|
|||
(61)
الدرس الثاني عشر
المختار و مناقشات المحدّث النوري
إنّ المحدّث النوري ناقش المختار بوجوه ، نذكرها بتحليل :
الأوّل : انّ هذا التفسير ركيك خصوصاً بالنسبة إلى هؤلاء الأعلام (1) ( أصحاب الإجماع ). يلاحظ عليه : أيّ ركاكة في القول بأنّ العصابة اتّفقت على تصديق هؤلاء فيما يحكون وبالتالي اتّفقوا على وثاقتهم ؟! ولو كان ركيكاً ، فلِمَ ارتكبها نفس الكشّي عند ذكر الطبقة الأُولى ، حيث وضع مكان « تصحيح ما يصحّ عنهم » قوله : أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب الإمامين عليهما السَّلام ؟! الثاني : لو كان المراد ما ذكروه لاقتصر الكشي بقوله « أجمعت العصابة على تصديقهم ». (2) يلاحظ عليه : أنّه إنّما يرد لو قدّم قوله : « وتصديقهم » على قوله : « تصحيح ما يصحّ عنهم » إذ عندئذ لا حاجة إلى الثاني ، ولكنّه عكس في الذكر فجعل قوله : « وتصديقهم » توضيحاً لما تقدّم. الثالث : انّ أئمّة فن الحديث والدراية صرّحوا بأنّ الصحّة والضعف والقوّة 1. المستدرك : 25/23 ـ 24. 2. المستدرك : 25/23 ـ 24. (62)
والحسن وغيرها من أوصاف متن الحديث تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند ، و قد يطلق على السند مسامحة فيقولون في الصحيح عن ابن أبي عمير ، وهو خروج عن الاصطلاح ، فالمراد من الموصول في « ما يصحّ عنهم » هو متن الحديث لأنّه الذي يوصف بالصحة والضعف. (1)
يلاحظ عليه : أنّ الصحّة سواء أفسِّرت بمعنى التمامية أم بمعنى الثبوت ، يقع وصفاً للسند والمتن معاً وليس لها مصطلح خاص حتى نخصّه بالمتن دون السند. سؤال وإجابة إذا كان المقصود ، هو تصديقهم في حكاياتهم وبالتالي توثيقهم ، فلماذا خصَّت العصابةُ هؤلاء الثمانية عشر بالذكر مع أنّ هناك رواة ، اتّفقت كلمتهم على وثاقتهم ؟ والجواب : انّ تخصيص هؤلاء بالذكر ، لأنّهم مراجع الفقه ، ومصادر علوم أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، ولأجل ذلك أضاف في الطبقة الأُولى بعد قوله : « بتصديقهم » ، قولَه : « وانقادوا لهم بالفقه » ، كما أضاف في الطبقة الثانية قوله : « وأقرّوا لهم بالفقه والعلم » ، فلم ينعقد الإجماع على مجرّد وثاقتهم بل على فقاهتهم من بين خرّيجي مدرسة الأئمّة الأربعة ( عليهم السَّلام ) ، فهذه المميّزات أوجبت تخصيصهم بالذكر. 1. انظر : المستدرك : 25/23 ـ 24. (63)
كلمات الأعلام حول المعنى المختار
ثمّ إنّ ما اخترناه من التفسير للموصول والتصحيح ، هو خيرة عدّة من الأعلام ، فنذكره حسب تاريخ حياتهم ، وإليك نصوصهم : الأوّل : قد فهم ابن شهر آشوب ( 488 ـ 588 هـ ) من العبارة نفس ما ذكرنا حيث قال في بيان الطبقة الثانية : « اجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهائه ( الإمام الصادق عليه السَّلام ) وهم : جميل بن درّاج ، وعبد اللّه بن مسكان ... ». فقد فهم من عبارة الكشي اتّفاق العصابة على تصديق هؤلاء وكونهم صادقين فيما يحكون. بشهادة انّه وضع « التصديق » مكان تصحيح ما يصحّ عنه ، وهذا يعرب عن أنّ المقصود من العبارة « تصحيح ما يصحّ » ، « تصديقهم ». الثاني : انّ الظاهر من كلمات العلاّمة ( 648 ـ 726 هـ ) في « الخلاصة » هو اختيار ذلك ، حيث قال : « قال الشيخ الطوسي : عبد اللّه بن بكير ، فطحي المذهب إلاّ أنّه ثقة » ، وقال الكشي : « إنّ عبد اللّه بن بكير ، ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه وأقرّوا له بالفقه ». فأنا أعتمد على روايته وإن كان مذهبه فاسداً ». (1) فانّ الغاية من نقل كلام الكشي ، إنّما هو الاعتذار عن قبول روايته مع أنّه فطحيّ المذهب. وقد قال بمثل هذا الكلام في أبان بن عثمان الأحمر ، حيث نقل عن علي بن حسن بن فضّال أنّه قال : كان أبان من الناووسية. ولمّا كان مقتضى هذا الكلام كونه ضعيفاً ، استند في توثيقه وقال : قال أبو عمرو الكشي : إنّ العصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عن أبان بن عثمان 1. الخلاصة : 106 ، باب عبد اللّه ، برقم 24. (64)
والإقرار له بالفقه ; فالأقرب عندي قبول روايته وإن كان فاسد المذهب للإجماع المذكور. (1)
الثالث : انّ ابن داود ( 648 ـ 707 هـ ) قد فسّـر العبارة وفق ما ذكرناه حيث قال : أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلاً ، فلم يختلفوا في تعظيمهم غير انّهم يتفاوتون ثلاثة درج. (2) نعم ، دلالة العبارة على وثاقة هؤلاء دلالة التزامية ؛ وقد عرفت أنّ المعنى المطابقي هو صحّة حكاياتهم. الرابع : انّ المحدّث الكاشاني ( المتوفّى عام 1091 هـ ) صاحب الوافي ، فسّـر العبارة على غرار ما ذكرناه ، قال في المقدمة الثانية من كتابه : إنّ ما يصحّ عنهم هو الرواية لا المروي. (3) ومراده من الرواية هو المعنى المصدري أي الحكاية والتحديث. الخامس : قد نقل أبو علي في رجاله عن أُستاذه صاحب الرياض ( المتوفّى1231 هـ ) أنّه قال : المراد دعوى الإجماع على صدق الجماعة ، وصحّة ما ترويه إذا لم يكن في السند من يتوقّف فيه ، فإذا قال أحد الجماعة : حدّثني فلان ، يكون الإجماع ، منعقداً على صدق دعواه و إذا كان فلانٌ ضعيفاً أو غير معروف ، لا يجديه ذلك نفعاً ، وذهب إليه بعض أفاضل العصر وهو السيد مهدي الطباطبائي. (4) وعلى هذا فنتيجة العبارة : انّ أحداً من هؤلاء إذا ثبت انّه قال : حدّثني ، 1. الخلاصة : 21 ـ 22 ، باب أبان ، برقم 3. 2. رجال ابن داود : 209 ، خاتمة القسم الأوّل ، الفصل الأوّل. 3. الوافي : 1/27 ، المقدّمة الثانية ، الطبعة الحديثة. 4. انظر المستدرك : 25/25 ؛ منتهى المقال : 10 ، الطبعة الحجرية. (65)
فالعصابة أجمعوا على أنّه صادق في اعتقاده. (1)
السادس : أخيرهم لا آخرهم السيد الإمام الخميني ( قدَّس سرَّه ) ، حيث قال : المراد تصديقهم لو أخبروا به وليس إخبارهم في الإخبار مع الواسطة إلاّ الإخبار عن قول الواسطة وتحديثه ، فإذا قال ابن أبي عمير : « حدّثني زيد النَّرسِي ، قال : حدّثني علي ابن مزيد ، قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) كذا ، لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلاّ تحديث زيد. وهذا ( المراد تصديقهم ) في ما ورد في الطبقة الأُولى واضح وكذلك الحال في الطبقتين الأخيرتين ، أي الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم ؛ لأنّ ما يصحّ عنهم ليس متن الحديث في الاخبار مع الواسطة لو لم نقل مطلقاً. فحينئذ إن كان المراد من الموصول ، مطلق ما صحّ عنهم ، يكون لازمه قيام الإجماع على صحّة مطلق إخبارهم سواء كان مع الواسطة أو لا ، إلاّ أنّه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقُهم ، وتصحيحُ ما صحّ عنهم ، بالنسبة إلى الوسائط ، فلابدّ من ملاحظة حالهم ووثاقتهم وعدمها. (2) 1. مستدرك الوسائل : 25/23. 2. الطهارة : الجزء الثالث : 245. (66)
