّق في حكايته عن ابن أُذينة ، وصادق في نقله عنه ، وأمّا ثبوت نفس الحديث فهو متوقّف على كون ابن أبي عمير ومن روى عنه ثقاتاً حتى ينتهي إلى الإمام ، والعبارة لا تدلّ على ذلك ، غاية ما يمكن أن يقال : انّها تدلّ بالدلالة الالتزامية على وثاقة نفس ابن أبي عمير فقط وأمّا من بعده فلا.

    1. اذكر أسماء العلماء الذين جاء ذكر أصحاب الإجماع في كتبهم.
    2. اذكر التفسيرين المطروحين للموصول في قولهم : « تصحيح ما يصحّ عنهم ».
    3. بيّن الثمرة الرجالية المترتّبة على التفسيرين.
    4. ما هو المختار في المقام ؟ وما هي دلائله ؟


(60)
دروس موجزة في علمي الرّجال والدّراية ::: فهرس