1. ما هو مختار المحدّث النوري في تفسير عبارة الكشي ؟
2. اذكر الوجوه الثلاثة لمختاره ، وجوابنا عنها. 3. إذا كان المراد من عبارة الكشي توثيق هؤلاء لا مشايخهم ، فلماذا خَصّوا هؤلاء بالذكر ؟ 4. ما هو موقف الأعلام حيال المعنى المختار ؟ اذكر بعض كلماتهم. (67)
الدرس الثالث عشر
التفسير الثاني
لقولهم « تصحيح ما يصحّ عنهم » بشقوقه الثلاثة
قد عرفت أنّ ما ذكره الكشي في اتّفاق العصابة على « تصحيح ما يصحّ عنهم » يحتمل وجهين :
أ. تصديق حكاياتهم وتحديثاتهم. ب. تصحيح رواياتهم وأحاديثهم. وقد مرّ الوجه الأوّل في الدرس السابق ، وحان البحث في الوجه الثاني ، فنقول : إنّ اتّفاق العصابة على تصحيح مرويات هؤلاء وأحاديثهم على نحو يحتجّ بها في مجالات شتّى يمكن أن يكون لأحد أمرين : الأمر الأوّل : احتفاف رواياتهم بالقرائن الخارجية الدالّة على صحّتها. ( هذا هو الشقّ الأوّل ). الأمر الثاني : احتفاف رواياتهم بالقرائن الداخلية الدالّة على صحّتها. ( هذا (68)
هو الشقّ الثاني ). (1)
وإليك التفاصيل : 1. الصحّة ، لاحتفاف أحاديثهم بالقرائن الخارجية إنّ هذا الاحتمال مبنيّ على القول بأنّ الصحيح عند القدماء غيره عند المتأخّرين ، فالصحيح عند القدماء عبارة عن : اقتران الحديث بقرائن دالّة على صدوره من الإمام. منها : أن يكون موافقاً لنصّ الكتاب. ومنها : أن يكون موافقاً للسنّة المقطوع بها من جهة التواتر. ومنها : أن يكون موافقاً لما أجمعت عليه الفرقة المحقّة. ومنها : أن يكون الحديث مأخوذاً من أصل ، أو مصنَّف معتبر ، أو من كتاب عرض على الإمام ، إلى غير ذلك من القرائن الخارجية التي تثبت صدور الحديث. هذا هو الصحيح عند القدماء ، وأمّا الصحيح عند المتأخّرين فهو عبارة عن : كون السند متصلاً بالمعصوم من خلال نقل الإمامي العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات. وسيوافيك في محلّه انّ الحديث عند القدماء كان ثنائيّ التقسيم ( الصحيح والضعيف ) ، وهو عند المتأخرين رباعيّ التقسيم ( الصحيح ، الحسن ، الموثّق ، الضعيف ). وعلى ضوء هذا ، فعبارة الكشّي ناظرة إلى الصحيح المصطلح في ذلك الزمان وهو الخبر المحتف بالقرائن الخارجية ، فيكون مفادُها اتّفاقَ العصابة على صحّة أحاديثهم لأجل القرائن الخارجيّة. 1. وسيوافيك الشق الثالث في الدرس الرابع عشر ، وكلّها شقوق للتفسير الثاني. (69)
وعلى هذا الوجه لا يترتب عليه ثمرة رجالية و هو خيرة المحقّق الداماد في رواشحه ، قال : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، والإقرار لهم بالفقه والفضل والضبط والثقة ، وإن كانت روايتهم بإرسال أو رفع أو عمّن يسمّونه و هو ليس بمعروف الحال ولمّة منهم في أنفسهم فاسدو العقيدة ، غير مستقيمي المذهب.
إلى أن قال : مراسيل هؤلاء ومرافيعهم ومقاطيعهم ومسانيدهم إلى من يسمّونه من غير المعروفين ، معدودة عند الأصحاب ـ رضوان اللّه عليهم ـ من الصّحاح ، من غير اكتراث منهم ؛ لعدم صدق حدّ الصحيح على ما قد علمته من المتأخّرين عليها. (1) يلاحظ عليه : بأنّ العلم باقتران أحاديث هؤلاء بالقرائن أمر صعب للغاية ، فكيف يحصل العلم بها ، لأنّ العصابة حكموا بصحّة كلّ ما صحّ عن هؤلاء من غير تخصيص بكتاب أو أصل أو أحاديث معيّنة ، بل حكموا بتصحيح الكلّ وما صحّ عنهم على حدّ سواء ، فتحصيل العلم بالقرائن الخارجية بكلّ ما روي عنهم على الإطلاق أمر مشكل إلاّ إذا كانت أحاديثهم محصورة في كتاب ، والمفروض خلافه ؟ وسيوافيك تفصيله في بيان الأمر الثاني. 2. الصحة لاحتفاف رواياتهم بالقرائن الداخلية والمراد من القرائن الداخلية وثاقتهم ووثاقة مشايخهم إلى أن تنتهي إلى الإمام ، و هذا هو الذي تبنّاه نخبة من المحقّقين كما حكاه المحقّق البهبهاني ( 1118 ـ 1206 هـ ) حيث قال : المشهور انّ المراد صحّة كلّ ما رواه حيث تصحّ 1. الرواشح السماوية : 45. (70)
الرواية إليه ، فلا يلاحظ من بعده إلى المعصوم وإن كان فيه ضعيف. (1)
وقد اختاره المحدّث النوري وأصرّ عليه وذكر في تأييده وجوهاً نذكر منها وجهين : الأوّل : انّ الحكم بصحّة روايات هؤلاء لو كان مستنداً إلى القرائن الداخلية كوثاقة من يروون عنه ، لكان لهذه الدعوى الكلّيّة وجه ، لإمكان إحراز ديدنهم على أنّهم لايروون إلاّ عن ثقة ، كما هو المشهور في حقّ ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي ؛ وأمّا لو كان الحكم بالصحّة مستنداً إلى القرائن الخارجية التي تفيد الاطمئنان بصدق الخبر ، فإحراز تلك القرائن في عامّة ما يروونه من الأخبار ، إنّما يصحّ إذا كانت أحاديثهم محصورة في كتاب أو عند راو سمعها منهم ، يمكن معه الاطّلاع على الاقتران بالقرائن أو عدمه ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ، فالحكم بصحّة كلّ ما صحّ عن هؤلاء من غير تخصيص بكتاب أو أصل أو أحاديث معيّنة ، يعدّ من المحالات العادية. وبعبارة أُخرى : يمكن إحراز ديدن جماعة خاصة والتزامهم بعدم الرواية إلاّ عن ثقة ، فإذا صحّ الخبر إلى هؤلاء ، يمكن الحكم بالصحّة ، لوثاقة من يروون عنه ، لأجل الالتزام المحرَز ، وأمّا إحراز كون عامّة أخبارهم مقرونة بالقرائن حتى يصحّ الحكم بصحّة أخبارهم من هذه الجهة ، فإحراز تلك القرائن مع كثرة رواياتهم ، وتشتّتها في مختلف الأبواب والكتب محال عادة. يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ معنى هذا الوجه هو أنّ هؤلاء كانوا ملتزمين بنقل الروايات عن الثقات دون الضعاف ، ولازم ذلك انّهم كانوا يحترزون عن نقل الروايات المتواترة أو المستفيضة إذا كان رواتها ضعافاً ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام 1. تعليقة الوحيد على منهج المقال : 6. (71)
به ، إذ لا وجه لترك الرواية المتواترة أو المستفيضة وإن كان رواتها ضعافاً أو مجاهيل ، لعدم اشتراط الوثاقة فيهما.
وبذلك يبطل القول بأنّهم كانوا ملتزمين بنقل الروايات التي يرويها الثقات فقط ، كما تبطل الثمرة الرجالية المترتّبة عليها ، إذ كيف يمكن الحكم بوثاقة عامّة مشايخهم بمجرّد الرواية منهم ، مع أنّهم رووا عن الضعاف فيما إذا كانت الرواية متواترة أو مستفيضة ، ولايمكن تفكيك المتواتر والمستفيض في أعصارنا عن الواحد حتى يحكم بوثاقة مشايخهم في الأخير دون الأوّلين ، فإنّ الكلّ غالباً يتجلّـى بشكل واحد ؟ وثانياً : كما أنّ حصر وجه الصحّة بالقرائن الخارجية بعيد ، كذلك حصر وجهها بالقرائن الداخلية التي منها وثاقة الراوي بعيد مثله ، والقول المتوسط هو الأدق ، وهو أنّهم كانوا ملتزمين بنقل الروايات الصحيحة ، الثابت صدورها عن الإمام ، إمّا من جهة القرائن الخارجية ، أو من جهة القرائن الداخلية ؛ وعندئذ لايمكن الحكم بوثاقة مشايخهم ، أعني : الذين رووا عنهم إلى أن ينتهي إلى الإمام ، لعدم التزامهم بخصوص وثاقة الراوي ، بل كانوا يستندون إلى الأعمّ منها و من القرائن المورثة للاطمئنان بالصدور. وثالثاً : لو كان المراد هو توثيقهم وتوثيق من بعدهم ، لكان عليه أن يقول : « أجمعت العصابة على وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء » أو نحو ذلك من العبارات ، حتى لا يشتبه المراد. ورابعاً : أنّ اطّلاع العصابة على جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة أو معها بعيد للغاية ، لعدم تدوين كتب الحديث والرجال في تلك الأعصار بنحو يطّلعون على أسمائهم جميعاً. الثاني : انّ جماعة من الرواة وُصفوا في كتب الرجال « بصحّة الحديث » (1) 1. لاحظ في الوقوف على أسماء من وصفت أحاديثهم بالصحّة كتاب « كليات في علم الرجال » : 198 ـ 199. (72)
ولايمكن الحكم بصحّة حديث راو على الإطلاق إلاّ من جهة وثاقته ، ووثاقة من بعده إلى المعصوم ، ولا فرق بينهم و بين أصحاب الإجماع إلاّ كونهم مورد اتّفاق دون هؤلاء.
يلاحظ عليه : أنّ صحّة الحديث كما تحرز عن طريق وثاقة الراوي كذلك تحرز عن طريق القرائن الخارجية ، فالقول بأنّ صحّة أحاديث هؤلاء كانت مستندة إلى وثاقة مشايخهم ليس له وجه ، كالقول بأنّ إحرازها كان مستنداً إلى القرائن الخارجية ، بل الحقّ انّ الإحراز كان مستنداً إلى الوثاقة تارة وإلى القرائن أُخرى ، ومع هذا العلم الإجمالي كيف يمكن إحراز وثاقة المشايخ بصحّة الأحاديث مع أنّها أعمّ من وثاقتهم ؟! 1. ما هو التفسير الثاني لقولهم : « تصحيح ما يصحّ عنه » ؟ 2. ما هو المراد من الصحيح عند القدماء ، والصحيح عند المتأخّرين ؟ 3. ما هي القرائن الخارجية ، وهل يمكن تصحيح رواياتهم على ضوئها ؟ 4. ماهي القرائن الداخلية ، وهل يمكن تصحيح رواياتهم على ضوئها ؟ 5. ما هو دليل المحدِّث النوري على أنّ المرا د من عبارة الكشي : تصحيح رواياتهم لأجل القرائن الداخلية ؟ 6. ما هو موقفنا حيال دليل المحدّث النوري ؟ (73)
الدرس الرابع عشر
الشق الثالث
قد عرفت أنّ الكشّي ذكر اتّفاق العصابة على هؤلاء في مواطن ثلاثة ، والمراد منها في عامة المواضع أمر واحد ، لكن يظهر من المحقّق الشفتي التفصيل بين العبارة الأُولى وبين الثانية والثالثة ، وانّ المراد من الأُولى تصحيح الحديث ومن الأخيرتين توثيقهم وتوثيق مشايخهم إلى آخر السند ، ولأجل ذلك اكتفى في الطبقة الأُولى بذكر التصديق من دون إضافة قوله : تصحيح ما يصحّ ، دون الأخيرتين.
للتفسير الثاني وإنّما فعل ذلك ، لأنّ الطبقة الأُولى يروون عن الإمام بلا واسطة ، فيكون المراد هو صحّة أحاديثهم ؛ بخلا ف المذكورين في الطبقة الثانية والثالثة ، فهم يروون تارة بلا واسطةوأُخرى معها ، فيكون المراد توثيق مشايخهم. يقول المحقّق الشفتي في هذا الصدد : إنّ نشر الأحاديث لمّا كان في زمن الصادقين عليهما السَّلام وكان المذكور في الطبقة الأُولى من أصحابهما ، كانت روايتهم غالباً عنهما من غير واسطة ، فيكفي للحكم بصحّة الحديث تصديقهم ؛ وأمّا المذكورون في الطبقة الثانية والثالثة ، فقد كانوا من أصحاب الصادق والكاظم والرضا ( عليهم السَّلام ) ، وكانت رواية الطبقة الثانية عن مولانا الباقر ( عليه السَّلام ) مع الواسطة ، وكانت الطبقة (74)
الثالثة كذلك بالنسبة إلى الصادق ( عليه السَّلام ) ولم يكن الحكم بتصديقهم كافياً في الحكم بصحة الحديث ، ما اكتفى بذلك ; ولذا قال : « أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ». ولمّا تحقّق رواية كلّ من في الطبقة الثانية عن مولانا الصادق ( عليه السَّلام ) من غير واسطة ، و كذلك الطبقة الثالثة عن الكاظم و الرضا عليهما السَّلام ، أتى بتصديقهم أيضاً.
والحاصل : انّ التصديق فيما إذا كانت الرواية عن الأئمّة ( عليهم السَّلام ) من غير واسطة ، والتصحيح فيما إذا كانت معها. (1) يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ ما ذكره تفسير ذوقي لا يعتمد على دليل ، ومخالف لوحدة السياق ، فإنّ الظاهر انّ معقد الإجماع أمر واحد لا أمران. وثانياً : أنّ ما ذكره من أنّ رواية الطبقة الأُولى كانت عن الإمام بلا واسطة غالباً ، غير تام ، يعرف بعد الوقوف على مشايخهم في الحديث من أصحاب الأئمّة المتقدّمين كالسجاد و من قبله. وهذا زرارة ، يروي عن ما يقرب من أربعة عشر شيخاً ، و هم : 1. أبو الخطاب ، 2. بكير ، 3. الحسن البزّاز ، 4. الحسن بن السري ، 5. حُمران ابن أعين ، 6. سالم بن أبي حفصة ، 7. عبد الكريم بن عتبة الهاشمي ، 8. عبد اللّه بن عجلان ، 9. عبد الملك ، 10. عبد الواحد بن المختار الأنصاري ، 11. عمر بن حنظلة ، 12. الفضيل ، 13. محمد بن مسلم ، 14. اليسع. (2) وهذا محمد بن مسلم ، يروي عن ستة مشايخ ، وهم : 1. أبو حمزة الثمالي ، 2. أبو الصباح ، 3. حمران ، 4. زرارة ، 5. كامل ، 6. محمد بن مسعود الطائي. (3) 1. السيد الشفتي : الرسائل الرجالية : 5 ، الطبعة الحديثة : 42 ـ 43. 2. معجم رجال الحديث : 7/247 برقم 4662. 3. معجم رجال الحديث : 17/233 برقم 11776. (75)
وهكذا غيرهم من الطبقة الأُولى.
إلى هنا تمّ توضيح المعنيين ، وقد عرفت أنّ المختار هو المعنى الأوّل ، وأمّا المعنى الثاني فهو بتفاسيره الثلاثة غير تام. حجّية الإجماع الوارد في كلام الكشّي قد ادّعى الكشّي إجماع العصابة على « تصحيح ما يصحّ عن جماعة » فيكون ما ادّعاه بالنسبة إلينا إجماعاً منقولاً ، فينطوي تحت لواء الإجماع المنقول ، المبحوث عنه في علم الأُصول ، والمعروف فيه هو عدم حجّيته ، لوجهين : الأوّل : انّ ناقل الإجماع في الفقه ، ينقل السبب عن الحس وهو اتّفاق العلماء ، وينقل المسبب أي قول المعصوم عن حدس ، وأدلّة خبر الواحد لاتشمله ، لأنّه نقل قول المعصوم عن حدس. وبما انّ الكشّي ليس بصدد نقل قول المعصوم ، بل بصدد بيان اتفاق العصابة على « التصحيح » ، لا يرد عليه ذلك الإشكال ، إنّما يرد عليه الإشكال التالي. الثاني : انّ اتّفاق العلماء إنّما يلازم قول المعصوم ، شريطة أن يكون هناك تتّبع تامّ لكلماتهم جيلاً بعد جيل ، والغالب في الإجماعات المنقولة ، فقدان هذا النوع من التتبّع وعدم الاستيعاب لكلمات الفقهاء. والإجماع المنقول في كلام الكشّي إجماع منقول يحتمل فيه ما يحتمل في سائر الإجماعات المنقولة ؛ إذ ليس من البعيد أن يكتفي الكشي بكلام جماعة من العلماء فيدّعي اتّفاق العصابة ، ومن المعلوم أنّ مثل هذا السبب الناقص لا يكشف عن شيء ، فلا يمكن القول بأنّ اتّفاق هؤلاء يلازم وثاقتهم واقعاً. والذي يسهّل الخطب انّ الذي توحيه عبارة الكشّي ـ في نظرنا ـ أمر ثابت |
|||
|